نصوص أدبية

نصوص أدبية

شعرتُ فجأة إني عارية تماماً وجميع الجالسين في الكافيتيريا التي لجأت إليها بعد تجوال طويل يحدِقون بثنايا جسدي، وانا شاردة النظرات هنا وهناك، أتفحص ملامح الوجه الذي أطل عليّ من مرآة الكوافير بعد قص شعر رأسي حتى الكتفين وصبغه باللون البني الفاتح، ووضع المكياج الساطع تحت وهج الـ “سبوت لايت”، مرتدية فستان لم أنزعه عني بعد قياسه في غرفة المرايا المتفابلة الصغيرة، ووضع الحجاب الحريري وثيابي الفضفاضة في كيس رميته في أقرب سلة قمامة، الفستان الجديد زاهي الألوان، يكشف عن جزء من صدري، يبرز خصري وينحسر عند ركبتيّ المستديرتين، كما لو أني لم أغادر المرحلة الثانوية، أو أنني أكتشف أنوثتي مجدداً في أعين الرجال، متحدية إثارة كل نساء المدينة، رغم ما يظهرنّ من فتنة مستغربة ما كنت أرتدي، استغراب لا تتمكن النظرات المتطفلة من مواراته تحت حجب مراعاة الحرية الشخصية في بلاد الحريات.

ها قد أصبحت مثلهنّ الآن، من الخارج على الأقل، لا يربكني أي تمييز ولا ينتفض الخوف في صدري من أن أساق إلى التحقيق مرة أخرى، مع أن الأمر ليس بهذه البساطة، فلربما وجدوا فيه تمويهاً يثير الانتباه أكثر بدلَ  استبعادنا عن دائرة الشبهات، خاصة وأني وهاشم ـ زوجي ـ كنا من الأصدقاء المقربين لحسن.3582 احمد غانم

الغريب أنه لم يكن يبدو عليه أي شيء، لا من خلال تصرف أو كلام أو تلميح حتى، بعيدأ كل البعد عن ذلك الإرهابي متسَيد شاشات الفضائيات، حسن الذي يهم بالمساعدة دون سؤال، يقرض أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً، غير مكترث يسداد الدين، بل ربما ينزعج ويحنق كالأطفال، كأنه يريد التخلص من النقود بأية طريقة، نقود لا يظهر تأثيرها على مستوى معيشته، كما لا يحتار في ذكر مصادرها، فهو هنا منذ عقود ودائم التنقل من بلد إلى آخر، وغير أمر النقود يستطيع تدبر فرص عمل مناسبة، غالباً ما تكون صعبة المنال، عبر اتصالاته الهاتفية، فعل ذلك مع هاشم قبل عدة سنوات، عندما أوجد له عملاً في شركة أكبر من الشركة التي استغنت عنه ضمن عدد من الموظفين كي تحافظ على كيانها من الانهيار.

حسن انتحاري! وعلاقاته النسائية المتعددة، وإسرافه في شرب الخمر الذي كنا نلومه عليه، من أجل صحته على الأقل، تطرفه (السري) كان يحلل له كل هذا، أم أنه تحول إلى شخصية أخرى، في غفلة منا جميعاً، لسببٍ لا ولن يدرك سره إلا الله، مات ومعه غموضه وتركنا في حيرة التساؤلات ودهشتها، نُبذنا معه عن دنيا خيمَت علينا طمأنينتها إثر عناء بحث عن مستقر نبدأ فيه من جديد، وعلى ما يبدو ليس لبداياتنا من انتهاء، كما ليس لتنكرنا من انتهاء.

أكان في حجابي أيضاً بعض التنكر، أو بالأحرى تقمص شخصية انتزعها مني ذلك الانفجار المفزع للجميع!

لكنني ارتديته عن اقتناع كامل وأنا في الكلية، ربما بتأثر من بعض زميلاتي وصديقاتي في بادئ الأمر، إلا أني تشبثت به أكثر لدى قدومنا إلى هنا، وإن كان سبب حرماني من عدة وظائف تقدمت لأجلها، رغم حاجتنا إلى كل مصدر دخل، خاصة في الفترة الأولى لغربتنا، هاشم من جهته لم يود التدخل في هذا الشأن، محترماً حرية اختياراتي منذ بدء علاقتنا، مع أنه أخبرني أكثر من مرة عن عدم اقتناعه بجدوى حصانة الحجاب للمرأة، اغتظت من رأيه لحين، لكني في النهاية وجدته اختلافاً من اختلافات وجهات النظر بيننا، لن تتسبب بأي صدع في قوة حبنا ومستقبل زواجنا، وهذا ما حدث بالفعل.

بهتَ وجهه لدى رؤيتي في هيئتي الجديدة، ولم يعلِق بكلمة، متفهماً سبب قراري المفاجئ، يستقرئ ما بداخلي عبر نظرات كانت دوماً أبلغ من أي كلام أو نقاش، وفي هذه المرة أراد كلانا اختزال الكثير في صمتٍ متوتر، مضطرب من مجريات الأحدات وتداعياتها علينا، ويكفي ما أخبرني به عن تخوفه من قرار فصله، فقط لأن صديقنا الانتحاري كان سبباً في توظيفه، رغم إثبات كفاءته في العمل، وعن ما يثيره من نظرات متشككة، توَجس التعامل معه من قبَل زملائه الذين توطدت علاقته ببعضهم إلى درجة الصداقة، والصداقة الحميمة أيضاً؛ أما أنا فقد تهت وسط الطريق، مرفوضة من صديقاتي المحجبات والملتزمات بإقامة شعائر وفروض الله في أي مكان ومهما كانت الظروف والتحديات، بتعصب لم أفطن إليه فيهنّ سابقاً، وكذلك صديقات أخريات كنّ مقربات جداً بالنسبة إليَ، رغم كل اختلافاتنا، أخذنّ بالابتعاد عني شيئاً فشيئاً وبحجج واهية مختلفة، اختلقتها المخاوف من كل ما قد يصدر عنا، نحن الأغراب، وإن لم يبدُ من تصرفاتنا ما يدعو لمجرد وهم الشك، والأهم من كل هذا ما صار يواجهه أبنائي في مدارسهم ويعود بهم إلى البيت ساخطين وناقمين، وحتى كافرين بكل شيء، بكل ما حاولت ووالدهم تربيتهم عليه منذ بدء وعيم في سوح بلادٍ أبحرنا نحوها قبل ولادتهم، محتفظين بوطننا الأصلي، وبأقصى ما نستطيع من تفاصيل، بين جدران كل شقة ودار صغيرة احتوتنا.

الآن فوضى الوطن أعلنت عن صخبها هنا أيضاً، ما بين صراخ وشجارٍ ونقمة على حصار لا نعرف وسيلة للفكاك منه، وإلى أين هذه المرة؟

صرت أنزوي في غرفة النوم، يصلني ضجيج الأولاد، يشاركني بكائي الطويل، وينتابني ذات الخواء الذي كان يدركني في نوبات مفاجئة وحادة من الاكتئاب، حسن كان الأقدر على تخفيفه، حتى من هاشم الذي صار سريع النفور من حالات ضعفي فيما يواصل البحث عن سبل استقرارنا في بلدٍ غريب يطل على بحر الشمال الشاسع كما لو أنه يفصله عن الدنيا، دنيانا القديمة تحديداً، لباقة ذلك الصديق الضحوك التي تبدو غير عابئة بشيء في معظم الأحيان، ومهما جثمت الهموم فوق الصدور، كانت قادرة على وهب الطاقة الإيجابية لكل من حوله وببساطة مريحة تسري في القلوب، تلقي في نبضاتها طمأنينة مستقبل رحب الآفاق، كيف كان يمكن أن يرسو بعقل أن يكون هو ذاته مبعث كل مخاوفنا واضطرابنا ووعيد اتهام قد يستمر في ملاحقتنا حتى في الأحلام التي أفر منها منتفضة، ومسامي تنزف العرق البارد، يتسرب إليّ من لفح صقيع الصبح الضبابي في الخارج، ابتلعَ أحجبة متنوعة ومتداخلة الألوان، رحت أرقب اختفاءها واحدة تلو الأخرى من النافذة يوم انتقالنا إلى مدينة نائية، وجد هاشم عملاً فيها بامتيازات تؤهلنا للبدء من جديد، ولو عند أطراف الحدود.

***

أحمد غانم عبد الجليل - كاتب عراقي

5ـ 8ـ 2019 عمّان

..........................

* من مجموعة "نساء من بلاد الشرق" القصصية ـ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

نَبتت بروحي عُشبةٌ

ورَبت على صدرِ السنينِ

تسابقتْ مني الخطى

غُصصًا تُبعثرُ ماءَها

وترُشَني

جمرًا على دربِ الأنينِ

اني اتيتُكِ طائِعًا

فضَمَمْتِني

افقًا على نهرِ الحنينِ

مَسَحتِ لي شَفتَيَّ خِصبًا

للتفرّدِ في حدائِقِكِ الجميلةِ كلّها

لا تعجبي!

فالشوقُ يتبَعني اليكِ

مُعلِّقًا بِلّورَ غِبطتِهِ

رَفيفًا من دَمي

فلَعلّهُ

بِطيوبِ ضوعَكِ

ان يُعطِّرَهُ القمرْ

اني جَمعتُكِ كالندى

فَتَخَضلَّتْ

حُلْماتِ رِيقِ شَفاهِنا

بِأهلَّةِ النبضِ المطهَّرِ بالرِضا

نجوىً فنجوى

كالنبوءةِ أينعتْ

جذلى على الغُصنِ الزكِيِّ

فراشةً

وتلألأتْ

عَذِبًا على فَمِكِ القُبلْ

***

طارق الحلفي

مازلنا على قيد الفقد

أمك

تصعد يوميا إلى غرفتك

تنفق ما ادخرته من دموع

وشموع

تعطر سريرك بعبق الامومة

تصطحب حفيدتها

التي ما انفكت ان  تسأل:

اين هو الان؟

تطرق باكية

بعيد...

وراء الشمس

تغلق الباب

وتترك قلبها

على سريره البارد

*

بالأمس

رايتها تفتح خزانة ملابسه

ترفع قميصه

عاليا

تضعه على عينيها

لعل عبيره

يعود إليها

*

انا...

ما زلت أقرا واكتب

اختار قصيدة لابن الرومي

في رثاء ابنه

اذهب الى المسجد

ثم اعود لاجدك تنتظرني

*

اين ما اكون

يحاصرني ظلك

*

اين ما اكون

يتسلل  صوتك

فاغدو حائرا

كمن فقد ظله

*

قد تراني اضحك

فثمة جرح غائر

لا يغادرني

*

حين اقف امامك

اشعر بأني ميت

وانت الحي

الذي لاينفك عن الحياة

*

عشرون وثلاث

لا تكفي

لإيقاد شمعة

عشرون وثلاث

انطوت في غضون دمعة

*

كيف لي ان اراك

وبيننا

سبيل طويل

كيف لي ان اراك

والمقبرة ليل مطبق

وبكاء ثكلى وعويل

*

لابد لي من سبيل

فأنا وامك

ننام على وجوهنا

لعلنا نبصر الدليل

*

ها انا اعود

مثل كل مرة

يلاحقني ظلك

*

هذا الظل الذي يلاحقني

ما زال يذكرني

كلما نسيت

ولد  ظل آخر

***

د. جاسم الخالدي

أيتها المرأة

يا ولّادة الرّجال

*

يا صهبّاء المجد

يا صانعة الأجيال

*

إنزعي عنك الكمامة والعمامة

و اصرخي في وجه كلّ مدّع دجّال

*

فأنتِ آثينا هوميروس الإغريق

زارعة الزّيتون  زهرة اليونان

*

و أنت زانوبيا تَدْمُرْ

هازمة الرّوم

قاهرة أورليان

*

و أنت كاهنة الجبال ديهيا

بنت تابنة بنت نيفان

موحّدة القبائل

مطوّعة كتائب الفرسان

*

قاهرة الرومان والنعمان

محرّرة الأوراس

معزّة الاوطان

*

كيف دجّنوك وطوّعوك

بتعاويذ الخرافة

وشعاويذ البخور والدّخان

*

من استهان بعقلك

من زوّر التاريخ

وحقّر فيك الأصل والإنسان؟

*

من ادّعى فيك الحماقة

ونقص العقل والدّين،

والغفلة وتوارث النسيان؟

*

من شرّع بعد مجدك

قوانين الضّرّ والذّلّ

وتقنّع البهتان؟؟

*

من كاد لكِ من تنكّر

من تدبّر تلجيمك

من تعمّد تكميمك؟؟

*

إن همُ إلاّ خونةٌ

لثوابت الإنسان

*

فلولا المرأة

أيتها المرأة

لما كان الإنسان

*

(حتّى اسألي منذ ألف ومئتيْ عام

عن ملاحم الجاحظ ابن عثمان)

*

فلا تركني

لا تركعي

ولا تخنعي

لا تخضعي لزوايا

الحريم والسّلطان !!

*

فالثّروة أنت

وأنتِ الأصل

وأنت آمال الأجيال .

***

زهرة الحوّاشي من تونس

أحس أن الأشياء تتحول بشكل غريب من القوة إلى الضعف من الرقة إلى الحنين كأنها تخبر الغائبين عنا بلا كلمات....

أحس بأن تدفق الحبر بعد الهطول الأخير في الليلة الماضية لايزال نشطاً وكأن الإنقطاع الأخير أحدث موجة جارفة للمخزون المتراكم للمشاعر المبهمة..

لا أعرف حقاً ما هذا الذي أكتبه وإلى أين أسير وأنا أجر قلمي خلفي حتى أصبح تداخل صوت خطواتي مع صوت صرير القلم على طرقات الورق...

لست متعبة من الوقوف هنا طويلاً تحت ظل الوقت المنصهر بحرارة شمس حزيران وإنما تعبي من الفراغ الذي أصبح يتسع في داخلي بعد كل الصدمات التي صادفتها....

نادراً وأنا أكتب أبحث عن المعنى الحقيقي لما هو متأصل في النفس لما هو واضح دون الحاجة إلى التأويلات ولا التفسيرات المشتتة للمعنى...

قال لي: ذات يوم عندما تكتبين حاولي أن تصوبي كتاباتك للشمس للضوء.. وقلت في نفسي كيف لي بأن أحول غزارة كلماتي إلى ركود في بركة أو أعرضها إلى ضربة ظل وأجعل منها سراب بلا أثر؟..

الخريف الذي لا يشبه ملامحي في الحقيقة هو نصفه  يستوطن نبضي ويعبث بحواسيب ذاكرتي ويرتشف البقية المتبقية من حلمي...

***

مريم الشكيلية /  سلطنة عُمان...

أكابـــــدُ مــــا أكابدُ مِـــن حنينــــي

ومنْ غــــدرِ الصحــــابةِ والسنيــنِ

*

بعثـــــتُ قصـــيدةً فلتقرأيـــــــــها

ولــي فيـــها رجـــاءٌ .. أسعفينــي

*

ففـــــي أبياتـــها أودعــــتُ قلبــي

ومــــا فيــهِ مـــن الشوقِ الدفيـــنِ

*

إذا يومـاً قصــدتِ البحْـــــرَغنّــي

لــهُ مِنْ بعــضِ شعري واذكريني

*

هنـــــالكَ فـــي مكــانٍ حيثُ كُنّـا

نفئ ُ إليـــهِ مِن حيـــنٍ لحيـــــــنِ

*

على الرمـلِ اكتبــي حرفينِ طافا

زمـاناً فــي البحــارِ مــعَ السفيـنِ

*

بوجــدٍ ســامرا النجمـــات ليــلاً

فمـا أحلـى التسامرَ في السكونِ

*

هما اسمي وهْـوَ مُختصرٌ بجيمٍ

واسمـكِ وهْــوَ مُختصَــرٌ بنونِ(1)

*

ومـا كُنّـــا بجــنٍّ .. نحنُ أنسٌ

بلغنا فــي الهوى حــدَّ الجنونِ

*

وعودي أغمضي عينيكِ طوفي

بدنيــــــا الحالميـنَ بلا عيـونِ

*

تحسّـــي أنّ جنبــكِ دونَ شــكٍّ

حضوراً لِيْ وإنْ لمْ تبصريني

*

ويصحو فيكِ شوقٌ نحْوَ ماضٍ

كشوقِ فراشــــةٍ للياسميـــــنِ

***

.......................

* كتبت القصيدة في الثاني عشر من آب للعام 2023

(1) للضروة الشعرية استبدلت همزة الوصل في كلمة(اسمك) في عجز البيت بهمزة قطع

 

 

لا تعتذر للوطن الذي قد يكرهكْ

لأنّك تكره الماضي

ولست تحب تاريخ الدماء

تحبُّ حلمك

وتحب يوما بانتظاركْ

لا تعتذر للوطن الذي يلغي انتصارك

يرى في هزيمته انتصارَا

ويقتلكَ انتظارَا

*

لا تعتذر للوطن الذي

يتحوّل في كل كارثة شعارَا

ويسير نحو الأمسِ أعمى

فإذا أراد النورَ

أوقد في المحروم نارَا

*

لا تعتذر للوطن الذي

لم يستمع يوما لصوتكْ

يحتاج كي يحيا لموتكْ

تُلقي بذور الحب في أركانه

تسقيه روحك .... ولا تجني ثمارا

*

لا تعتذر للوطن الذي

إن خانك افتخرَ

وإن عاتبتهُ طلبَ اعتذارَا

*

لا تعتذر للوطن الذي

شرب دماكَ

يقتات من قلبكْ

يُلغيك من تاريخه ينساكَ

يتذكر ذنبك

لا تعتذر للوطن الذي ألغاكَ

ورمى إلى أعدائه حُبّكْ

***

أحمد عمر زعبار

شاعر تونسي مقيم في لندن

وجهي الحزين بلا هوية يتبعني

من مدينة حزن الى اخرى

يسلم الوهم للأرصفة

و يترك الذاكرة للرياح

ويتبعني

وجهي الحزين

تتجاهله الأغاني

ولا تعبأ به

المرايا..

يترك إبتسامته

المزيفة عند الغروب

ويدخل الليل

بكامل شحوبه..

وجهي الحزين

لا شيئ يشبهه

.. سوى ..

ليل حزين مثله

تغادره نجوم

لا تعرف الألق

إلا..

في عتمته

لتسامر الغرباء..

وجهي الحزين

يذوب في ذاكرتهم

كما يذوب حلم عابر

مع أول رشفة

من فنجان قهوة..

وجهي الحزين

تسكنه عواصف الشتاء

ولا يمطر..

يسكنه نزق الربيع

ولا يزهر..

تسكنه شيخوخة

الخريف و لا يكبر..

وجهي الحزين

تتعقبه طفولته حيثما

حل..

تنتظره على أرجوحة

الزمن..

لتوقظه من غفوة الأمنيات

اللذيذة ..

وجهي الحزين..

للموت في

عينيه ألف حكاية

ولا دور فيها

يناسبه..

***

بقلم: وفاء كريم

رفّة صباح

لم يكُن في وسع الفراشة أن تطيرَ

لولا رفيف شذاها

وهو يسلبُ من الزهرة وجهها الفاتن

كنتُ قد أيقنتُ كذلك

بأن كل صباح لا يحملُ ملامحها

هو دوّامة ترشقني بالمهالكِ.

**

عناق البيانو

لم يكن للمفتاح الأبيض باب

ولا لمفاتيح الليل عصا

يتوكأ بها الضوء

ليعرف اللحن

فيطير.....

تنبتُ على إثرها زهورا بريّة

تأبى الغزلان أن تغادرَ سماء الأصابع.

**

عودة

عدتُ اليه

المكان الذي غرقتْ فيه شهوة الأيام

طويت صفحة

لنبدأ عدّ الأخطاء من جديد

قُبلة

قُبلة

في قارب حبنا المثقوب.

**

هلال

هلالكِ لنْ يغيب

لكنّ لُعبته واضحة

يضحكُ على علامة استفهامي

وينغرسُ في سريري.

**

بكاء

الدموع، حِنطة سوداء

أقسمتْ الاّ تفسد الحقل الحزين

عاش في كنف طائر مذبوح

بحنجرة صدئة.

**

بلاك جاك*

على وجه الورقة

ملكٌ يبتسمُ بتاجٍ أصفر

ونياشين حُمر

أُلقي الملك على الأرض لأنتصر

يسقطُ التاج

تهربُ النياشين

فأخسر كلّ شيء.

**

احتفال

لم يعدْ بإمكاننا أنْ نحتفل

كما كنا من قبل

بابٌ موصدٌ

وريح خلفها تعوي

لم تعد تبزغ في النهر شمس.

**

صديق

يخافُ من اللصوص صديقي

ويهاب الحرب أيضا

فيما أخشى أنا النشيد الوطني

والسقف

الذي سيسحق التفاصيل.

**

ما مضى

أنتَ هنا جئتَ قبلي

البيت

الأشجار

اللحظات الوديعة

العربة التي رسمتْ على أذرعنا وشم

تحت عجلاتها ارتجف القشّ

العصافير التي تلهو مع ضوء النهار

بأجنحة من ياسمين

لا أرى الآن سوى دخان

يأخذ كل هذا مني بعيدا.

***

زياد السامرائي

......................

* بلاك جاك: لعبة  تلعب  بأوراق (الكوتشينة) وتسمى أيضا 21

مَنْ يُدَاوِي جِرَاحَ قَلْبِي الْحَزِينِ

وَيُعَزِّيهِ فِي ضِيَاءِ عُيُونِي؟!!!

*

غَيَّبَ اللَّيْلُ عُصْبَةً مِنْ رِفَاقِي

صَارَعُوا الْوَحْشَ وَاحْتِشَادَ الْمَنُونِ

*

كِدْتُ أَفْنَى مِنَ انْتِحَابِي عَلَيْهِمْ

بِفُؤَادِي الْمُتَيَّمِ الْمَجْنُونِ

*

غَابَ وَعْيِي عَنِ الْحَيَاةِ وَبَاتَتْ

مُهْجَتِي تَصْطَلِي سِهَامَ الشُّجُونِ

**

رَدِّدِي يَا طُيُورُ أُغْنِيَةَ الْمَوْ

تِ وَعَدِّي الْبُحُورَ بَيْنَ أَنِينِي

*

حَلِّقِي فَوْقَ أَرْضِهَا وَتَمَلَّيْ

فِي رُبَاهَا بِفَيْضِ هَمِّي الدَّفِينِ

*

أَسْمِعِينِي نَوْحَ الْبَلَابِلِ وَارْمِي

كُلَّ وَغْدٍ بِكَيْدِهِ الْمَفْتُونِ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي - شاعر

كانت مغارتنا معتمة مطبقة في ظلامها، عندما دخلها من جانبها اليساري، وكانت تلك المرّة الاولى التي أرى فيها وافدًا زهيرًا مُنورًا يدخل مغارتنا المقدّسة الملعونة. كان نوره ينبعث من كلّ خطوة يطبعها على أرض المغارة. وكان يمضي بخطى ثابتة، كأنما هو واثق من أنّه جاء بشيء جديد، يُشبه الحقيقة، غير أن ما حدث هو أن أحدًا لم يلتفت إليه، كما توقّع.. على ما بدا من حركاته وسكناته.. الموزونة في كلّ حركة ونأمة, يومها حاولت أنا الغريب المُهجّر الفتيّ عاشق القصص الابدي، أن أقترب منه لعلّه يروي لي قصته، إلا أنه لم يلتفت إليّ.. وواصل طريقه.. ليدور دورة ودورة وأخرى في مغارتنا المُظلمة، ولينسحب، ربّما لأن أحدًا لم يلتفت إليه، كما ينسحب كبار الرجال وعظماؤهم، بهدوء وصمت.. انسحب من نفس الجهة اليسارية التي دخل منها.

دخوله المفاجئ وخرجه المتخفّي من مغارتنا، أثار فضولي لمعرفة المزيد عنه، فتابعته على الدعسة شاعرًا أنني أعيش لحظة تاريخية لن تتكرّر في عمري المحدود بين الستين والسبعين، أما هو فقد سار في طريقه.. وسرت أنا وراءه متكتمًا حذرًا.. مَن يعلم فقد يحدث بيني وبينه إذا ما رآني أمشي وراءه ما لا تُحمد عقباه، أضف إلى هذا شعور بأنني لا أضمن أن يتقبّلني في عالمه "الزهّير"، أنا المهجر ابن المهجر.. أحد سكان المغارة السادرة في غيّها وضلالها؟، هل خشيت أن يعتبرني جاسوسًا يتقصّى أمره ليقتله بعدها معتمو المغارة؟ أم سيراني صديقًا محتملًا.. بما أن شيئًا غير مضمون. عليّ أن أتخفّى لأعرف.. أرى وأسمع.

سار أمامي وسرت وراءه.. كان الطريق ممتدًا طويلًا. الغريب أنه لم يتعب ولم يتوقّف عن الانطلاق نحو هدفه. أما أنا فقد حملتني قدماي بقوة حبّ الاستطلاع والمعرفة، وواصلت السير مُستمدًا قوتي واندفاعتي منه هو.. لا من سواه، فقد حفزتني خطواته المُشعة الواثقة، على مواصلة متابعته واقتفاء أثره.

عندما وصل مغارة مُنيرة هناك في راس الجبل الاشمّ، كان لا بدّ من أن أتوقّف.. هناك بالقُرب منها لأرى ماذا بإمكاني أن أفعل لمواصلة عيش تلك القصة المُدهشة المُثيرة ومُعايشتها. وكان لا بدّ لي من أن أقف قريبًا جدًا من مدخل تلك المغارة، لاستمع إلى ما ينبعث منها من صوت أو أو حسّ وحركة.

صوت نسائي: قمحة والا شعيرة؟

صوته الهادئ: لا قمحة ولا شعيرة..

صوت نسائي: ألم يرك أحد؟

صوته: لا أعرف.. ربّما لا أعرف.

صوت نسائي حنون: إلى متى ستحاول؟

صوته بثقة: إلى أن يراني سكّان المغارة.. يجب أن يروني لأروي لهم قصتي.. الأمل لا ينتهي.. يجب علىّ المحاولة لأحظى بشرفها.. ثم مّن يعلم قد يستمع إليّ شخص وآخر.. حتى تستمع إلىّ الملايين.

بعد هذه الكلمات لم أستمع إلى المزيد.. انتظرت أن أستمع إلا أن الصمت خيّم على المكان كأنما هو هالة من النور المُصرّ على ملء الفراغ.

عندما عدت إلى مغارتنا، كان الجمعُ نائمًا، وكان الليلُ مُخيّمًا كعادته.. وضعت رأسي على حجر انتظرني هناك في أقصى المغارة، ونمت.. رأيت فيما يرى النائم ذلك الرجل المُنير.. كان يتردّد على مغارتنا بين الفترة والاخرى، مُصرًا على أن يراه أهلها غير أن أحدًا لم يلتفت إليه، فدخوله بالنسبة لهم لا يختلف كثيرًا عن خروجه.. الامر سيّان في نظرهم..

استسلمت لذلك الحلم الجميل. واسلمت عيني للوسن الهابط من سمائه السابعة.. استسلمت برغبة ومحبة، فأنا الوحيد الذي رآه، وأنا الوحيد الذي سمع صوته وهو يُعبّر عن إصراره على رواية قصته الخاصة للأهل في مغارتنا المُظلمة. استيقظت بعد يوم أو بعض يوم.. على جلبة وضجة تدُّب في المغارة.. تدُّب بصخب وعنف.. وكان أول ما ظهر منه.. من رجل النور، قدماه. اهتزت المغارة. فظهر وجهه، كان شيخًا مُسنًا.. بلغ من العمر عتيًا. دار دورة وأخرى.. دار في كلّ أرجاء المغارة.. كان واثقًا من خُطاه المتعبة هذه المرّة.. غيرًا عن أي مرّة سابقة.. دار أربعين دورة وأنا أرقبه.. وأعد خطواته المُحكمة.. وعندما تعب على ما بدا.. خرج من ذات الجهة المغاريّة. شعور قوي استفزني لئلا أفوّت تلك اللحظة التاريخية. قفزت وراءه حيث جلس ينتظرني خارج المغارة.. لأجد نفسي قُبالته وبين يديه.

توجّه إليّ مبتسمًا وشرع يحكي بثقة واتزان إنسان حقيقي.. قال: اسمع يا صديق.. إياك أن تظن أنني لا أرى. لقد رأيتك منذ أول مرّة دخلت فيها المغارة وبعد أن اقتفيت أثري. قال وتابع قبل أن يمكّنني من طرح السؤال الابدي كيف. ثم إنني رأيتك خلال تردّداتي المتواصلة على المغارة. فتحت فمي لأسأله عن سبب عدم تحدّثه إليّ. غير أنه قاطعني قائلّا: أعترف أنني دخلت المغارة كلّ هذه المرّات لأروي قصتي.. إلا أن أحدًا لم يرني.. وربّما لم يشأ أن يستمع إليّ.. لا أعرف السبب.. أما وقد رأيتني أنت.. فإنني سأروي قصتي كاملةً لك.. مَن يعلم فقد يرى سكّان مغارتك ما رأيته أنت.. وقد يستمعون إليها.. منّي في هذه السن المُتقدّمة.. وراح يروي قصته .. لم تكن غريبة عن قصتي.. بل كانت هي.

***

قصة: ناجي ظاهر

كانت احدى باحات الطرق السيار مكتظة، فاليوم عطلة والفترة موسم صيف ورحلات جماعية وفردية لا تتوقف، بين مدينتين سياحيتين:مراكش /أغادير، فلم يجد مكانا يركن فيه سيارته..

مثانته تضغط عليه بقوة.. وهو ينزل من السيارة سمع محركا يدور، سيارة سواح أجانب غادرت موقفها فحل مكانها..

قصد المراحيض، زحمة فوق العادة، لن يستطيع اصطبارا..

وهو يترنح في مكانه شاهدته احدى بنات النظافة، فلوحت اليه أن يتقدم منها في لطف ظاهر قدمت له مفتاحا وأشارت الى احدى المراحيض الخاصة..

سره ماقامت به الفتاة، شرع يستذكر ملامحها..

صغيرة في ريعان الشباب لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها أنيقة في بدلتها البيضاء موشاة بلون أزرق سماوي..

شحوب وجهها يوحي بفقرها وانتمائها الى منطقة هشة من إحدى القرى القريبة من الباحة..

حين خرج وجدها في انتظار المفتاح، أخرج ورقة من فئة المائة درهم وسلمها إليها.. حدقت فيها طويلا وقالت:

ـ سيدي لا املك الصرف..

تبسم في وجهها وقال:

ومن منك قد طلب صرفا ؟، هي لك خوديها..

من عيونها أشرقت شمس وقطر غيم..

هم بالانصراف حين تذكر أنه نسي نظاراته قريبا من المغسل، لما رجع لم يجدها.. طمأنته وقالت تعال معي..

في إدارة الباحة تم التعرف على من أخذ النظارات من خلال تسجيل الكاميرات..

لم يكن غير طفل صغير وجدها وحملها الى أمه..

وفتاة النظافة تودعه قرب سيارته قالت:

ـ سيدي سأظل دوما أذكر فضلك..

ـ العفو، هل لك عمل غير هذا ؟

ـ انا طالبة يتيمة الأب وأمي مقعدة سأجتاز الباكالوريا في السنة المقبلة واشتغل في الباحة حتى أوفر مصروفات دراستي والنفقة على أمي..

مرة أخرى تفقد السيطرة على دموعها، همت بأن تبوح بشي فتراجعت..

تتنهد ثم تتابع:

ـ المهم أتفانى في عملي،اتحمل وأصطبر إذا كف العمال هنا عن "البسالة ".. قالتها بغضب لا يخفى..

ـ أخذ من السيارة ورقة وكتب لها رقم هاتفه ثم قدمه لها مع ورقة من فئة المائتي درهم:

نفس محرومة أحق بالصدقة و الزكاة ممن يجوبون الشوارع..

ـ هذه لك وهذا هاتفي متى احتجت شيئا هاتفيني بلاتردد لكن اياك ان يتجاوز رقم هاتفي غيرك..

خرت على يده تريد تقبيلها فسحبها وقال:

ـ أترقب هاتفا منك أنا قريب من هنا أسكن أغادير..

طيلة ما تبقى من طريق وهو يفكر في الحالة المزرية لبعض القرى المنسية، في إنسانها المهمل، كيف لا تكتض مدن والانسان في القرى مهجور نكرة بلا وجود ؟..بيئة لن تفرخ غير القتلة واللصوصية و قطاع الطرق..

يسترجع بعض اقوال البنت:

ـ المهم أتفانى في عملي،اتحمل وأصطبرإذا كف العمال هنا عن "البسالة "..

جميلة في شحوب، أنيقة في فقر، عفيفة تقاوم جسارة االعمال ووقاحتهم..

معناه أنها تعاني..فالى أي مدى تستطيع المقاومة كفتاة بلاخلفيات

تحميها ؟

أزيد من ثلاثة أشهر مرت، عن ذهنه قد غابت البنت وغاب حديثها..

ذات صباح وجد رسالة على الوات ساب لايعرف صاحب رقمها

بعد تردد فتح الرسالة فقرأ:

أنا ابتسام فتاة الباحة أحببت أن أسأل عنك كيف أحوالك سيدي؟..

بسرعة أخرجته الرسالة من رحم نسيانه، صورة البنت تتجلى أمامه بوجهها الشاحب بين فرحتها ودموعها،وبدلتها البيضاء الموشاة بالأزرق السماوي..في مسامعه لعلعت عبارتها:

ـ المهم أتفانى في عملي،اتحمل وأصطبر إذا كف العمال هنا عن "البسالة "

لها كتب:

أهلا ابتسام،أولا أتشرف باسمك ثانيا كيف حالك وحال والدتك ؟

ـ والدتي تذكرها الله من أسبوع وأنا اردت منك معروفا اذا لم يضايقك الأمر..

لها كتب:

البركة ف راسك متعك الله برضاها، أطلبي ابتسام لا تخجلي..

ـ هل ممكن أن تأتي الي،انا في أمس الحاجة اليك ؟

الذهاب اليها مغامرة قد لاتكون محمودة..الناس أطماع، نزعات ونزوات، خصوصا في مناطق قروية مهملة تغيب عنها رقابة السلطة..

شرع يستحضر سلوكاتها يوم الباحة، كان يحس صدقها وحديثها الواضح في ثقة بنفسها خصوصا مع مسير الباحة حين نسي نظاراته..

لا أظن أن يكون وراء رسالتها دافع سيء أو أن أحدا قد اغراها بمكر ؟

تذكر معضلة القنافذ فتبسم، استعاذ بالله من سوء الظن..

لها كتب:

أكون عندك بعد ساعة تقريبا، هل أجدك في الباحة ؟

في انتظار ردها كان فكره منصبا على مسافة السلامة التي قد تقيه كل شر محتمل..

ـ سيدي !!..من الأحسن ان تأخذ الطريق الوطنية فهي اقرب الى لألقاك.. ستجدني في انتظارك قريبا من محل للمتلاشيات. بعد الخروج من امسكرود.

تضاعف قلقه، هل في مغامرته خطر على نفسه ؟ لو كان سيجدها في الباحة لكان الامر أضمن للسلامة..

اهتز قلبه، وجيب يسري في صدره بين القبول والرفض..

تجمدت أفكاره لحظات وصارت صورتها هي ما يلاحقه قبل أن يقرر:

ـ اليها أسافر..

وجدها في الانتظار.. قريبا منها كان كلب أسود في حراستها..المكان أراضي صخرية ليس فيها غير سدر مات من جفاف..

لا طير يطير و لا شجر يحركه الريح.. بعيدا على مد البصر ثلاثة أطفال حفاة وشبه عراة يتراكضون خلف كرة صنعوها من خرق وورق..

صعدت قربه، عاود عبارات العزاء..بكت وقالت:

ـ اعتذر على ازعاجك لكن وحق الله فقلبي لم يرتح الا لك ثقة بك، فبادرت بمراسلتك..

شرع يكلمها وكله احتراس،عيونه حوامة تمسح كل ما حوله خارج السيارة، لا شيء يثير باستغراب او شك.غير الكلب الأسود الذي ظل يحوم حول السيارة بعد أن ربتت على ظهره، يركض الى ناحية الأطفال نابحا ثم يعود الى السيارة..

لا عليك،وعدتك وجئت لأوفي بوعدي،ماذا تريدين ؟

شرعت تبكي، نثر أوراقا شفافة من صندوقة في السيارة وقدمها اليها..قالت:

اذا كان في الإمكان أن اشتغل خادمة عندك او عند غيرك،

المهم لا اريد البقاء هنا..

فاجأته بطلبها ورغبتها

ـ هل وقع لك شيء ؟ ودراستك ؟

ـ لا وقت للحديث هنا..

مسارات معقدة ومتشابكة تبدت أمامه، هل يوافق ؟ هل يمانع ؟

ـ أليس لك أهل نخبرهم بما تفكرين فيه ؟

بكت ودفنت وجهها بين كفيها:

لو كان لي اهل لما تركت أمي يومين بغير دفن.. أجلاف لا يعرفون معنى إكرام الميت..لا أحد لي، قوم قساة، ابي قد أساء لهم حسب اعتقادهم وانا وأمي تلقينا الجزاء.. صرت بينهم أترقب لحظات النهش..

ـ طيب هل لك شيء تريدين حمله من بيتك ؟

ـ ليس في بيتي ما يستحق الحمل،خاتم ذهبي ودملج من فضة وجدتهما بين ثنايا ألبسة أمي أخذتهما معي.. هما ما تبقى لها مما باعته من أجل دراستي..

استدار من حيث أتى وهي معه.. يسأل الله ان تكون العاقبة خيرا.. فهو يقدم على فعل قد يكون له مابعده..

في الطريق حكت له عن سبب شلل أمها بعد ان كانت طباخة ماهرة في بيت القائد..

ـ ما أن ترقى القائد الى عامل، وأتى غيره حتى تم اغتصاب أمي من قبل خمسة من رجال القبيلة أمام اعيني بعد ذهاب من كان يحميها..

كنت صغيرة بنت أربع سنوات.. اغتصبوها انتقاما من ابي الذي قتل في احدى المعارك الانتخابية..

عاود أحدهم محاولة اغتصاب أمي، فلما حاولت الفرار منه سقطت فانكسر عمودها الفقري مما أصابها بالشلل..

حكت له كيف أن أمها رغم شللها قد ربت كلبين في البيت كانا في حراستها وأمها من ذئاب الردى في القرية..

ـ أمس حاول أحدهم النزول الي من سطح الكوخ فطارده الكلبان..

من أجل ذلك لم افكر في سواك رجلا رحيما..

حين دخلت بيته قالت:

هنا عني انزع خريفا لاحقني في عز ربيع عمري وابدأ في نبات جديد، أعدك..

قدمها الى أبنائه فتقبلوها بين رغبة ورهبة، ساعدها، أعادها للدراسة وهي اليوم ربة بيت تسير شركة وطنية للاكترونيات..

***

محمد الدرقاوي - المغرب

الى ركن الدين يونس

صديقي الشاعرُ

الدائمُ الرحيل

الى مُدنٍ غامضةٍ

وغاباتٍ سودٍ

هوَ لمْ يكتشفْها

ولا يعرُفُها الا في الكوابيسِ

و بلدانٍ بلا خرائطَ

أو أَيِّ أملٍ

ولا حتّى قمرٍ حزينٍ

وطاعنٍ بالعزلة

والغيابِ الفجائعي

*

صديقي الشاعرُ

المذكورُ اعلاهْ

دائماً " يتركُ خَلْفَهُ :

أبناءً مُتحاربينَ

وطناً ممزقاً

وأكواماً من الأسئلة  "

*

أَيُّ  قَدَرٍ هذا

ياشيطانَ الشعرِ والحروبِ؟

وأَيُّ مصيرٍ تُخبىءُ لنا

ياربَّ الدَمِ والاوبئة

الزلازلِ والمنافي

والأَسماكِ والأَنهارِ الميِّتة؟

***

سعد جاسم

2023 - 8 - 8

بــغدادُ طــيفُكِ فــي الأحداقِ يعتكفُ

يــكــادُ  يــقتلُني الــتهيامُ و الــشغفُ

*

قــد بــاتَ حــبُّكِ كالأنفاسِ في رئتي

مـــعَ الــشهيقِ رذاذاً راحَ يُــرتشفُ

*

يــاأمَّ هــارونَ أخــفيتُ الهوى زمناً

والــيومَ جــئتُ بــهذا الحبُ أعترفُ

*

مــاعدتُ أقوى على كَتْمِ الهوى أبداً

إنْ  مــرَّ ذكــرُكِ كادَ القلبُ ينخطفُ

*

صــهيلُ حــبكِ لــمْ يَــهجعْ بأوردتي

كــأنَّ نــارَ الغضا مرَّتْ بِها عُصُفُ

*

جــمالُ  عــينيكِ يــابغدادُ يــسحرني

لــقدْ  تَــغَنَّتْ بــهاالأخبارُ والصحفُ

*

كــلُّ الــعراقِ أصــيلٌ فــي عــراقته

فــي كــلِّ قِطعةِ أرضٍ تَبْرُزُ التحفُ

*

كركوكُ  والموصلُ الحدباءُ تَأسرُني

تــكريتُ  والــحلةُ الــفيحاءُ والنجفُ

*

وفــي الــحويجةِ أهــلٌ كــلُّهُمْ شَــمَمٌ

مــاصَانَعُوا حاكِماً يوماً ولا ازْدلَفُوا

*

هــلْ ألــتقيكِ ويَروَى القلبُ مِنْ ظمإٍ

وهــلْ ســتجمعُنا الأقدارُ و الصّدفُ

*

لــقــدْ أضــعناكِ يــابغدادُ وا أســفي

بــعدَ الــضياعِ بــماذا يــنفعُ الأسفُ

*

إنَّ  الــحُسَافةَ في الأرجاءِ قد كثُرتْ

مــتــى الــحُسَافةُ يــابغدادُ تــنجرفُ

*

مــتى  سيذهبُ عنكِ الزيفُ مرتحلاً

ومــا تــبقّى مــن الأدرانِ يــنشطفُ

*

ويــنــتهي الــشرُّ لا ظِــلٌّ ولا أثَــرٌ

ويــرحلُ الــحَيفُ والأوغادُ والجِيفُ

*

قــد طــالَ نــومُكِ والأحوالُ مخزيةٌ

ونالَ  من صيدكِ الطاعونُ والأَزَفُ

*

حــانَ الــنهوضُ فهبّي مثلَ عاصِفةٍ

فــينجلي  الــليلُ والأغباشُ والسَّدَفُ

*

وتشرقُ الشمسُ في الأرجاءِ ساطعةً

لابُـــدَّ لــلــغَمَّةِ الــســوداءِ تــنكشفُ

*

يــاقلعةً  فــي مــهبِّ الــريحِ صامدةٌ

مــا  هــزَّها سَــقَمٌ يــوماً ولا شَظَفُ

*

هي  الأساسُ ومَنْ مرّوا بِها عَرَضٌ

لابُــدَّ لــلعارضِ الــمنبوذِ يــنصرفُ

*

ودجــلةُ  الــخيرِ كالشّريانِ في جَسدٍ

لــكــلِّ نــاحــيةٍ جَــدبــاءَ يــنــحرفُ

*

وصــوتهُ الــعذبُ كالألحانِ من وترٍ

إذا تــغنَّى يــميسُ الــنخلُ والــسَعَفُ

*

كــأنَّ  زريابَ في قصرِ الرشيدِ شدا

لــصوتهِ  طَــرِبَ السُّمَّار ُ وانعطفوا

*

دارُ الــسلامِ مُــذِ الــمنصورُ أنشأها

كــأنَّها الــسّيفُ فــي وجهِ العدا تقفُ

*

كــشوكةٍ في حُلُوقِ الكاشحينَ غَدتْ

مــامرَّ ذكــرٌ لــها إلّا وقــد رجــفوا

*

خــيولُ مــعتصمٍ فــي الكرخِ صافنةٌ

والصيدُ ناطرةٌ في الصَّفِّ ترتصفُ

*

حــيّا  الــهمامُ جــيوشَ الفتحِ مبتهجاً

والــعزُّ يــتبعُهُ والــفخر ُو الــشَّرفُ

*

وصــاحَ لــبَّيكِ يــا أخــتاهُ وانتظري

مِــنَّا الــزحوفَ لرأسِ الشرِّ تقتطفُ

*

من  يومِ ذي قارَ والأسيافُ مُشْرَعةٌ

فــالغدرُ شــيمتُهمْ والــطّبْعُ يــختلفُ

*

مــن يومِ ذي قارَ باتَ الحِقدُ يسكنُهمْ

مــاراقَهُمْ  أنَّ فــيهِ الــعُرْبُ تنتصفُ

*

لَــمْ يَــرْعَوِا الــقَوْمُ مِنْ أسلافِهمْ أبداً

فــي  الــقادسيةِ ريشَ الكِبْرِ قَدْ نتفوا

*

لكنْ  مَضَوا وهَوى الشيطانِ يَدْفَعُهُمْ

نــحوَ الهلاكِ غَواهُ الكِبْرُ و الصَّلَفُ

*

فــفــاجــأتْهُ  بــــضــربٍ مــاتــوقّعهُ

وبــاءَ مِــنها بــكأسِ الــسّمِّ يــغْتَرفُ

*

والأحــمقُ  الــغِرُّ والأحــقادُ تــدفعُه

أتــى بــجمعٍ مِــن الأوغــادِ يــأتلِفُ

*

قــدْ ضَــمَّ كــلَّ صَــفيقٍ تــافهٍ حَــنقٍ

وكـــلَّ  لــصٍ ولــلإجرامِ يــحترفُ

*

لاشــــيءَ  يــجــمعُهمْ إلّا نَــذالــتَهمْ

عــن كــلِّ مكرمةٍ بيضاءَ قدْ عَزَفوا

*

وغــابَ  عــن ذهــنهِ مِنْ أنّنا عَرَبٌ

نــظــلُّ بــالــعزةِ الــقعساءِ نــتصفُ

*

إنّ الــشــهادةَ بــعــضٌ مــن ثــقافتِنا

مــضى على نهجها الأبناءُ والسلفُ

*

يـــادرَّةَ الــعُرْبِ يــانبراسَ عــزتِهم

لــكمْ تــغنوا بــذاكَ الــمجدُ كم هتفوا

*

فــهي الأبــيّةُ دومــاً فــي تَصَوُّرِهم

مــنها الــوفاءُ لــكلِّ العربِ قد ألفوا

*

مــتى ســتخلعُ ثــوبَ الحزنِ غاليتي

وبــالبياضِ عــروسُ الــمجدِ تلتحفُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

كل صباح أشتم  الأسباب السخيفة التافهه التي أبقتني مستيقظة إلى ما بعد منتصف الليل، أضبط المنبه على الساعه الخامسة والربع فجراً كي أتجاهله إلى السادسة وعشرين دقيقة أقف عند المغسلة،أغمض عيني بقوة عدة مرات وأمر على مستقبلي بحوارات سريعة، ماذا بعد التقاعد؟ ماذا لو كنت سيدة أعمال؟ ولكن أي أعمال بالضبط؟ حسناً لا أظن أنها فكرة جيدة فأنا لا أجيد التفكير بالمشاريع ولا بتحمل مضاربات الأسهم، الربح والخسارة والإستثمار فليس هناك من شيء أسرع من صعود وهبوط مزاجي ووزني، ماذا لو أصبحت من مشاهير التواصل الاجتماعي؟ لا أعتقد أن الموضوع يحتاج تعقيد كل مايتطلبه الأمر هو فتح حسابي في سناب شات على العام فأنا لدي محتوى جيد ..لكن ماذا عن الجمهور؟! سوف أكرههم ويكرهوني بالمقابل

الحل الأسلم هو أن أطمح للتقاعد المبكر ثم أغسل وجهي، أنظر إلى المرآة محاولة أن افتح عيني بأصابعي أعود إلى غرفتي أغير ملابسي أركل بجامتي الملقاة أرضاً وكل ماصادف طريقي.

عادات صباحية سيئة..

أركب السيارة مع السائق وأكمل نومي ولا أستيقظ إلا عند بوابة المستشفى، في إحدى المرات كدت أقع أرضاً جسدي كان لايزال مخدراً ولم تحملني قدماي اقترب مني رجلاً كبيراً في السن قال: انتِ بخير؟ أطلب لك عربة؟ قلت له: شكراً يا عم أنا نزلت بسرعة ولم أحسب المسافة بشكل صحيح بين السيارة والأرض، هذا كل شيء نظر إلي بصدمة، فهو لم يستوعب حتى اللحظة سبب عرقلتي ليستطيع أن يستوعب ما أهذي به في هذا الصباح، تعابير وجهه وإستغرابه أدخلتني في نوبة من الضحك فبدا الموقف مريب ومرعب لهذا المسكين.

كنت السكيرتيرة المسؤولة عن البرنامج التدريبي لطلبة الطب والإمتياز والأطباء المقيمين كمنسقة لإجراءات قبولهم وتقييماتهم ومساراتهم التدريبية ولأن أعدادهم كثيرة جداً كل شهر يصعب علي تذكر الجميع ولعل مسألة كثرة العدد هي مجرد حجة واهية أتمسك بها لمداراة خيبة ذاكرتي وحقائق أخرى قاسية أحاول تجنبها، عندما أفند مستنداتهم الرسمية لتسجيلهم في النظام أجد أن العديد منهم بالكاد تجاوز ال٢٣ من العمر وذلك يدفعني بشكل لاواعي إلى عنصرية الأجيال.

وصلت المكتب وقبل أن أضع حقيبتي على الطاولة وإذ بطالب إمتياز من طلبة الطب يطرق الباب بكل أدب ،صحت بصوت مرتفع قلت " ألووووو" كان المقصد أن أقول "تفضل"لكن كان ذلك أفضل ما لدي تلك اللحظة وأنهرت في نوبة ضحك من جديد. إلتفتُ خلفي لم أتوقع أنه طرق الباب وفتحه،قال والدهشة تملأ عينيه :

عفواً … حضرتك أستاذة لمى؟

لم أستطع الرد من شدة الضحك، أشرت له بيدي أن يدخل المكتب، فقال: أستاذة لمى هل معك مكالمة أو تكلميني أنا؟ ظن أني أضع السماعات اللاسلكية مباشرة توقفت عن الضحك وتجهم وجهي وتكلمت معه بكل جدية وحزم قلت: نعم..أكلمك أنت.

سألني عدة أسئلة وطلبت منه ان يعود لي بعد الظهر

أردت كسب بعض الوقت لشرب كوب قهوة عالاقل لعله يصلح بقية يومي

لكنه لم يعود منذ أسبوع.. ولا أظنه سيفعل

بعد الظهر حضر إلى مكتبي طبيب إمتياز آخر طلب مني تجهيز توصيه له من أحد الإستشاريين فقلت له أعطيني نصف ساعة أنهي بعض المهام العاجله وأجهزها لك قال بكل إحترام:حاضر وشكرا لتعاونك

خرج وعاد لي بعد نصف ساعة سألني: أستاذة لمى هل أنهيتي التوصية؟

نظرت إليه بدهشه: من أنت؟

فقال: أنا عبدالرحمن طلبت منك توصية وقلتِ لي تعال بعد نصف ساعه..

رديت: آه تذكرتك لكن التوصية كانت من أي استشاري بالضبط؟

كان الشاب كان في حالة صدمة قال: إذا لم تتذكريني أبدا!! سحب ورقة صفراء وكتب عليها تفاصيل فترته التدريبية واسم الاستشاري واسمه بالكامل وقال: سوف أعود لك بعد صلاة العصر.

كنت قد كتبت التوصية وتركتها على جنب ثم تابعت عملي

عاد لي بعد العصر لكن كنت مشغوله بمحادثة عنيفه على الهاتف مع أحد الأقسام، وقف عند الباب ثم قرر الخروج من المكتب ربما بسبب أن مارآه جعله يخمن مدى سعة خلقي ومزاجي الهاديء ..

في صباح اليوم التالي عاد إلى المكتب أذكر أني حينما رأيته شعرت بهبوط في الضغط، بردت أطرافي وجف حلقي

وعقد لساني عن الكلام وقلت في نفسي من هذا؟؟ وماذا يريد الآن؟؟

وقف أمام المكتب قال: أستاذة لمى آسف لإزعاجك لكن هل جهزت التوصية؟ وقبل أن أجيب قال:

لا لا غير معقول!! لاتقولي انك نسيتيني!!

لا أدري ماذا رآى بالضبط لإستنتاج أني نسيته بالفعل وقد محي من ذاكرتي تماماً، قلت له بحدّة:

طبعا لا.. انت طلبت تقييم جامعة الملك عبدالعزيز البارحة.

قال: لا..أستاذة لمى طلبت منك توصية

ضحكت بطريقة محت بريستيجي قلت له اه جهزتها لك منذ البارحة تعال إجلس على الكرسي حالما أنتهي فقط من كتابة هذا البريد..

كان البريد عبارة عن قائمة طويله جدا لأطباء الإمتياز والأطباء المقيمين الذين سوف يبدأون التدريب الشهر القادم وكنت قد نسيت نظاراتي بالمنزل فإلتصقت بالشاشه وبدأت أبحث عن الأسماء وأتمتم بترديدها كي أركز وبالطبع نسيت المسكين الجالس بجانبي.

وأنا أقرأ القائمة إسم إسم: أحمد، فيصل، عبدالله

قال: عبدالرحمن

ضحكت وقلت له: لا ليس إلى هذا الحد ثم أعذر الجدة

قال: كيف جدة وما زلتِ صغيرة؟!

في أثناء ذلك دخل طبيب آخر وشاهدني وانا أدخل الشاشة فقال: لمى واضح ماشاء الله انك تصغرين في السن ثم قال عفواً هل قاطعتكم؟

رد عليه عبدالرحمن والضحك يتملكه: صارلي يومين انتظرها تكتب توصيه لكن الفرج قريب

اعطيته التوصية واعتذرت عن التأخير

بعد شهر وفي نهاية فترته التدريبية أحضر لي علبة شوكولاته ووردة حمراء وقال: لا أعرف إن كنتِ تذكريني أنا عبدالرحمن طلبت منك إعداد توصيه من قبل هذه هدية بسيطة شكر على جهودك معانا..

قلت له: صدقني لن أنساك أبداً

ومع ذلك..نسيته

حسناً أعتقد أن شيخوختي سوف تكون ممتعة و ها أنا الآن أقبلها برحابة صدر

***

لمى ابوالنجا – أديبة وكاتبة سعودية

من وحْي حوارٍ عابرٍ بيني وبين ناقدةٍ حول

قصيدة الشطرين والقصيدة الحديثة بكلّ أشكالها.

***

يامُريداً

هلْ بَلَغْتَ الآن شأوًا

مِنْ تَرانيمِ القُدامى

وَفُتوحاتِ جيوشِ المُحْدِثينْ .

يَوْمَ صاروا سادَةَ الفَتْحِ وَ صِيدَهْ ؟

*

قِيلَ قد كانوا نَدامى

نادَموا أنْخابَ شيْخِ البصرةِ الوَزّانِ

والمزّاءَ ليلًا

بينما قد أنكَروا صُبْحاً وَقيدَهْ

*

رَتّلوا آياتِ أرْبابِ الرَوِيِّ المُنْتَقى

فَرْطَ إنْتِشاءٍ فالْقوافي كالغواني

نَصَبتْ من حَوْلِهمٍ أحلى مَكيدهْ

 *

ثمّ عادوا مَطْلعَ الصَحْوِ ولكنْ

دُونَ أجراسِ الخليلْ .

أَتُراهُمْ

أحْجَموا عن كَفّةِ الميزانِ

أم خانوا عَميدَهْ

*

قُلْتُ عُذْراً أيُّها الشيخُ الوَقورْ

شِرْعَةُ الأزمانِ ناموسُ العُصورْ

بعدها صلّى بصمتٍ دون آيات الوصايا

وَ نَعى الشيخُ مُريدَه ؟

*

هذهِ قارورةُ الوجدانِ

فإحذَرْ كَسْرَها

إن شِئتَ وإحذَرْ من نتوءات الشضايا

وَقُلاماتِ الخَريدهْ

*

قَلْعةُ الأسلافِ ذابتْ

في مرايا الروحِ عِطراً ،

كعْبةً جذلى وأطلالاً وطيدَهْ

*

إنْجَزتْ غاياتِها

وإستودعتْ آلائَها روحَ الزَمانْ

وَمُلوكُ الأمْسِ زَهواً

غَلّقوا أبوابَها

والمحاريبَ العَتيدَهْ

*

فَلِماذا

لَمْ يَزَلْ يُغْريكَ تَرْتيلُ

الحُداةِ الضاعنينَ العُمْرَ شَرْقاً

عَبْرَ بابِ الغيهبِ المجهولِ

في النفسِ العَنيدَهْ

*

أَبَلَغْتَ اليوْمَ مَرْسىً

من وراءِ العَوْمِ دَهْراً

في بُحورِ الشيخِ إلاّ

بينَ شَطْرَيِّ القصيدة ؟

*

أيْنَ أنتَ الآن قُلْ لي

هل لَدَيْكَ اليوْمَ ما يُغْني قليلًا

عن دِنانِ الأمْسِ خمْراً

أيْقظ الرُكْبانَ لمّا

أسْكَرَ الحادي وَ بِيدَهْ

*

لَسْتَ إلّا سارِقاً كأسًا قديمًا

من كُرومِ الموكبِ الأبهى

وقد أمضى دُهوراً

يعزفُ الأوتارَ حتى

أسمعَ النُدْمانَ في الدُنْيا نَشيدَه

*

لم تَكُنْ صوتًا جديدًا

بل صدى صوتِ الحُداةِ الغابِرينْ .

لم تكنْ يومًا سِوى

ظِلٍّ لآثارٍ تَليدَهْ.

*

فأهْجُرِ المألوفَ عَزْفاً

أو فَغادرْ

خيْبَةَ الغاوينَ وَهْماً

خلْفَ مَنْ هاموا سُكارى

بينَ ودْيانٍ خَديدَهْ

*

حارَ لا يَدْري جوابًا

وَتَقَلّى بأراجيحِ اللظى

ثمّ تمَنّى والمُنى حَرّى شديدهْ

*

فالقُدامى.

أوْرَثونا فيضَ آلاءِ الحَنايا دوحَةً

حيثُ فراديسُ القوافي

تحتَ أفياءِ اليَتيماتِ الفَريدهْ

*

والأُلى ساحوا طويلًا

رِفْقَةَ الضِلّيلِ تَوْقاً

لِفتوحاتٍ جديدهْ

*

غادرونا

إنّما هل غادَروا

من عصافيرِ البَراري

طائراً حتى نَصيدَهْ

*

وَذَواتِ الأعْيُنِ النَجْلاءِ

في وادي المَها

هل تركوها سارِحاتٍ

خلفَ جِسْرٍ في فؤادي

ساقَهُ الطوفانُ ليلًا

للنِهاياتِ البعيدهْ

*

فالخَيالاتُ الحُبالى

بِشُجيراتِ المَجازْ

وَفيوضاتُ الهوى العُذْرِيِّ

كلّا لنْ تُعيدَهْ

*

والسَماواتِ اللواتي أمْطَرتْ

دُرّاقَها الصَيْفِيَّ في البيداءِ

تأبى أن تزيدهْ

*

حَلّقوا فيها نُسوراً

حيثُ أسرابُ القوافي كالحَبارى

دونهم حيرى طريدهْ

*

أَمْ تُراهُمْ خَلّفوا

إِذْ خَلّفوا

في فضاءِ الروحِ والمنفى

غزالاتٍ شريدهْ

*

فإعتلى الصيّادُ فجرًا

صَهْوةَ الحَرْفِ المُقَفّى

عَلّهُ يصطادُ غيدَهْ

*

ليْتَ أشجارَ المَجازِ الطَلْقِ

في روضِ الرُؤى

ولّادةٌ في غابَةٍ لاتنتهي

فاللانهائيّاتُ آمادٌ مديدَه

*

والكَمَنْجاتِ حضورٌ ساطِعٌ في ليلتي

أوتارُها حُبلى بأنغامٍ وليدَهْ

*

ياسُراةَ الأمْسِ في وادي الغضى

مَنْ كانَ يومًا غاوياً

أمْسى يُغنّي نَخْبَ قافيةٍ وحيدَهْ

*

رُبَّما أدْماهُ صَمْتاً

خِنْجَرُ الفِقْدانِ حتى

عاهدَ البُستانَ هَمْساً

أن يُحيلَ الحُزْنَ كافوراً به

يرثي فقيدَهْ

*

إنّ وعدَ الشِعْرِ بَرْقٌ

يَتَرائى بينَ قوْسِ الغيْبِ والرمضاءِ غيْثاً

وَبِهِ نُطْفي وَعيدَه

*

هكذا النجوى إذنْ فَلْتَحْدِسي.

في نغمةِ العَزّافِ سِرّاً

يَتَوارى في تلابيبِ القصيدَه.

***

د. مصطفى علي

مَنْ منهم الآن يرقاني بمنزلةِ

أنا الذي ﷲَ قدَّستُ ببسملةِ

*

أنا الذي ﷲُ أعطاني هدايتَهُ

مَنْ سبّح ﷲَ لم يخسر بحوقلةِ

*

أنا الذي الدِّين سوّاني له قلماً

كي أكتبَ ﷲَ في بدئي بمرحلةِ

*

كي أحفظَ الرُّوح مما كان يحرفها

مُذْ أنْ غزا الناس ما أدّى لمهزلةِ

*

مما اعترى الخلق في الدُّنيا بدهرهمُ

و عمَّ ما عمَّ مِنْ ظلمٍ بمقتلةِ

*

مما بسكينِ مَنْ دعّوا خواصرَهمْ

و مَنْ إلى اليوم مطعونٌ بغلغلةِ

*

ممن من الذَّبح لم يسلم لعزّتِهِ

و مَنْ مِنَ الفُحش لم يسلم بقلقلةِ

*

ممن إلى الظُّلم لم يخضع بهامتِهِ

لكنْ إلى ﷲ يحنيها كسنبلةِ

*

حتى رأى ﷲ يحميهِ برحمتهِ

أتى على الحقد قهّاراً بزلزلةِ

***

رعدالدخيلي

1- عتبة

فسحة

من ندى الذكرياتْ

تركتْ روحها

فوق روحي

وحطّتْ

على سلّم الأمس...

تمسح عنّي اغترابي

وصمتي

.................

بطعم الحياةْ ......!

**

2-  لقاء

أيها البحر...

بين الوجوه أراك تصلي

بلا نيّة

قد تقدمتَ حيناً...

تأخّرتَ حينا....

وظلّ البريد يسافر مرتبكاً

*

في ثرى الأمس كم قد مشينا معاً

وحشتي في اللقاء.... تذوب

فنضحك...نضحك

حتى يحين الرحيلْ

وكنت أرى في العيون سؤالاً

- أتنسى إذن....؟

- كيف أنسى..؟

وقد كنت في جبهة النهر...

...........تشرب شيئا..

فـ.........شـ......يـ... ئــ اً

ليخفت في القلب صوت البكاءْ

- كنت اسمع صوتك

في خفة الروح...

...يحنو برفق

......على نجمةٍ

سقطتْ

فجأةً

وترّمد فيها الرجاء ْ

كنت اسمع صوتك يكتب مرثيةً

لقرى الفقراءْ

**

3- بقاء

في حمدان التوتْ

مازال طريّا

فوق شفاه الفتيات

ابيض..

..احمر.

..أخضر

لم يفقد نكهته

ويضمّ بألفته السنواتْ

**

4- رجاء

يا ندائي

البعيد القريبْ

عدْ... لنا

مرة ثانيه

كي تلوّن ارض الخصيبْ       ِ

بتراتيل طيبتك الحانيه

**

5- ثقـة

المسافة ُ،

في رئة البعد..

بيني

وبينك

ضيّقةٌ

والزمان طويلْ..

والقصيدة

بيني

وبينك مجنونةٌ

تقتل المستحيلْ ..!

**

6- دليل

يا صديقي الجميلْ

مدّ...

لي يدك الآن

أغنية

إنني تائه... تائه

ودليل ..!

**

7- رؤية

بين بوابة الدمع..

والأمنياتْ

كلّ يوم

أقلّب وجهي...

على شاشة الذكرياتْ

كي  أراكْ...!

**

8– صمت

حين مضيتَ

تركت الأبوابْ

تلتفُّ

عليها

جدران الصمتْ.........!

**

9 – باب سليمان

ظلّ وحيداً..

لا مدّ..

ولا جزرْ...

يمسك بالسعف..

إلى الفجرْ

ويصلّي..

يلقي بالظلّ.

على الشعرْ

يجتاز حدود الريحْ

يستهلك نجما، ويصيح ْ:-

ما زلتُ وحيداً

اسكبُ،

بالبعد،

حكايات

يشربها الشوق،

بقرب النهرْ..!

**

10-  باب دباغ

قال:

بصوت عالْ

فكّرْ يا شاعرْ..

كنتَ على السطح

وحيداً...

في الليل..

تنظر كيف...

وراء النخل

النجماتْ

تـ ..

.تـ

......

.سـا

.قـ

ـط

تحتضن الأرض....

......وورد الهيلْ

كنتَ تتمنّى

أن تجمعها مره

في سلّة خوص

لتأخذ فضتها..

..وتدور

بها البصره

لتحارب جوع الفقراءْ...

*

فكّرْ

في الباص الـــــــ ...

قد مر كثيرا فوق الطرقات

حمل العمال...الفلاحين

وكلّ البسطاء

فكر

مازال الباص الـــــــ...

يمضي

تكتب سيرته السنوات

باللون الأبيض

لاشي سوى

اللون الأبيض

فاض به العمر... بأحلى الصفحات

**

11- باب العريض

قال:

فكّرْ في الأمر قليلاً

ابعدْ عني شبح الخوفْ

اتركْ في الليل الطيفْ

في الأرض الخضراء يصّلي

يكتب أغنيةً

ليخفّف عنّا حرّ الصيفْ

في بلد تتأوّه فيه الناسْ

وتصرف فيه الممنوع من الصرفْ

**

12- باب الطويل

قال:

فكرْ يا شاعرْ

في القمر الساهرْ

فكرْ في خصّاف التمر المكبوسْ

فكّرْ في الليل الحندس والفانوسْ

فكّرْ في القمر المجنونْ

فكرْ في البيت المسكونْ

فكرْ في الأشباح

وفي الكابوسْ

فكّرْ في الطفل المنحوس ْ

الشعر بحكمته مدروسْ

فكّرْ....

**

13- باب رمانة

قالْ:

- أنسيتَ مفاتيح الأبوابْ

مغلقة

في الجيب الداخل من سترتك الأولى..؟

ومضيتَ إلى المنفى

كلكامش فلتبقَ مغتربا

يوما...

يومين...

فلن ينساك الأحبابْ

انكيدو مات

والعشبة ماتتْ

لكنّ مساحات العشق....

المعشوشب في الرئة اليسرى

ملكوت الرغبة والأشياءْ

*

فكْرْ في الموتى..فكّرْ  في الأحياءْ

فكّر في الأشجارْ

كم رسم العشاق قلوباً

تأخذها الريحُ إلى الآفاقْ

**

14- أبو ذهب

أبو ذهبْ

ظلّ على  أحلامه  ينامْ

يجرّ خطوة...

وخطوة ...

تجرّها الأيام ْ

حتى أفاق  فجأة

وغمغمتْ في حسرة

شفاهه.....

لم نفهم الكلام ْ

لعله قالْ:

عليكم السلامْ...!

**

15- أبو فلوس

يخـرج من منزله

فـي كلِ يـومٍ

يحمل الفانـوسْ

بحـثاً..

....عن الإنسانْ

................!

**

  16- محاول للتذكير

كي تحيا... بين النخل وبين النهر

فكّرْ... بكتاب من ورق النخل

قرأتَ به الأسماءْ

فكرْ بالموتى.... فكّر بالأحياء ْ

فكرْ في القمر اليقظانْ

مدّ إليك يديه

وراء القضبانْ

أعطاك المفتاحْ

وقالْ:

أنتَ المحظوظُ

.....وغابْ

فكرْ أنسيتَ المفتاحْ....؟

فكّرْ..  كي تفتح كل الأبوابْ...!

***

شعر حامد عبد الصمد البصري

............................

ملاحظة: الأبواب الواردة في القصيدة هي مناطق في أبي الخصيب/ البصرة

لماذا يلدني الضياع

في كل مرة

اقول فيها

هنا وطني

لا يجوع الحلم هنا

ولا يعرى..

ولا ينطق عن هوى

من كان

يخلص كل

يوم من شوك

الأنين كلماته

دون ان يتألم..

هنا وطني

وهذه الجروح التي امتدت حتى

عقارب ساعتي

اليدوية

لم تكن سوى السطر الاول

من عمري

تركت نصف كأسي

لمن لا كأس لهم

وقلت ربما

أسكب حلمي

على السراب

فتنبت من فمه

أغنية ..

لماذا يلدني الضياع

ألف مرة ولا أضيع..

أسقط من غربتي

كل ليلة

تتلقفني أسماء مستعارة

أقول سأجد الحب

ينتظرني..

على ضفة الحياة

كل ليلة في منتصف

الجرج

أبلع ملح الكلام

الحياة كذبة لا تتكرر

والحب يلونها بالخداع

ثم يبحر باتجاه

الموت..

أمر على وجعي كل

الصباح

أسأله ان كان بخير

أسأله ان كان عليه

ان يتحمل

المزيد .. من أجلي

ومن أجل ان يعيش وهمي

طويلا..

في الحفل الأخير

لم أضع قناعا

رقصت بوجهي عاريا

مع كل ظلالهم

وعندما انتصف الليل

أشارت الساعة الى جرح غائر

في صمتي

لماذا..

يلدني الضياع ..

من جديد ..

كانت رقصتي الأخيرة

قلت لهم ..

خذوا أصابعي

وازرعوها

وهنيئا لكم حصادها..

لماذا علي ان أكتب كلماتي على المرايا

المكسورة

ليقرأ الجمهور وجهي

الحزين ..

لماذا علي ان أجاهر بالموت

ليكتب إسمي على الرخام المصقول

لماذا علي أن

أحتمي بفراغي

وأحتمي بصمتي

وأحتمي بخساراتي

لم أقطع يوما

تذكرة للغياب

فلماذا يباغتني

الفجر

بثوب رمادي

ولماذا

يلدني الضياع

كلما قلت هنا

وطني..

***

بقلم: وفاء كريم

من أَي كوكبٍ هبطَ طيفُكَ

على قَلبي

وأَيقَظ غَفوةَ النِّسْرينِ

في دْفق شَراييني

وبسماتِ المانوليا

في وجَناتِي؟

ما بين نَسْمَةٍ ونَسْمَة

أستَنشقُكَ عطرَ خُلودِي

وما بين زهرةٍ وزهرة

أُخبئُكَ أَيقونةَ عشْقِي

ماسةَ عُمري ..

مابين دمْعَةٍ ودمْعَة

نجمةُ الصَّباح سَكرت بِأشْواقي

وثَمل قلبي حَنينًا...

يا حُلمَ وُجودي

قادمَة ٌ إلى روحِكَ

على جَذوةِ حبِّي

يحملُني شُعاعُكَ إلى الفردوسِ

أَأنْتَ من كوكبِ المُنى

أم نسيَكَ الدهرُ في سلةِ زَهرٍ

عَلى ضِفافِ وَطَني؟

نَيسانِي مَلَّ  آهاتِ الزَّمان

أَعدْ لربيعِيَ سَوسَناتِه

ولعَينيَّ أمواجَ البحر...

أَلق ِ على حُزنِيَ وِشاحَ البَقاءِ

حِكْ خَلَجاتِ أَنْفاسِي

ما بينَ غَيْمَةٍ وغَيْمَة..

أَعومُ في محرابِكَ السّماويِّ

لأُتوِّجَكَ توأماً لروحي العذراء

ضُمَّني إليك ليُزهِرَ ياسمينُ مَدائني

خُذ ْ نَبْضي...

أنا أموتُ وأَحْيا .....

لأَجلكَ ...

***

سلوى فرح - كندا

من المجموعة الشعرية أزهر في النار

25/1/2010

أي ثأر

بينها وبين سيّد البلاد

تلك الهجينة

التي أجادت باحتراف

ابتكار

أدوات بدائية

لتبصقها

تباعا

في رحاب أرضه المعطاء؟!

*

حين بصقتها

تلك الهجينة

فابتليت بها أرضنا

الموصوفة بالسواد

كائنات غرائبية

بوجوه حجرية

لكن...

أجل

فمآلها الاندحار

*

ألا تتعظ

تلك الهجينة

وتذعن لواقع يصرخ ملء المدى

ان كفاكِ

رعونة

فولي أمرك

لا يُدانى

أنه

السيّد العراق

***

ابتسام الحاج زكي/ العراق

جئتَ فقيرًا دون ثياب

تبكي فَزِعًا

تستغربُ من هذا العالمْ

جئتَ وحيدًا

و استقبلك هنا أحبابْ

كل الأطفال يجيئون بوجه واحدْ

و ملامحك الغضة تبدي

وجهَ براءهْ

تبعث من مبسمك النورْ

تجعلنا نهوي في حبك دون شعورْ

أنت رقيق مثل فراشهْ..

تملكُ إحساسَ العصفورْ

تعشقُ إدراكَ الأشياءْ

و تُحدِّقُ فيها مبتهجًا

هذا قلمٌ..

هذا ثوبٌ..

هذي وَرْدَهْ

كل بسيطٍ تتعلّمُهُ

سيُسطّرُ في إنجازاتكْ

ناغيتَ بحرفٍ لغويٍّ

زدْتَ السرعة في خطواتك

كل جديدٍ تتعلّمُهُ

ترسمُ فيه طريقَ حياتِكْ

أنتَ رقيقٌ مثل فراشهْ

تملك إحساس العصفورْ

هذي الأشياء فقدناها

حين كبرنا

و استيقظ فينا الشيطانْ

تلك أعاجيب الإنسانْ

*

وعلى درب العمرِ ستمشي

سوفَ تُعَدُّ عليكَ خُطاكْ

وَعِرٌ هذا الدربُ كثيرًا

فاحذرْ أن يزدادَ خَطاكْ

وملامحك الغضة هذي

سوف تبدلها الأيامْ

في علم الغيب فلا ندري

ما كتبَتْ عنكَ الأقلامْ

هل تدرسُ في علمِ الطب..

أم ستقودُ جيوشَ الحربْ؟

هل تملأُ بالقسوةِ قلبَكَ

أمْ تملأُ قلبَكَ بالحب؟

هل تَسعَدُ في دربِ حياتِكَ

أمْ تشقى في هذا الدربْ؟

في علم الغيب فلا ندري

ما كتبَتْ عنكَ الأقلامْ

هل ستكونُ أصيلَ الفطرهْ

أمْ ستكونُ من الأشرارْ؟

نَصْرُكَ للشيطان قرارْ

لكنْ مهلًا

إن قَسَتْ الأيامُ كثيرًا

فلتتذكّرْ

أنّكَ كنتَ بريئًا جدًا

حاولْ أن تبقى إنسانًا

لا تُرهِقْنا

فنرى من شرّكَ ألوانًا

حاولْ أن تبقى إنسانًا

قدْ تمشي في دربِ العمرِ طويلًا

ثمّ ستوقِنُ

أنّ حياتَك محض دقائقْ

*

جئتَ وحيدًا دون ثيابْ

ثمّ تغادرُ مثل مجيئكَ

دون ثيابْ

و تخلّى عنكَ الأحبابْ

*

أنتَ وحيدٌ جدًا..

جدًا..

جدًا..

دون أنيسٍ إلا قلبك

فانظرْ كيف تقومُ بصنعِهْ

***

اصنعْ قلبك

إسراء فرحان

ســــــلاماً يــا مُشـــرّعُ لـــــي حديـــثُ

بمــــــا فيــــــــهِ من الماضي حديــــثُ(1)

*

مصائـــــبُ داهمـــت من كلَّ صــــوبٍ

تسيـــــرُ وسيــــــرها دومـــاً حثيـــــثُ(2)

*

حمورابي لقـــدْ خلّفـــــــتَ إرثــــــــــاً(3)

حضاريّـــاَ أســـــاءَ لــــــهُ الوريــــثُ

*

توارى العـــــــدلُ فالقانونُ رهــــــــنٌ

بمـــــا يقضـــــي بهِ اللصُ الخبيــــثُ

*

بلادكَ جنّـــةَ كانـــــــت قديمــــــــــاَ

فأضحـــــتْ كالصحـــارى تستغيــثُ

*

لهيــــبُ القيظِ يحرقـها وتظمــــــى

وأنهـــــارٌ تجـفُّ ولا غيـــــــوثُ (4)

*

حقــولٌ قبلَ أنْ تُعطـــــي جنـــــاها

أفاقــــتْ والجــــرادُ بهــــا يعيـــــثُ

*

ريـاضُ صوّحـــــتْ فيــها الأقــاحي(5)

ولـيسَ لطـــــائرٍ فيـــها مكــــــــوثُ

*

تنــــــــــــادي كالحسيـــنِ بكـــربلاءٍ

ألا أحـــــدٌ يُناصـــــرُ أوْ يُغيـــــــثُ

*

ومــــا مــــــن ناصـــــــرٍ إلّا كلامٌ

وهلْ يُجــــدي الكلامُ أو الحــــديثُ؟

*

حمــــورابي شكوتُ اليـــكَ همّـــي

لعلمـــــي أنّكَ الرجـــلُ الحثــــوثُ(6)

*

وإنّكَ عادلٌ والعـــــــدلُ حــــــــقٌّ

تشـــرّعـــهُ الضمــــائرُ لا الليوثُ(7)

***

جميل حسين الساعدي

...........................

كتبت القصيدة في السابع من شهر آب للعام  2023

(1) كلمة حديث الثانية بمعنى جديد

(2) حثيث: سريع

(3) حمورابي: سادس ملوك بابل تضمّ مسلته قوانينه التي تحتوي على 282

مادة تعالج شوؤن الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية

وهي على درجة كبيرة من الدقة بما يتعلق بحقوق الأفراد

(4)غيوث: جمع غيث وهو المطر الغزير الذي يجلب الخير

(5) صوّح: يبسَ وتشقّقَ

(6) الرجل الحثوث: السريع الجادّ في أمره

(7) الليوث: الأسود وقد رمزتُ بها الى قانون الغاب، الذي يكون فيه القويّ هو صاحب الحقّ

مع الوقت بدأ سرحان يستمتع بمراقبتنا وبطريقة ما غير مباشرة يحاول التواصل بزرع الفتنة وتأليف قصص من رأسه لنتقلب على بعض كنت دائما ألمح إبتسامة خفيفة ترتسم على وجهه بعد كل مرة يتحدث معنا أو يوبخنا وقد أصبح مصدر إزعاج للجميع.

حدث أن مرضت وتغيبت عن المدرسة لعدة أيام لم أكن أتمتع بصحة جيدة منذ طفولتي وعانيت كثيراً من عدة نكسات صحية متفرقة كرهتها وكرهت جسدي المريض لكن الشيء الذي لم يتغير حتى الآن هو أني لم أستسلم أبداً لتلك النكسات ولم أعطيها أكبر من حجمها وأغضب ممن يجعل منها سبب يوقفني عن أي شيء أريده.

فور صعودي الباص قال لي: "الباص كان هاديء بغيابك ليتك تغيبين دايما يالبقعة" وكلمة بقعه معناها "مصيبة" باللهجة السعودية الجنوبية وتستخدم غالباً للشتيمة ،أثار غضبي بشدة فصحت بوجهه:"موشغلك " ومن جديد لمحته يبتسم،أثناء تحرك الباص كنت واقفة لأعانده وهو يأمرني أن ألزم مقعدي ثم وقعت حقيبة من الرف العلوي علي وتسببت بسقوطي وإرتطام رأسي بإحدى المقاعد فقال: "تستاهلين"

فقررت لحظتها أن أبعده عن وجهي وللأبد.

تم الإتفاق بيني وبين شلّتي على التخلص من سرحان الذي كان يتدخل بشؤوننا ويقلبنا على بعضنا إستطاع بسياسة الفساد أن يحدث بعض المشاكل وتوعدناه بالإنتقام وقد كان يستحق.

خضنا معه حروباً طاحنة لم نستطع خلالها أن نسدد له الضربة القاضية .

بعد تفكير مطول وخطط كثيرة باءت معظمها بالفشل وفي لحظة تأمل شيطانية قفزت إحدى صديقاتي قائلة: بنات !! أخيراً عرفت كيف نتخلص منه إسمعوا هذه الخطة: سرحان السارح في روان وفي جمال روان دعونا نستخدم هذه السقطة ضده، وبالفعل توجهنا لمكتب المديرة وشكونا عن نظراته لزميلتنا التي أخبرتها بدورها أنها لا تشعر بالأمان بوجودة وفوراً استجابت المديرة لتلك التصريحات الملغمة وطلبت تغييره بمراقب آخر.

وجاءنا جندي جديد، يبدو أنه كان يطمح بشدة أن يتولى منصب ضابط خفر وقد بدأ يتدرب على ذلك بالفعل علينا وجد فينا المتنفس الذي يفرغ فيه الذل والهوان الذي كان يتجرعه في العسكرية طوال اليوم، كان عصبي المزاج قوي البنية يغلي في ثورات غضب عنيفة وعلى أتفه الأسباب في أول مهمة له معنا وقف في منتصف الباص وضرب المقعد بالسوط ليصدر صوتاً مهيباً وقال: "إسمي سعيد وأي جنية منكم لاتحسن السلوك سوف تسمع هذه الضربة على جلدها " وفوراً أذعنا تحت سيطرته وإستسلمنا له بشكل كامل كان شديد البأس ومن الرجال القلائل الحصينين ضد الكيد النسائي من الغواية وفنون الإغراء.

حاولنا بعدة طرق واستخدمنا جميع الحيل للإيقاع به وإيجاد ثغرة واحدة بلا فائدة حتى أن "خديجة" الجميلة القصيرة المزعجة سرقت بعض مساحيق التجميل من أختها الكبرى ولطختها على وجهها وفور دخولها الباص أسقطت ربطة شعرها متعمدة تحت مقعد سعيد وهمست بإذنه بشيء لم نستطع سماعه فنهض من مكانه وكأن جنّي تلبس جسده وضرب المقعد بالصوت وراح يطلق تهديداته المعهودة فارتعبت الفتاة وبقيت ملتصقة في المقعد الأخير حتى وصلنا لحارتهم ،تقدم نحوها وسحبها من يدها وهو يصرخ فيها ويأمرها أن تنزل معه ليخبر والدتها شخصياً عن تصرفاتها والبنت تكاد تفقد الوعي من شدة البكاء وهي تردد "الله يخليك سامحني آخر مرة" حتى تركها وشأنها وما أن بدأ الباص بالتحرك شتمته بصوت مرتفع ودخلت مسرعة للبيت.

لكن شدة بأسه لم تمنعنا من تحريف إسمه إلى "تعيس" مع تخفيف نطق حرف العين ويبدو أنه كان يعلم بذلك ولم يبالي.

و في سبيل إستغلال الفرص المثالية استخدمت سعيد وشخصيته العنيفة وإضطرابه النفسي لتحقيق العدالة والإنتقام من المشرفة التي كانت سبباً في معاناتي والعذاب الذي عانت منه صديقتي روان بسبب البرشام المشؤوم ،في آخر أسبوع من الإمتحانات أخبرتني المشرفة أنها سوف تتأخر في المدرسة لإجراءات التصحيح وسوف ترسل إبنتها معنا بالباص وأمرتني أمر أن أنتبه لها بطريقة مستفزة كانت كفيلة أن تقتل عندي أي نية في حمايتها قالت: "بما إنك جارتنا أكلفك تنتبهي لإبنتي رغم إنك لست أهلاً للثقة لكني مضطرة لهذا الإجراء ولو حصل شيء لها تأكدي إني لن أرحمك إن أصابها مكروه" الغريب أنها تبغضني بشدة لأسباب كثيرة معظمها لا علاقة له بشقاوتي بالمدرسة بل أنها كثيراً ما وجدت في تلك الشقاوة حججاً لتنزل علي حقدها وغيضها الشديد مني ومن تفوقي وتقدمي الدائم على إبنتها لهذا كانت لاتسيء لي فقط وإنما تحاول الإساءة إلى كل من يتقرب مني ولا أعلم كيف وثقت فيني في ذلك اليوم لتلقي بإبنتها في التهلكة لعلها إعتقدت أن تهديدها سيوقفني عن أي حماقة أنوي إرتكابها ، على كل حال كانت تلك التجربة الأولى وعلى مايبدو الأخيرة لإبنتها لركوب باص المدرسة.

عشت صراعاً بين ضميري وبين التفكير في أن فرصة كهذه لن تتكرر لتأدبيها هي ووالدتها معاً .

لم يأخذ منا الموضوع أي مجهود سوى أن نجبرها على الرقص وفوراً بدأت الفرقة الغنائية بالتطبيل وربطنا خصرها ورقصت تحت الإكراه وقف سعيد بالسوط يصرخ ويزمجر وأخذ ورقة وكتب أسمائنا وأعطاها للمديرة، في اليوم التالي تم إستدعائي وشلتي في الإدارة بإستثناء بنت المشرفة لننتفض في ثورة عنيفة ونرفض العقاب وحدنا وطلبنا إستدعاء بقية الطالبات للشهادة أنه لم يرقص غيرها حاولت والدتها تكذيبنا وتضليلنا أن تلك التصرفات الشوارعية لاتصدر من ابنتها لكنا أصررنا على موقفنا وهنا صرّحت "خلود" عن الأجندة الخفية وقالت: "نحن أجبرناها ترقص متعمدين حتى نعرف هل نتعاقب وحدنا؟ أو تتعاقب معنا"

بعد عدة ساعات قضيناها بالإدارة متفرقة بين التوبيخ والضرب والإهانات انتهى الأمر بإستدعائها وضربها "ضرباً غير مبرح" وتوقيعها على تعهد مثل بقيتنا.

و كانت تلك الشرارة لعداء شرس بيني وبين تلك المشرفه وابنتها استمر من الصف الخامس الإبتدائي وحتى تخرجنا من المرحلة الثانوية..

***

لمى ابوالنجا – قاصة وكابتة سعودية

تكفيني الأرض

أنا

لا أريد سماءهم

لا أريد دماءهم

لست حفيد الخرافة

أنا ابن الأرض لا أكثر

لا أحب الصعود إلى الوهم

لا أحبُّ القتل باسم “الله أكبر”

*

أنا ابن الأرض لا أكثر

منها أتيت

ومنها أعود إليَّ

*

لست أحبُّ الهً يُعذّبُ خلقه

لست أحب عذاب الجمعة

عذاب السبت

عذاب الأحد

أحب ارتقاء الجسد

باللذة الممتعه

ولست أحبُّ شعوبا

تنكحُ أربعةً

وتمشي على أربعه

*

أنا ابن الأرض لا أكثر

روحي سمائي

ولست مبيحا دمائي

لآلهةٍ تقاتلنا بالرسل حينا وبالأنبياءِ

*

أنا ابن الأرض

وهذا الكون لي معبدْ

وُجِدتُ قبل وجود الإله وأُوجَدْ

لأجل بقاء الحياة على قيد الحياةِ

*

أنا ابن الأرض

لست أحب الرضوخَ

ولست أحبّ الشيوخَ

يبيعوننا حدودا عريضة

في سماء مريضة

أحب الشموخَ

ولست أحبُّ شعوبا

تقاوم الجوع بالصبر

والفرح بعذاب القبر

وتكتب بالدم لا بالحبر

وتحمل تاريخ خرافات أسود

وحاضر خرافات أسودْ.

***

أحمد عمر زعبار

شاعر تونسي وقيم في لندن

عُـصـابُ الـنَـيْـزك

أعــوذُ مِـن الـتَـعَــقّـلِ بـالـجـنـونِ

فـيـا نـاري ارتَـعـي فـي زَيْـزفـونـي

*

ويـا قـطـعـانَ ثـيـراني أَغِــيــري

عـلى كُـوخـي الـمُـعَـشَّـقِ بالـفـنـونِ

*

ويـا صحـرائِـيَ الـكُـبـرى اسـتَـبِـدّي

بـواحـاتي ولا تَــذَري غـصـونِـي

*

أنـا لَـمْ اقـتَـرِضْ لـكـنْ حـريـصٌ

عـلى الـتَـسـديـدِ قـافـيـتـي دُيـونِي

*

وعـنـدي أنّـني مِـن زنْـزَلَــخْــتٍ

ولِي صَـبْـرٌ عـلى وَعْـلِي الحَـرُونِ

*

ولِـي مَـلْــويَّــةٌ أَنْـدَسُّ فـيـهـا

أنـا بَـزّاقُـهــا ، إلّا قــرونـي

*

أنـا جِـسْـرٌ ـ تَـصَـدّأَ ـ مِـن حـديـدٍ

يَـئِـنُّ مُـحَـذِّراً: لا تَـعْــبـرونـي

**

خـريـفُ الـصَـفْـصـاف

قُـبـالَـةَ ساحِـلِ الـمعـنى انـتِـظـارُكْ

رَبـابِـنـةً

يُـبَـجِّـلُـهُــمْ دُوارُكْ

*

رَبـابِـنـةٌ

أيْ اغـتَـسـلـوا وعـادوا

ولَـمّـا زالَ يَـغْـبِـطُـهُـمْ غُـبـارُكْ

*

قُـبـالَـةَ سـاحِـلِ الـمـعـنى بِـلَـيْـلٍ

وَتَـوّاقـاً تَـظـلُّ

إذا نَهـارُكْ

*

كَـقـاربِ مَـن تُحـبُّ وراحَ يَـنـأى

وصِـحْـتَ مُـلَـوّحـاً:

الـدارُ دارُكْ

*

أَيـا الـصَـفْـصـافُ

والـصَـفْـصـافُ  فَـحْـلٌ

عـقـيـمٌ والـخـريـفُ هُـنـاكَ جـارُكْ

*

قُـبـالَـةَ سـاحِـلِ الـمَـعْـنى

إذا مـا ...

وغَـصَّ بِـنَـغـمـةِ الـمـعـنى هَـزارُكْ

*

طِـوالَ اللـيـل مُـشـتَـعِــلاً

أَيَـبـقـى

قُـبـالَـةَ سـاحِـلِ الـمَـعـنى فَـنـارُكْ؟

**

مُـريـدٌ عـلى الـطـريـق

هـذا ال...

يَـطـيـرُ بِـغـيـرِ مـا ريـشِ

وجـنـاحُـهُ رَقْـصُ الـدراويـشِ

*

يَـرْضى بـمـا أخَـذَتْ

ومـا تَـركَـتْ

مـا مِـن جـيـوبٍ فـي الـدَشـاديـشِ

*

كَـمُـسَـدِّدٍ أعـمى ورَمْـيَـتُـهُ

كـادتْ فـزَحْـزَحَـهـا بِـ أنْ

طِـيـشي

*

بَـلّـوطُـهُ

يُـشـوى بِـجَـمْـر غَـضى

بَـيْـتٍ مُـقـفّـى بـالـمَـنـاقـيـشِ

*

وكَـعُـشِّ عـنْـقـاءٍ

إذا احـتـرقَـتْ

لَـمْ يَـحـتَـرِقْ مِـثْـلَ الأعـاشـيـشِ

*

هـذا ال... يُـغـنّي حـافِـيـاً

مـعَـهُ

كـبِـطـانـةٍ

أغـنـى الـحـرافـيـشِ

*

طـرِبـوا نَـعَــمْ طَـرِبـوا

وآيـتُـهُـمْ

مِـن فـرْطِـهِ

خـلْـعُ الـطـرابـيـشِ

**

سُـبـاعــيّـة أبـي نُـواس

تَـوضَّـأَ

بـالـمُـدامِ أبـو نُـواسِ

ونِـيّـتُـهُ: الـصـلاةُ بُـعَــيْــدَ كـاسِ

*

سـأقـرَبُـهـا

ــ يَـقـولُ ــ قُـبَـيْـلَ سُـكْــرٍ

فَـلَـمّـا زلْـتُ صـاحـيـةً حَـواسـي

*

نـصـومُ

نَـهـارَنـا عـن كُـلِّ لَـحْـمٍ

وبـالـصـهــبـاءِ نُـفْـطِــرُ فـي الأمـاسـي

*

ومَـزّاءٍ

مِـن الـزيـتـونِ حَـسْـبـي،

وصـاحـبـتي مِـن الـتـيـنِ الـخُـلاسـي

*

بِـنـا سَـهَــرٌ

يـطـولُ يـطـولُ حـتّـى

أَذانِ الـفـجْـرِ يـا غَـبَـشَ الـنُـعــاسِ

*

جـنـانُ:

مـلـيـكـةُ الـعَـسَـلِ الـمُـقَــفّـى

غَــفَــتْ سَـكْـراً عـلـى الـبـيـتِ الـسُـداسـي

*

سَـهَــوتُ

عـن الـصَـلاةِ وعـن جـنـانـي

وطـالَ بـنـارِ قـافـيـتـي انـغــمـاسـي

**

لـيْـلَ نَـهـارْ

خُـذِي صَـدَفَ الـمُـحِـبِّ

فَـلأْلِـئِـيـهِ

بِـقَـوْلِـكِ: دُرَّةً سَـأنـامُ فِـيـهِ

*

عـلى قَـدْرِ الـغَــرامِ

نَـبِـيـتُ جَـمْـراً

فَـلُـوبـي في الـغَــرامِ وَجَـمِّـرِيـهِ

*

قِـبـابُـكِ

في ظَـلامـي مُـقْـمِـراتٌ

إلى زَمَـكـانِـها عَـبَّـدْتُ تِـيـهِـي

*

رهـاني كـانَ خُـسْـراني بِـفَـوْزي

عَـليَّ

أَلَـيْـسَ ذا مـا أبْـتَـغـيـهِ؟

*

أُريـدُكِ

بَـعْــدَ مـوْسِـمـهـا وقَـبْـلاً

عـنـاقـيـدَاً كَـهَـرْطَـقـةِ الـفَـقـيـهِ

*

وأحْـدسُ يـا الـغَـزالـةُ إنْ تُـطِـلِّـي

عـلى عَــدَمٍ تَـنَـمَّـرَ

تَـمْـحَـقِـيـهِ

..................

.................

كَـمـا لَـوْ فـي الـمَـنـامِ:

بَـنـاتُ نَـعْــشٍ

أخَـذنَ الـطـفْـلَ يَـلْـعَــبُ مِـن ذَوِيِــهِ

**

فـي بَـيـتِ طـاغــورَ

في بَـيْـتِ طـاغــورَ:

مـا بَـيْـنَ الـحـدائِـقِ، فـي

فـرْدَوْسِ أرضِ الـرؤى الـراؤونَ

قـد عَـقَـدوا

*

لـلـروحِ مُؤتـمَـراً

والحـاضِـرونَ مِـن الـ

مـاضي ومِـن قـادِم ِ الأيـامِ

قـد وَفَــدوا

*

وقـيـلَ: مِـن بَـيْـنـهـِمْ

أفـذاذُ فـلْـسـفــةٍ،

عِـلْم ٍ، وهـنـدسـة ٍ، فـنٍ،

ومَـنْ شَـهـدوا

*

ما قـبْـلَ تـاريخِـنـا الـمـعـروفِ،

مُـنْـعـكِـسـا ً

في بُـرهـةٍ

عـرْضُـهـا أو طـولُـهـا الأبَــدُ

*

وقـيـلَ، قـيـلَ ،

ولـكـنْ لا دلـيـلَ عـلى

أنَّ الـذيـنَ ...

ولـمْ يَـقـطـعْ بِـذا أحَــدُ

*

أوْ

هَـبْ خـلاصـةَ مـا قـدْ دارَ بـيـنهَـمـو

قـد دُوِّنَـتْ،

أيُّ تَـأويـلٍ سَــيُـعْــتَـمَـدُ؟

*

هـذا إذا كـان

فـي مَـقــدور حـاضِـرِنـا

أنْ يَـسبـرَ الـسـرَّ غـوّاصـاً،

ولا مَـددُ

***

جـمـال مـصـطـفـى

لقد حدث الكثير

منذ ذلك الحين

لم نتعود على التغيير

لقد افسدوا كل شيء

حين عثروا على القميص

في كهف الذئاب

*

على سطح دبابة

وحده الجنرال

يحتفل بعيد زفافه

وصدره مضمخ بأوسمة

من جماجم الابرياء

*

صرنا جبهة معدة للقتال

وقذيفة لم تنفجر

وهزائم متتالية

ما الحرب في هذا الزمن الرديء

الا فتاة مراهقة فاتنة

شفاهها مرصعة للتقبيل

*

ونتساءل ونستغرب:

كيف استطاع الزعيم

طيلة هذه الاعوام

أن يركب على اكتافنا

ونحن نيام؟

***

بن يونس ماجن

ينتصف الليل

تمضي المسافات

ينهض الفارس من نومته

ينظر نحو الأفق

*

تسير القافلة

تتقاطع المشاهد

يسقط الجناة تباعا-

تمحق استغاثات المقهورين

سيوفهم

*

تنحني السماء

تتناثر الأسماء

يستيقظ الألم

يعانقه الخلود

*

يغرس القمر أنوار ولادته

يصرخ العطش

ينحني الفرات

ينأى بعيدا

تغادر أمواجه تتراجع

يندحر الموت

*

تنبعث الشمس من ليل وحدتها

تمنح الأرض كرامة المجد

تتجدد نافلة اللون

ينزف الصبر أمجاد رفاته

ينكسر الرمح

تهتز عروش الطغاة

*

يرتدي السلطان لباس الهوان

ينتصر الحياء

ترتفع الرايات

تصرخ كربلاء

***

عقيل العبود

1- حب من نوع خاص

كانت غيمة الأحلام

تحمل عنوان الخريف

تحلّق فوق سماء روحي

وتطلّ على زوايا سرب

العصافير وهي تستعدّ للهجرة

وتتأمّل،تلك التي تحمل العشب

والورد، وباقات الذكريات

في قريتها الجنوبيّة

وكأنّها سوف تنهي رحلتها

من مطار  كان يضمّنا

مرّات ومرّات،

كنّا، به  معا

نحلّق..

نطير في أمانْ

كم رحلنا ...

كم رجعنا

والحديث الطويل قصير

والمواعيد القديمة جديدة

كنّا بها، ننفق الدمع معاً

ونشدو معاً..

"آه من الأيّام آه

لم تعطِ من يهوى مناه"

..............!

**

2- رحيل قبل الأوان

اليوم سيّدتي النبيلة

كيف ترحلين ..؟

وحيدة خلف المسافات البعيدة

وأبقى أنا  وحدي

هنا على قارعة الطريق

يطوّقني الليل ..

أرسل الف نداء

أستغيث

لا صوت يأتي ..لا أحد

حتى الصدى

ضاع الصدى

وتناثرتُ  ذرة ..ذرة

أنزفُ شوقاً

من جبال الشوق،والهموم

والمناديل مبتلّة في يدي

ترتشف الأنين والبكاء ....!

**

3- حنين دائم

لا أعرف لماذا ...؟

ألملمُ الآن شظايا روحي

وأعيد شريط الأيام

الشريط الملوّن

فأرى ملامح وجهك في ذاكرتي

وأعيد لصقها من جديد

على صفحات القلب

وأتذكر، موسيقى صوتك

وأحمل إشراقات ابتساماتك

نبضات في القلب ..؟

لا أعرف لماذا أحفظ كل كلمة

ينطقها لسانك العذب

صدقيني إني احفظ كل كلماتك

واحدة ..واحدة

أتذكرين  ..؟

كنتِ تقولين (هأ)

بدلاً من حرف النفي (لا)

وكانت الـ(هأ)

تعيد تشكيل أحلامنا

وتطول المحبّة ..

ودون شعور

أجد نفسي

تحاول تقليد خطك الجميل

وأتذكر باعتزاز  يديك

وهما تنفتحان في دعاء

مثلما تتفتح الوردة في الصباح الندي

"اللهم أرزقنا نجاحاً وتوفيقا "

لا أعرف حقّاً

لماذا تبقى حلاوة اللقاء

وكلمات الدعاء

في فم روحي

وأعماق نفسي

بطعم خاص، ومميز ..؟

على الرغم من مرور السنوات

ولماذا أفكّر فيك

وبك أنت فقط

وأنسى كلّ العالم

وأحس أن قلبي

ليس بين أضلاعي

وإنما هو قد رحل

هناك ..هناك

بين يديك، قصيدة حب لا تنتهي

لا أعرف لماذا

كنتُ أقف بخشوع أمامك ...؟

ايّتها الطيّبة الرقيقة

كأنني أقف أمام ملاك

ولا أعرف،

لماذا أيقظتني،في الحلم،

عيونك بنظراتها

وبعثت الحياة في جسدي

الذي كان ملقى

على تابوت الموت

حتى أحسستُ أنّني معك

مرة أخرى

نعم مرة

قد بدأت طفولتي

ومراهقتي ..ورجولتي على أرض الحقيقة

***

حامد عبد الصمد البصري

منْ  يومِي

و لَا آخذ معِي

شيئًا منْ الصخبِ

حتَى أدخلَ  الليلَ

بفائضِ السهرِ

كيفَ...

أغلقُ نوافذِي المشرعةَ

علَى الحزنِ  والعدمِ و..

لَا جديدَ تحتَ الشمسِ

ولَا قديمٌ يثيرُ غبارَ

الوقتِ..

كيفَ تمعنُ  في الهروبِ

الَى الخلفِ..

وهذَا الموتُ يقفُ

وراءكَ مباشرةً

يقيمُ بينَ أمسكَ ويومكَ..

و بينَ يومكَ وغدكَ..

بينَ صمتكَ وصخب

الأمواجِ

في بحركَ..

فِي وجهكَ يقيمُ

و في مراياكَ أيضَا..

يطلقُ

جياد الوقتِ

تسابقكَ  الى

حتفكَ..

فيفوزُ الجوادُ الاولُ بخيبتكَ..

و تهزمُ الجوادُ الاخيرُ

ابتسامتكَ..

و بينَ خيبةٍ وإبتسامةٍ

يملأُ فراغَ

الأمنياتِ

في جيبكَ

بألعابِ طفولتكَ..

و صوركَ القديمة

يفكُ  جسورَ الكلامْ

و يعيدُ تركيبهَا

في باطنِ  كفكَ..

فتقبضُ على الجمرِ

و تحترقُ  قصيدةٌ

كانتْ

مصلوبةٌ علَى

ظلكَ..

و تنجُو  من وهمِ نبوءتكَ

لا لتأويلِ الحرفِ

إن كانتْ ناصيةُ الكتبِ

كاذبةْ ..

حين تطفئُ   الحقيقةُ

قناديلهَا..

و تغمركَ العتمةُ

فِي القاعِ

حتى القاعْ..

و لا ازرارَ

لديكَ

لتتحكمَ فِي

الموتِ والحياةِ..

لَا ازرارَ ايضَا

لتتحكمَ بالجنةِ

و الجحيمْ..

و حدهُ  الحبُ

يمنحكَ مفاتيحَ

الأسماءْ..

***

بقلم: وفاء كريم - تونس

(لم تكوني بالسيدة الفاضلة)*

حين العودة الى جذور الخلاف مع زوجها ومسبباته وبحسب ما ادعته ولعلها في هذا الأمر صادقة في قولها، فسنجد بأنها كانت قد أُجْبِرَتْ على هذه الزيجة من أحد أبناء عمومتها، وهذا أمر مشاع في بلادنا التي لم يزل شروق الشمس بعيدا عنها، لينتقل بها ويسكنها في إحدى القرى النائيات، حيث يقيم ولمّا تزل بعد صغيرة في السن. وﻷن ظروف الحياة هناك شديدة الوطئة، قاسية لا تطاق، وطُرقها مقطعة وغير معبدة أو سالكة بسهولة، مما أدى الى صعوبة التواصل مع ما يحيط بها أو على نحو أدق مع البيوت التي عادة ما تكون متباعدة في مثل هكذا مناطق. فضلا عن انها بنت مدينة ومتعلمة، إذا ما قورنت بزوجها، حيث نشأت وتربت على شيء من الإنفتاح، ونسج ما يطيب لها وما مسموح من العلاقات الإجتماعية. وللأسباب الفائتة وغيرها، فقد صَعُبِ عليها كما تقول التأقلم مع الوضع الجديد، رغم ما بذلته من جهد وصبر في بادئ الأمر، لذا كان لها ما أرادت ولينتقلوا ويتخذوا من المدينة مسكنا ومستقراً جديدا لهم.

ومن خلال ما كان يرد على لسانها وما ثبت ذلك فيما بعد وباﻷدلة القاطعة،. كذلك ما جاء من تشكٍّ، بشكل غير مباشر وأحيانا مباشر، وعلى لسان زوجها وكلما ضاقت به لغة التعبير عن الرفض أوالإحتجاج بصوت مسموع، فقد بدا جلياً بأنَّ أمر إدارة البيت وساكنيه، من حَلِّ وعقد وكل ما يرتبط بهما، بات من إختصاصها وصلاحيتها حصراً بل وحكرا عليها، فعلى لسانها سيأتي القول الفصل في الشاردة والواردة وفي الصغيرة والكبيرة.

أمّا لو سألتم عن باب بيتها فهو مغلق بشكل دائم ومستمر وعلى مدار اليوم والساعة، ويُحَرم دخوله الاّ لمن تشاء هي تحديداً وترغب، ومَن لا يطيب له قسمة كهذه فالبيت وبابه رحبان بما يسعان ولكل مَنْ يريد مغادرته، حتى من دون الإستئذان أو الإفصاح عن الأسباب والدوافع، والمقصود من هذا الكلام وَمَنْ تعنيه هو زوجها طبعاً وليس من أحدٍ سواه.

قصارى القول فيومياتها يمكن تلخيصها بعبارة واحدة: تعيش حياتها تحت تأثير ووطأة  ما أصابها من حيف وظلم، كانا قد وقعا عليها جراء ما فُرض عليها من زيجة وزوج، وهذا أمر لا يمكن إنكاره أو تجاهله. ولأن جروحها عميقة وغائرة، ولكي تُقلل أو تحد من تأثير شحنات الأذى والقسوة التي كانت قد تعرضت لها، ستجدها وفي أكثر اﻷوقات وتحت أي ظرف، وبمجرد أن يُفتح موضوع الإرتباط بالآخر وما يتصل به، على إستعداد كامل في أن تُفرغ ما في جعبتها من مشاكل ومتاعب وحتى من أسرار، كانت قد تراكمت على رأسها مع مرّ السنين.

وعن الكلام المباح الذي درجت هذه السيدة على إسماعه لمن يحطن بها. ففي إحدى المرات وبينما كانت على درجة عالية من الحماس حين كانت تقص على صديقاتها بعض مما أصابها، لكزتها إحداهن وفي حركة متعمدة، كي تخفف من حدة لهجتها ولتقول لها: أشعر أنك ذهبت بعيدا، ففي كلامك ما يشي الى أنك تبالغين كثيرا. غير انها لم تعر لها أمرا. وتعليقا على هذا الإعتراض، فربما كانت هذه المرأة تتعمد هذه الطريقة من السرد، وذلك لغايات وأهداف بعيدة بل بعيدة جدا ويصعب إدراكها.

إذن وبإختصار فقد بات من طباعها، أن لا همَّ لها ولا شاغل سوى نقل الكلام وتناقله بين هذا وذاك، ومن بيت الى بيت ومن  إمرأة الى أخرى، لذا يمكن أن نصفها بأنها وكالة أنباء متنقلة. وفي أكثر اﻷحيان لا يعتد برأيها الاّ من قبل مَنْ هُنَّ أسوء منها أو يماثلنها في الأخلاق. ولولا بعض الإعتبارات يقول إبن سيدة أحد البيوت الذي عادة ما ترتاده وتفضله على اﻵخرين، لكنت قد إشتبكت معها ولأكثر من مرة، بل حتى بتٌ على إستعداد تام لطردها لولا بعض الإعتبارات التي تحول دون ذلك.

ومن بين ما ادعته وسرَّتْ به لوالدتي على سبيل المثال، يقول الإبن، ما شاهدته ولأكثر من مرة وعن طريق الصدفة المحضة وبأم عينيها كما يحلو لها الوصف وتقسم على ذلك بأغلض اﻷيمان، بعض من حماقات وتصرفات، مصدرها هذا الرجل الذي تشغل صورته وللأسف، أكبر حائط في غرفة ولدك، في إشارة بسبابتها اليمنى الى صورة أحد أصدقائي، زاعمة بأنه كان في حالة تدافع وصراخ ملفت للنظر، حتى تعذَّر على مجموعة من الرجال الذين كانوا متواجدين هناك في تلك اللحظة من فك الإشتباك الحاصل، بل بلغت به الحماقة أن حاول إطفاء ما تبقى من سيكارته بوجه أحد خصومه، أمّا كيف أقنعت والدتي وصعدت معها غرفتي وشاهدت ما شاهدت، فهو أمر مُحيّر ولم أستطع التوصل اليه.

حتى اﻵن قد يبدو اﻷمر طبيعياً ولنقل مقبولاً، وقد يأتي لو سلَّمنا أمرنا في سياق حرصها على بيتنا وسمعته إذا ما أحسنت النية حقا، حين سردت لوالدتي ما إدعت مشاهدته ونجحت في ذلك. غير ان القصة لم تتوقف عند هذا الحد الذي أتينا عليه فالقصة ستأخذ منحا آخر، فلا من رادع أخلاقي يشكمها ولا من واعز ضمير يحركها، رغم كل التوجيهات والنصائح التي كانت تسديها والدتي، والتي تؤكد عليها وفي كل مرة على ضرورة كتم ما تراه، فالبيوت فيها الكثير من الأسرار ، ومن الشرف والنبل أن تُفتح أبوابها لمن أهلاً لثقتها، وعلى زائريها أن يطووا صفحاتها، صارفين النظر عمّا فيها، حفاظا على أواصر الصداقة والمحبة التي تجمع طرفيها، عدا عن غلق كل المنافذ  التي تسيء الى البيت  وساكنيه.

وللأسف الشديد فأن كل تلك الوصايا ذهبت أدراج الرياح ولم تجد لها صدى ولا أذنا صاغية، فبمجرد مغادرتها منزل مضيفتها وفي كل مرة، فلا همَّ لها سوى أن تجوب بيوت الحي بيتا بيتا، وفي جعبتها ما إدعت مشاهدته، بل ستضيف عليه من عندها ما سيطيب لها من إفتراءات وأكاذيب، على الرغم من ان أغلب نساء الحي، كنَّ يخشين طول لسانها بل سعين من أجل وضع حدودا لها، خاصة بعد أن بدا التمادي واضحا في أحاديثها وسلوكها وتصرفاتها، بل وحاولن أيضاً التقليل من ظاهرة ترددها على بيوتهن.

وللوقوف من جديد والغوص في أسباب قيامها بهذه الزيارات المفاجئة، فهي تأتي أساسا لتزجية الوقت والتخلص من مهام البيت ومسؤولياته، وأيضا لتتجنب الإحتكاك بزوجها، والأهم من كل ذلك هو تحريض نساء الحي على أزواجهن، خاصة إذا ما لاقت لأحاديثها إستجابة وتفاعلاً، تاركة المنزل لعبث ولديها، أمّا إدارة شؤونه فسيترك بعهدة صغرى بناتها، والتي لم تبلغ من العمر بعد إثنا عشر عاما على أكثر تقدير. وعن إبنتيها الأخرتين، فقد تمَّ التخلص منهما على حد قولها، بعد تزويجهما مبكرا ومع مقدم أول فرصة، صارفة النظر عن طبيعة الزوجين المتقدمين ومدى أهليتهما لذلك.

وبمناسبة طول لسانها فلا بأس من ذكر هذه الواقعة، والتي كان لها أثراً كبيرا علينا وعلى ضوءها كان لنا القول الفصل، يقول إبن سيدة البيت. فبعد مرور يومين أو ثلاثة على آخر زيارة قامت بها لنا، وعلى ما وصل مسامع والدتي، وما يُلفت الإنتباه حقاً، أنَّ بضعة نساء من أهل الحي، كُنَ قد تجمعن وهي تتوسطهن ليصغين لما ترويه، بمتعة واسترخاء، رغم كل الوعود التي كنَّ قد قطعناها سابقا والتي تقضي بماقطعتها وغلق طرق النفاق عليها: عن أي صورة أحدثكم، فأقسم لكم وبأقدس ما أملك بأني لم أشاهد من قبل إهتماماً بأية صورة وطيلة سنوات عمري الذي تجاوزت فيه الأربعين كالذي شاهدته، حيث تصدرت أكبر واجهة في غرفة ولدها المدلل، فَمَنْ يرى حجم تلك العناية بها، فسيظنها تعود الى هدى سلطان أو فريد شوقي وهما في ريعان شبابهما، أو لفتى الشاشة اﻷول عماد حمدي وهو مرتديا روبه اﻷثير، أو لناظم الغزالي وهو يشدو في إحدى صالات أو ملاهي بيروت.

ثم راحت مكملة روايتها أمام مَن يصغي لها: وكي لا أنسى، فقد جرى تأطير الصورة إياها بأشكال من القلائد والأطواق الأنيقة الموردة والتي لم أر لها مثيلا من قبل، مما أضفى عليها المزيد من الجمال والروعة، لتشد وتجذب إنتباه كل من يدخل الغرفة ومن أول وهلة، فضلاً عن ذلك العطر الفواح الذي لم تتوقف عن رشه حتى أثناء اللحظات التي كنت بصحبتها، عدا عن تلك اللمسات الحانية التي ما إنفكت تقوم بها سيدة البيت بين الفينة واﻷخرى، ولولا تنبيهي لها، لكانت قد إستمرت على عنايتها وإهتمامها.

هنا سيبرز التساؤل، أن كيف حدث ذلك وكيف استطاعت هذه المرأة الإطلاع على ما تحتويه غرفة الإبن اﻷكبر، للإجابة على ذلك ربما كان للصدفة المحضة دورا، ليس أكثر. ففي إحدى زيارات هذه المرأة ولنسميها بالفضولية، عدا عن نعوت أخرى، كان قد جرى إشتقاقها ونحتها وإسقاطها عليها، وبما يتلائم وطبيعتها، كانت سيدة البيت وبعد أن أحسنت إستقبالها وأداء ما يترتب على ذلك من حسن إستقبال وواجب ضيافة، ولطيب نيتها وخلقها الرفيع، وإحتراما لها كذلك وكي لا تتركها وحيدة في البيت، فقد إقترحت عليها مرافقتها والصعود سوية الى الطابق الثاني من البيت حيث غرفة ولدها، لغرض تنظيفها وترتيبها. غير أن ما ترتب على ذلك وللأسف ما لم يكن بالحسبان، حيث تجاوزت تلك الزائرة كل الحدود، إذ ستقوم بنقل ما يطيب لها وما خرجت به مخيلتها من سوء ظن وتصور.

وبالعودة الى ملابسات وخلفيات صعود هذه الزائرة السلم ودخولها غرفة الإبن المدلل كما تسميه، وما رأته وما أضافت عليه من مبالغات، لهو جدير بالذكر حقا. فبينما كانت اﻷم منشغلة بغرفة ولدها، وبدافع الفضول راحت المرأة الضيفة والتي هي موضع حديثنا تتطلع في إحدى الصور المعلقة. في البدء كانت نظراتها خاطفة، غير انها وفي اللحظة التي أوشكت مغادرتها قررت التدقيق أكثر ﻷمر ما ربما شدَّ إنتباهها، وهذا ما جرى فعلاً. فبعدما أعدلت من وقفتها لتكن بمواجهة الصورة تماماً ومن غير أن يرمش لها جفن، ومع الإمعان والتمحيص والتدقيق، إستطاعت التعرف كما إدعت على من يتوسط مجموعة من الواقفين، وقد تجاوزت أعمارهم تواً على حسب تقديرها العقد الثالث. وعلى الرغم من قِدَمْ إلتقاطها والفارق الواضح بين العمر الظاهر في الصورة المعلقة، وعمر صاحبها في الوقت الحاضر، الاّ انها مضت لتزيد من قناعتها والتثبت منها وتحسم أمرها، قائلة فيما يشبه الهمس، إنه هو، نعم انه هو  وليس هناك من مجال للشك.

سيدة البيت من جهتها لم تكن بتلك الغفلة والسذاجة كما قد يظن البعض ويتوهم. فبصرف النظر عن المبررات والتخريجات التي ستسوقها الضيفة لتصرفاتها هذه والتي إعتادت عليها، فقد قررت وبعد أن أدارت الموضوع في رأسها ولمرات ليست بالقليلة، ولإستشارتها كذلك لأهل بيتها وتداول الموضوع معهم وكي لا تظلم أحدا، غلق باب بيتها أمام هذه المرأة الفضولية والى الأبد، ولا ندري إن كانت قد أحسنت التصرف أم أخطأت، ولكم ما ترونه مناسبا من تعليق ورؤى.

***

حاتم جعفر - السويد ــ مالمو

 .......................... 

* في الجزء اﻷول من هذا النص أو القصة أو سمّه ما شئت، كنت قد تطرقت الى إحدى النساء الفضوليات في طبعها. وفي هذا الجزء نكمله، محاولين ربط الإثنين معا وعسى أن يتسق الكلام.

لماذا تركتِ الشّامةَ السّوداءَ ترحلْ؟

لماذا؟

وَهْي أحلامُ الصّبا

وتذكارُ نورٍ ومَرمرْ؟

لماذا جعلتِها تغفو

ما بين ما غابَ مِن نقشِ الهوى

ومِن عزفِ الجوى

ومِن حبٍّ تَعثّر؟

*

لماذا تركتِ الشّامةَ السّوداءَ ترحلْ؟

وكيفَ قَبِلْتِ؟

وكيفَ قَدِرتِ

بَريقَها في الحبّ يَذبَلْ؟

*

أيا شامَةَ النّورِ المطرّزِ بالأسى

ويا لوعَةَ الشّوقِ العَتيقِ

وهَمسةَ الحبِّ البريقِ

قد ماتَ مِن قَبلِ المسا

قولي لِمَن جعَلَتْ

سوادَكِ المجنونِ يمشي في الطريقْ

قولي ِلِمَن قَتَلتْ

جنونَ الشّوقِ والنّارَ الحريقْ

لماذا؟

لماذا تركتِ الشّامةَ السّوداءَ ترحلْ؟

***

د. نسيم عاطف الأسديّ

الليلُ.. يشتلُ الجرحَ دروبًا للعمر

يخط السرابَ على كتفِ المساء

الاحتضارُ أغنيةٌ حزينة

يعزفُها النبضُ في خشوعِ

وهمسُ الأمسِ ما يزال

يرقدُ في ثنايا الضلوع !

*

كيف لم يتصدعْ ما تبقَى مني

وريحُ الأرقِ تُمعِنُ في تشريدِ قصائدي ...

وبعثرةِ أمسياتِ أبدعتُها

من دفينِ الوجعِ ...وسرمديةِ الظلام؟

خفافيشُ الوقتِ تبشّرنِي بنهاراتٍ كليلةٍ

وما تنبأتْ به تلك الغجريةُ

حين مسدتْ جسدَ الرملِ

وقالت: اليومَ احتراقٌ.. وغداً غدر

تمسي العتمةُ مخدعًا

الحبُّ حائطَ مبكى

ولن يتجردَ القلبُ من غَمدِ الشوقِ

مهما طالَ النحيبُ حولَ ضريحِ الهجر

ومهما عزفت الظنونُ السوداءُ

نشيدَ الانتشاءِ عند نبعِ العطش

*

لن يخبو أوارُ الزفيرِ

لذا سأعلنُ اعتزالَ شهيقي

قبل أن أطلقَ آخرَ أبجدياتي للريحِ

*

هي أضغاثُ أحلامٍ ....رأيتُ فيما رأيتُ

جلادَ الهوى يحملُ بشارةَ الموتِ

يمتطي بحورَ الجوى

على إيقاعِ عادياتٍ تعزفُ ترنيمةَ اندحار

تهتكُ حجابَ الشعرِ

ترمي القوافيَ بعيدًا

نكايةً في قلمٍ خرَّ وانتحر

*

ها أنا أبكي في حضرةِ الفجرِ

فراغًا يناغي الحضورَ

والجفافُ يكحّلُ عيونَ الأنوثة!

فمن ينفخُ اليومَ في عنفوانِ الزهرِ

قبل أن يهتكَ الذبولُ سرَّ الصبر؟

أهدابُ الشمسِ احترقتْ

كشفتْ عنقودَ الحنينِ لعراءِ الوقتِ

كم تعوّذ بتوباتٍ نصوحاتٍ

في ليالي التكبيرِ والتهليل

حتى اهتزَ رحمُ الأرضِ

وما تفجرتْ ينابيعُ الوعدِ

ولا ...تفسختْ قيودُ الصمت!

*

الدمعُ تكوينُ أملٍ مذبوحٍ

الشعرُ ريشةُ وجعٍ في سِفرِ احتراقٍ

فانظروا لأبجدياتِ الكونِ

كيف تُسندسُ الحواسَ

لتحررَ النبضَ من حَصارِ اليأس !

***

مالكة حبرشيد - المغرب

أَنْتَظِرُ اللَّحْظَةْ

وَأَعُدُّ دَفَاتِرَ أَيَّامِي

وَأُنَادِي

رُوحِي

انْتَظِرِينِي

فِي جَنَّةِ..أَحْلاَمِي

*

أَصْعَدُ

لِلْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى

وَأُدَنْدِنُ

بَعْضاً مِنْ أَنْغَامِي

وَأُرَتِّلُ

لِلْعَالَمِ

قُرْآنِي

أَقْبَسُ

مِنْ نُورٍ

رَبَّانِي

*

اِنْتَظِرِينِي

انْتَظِرِينِي

وَخُذِينِي

بِالْأَحْضَانِ

خُذِينِي

أُطْفِئُ

مِنْ غُلَّةِ

قَلْبِي

الظَّمْآنِ

*

اِنْتَظِرِينِي

انْتَظِرِينِي

أُهْدِي

لِلْكَوْنِ

الْحَيْرَانِ

بَعْضاً

مِنْ أَشْعَارِ

جَنَانِي

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

حمل سعد محفظته السوداء وخرج من البيت منفعلا، ليبحث له عن ملاذ هادئ يستطيع من خلاله إكمال قراءة رواية جارات أبي موسى التي بدأها مساء البارحة ووجد نفسه من حيث لا يدري حالما ببطلتها شامة طوال الليل.. دخل مقهى الحياة التي يفضلها على باقي المقاهي الأخرى، فهي منذ أن اكتشفها أيام دراسته إلى أن صار مدرسا يعرف بأنها لا تهتم لا بالكرة ولا بأخبارها فلها حياتها الخاصة التي رسمتها لنفسها، كانت المقهى  المكونة من طابقين شبه فارغة إلا من بعض الزبائن، اختار مائدة مستديرة في ركن هادئ بعيد عن الكنطوار والمطبخ، كانت المائدة تطل بكراسيها الخشبية البنية اللون مباشرة على الشارع ومركز الشرطة وقيسرية العدول، وهو يضع محفظته على الكرسي ويجلس قبالة النافذة المشرعة قال لنفسه :"مركز الشرطة أرحم من ضجيج التجزئة التي أسكن بها وورشة البناء المجاورة لبيتي وطلبات الزوجة التي لا تنتهي لم يتركوا شجرا ولا نهرا يهنأ بعزلته وصمته" ... طلب  من النادل حمو الذي تسمر قبالته من غير تحية ولا ابتسامة  كأنه حامل لهموم الدنيا على كتفيه قهوة بلا حليب وأكد عليه قائلا :"كحلة وزايدة  أحمو" وشرع في إكمال قراءة الرواية وتتبع مصير بطلتها شامة في علاقتها بأبي موسى الدكالي مشمئزا من أفعال العامل جرمون ودسائس عميلته تودة، فجأة وهو يرتشف من كأس القهوة رشفة متأملا  حياة الشخصيات في الرواية، وحياة الناس  في الشوارع رابطا بين الماضي والحاضر مستمتعا برقة التعبير وسلاسته وانسيابه تعالت أصوات لنسوة وهن يصعدن درج المقهى إلى الطابق الثاني، وعندما وصلن اخترن مائدة قريبة من سعد لحل مشاكلهن مع الزوج المعتقل غيرعابئات بوجوده ونظراته واستغرابه، تقول الأولى للثانية بصوت عال وهي تعدل من جلستها وفولارها وجلبابها :" لا أريد لا نفقة ولا فلوس أريد فقط سجنه لمدة طويلة" فيما المرأة الثانية وكانت قصيرة القامة ببشرة سمراء وعيون جاحظة ترتدي فستانا فضفاضا أزرق اللون كاشفة عن شعرها الأشقر وعنقها الذي تزينه سلسة ذهبية تحاول التخفيف عن ابنتها ..وهكذا نزلت من السماء على سعد حكاية أخرى من حيث لا يدري فصار يتابع الآن حكايتين حكاية شامة وحكاية المرأتين ..الأم تهدئ والبنت كالبركان تثور وتزداد غليانا وغضبا كلما سمعت اسم زوجها وتذكرت خيانته لها فترفع صوتها من جديد بالسب والشتم والدعاء عليه بالعذاب والفناء . وسعد  بالقرب منها يلعن اليوم الذي بني فيه مركز الشرطة ودار العدول بالقرب من المقهى التي كانت تطل أيام شبابه على بساتين البرتقال الممتدة على ضفاف نهر اللوكس قبل أن تتغير معالم المدينة ويزحف العمران والإسمنت على كل شيء فتحولت البساتين  والحقول المجاورة لمنزله وللمقهى إلى شوارع ومحلات وعمارات شاهقة أفسدت عليه متعة القراءة ومتعة جمال الطبيعة...نسيت المرأة نفسها وأمها والنادل حمو ووقفت تسب زوجها المسجون، حاول النادل حمو تهدئتها وعندما عجز بدأ يلعن اليوم الذي اشتغل فيه بمقهى الحياة، المرأة وهي تدفع بيد حمو بعيدا عن يدها تقول له :" ترضى لنفسك بالخيانة، أترضون يا عالم بالخيانة ؟"ثم تعود والرذاذ يتطاير من فمها فتكمل كلامها بأعلى صوت:"ابن الخاينة يتزوج صديقتي في السر ومن هناك لاسبانيا "..كان زوجها في ضيافة الشرطة بتهم عديدة أولها نفقة الزوجة وصغارها وخيانة الأمانة والتزوير وإصدار شيكات بلا رصيد.. فقد ألقت عليه الشرطة القبض مباشرة بعد نزوله من الباخرة بميناء طنجة وتقديم جواز سفره، كما لو أنهم كانوا ينتظرونه طوال هذه السنين التي غاب فيها عن أرض الوطن...لم تتناول المرأتان شيئا من فطورهما الذي حمله إليهما النادل حمو.. ومباشرة ما أبصرن  من زجاج النافذة أفراد الشرطة وهم يقودون الزوج إلى السيارة هرعن كأن جنيا مسهما... عند باب سيارة الشرطة هجمن على الزوج الخائن ونشبن كاللبؤات أظافرهن في كل شبر من جسده ولولا تدخل الشرطة لكان الزوج تحت التراب يحاسب عند مولاه بدل القاضي، بصعوبة أدخل أفراد الشرطة الجميع إلى السيارة وقادتهم بسرعة البرق إلى المحكمة...حمد سعد ربه بأن الحكاية انتهت بهذا الشكل من غير جريمة ولا دم، ودفن رأسه من جديد بين صفحات الرواية بعد أن طلب من النادل حمو أن يعد له براد شاي منعنع يعدل به مزاجه ويساعده على إتمام قراءته التي أفسدتها المرأتان ..لم يمر وقت قصير حتى ساق القدر لسعد حكاية جديدة، فقد جاءت من حيث لا يدري امرأة أخرى وجلست في نفس المقعد وعلى نفس المائدة وبدأت في توتر تارة تدعك أصابع يديها، وتارة تراقب باهتمام مدخل مركز الشرطة وتارة أخرى تطل على باب المقهى  وكأنها تنتظر قدوم شخص مهم، كان يظهر على تصرفات المرأة الشابة إلى جانب التوتر والانفعال ملامح الوقار والجمال والهيبة والذكاء والفطنة.. حياها النادل حمو بسرعة وهو يزيل منفضة السجائر من على المائدة ويعيد مسحها بتفان بقطعة قماش نظيفة منتظرا طلباتها "فنجان قهوة بسرعة من فضلك ومن غير حليب ولا سكر" لما عاد النادل حمو طلبت منه إعادة منفضة السجائر إلى مائدتها فنظر إليها باستغراب،  فهمت قصده فردت على استغرابه بتهكم وسخرية لاذعة قائلة:" هذه مقهى وليست جامع" فازداد استغراب النادل حمو من وقاحتها وجرأتها، تركها وذهب لشغله وهو يقول في سره وعلنه" نساء آخر زمن رحمة الله عليك يا أمي الحمدلله أنك مت قبل هذا الوقت الملعون"  أخرجت المرأة علبة السجائر من حقيبتها وبدأت تدخن بشراهة وهي تلعن أحيانا اليوم الذي تعرفت فيه على زوجها، وهكذا وجد سعد نفسه رغما عنه مدخنا ومتابعا لحكاية جديدة بطلها الزوج مرة أخرى.. لم يمر وقت قصير حتى هل عليها شاب في مقتبل العمر يظهر من طريقة كلامه أنه يشتغل لحسابها التفت يمينا ويسارا وبعد ان اطمأن إلى خلو المقهى من الزبائن وانشغال سعد بقراءة الكتاب قال لها بصوت خفيض:" لقد اعترف للشرطة بكل شيء والمصيبة أنه ذكرك وذكر الآخرين في محضر التحقيق، وقال بأنك شريكته في تجارة المخدرات وإعداد ليال الأنس وتهجير الأفارقة إلى أروبا" المرأة من شدة خوفها وفزعها انهارت دفعة واحدة وأصابها الخرس، تجمدت أطرافها وتغيرت ملامحها واسودت وتاه بصرها وزاغ في أرجاء المقهى كغريق يبحث عن من ينقذه من أمواج عاتية متلاطمة قادها الشاب  بسرعة إلى سيارته المركونة على رصيف مركز الشرطة وهو يقول لها:" عليك بالهروب حالا إلى اسبانيا "..كان سعد من خلف زجاج النافذة يراقبهما وهما يغادران المدينة ويختفيان عن بصره للأبد تاركين له متسعا من الوقت لقراءة روايته وتتبع حكاية شامة مع جارها أبي موسى في انتظار حكاية أخرى.

***

عبد الرزاق اسطيطو

ساءلتني فكيف أبدا جوابي

وفؤاديْ قد ضجّ مثل العُبابِ

*

حين عادت طافت لها ذكرياتٌ

حلوةٌ؛ ما خبت برغم الغيابِ

*

لست أدري لمه أتت بعد بُعدٍ؟!

أرهقت فكري ضيّعت أسبابي

*

ليتها لم تعد فإنّ بروحي

جذوةٌ أحرقت رياض شبابي

*

لم يعد في الفؤاد زهرٌ لحبٍّ

تستقي منه رشفةً من رضابِ

*

وأرى أنّي في نُهاها مقيمٌ

مثل نصٍّ أو أسطُرٍ بكتابِ

*

أتراها عادت لتقرأ نبضي؛

وتعيد الهوى لعهد التصابي؟!

*

غير أنّي ما عدت أرغب فيما

يُحرق القلبَ فيْ جوىً وعتابِ

*

أبلغوها حديث قلبي إليها

وبأنّي أحرقتُ جسر إيابي

*

فأنا لا أرضى خداعي لنفسي

بحديثٍ يغِشّ مثل سرابِ

*

سَقَط الحبّ حين صارت رؤاهُ

شهوة الجنس في زمان الذئابِ

***

صلاح بن راشد الغريبي

من حذر النهر من موجه

وزرع الخديعة

بين الكلمة والمعنى

من علم السنابل أن تهجر الحقول

بلا تفكير في نهش الغياب

من علم الجوع أن يطرق

أبواب العصافير

يا زمن القمع

إليك عنا

نحن قوم منهكون

كل جريرتنا

تلك القشة التي تقصم ظهر الحياة فينا

ونلتقيها في كل حين

في السلم والحرب

بأي لغة أفتح حواراً مع السّماء

بلغة الطين الذي اعتاد عشبه شرب الدماء

أم

بلغة الصباح الذي غيبته سهرة في حضن الرصاص

بأي لغة أفتح حواراً مع السّماء

والغيم مختنق بالأسود

وفي ذمة الموت

كل البيوت

والأرصفة

كل أعمدة الإنارة

والمآذن والكنائس

في ذمة الموت مدينتي

التي كانت تضحك على البؤس

في الشوارع الخلفية

بفنجان قهوة وسيجارة عند بائعة الشاي

وتشد على حنجرتها

في زمن الثورة

وكأنها اختزلت كل عنفوانها

في سلمية الهتاف

وكانت مؤمنة حد الإفراط

بأن الحرية حق آت

بأي لغة أفتح حواراً مع السّماء

وأنا في ذمة الحرب

لست شهيدة

تفتح لي السّماء مصراعيها

ولست قديسة

لأمنحها السّلام.

***

أريج محمد أحمد - السودان

كَــمْ يُظْلمُ الكلبُ حيثُ الناسُ تشتمُهُ

وهــو الــوفيُّ لــهمْ لــلودِّ مــا وَزَغَ

**

لا  يــنهسُ الكلبُ يوماً كفَّ صَاحبِهِ

حــتى ولــو لِــسُعَارِ الــجوعِ قد بلغَ

**

لــمْ يــنْسَ يــوماً بــأنَّ الكفَّ أطعمَهُ

مــازالَ  يــذكرُ صَــحْناً مِنهُ قد وَلَغَ

**

كــمْ  مــن خَسِيسٍ وقد أكْرَمْتَهُ زمناً

قــد راحَ يــذكرُكمْ وفي الحديثِ بغى

**

بالليلِ  يَمضَغُ زَادَ الصّحبِ يَمدحُهمْ

والــصبحِ تــلقاهُ لحمَ القومِ قد مَضَغَ

**

أمــسى كــما الــذّئبُ غدّارٌ بفطرتِهِ

لـــم يــتّــخذْ صــاحباً إلاّ لــهُ دَمَــغَ

**

عــنــدَ الــخصائمِ إذْ تــبدو حــقيقتُهُ

شــيطانُ إنْــسٍ وبينَ الناسِ قد نَزَغَ

**

كــالصِّلِّ والــسّمُّ في الأنيابِ مُختَبِئاً

فــي كــلِّ ســانحةٍ مــن جُحرِهِ لدَغَ

**

صــعبٌ عــليه فِــعالُ الخيرِ يفهمها

لــكــنَّهُ فــي فــنونِ الــشرِّ قــد نــبغَ

**

لا لـــونَ يــحملُه و الــناسُ تــعرفهُ

فــي كــلِّ مــرحلةٍ بــطيفها اصطبغَ

**

إنْ غــابَ نــجمُ الذي بالامسِ يتبعُه

يمضي ليلحقَ نجماً .. صاعداً بزغَ

**

عــبــد الناصر عــلــيوي الــعــبيدي

أركنت سيارتي في ساحة اسفل المقبرة ثم شرعت أتملى الأرض أمامي .

امتداد تصاعدي بممرات متعددة كان فضل تخطيطها للدواب التي تقطعها، كما لسكانها الذين أحدثوا عشوائيات خارج نطاق الحياة واليها قد لجأوا..

يتسلق الزوار الوافدون لتجديد صلة الرحم بموتاهم .تلك الممرات لاهثين بين مساكن الموتى أو واطئين قبورهم والحذر يقمطهم من أن ينبعث من بين المقابر متشرد عدواني أو لص يشهر سلاحا أو مجنون قد يرمي بحجر ..

كلمات تتقافز فوق رؤوس اللاهثين من مقابر صار بعضها إقامة دائمة لمن يتحكمون في الرموس المملوكة للاقوياء من المشردين ومن تقادموا فحولوها إقامات للاغتصاب ..

أشباح لها مسبباتها وأهدافها فضلت أن تضايق الموتى بما فاق الوجود البشري من نتانة وقاذورات وما خفي أعظم ..

بلغت قبر والدي بعد جهد وكأني قد تسلقت جبلا بلاعدة، بللت حلقي بقطرة ماء بعد أن جلست على حافة القبر ..شرعت ألتفت حولي خوفا من أن يداهمني مكروه مفاجئ ..

خشخشة بين الأعشاب أثارتني بتحذير، حيات صغيرة سوداء تزحف بين النباتات العشوائية، قفزت من مكاني والذعر يتلبسني، اذا ظهر الصغار فمعناه ان الكبار في تربص وتحين وشيك !!..

أحد المقابر يتحرك الطوب من بين أعشابها ..ابتعدت وانا أولي وجهي الى المنحدر افكر في العودة من حيث أتيت ..

أنثى شابة ترتدي لباس عدتها الأبيض لم تكن موجودة حين صعودي، كانت تتابع حركتي المفزوعة، بادرتني بالسلام ..

وجه صبوح رغم الشحوب الذي يغلفه وغمازة على الخد ظهرت وهي تسألني:

ـ مابك هل داهمك شيء؟

قلت بأنفاس متقطعة:

ـ حيات صغيرة سوداء كانت قريبة من قبر والدي فخشيت ظهور الكبار ..

نصف بسمة ارتسمت على محياها:

ـ لا تخش الحيات فمن يجوب الحياة ممن حولك أخطر مما يتحرك بين اعشاب المقابر ..

أدركت ما تقصد فبادرتها:

ومن ألزمك بحضور فأنت شابة قد تغري أي حيوان منهم بافتراس، وكان بإمكانك الترحم على الميت في بيتك ..

تنهدت وقد ظفرت من عيونها دموع كانها شلال قد تفجر:

ـ أترحم !! ..هه، لا تخش علي فمعي من يحميني..

قالتها بحشرحة وغصة حارقة من بين دموعها ..

التفت حولي، كان رجلان بلباس عسكري بعيدين عن القبر يتابعان وجودي برقابة ..قالت وقد لامسها بعض من هدوء:

هل تحفظ القرآن؟ فاجلس واقرا ماتيسر على والدك ..

أخرجت زربية صغيرة من محفظة معها وفرشتها على حافة القبر ..

جلست وشرعت أرتل سورة الملك وكلي انتباه الى ماحولي ..

بعد الفاتحة دست بطاقة شخصية تحت الزربية وأومأت الي بعينيها..

أخذت البطاقة، وضعتها في جيب سترتي دون أن أعرف محتواها ثم وقفت .. وانا أهم بالانصراف قالت:

ـ حاول ألا تغيب ..

بلغت سيارتي وأنا ملفوف في حيرة، مقمط في ذهول، نواقيس تقرع في راسي ..

كيف تجرأت على أن تتجاوز حدود عدتها وتسلمني بطاقتها الشخصية؟ ..

كيف تضع نقطة النهاية لزوج وهي لازالت في بياض عدتها؟ وجهها مافتئ يحمل أثر الغياب ولوعة الفراق؟

ماذا تريد مني بالضبط؟" حاول ألا تغيب "

مهما كان تقديسها للحياة وتسرعها العودة اليها فكيف تنسى جثة لازالت طرية تحت التراب وعدتها ما يشهد على ذلك؟..

غيمة غطت عيوني كأنها ضربتني بجناحي نسر، فقدت السيطرة على سيارتي وما عدت أعي شيئا ..

لا ادري الزمن الذي مر قبل أن افتح عيني لأجدها على حافة سريري في المستشفى ..

لمسة موت تمر بعيوني وهي جاحظة أمعن النظر في من تجالسني، لحظات المقبرة تتداعى على خيالي أستعرض فيها نفسي من لحظة الصعود للزيارة الى لحظة العودة لسيارتي ..

ما بك؟ هل فاجأك حضوري؟ كانت سيارتي خلفك حين انقلبت سيارتك والسائق من أنقدك قبل ان تشتعل في سيارتك النيران ..

كلامها أتاني كهبات رحمة مما اصابني، فقد رحل خيالي بعيدا ..

يعاودني الإحساس الأول والذي اصابني لحظة دست بطاقتها الشخصية تحت الزربية .. من تكون هذه الشابة؟

بادرتني :

غدا نهاية عدتي منها أغتسل و أودع مرحلة سوداء من حياتي لا اعدها من عمري..

صمتت قليلا ثم تابعت:

أخبرني الطبيب ان الاشعة والتحليلات تطمئن بسلامتك وانك على وشك الخروج، حتى الجروح التي على جسمك فهي طفيفة لاتدعو للقلق ..

سأظل انتظرك، هل تعدني؟

ودعتني مكتفية برفع يدها للتحية ..

عاودتني هواجسي والحيرة ضباب كثيف هو ما يلفني ..

أنثى بسرعة تنتقل من مساحة وجودها بين الموت والحياة ..

متعجلة تريد أن تبني حياة جديدة على أنقاض أخرى تودعها بلا اسف.، بل وصفتها بالسوداء ...

مر حوالي أسبوع على خروجي من المستشفى..

أكذب لو قلت أني من صورتها أمام عيوني قد تحررت أو نسيت الأحداث التي وقعت مذ رأيتها أول مرة ..

سؤال صار يفرك في عقلي: لماذا غابت هي ولم تسأل؟

سر ما في حياتها، وتذكرت حين قالت لي ونحن على القبر:

"اجلس واقرأ على والدك "

لماذا استثنت ميتها؟

صارت لي أرقا تأخذني بتفكير، في النهار تشدني بهاجس وفي الليل تراودني بعبق عطر هو ماكانت تنشره رغم عدتها ..

تذكرت بطاقتها، لأول مرة أقرأها

الدكتورة بدرية السهم

إخصائية في الطب الباطني

يالغبائي !! .. كيف تناسيت تلميذة شاركتني المقعد الدراسي في المدرسة الابتدائية؟

أخذت سيارة أجرة والي بيتها توجهت ..

كانت جنازة تخرج من البيت عنها قال الجيران:

طبيبة تم اغتصابها قلب عيادتها، أوهموها أن مغتصبها الضابط العسكري الذي تزوجته مرغمة بعد أن رفضته قبل اغتصابها قد مات، حضرت دفنه لكنه كان وراءها بالمرصاد ..

***

محمد الدرقاوي - المغرب

شعر بضوء الصباح يتسلل من فتحة الشباك الصغير أعلى جدار الغرفة، ويتسرب معه غبار ناعم يتماوج بالتماع مع مساقط الضوء.عند الساعة الثامنة صباحا. بعد أن سمح لهم الذهاب إلى المرافق الصحية، قدمت لهم قطعة جبن صغيرة ورغيف خبز وكوب شاي، قضم قطعة من الرغيف وشرب الشاي وعاف الباقي.عند الظهر نودي عليه، وكان صوت الشرطي الأجش يتردد صداه في الممر الطويل، وكأنه يخرج من بئر عميق، فخرج ليقتاده شرطي عابس يطالع تلفونه النقال دون اهتمام بما يجري حوله، ولم ينظر لوجه سجينه حتى.ولكنه سحبه من يده، ليسلمه إلى الشرطي الواقف أمام غرفة الضابط. تلقفه هذا الشرطي الذي دفعه بدوره بغلظة نحو وسط الغرفة وقدمه للضابط برفقة تحية عسكرية، وخرج وأغلق الباب وراءه.

كان ضابطا برتبة عقيد، قصير القامة بدينا بعض الشيء، حاسر الرأس أشيبه، وكانت عيناه نافذتان بلونهما الأصفر، تسقطته بحدة أولا ثم  أخذتا تتمليان ورقة وضعت فوق المنضدة. رفع رأسه وطالعه بصمت لبعض وقت، ثم أشار نحو الكرسي الموضوع جوار المنضدة قائلا  وهو يسحب من الدرج بعض أوراق.

ــ تفضل أجلس.

ــ شكرا أستاذ فلا رغبة لي بالجلوس.

ــ اسمع ما أقوله لك، اعتبرني صديقا، فلا وقت للعناد، فأنت في ورطة، وأنا أقدم لك النصيحة بان تقبل ما سوف اعرضه عليك.هذا كل ما في الأمر لتذهب بعدها لحال سبيلك.

ــ أنت تريد أن تكلمني في شان ملء أوراق، أليس كذلك؟

ــ نعم فهذه الأوراق تغنيك عن الكثير من المشاكل.

ــ حتما هذه الأوراق خطرة، وضع فيها ما يقصم الظهر.

ــ ما الذي يجعلك تظن هذا، كيف يخطر لك ذلك.

ــ لأنك تبقيني حبيسا عندكم دون تهمة حقيقية، غير تلك التهم، وهي شتائم، روجت لها عصابة اختطفتني من الشارع، وسلمتني لكم دون أمر استدعاء، أو أمر إلقاء قبض صادر عن محاكم. ذات الحدث عرفته على العهد الماضي ويتجدد الآن.

ــ أجل مثلما تقول، وأنا أقترح عليك صفقة تذهب بعدها إلى عائلتك مكرما.

توقف ثم قال وكأنه يزدرد طعاما، وكان يدفع إلى الأمام فوق المنضدة ثلاث أوراق إحداهن بيضاء.

ــ وأنا بالذات من يوصلك إلى عائلتك.

ــ لقد مرت علي الكثير من مثل هذه الأوراق، ورفضتها جميعا، ولا أملك سوى الرفض التام لها، ولن أقبل أن أضع نفسي تحت طائلة القانون، بسبب ممارسة الغباء.

ــ أخي العزيز إنه ليس غباء، وإنما تبعد عنك شر هؤلاء.

ــ ولكنها تضعني تحت رحمتهم وسطوتهم، لا أتنازل عن أي شيء، ولن أقبل منحهم صك وضاعتي، وحين أخرج من هنا، سأعاود وجودي وأرابط في ساحة التحرير. ابعد أوراقك، فلن يكون لها وجود في حياتي.

ــ أخي العزيز ، أنت رجل كبير السن ولست شابا، وحتما لك عائلة فما دوافع عنادك هذا؟

ــ ليس عنادا، وإنما لا أريد أن أضع نفسي في ورطة، وكمين يصنعه لي هؤلاء.

ــ  إنهم قساة ولا يخشون أحدا، حتى نحن نقع في أغلب الأوقات تحت سطوتهم.

ــ لا أجدني أتوافق مع كل هذا الذي يدفعون الناس إليه، وأنا أدين فعلهم ووحشيتهم ونواياهم السوداء الشريرة.

ــ اسمعني جيدا، هؤلاء سوف يلاحقونك ويؤذون عائلتك، وأعتقد أن توقيعك على ورقة تخليك عن الالتحاق بالتظاهر والاعتصام سينجيك، ويوقفهم عند حدهم.

ــ هؤلاء لن يتوقفوا أبدا عن نواياهم الشريرة، وسوف تجد غيري يحضر هنا ليقف مثلما أقف أمامك الآن، جراء ما يفعله هؤلاء من عمليات اختطاف، ربما كانوا يفكرون بقتلي فقد قتلوا الكثيرين دون رحمه. يملكون شهوة القتل بدوافع كرههم لبلدهم.

رن جرس الهاتف فرفع العقيد السماعة وراح في سيل من الترحاب والسلام، ثم صمت مستمعا للطرف الأخر، وبدت على وجهه تقطيبه جادة ولمعت عيناه بومضة غريبة جعلتهما يضيقان قائلا .

ــ لا، يرفض التوقيع على التعهد، وقد عرضته عليه وهو أمامي الآن.نعم أوضحت له الأمر، وهو مصر على الرفض.لو تعطوني وقتا ربما استطيع الخروج معه بنتيجة.

 بصوت مرتفع وكأنه يحاول إسماع رأيه وقراره للطرف الثاني الذي يحاور العقيد عبر الهاتف قال:

ــ أي نتيجة ، أخبرهم بأني أرفض توقيع ورقة إذلالي القذرة، التي يتصيدون بها الناس.

شحب وجه العقيد وهو يستمع للغط الصادر عن جهاز الهاتف، وأطرق برأسه نحو الأرض، ورفع غطاء الرأس عن المنضدة بعصبية ثم أعاد رميه بقوة. كان يتوقع نهاية لهذا الحديث الذي ما عاد يسمع فيه غير كلمات التهديد والوعيد لذا استدار قائلا.

ــ خذ الهاتف وتكلم معهم، أنه يريد الحديث معك.

ــ لا أود الحديث مع خاطفين آذوني وحاولوا قتلي، فهم جزء من شريعة غاب. ولا يستحقون مني حتى الكلام، وأنا لست بخائف وهم المرعوبون وليس نحن.

ــ تكلم معهم عسى تستطيعون الوصول إلى اتفاق.

ــ عن أي اتفاق تتحدث، هل ارتكبت أنا جرما، هل أنت تؤيد مثل هذه الأفعال.هل هذا الذي قام به هؤلاء كان عملا قانونيا.

بعد حديث قصير، صمت الصوت الصادر عن الهاتف، ليعيد العقيد السماعة إلى مكانها، ويطلب من الشرطي الواقف عند فتحة الباب الدخول وأخذه لاعادته إلى الحبس.

ــ هل هو قرارك أم قرارهم؟ من هم هؤلاء ولأي جهة ينتمون؟

ــ لا أملك معلومة عنهم،فهم سلطة حكومية،على أي حال سوف نعرف النتيجة بعد وقت ليس بالطويل. اذهب وسوف أبذل جهدي لصالحك. لا تقلق يمكن إصلاح الكثير دون عناء، فهم بشر مثلنا.

ــ أشك بذلك.

 قالها ورافق الشرطي عائدا إلى غرفة الحبس وجلس عند الزاوية بين الجدارين ليسند ظهره بينهما، وسرح في تفكير عميق، كان بحاجة للنوم حتى ولو لدقائق معدودات، فليل البارحة كان طويلا مزعجا مقلقا، سهد فيه والتاعت روحه مع الذكريات الكثيرة الموجعة، ولكن الساعة حصر تفكيره في ما دار بينه وبين العقيد ضابط الشرطة. لم يكن الحديث مريحا على الإطلاق، رغم نبرة التعاطف التي أبداها العقيد. ود الآن لو يطلب من الضابط الموافقة على الاتصال بأهله أو أقاربه ليأتوا لمقابلته ليس أكثر ولن يطلب منهم غير معرفة الجهة التي اعتقلته بعد أن امتنع العقيد الإفصاح عنها.

*****

أقترب النهار من ظهيرته، فبدأت أصوات الآذان تصدح من مكبرات الصوت العديدة المبثوثة في المدينة. كان صداها يتردد بين جدران قاعة السجن.دائما ما كان يرقب هذه الأصوات ويستمع لها بشغف ويشعر معها بشيء من راحة، وكان عاشقا لألحان وتراتيل مقرئيها. تلك الأصوات التي تعطي مدينته قدسيتها وشفاعتها. فتندفع جموع الناس نحو محراب صلواتهم، تاركين وراءهم ساعات ثقالا من مشاق عمل وكد، مستسلمين لقدرهم بقنوط ودعة حين يقفون بين يدي ذاك الشفيع. يرجون منه كما تظن أرواحهم، مغفرة وعطفا، وليهب لهم من لدنه رحمة، تتلطف وتمسح بعطفها على قلوب ما كانت عرفت الراحة والطمأنينة.

فجاة سمع صوت الشرطي ينادي عليه فنهض وتقدم نحو باب الحبس. فتح الشرطي الباب قائلا إن ضابط المخفر يريد حضورك الآن.تقدم يسبقه الشرطي الذي مد يده وضغط على كتفه بشدة ودفعه إلى وسط الغرفة.

ــ أهلا أستاذ حتما كان يوما طويلا عليك .

ــ أعتدت على ذلك منذ زمن مضى فما اختلفت عندي وجوه القوم.

ــ أستاذنا الكريم لك حرية الذهاب إلى أهلك الآن، فقد كلموني وطلبوا مني إطلاق سراحك هذا هو كل شيء.فتفضل اذهب حيث تشاء مع السلامة.

ــ شكرا لك، أليس هناك تبعات لمثل هذا الموقف، اعتقال دون سبب وسجن دون ورقة شكوى أو حكم.ألا استطيع معرفة الجهة التي اعتقلتني.

ــ ليس لنا في ذلك يد،ولن تجد مني جوابا لسؤالك، تفضل لك كامل حريتك واذهب حيث تشاء.

ـــ شكرا جزيلا.

وقف عند المدخل الرئيسي لمركز الشرطة وطالع الباحة الأمامية، بضع أفراد بالزي العسكري وثمة رجال ونساء يحملون أوراقا راح شرطي حاسر الرأس يحمل رزمة أوراق يهش بها ويصرخ ليأمرهم بالتجمع عند زاوية قريبة من الباب. تلكأ في الخروج أول الأمر وأخذ ينظر بتفرس لأول وجه من أهل مدينته خطر أمام مركز الشرطة بعجالة دون أن يلتفت إليه. سار باتجاه الباب الخارجي وطالع الشارع الممتد بتعرج والذاهب نحو وسط المدينة. كان فارغا من حركة الناس بسبب الحر الشديد، وثمة عربات قليلة بهدير محركاتها المتهالك تمر تاركة وراءها سحبا من غبار كثيف، وكانت السيارات تبطئ الحركة لتتفادى الوقوع في الحفر التي ترصع وجه الشارع. كان هناك صبية يلهون في البعيد مع كلب صغير، وشيخ مسن يفترش الرصيف عند الجهة المقابلة لمركز الشرطة و يضع كوفية مبللة فوق رأسه.

قبل سنين مضت، سبق له ووقف ذات الوقفة وبنفس المكان الذي يقف فيه الآن، فتساءل دون يقين هل تغير الحال أم انه بالذات بات خارج سياقات الحاضر، فذات الصور ما عافت مخيلته وحشرت بقوة وإكراه في ذاكرته وتكرر ورودها عنوة. شعر بألم في الرأس وفي الجنب عند الخاصرة، وقف قليلا ضاغطا على خاصرته وأحنى جسده إلى الأمام، ولكن الألم بدا يزداد لذا  قرر السير باتجاه نهاية الزقاق المفضي لمدخل الشارع الرئيسي حيث يستطيع الحصول من هناك على سيارة أجرة تقله إلى البيت.شعر ببعض الإعياء وان قدميه متعبتان، ولكنه تحامل على نفسه وسار بخطى ثقيلة نحو الجهة الأخرى.

عند الاستدارة الحادة لتقاطع الشارعين دخل متجرا بواجهة زجاجة كبيرة،طاف بنظره في أحشاء المتجر وتأمل البضاعة المرصوفة بعناية فوق الرفوف، أخرج من البراد قنينة ماء صغيرة فتح غطاءها وأخذ يرتشف منها بنهم، وسمح لبعض قطرات بان تتسرب من فمه لتسقط وتبلل صدره، فكر بأن ذلك يساعده على إبعاد الكآبة التي رافقته منذ الأمس، ولكنه لحد الآن لم يجد منفذا للهروب منها، فقد تلبسته وفقد معها النوم لحين طلوع الفجر حيث غلبه النعاس، ولكن أصوات الآذان التي تردد صداها فجأة في جوف غرفة السجن أبعدت مرة أخرى النوم عن عينيه.

دفع حساب قنينة الماء ومعها قطعتي شكولاته ابتاعهما لحفيديه، بعد أن شعر بشوق شديد لتقبيلهما وضمهما إلى صدره. اجتاز باب المتجر وتابع السير فوق رصيف الشارع المترب. وقف عند الناصية القريبة من تقاطع الإشارة الضوئية العاطل. كان غارقا في تفكيره حول الذي جرى معه بالأمس، يعيد شريط الأحداث ويضغط على أسنانه بقوة. تمهل بانتظار أن تسمح له حركة السيارات بالعبور. كان يبدو عليه الإنهاك وهو يخط بقدميه وبحذر وبطء فوق إسفلت الشارع. طابور من السيارات تتسابق بسرعة جنونية، لوح بيده محاولا تحاشيها، لم تكد تخرج من فمه كلمة واحدة، ولكن ندت عنه صرخة فزع وتدحرج جسده بعيدا لبضعة أمتار. فتح عينيه وكانتا غائمتين وطالع الوجوه التي اقتربت منه وأحاطته،كانت مجموعة وجوه لرجال دون ملامح تقترب من وجهه واستطاع بالكاد أن يسمع بعض كلمات.

ــ هل تشعر بشيء.لقد تهشم رأسه، أنه يلفظ أنفاسه.

أحس بدوار ثقيل وأزيز قوي يخترق الرأس وأضواء تتزاحم متوهجة أمام عينيه، وبنفس ذابل ولسان يابس لعق قطرات الدم المحيطة بشفتيه. قرب احدهم أذنه من فمه فسمعه يتمتم بصوت جاف واهن.

 ــ أيمكنكم مساعدتي وإعطاء حفيدي قطعتي الشوكلاته.

فتح عينيه على سعتهما وتغضن جبينه وكأنه يكابد ألم شديد، ثم ساد الظلام بعدها كل شيء.

***

في نصوص اليوم