نصوص أدبية

عبد الله الجميل: أمامَ تِمثالِ أبي تمّامَ

باللهِ قلْ ليَ: من منّا هوَ الحجرُ؟!

أراكَ حيّاً وموتى نحنُ نفتخرُ

*

اليومَ نكتبُ أشعاراً ولا أحدٌ

يصغي إلينا وقد يغتالُنا الضجَرُ

*

وأنتَ كنتَ إذا ما قُمتَ تُنشدُهم

أصغى إليكَ الندى والصخرُ والمطَرُ

*

أبا المعاني التي بِكْرٌ موارِدُها

ونحنُ أشعارُنا في جُلِّها هَذَرُ

*

لقد هدمتَ عَمودَ الشِّعرِ عن تَعَبٍ

ونحنُ نكسِرُ وزناً ثُمَّ نُشتَهَرُ

*

لم ترضَ معنى مُعاداً قطُّ في لغةٍ

فَرُحْتَ تنحِتُ من قلبٍ وتبتكِرُ

*

قلتَ: السفينةٌ بنتٌ للحديقةِ إذْ

لم تَمخُرِ البحرَ لولا أنّها شجرُ!

*

إذا مدحْتَ تمنّى الميّتونَ مُنىً

لو أنّهم طالَ فيهم ذلكَ العُمُرُ

*

لكي ينالوا مديحاً منكَ في غُرَرٍ

يفنى الجميعُ ولا تفنى هنا الغُرَرُ

*

وإنْ رثَيتَ تمنّى العائشونَ مُنىً

بأنْ يكونوا همُ الموتى ليَنتشِروا

*

وإنْ تغزّلْتَ في رُوْدٍ مُهَفْهَفةٍ

يكادُ يسقطُ من عليائِهِ القمرُ

*

عابوا عليكَ انتقاءَ اللفظِ مُعتَسِراً

وهل تُعابُ على أصدافِها الدررُ ؟!

*

يا أيُّها الطَّوْدُ يا أعلى الذرى أبداً

لقد نظرْنا وخِفْنا العُنْقُ تنكسِرُ!

*

لا البحتريُّ ولا الأعشى ولا ابن أتى

ولا ابن زيدونَ لا بشّارُ لا عُمَرُ

*

تُناطحُ المُتنبّي في ممالكِهِ

كلاكما ربَّةٌ للشِّعْرِ لا بشَرُ!

*

إيهٍ حبيبُ وعَمُّوريّةٌ زمناً

صارت فِلِسْطينَ والتاريخُ ينتظرُ

*

هل ثَمَّ مُعتصِمٌ فيكم يُحرِّرُها؟

فقد تبخَّرَ ماءُ الكأسِ والنُّذُرُ

*

يا آمنَ الدارِ لا تأمَنْ فما ولدَتْ

حياتُكَ الصَّفْوَ إلا التوأمُ الكَدَرُ!

*

اليومَ تُسبى فلسطينٌ وأنتَ غداً

من مأمَنٍ مُطمئنٍّ يُلدَغُ الحَذِرُ

*

ويا حبيبُ لقد حلَّتْ بمَوصِلِنا

مجازرٌ والضحايا نحنُ لا البقرُ!

*

كالمسرحيّةِ؛ دَورُ الموتِ كانَ لنا

ومخرجُ الحربِ عنّا كانَ يستترُ

*

أمّا الجماهيرُ كانوا أهلَ جِيرتِنا

وعاليا ضَحِكوا والطفلُ يُحتَضَرُ

*

وصارَ دجلةُ قبراً للجميعِ هنا

يا حافرَ الماءِ وَسِّعْ ضاقت الحُفَرُ

*

بالأمسِ قد هدَّموا تمثالَكَ الوَقَفَتْ

فيهِ العصافيرُ لمّا هدَّها السفرُ

*

رأى شُهودُ عِيانٍ منظراً عجَباً

أنَّ الفُتاتَ منَ الأحجارِ يَستعِرُ

*

وراحَ يُقذَفُ مثلَ الجمرِ مُلتهِباً

حتّى استقرَّ نجوماً ليسَ تندثِرُ

*

فيا حبيبي أبا تمّامَ مُدَّ يداً

وخلِّ كفّي بكفٍّ منكَ تَشتجِرُ

*

لعلُّ نُسْغَكَ يجري في عروقِ دمي

إذن سيَنْبُتُ من أشعاريَ الزَّهَرُ

*

أمامَ نُصْبِكَ إنِّي قد وقفتُ وكم

من كَرْمَةِ الشمسِ كانَ الظلُّ يُعتَصَرُ

*

وقفتُ أتلو عليكَ الشِّعْرَ يا مَلِكاً

فإنْ رضِيتَ أَجِزْني يَخلُدِ الأثرُ

***

عبد الله سرمد الجميل

شاعر وطبيب من العراق

في نصوص اليوم