نصوص أدبية
نضال البدري: استجمام
أريد الطلاق...
أبتسم ابتسامة واهنـَة ، لم أعتد سماع النكات منك هل قلت الطلاق !!
كانت تبدو كفراشة تزهو بألوانها فرحة سعيدة بعودتهِ، ضمته بالأحضَان وبالقبلات أمطرته، وكأنها تلتقيه لأول مرة، بعد عودته من رحلة استجمام الى قضاها بعيدا عنها. أهتمت بزينتها حتى أنها تخلت عن نظارتها الطبية يوم وصوله وفي الأيام التي تلته. منذ الصباح الباكر كانت تضَع أحمر الشفاه، وترتدى ثياباً شفافةً مثيرة، أطلقت شعَرها للريح، وعفرتُه بعطرٍ فرنسي فاخر، ليعكس عطرها الهرموني المفعم بالأنوثة، كانت بشوقٍ كبير من أن تمُارس حياتها الزوجية معه.
لفتَ نظرهٌ ذلك الشوق والتغيير الذي طرأ عليها، مُحْدَثًا نفسه أين كنت قبل ذلك بكثير، كتبك تصطف تنتظرك فوق رفوف المكتبة ألست بشوق أليها، ام أرتد اليك وعيك وصار شوقك الي أكبر. صار يلتفت نحوها حيَن تروح وتجيء من أمامه، وهو جالس فوق كرسيه الهزاز، وَيَتَفَرَّس بوجهِها وجسدها الهزيل بعينِ عدم الِرضى رغم كل ما فعلته لأجله.
محدثا نفسه: كم أنا بشوقٍ لتلك الأماَكن الملونة ذات الألوان الساطعة والفساتين العارية، والاجساد التي تزيد الرجال فحوله حين يقع النظر عليها، إحداهن مفعمة بالحيويةِ كديك، كم أفتقد لتلك النشوة، ليتني بقيتُ بعضا من الوقت ولم أستعجل العودة..
بعد مضي عدة أيام، فجأة تعرق جبيُنها وهي ترتشفٌ الشاي شعرت بخمول، وألهبت جسدها حمى شديدة وإعياء ألزمها الْفَرَّاش أثار قلقه كثيرا قام باصطحابها إلى الطبيب ، الذي أطلع على حالتها وطلب منها وفوراً إجراء فحوص وتحاليل شاملة، كانت نتائجها تؤكد بأنها مصابة بمرض المناَعة المكتسبة (الإيدز). الذي ينتقل غالبا عن طريق الجنس طُمْئِنهَا الطبيب قائلا لها : يؤسفني أن أبلغك بأنك، وكما توقعت مصابة (بالإيدز)، يجب أن تكون لديك إرادة قوية وأن تعتادي على هذا المرض، وتتعايشين معه لا سيما أن الطب قد تقدم كثيرا، كما وأنصحك الالتزام بأخذ الجرعات الدوائية في أوقاتها المحددة، كي لا تتدهور صحتك من جديد كما، وعليك الابتعاد عن زوجك تجنبا للعدوى.
نظرت إليه نظرة تحمل قدرا كبيرا من الغضب والعتاب.
- أنت من جلب العدوى ونقل المرض الي. أبدى استغرابا خوف شديدا.
-أرجوا أرجأ الكلام هذا الى وقت تكوني فيه أكثر هدوء، لن أقوم بخيانتك صدقيني ابعدي عن رأسك تلك الأوهام، ولا تدعي الغراب ينعق في رأسك.
لربما هي أحواض السباحة غير المعقمة هي من نقل العدوى الي، والتي انتقلت بدورها إليك. اعترتها نوبة غضب وسعال شديدتين، اضطرت أن تنقطع عن الكلام، بل هي (غيبة الضمير) محدثه نفسها.
صار يغيب كثيرا خارج المنزل، والليل يقضيه منعزلا جالسا على كرسيه الهزاز منهمكا يقلب في هاتفه الجوال وحساباته الالكترونية، بدأت الظنون تساورها بذلت جهدا كبيرا محاولة تكذيب ظنونها، مع أنها كانت بحاجة لأن تجد تفسيرا وجوابا لتساؤلاتها.
بعد مرور عدة أيام فوجئت بوصول بريد إلكتروني، على جهاز الحاسوب أثناء تواجده خارج المنزل، مما أتاح لها معرفة الفرصة لمعرفة ما كتب فيه، كان البريد مرسل من قبل ادارة المستشفى التخصصي بالأمراض المعدية و حفاظا على سريته، لا يفتٌح الا بعد ادخال الرمز الذي لا يعرفه سواهما دفعها الفضول كي تقوم بفتحه وقراءة ما بداخله.
- ردا على خطابكم الأول وبعد الاطلاع على النتاَئج الاخيرة من الفحوص تبين أنك مصاب بأحد الأمراض المعدية ونخص بالذكر امراض المناعة المكتسبة (الإيدز). راجين مراجعتكم لنا واجراء اللازم.
كان من الواضح أنه على ما يبدو ردا على رسالة سابقة أرسلت إليهم، قامت بفتحها أيضا، طافت بين سطورها وهي تقرأ بتاّني ما كتب فيها.
- الى إدارة المستشفى و حضرة الطبيب المعالج، اصف لكم حالتي وبشكل مفصل، وكما أطالب بالسرية التامة حفاظا على وضعي الأسري و الاجتماعي.
أذكر لكم بأنـي قد قمت بمضاجعته إحدى النساء الآسيويات كما وكنا عاريين تماما مما جعل الملامسة الجسدية الكاملة بيننا، و لأكثر من مرة، ولا أذكر كم مرة كانت على وجه التحديد، دون أخذ الحذر والحيطة ومنها وضع الواقي الذكري، وبعد مرور عدة أيام، شعرت بارتفاع في درجات الحرارة والم في المفاصل وأعياء شديد. ارجوا الرد على رسالتي حين الانتهاء من أجراء الفحوصات اللازمة... تحياتـي
كانت تعرف، أو أنها لا تعرف بأنها تعرف وبأن الحقيقة مدفونة بداخلها، أغلقت عينيها محاولة تقويض الوجع، ثم أجهشت بالبكاء، الخيانة تقتل الحب، هل يحق رد الخيانة.. بالخيانة !!
كان هناك صوت داخلها يقول افعليها لو استطعت. وهي في طريقها للقاء رجل أخر كانت على موعد معه.
***
نضال البدري / العـراق