نصوص أدبية

نورالدين حنيف: حِضْنُ الْقَوارِير

إهداءٌ إلى

كلّ أنْثَى تبْنِي رَمضَانَها

من مادّةِ الصّبر والمحبّة، اختياراً لا إكراها.

***

يا حَادِيَ الْعِيسِ، لا تُسْرِعْ بِنا خَبَبا

وَ حاذِرِ الْخَطْوَ، فَالْمحْمُولُ قَدْ رَطُبا

**

هُنّ الْقَوارِيرُ، منْ مِسْكٍ شَذَا عَبَقا

قَطْرُ النّدَى، منْسمٌ قَدْ سَالَ مُنْسَرِبا

**

هُنّ الرّياحِينُ، أنْفاسٌ لَها كِسَرٌ

قَدْ بَاءَ منْ كَسّرَ الرّيْحانَ مُرْتَعِبا

**

لَهُنّ صَبْرٌ خُرافِيٌّ، إذا نَشَبَتْ

فِيهِنّ نارٌ بعِشْقٍ... أشْعَلَتْ لَهَبا

**

يَجُدْنَ فِي رَمَضانٍ جودَ سَابِغَةٍ

مِنْ مُزْنَةٍ هَتَنَتْ، قَدْ سَابَقَتْ صَبَبا

**

يَجُدْنَ جُوداً بِلا حَدٍّ وَ لا عَدَدٍ

مِثْلَ المَنابِع سَالَتْ، تُنْكِرُ النّضَبا

**

أجْمِلْ بِهنّ فَراشَاتٍ بِأَجْنِحَةٍ

تُعانِقُ الْفَجْرَ رَبْتاً حَادِباً حَدَبا

**

وَ غَيْرُها سَادِرٌ فِي نَوْمَةٍ عَسَلٍ

تَرْنُو لَهُ شَغَفاً، لا تَشْتَكِي نَصَبا

**

تَظَلُّ فِي شاغِلٍ تَطْهُو لَذَائِذَها

تَطْرِيزُ كَفٍّ صَناعٍ، أنْجَزَتْ عَجَبا

**

لَوْحاتُ طَبْخٍ تَناهَتْ فِي أنَامِلِها

تَصوغُها صَوْغَ مَنْ عَزّتْ بِها طَلَبا

**

تَنالُها فَلَذاتٌ زَانَها شَغَفٌ

كَذا طُيُورٌ بِرِيشٍ، أنْبَتَتْ زَغَبا

**

مِنْهُم شَبابٌ بَرا الدّنْيا مُطالَبَةً

لَهُ طُموحٌ غَدا لا يَنْقَضِي رَغَبا

**

كُلٌّ يُناغِي شَهاءً يَبْتَغِي أَرَباً

حِضْنُ الْقَوارِيرِ حِضنٌ بارَكَ الْأرَبا

**

فطُورُها، ما تَراهُ الْعَيْنُ لا شَبَعاً

تُهِدِيهِ حُبّاً لِمَنْ صَوْماً نَوى تَعِبا

**

وَ منْ رَمى عَيْنَه، يَخْتارُ مَأدُبَةً

فِي وَجْبَةٍ... دَفَعَتْ، مِنْها الرِّضى انْسَكَبا

**

سحُورُها عَينُها لا تَبْتَغِي سِنَةً

تَطْهُو هَزِيعَ لَيَالٍ، كَحّلَتْ هُدُبا

**

تَبِيتُ سَاهِرَةً عَيْناً عَلى فَلَذٍ

حتَّى يَبِينَ سَوادٌ من سنىً، نَجَبا

**

تَدومُ عامِلَةً، تَقْتاتُ مِنْ جَلَدٍ

تخْتارُ حَبْلَ رَسُولٍ، سُنَّةً سَبَبا

**

وَهْوَ الْحَبِيبُ الّذِي أوْصَى بِمَنْ شَرُفَتْ

قَارُورَةً... كَسْرُها عَيْبٌ جَنَى غَضَبا

**

فَلا تَكُنْ جاهِلاً لِلْعِطْرِ مِنْ عَبَقٍ

تَأَرّجتْ جَنَباتٌ مِنْ شَذىً عَذُبا

***

نورالدين حنيف أبوشامة

من ديواني (إيقات طائشة لماءٍ عارٍ)

في نصوص اليوم