نصوص أدبية
جودت صالح: فرويد ونفق الشيزوفرينيا!!
من الصعب التعرض لعالم النفس الشهير فرويد، ولكن من السهل الحديث عن الشيزوفرينيا حين يكونان معا في غار واحد .. دخل فرويد الانسان في احد مخابئ الحياة ظنا منه بانه مأوى آمن، وكان ينظر بتعجب شديد الى ما هو كائن ويتفحص الاشياء من حوله كما لو كان يراها لاول مرة، فرأى أشجار خضراء يانعة مكتظة بالقرود السمينة وأشجار يابسة كثيفة تعيش في ظلالها قردة على الفتات فضلاً عن فضاءات مترامية يسكنها الصمت وثعابين الغاب .
ضرب فرويد كفاً بكف واشاح بوجهه المتجهم وقال لم اكن ادرك ان القردة لا تشبع حتى الاوراق تسقطها على الارض، فما الذي سيتبقى للغاب من نظارة وجمال .. وسأل نفسه كيف يتنفس الانسان من دون ذلك؟ وكيف يمكن له العيش في صحراء الوهم؟ ثم تمتم مع نفسه،
دعني افكر بأني في عالم اخضر لعلي انسى هذا التفكير البائس لكي أستيقظ على كينونة اخرى اسميها الأنا المتضخمة لتكسبني شعورا اكبر من هذا البؤس وهذا المقام .
تقدم في مشيته نزولا تحت الارض داخل المأوى فوجد حمارا واقفا في الطريق لا يتحرك فيه شيء سوى ذيله بعصبية لأن ذبابة واحدة هي سبب بؤسه فلا هو قادر على قتلها ولا هي قادرة على امتصاص دماءه دفعة واحدة، انما تركته في بؤس شديد .
مر من وراء ذيل الحمار فلطمته رشقة سريعة على مؤخرته، غادر بعدها إلى حيث ضجيج الصمت الذي يعم المأوى.
تطلع من فتحة صغيرة الى عالم يملؤه الضجيج رغم هالات الضوء التي تتحلق كبالونات الاعياد وهي تسبح في فضاءات الآمعنى، ارتعب وعاد الى فضائه المأزوم لكي يملء حقيقته بوهم أن قامته باتت طويلة جداً وساقاه ثابتتان وراسه شامخاً وعيناه شاخصتان في البعيد اللآمرئ كأنه سراب. ولكنه سرعان ما بات يرى العالم من حوله صغيرا والناس اقزام وهو منتفخ وعلى وشك الانفجار.
عاد الى وضع الاختيار بين ان يتلاشى كنفخة في واد أو أن يرجع كينونته دون تضخم، وحاور صديقه :
نعم، كانت معركة شرسة خسرت فيها عمقي .. ولكن كيف أفسر ذلك؟ أجل أجل، خسرت بيئتي وخسرت بنيتي وخسرت قدراتي ..
وماذا بعد؟
ووجدتني فوق الركام .. والركام يحيطني من كل جانب .. وانقطع عني الخط، وانكسر في يدي المفتاح، ولم تعد الخطوط امامي مترابطة.
وتساءل، ما الذي جرى؟
ألا تعلم ما الذي جرى او يجري فعلاً يا صديقي؟
اعرف ملامح الاحداث ومجريات ما يحدث، ولكن لا اعرف لماذا.!!
اصغي إلي يا صديقي .. إن خلاصة الذي يجري يسمونه المأزق dIlemma، بين اعلان الأهداف وإنعدام القوة .. ولكن، ما الذي أوصل الأمر إلى هذا الحال؟ من هو المسؤول عن ذلك؟
لا اعلم، ولكني على يقين إن هذا هو المأزق.
نعم، وأنا على يقين من ان دخول النفق من اجل الوصول الى نتيجة باهظة الثمن ادى الى خسارة سني العمر وخسارة الانتظار عند فتحة يسمونها نهاية النفق.
ولكن، كيف سيخرج ذلك الحمار من هذه الفتحة الضيقة يا صديقي؟
ألتفت فرويد وحدق في سقف النفق ثم اخذ يعبث بتراب الأرض عله يفتش عن إجابة ممكنة وتمتم مع نفسه، إذا أستطاع الحمار ان يخرج من هذه الفتحة، فأنا لن اخرج منها وحديداً إلا مع الشيزوفرينيا..!!
***
د. جودت صالح
12تشرين الثاني 2024