نصوص أدبية

جميل حسين الساعدي: قصيدتان عن الأطلال والتماثيل

القصيدة الأولى:

ضيّعتِنـي فـــي لحظةٍ مجنونـةٍ

مـِن بعدما قــــدْ أينعتْ آمــــالُ

*

لغة الحديثِ تهشّمتْ في لحظةٍ

فعلى فمــــــي كلماتُها أوصالُ

*

وبكيتُ مثْلَ الطفْلِ أمسحُ أدمعا

نطَقَتْ بما لـــمْ تفصحِ الأقوالُ

*

فتأمليها إنّها الشعْـــــــرُ الذي

في صدْقِهِ تتكشّفُ الأحــــوالُ

*

أمّــا الذي سطّرتُهُ بدفاتـــري

مِـنْ قبْلُ فهـــوَ تصوَرٌ وخيالُ

*

الشعرُ ليسَ هو الحروفُ وإنّما

لغة الجوارحِ دمعـــها السيّـالُ

*

صمْتي صراخي ضحكتي شعرٌ بهِ

أشدو كمـــا يتصرَفُ الأطفالُ

*

دنيايَ عاطفةٌ وحسٌ مُرهــفٌ

فلكـــــــلِّ حالٍ فُسحـةٌ ومجالُ

*

فلتقرأينــــي هـكـــــذا بتجـــردٍ

مـــا كــلُّ شئٍ باللسانِ يُقـــــالُ

*

إنّي عشقتُـكِ فوقَ كـــُلِّ تصوّرٍ

وحسبتُ أنّكِ للوفــــــاءِ مثــالُ

*

فسلكتُ درْبَ الوالهين مُغامرا

لــمْ تُثنِني ألأخطـارُ والأهوالُ

*

لكن غدرتِ وقدْ جعلتُكِ قبلتي

والحبُّ إنْ ذهبَ الوفــــا قَتّالُ

*

فوددْتُ أنّي كنتُ مَحْوا لمْ أعِشْ

يوما فلا ذكرى ولا أطــــلالُ

*

حطّمتُ من زمنٍ تماثيلَ الهوى

لمّا هوتْ مِنْ قبضتي الأغلالُ

*

ما كنتُ أعرفُ بعْدَ أنْ حطّمتُها

أنَّ التـــــي احببتُـها تِمْثــــــالُ

*

ضيّعتِنـــــي لكنّمــا انْقذتِنــــي

فنجوتُ مِـنْ كيْدِ التـــي تغْتالُ

*

أنا إن صفحتُ فذاكَ سرُّ طبيعتي

فالصفْحُ عنـدَ الإقتدارِ جمــالُ

*

وإذا غفرتُ فكـلّ شئ ممكــنٌ

إلا الرجوعُ إليكِ فهْـوَ مُحــالُ

***

القصيدة الثانية:

قالت عشقتُك قلت لا.. لا تعشقي

إيّاك أنْ تتسرّعـــــــي وترّفقــي

*

لا تجعلي منّي لعشقــــك كعبــةً

أنا كنتُ وهما في حياتكِ صدّقي

*

لا تقرأي كُتبي القديمــــــة إنّها

بعضٌ من الأحلام لــــمْ يتحققِ

*

ودعيك مِن سحْرِ الهوى لن تقدري

أنْ تنقليني مثْــــل نقْــــل البيدقِ

*

إرمي شباكك سوفَ لنْ تتمكّني

منّــي بمكـــــرٍ أو ببعضِ تملّقِ

*

فأنا كظلٍّ لســتُ أُمسَكُ بل أنــا

مترجـرجٌ مُتحركٌ كالزئبـــــقِ

*

أنا آخرُ العشّاقِ من زمن الهوى

كمْ حاولوا حَرْقـــي ولمّا أُحْرَقِ

*

قد مزّقوا كتبي ولكنْ فــي دمي

بعضٌ مِن الأوراقِ لــــمْ يتمزّقِ

*

قد عدتُ أنزفُ حاملا جرحي معي

وألفُّ حولَ الجُرْحِ خرقةَ بيرقي

*

وعلى فمي من أمسِ بعضُ قصائدٍ

أشدو بها متمترسا فــي خندقــي

*

وأقولُ صبرا يا جميلُ على الذي

لاقيتَ فـــي هذا الزمانِ الأحمقِ

*

ما عـــادَ بحرٌ يستثيرُ مشاعري

ويهزّ أشواقـــــــي لموجٍ أزرقِ

*

أمّا الريــــاح فقدْ سئمتُ هبوبها

فلكمْ شكا منها وولولَ زورقـي

*

جعلوا حياتي أمسِ سجنا مُظلما

فهربتُ من سجني الكئيبِ الضيّقِ

*

بالحبّ قد حرّرتُ نفسي صادقا

مــــن عالم مُتحجّــــــرٍ متزندقِ

*

فحملتُ مطرقتــي لأهدمَ ناقمــا

كــــلّ التماثيلِ التي لمْ تنطـــــقِ

*

زمــــــن الهوى ودعتـــهُ فكأنّهُ

حلمٌ تلاشى فـــي صُباحٍ مُشرقِ

*

سأعيشُ بالذكرى وللذكرى فما

مِنْ خمرة في الكأسِ أو في دورقي

*

لا ترسميني مثلمــــا تبغيننــــي

مــــا كلُّ شيئٍ في حياتي منطقي

*

فإذا وجدتِ بأنني غيــــر الــذي

قـــــدْ كنت تنتظرينهُ لا تقلقــي

*

قولي باني قــــدْ ولدتُ حجارةً

لمْ أدرِ ما معنى الهوى.. لم أعشقِ

*

أمّا كتاباتـــــــي التــي أرسلتها

فلتهمليها أو إذا شئتِ احرقـــي

***

جميل حسين الساعدي

 

في نصوص اليوم