نصوص أدبية

مجيدة محمدي: منامٌ يجيءُ من جهةِ الضوء

في المساءِ الخامس والعشرين بعد الألفين،

حين كان القمرُ مستلقياً على خاصرةِ الضيم،

نمتُ على ظهري كمن يخلعُ التاريخَ عن كتفيه،

ـــــــــ وفي الحلم،

وصلني بريدٌ مستعجل،

مختومٌ بشفاهٍ قُبْلتُها البنادق،

مُرسلٌ من جهةٍ

لا تُحددها الخرائطُ

ولا تعترفُ بالجغرافيا

*

فتحته،

فخرجَت منه رائحةُ الزعترٍ،

وغبارُ لهو صبيٍ كان يركضُ في الحقول،

كانت الرسالةُ مكتوبةً على قماشِ كوفية،

بالدمِ الأحمرِ.

*

قالوا لي:

"لا توقظي الصباحَ قبل أن تغرسي في عينيه بندقيّة،

ولا تنامي في ظلّ علمٍ لا يرتجفُ حين يذكر اسم أمّك."

*

قالوا:

"نحن لم نمت لنصبح صوراً،

ولا لنعيد ترتيب الخسارات في المتاحف.

لقد صعدنا،

بخطوةٍ واحدةٍ

من الطين إلى المجد،

لكي لا تنحني الأرض."

*

يا أنتِ،

التي ما زلتِ تكتبين بالشك،

ويأكلكَ الحذرُ كالنملِ الأبيض في الورق،

نحن نعرفُ

أنك تخبئين القصيدةَ تحت وسادتك

لتهربي من طلقةٍ تأتيك من الخلف،

لكن تذكّري:

الشعرُ أيضاً مقاومة،

إذا ما خُطّ من عروقِ الصرخة،

ومن نبضِ النخيلِ الذي لا يسجدُ للعاصفة...

*

كانت الرسالةُ طويلة،

كأنها خطبةُ الوداعِ الأخير،

وكان في آخرها توقيعاتٌ من شهداء لم أعهد أسماءهم،

لكنني عرفتُ وجوههم:

امرأةٌ تبتسمُ لطفلٍ في حقلِ قمح،

رجلٌ يشرب الشاي على عتبةٍ عتيقة،

فتاةٌ ترتّب ضفائرها قبل الحفل،

وعصفورٌ يرفرفُ فوق خوذةٍ صدئة.

*

قالوا:

"إذا وصلتك رسالتنا،

فارفعيها فوق رأسك،

كسماءٍ جديدةٍ لا يدخلها إلّا المؤمنون بالحُبّ والسلاح.

ولا تنحنِي،

حتى وإن ثقلت الكلمات،

فالشهداء لا يكتبون للذين يقايضون الحريّة بالخبز،

بل للذين يعجنون الحريةَ من حُزنِ أمهاتهم،

ويصنعون منها وطنًا لا يُنسى."

*

ثم رأيتهم،

يمشون في الضوء،

حفاةً كما وُلدوا،

يضحكون

كأنهم لم يُقتلوا،

كأن الرصاصَ عادَ إلى فوهته،

كأن الأرض لم ترتوِ من دمهم،

استيقظتُ

وكان على صدري أثرُ وردة،

ورائحةُ دخانٍ معتق،

وفي أذني صوت يتردد:

"تابعي،

فنحن لم نمت لنراك صامتة "

***

مجيدة محمدي - تونس

 

في نصوص اليوم