نصوص أدبية

نصوص أدبية

يـــا  رجـــالَ الــفكرِ يــافخرَ الــبَلَدْ

كــنــتمُ الــمــلح إذا الــشــعبُ فَــسَدْ

*

فـــإذا  مــا الــملحُ أضــحى فــاسِداً

عــمَّــرَ الـــداءُ طــويــلاً واسْــتَــبَدْ

*

أنــتــمُ الــرأسُ إذا الــرأسُ اشــتكى

عــمّتِ  الأمــراضُ فــي كلِّ الجسدْ

*

كيفَ يُشْفِى العينَ من شبهِ العمى..؟

إنْ طــبيبُ الــعينِ أعــياهُ الرَمَدْ ..!

*

إنْ  عــجزتمْ  عــن   علاجٍ   شاملٍ

لا  تــكــونــوا  مــعــهُ قــلــباً ويَـــدْ

*

وافــسحوا الــدربَ فــيأتي غــيركمْ

رُبّــمــا  فــاقَ عــلى الــشّيخِ الــوَلَدْ

*

إنْ  طــغى الــداءُ ومــا مــن حــيلةٍ

وَجَــــبَ  الــــكــيُّ بــــنــارٍ تَــتَّــقَدْ

***

عبد الناصرعليوي العبيدي

لستَ شمسًا

ولا قمرًا

بريقكَ حرائق مفتعلة

لغابات روحكَ ولكنك

منطفئٌ منذ الاف السنين

كقطعة فحمٍ

أُنجُ بصمتكَ

حتى لا يغتابكَ

ضجيجُ الاغاني

أُنجُ بوهمك

وانت تصافح العابرين

بلا قفازاتٍ

تملأ بهم الفراغات

يأتونَ ببداياتٍ مبتورةٍ

يتكاثرون في داخلكَ

يركضون زمنا في دمكَ

وعندما يدركون

وان النجوم لا تحدق

في ليلكَ..

وان الشمس تتآمر عليك مع

الظلال

وانك قطعة الثلج

الجاثمة على صدر

بركان

يسحبون بساط القصيدة

في صمتٍ

يتركون فاصلا طويلاً

بينك و بين النهاية

ويأخذون معهم الهواء

والمراكب التي ترتدي

وجوههمْ

ويغادرونَ

أُنجُ برمادكَ

كيْ تخلقَ من جديد على

اي صورة كان الموج

يشكلكَ

على حافة الحضور والغياب

يصوركَ

أُنجُ من الوقتِ

تحرر من الاغاني

القديمة

لتتوغل فيها اكثر

تحرر من هذيان القصيدة

حين تكون القصيدة من نصيب الغرباءِ

تحرر من صباحك حين

تستيقظُ ولا تجدُ اثرا لخطاكَ على

الرمالِ

ولا تحفظُ القواقعُ اسراركَ

تحرر من الصحوِ

عانق العواصفَ

عانق المطر

تصالح مع الرياحِ

حين يغادركَ الدفء

والبيت

تحرر من اسمكَ من وجهكَ ومن

صفاتكَ

تحرر من الشامةِ التي على خدكَ

قلْ تساوتْ كل الصفاتِ

حتي لم تعد تشبهنِي

قلْ انا لم اعد أُشبهنِي

قل انا لم اعد انا

***

بقلم: وفاء كريم

حافياً أسرعَ، الى حاسوبه.. يشعر بخضّة في جسمه.. راحت أصابعه تتراقص

فوق لوح المفاتيح، مخافَةَ أنْ ينسى..

لماذا هربَتْ أخذت أَلوانَها معها وتركتني وحيداً..؟!

كانت السماءُ صافيةً، تَتَشّهّى كِسرةَ من غيمٍ تَمُرُّ مُتهاديةً تغمز شمسَ الضحى..

إستلقيتُ على العشب، عند البحيرةِ  أقرأُ  في "غراميات غجرية" لفيدريكو لوركا!

[.. ربما نسيتُ عُمري في غمرة المنافي وقِفار الوحشة،

ربما  في إغفاءةٍ قصيرة عند الفجر لَمّا كان الظلام هشّاً..

حينَ صَحوتُ، وجدتُ الفراغَ  دَبِقاً.. يَسُدُّ الهواء، فينهض الربو اللعين،

يسكبُ يأسي في عيون ليلٍ دامس،

فَرُحتُ  أصبُّ خمرةَ عجزي هذياناً مُجعّداً،

رأيتُ قدَماي تَمشيانِ دون رجلاي، أتسمَّعُ أنينَ خَطوِي..!

مَنْ ذا يقودُ خُطايَ ؟!

أسئلةٌ تكتِبُني بحبرِ الخوف،

العتمةُ تُرهِف الحواسَّ، وتشحذُ " فُسقَ" العيون..

فأشهقُ همساً..

........................

........................

كان صاحبي، الذي أرهقَته تضاريسُ المنافي، يلهثُ وهو يقُصُّ عليَّ مَنامَه :

مُثقلاً بحنينِ لَقْلَقٍ إلى عِشٍ فوقَ مِئذنَةٍ.. يتدفَّأُ فيه بالأذان،

يستيقظ "رأسي" من رماد النسيان، حينَ أَنامُ،

لا أَستسيغُ غواية الأحلامِ..

أَقطعُ تذكرةً لقدميَّ، أَتسكّعُ على شواطيء،

أَتجاسرُ فيها على وقاحة النسيانِ بالذكرى..

في زمنٍ لا يجودُ عليَّ بيدٍ تُرتِّقُ مِزَقَ أنايَ اللائب..

مثل غجريٍّ ضالٍ في غاباتِ العصورِ، يطاردُ فتاتَ خبزِ ذكرياته،

كي لا يُضِلَّ الطريقَ إلى "الكوما" الروحية! وسطَ بُرَكٍ من الهراء الرقراق!!

أَروحُ  أُقلِّبُ جراحي، مثل لصٍّ يجلسُ ليُحصي غنائمَه!

رجلايَ تقوداني في شوارعَ مصدورةٍ بدخانِ عوادمِ السياراتِ والحافلات،

في طرقاتٍ وأزقّةٍ، عارياً إلاّ من اشواق "إبن زُريق" البغدادي..

............................

منذُ زمنٍ أوغَلَ في البَعاد، ما عدتُ أَتذكره، عرفتُ الكهولةَ، وإنحناءةَ ظهرِ الطفولة،

بقيتُ أَحملُ رأسي بين كتِفي، وأيامي على ظهري..

أَمشي فوقَ نفسي،

جسَدي أمسى ذِكرى زماني،

دروبي مستديرة، مُلتَفَّةٌ على حالها..

حُلمُي يقودُ خُطاي..

ما تبقى لي من عمرٍ أمسى مثل صالة إنتظارٍ في محطة قطاراتٍ مهجورة،

ترعى بها الريح، يتربَّعُ فيها الصمتُ على مقاعد مُترَعةً بالغبار..

أُقامرُ منذُ سنينَ من أجلِ "بيدرِ فَرَحٍ ليلةَ الحصاد"!

أَتلهَّفُ لفرحةٍ، كلهيبِ موقدٍ يلوحُ خلف  الشباك، لتائهٍ في صحراء من الثلجِ..

أحببتُ بلاداً رَحلتُ عنها.. أُريدُ زيارَةَ أمسِي.. كي أُقوِّمَ ما إحدودبَ من ظهرَ الذاكرة!

.........................

بضعُ خطواتٍ تفصلني عن مكانٍ بقيتُ أُؤجِّلُ العودة إليه دهراً،

قلبي يَنُطُّ مثلما كانَ في أوّل موعدٍ غراميٍّ،

ما عادَتْ لي غيرَ عينٍ واحدة! تركتها مفتوحةً ترصدُ أحلامي العابرة..

إرتديتُ ذاكرتي، رَشَشتُ شيئاً من عطريَ الأثير،

خرجتُ لا  ألوي على شيءٍ، ولا أَعرفُ كيف أُريحُ الظلَّ من شمسِ الظهيرة،

في سكونٍ فَرّت الأصواتُ منه.. وعافَه الصدى،

مثلَ جرحٍ يَصدحُ بأنينٍ خافِت..

..........................

متردداً أمسيتُ أمام دهليز  تحرسُه "ليثي"*،

حينها شَعرتُ كأنَّ شَفّاطةً رهيبةً شَفَطَتْني،

لم أَقْوَ على مقاومتها..

أرخيتُ قوايَ مُتزحلقاً،

شعرتُ بخفةٍ، ربما لأنني تَرَكتُ ظلَّي مُعلَّقاً على شماعة خلفَ باب الدار..

في نهاية الدهليز، رأيتُ قوماً بوجوهٍ من نحاس، تفيضُ إبهاماً..

لا تَشي بفرَحٍ  أو بحزنٍ،

أيدي مبتورة تُصفِّقُ، لا أدري لماذا أو  لِمَنْ..!

رهطٌ "بابليٌّ"،

الكلُّ يصرخ.. ولا أحد يفهمُ..

مدينةٌ مُسَوَّرةٌ بالطوف**والعَجاج..

ساعة "القُشلَة"، وحدها تعملْ!

إرتعبتُ!

حاوَلتُ العودةَ من حيث أتيت.. لمْ أَفلح!

تحلَّقَ القومُ من حولي كأنني "تسومبي!"،

صرختُ بهم :

ـــــ أنا إبن هذه الأرضُ، التي طَشَّتْ في الدُنى حرفَاً،

وما جَنَتْ غير الحروب!!

جئتُ لأكتبَ بدمٍ أسود، حِبر الغراب ــ

* نحن، قاتَلنا، يا هذا، لكننا لم نَنتصرْ.. عملنا " الممكنات!"كلِّها..

لا ندري أنَفرحُ الآنَ أم نَحزن ؟!

ـــــ هذا سؤالٌ ساذجٌ! أتنتظرونَ فَتْوَى بالحزنِ وأُخرى بالفرحِ ؟!

* ماذا تريدُ، يا غريب ؟!

فنحنُ لا نملكُ إلاّ الوفاءَ وإجسادٍ من غُبار وشمس!!

ـــــ جئتُ إذ طوَّحَ الحنينُ بي،

جئتُ لعلَّ شيئاً فيَّ يَنبُذُني.. أو لعلّي أصيرُ غيري!

قد جئتُ من قبلُ، وربما من بعدُ... فلم يكنْ أحدٌ بإنتظاري،

..لم أجدْ أحداً يُصدِّقُ ما أرى،

فالكلُّ منشغلٌ بإعلان "براءة" الخطأ!

.........................

.........................

أنا البعيدُ.. مَنْ أنتَ يا أَنــا ؟!

في أيِّ سِركٍ تُراني ؟!

مَنْ خَلَطَ أوراقَ اللعبةِ علينا، فلم نَعُدْ نعرفُ "الثُوّارَ" من"الكِلِدّار" ؟!!

سأكُفُّ عن الكتابةِ كي لا تصلَ رسائلُ إستغاثتي إلى مَنْ لا يهمُّه الأمر..!

وحين لن يسمعني أحد.. أروحُ أنتحبُ كي لا أختنق..!

............................

يا قوم، هذه أشباحكم تلعنُكم..

نساؤكم حِلٌّ لغيركم ما دامَ في المحرابِ منافقٌ، يَؤُمُّكم!!

جئتُ لا لأُصلِحَ أيَّ معنىً خارجيٍّ أو إشتقاقيٍّ،

بل كي أُرمِّمَ داخلي الخاوي إثرَ جفافٍ عاطفي..

وأعرفُ أنَّ "العامّةَ" تموتُ بِبَهجةٍ مَجّانيةٍ،

فلا تُعطيهم البلاد غير الحق في الموتِ أيامَ  الحرب!

والذلَّ أيامَ السِلم لـ"بناءِ" الوطنِ من جديد!!

....................

ــــ إتركني! لماذا تقُصُّ عليَّ ما أَعرفه.. دعني أواصلُ غَفوَتي،

أستمتع  بشتراوس النبيل !!

* تَمهّلْ!! لا تَتَورّطْ كثيراً بالعاطفةِ والحماسة!! قالوا :                                                 نحنُ لَمْ نَرهنْ سوى طيبتنا، كي لا نتأخرَ عن" الزَفَّةِ"ونُرمى بسِهامِ "الأنعزالية"!

فها نحن مَنْ نحنُ!

لنا ما تبقّى لنا من الأمس،

أَبيَّةٌ نفوسُنا كالطير يُحلِّقُ أبعدَ من مدى الرصاص..!

هكذا وُلِدنا كسائرِ الخلقِ!

لنا ما لنا.. ولنا ما لغيرنا من سماء،

لَهُمْ ما لَهُمْ.. ولهم ما لنا من هواء،

لَهم دينهُم.. ولنا "ديننا"!

لنا ما لنا.. وليس لهم ما لنا من أيادٍ بِيضٍ!

لنا تبتسمُ المرايا.. ولهُم الذُعرُ من صورهم فوقَ  سطحِ الماء!

........................

ـــــ الكلُّ ضد الفساد، والجميع يريد خيرَ الناس والشفافية..إلخ!!

مَنْ المسؤول إذاً ؟!

هل أكونُ أنا المسؤول وعليَّ أنْ أعتذر؟!

... عنْ ماذا؟!

الكلُّ تَبرّأ، فلا أثَرَ لِمَنْ غرزَ مخالبه في ظلالنا ونجا..!

أيكونُ الكذبُ الصفيقُ أصبحَ أعلى مراتب الحقيقة ؟!

إذ غدت الأخيرةُ مؤجلةً إلى حياةٍ غير هذه..

والذكرياتُ إلى أَعمارٍ أخرى..

فما عادت النزاهةُ والصِدقُ ذا نفعٍ..!

أيتحتَّمُ عليَّ الآنَ، إذاً، أَنْ أُحكمَ بناءَ عبارتي*** كي لا يَغضبَ "القومُ"؟!

كمْ هيَ ساديةٌ همومُ الناس!!

لذلك سأرسمُ وجه "إيديت بياف" فوقَ صخرِ الروح، تُسلّيني،

تعويذةً كي لا تُغريني الآفاقُ المُلبَّدةُ بالرحيلِ من جديد.. ]

.......................

.......................

أَفاقَ إذْ سقطَ من السرير.. يلهثُ مُقطَّعَ الأنفاسِ.. يتصبَّبُ عَرَقَاً بارداً...!!

***

يحيى علوان

..................

* ليثي إلهة النسيان في أساطير الأغريق.

** جدار من الطين والتبن، لا تدخل الحجارة ولا الطابوق في قوامه.

***أقولُ لمُغرضٍ قد يقراُها عمارتي، أنا لا أملكُ حتى طابوقةً واحدة في خربة بأيٍّ من بقاع العالم،

ناهيكم عن عمارة!

- يا بائعَ المرايا

أنا على ميعادْ

وليس لي مرآة

أتسمحُ؟

تفضَّلي!

وقد نسيتُ كُحلتي

وأحمرَ الشِّفاه

- تفضَّلي

تزيَّني

- وهذه العطورْ؟

- تعطَّري

لا تخجلي!

- حبيبي في انتظاري

غدا أمرُّ من هنا

وأدفع الحسابْ

- ترقَّبي

لا تذَهبي!

على يميني صاحبي

هيا اقتني ما شئتِه

من بائع الفسْتانْ

ومرِّي بي ثم بِه

لتدْفعي الأثمانْ

وبائعُ الأحذية

أنا لك الضَّمانْ!

- سعيدة جدًّا أنا

يا بائع المرايا

غدا أمرُّ من هنا

وأدفع الحسابْ!

*

ومرَّت الساعاتْ

وما أتى الحبيب

وأخْلف الميعادْ

وانْكسرتْ بِقلبِها

لؤلؤةُ الودادْ

فسال دمعُ عينِها

والْتحفَ السَّوادْ

وبدَّد العُطورَ

وقتَّل الزُّهورَ

وجرَّح الفستانْ

وردَّد  الحذاءُ

في اضطرابْ

غدا تمُرُّ منْ هنا

وتدفعُ الحسابْ ...

***

زهرة الحوّاشي

من مجموعة: وميض الماء

مَنْ  ذاكَ؟

كانَ السَهْرَضَوءُ يَدُقُّ أخرَسَ

كالنهارِ على فَضايْ

أعشى وقَفْتُ أمامَهُ،  قَدَحي تَلَعْثَمَ

والنهارُ بَنَفْسَجٌ غَطّى رؤايْ

وسمعْتُ كيفَ تَغَنَّجَتْ لُغتي أمامَ السَرَضَوَءِ بِلا إزارِ

حتّى كأنَّ أُنوثَةً هطَلَتْ على وَلَدِ الغبارِ

لا نوْمَ  جاءَ السَهْرَضَوْءُ:

أميرُ أجراسي وبابُ الفجْرِ في روحي

وعاصِمةُ الصَهيلِ

والسَهْرَضَوءُ: مَضارِبُ التَعَبِ البَهِيِّ

على ضفافِ المُسْتَحيلِ

لا نومَ وشمُكِ غاطِسٌ والليلُ صافي

لا نومَ يا سجّادةَ الأعماقِ أنْزِلُ طافحاً والقلبُ  حافي

وَلَدٌ بِلا هُدُبٍ على أسرارِهِ أغضى يَدَيْهْ

عبرَتْ قناطِرُ لَمْ يُكَفْكِفْها

فَلَمْ تَعْبرْ وما بَرِحَتْ تُعانِقُ ضفَّتَيْهْ

سألوا الخُطى عنْهُ فَحارَتْ، ما تَقولُ

قالتْ لَهُمْ سَكَتَتْ وأرْبَكَها الفُضولُ

دَسَّ النخيلَ

ودَسَّ نَهْراً لِلْنَخيلِ

وزَرَّرَ الجَيْبَ المُطَهَّمَ بالجنوبِ

ومَضى: قطيعُ ذُنوبِهِ  بَجَعٌ  تَلَثَّمَ بِالغُروبِ

أحبو وكوخُ حرائقي يَحْبو معي

والأرضُ يا أمّي جَبَلْ

وحْدي على السَفْحِ الذي تَخْشينَهُ

أحبو لأقْتَنِصَ الحَجَلْ

آنائِيَ اصْطَبَغَتْ بِتُوتِي إذْ يُلَطِّخُ كُلَّ وادْ

كَمْ همْتُ أشعَثَ

هل سَفَكتُ سوى دماءِ التوتِ تَقطرُ

كَيْ تَشي بي أينَ رُحْتُ كأنّها أثَرُ الجَوادْ

وتَصَبَّبَتْ روحي جنوباً في الشمالِ تَصَبَّبَتْ روحي قُرى

ولَدُ الغبارِ أنا هناكَ عُيونُهُ مَطَرٌ وشَهْقَتُهُ ذُرى

زرقاءَ مِن خَلَلِ الغُبارِ يَظُنُّها اكْتَمَلَتْ مَدائِنُهُ الرُخامُ

ولَدٌ  ويَنْهَدِمُ الكَلامُ

سَيُجَوْسِقُ الفوْضى ويَقترفُ اليَنابيعَ الكحيلَةَ كُلّما

خَلَبَتْهُ باديةٌ بَتولْ

وتَبَجَّسَتْ خطواتُهُ طُرُقاً يُكاشِفُها ويَزْهدُ في الوصولْ

يا ليتَ لَيْتَ السَهْرَضَوْءَ يُقيمُ عنْدي

أوراقُ غاباتي سَتَتْبَعُهُ إذا يَمْضي

وغِبْطَتِيَ اللعوبُ ولا يَظَلُّ هنا  سوى

ولَدِ الغبارِ السَهْرَوحْدي

***

جمال مصطفى

1986

كل الورود يا عُمقي الأول والأخير

جنائنٌ معلَّقة

في فضاءات مرايانا ..

كلُّ بصمات الرعشة الخفية

المشتعلة  في سراديب روحَينا

فيها احتمالات التكاثر

والازدهار

والتألّق

والتكوين المتناغم

في مسامات مجدنا الملائكي!...

كلّ ما يخفيه هواء (ميشغن)

من نوارس وأسرار غربتي الجامحة

أخبئه لك في سلّة الذكرياتْ ...

*

الذكريات الصاحية على مسافة قُبلة،

والقزحية كحضوركَ فيَّ....

الذكرى تلعب في بستاني

تُعربد في حاضري

تقترف براءة النوم

حين كان يعبث به الحلم

كسيمفونية لم يسمعها أحد

سوى ستارة الشغف المعلقة

على شباك يديكَ الناريتينْ !..

**

كنتُ براءة تراتيلكَ العابقة

بالاختراعات!..

نسجتَني خيطاً خيطاً

وردةً وردةً

ترتيلةً تلو ترتيلة

كنتُ داخلك كالماء

في إسفنج المجد العلْوي

للفرح الخرافيّ

للّحظات الجريئة

السائحة ثلوجاً ذائبة

في ملامح أسطرنا

وطفولة خلايانا الأزلية

لنرصدَ تاريخ العالم الأحدث

من مُجرَّد بقاء يطفو

على سطح الحداثة

أو ما بعدها ...

حداثة الأنهار

في خروجها

من رجولة كائناتها المائية..

**

وتبقى الكمائن

حين عصفتْ بي يوماً

أردَيتُها قتيلة الحركة

دونما سيلان

قطرة دمٍ

أو ثورة انفعالٍ

عالي الموج ..

**

ما كنتهُ

لا يعدو عن أن يصير

ويتوقف

عند ملامسة أمواجي البحرية

لخَطِّك الشفقيّ

حيث يغيب رويداً

في حضن الموج،

في أبدية اللحظة الخارقة الحلم،

اللحظة المسترسلة في أبديتها

لتصبح وطناً يُحيرني

من أين أعانق جمراتِهِ ! ...

**

ولكنني،..

مهما اختبأتُ وذبتُ

على زنديهِ ،

أعود من موتي الأخير

لصرخاتي المتبقية

في غربتي وتوحّدي فيه ...

لأصير لاشيء سوى

ذرة  عشقٍ شاعِرة

سطرَتها الأحرفُ السماويةُ

أنشودةَ تعبٍ ولحنَ أملْ ...

إلى حين تنفتحُ المسافات

على أريجها لتتقنَ رصْدَ

أسطورة الخلود فينا !

***

شِعر: إباء اسماعيل

يحملها الاثير باقات حنين

تربكني في ارتعاش الصدى

في عذرية الاماني

و ارتجاج المرايا المدججة بالحكايات ...

بعيون مطلة من الزمن الافل

واغنيات تحملني على جناح ترنيمة

نحو الاماكن..الحوارات...والضحكات

كلما استفقت ...تاوه في العطر نورس

بكى في غروب الشروق شراع

وتساقط من قمة اللفح اخضرار الرؤي

في الغيم تصاعد ملامح الامس

على القلب تدخل مدن من القمح

حدائق يثوي فيها النحل الى زهرة في اليد

وياسمينة على غرة الذكرى

تسألني =الى أين؟

كانما تكرسني لغياب

ينتصر للنقيضين في دمي

لحروف تنسج الاوجاع على مهل

ثم تدخلني باحة شعر ممتزج باشتعال

فهل تسمح القصيدة

باطفاء الذكرى في لهبي ؟

وانا التي تمرست العزف

على اوتار الالام الناضجة ؟

تهتز على امتداد الشرود اغنية

يرددها الصدى لازمة موسيقية...

للصمت المرابط على الضفة الاخرى اهديها

حرفا نديا ...نغما شجيا

ممزوجا بالحنين و دفء السماء...

فلا تقف بوجه الشعر عاريا كالليل

نشازا....كتقاسيم عود منزوع الاوتار

لا ترسمني قصيدة

على ارضها نبت الارق غيطان وهم

والريح عويل يستضيف الوحشة

الى باحة الصمت العتيق

ابتهاجا بانهياراتي القادمة

مازلت تمطر في دمي... اوجاعا جديدة

أؤاخي بينها ...ليصير العشق قبيلة

ترفع بشائر الميلاد

تملأ الافق مواويل خرافية

نكاية في برودة عالم زئبقي

يعتق الجراح في حفر الحقيقة

فكيف انسى القصائد ...

ومكائد المدى المغلق...؟

كيما تجوع الروح في المنفى

يجتاح الجفا ...مسافات الصدى المطلق

لاجلي تعب الليل تحت عباءة حبر

يجيد تمجيد الاوهام

في كتاب النبوءات يجمعها

وانا في حضن الابجدية

انتحر كل يوم بمشنقة حرف

نحو فرح غامض اشيعني

ممتشقة الشعر ...صفصافة للخلود

***

مالكة حبرشيد - المغرب

حينما نَجلسُ في أروِقةِ النقدِ

نُغنّي بالفضائلْ

انّهُ الفخرُ لكُلِّ البشَرِيّةْ

انّهُ الفخرُ!

بأن نعزقَ أرضًا للبطاطسْ

مستهلونَ الرِّضا الراكدَ في نهرِ الغرورِ

نِسَبًا أعلى من المدحِ عديمِ الفائدةْ

مئةً بالماءِ طبعًا

وشهودُ الذَّمِّ في ارضِ الحماسَةْ

عفنٌ تحتَ حصارٍ من عَفنْ

يُحسنونَ الصَّبرَ في كَيلِ الأذى

شَوكَهُم نَهرُ دِماءٍ وخدوشٍ وشجنْ

كُلُنا تَحتَ غِشاءِ الكونِ

نَدعو للسُّلالاتِ النقيةْ

مُنتَهى الروعَةِ انا سَنَموتُ

ذاتَ يومٍ دونَ نقدٍ او ثمنْ

ولنا الطِّينُ كَفنْ

*

لو تأنى الناقد المخلص للنقد قليلًا لعدلْ

وتوقى زلّةَ القلبِ واطلالَ الخبل

واهابَ الروحِ من روحِ الخواءِ

وتندى بفيوضاتِ الأملْ

قبلَ ان يفصِدَ في العزلةِ عِرقًا

يُتمَهُ الفقْدانُ حِينًا

وكثيرًا من توابيتِ الحَبالى في عجلْ

اسَفًا تضمِره العُتبى لِما بعد الأسفْ

بين حرفين وحسرةْ

بين كأسين وجمرةْ

وَالْمَآلَاتُ شَطَط

أيها الناقدُ لا تقفوا خُطانا

فَالخُطى جَمْرُ غَضا

ربما سحرُ لظى

انّ اثداءَ القصيدةْ

تربةٌ خضَبَها البَرقُ

فناءَتْ بالحروفِ

انْ تدلّتْ مُشتهاها البينُ بينْ

سِرُّها الحبُّ وحَربُ الكِبرِياءِ

أيها الناقِدُ رِفقًا بالقواريرِ

تمهلْ...!

فذئابُ النقدِ تَعوي

وشَذى القلبِ ـ الظباءُ

غادرتْ ارواحنا نحو البراري

***

طارق الحلفي

قبل ليلة البارحة

كنت افكر في اشباح

مرت من هنا

كلمح البصر

اشباح كانت مدججة

بعتمة ثقيلة

ومناجل صديئة

مثلما يحدث  عادة

مع الثعالب

في قن الدجاج

2

ماذا تريد مني

تلك الشجرة الشمطاء

حين اجلس اتأمل الظل

لأكتب قصيدة رديئة

عن خيوط الشمس

وهي تنفلت بسرعة

عبر ثقوب الغربال

3

ألفيت نفسي أتأقلم

مع متاهات

غير قابلة للنقاش

ولي كلام لم أقله بعد

4

ثمة قط مهوس

مبهوربمفاتيح البيانو

تتراءى له كأنها جرذان

بيضاء وسوداء اللون

وهي تقفز يمينا وشمالا

5

النوارس تذبح باجنحتها

زبد البحر

وتمشي الهوينى على زرقة الماء

فتزداد الضفة الاخرى

اخضرارا في المنفى البعيد

6

عبثا احاول التملص

من مرآت تسخر

من تجاعيد شيخوختي

فما احوجني الآن

لقناع يستر كل سحناتي

وقرورة عطر معتقة

لضمخ عظام جمجمتي

7

كل ما كتبته بابجدية الطين

عن تراتيل المستضعفين

كانت تغتاله فؤوس الغضب

وكم اقترف قلمي الساخط

من انكسرات وثورات وهزائم

على امتداد نصف قرن ونيف

من زمن لا قيمة له

8

وكلما رسمت في دفتري  المهترىء

خربشات لا تسر الناظرين

ومتاهات في مسودة قيد التنقيح

وأشياء اخرى غامضة

غير مطابقة لهويتي

تنتابني نرجسية الابداع

التي يتباهى بها الشعراء المغمورين

***

بن يونس ماجن

مَشرِقٌ ومَغرِبٌ

بين جَفْنيكِ

إشراقَةٌ في الرُّوحِ

وبوحُ الهَمسِ رَهيفٌ

وفي غَسقِ الأيامِ

شُموسُ عينيكِ تُنيرُ

لا تُثقلي الوَطءَ

فوقَ شغِافِ الفؤادِ

ففي بَحرِ المُقلِ

يستغيثُ الغَريقُ

والمعاني النَّبيلَةُ

فوقَ الشِّفَاهِ

حَيرَةٌ وأُحجيَةٌ

ولُغْزٌ عسيرٌ177 سوريا يعقوب اسحاق

بلى يا معشوقتي

أنا هو ذاكَ الذبيحُ

ومن يَسفُكُ ويُهرقُ

ويَحِلُ دَمي

غيرَ تلكَ العيونُ

ما عَشِقتُ الغُروبَ

إلا لأنَّهُ

لقُربِ انبلاجِ

فجرَ وجهكِ الوضاءُ

يَستَهِلُّ ويُبشِّرُ

يتكشَّفُ علانيةً

بالأسرارِ خدَّاكِ

عن ليلِ التشبيبِ

تَجْهَرُ وتبوحُ

شَفَقٌ بينَ لَحْظَيكِ يَنتَحِرُ

ولُونُ السَّحَرِ

فوق وجنتيكِ ينتَشِرُ

أنا البَعيدُ القَريبُ

ما غَفَلْتُ ولا سَهَوتُ

عن دِفءِ أنفاسِكِ يوماً

ولا تاهَت عن تَهَلُّلِ شفتيكِ

لبُرهةٍ أبصارُ

صَبراً على لَهِجٍ

في بَوحِ الحُلُمِ

جُلَّ الأماني

طَيفٌ وأخيلَةٌ

وقَصائدَ من دُخانٍ

إليها يَتوقُ ويترقَّبُ

تَمَهَّلي يا مُهجَةَ الجَنَانِ

حِبالَ الوِدِّ

وأشجارَ الشَّوقِ

بفأسِ الهَجرِ لا تَبتُري

والرُّوحَ بالقَطيعةِ لا تُزهِقي

فهيهات أن يحيا قتيلٌ

بعد اجتثاثِ العُنُقِ

***

جورج عازار - ستوكهولم-السويد

................

* اللوحة للفنان التشكيلي السوري الاستاذ يعقوب اسحق

 

إنتهى كل شيء

قائد الأوركسترا مات رميا بالرصاص..

الكراسي بيوطوبيا الفراغ..

الإوزات البيضاء بركلة النسيان..

الوردة بشوكة لص براقماتي..

السهل النائم بصواعق المزارع..

لماذا تشتعل نبرات المعزين..

في الظهيرة؟..

لماذا يصطفق القمر على ظهر الأسد؟..

ويزأر الغائبون داخل معطفي القطني؟..

الذين فروا بذكريات حلوة ..

مخلفين دموعا تلمع في ألبوم العائلة..

سهام الهندي الأحمر على المصطبة

لقنص عصافير النوستالجيا ..

الذين خلفوا ريش هواجسهم على الكنبة..

- من كسر أغصان راقصة الباليه؟

- فهد سقط من شجرة الموسيقى..

لماذا جاء المطر متأخرا وحيدا باكيا وحزينا..

ناسيا معطفه الذهبي في خزانة الأرملة..

نبيذه السماوي في جرن الأسقف؟..

لماذا إختفى الرب دفعة واحدة؟

لماذا إعتلى كرسيه الأبدي ذئاب اللاهوت؟

من قطع أصابع الملائكة في حقل الأرز؟..

لماذا بيتنا معتم  لا تزوره غير الأشباح وأرواح الجنود المضطهدين..

خفاش الغابة العجوز..

صحن طائر يغرد فوق شجرة الكاليبتوس..

جني على جواد رمادي؟ ..

كوابيس السنوات الأولى لمياه البداية..

ضوضاء الأبديات العميقة..

إنتهى كل شيء

النسر يخطف لوز المفكر..

النهار يلتهم عكازة الأعمى..

وقبعة الفيلسوف ملآى بزيزان الحداثة ..

والناقد العبثي  يكوي ثيابه القديمة أسفل النص..

إنتهى كل شيء

أخفينا مراكبنا في البهو الرمادي..

أسمالنا في كهف التجربة..

مثل رواد الفضاء

إختلسنا مفاتيح الجاذبية..

جلبنا نجوما ثاقبة..

وانتهت مثل شياه ضريرة

في حديقة الفلكي.

***

فتحي مهذب

........................

La Lumière du Jour Avale la Canne de l'Aveugle.

Fathi Mhadabi - Poète Tunisien.

Version Française : Salah Mohamed El Hassan Elgiwaidi - Soudan

Tout s'en va,

Le Chef d'Orchestre est tué par balle,

Les chaises, par l'utopie de vide,

Les oies blanches, par l'oubli,

La rose, par un voleur pragmatique,

La prairie dormeuse, par l'éclair du paysan,

Pourquoi se lèvent les cris de pleureurs à midi ?

Pourquoi la lune danse-t-elle sur le dos du lion,

El les absents, sur mon mentaux de coton,

Ils se sont enfuis,

Avec les beaux souvenirs, laissant des larmes qui brillent,

Dans l'album familial,

Des flèches d'indien rouge, sur le terrasse,

Pour chasser les oiseaux de Nostalgie,

Le plumage de leurs obsessions, sur le canapé،

Qui a cassé les branches de la ballerine ?

Léopard tombé de l'arbre de la musique...?

Pourquoi la pluie est arrivée en retard,

Toute seule, triste et en pleurs

Oubliant son manteau d’or dans le placard de la veuve.

Et son vin devin dans la cave de l’évêque ?

Pourquoi Dieu a-t-il disparu, d’un seul coup ?

Pourquoi sa chaise éternelle est prise par les loups de théologie ?

Qui a découpé les doigts des Anges au champs de riz ?

Pourquoi notre maison est-elle obscure et n’est visitée que par de fantômes et de soldats opprimés,

Et la vieille chauve-souris de la forêt?.

Une soucoupe volante chante au-dessus de l’arbre de calypsos,

Ut un génie sur un cheval gris,

Les cauchemars des premières années de l’eau initiale,

Les bruits des éternités profondes,

Tout s’en va,

L’aigle vole les amandes du penseur,

La lumière du jour avale la canne de l'aveugle,

Le chapeau du philosophe est rempli de vers de modernité.

Et le critique absurde repasse ses vieux vêtements sous le texte,

Tout s’en va,

Nous avons caché nos bateaux dans le foyer gris,

Nos vêtements usés dans la grotte de l’expérience.

Tels des astronautes,

Nous nous sommes emparés des clés de la gravité,

Importé des trous noirs ;

Pour finir,

Telles des chèvres aveugles,

Dans le jardin de l’astrologue...

لم أعره اهتماما ولا اليه قد أنتبهت، وهو يأخذ مقعده قريبا مني في أحد مقاهي المدينة السياحية أغادير، فقد استغرقني نص باهتمام حول مفهوم الجندر وما صار يسيله من مداد "كمفهوم أكتسب كل الاحتمالات المطروحة ويعيد تشكيل نفسه من خلال اللغة المستخدمة" بين متطفل يتلاعب بالكلمات، ودارس متمكن يعطي للمدلول حقه بانصاف..

انهيت القرأءة، وضعت هاتفي في جيبي ثم شرعت أتمم رشف قهوتي.متنسما هواء صباح أغدير المنعش حيث قيظ الشمس لا يلوح باثر الا بعد العاشرة صباحا..

أثارني الرجل الذي جلس الى جانبي بالتفات، فقد كان كثيف الشعر بوفرة تركها تنزل الى كتفيه في مزيج بين أبيض ورمادي ومخضب بحناء، أما لحيته الزعفرانية فقد استطالت ومني قد أنتزعت بسمة عريضة وتذكارا للشاعر الفذ ابن الرومي وهو يهجو لحية البحتري..

بين حين وآخر كان الرجل يلتفت الي، يحدق في وجهي طويلا، كأنه يسترجعني من بين ركام ماضيه،يهم بالحديث معي ثم يتراجع

بعد حوالي ساعة تقريبا أقبلت أنثى لا يمكن تحديد عمرها فقد كانت مقمطة في سواد،جلباب فضفاض تحدى طولها بإضافة وخمار لايسمح لغير فتحتي عينيها بظهور.. جرت كرسيا من الجهة الأخرى ثم جلست تبادل صاحب اللحية حديثا هو من الهمس قريب  بحته لا تغيب..

كان يبدو عليها نوع من اليأس والضجر وقد ضاعفت حرارة الشمس الصاعدة وهي تحيي الساحة بوصول من إحساس ما تعانيه، تعب زاد  قماطها الأسود الخانق من معاناتها..

قالت في همس منكسر وقد افرغت صدرها بزفرة حادة قوية :

ــ لايمكنني أن أبحث أكثر، تعبت، لا واحدة أرادت أن تشاركني سكنا، كأني مجذومة.. كم قلت لك:

 اللباس لا يضيف تقوى، لكنه يعكس شخصية واتجاه..

عنها كان عقل الرجل منشغلا، فعيونه امتدت سارحة تتابع ثلاث سائحات أجنبيات نصف عاريات،يقطعن ساحة المقهى،وما أتى به تعليقا على رأي البنت لم يكن غير أصرار على قول سابق يجتره بعناد :

ـ اللباس واجهة عفتك، أما الدراسة فقد قلت لك لدينا معهد نسوي في القرية،تعلمي فيه الخياطة فربما يكون مستقبلها أفيد من علوم صارت الى الكفر اقرب، مملكة المرأة بيتها لا علمها..

يصمت قليلا ثم يتابع وكأنه يتعمد تسميعي تاريخ حياته :

ـ أبوك تخرج معلما اقل منك مستوى ووجد في كتب المشاييخ ما أغناه عن متابعة دراسته، هل مت؟..لا زلت حيا.. تركت التعليم في أوج عطائي،كونت أسرة وانجبتك "واتقوا الله ويعلمكم الله "

كلمة معلم أثارتني، حسستني بالدونية والغبن، إذا كان مثل هذا معلما حمال أفكارهدم وسوء تأويل،فأية نتيجة ترجى من تلاميذه؟. واية عقلية قد يشكلها على مستوى القدوة قبل المعرفة وطريقة التبليغ؟.. أي جيل منتظر لبناء مستقبل كل ما فيه يغلي علما وتكنلوجيا وذكاء اصطناعيا؟.. لم نتأخر عبثا !!..

تذكرت معارك عشتها مع مثل هذه النوعية من المعلمين حين كنت مفتشا قبل تقاعدي، كنت لا أهادن ولا أتوانى في الضرب على يد كل من يرتدي الدين لباسا والتقاليد غطاء لا يملك من المعرفة إلا ما يلتقطه من افواه الأغبياء ولايبذل من الجهد الا ما يصرف به الأيام بالتراخي الى آخر الشهر..

هل للدين لباس معين؟.. وأي دين وضعي أو سماوي يمنع من تعاطي العلم والبحث فيه ورؤية الغد بتوقع وعيون مفتوحة على العالم بأمل على تجديد الرؤى الإنسانية؟..

كانت البنت لا تأبه بما يقول، السخط في صدرها عرق يبلل خمارها ويغطي عيونها بغبش تمسحه بقفازتها السوداء بعد أن ضايقها باحتلال أشفارها الوطفاء الطويلة، مقلتاها ترمي نظرات التأسي الى الشارع تتابع أكثر من بنت من اقتنعت بلباس مقبول ومن فضلت التعري في مدينة كل مافيها يغري، لكن لا أحد يفرض توجها أو يحرض على نموذج معين..

التفت الرجل الى وقال بعد السلام :

ــ اسمح لي أن اسالك، هل أنت من سكان المدينة أم زائر مثلي؟..

حدقت في وجهه وخلف لحيته البحترية تداعت علي صورة باستحضار..

ـ ألست ألسيد حماد متروك؟

تبسم بزهو في وجهي وقال :

ـ نعم أنا بالذات،هل تعرفني؟

ـ بادلته البسمة بأخرى متواضعة باردة وقلت :

ألا تذكر شابا قاسمك لمجته في أحد دكاكين الوجبات السريعة في انتظار خروج نتائج التعيينات؟

ـ نعم، أهو أنت؟.. صحيح !!..السيد عزيز، كنتَ محظوظا بتعيين قريب من المدينة وبسرعة ترقيت وصرت مفتشا تبارك الله.. أربعين عاما تغيرت كلية، كنت هزيلا والآن صرت ماشاء الله بطول وعرض، لهذا لم أعرفك..

تعمدت أن أتابع بنته بنظر وهي تغير مكانها متحيزة لضلال مضلة المقهى، فربما أصرفه عن متابعة رحى لسانه يطحن حسدا..

بعد دردشة قصيرة،عرفني ببنته :

طالبة حصلت على بكالوريا في العلوم التجريبية وتسجلت في الجامعة شعبة الاقتصاد لكنها لم تجد مكانا تستقر فيه،ثم شرع يتكلم باسهاب عن حياته كيف فضل الانتقال الى البادية بعد موت أبيه ثم الاستقرار بها بعد تقاعده..

كانت سرديته متفككة كأنه يخفي أشياء بقفزات يقطعها بآية أو قولة مأثورة هي كل ما بقي لديه من معرفة..

كأنت الساعة قد تجاوزت الواحدة والآذان على وشك الإعلان عن الظهر.. انتقلنا الى ساحة تقام فيها الصلوات وظلت البنت تنتظر بالمقهى.. وانا أتحرك من مكاني أشرت الى الناذل بغمزة وحركة من يدي أن يقدم للبنت شيئا يطفئ ظمأها..

جاملته بدعوة أن يكون وبنته ضيفي على الغذاء، فقبلها برغبة دون أدنى أعتراض..

لما دخل بيتي وعرف أني أعيش وحيدا استغرب كيف يحافظ البيت على نظافته وأناقته في غياب صاحبته، وكيف استطعت الحفاظ على عهد المرحومة،لكن لما حاولت أن أحدثه حول الفجوات والضغوط التي صارت تتحكم في زواج اليوم خصوصا بالنسبة لرجل في سني صار يمطرق رأسي بأيات وآحاديث ينتزعها من سياقها بلا وعي حول تحصين النفس وتلاعبات الشيطان فسحبت نفسي  بصمت من صداع لا فائدة بعده..

عادت بنته لتشاركنا الشاي بعد أن فضلت الغذاء مع الخادمة وأظنها تعمدت العودة بعد أن سمعت أباها يبالغ في حكمه والظهور بمظهر الولي الصالح..

ونحن نشرب الشاي قال لي : هل الخادمة تظل معك؟

فضول أخذني بغير قليل من استغراب، محاولة لتجاوز حدوده، تبسمت وقلت :

لماذا؟ عادي.. وحتى أرضي فضولك فهي لا تبيت معي، تروح الى زوجها وأولادها متى أنهت أشغالها..

ظهر عليه الارتباك وقال :

لا، لا،ليس فضولا وانما اتقاء للشبهات واحتراسا من خلوة محرمة،غير شرعية فقد لاحظت أنها لازالت ما شاء الله شابة وجميلة..

كرهت أن اتابع معه حديثا، حرص على الدين وهو لم يستطع غض بصره قلب حرمات غيره.كما يوصي الدين.

كنت أحس بغليان ابنته التي كانت عيونها تعكس غضبها من فضول أبيها، وقلقها مما ينبش فيه ويحاول أن يعرفه من اسرار.

كان عندي يقين لوما حياؤها  مني لردت عليه بما يلجم فمه..

اعتذرت وعادت لرفقة الخادمة تريح اسماعها مما كان يمطرق به أبوها دماغي،وتسمح لنفسها من التنفس بلا خمار..

وقد أخبرتني خادمتي أن البنت توسلتها بطلب :

ـ أرجوك اعتذري للسيد عزيز عما بدرمن أبي فالفضول من عادته..

ـ قبل أن يودعني عانقني كتفا لكتف،ترك لي رقم هاتفه والتمس مني طلبا :

ـ أرجوك أستاذ أذا ظهر لك سكن رخيص لبنتي أن تخبرني، فكما ترى رغم رفضي،فهي تصر على الدراسة في الجامعة..

لا أدري كيف طال مني اللسان وكيف تهورت حين قلت له :

الجامعة ستفتح أبوابها هذا الأسبوع والى أن تجد لبنتك سكنا فبيتي في وجهها مفتوح إذا كان هذا لا يتعارض مع مبادئك..

كنت أترقب رفضه لاني وحيد وخادمتي كما أخبرته تغادر مساء فكيف يسمح أن تجد بنته نفسها في خلوة ليلية مع رجل؟ لكنه تلقى العرض بسعادة خرجت من عيونه شرارات اغتباط، بسرعة التفت الى بنته وقال:

ـ السعدية ماضاق أمر الا فرجه الله،السيد عزيز يعرض عليك غرفة في بيته للسكن..

بادرت بتوضيح فأكدت لمدة قصيرة الى حين تجد لها سكنا..

انتظرتها صباحا، بعد أن أوصيت خادمتي بإعداد غرفة صغيرة قريبة من حمام إضافي خاص بالزوار، لكنها تأخرت.

وأنا عائد بعد الظهر هاتفني أبوها يخبرني أن السعدية بنته في البيت وهو في انتظاري معها.. فرارا منه ادعيت أني لن أتغذى في البيت لاني مدعو خارج المدينة وقد كلفت الخادمة لتقوم باللازم وستبيت معها اذا تعذرت عودتي مساء..

فاجأني وهو يقول :أنا أبيت معها الى حين عودتك، لا تقلق نفسك..

وبكلمة قاطعة أبلغته رفضي وطمأنته على بنته وراحتها بلا حضوره..

رجعت مساء وأنا حذر من وجوده لكن الله سلم، كانت بنته وحدها بالبيت وهي من صرفت خادمتي بعد أن طمأنتها أنها ستقوم باللازم..

اول أستغراب لفني بحيرة أن السعدية كانت مكشوفة الرأس لاترتدي غير تنورة تبرز تقاطيع جسدها..

كانت البنت جميلة بذات مسبوكة، ناهدة الصدر، عيون كحلية ناعسة لم يكن السواد الذي كان يلفها غير قتل لأنوثة اصر عقل أبيها على محوه بأمر في حين انه لم يستطع أن يكف بصره عن خادمتي والتطلع اليها واقتراح المبيت مع بنته معها..

ونحن على مائدة العشاء قالت لي :

لا حظت أن السيد عزيز رجل منفتح على الحياة، متحرر الى حدما في سلوكه،هل من الممكن أن أتكلم بصراحة؟

كان صوتها مزيجا من بحة سجية فخلتها كأنها تهدل كلماتها.. تبسمت في وجهها وقلت :

أنت في بيتك،مارسي حريتك كما تبتغينها بلا حرج ولا خلفيات.. كنت أخشى أن أجد صعوبة في الحركة داخل البيت لكن حين وجدتك بتنورة وشعر مكشوف قلت :

أنثى تبرز حقيقتها بلا نفاق ولا زيف..

إضافة أخرى يجب أن تتأكدي منها،وهي ان كل ما تقولينه هنا سيدفن هنا..

تحجرت في عينيها دمعات ثم بدأت تحكي :

ـ مذ وعيت الحياة وأنا لفيف حصارلا أتحرك الا بأمر،عانيت خلال تعليمي ونلت من الشتائم والكراهية ما كان يبكيني، كان أبي يتمناني ذكرا ينقده من خيباته.. وحيث أني أنثى فقد حاول أن يقايضني بامرأة يتزوجها بعد موت زوجها في السجن..أصررت على الجامعة لاتخلص من واقع بيت،أمي فيه خانعة محكومة بقهر، وأبي سلطوي مستبد بلا مبدأ.. كنت أسعى لأبتعد وأنأى، وأتجاوز العراقيل التي يضعها في طريق تعلمي، فهو لم يقبل مصاحبتي للبحث عن سكن في أغادير الا بعد أن اشترط علي طرحة تقمطني بلفيف ظلامي، كانت أمي تشجعني على الصمت والقبول الى أن أحصل على ما اريد..

لما أنت اسعفتني بانقاد موقت أ صر على ان يظل معي وعيونه على الخادمة فامتنعت وكدت أرجع خائبة من حيث أتيت، ولم يرضخ بانصراف الا بعد أن كلمك وكنت َمعه صارما..ومن عادته أنه يجبن لاية صيحة تخيفه، عادة تلبسته مذ دخل السجن وتم فصله عن وظيفته والتي ماترسم فيها الا بعد أن رسب مرتين وفي الثالثة قدم رشوة  للنجاح بواسطة مدير المدرسة..

أبي كان شرف الله قدرك عاشق غلمان ـ سيدي ـ ولم يرتدع الا بعد أن دخل السجن بعد شكاية قدمها ضده أحد أولياء التلاميذ..

بعد السجن خرج وهو يعتنق التشدد متأثرا بأفكار تأثر بها من أحد المساجين حيث أرجعته الى السجن سبع سنوات صار بعدها ألين مما كان لكنه لم يتنازل عن مفاهيم باطلة في عقله قد ترسخت لانعدام الوعي والمعرفة وعشقه لتأليه الأشخاص والتماهي بالموتى

خنقتها عبراتها، أنثى كان باستطاعتها في وسط سليم أن تكون أرقى فكرا وابلغ معرفة ورغم ذلك فما خاطبتني به من كلمات كانت لا تعكس الا فكرا صافيا واعيا يعاني لكنه يقاوم ويصر على النجاح وعلى تغيير المسار المتحكم فيها..

 سألتني بعد العشاء

هل السيد عزيز يشرب الشاي ليلا؟

ضحكت وعليها أعدت السؤال :

وليلا ماذا تفضل الآنسة السعدية؟

ـ قالت وبسمة ساحرة تركب محياها :

أيهما توفر شايا أو قهوة،المهم أن أقاوم النوم من أجل دروسي..

ـ المطبخ أمامك وانت حرة في بيتك..

وهي تلتفت الى المطبخ بادرتها :

ـ مارأيك نشرب شايا او قهوة خارج البيت؟

ـ بسرعة ردت :

ـ كما تريد لكن ألا تخشى العيون؟

ـ وهل نحن صغار؟أظنك قد جاوزت الثامنة عشرة

ـ من هذه الناحية لا تخف..

جلسنا في مقهى شرقي على الشاطئ، كانت معي انثى تضيء ببهاء ربما لباسها لايناسب المكان  فلم يكن مقورا ولا مشقوقا كما ترتديه غيرها لكنه كان مقبولا واستطاعت أن تحرك العيون بالتفات..

كانت تتكلم بلباقة وأدب في رزانة توحي للناظر أنها مع أبيها..

ما أثارني فيها أنها لاتبسمل ولا تحوقل ولا تنتقد غيرها بلسان ولا انتباه..حاولت أن أعرف رأيها فطرحت العبارة التالية :

المدينة سياحية، الكل عار الى درجة المبالغة أحيانا، وغير بعيد منا قوم يتعاقرون خمرا والكوؤوس بينهم دوارة..

تأملتني وكأنها تقرأ حقيقة ما أقول ثم قالت:

السيد عزيز، لا أحد مسؤول عن غيره، ولا أحد يستطيع أن ينهي منكرا نفس الانسان هي أول منبع له.. ما أعرفه عن الخالق أنه غني عن العالمين وانه لا ينظر الى صور خلقه، قد يذنب مذنب ثم يستغفر ربه فيغفر له ويظل النمام الفضولي المريض باقتفاء أسرار الناس متابعا بلسانه،لهذا أومن بأن كل إنسان مسؤول عن نفسه ولا أحد يتحمل وزر غيره..

كنت أقارن بين السعدية ونحن في المقهى بحضور أبيها مقنعة في سواد وكلمات مهموسات مبحوحات وبين السعدية التي تجالسني متحررة بلا قناع ولا قذائف من نظرات نفاق وكذب وادعاء..والتي ما أن وقفنا للعودة حتى تأبطت ذراعي بعفوية ولا اسقاطات..

رجعنا بعد الثانية صباحا، حمدت لها ليلة سعيدة وصعدت الى غرفة نومي في الطابق الثاني..

أنثى قد أستغرقتني بتفكير..

كيف نجت من قبضة تربية متشددة بنفاق؟

كيف تخلصت من تناقضات صارخة هي تجليات فكر أبيها،

وكيف استطاعت أن تحوز فكرا متنورا بين الظلمات وسطوة التأمرات ما يدل على قراءات واعية وتفهم للحياة؟..

رجعت يوما فوجدتها فرحة غامرة في البيت،قفزت علي بعناق وقبلات لم اعرف لهما سببا..

ـ خير ان شاء الله، عريس ظهر أم هل وجدت في البيت كنزا لاعلم لي به؟..

ـ العريس لا افكر فيه مطلقا،أما ما وجدت فهو أكثر من الكنز، وجدت مستقبلي في بيت أعز رجل من يوم عرفته وأنا أرتقي سلم وجودي..

كل ما فكرت فيه كان خارج نطاق تفكيرها، كانت صفاء،وكنت بقايا ذكورة لازالت تلسع بسوء ظن..

كانت لا تغادر مكتبتي،نباشة ماهرة، فقد وجدت في خزانة صندوقة كارتونية مليئة بكتب ودفاتر أبني وبحوثه حول الاقتصاد والتجارة الخارجية، تركها بعد دراساته العليا واشتغاله خارج الوطن..

كانت لا تتوانى أو تتراخى في واجباتها الجامعية، نملة شغالة تبحث وتبدع في كتاباتها حول كثير من الظواهر الاقتصادية

تمتاز بأسلوب سلس واضح بثلاث لغات..

جاءتني يوما تشكو أستاذ مادة وضع الميزانيات بها يتحرش :

 ـ لا أريد أن أقيم ضجة أنا متهمة فيها كيفما كانت النتائج..

ـ فكر سليم ونتيجة منطقية..لك أجد حلا..

تقربت من أحد أصدقاء الأستاذ وكان لي صديقا فدعوته لغذاء مع الأستاذ في أحد المطاعم الفاخرة كانت معي السعدية وقد تفاجأ الأستاذ بوجودها فقدمتني اليه كعم تقيم في بيته بين أبنائه.. أدرك الأستاذ الرسالة وعن السعدية قد خف باحترام..

كان أبو السعدية قلما يأتي لزيارتها فغباؤه كان يوهمه أني لا أحس أسلوبه الانتهازي، وأنه قد اقتنصني كفرصة تستفيد مني بنته التي لم يكن يفكر الا في منحتها، بل لم يعد يهتم حتى بماصارت ترتديه من ألبسة مناسبة تليق بها كفتاة عصرية وطالبة جامعية،لكن بين حين وآخر كان يرسل زوجته كضيفة بلاحرج ولاهزة من دين تختلي برجل عاب عليه خادمة تباشر حاجاته العامة.، ولبيتها وأولادها تروح مساء. ولم يعب على نفسه زوجة يرسلها لرجل ليس من محارمها قد تجد نفسها معه في خلوات غير شرعية وكما قالت زوجته :

ـ كان يتخلص مني لأترك له البيت يمارس فيه كل متناقضاته، شبه رجل ببغائي،فضولي بلا مبادئ..

كانت أم السعدية في العقد الرابع من عمرها الصورة ألأصل لبنتها بينهما تشابه كبيرلكن الام قد هدها تعسف الزوج وسطوته وتحكماته وشحه حتى صارت أنثى يركبها الخوف مما كانت تناله من لكماته وركلاته..

كانت سعيدة بما بلغته السعدية، وما حققته في رعايتي..

ـ فضلك لن ينسى أيها الكريم لولاك لكانت السعدية متزوجة أحد أولا د القرية تعيد حياة أمها..

هل تدري لماذا كان يمنعها من مواصلة تعليمها؟.. إصرار منه على تزويجها بابن أحد المعلمين لا شغل ولا مشغلة،تعرف على أبيه في السجن وفيه قد قضى نحبة.. كانت عيونه ترتمي على زوجة الفقيد..

تخرجت السعدية ونالت الماجيستر بميزة حسن جدا واستطاعت أن تفوز في مباريات مدارس اوروبية ذات تخصصات عالية في الاقتصاد والتجارة عبر القارات..

أعددتها من أبنائي، و فيها قد أثمر الخير، وأول حجة لي كانت هدية منها...ودعوة لأمها أن تطلب الطلاق وتلحق بها الى لندن حيث صارت مرشحة لمنصب عال في أحدى المؤسسات الاقتصادية الكبرى..

***

محمد الدرقاوي - المغرب

ذاتَ يــــومٍ قـد قصـــدتُ المقبــرهْ

وبصــــــدري لوعـــــة ٌ مُستعِـرهْ

*

طفــــتُ فيــها وأنـــا أُلقـــي على

كـــــلَّ قبــرٍ نظــرةً مُستفســــرهْ

*

فهنــــا قبـــــرٌ لحسنــاء غـــــدتْ

حجـــــراً فــوقَ عظــــامٍ نَخِـــرهْ

*

جنبـــهُ قبـــــرٌ لطفــلٍ زارهُ الـــ

ـمـوتُ في عُمْرِ الزهور النضِرهْ

*

وعلـــى مقربـــةٍ منــهُ ثــــــوى

ذو ثــــراءٍ تاركـاً مـــا ادخـــرهْ

*

جمـــعَ الأمــوالَ لـمْ يقنــعْ بــما

نـــالَ من مــالٍ فأرداهُ الشَــرهْ (1)

*

ومضـى الوقــتُ سريعــا ً وأنا

صـــامتٌ أدعو لهـــم بالمغفرهْ

*

وإذا صــــوتٌ يُنادينـــي أفـِـــقْ

كلُّ حـــيٍّ ســـوفَ يلقى قــدَرَهْ

*

إنّـــــهُ صوتـي الــذي رافقــني

جــاءَ مِــنْ أعماقِ هذي المقبرهْ

*

يرحـــلُ الشـاعـرُ يومـاً إنّمـــا

بيننـــا يبقــى الذي قدْ سطّــرَهْ

*

والذي يعــــزفُ مِـنْ أعمـــاقِهِ

هـوَ دومــاً حاضرٌ سَـلْ وَترَهْ

*

هكـــذا أدركــتُ بالصمت الذي

لـمْ أكُـــنْ أعـرفهُ فــي الثرثرهْ

***

جميل حسين الساعدي

.........................

(1) الشَـــرَه: الطمــع

كتبت القصيدة في التاسع عشر من آب للعام 2023

روما جبانة

أهلها وهبوا ألسنتَهم لنيرون

فصار يجلدهم بها

وبينما نيرانُهُ تشوي أكبادهم

إنتزعوا له أضلاعَهم

لتكون أسياخَ شواء

**

كلّ روما جبانة

حتى أحجارُها

وأشجارُها التي عقدتْ أرحامَها

فلم تعد تُنجبُ ذخائرَ حربية

أما بحرُها

فقد آثر الهجرة غير الشرعية

من دون الإستعانة بسترة نجاة

ألشجعانُ الوحيدون

هم الذين صعدوا للسماء

متسلقين حبالَ مشانقهم

وعداهم فكلّ الرومان متورطون

باتخاذ صهيل أحصنة نيرون نشيداً وطنياً

حتى الصامتون

والراكدون في قيعان الظلّ متورّطون

فباتخاذهم من ثلاجات الموتى غرفاً للنوم

أثبتوا لنيرونَ بأنّ مفترساتِهِ وادعة

فهي تُمزّقُ فرائسها بحنوًّ

من دون أن تُشعرها بألم

***

شعر: ليث الصندوق

الريح تهب

تهب والبطريق

منشغل بانثاه

والنورس يحصي

احزانه  فوق الرمل

ويفرد جناحيه

حزينا طائرا

صوب مدارات

قوس قزح

الصباح

والشفق الازرق

عاكسا على

مرايا قلبه

احزان الاسماك

والبطاريق

في البحر الهائج

وعند حقل

مزدهر اخضر

يدعوا كل اطياره

وفراشاته لتغني معه

للايل الحزين

وللغزلان الحزينة

والمطاردة في

ارض الله الواسعة

واغان من اجل

حقول  وسهول

وتلال وهضاب

وشواطيء وبحار امنة

فالريح تهب

تهب والنورس

يمتطي صهوة

الريح مغنيا

للبرق للبنفسج

للافق المضيء

وللشجر .

***

سالم الياس مدالو

سَأَكْتُبُ عَنْكِ بِكُلِّ افْتِخَارْ

لِأَنَّكِ أَنْتِ ضِيَاءُ الدِّيَارْ

*

لِأَنَّكِ رُوحِي وَقَلْبِي وَعَقْلِي

وَزَادُ الْمَحَبَّةِ أَسْمَى اعْتِبَارْ

*

سَأَكْتُبُ عَنْ حُبِّنَا الْمُسْتَنِيرِ

بِحِبْرٍ جَدِيدٍ شَدِيدِ الْخَضَارْ

*

سَأَكْتُبُ حَتَّى أُسَطِّرَ سِفْراً

مِنْ الْحُبِّ يُثْرِي دُنَىً مِنْ عَمَارْ

*

وَأَلْقَى فُؤَادَكِ بِالْحُبِّ شَوْقاً

أُقَبِّلُ ثَغْرَكِ بَعْدَ اقْتِدَارْ

*

سَأَكْتُبُ عَنْكِ وَأَفْتَحُ بَنْكِي

لِجِنِّيَّةٍ تَسْتَبِيحُ الْفَنَارْ

*

سَأُعْلِنُهَا فِي مَنَافِذِ نَشْرِي

بِأَنَّكِ أَنْتِ مَلَكْتِ الْقَرَارْ

*

وَأَنَّكِ أَنْتِ مَلِيكَةُ قَلْبِي

بِقَلْبِ الدُّجَى وَبِعَقْلِ النَّهَارْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي

 شاعر وناقد وروائي مصري

أحترق داخل قصيدة

وأقول ألم  أكن اريد ان تغادرني

هذه الظلال!

الم اكن اريد ان تشير الشمس

لي

بكل أصابعها!

وأن يطوف حولي

الفراش!

حين مرت آخر جنازة لي

أغلقت وراءها الأبواب

مسحت غبار الموت عن وجهي

وأعدت ضبط

عقارب الساعة

كان في نيتي ان أغلق

ثقوبي السوداء

وأتخلص

من الملح في حلقي

حتى أغني

كان في نيتي ان أوقف زحف

الهالات السوداء

تحت عيني

وامنح خلاياي وطنا جديدا

كان في نيتي ان أعيش

حتى امسك   حلما

وآخذ الحب بقوة

كان في نيتي ان امنح للقصيدة

نصف احزاني

والنصف الاخر للعدم

واعيد نهر الخمر

الى دمي

كان في نيتي

ان اصير

حرة

وينبت لي جناحان

فمن اي الساحات جاءني الموت

بكل هذا الرماد

من اي بحار الحزن

اصطادني

هذا الوجع الخرافي

ولم يكن أبدا

الموت في نيتي..

***

بقلم: وفاء كريم

مذ كانتِ النُجومُ لي كآلةِ الحِسابْ

في حُجرةٍ طوى الفراغُ جَوفَها

تَربّعتْ على الجدارِ مِئذنةْ

تحوكُ من رَثاثةِ الأثاثْ

سجّادةَ الدعاءْ

تَستنهِضُ المكانْ

تستنفرُ الدقائقَ البطيئة

تَستلُّ مني حَيْرةَ الطفولة

فتَنحَني أمامَها

أفكاريَ التي تُصارعُ الزمانْ

كأنما أُسائلُ الخَفاء

عن سرّها الدَفينِ

فلا جواب

سوى أحاديثٍ أخالُها حكايةَ المساءْ

يختالُ في استحضارِها أبي

عن صورةٍ تُجرّدُ السكونَ من ثيابهِ

وتحتسي من عينيَ العطشى الفضولْ

ولا تقولْ

رسَمتُ بارتعاشَتي نُقوشَها

لمْ أدرِ بعدُ ما السرّاجي

بيوتهُ التي تصافحُ الأذانْ

دروبهُ في حَضرةِ النَخيلْ

أم مِئذنةْ

تحومُ حولَها السَماءْ

3595 جامع السراج

أضاقَ يارفيقةَ الطفولةِ الفضاءْ

بحُجركِ الضئيلْ

أم خانَ في الشوارعِ الطَوافْ

تأبى انحناءً

فاستوَتْ خناجراً بخَصركِ الجَميلْ

أيزدَريكِ مَكرُ سيماءِ السُجودْ

وتستَبيحُ كبرياءَكِ الخَواتمْ

ضحيةٌ الغليلِ أنتِ يا سليلةَ الجدود

سيَزحفُ التاريخُ بعدَ حينٍ بالرِياء

مُدنّساً عُلاكِ حاقدٌ

يراكِ غصّةَ الوجود

أيشربونَ من صخوركِ الدماء

ويكرهونَ إرثَك المدودَ في شواطئِ السواقي

في امتشاقكِ العَلياءْ

وصَمْتكِ الذي يُرى

ما أقتَلَ الصمت الذي يُرى

بلى

أودى  بكِ الوقارْ

وعهرُعهدٍ ناصبَ اللهَ الدهاءْ

فلتذهبي ..

قَتيلَةً ..

ولتحتَفي بمَوتكِ الطريقْ

***

د. عادل الحنظل

.........................

* في طفولتي، في دارنا التي تتوسط باب سليمان، تسمرت على الجدار صورة لجامع السراجي بمئذنته الفريدة. صورة فوتوغرافية عهد بها أبي الى رسام فأخرج منها لوحة زيتية جميلة كانت تسحرني بألوانها كلما أطلت فيها نظري. بُنيت المئذنة قبل مايزيد على 300 عام وهي من موروث البصرة النادر الذي يفتخر به البصريون. وبدعوى توسعة الطريق، لجأت حكومة البصرة الى هدم المئذنة وازالة الجامع، ضاربة بحقدها جميع رجاء البصريين بالعدول عن الهدم وإيجاد بديل.  ضاعت المئذنة كما سيضيع تراث البصرة التي مابقي من أهلها سوى القليل.

إذا  الــفجرُ الــجميلُ بــدا يلوحُ

يُــصَحِّي لــلورى ديــكٌ فصيحُ

*

لـــهُ  عُــرفٌ جــميلٌ قــرمزيٌ

وزيَّـــنَ  ذَيــلَــهُ ريـــشٌ مــليحُ

*

بِــهِ  بَــاهَى دَجَــاجَ الْحَيِّ فَخْرًا

وَقَــدْ  أَغــوَاهُ بِــالصَّلَفِ الْمَدِيحُ

*

لَـــهُ  جَـــارٌ يُــعَرْبِدُ كُــلَّ لَــيْلٍ

لــقَــدْ  مَــلَّتْ مَــثَالِبَهُ الــسُّطُوحُ

*

طَــوَالُ الــلَّيْلِ يَسْعَى لِلْمَعَاصِي

وَعِــنْدَ الْــفَجْرِ يَــرْقُدُ يَــسْتَرِيحُ

*

وَقَــدْ كانتْ دُيوكُ الْحَيِّ تَصْحُو

تُــؤَذِّنُ  فِي الْوَرَى جَذَلًا تَصِيحُ

*

فَــأَغْضَبَ صوتُها الْعِرْبِيدَ حَالًا

فــرَاحَ  يَــثُورُ مِــنْ فَمَهِ الْفَحِيحُ

*

وهَــدَّدَهُــمْ أَلَا صَــمْــتَا مُــبِــيناً

لــقَدْ أَضْــنَانِيَ الــصَّوْتُ الْقَبِيحُ

*

وَإِلَّا أَنْــتِــفُ الأرْيـــاشَ نَــتْــفًا

وَلِــلْــخُمِّ الْــحَــقِيرِ سَــأَسْــتَبِيحُ

*

فــقَالَ  لــهُ مــن الأحــرارِ ديكٌ

ألا اُصْــلُبْني كَمَا صُلِبَ الْمَسِيحُ

*

فَــلَنْ أَرْضَــى بِــذُلٍّ مِــنْ جَبَانٍ

وَلَـــوْ مَــزَّقْتَنِي وَدَمِــي يَــسِيحُ

*

وَدِيــكٌ قَــالَ إِنَّ الــصَّمْتَ خَيِّرٌ

ديُــوكُ الْــحَيِّ مــازالت تَــبُوحُ

*

فَــعَــادَ  وَقَــالَ أَسْــمَعْنِي نَــقِيقًا

وَإِلَّا  رَأْسُـــكَ الْــفَاضِي يــطِيحُ

*

فَــقَالَ  أَنِــقُّ مِــثْلَ بَنَاتِ جِنْسِي

ضَــرُورَاتُ الْأمَــانِ لَــنَا تُــبِيحُ

*

فَــعَادَ وَقَــالَ كَــمْ أَحْــتَاجُ بَيضاً

وَلَــنْ أَرْضَــى بِــغَيْرِهِ لَوْ تَنُوحُ

*

عَــلَيْكَ بِــأَنْ تَــبيضَ بِــكُلِّ يَوْمٍ

وَإِلَّا سَــوْفَ يَــشْوِيكَ الــصَّفِيحُ

*

قَـــرَارِي  نَــافِــذٌ إِبْــدأْ ســريعاً

وَلَــنْ يَــأْتِيكَ مِنْ عِنْدِي صُفُوحُ

*

بَكَى الدِّيكُ الْمُهَادِنُ دُونَ جَدْوَى

وَمَــاذَا يَــفْعَلُ الْــقَلْبُ الْــجَرِيحُ

*

سِــوَى نَــدَمٍ عَــلَى مافاتَ يَوْمًا

وَلَــمْ يَــسْمَعْ لِــمَا قَــالَ النَّصِيحُ

*

كَــمَا  اِخْتَارَ الزَّمِيلُ الْحُرُّ فَوْرًا

وَمَــا  عَــادَ الــزَّمَانُ لَــهُ يُــتِيحُ

*

وكَـــانَ  خِــيَــارُهُ حُـــرّاً قــوياً

بِــهِ  قَــدْ قــامَ صَــاحِبُهُ الــذَّبيحُ

*

فَــآثَــرَ  أَنْ يَــمُــوتَ بِــغَيْرِ ذُلٍّ

وَلَــمْ يَــخْذُلْهُ فِــي يَــوْمٍ طُمُوحُ

*

فَــصَارَ  كَــقِصَّةٍ تُــرْوَى كَثِيرًا

وَأَصْــبَحَ رِيــشُهُ تَــذْرُوهُ ريــحُ

*

هِــي الــدُّنْيَا يَــعِيشُ الْمَرْءُ فِيهَا

يُــقَــوِّمُهُ  بِــهَــا جَــسَــدٌ وَرَوْحٌ

*

إِنِ اِنْــفَصَلَا فَــلَيْسَ هُنَاكَ عَيْشٌ

وَلَــكِــنْ جُــثَّــةً تَــأْتِــي تَــرُوحُ

*

فَــعشْ دَوْمًــا كَمَا الِأَبْطَالُ حُرًّا

كَــمَا اَلــرَّيْحَانُ من طِيبٍ يَفُوحُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

هَـدْأةُ الـلــيـل لـلـثكالـى سَــقامُ

والجـراحـاتُ جَـفـنُـها لا يـنامُ

*

ايـّهــا الخائنون مهـما سـرقتم

فــرَغيفُ الأيـتام خَصمٌ هـمام

*

كلُ مَـن يحتمي بجُلباب زَيفٍ

بـعـد حــين يُـزال عـنه الـلثامُ

*

صفعة الدهـر هُـيّـئتْ لجبين

قَــبَّـلـتْـه الأرجـاسُ ، والاثـامُ

*

إحـذروا غــضبةَ الحليم فـفيها

تُـفـقأ العيـنُ ، والظـلامُ حِـمامُ

*

كلُّ سُحْـتٍ مهما عَفَـتْـه الليالي

وتَـخَـفّـى يـصيـرُ فـيــه جـذامُ

*

قـد عـبثـتم في أصلكم فتهاوى

وغَــدا النقـصُ صِيـتـَكم يعتامُ

*

وَصـمَة الـعارِ لا تُـفارقُ نـذلا

مهّـدَ الدربَ كي يســودَ اللئامُ

*

(مَـن يهن يسهل الهوان عليه

مــا لـِجُــرحٍ بـمـيـتٍ إيـلامُ )

*

تَـرَفُ الفاسديـن يَـتْـلـوه بُؤسٌ

هــكـذا سُــنَّـةُ الحــياةِ تُــقــامُ

*

أيّ حقٍ إن ضاع يبقى صَداه

مُـرعِبا ، في مداه نارٌ ضَرامُ

***

(من الخفيف)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

10/6/2016

لم يعد شاربه المصبوغ باللون الأسود، وجفنه المتهدل، وأسنانه التي بدأ يفقدها الواحدة تلو الأخرى، تُخفي تقدّمه في السنّ بعد أن شارف على الستين وحيداً أعزبَ يقارع الوحدة، لا رفيق له ولا أنيس سوى بعض الصور المثيرة لنجمات السينما التي ملأت جدران غرفته المتهالكة القابعة فوق سطح أحد الأبنية العشوائية القديمة، التي كان يشغلها مقابل مبلغ زهيد من المال، يحصل عليه من عمله نادلاً في مقهى (الجماهير)، وهو مقهى قديم تصطف فيه أرائك خشبية وعدد من كراسي الخيزران، أغلب مَن يرتاده المتقاعدون وكبار السنّ وممن تتكرر وجوههم يومياً، وقد أبقى عليه صاحب المقهى لمعرفته القديمة بهم.

اعتاد بعد الغروب بين الحين والآخر، أن يسترق النظر خلسة -من خلال جرح في زجاج نافذة غرفته المطلة على حمّام إحدى الشقق المجاورة- إلى امرأة شابة تستحمّ مساء كل يوم تقريباً، كان يطيل النظر إليها، محاولاً اقتناص مفاتن جسدها الممتلئ وصدرها النافر، عابثاً بشاربه متلمساً شعر صدره الذي اكتسحه الشيب، ليسدّ الحرمان والجوع الجنسي الذي يشعر به. كانت تلك النافذة متنفسه الوحيد الذي يطلّ من خلاله على عالم أشبه بالخيال، يأخذه بعيداً عن واقع الحياة التي أرهقته، فقد بدأ التعب ينال منه كثيراً، والسنين بدأت تنساب من بين يديه سريعاً، وغدت أيامه مُملة يشبه بعضها بعضاً. لكن في يوم من الأيام مصادفة -وهو يقوم بخدمة رجلين- تناهى إلى سمعه سيرة الحاج مهدي الحرج وكيف بات طريح الفراش منذ أسبوع إثر تعرضه إلى نوبة قلبية شديدة، قائلين إنه -والعلم عند الله- لن يخرج منها سالماً، وبخاصة لمن في مثل سنّه بعد أن أدرك الثمانين من عمره، ثم أكملا ما تبقى من حديثهما، فقال أحدهما: ماذا لو توفاه الله، سيترك حتماً ثروة كبيرة لأبنائه لا تعدّ ولا تُحصى.

مساء... ظلّ حديثهما عالقاً في ذهنه، وظلّ صامتاً يفكر، ثم استلّ سيجارة تليها أخرى محدثاً نفسه: ما أعرفه ومتأكد منه أن للحاج مهدي ثلاثة أبناء من الذكور وبنت واحدة عانس لم تتزوج بعد، والذي أعلمه أنها تعاني من تخلّف عقلي بسيط، آه مسكينة تلك الفتاة. أخذ نفساً عميقاً، ثم دقّ عنق آخر سيجارة لديه خالداً إلى النوم.

زاحمته الأفكار صباحاً وهو في طريقة المعتاد إلى المقهى، بدأت تتوهج في رأسه فكرة رسمت ابتسامة رضى كانت واضحة على وجهه، تلك الأفكار التي تواردت إلى ذهنه جعلت خطواته طويلة وأكثر ثباتاً وكأنه شاب في العشرين من عمره، رفع صدره إلى الأمام، وأخذ يحدث نفسه: لن أفوّت الفرصة، لمَ لا أتزوج بتلك المخبولة بدلاً من العيش كقطّ عجوز فوق سطح ذلك البناء؟ يقال إن المجانين عادة لا يعمرون طويلاً، والفرصة لا تأتي مرتين، وستنتفخ جيوبي حين يتوفى والدها، ويصبح كل شيء تحت تصرفي، فمن المؤكد أن تصبح الزوجة غير المؤهلة تحت وصاية زوجها وألا يتدخل أحد في حياتها. قرّر أن يخطو خطوته الأولى، ويطلبها للزواج بأسرع وقت ممكن. (الأيام تتحايل علينا، وتجلب لنا ما لا نتوقعه).

 بعد عدّة أيام هيّأ نفسه جيداً لزيارة أسرة الحاج مهدي بذريعة السؤال عن والدهم والاطمئنان على صحته، دخل يخطو خطواته الأولى داخل سور ذلك البيت الكبير. المنزل كان فخماً جداً، ويضمّ داخله حديقة كبيرة تسوّرها أشجار عامرة من النارنج والبرتقال والرمان، باستثناء شجرة سدر عجوز تتوسط إحدى زواياها، عُقدت بين أغصانها المتدلية أكياس بلاستيكية ملونة، كانت تبدو كشجرة مقدّسة أثقلتها شرائط الأمنيات والنذور، لفتت نظره حين رآها. أبدى حزنه الكبير على والدهم، وأخذ يستعرض نبل أخلاقه ومعرفته القديمة به، واستأذنهم بأن يكرّر زيارته لهم لإعجابه الكبير بهم وللاطمئنان على صحة والدهم. لم يمضِ سوى أسبوع حتى عاود الزيارة، لكن بهيئة مختلفة تماماً، فقد صبغ شعره باللون الأسود، وارتدى بدلة قديمة تعافت قليلاً واعتدلت بفضل كيها بالبخار.

استقبله إخوتها بمهابة مضحكة بعد أن علموا أنه قصدهم ليطلب يد أختهم للزواج، وقبل أن يعرفوا مدى جديته، نال مظهره ومسكنته الواضحة رضاهم. تمت الموافقة على طلبه بسرعة كبيرة لم يكن يتوقعها، شعر بأنه أصاب هدفه وما يصبو إليه دون أيّ عراقيل ودون أن يُطلب منه مهر أو غيره. غادر غرفته تاركاً إياها إلى الأبد، وتم الزواج من دون طبول أو مزامير، ومن دون أن يرفع برقع عروسه كما تجري العادة في حفلات الزواج، وتم الانتقال للعيش في منزل الحاج مهدي. كان جسد العروس ضخماً وأثداؤها متدلية أمامها وشعرها مزيّناً بمشابك ملونة، بدت كإلهة تنتصب أمام قامته القصيرة، تقف دون حراك، ودون مشاعر، ودون أن تعلم حتى من هذا الدخيل الجديد الذي اخترق وحدتها وشاركها غرفتها. توجّس الحذر منها في بادئ الأمر، شعر وكأنه قد زُجّ به داخل حلبة نزال مع وحش كاسر بالغريزة سيفترس أيّ كائن يجده أمامه، لكن يبدو أن خوفه لم يكن في محله!! بل على العكس، فقد كان جسدها الضخم يحمل عقل طفلة صغيرة، وكل ما قامت به هو قضم أظافرها والنظر إليه، حتى إن سيرها كان متثاقلاً بسبب وزنها الزائد، وقف بعيداً عنها ينظر إليها وهي تمشط شعرها وتشبكه وتشكّل منه تسريحات غريبة. أخذ يعدّ الدقائق –فقد أحسّها طويلة- لتمرّ الليلة الأولى له معها بسلام. اندسّت بجانبه كقطة وديعة بفطرتها الأنثوية، أثار تصرّفها استغرابه، وتعاطف معها متحمّلاً رائحة فمها الكريهة على مضض خوفاً من أن يشعر إخوتها بذلك.

تغيّر ملبسه ومظهره، وكان الترف واضحاً عليه، وقد ترك عمله في المقهى. حسده كل من يعرفه دون أن يعلموا ما يدور داخل غرفة نومه ليلاً مع تلك المخبولة التي تقضي نهارها تحت ظلّ تلك الشجرة العجوز. لم يطل بقاء الحاج مهدي على قيد الحياة، وتوفى إلى رحمة الله بعد الأسبوع الأول من انتقاله للعيش معهم. كان مجلس العزاء كبيراً جداً، نصبت له سرادق على مدّ البصر، وكان له حضور مهيب وهو يأخذ العزاء كأنه واحد من أسرة الحاج مهدي، انشرح صدره وسط تلك المهابة. لم يتبقَ سوى أيام معدودات حتى يأخذ زوجته وما تحمله معها من إرث أبيها، محدثاً نفسه: مرّ ثلاثة شهور، ولم يفتح أحد موضوع الإرث، وكيف سيأخذ كل ذي حقّ حقّه، فقرّر وبعد تفكير طويل ونفاد صبره من هذا الزواج أن يطالب بحصة زوجته من الإرث. طلب من إخوتها أن يجتمعوا كي يتحدث إليهم في موضوع مهم، اجتمعوا بناءً على طلبه، وكان أسلوبه معهم مختلفاً تماماً، بدا معتداً بنفسه كثيراً يتحدّث بلهجة آمرة خالية من التملق، قائلاً: مرّ ثلاثة شهور على وفاة عمّي الحاج ولم يتحدّث أي منكم عن الإرث، أودّ أن آخذ نصيب زوجتي، لا أودّ العيش عالة على أحد. عمّ الصمت المكان، ثم تحدّث أكبر إخوتها سناً قائلاً: عزيزي لم يترك والدي شيئاً باسمها قبل أن يتوفى بعدّة شهور، فقد كتب كل ما يملك باسمنا، فأختنا لا إرث لها، فهي فاقدة للأهلية كونها تعاني تخلفاً عقلياً، ونحن من يقوم برعايتها وتلبية احتياجاتها، وأظنّ أنك أيضاً لست بحاجة إلى شيء، فنحن نعاملك كأنك واحد منّا. ضرب الصمت عليه بأطنابه، وشبك أصابعه بقوة، قائلاً لهم بحنق وبالكاد استطاع أن يُمسك أعصابه: لا فرق بيني وبينكم، ثم نهض تاركاً إياهم، وسار بخطى ثقيلة صوب غرفته، دخلها وأغلق بابها بإحكام، ثم أشعل سيجارة ويده ترتجف، وأشعل ثانية وثالثة، وراح يدخّن بنهم وهو يسبّ ويلعن، وراحت كلماته البذيئة تتطاير وتتصادم في جوّ الغرفة المشحون بالدخان.

***

نضال البدري

عضو اتحاد الادباء في العراق

تلُوحين

تتفتّح أزهارُ اللّوز قبل الرّبيع

للزّجاج رُؤيةٌ بيضاء

تلُوحين

ترقُص في نبضي الأشياء

نلتقي

تتوشّح البيوتُ في شارعنا بظلال رماديّة

الشّمسُ على سُطوحها تكنُس اللّيل

شيخُ المَسجد

يتلو أورادَه الصّباحيّة

صِبْيَةُ جارنا يُشاكسون الحِمار

معًا نسير

تبدُو لنا الألوانُ سنفونية أخرى

نعُود

حافلةُ القرية عادت

شيخُ المَسجد

تدُقّ عَصاه

دَرجاتِ الصّومعة...

***

سوف عبيد

1973

آهٍ مـن الأشـواق مـا أقسى الحنين

حَــرَق الـفؤادَ بـفعلهِ؛ نـطَقَ الأنـين

*

وتــكـاد تـنـفجر الـمـشاعرُ؛ دمـعُـها

يـغلي بـقلبي؛ مـثل آهـاتِ الـحزين

*

فـخـذي مُـحـبًّكِ هـدهدي أشـواقهُ

كـونـي لـه فـي يـمّ دنـياه الـسّفين

*

يــا أنـت بـارعة الـجمال بـخاطري

لــو أنّـنيْ أرسـو بـشاطيكِ الأمـين

*

وأقـبّـل الـحُـسن الــذي تـجتاحني

أمــواجـه، وأعـانـقُ الــدرّ الـدفـينْ

*

لـــو كــنـت نـهـرا عـابـرا بـغـوايتي

أهدي جداول روضِكِ الماءَ المَعين

*

أهواكِ مُذْ رشَقَت رموشُكِ مهجتي

فـتـحدَّرَت أغـصـانُها سـحرا مـُبين

*

يـصِـفُ الـمـفاتنَ دونـَمـا جـهـرٍ بـها

لا ريـب أنِّـيَ مَنْ بجوهرتي ضنين

***

صلاح بن راشد الغريبي

مِنْ كُهُوفِ الْقَلْبِ أُهْدِيكِ الْحَيَاةْ

وَفُؤَادِي الْآنَ فِي عِزِّ صِبَاه

*

فَأَنَا وَالْحُبُّ وَالدُّنْيَا سُكَارَى

فِي نَعِيمِ الْبَوْحِ أَكْرِمْ بِحَلَاهْ!

*

وَأَنَا وَاللَّيْلُ فِي أَكْنَافِ حُبِّي

أُوقِدُ الشَّمْعَ وَأَرْقَى فِي ضِيَاه

*

وِنِدَاءُ اللَّيْلِ مُوصٍ لِحَبِيبِي

أَنْ يَرَانِي بِرَحِيقٍ مِنْ لُمَاهْ

*

بَارَكَ الْمَوْلَى بِأَجْفَانِ حَبِيبِي

وَسَقَانِي رِمْشُهُ السَّاهِي دَوَاهْ

*

يَا تُرَى أَلْقَاكِ يَا رُوحَ حَبِيبِي

تَزْرَعِينَ الْهَمْسَ فِي دُنْيَا هَوَاهْ ؟!!!

*

يَا تُرَى هَلْ آنَ يَا قَلْبَ حَبِيبِي

أَنْ تَزُفَّ الْحُبَّ فِي كُلِّ اتِّجَاهْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي - شاعر وناقد وروائي مصري

وكأنهما على موعد، أو كأن أحدهما يضبط خروج الآخر على ساعته ليلتحق به.. يلتقيان كل صباح، يرفع لها اليد بالتحية، فتبادله الحركة بعينين ضاحكتين، وقد تغمزه بإحداهما أحيانا، ويدها على فمها، بريد قبلة من شفاه سخية، تتجه نحو سيارتها وعنقها يشرئب الى الخلف، هل سيفتح لها نافذة أكثرمن التحية أم سيركب سيارته كعادته ثم يغادر الحي؟..

حين ترفع راسها تجد مليكة زوجته تراقب وبدقة، من الطابق الرابع وكأنها في برج لحراسة الحدود البحرية تتابع ما يروج في بحر الشارع من تحت نافذة غرفة نومها، وحتى تذيب أي وسواس قد يطرق صدر الزوجة، ترفع اليها يدا كتحية صباح عادية ؛تستدير الزوجة وتتوارى دون ان ترد عليها بمثل، بعد أن تتأكد أن سيارة زوجها قد تركت مرسى الحي بسلام، فهي تدرك طيبة زوجها ادراكها وبصورة أعمق لعبة الجارة القذرة والتي مذ سكنت الطابق الأول من العمارة وهي مثار شبهات وقيل وقال بين سكان العمارة.. امتنعت عن السكن في الطابق الثالث أو الخامس وبهما شقتان أحسن وأكثر اضاءة وتعرُّضا لنور الشمس، وأصرت على الطابق الأول بحجة أنها تخاف استعمال السلم الكهربائي.

مليكة تعرف جارتها حسناء معرفة دقيقة، ملف تضبط محتويات اوراقه بدقة، فهما معا من خريجات معهد واحد، كما اشتغلتا معا في نفس الإدارة بعد التخرج، وقد استطاعت حسناء أن ترتقي بسرعة، لأنها تمتلك من وسائل المرونة والسخاء والاغراء ما يجعل أكثر من رئيس يهلل بعدها بمدح وثناء، لسانها يذبح قبل عيونها وتستطيع ان تبذل جهودها والقيام بمهام أخرى خارج إدارة العمل تلبية لرغبات رئيسها، أو السخاء بساعات إضافية تتنازل فيها عن عطلة أسبوعية لتكون رهن إشارة الرئيس، وقد تنقلت في أكثر من إدارة، فهي صيت ذائع، في جبر أثر الزمان على شيوخ الإدارات الذين خلدوا على كراسي الإدارة الى أن ماتوا فوقها أو مرروها الى ذوي القربى والحظوظ..

كما ان حسناء تدرك مليكة جيدا، قدرات عملية، وغربال ذكي لسلوكات الناس، من الصعب أن يقفز جدي خلف ظهرها، لهذا كانت تحاول ان تبتعد ما استطاعت عن مواجهتها، لكن الاحتراس منها لم يبعدها عن تصويب اهتمامها للزوج، وقد سددت سهام اغرائها اليه كرجل طيب وحمل وديع، لو استطاعت ان توقعه ففي ذلك كفايتها انتقاما وتكسيرا لشوكة مليكة، الى أن يأتي ما بعده.. ولتنفيذ فكرتها الانتقامية اكترت شقة في نفس العمارة التي تسكنها مليكة، وفضلت ان تكون قريبة من مدخل العمارة.. إن حسناء لن تنسى أبدا كيف تم توقيفها عن العمل من آخر إدارة عملت بها، فضاعت منها امتيازات مادية كبيرة بعد ان بلغت بها مليكة مدعية أن الإدارة تحولت مع المدير الذي شاخ الى سرك تعبث به سحلية تتلون كل يوم بوجه، استطاعت ان توقع بالرجل وتنظم له سهرات مجونية ترضي عقدة التصابي فيه، فتربصت الشرطة بحسناء الى أن تم ضبطها مع رئيسها في وضع مخل بأحد الشاليهات خارج المدينة، وقد تمكنت من الخروج بلا متابعة لموقع الرئيس سنا وسمعة وصيتا ويدا سخية مع من هم أكبر، فأبعد الى إدارة أخرى بترقية معتبرة، وتم الاكتفاء بتوقيف حسناء عن العمل كذر الرماد في العيون، ثم ما لبثت أن خرجت من تحت رمادها، فاشتغلت في القطاع الخاص بتوصية من رئيسها السابق حفاظا على خدمات تتقن أداءها بمهارة، واتقاء لمخزوناتها عمن سيرت مكاتبهم.. وها هي تشرق من وراء الضباب مترصدة مليكة، تلهث بحرث قد يوقع الزوج وفي ذلك كفايتها لاذلال غريمتها..

تأخرزوج مليكة عند الزوال، وبعد أن أبطأ منه خبر، هاتفته مليكة فاعتذر أنه في اجتماع مع زوار أجانب ولا داعي لانتظاره للغذاء.. تناولت مليكة غذاءها منفردة، ثم شرعت تستعد للخروج الى عملها.. وهي في الطريق صدرت إشارة ضوئية من هاتفها، فمليكة لا تحتمل رنات الهاتف وهي خلف قيادة سيارتها، لهذا فهاتفها دوما على الوضع الصامت، "رقم لا تعرفه، " أهملته، كما تهمل كل مكالمة يخفي صاحبها هويته.

دخلت مكتبها اقبلت الكاتبة بالملفات التي أنجزتها صباحا..

كانت الكاتبة تتحرك في مكانها بغير قليل من التوتر، كأنها تريد أن تبلغ مليكة أمرا اوتحاول الاستفسارعن أمر، ودون ان ترفع مليكة رأسها عن إحدى الوثائق سالتها:

ــ مابك؟ هل عندك شيء، أم تريدين قول شيء؟

تلعثمت الكاتبة قبل أن تنطق:

لا.. ظننت أنك ستتغيبين هذا المساء !!..

استمرت مليكة في قراءة الوثيقة، تدقق في مضمونها كلمة بعد أخرى وقد احست أن بين طيات السؤال خبرا تريد الكاتبة تبليغه:

ـ خير ان شاء الله، أتغيب !!.. لماذا؟

ترددت الكاتبة قبل ان تخرج هاتفها من جيب سترتها، فتحته على اليوتيوب، ثم مدت به اليد الى مديرتها..

رفعت مليكة راسها، ركزت النظر في كاتبتها وكأنها تستشف من وجهها ماوراء السؤال وما قد يفاجئها من سلوك كاتبتها غير المعتاد، تسلمت منها الهاتف وقرات:

مديرشركات الشمال يقضي نحبه في حادثة سيرمع عشيقته..

فضيحة تروع المدينة لمكانة الشخص وعلاقاته التجارية محليا ووطنيا..

المدير كان على علاقات مشبوهة رغم مظهره الذي يوحي بالطيبة والتواضع والتقوى..

بثبات ورزانة حدقت مليكة في الصور، لم يتوضح لها منها ما يؤكد أن الصور هي فعلا لزوجها رغم الشبه الكبيرالذي توحي به، "صياغة تهويلية للخبر" قالت في نفسها.. ورغم أنها لم تقف على منبع الخبر ومصدره الأول فقد اهتزت مليكة من مقعدها وعيناها قد طفقتا بخوف، تذكرت ومضات هاتفها وهي في الطريق الى عملها، أخرجت الهاتف، طلبت زوجها، الهاتف يرن والزوج لا يرد.. ارتفع وجيب قلبها أكثر.. سلمت للكاتبة هاتفها، وطلبت منها الانصراف فهي تكره ان تظهر ضعيفة امام غيرها، ضاق صدرها وصارت تتنفس بصعوبة، ادارت الرقم الذي كان يرسل إشارات وهي في السيارة، مشغول، لا يرد، ادارت رقم الهاتف الثابت لعمل الزوج، ردت الكاتبة: سالتها مليكة عن زوجها فقالت الكاتبة:

شيء ما حدث هذا المساء، و السيد المدير مع رئيس مركز الشرطة في المكتب المجاور خرج وترك هاتفه على مكتبه، هل انت من اتصلت من لحظات؟

اطمأنت مليكة أن زوجها حي يرزق وان في الامر شيئا، حتما ستعرفه، فمثلها خبرة وثباتا لا يخفى عليها مؤامرت الصحافة، ومن يريدون زحزحة زوجها عن منصبه، طلبت من الكاتبة ان تبلغ مديرها ان يتصل بعد نهاية اجتماعه..

بقيت مليكة رغم رزانتها كانها قطعة لحم في سفود على النار، تترقب مكالمة من زوجها، بعد ازيد من ساعة كلمتها الكاتبة وأخبرتها ان زوجها في الطريق الى البيت ويطلب منها أن تلحق به، استغربت لماذا لم يكلمها من هاتفه؟..

في الطريق الى البيت رن هاتفها، رقم غير معروف، ردت الهاتف الى حقيبتها وتابعت القيادة..

وجدت زوجها في باب العمارة يترقبها، اركنت سيارتها، وقبل ان تصل اليه كانت حسناء أسبق منها اليه؟ لا تدري من اين خرجت، ارتمت عليه و كأنها تتعمد ذلك، حاول أن يبعدها ويتجه نحو مليكة التي تركتهما معا وولجت باب العمارة بثبات وثقة، قبل ان يلحق بها الزوج كان المصعد الكهربائي قد تحرك بالصعود فانتظر عودته..

وجد باب الشقة مفتوحا فدخل، قصد مليكة التي كانت تجلس على حافة السرير في غرفة نومها.. بسرعة بادرته:

أنهيت غرامياتك؟

رد عليها في قلق:

أية غراميات؟ !!.. والله لا اعرف لماذا تتصرف جارتنا بتلك الطريقة كأنها تتعمد غيضك والإساءة اليك..؟؟..

قالت في حدة ونوع من السخرية بعد ان وقفت:

أولا أنا أكبرمن أن يسيء الي أي كان، ثانيا هي تعرف لماذا تفعل ذلك، لكن أنت ألا تعرف؟ ورغم ذلك تشجعها، بطيبتك الزائدة تبعث في نفسها أملا بلقاء مرتقب، وكأنك تخشى ان تضيع صوتا انتخابيا أليس كذلك؟ هي ملوثة، نعرف ماضيها، لكن انت ألا تفكر في صيانة كرامتك وكرامة بيتك ومنصبك والجيران من حولك؟ !!..

كان يحاول ان يدافع عن نفسه، كونه لايريد الدخول في عداوات جانبية مع أي كان من سكان العمارة، وقد سبق ان شرح لها هذه الأمور، فحسناء تبدو أنثى عنيدة، وهي تريد ان ترد الصاع صاعين لمليكة، وهو لا يريد أن يركب لها خاتم على قد اصبعها، لهذا فكل امرئ يصنع قَدْره بنفسه وبالطريقة التي تناسب وضعه..

مرة أخرى تسأله وكأنها تريد تجاوز حديث حسناء:

ــ لم تجبني ماذا وقع هذا المساء؟

رد وكأنه قد استرجع شيئا قد نسيه:

- والله اقلقتني اتهاماتك، أنا نفسي لا ادري ما وقع، ومن نشر الخبر الزائف الذي روعنا وروع الناس من حولنا..

قالت: ومن أجل ذلك لم تبادر الي بهاتف؟الا تكون مشاعرك قد تفتحت ترضية لجارتك الحسناء؟

 بحدة وقلق رد وكانه يستدرك كلامه، هاتفي احتفظ به رئيس قسم الشرطة..

قالت وهي تغير ثيابها:الامر فيه دسيسة إذن..

صمتت قليلا ثم تابعت:كيف وجدت سلوك جارتك الحسناء حين رأتني، ما الرسالة التي كانت تحاول تبليغها؟

ـ سلوك غريب فعلا، عناد امرأة وإصرارعلى الثأر.

استدارت الى زوجها، تمعنت في وجهه وهي تضحك وقالت: ـ ممن؟ مني انا؟!!..

 تيمم نحو المطبخ، فيلحق بها، يضمها من خلف، ويضع راسه على ظهرها:

ــ مليكة عزيزتي، انت تعرفين حبي لك، ولا أحد يستطيع أن يحول مجراه، ونحن عقلاء ذوو مسؤولية، يلزم أن نتصرف بعيدا عن طفالة الصبيان، ودسائس الحقودين..

هي تدرك حبه لها، ومن المستبعد حسب ما هي متحققة منه عنه أن يحاول تشويه سمعته وكرامتها فيلتجئ لامرأة أخرى بديلا عنها، كما أنه يدرك ذكاءها ورزانتها وحرصها الشديد على بيتها وسمعته، لكن دوما تخشى حسناء، سحلية في ظاهرها، افعى من باطنها.. لا حدود لخبثها..

يلثم عنقها.. قشعريرة تسري في أنحاء جسمها، تستلذها بابتسامة وصيحة متعة، تدخل راسها بين كتفيها، فتبادره:

غير ثيابك ريثما اعد العشاء..

لم تتغير عادة حسناء مع زوج مليكة، فكأنها معه على موعد صباحي، لكن ماشغلها اليوم أنه لم يرفع لها يدا بتحية، وأنه قصد سيارته وكأنها غير موجودة، كما أثارها أن مليكة لم تكن في مكانها كالمعتاد. ماذا وقع؟ اين راحت؟ ابتسمت باستخفاف وسخرية ذات معنى، وكأنها لم تبال لا بالزوج ولا بمليكة، حركت حاجبيها الى أعلى ثم دخلت سيارتها..

بينها وبين نفسها رددت: ساعرف كيف أهتك غربالك؟لن يتعبني زمان، ولن أيأس من محاولة !!..

خرجت مليكة من المصعد الكهربائي الى سيارتها مباشرة، وبدل ان تتجه يسارا الى مكان عملها دارت يمينا الى الإدارة العامة للامن..

جلست الى رئيس دائرة الامن، بعد تقديم نفسها، شكر لها الرئيس قدومها لانه كان على وشك استدعائها، بعد حديث ليس بالقصير كان رئيس الدائرة يدون كل ما تقول.. ثم وضع أمامها لائحة بأرقام هاتفية وطلب منها هل تعرف أصحابها؟

قالت لرئيس الدائرة:

أولا أنا وزجي لا نرد على ارقام مجهولة الهوية ولا على مكالمات غير معروفة، ثانيا أن رقمين من هذه الأرقام أظنها قد وردت منهما إشارة وأنا أسوق السيارة أول أمس، لم ارد عليهما.. لحظة من فضلك..

أخرجت هاتفها من حقيبتها فتأكدت ان الرقمين حقا موجودان ضمن مكالمات لم يتم الرد عليها ؛ تبسم رئيس الدائرة وقال:

ــ هنيئا لك، ذاكرة قوية..

ظل العميد يتنقل عبر خاصيات الهاتف بعد إذن منها، ثم أدخل رموزا، فاكتشف ان هاتفها مخترق، استدعى احد معاونيه وقدم له الهاتف بعد أن شرح له ما يجب عمله، تسلم المعاون الهاتف، غاب قليلا ثم عاد..

قال رئيس الدائرة لمليكة:

هاتفك صار تحت المراقبة، تصرفي عادية وردي على جميع المكالمات بدون تمييز وبهدوء، وحاولي شد كل متكلم لا تعرفينه قليلا باي شي ء..

بعد خمسة أيام كانت مليكة وزوجها في ضيافة رئيس الدائرة الذي شرح لهما الوضع بعد مراقبة دقيقة:

من حي سكناكم تخرج المكالمات من خمس هواتف بأرقام مختلفة؛وما تم تدوينه من معلومات من السيدة مليكة في زيارتها السابقة جعل الاحتمال مؤكدا ان تكون المسماة حسناء هي صاحبة ما يقع.وما زكى هذا الاحتمال أن الإشارات تخرج من نفس الدائرة، بمعنى ان الهواتف التي تخرج منها الإشارة والهاتف الذي تمر عبره وهو هاتف السيدة مليكة كلها في نفس الدائرة، أما الهواتف المقصودة بالإشارة فأحدها كان في مركزنا وهو هاتف زوج السيدة مليكة، وهواتف أخرى تم تحديد دائرتها المكانية، والتي توهم أصحابها أن السيدة مليكة هي من تكلمهم وتدردش معهم..

نظر الزوج الى مليكة وكأنه يستفسرها عما أخبرت به الشرطة؟ ولماذا أخفت عليه هذا الامر؟ لاحظت مليكة اضطرابا شديدا يعتري زوجها الذي بدأ يعصر يديه ويفركهما بغير قليل من الانفعال، والتفت اليها كأنه يستنجد بها !!..

قبل أن تودع مليكة وزوجها رئيس الدائرة اوصاهما الا تصدر عنهما اية إشارة قد تنبه حسناء، وان يتصرفا كما كانا معها من قبل والا يستعمل أي منهما هاتف المنزل أو غيره لاي غرض كان.. ثم اخبرهما أنه سيكون في انتظارهما على الساعة الثامنة صباحا بمكتبه.

حين خرجت مليكة وزوجها من المصعد الكهربائي قبل الثامنة صباحا بقليل كانت الشرطة تطوق مخرج باب العمارة، وكانت حسناء ومعها رجلان وشابة تملك مليكة الاستغراب حين رأتها، ، فلم تكن غير كاتبتها صاحبة اليوتيوب، تتعثر في مشيتها دامعة العينين، تشهق بصوت مسموع، وكأن مانزل بها صاعقة داهمتها بلا إعلان.. الكل يصعد سيارة الشرطة مكبل اليدين..

شيعت مليكة حسناء وهي مقيدة اليدين بأسف جعل مدامعها تعمق اثر ما شاهدت، "أنثى بشواهد وخبرة إدارية وراتب ليس بالهين لكن عقل عصفوري صغير "، ومشهد كاتبتها التي لا تدري كيف تم استقطابها والتغرير بها؟ لم تكن تغيب عن مليكة بعض غراميات كاتبتها لكن ان تبلغ هذا الدرك فهذا ماغاب عنها، تمتمت مع نفسها: "الى متى سيظل الانسان عدو نفسه؟ !!.. التفتت حسناء فرات مليكة تشيعها فحولت وجهها الى الجهة الأخرى بنوع من التحدي وكأنها لا تريد أن تظهر ضعيفة أمام مليكة." أتمنى أن افقأ تينك العينين، أو أحرق ذاك الوجه الذي يعلن انتصاره علي " ـ فكرت حسناء ـ.

غادرت سيارة الشرطة الحي، انتبهت مليكة أن زوجها ينتظرها بباب سيارته قلقا خائفا مما شاهد، ركبت بجواره وانطلقا الى دائرة الشرطة..

اكتشف الزوجان ان حسناء تستغل منزلها لأغراض أخرى غير السكن، وبعد أن تسلم الزوج هاتفه قال له رئيس الدائرة:

أنت من كان السبب في اختراق هواتفكما، فقد اتصلت بحسناء وطلبت منها أن تكف عن مضايقتك في باب العمارة وتحت أنظار زوجتك وجيرانك وكأنك توحي لها في توسل بإمكانية القيام بذلك خارج رقابة أهل الحي..

قفز الزوج من مكانه وقال:أعوذ بالله ان كان ذلك قصدي..

طلب منه رئيس الدائرة أن يستكين وقال:

سيدي الكريم !!.. أنا أعرف قصدك النبيل معرفتي بطيبوبتك، لكن قانونا، ، نحن لا نحتكم الا للاقوال والأفعال، انت رجل تتحمل مسؤولية وتعرف هذا جيدا، حسناء أولت غير ما قصدته أنت.. ركز في الزوج النظر ثم تابع حديثه:

وهي لم تكن تنتظر أكثر من هديتك لتمسكك من رقبتك، ولست َالأول بالنسبة لها، اخترقت هاتفك أولا وانت تكلمها ثم بدأت تستغل كل معلومات الهاتف عن طريق مساعدين هواة، هما من وجدا في بيتها مع كاتبة السيدة مليكة وهي لأول مرة تدخل بيت حسناء باغراء من أحد الشابين الذي وعدها بالزواج وهي حديثة علاقة به.. أنت أيها السيد أكبر من أن تعتذر لحسناء ومن هن مثلها، أو تطلب منها الكف عن سلوك هو من طبيعتها، ويجب أن تحمد لزوجتك صرامتها في تعاملها مع الموقف فأنقدتك من ورطة كانت ستأتي على حياتك المهنية والاجتماعية..

في الطريق الى البيت كانت مليكة مشغولة بتورط كاتبتها.. إغراء بزواج يعلم الله صحته من كذبه، معنى هذا لم تكن لها سابقة معرفة بحسناء.. تعرف مليكة ان الكاتبة قد بلغت سن العنوسة ولم تتزوج، لكن أن تخون أمانتها الإدارية فهذا يحتاج الى إعادة تقييم، فليست مليكة من يخونها غربال العقل الذي تنخل به غيرها وبدقة..

كان الزوج يحاول أن يبرر موقفه.. كلما استمر صمت مليكة كلما زاد شرحا وتبريرا، وقلقا، لكنها ظلت ساكتة، مشغولة بأمر كاتبتها وأسرار ادارتها، ثم كانت تتعمد ألا ترد عليه لتحسسه بذنبه، وبأن ما قام به لا يناسب مسؤوليته ومركزه الاجتماعي الا اذا خطر بباله أمر.. هي تعرف طيبته، متأكدة من وفائه، لكنها لم تكن تتصور أن يتلبسه الغباء، فيعتذر لواحدة مثل حسناء وهو يعرف عنها مايعرف.. قالت له قبل أن تغادر سيارته:

ــ انت يا زوجي العزيز في حاجة الى تغيير برمجة أبويك العاطفية في نفسك، أنت في حاجة أكيدة وأكيدة جدا الى برمجة حديثة تزودك بالقوة، تجفف ماضيك السائل فيك، الى حاضر يغير من نظرتك الى الناس، وقراءتك لهم بعقلية والديك.. افكارك يلزم أن تظل تحت سيطرتك أنت ولا أحد غيرك يمكن أن يوجهها ببسمة مزيفة أو مظهر مشبوه.. مثل فرنسي يقول: أن تكون طيبا جدا فمعناه أنك غبي جدا، وموقف رئيس قسم الشرطة من تصرفك يلزم ان تنتظر ما بعده.. أنت حكمت على نفسك برجعيتك الطوباوية ومثلك ماعاد له مكان في إدارة اليوم..

انشغال مليكة بكاتبتها وخوفها على أسرار إدارتها جعلها تتابع التحقيق الذي يجرى مع الكاتبة، ولم ترتح ويهدأ بالها حتى عرفت أن أحد الشابين تعرف على كاتبتها بايعاز من حسناء وأوهمها بالزواج ثم استدعاها لعشاء في بيت حسناء على أساس أنها أخته، ولم يسبق لها أن تعرفت عليها من قبل، والشاب هو الذي أخبرها بالفيديو عبر الهاتف بعد أن قال لها ان مديرتكم لن تأتي هذا المساء..

***

محمد الدرقاوي

سنجلب أرواحكم أيها الغرقى

بأسرار الموسيقى .

لقد قرأنا قصائدكم بصوت النوارس..

ورأينا دموعكم في عيون الأسماك.

سمعنا وصاياكم عبر أزيز الأمواج.

من أجلكم بكينا كثيرا

مثل باخرة عجوز

تودع أرض الوطن .

***

فتحي مهذب - تونس

مضمخة بالبكاء

الى الرمادِ المُتَبقِي من احتراقِ الارواح

جئتُ ابحثُ عن امي

لا عن بقيا امِي

اتحسّسُ عفوية صوتها وهي تناديني

أمي

أيعقل أن يكونوا اطعموك

لتلكَ المطحنة

التي استبدلت الجماجم والأجساد

بذرات الرماد !

أم أن حرائق المشافي

وحدها من تحيل

الاجساد الهشة الى رماد

أمي

لم يَعد بمقدوري

أن أجهشَ بالبكاء

او حتى

أن اذرف الدمع ساخناً

لم يبق منه

فقد جف

جفَ

وأنا اتصفح جراحات العراق

أحاديث الموت

والغياب

أجساد الغرقى الذين لفضهم النهر

أشلاء أخر مفخخة

عويل أمرأة مسنة

على ولدها الوحيد

من حسرَة فاتنةٍ

وهيَ تندبُ حضها لفقد حبيب

عن ذاكرة الوطن

مفجوع

عن جغرافيا الحرمان

الذي وزع على خارطة الوطن

من كذبة اسمها بريمر*

وواقع متردي حد النخاع

أمي

أسف لم يعد بوسعي

ان الفك بسجادة صلاة

***

كامل فرحان حسوني - العراق

1- الجمال

الجمال ليس روحيا..

هو سحر الروح، حين يثرى في براءة الوجد..

كينونة عطشانة،

ترقط بأظافر الارتواء..

**

2- مجرة الحب

ككُنْه القلب،

إذ ينثر شآبيبه على فتن الحياة

فيسمو،

وقد طَلَاهُ بالورد حدو العشق..

**

3- قطاف

تسعد الصباحات بأمداء الوصل،

وترقى بشواطئه ابهاء الهِجْران

وكل الأصدقاء،

يسمعون قصيدتي الرومانسية..

وهم يهدهدون قوافيهم صوب الغروب..

تَرَجَّحُوا..

واقتعدوا ينظرون إلى السعادة..

**

4- الحرية

كأنها هي، استعارة مخفية..

أو حديقة بلاغة..

أو وطن يشملنا،

دون أن ينسى قضيته الأم ..

أيتها الحرية، لا وقت للعبور

**

5- سقوة

من تَجْوِيفة ماء،

يقطر على صخرة عظيمة..

قالت الخطرة:

هذا أزيز العشق،

أرني نَيْر الاشتعال!

وثب الصمت  وردَّ:

هناك، حيث الشمس نظير القمر..

والجمال،

وشم خال على فرس لعوب..

***

مالكة العلوي - شاعرة وإعلامية من المغرب

ضجيج

يتعالى

ليُغيّب صرخات استغاثتها

أنفاس

أرهقتها إنحناءة تخبئ

مكنوناتها

عن عبث المارقين

*

أُمّلت

لتضيع السنين

وتُلتهم عقود أحلامها الندية

والمثقلة

بإنحناءة

تحتضن بين خافقيها

حلمها الأمل

*

تأبى عيناها إلّا ابتسامة

كلما

رمقت بطرفها

تلك الانحناءة

لتنطلق بعدها

تمتمة شفتيها

مرددة

ثمّة أمل!

***

ابتسام الحاج زكي/ العراق

وقصص أخرى قصيرة جدّا

رغبة حمراء

اللّيل يبلغ الهزيع... وكعادتي أسبح وحيدا في الفضاء الأزرق... فجأة ظهرت على الشّاشة نافذة حمراء صغيرة... أطفأتها... تردّد صوت لا أدري مصدره:

"هل تحبّ...؟"

وعادت النّافذة الحمراء تتألّق بشدّة وصوت مجهول: "تحبّ الدّم؟"

تراجعت إلى الوراء فزعا لكنّني وجدتني مشدودا إلى المقعد... وشعرت بجسدي يشتعل وفي زاوية بعيدة من أعماقي كانت رغبة في القتل تكبر سريعا...

**

دمية في بيتي

لا أدري من قذفها في بيتي... رميتها في حاوية الزّبالة وتأكّدت من أنّها حُملت الى المصبّ... ومع ذلك تفاجأت بوجودها في السّرداب. خُيّل إليّ أنّ نظراتها ازدادت حدّة وأنّ شعر اللّحية والشّارب أخذ بالنموّ... لم أنفر من شيء كما نفرت منها...

لكن لسبب غامض ما زلت أعثر عليها في سردابي رغم محاولات التخلّص منها... كلّ مرّة تزداد طولا، وتزداد لحيتها شُعثًا، ونظراتها حِدّة، ورايَتها سوادًا على سوادها...

**

نوبيرا*

كعادتنا لا بدّ أن نجتاز الجبل حتّى نبلغ القرية من أقرب سبيل... مساء ذلك اليوم كان باردا وغائما وأحيانا كانت السّماء ترشح قليلا... عندما بلغت السّفح وأطرافي تكاد تتجمّد فوجئت بيد بضّة تمتدّ إلي.. جذبتني بقوّة. وقبل أن أستوي واقفا كانت نظراتي تستقرّ على وجه أملس مخيف...

حين بلغت القرية لم أدر لماذا يفرّ النّاس لمرآي... حتّى أهلي فرّوا من أمامي... نظرت في المرآة فوجدت وجهي أملسَ بلا ملامح...

**

Matsue**

ثمّة سرّ غامض يكتنف تلك القلعة وأكنافها. عندما اقتربت منها شعرت برغبة ملحّة في الرّقص... وشيئا فشيئا فقدتُ السيطرة على جسدي فتلاحقت أنفاسي وأدركني التّعب ولم أستطع التوقّف...

حين سقطت مغشيا عليّ وابتلعني سديم بعيد، رأيتها في صورة لم أر أجمل منها رغم أمارات الرّعب الجامدة على وجهها... جسّت عظامي عظما عظما... سمعتها تهمس:

أنا ساكنة القلعة... اخترتكِ رفيقة جديدة!

***

حسن سالمي

....................

* نوبيرا: كائن أسطوري في الثقافة اليابانيّة.

** Matsue: مدينة تقع بمحافظة شيماني اليابانية يعتقد أنّ بها قلعة مبنية بعظام البشر وتقول الأسطورة بأنّها مسكونة بروح راقصة جميلة. قُتِلت غيلة لتكون عظامها لبِنَاتُ بِناءٍ في تلك القلعة.

رُويَ أنَّ أحدَ رجالاتِ الدولةِ الكبارِ، منَ الراحلينَ، قالَ يوماً: "انتهى زمنُ الثورات وجيفارا لم يكنْ ذا صواب أبداً...!!!

وقالَ جيفارا: "لا تحزني، يا أمي، إنْ مُتُّ في غضِّ الشبابِ غداً، سأحرِّضُ أهلَ القبورِ، وأجعلُها ثورةً تحتَ التراب."

***

عبد الستار نورعلي

(أحبُّك يا أرنستو!)

شيخٌ مثلي يحلمُ بالثورةِ دائمةً

في كونٍ تاهَ

بين محيطاتِ الظلمةِ، بينَ الحربِ

وضبابِ الرؤيةِ

ليسَ غريباً أنْ يعشقَ لوحةَ أرنستو تشي جيفارا،

كي تسريَ في أنهار القلبِ ووديان العين،

تلك الأحلامُ الورديةُ في زمن الكلماتِ الكبرى

وأساطيرِ اليوتوبيا البشرية.

*

الذاكرةُ:

المرآةُ المصقولةُ، والملأى بالصورِ وبالألوانِ

تتقاطعُ في نزعاتِ الغيثِ

يُـمطرُ بالزهرِ وبالشمعِ

بحماماتِ فضاءِ الأصداء.

*

يا أرنستو،

تلك القممُ الشاهقةُ

بين سماواتِ جبالِ الأنديز

تعشقُ فيكَ سيجارةَ هافانا

ولباسَ الگوريلا

والأقسام.

*

يا ذا الأيامِ نداولُها بينَ بيوتِ القصبِ

والغاباتِ المكتضَّةِ في أحضانِ الأمزون

وبينَ كهوفِ (تورا بورا)،

هذي أزقةُ سانتياغو الحافيةُ

مازالتْ تعشقُ مملكةَ الحبّ السحريةِ

في أشعار بابلو نيرودا

وقصائد عيون ألزا

ومراجل سلفادور الليندي

ذاك الشيخ الصامدِ في قلعتهِ حتى الموت؛

من أجل عيونِ (سانتياگو)

*

العشقُ سؤالٌ مطروحٌ فوق بساط الكون

من ايام التفاحةِ والفردوس المفقودِ

حيّرَ أصداءَ رسالاتٍ زحفتْ

ورسالاتٍ ذُبِـحَت

ورسالاتٍ تخبو

ورسالاتٍ تحبو

*

كمْ مِـنْ معشوقٍ قتلَ العاشقَ في اللعبةِ

كم منْ نبتٍ جفّ على دربِ الأشواق المُحرقةِ

كم منْ قلمٍ قد ذابَ على رَجْعِ القلبِ

كم منْ فقراء

هامُوا في رائحةِ الخبزِ

فاحترقوا

في تيزابِ أولي الأمر .

*

العشقُ ضياءٌ مرسومٌ في روح الأرض

حيّر أمراءَ الحرفِ وصنّاعَ الكلماتِ

والثوراتِ

وأصحابَ دهاليز الموتْ

*

يا أرنستو،

لو عادتْ خيلُ الوديان تقاومُ عاصفةَ البحر الهائج

لو أنَّ سنابلَ أرض الفقراء

وبنادقَـهم

أحلامَ الليل وأنفاسَ الجدران الصدئةِ

تقفز من فوق الغاباتِ، والأنهارِ، والصحراء

لاعتدْنا للكافر بنصاعةِ عينيكَ سعيرا.

*

ليسَ بيدي، يا أرنستو،

أو بيدِ الزمن الغافي

في تعليلاتِ الحرس الأقدمِ، والأجددِ

والقادم فوق حصانٍ مِنْ خشبٍ

أو تحليلاتٍ منْ خبراء الزمن الخائبِ

أن يُحصَرَ وجهُـك في شقّ الذاكرة،،

في أسوار الكتبِ

في متحفِ تاريخٍ ذاب.

*

العشقُ سؤالٌ

صدّعَ رؤوسَ حكماءِ الأحلام

صدّعَني:

لِمَ هذا الإنسان يُـحِبّ؟

لِمَ يحترقُ بنار الشوقِ؟

لمَ يأسرُهُ وجهُ المعشوقِ؟

لمَ كلُّ جراحات التوقِ؟

مَـنْ ذا يحظى برنين القلبِ  ووخز الشوقِ؟

مَـنْ هذا الحائزُ جائزةَ الطوقِ؟

*

منْ غيرُك أجدى، جيفارا؟!

*

مازالَ الحلمَ الأبهى والأقدمَ

في طيفِ الليل وهمسِ الفجرِ

ونبضِ الحرفِ

حلمُ جبالِ سيرا مايسترو

وخارطةِ الألفِ ميل.

*

مَنْ يقدرُ أنْ يختطفَ

مِنِ حَدَقاتِ الأيام ومِنْ قلبي

صورةَ أرنستو

تشي جيفارا؟

***

عبد الستار نورعلي

الخميس 14- 10 - 2004

(مقطع من قصيدة)

أيها الوطن المليء بالأوبئة والجنود والأضرحة

لماذا أبناؤكَ يهرمون في مهودهم؟

ونساؤكَ يوشكن على الإضمحلال في محرقة الحسرات؟

لماذا شمسُكَ محنية الظهر؟

وسماؤكَ تتيبّس

وتتساقط في كلّ المواسم؟

لقد بكينا كثيراً

حتى ظنّ جيراننا

أن بطوننا قِرابٌ مثقوبة

نمشي من دون وجهةٍ

ونطمحُ بغيوم نمتطيها

ونعلفها

وعندما ننامُ نربطها بأرجل السرير

**

أيها الوطن الذي ألبسناهُ ما تهرّأ من سراويلنا

كان علينا أن نعلمكَ التقبيل بالأصابع

ولا نترك أصابعكَ للصوص

يتخذونَ منها مفاتيحَ لخزائن مستقبلنا

***

شعر: ليث الصندوق

عندي من الهمِّ ما يعيا به الجبلُ

همٌّ وهمٌّ وما عُدَّتْ به العِلَلُ

*

عندي من الهمِّ ما ناختْ بمحملهِ

أقوى البغال وما يحنى به الجملُ

*

عندي من الهمِّ آهاتٌ إذا اشتعلتْ

تغلي البحار وما بالغيم ينهطلُ

*

عندي من الهمِّ أوجاعٌ مبرِّحةٌ

لو وزّعَ ﷲُ يُفنى الآنُ والأُوَلُ

*

عندي من الهمِّ لا التَّنور يبلغُهُ

ولا البراكينُ في الثَّورات تحتملُ

*

عندي من الهمِّ لا همُّ يطاولُهُ

في عمق قلبي مدى الأيام يشتعلُ

*

عندي من الهمِّ ما حاولتُ أُبْعِدُهُ

يدنو إليَّ ، وبالإصرار يعتملُ

*

عندي من الهمِّ لا التاريخ دوّنَهُ

الأنبياءُ ورُسْلُ ﷲ ما وصلوا..

*

له إلى اليوم.. شاءَ الغيبُ يرسلُهُ

نحوي وما زغتُ.. لم يفتكْ بيَ الزَّللُ

*

باقٍ مع ﷲ لم أشركْ إذا ضغطتْ

نفسي الهمومُ.. على الرحمن أتَّكِلُ!

**

رعد الدخيلي - العراق

لأول مرة يستحضر ذكرى زواجهما في ظل انشغاله بشخصيات قصصه التي تسكنه حد التلف والنسيان.. ولج باب السوق الكبير الذي يطل على حديقة الشلال التي تذكره بأجمل الأيام التي قضاها تحت أشجارها الوارفة ونسيمها العليل رفقة شيماء التي تعرف عليها في سيارة الأجرة أيام كان طالبا بكلية الآداب بمارتيل قبل أن يعقد قرانه عليها عندما صار موظفا... اختار بنفسه تشكيلة من الورود والزهور الطبيعية المختلفة ألوانها ثم أخذها من البائع العجوز الذي لفها بإتقان في ورق السلوفان وغادر السوق بخطى خفيفة والسعادة تغمره من كل الجهات بعد أن سلم للعجوز ثمنها وترك له الباقي قاصدا قيسارية الملاح لبيع الحلي والمجوهرات... خيره صاحب المحل وكان شابا أنيقا في كل شيء في لغته وهندامه وسلوكه بين مجموعة من السلاسل الذهبية الرقيقة فاختار منها واحدة مرصعة بالأحجار الكريمة وكانت الأجمل في كل شيء في الخفة ودقة الإتقان واللمعان... لم يفاوض الزوج البائع الشاب في الثمن وهكذا عد الأوراق النقدية الزرقاء بسخاء فوق زجاج الكنطوار وأخفى العلبة الصغيرة والوصل كساحر في جيب معطفه الرمادي ليكمل المشوار من جديد تحت ظلال ذكريات الماضي الجميل مع شيماء والذي شهدت عليه كل حدائق تطوان من الشلال حتى رياض العشاق ... في طريق عودته لشقته وهو يمر بشارع محمد الخامس حيث تكثر المقاهي والمحلات والمطاعم اشترى بعض الحلويات وما لذ من الفواكه والمشروبات وبيتزا بالجبن التي تحبها زوجته وبعد أن تأكد بأن كل شيء على ما يرام وبأنه لم ينس شيئا يليق بالمناسبة صعد سلم العمارة بخفة الأطفال وهو يترنم بمقطوعة عبدالحليم حافظ جانا الهوى جانا... فتح باب شقته بهدوء، وهو يرسم بمخيلته وقع المفاجأة على ملامح زوجته شيماء، لا شك سوف تطير من الفرح وهي تفتح  ذراعيها على اتساعهما وتحتضنه بحب ورضى قائلة:" وأخيرا تذكرت يا عزيزي ذكرى زواجنا بعد عشرين سنة من النسيان ". وبمجرد أن فتح الباب وقبل أن ينادي عليها وجدها واقفة كتمثال الحرية تنتظره على أحر من الجمر والشرر يتطاير من عينيها... لم يتذكر بعدها غير الصراخ والجلبة وكلمات قالتهم بصوت عال ويداها ترتعش وصوت زجاج المزهرية وهو ينكسر بقوة على رأسه وعلى رخام مدخل الشقة "تخونني مع هيام يا عباس تخونني على آخر الأيام" وبعدها تحسس سخونة الدماء وهي تتدفق على وجهه وعنقه كالشلال ثم سقط مضرجا في دمائه بعد صرخة قوية صدرت منه ووصلت إلى شقق الجيران وفي رأسه تتكرر بقوة كلمة تخونني ..تخونني ياعباس ..هيام ياعباس" إلى أن غاب كليا عن الوعي ... بصعوبة فتح عينيه بعد غيبوبة دامت يومين ولولا الجيران الذين حملوه على وجه السرعة إلى المستشفى بعد سماع صرخته المدوية وانكسار الزجاج والجلبة التي أحدثتها الزوجة بتكسيرها لكل ما وقعت عليها يدها من تحف، وتدخل الأطباء في حينه، والعناية الربانية لكان عباس الآن في الثلاجة ينتظر ترخيص دفنه ..وعندما سألت الشرطة الزوجة عن الدافع وراء محاولة قتل زوجها بكل هذه القسوة والعنف صرحت وهي مازالت تغلي كالبركان بأنها اكتشفت خيانته لها مع معجبة بكتاباته اسمها هيام وأخرجت لهم من حقيبتها الحجة الدامغة وكانت عبارة عن ورقة بيضاء مكتوب عليها قصته التي عنونها بهيام، والمنشورة على العديد من المواقع الإلكترونية وكان العنوان على اسم بطلة القصة التي ليس بينها وبين الواقع إلا الصدفة إن هي وجدت، ومن بين من قرأ القصة صديقتها الوفية ليلى التي لم تكتف بنقل الخبر إليها بل عملت على طبع القصة كدليل على خيانة الزوج و صدق كلامها، وهكذا تركت الزوجة العمل باكرا وعفاريت الدنيا تتملكها، وذهبت لتنتظر عودة زوجها لتحفتل معه بمناسبة ذكرى زواجهما وتكمل الحفلة في ضيافة الشرطة التي أكدت لها أثناء التحقيق بأن حجتها واهية لأن هيام بطلة من خيال وليست حقيقة ولا صلة لها بالواقع والجريمة، وأنها لم تجدها معه لا في البيت ولا في غرفة فندق ولا في موقف شبهة، كما أن الورقة قصة وليست عقد زواج ولا هي رسالة غرامية... الزوجة وهي التي غادرت المدرسة مبكرا ولم تحصل منها على الشهادة الابتدائية بسبب التنورة القصيرة التي اشترتها لها أمها يوم العيد وضربها المعلم بسببها بعود السفرجل أمام التلاميذ لأنها تجاوزت حدود الحشمة .. واكتفت في حياتها بتسيير محلات أخيها لبيع الملابس والإكسسوارات ...تقول للشرطة محتجة أعرف أنها قصة لكن أنتم لا تعرفون بأن زوجي عباس قال لي ذات مرة ونحن على مائدة العشاء :"القصة يا شيماء فيها شيء من الواقع وشيء من الخيال" وبذلك فهيام هي الواقع والباقي خيال وزوجي كاتب وأنا اعرفه أكثر منكم فهو صادق في كل ما يقول وما يفعل ... فعم الصمت غرفة التحقيق ونظر الضباط بعضهم إلى بعض في استغراب وحيرة من أمرهم وكأنهم يقولون في سرهم ما العمل الآن؟ كيف نقنع هذه الزوجة الغيورة بأن هيام شخصية من خيال زوجها الكاتب وليست امرأة حقيقية من دم ولحم ؟ .. الزوج المسكين الملقى على سرير المستشفى وحيدا وآثار الدم ما زالت بادية على جبينه كلما فتح عينيه بصعوبة إلا ويجول ببصره في أرجاء الغرفة متوجسا خائفا من وجود زوجته وفي عقله يتكرر سؤال واحد لماذا حاولت قتلي بعد عشرين سنة من العشرة؟ !.. ليغيب من جديد عن الوجود تحت قوة الضربة والألم.

***

قصة قصيرة

عبد الرزاق اسطيطو

.......................

ملاحظة: أي تشابه أو تطابق بين أسماء شخصيات القصة وأسماء الأشخاص  في الواقع هو من قبيل الصدفة لا من قبيل الواقع.

شعرتُ فجأة إني عارية تماماً وجميع الجالسين في الكافيتيريا التي لجأت إليها بعد تجوال طويل يحدِقون بثنايا جسدي، وانا شاردة النظرات هنا وهناك، أتفحص ملامح الوجه الذي أطل عليّ من مرآة الكوافير بعد قص شعر رأسي حتى الكتفين وصبغه باللون البني الفاتح، ووضع المكياج الساطع تحت وهج الـ “سبوت لايت”، مرتدية فستان لم أنزعه عني بعد قياسه في غرفة المرايا المتفابلة الصغيرة، ووضع الحجاب الحريري وثيابي الفضفاضة في كيس رميته في أقرب سلة قمامة، الفستان الجديد زاهي الألوان، يكشف عن جزء من صدري، يبرز خصري وينحسر عند ركبتيّ المستديرتين، كما لو أني لم أغادر المرحلة الثانوية، أو أنني أكتشف أنوثتي مجدداً في أعين الرجال، متحدية إثارة كل نساء المدينة، رغم ما يظهرنّ من فتنة مستغربة ما كنت أرتدي، استغراب لا تتمكن النظرات المتطفلة من مواراته تحت حجب مراعاة الحرية الشخصية في بلاد الحريات.

ها قد أصبحت مثلهنّ الآن، من الخارج على الأقل، لا يربكني أي تمييز ولا ينتفض الخوف في صدري من أن أساق إلى التحقيق مرة أخرى، مع أن الأمر ليس بهذه البساطة، فلربما وجدوا فيه تمويهاً يثير الانتباه أكثر بدلَ  استبعادنا عن دائرة الشبهات، خاصة وأني وهاشم ـ زوجي ـ كنا من الأصدقاء المقربين لحسن.3582 احمد غانم

الغريب أنه لم يكن يبدو عليه أي شيء، لا من خلال تصرف أو كلام أو تلميح حتى، بعيدأ كل البعد عن ذلك الإرهابي متسَيد شاشات الفضائيات، حسن الذي يهم بالمساعدة دون سؤال، يقرض أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً، غير مكترث يسداد الدين، بل ربما ينزعج ويحنق كالأطفال، كأنه يريد التخلص من النقود بأية طريقة، نقود لا يظهر تأثيرها على مستوى معيشته، كما لا يحتار في ذكر مصادرها، فهو هنا منذ عقود ودائم التنقل من بلد إلى آخر، وغير أمر النقود يستطيع تدبر فرص عمل مناسبة، غالباً ما تكون صعبة المنال، عبر اتصالاته الهاتفية، فعل ذلك مع هاشم قبل عدة سنوات، عندما أوجد له عملاً في شركة أكبر من الشركة التي استغنت عنه ضمن عدد من الموظفين كي تحافظ على كيانها من الانهيار.

حسن انتحاري! وعلاقاته النسائية المتعددة، وإسرافه في شرب الخمر الذي كنا نلومه عليه، من أجل صحته على الأقل، تطرفه (السري) كان يحلل له كل هذا، أم أنه تحول إلى شخصية أخرى، في غفلة منا جميعاً، لسببٍ لا ولن يدرك سره إلا الله، مات ومعه غموضه وتركنا في حيرة التساؤلات ودهشتها، نُبذنا معه عن دنيا خيمَت علينا طمأنينتها إثر عناء بحث عن مستقر نبدأ فيه من جديد، وعلى ما يبدو ليس لبداياتنا من انتهاء، كما ليس لتنكرنا من انتهاء.

أكان في حجابي أيضاً بعض التنكر، أو بالأحرى تقمص شخصية انتزعها مني ذلك الانفجار المفزع للجميع!

لكنني ارتديته عن اقتناع كامل وأنا في الكلية، ربما بتأثر من بعض زميلاتي وصديقاتي في بادئ الأمر، إلا أني تشبثت به أكثر لدى قدومنا إلى هنا، وإن كان سبب حرماني من عدة وظائف تقدمت لأجلها، رغم حاجتنا إلى كل مصدر دخل، خاصة في الفترة الأولى لغربتنا، هاشم من جهته لم يود التدخل في هذا الشأن، محترماً حرية اختياراتي منذ بدء علاقتنا، مع أنه أخبرني أكثر من مرة عن عدم اقتناعه بجدوى حصانة الحجاب للمرأة، اغتظت من رأيه لحين، لكني في النهاية وجدته اختلافاً من اختلافات وجهات النظر بيننا، لن تتسبب بأي صدع في قوة حبنا ومستقبل زواجنا، وهذا ما حدث بالفعل.

بهتَ وجهه لدى رؤيتي في هيئتي الجديدة، ولم يعلِق بكلمة، متفهماً سبب قراري المفاجئ، يستقرئ ما بداخلي عبر نظرات كانت دوماً أبلغ من أي كلام أو نقاش، وفي هذه المرة أراد كلانا اختزال الكثير في صمتٍ متوتر، مضطرب من مجريات الأحدات وتداعياتها علينا، ويكفي ما أخبرني به عن تخوفه من قرار فصله، فقط لأن صديقنا الانتحاري كان سبباً في توظيفه، رغم إثبات كفاءته في العمل، وعن ما يثيره من نظرات متشككة، توَجس التعامل معه من قبَل زملائه الذين توطدت علاقته ببعضهم إلى درجة الصداقة، والصداقة الحميمة أيضاً؛ أما أنا فقد تهت وسط الطريق، مرفوضة من صديقاتي المحجبات والملتزمات بإقامة شعائر وفروض الله في أي مكان ومهما كانت الظروف والتحديات، بتعصب لم أفطن إليه فيهنّ سابقاً، وكذلك صديقات أخريات كنّ مقربات جداً بالنسبة إليَ، رغم كل اختلافاتنا، أخذنّ بالابتعاد عني شيئاً فشيئاً وبحجج واهية مختلفة، اختلقتها المخاوف من كل ما قد يصدر عنا، نحن الأغراب، وإن لم يبدُ من تصرفاتنا ما يدعو لمجرد وهم الشك، والأهم من كل هذا ما صار يواجهه أبنائي في مدارسهم ويعود بهم إلى البيت ساخطين وناقمين، وحتى كافرين بكل شيء، بكل ما حاولت ووالدهم تربيتهم عليه منذ بدء وعيم في سوح بلادٍ أبحرنا نحوها قبل ولادتهم، محتفظين بوطننا الأصلي، وبأقصى ما نستطيع من تفاصيل، بين جدران كل شقة ودار صغيرة احتوتنا.

الآن فوضى الوطن أعلنت عن صخبها هنا أيضاً، ما بين صراخ وشجارٍ ونقمة على حصار لا نعرف وسيلة للفكاك منه، وإلى أين هذه المرة؟

صرت أنزوي في غرفة النوم، يصلني ضجيج الأولاد، يشاركني بكائي الطويل، وينتابني ذات الخواء الذي كان يدركني في نوبات مفاجئة وحادة من الاكتئاب، حسن كان الأقدر على تخفيفه، حتى من هاشم الذي صار سريع النفور من حالات ضعفي فيما يواصل البحث عن سبل استقرارنا في بلدٍ غريب يطل على بحر الشمال الشاسع كما لو أنه يفصله عن الدنيا، دنيانا القديمة تحديداً، لباقة ذلك الصديق الضحوك التي تبدو غير عابئة بشيء في معظم الأحيان، ومهما جثمت الهموم فوق الصدور، كانت قادرة على وهب الطاقة الإيجابية لكل من حوله وببساطة مريحة تسري في القلوب، تلقي في نبضاتها طمأنينة مستقبل رحب الآفاق، كيف كان يمكن أن يرسو بعقل أن يكون هو ذاته مبعث كل مخاوفنا واضطرابنا ووعيد اتهام قد يستمر في ملاحقتنا حتى في الأحلام التي أفر منها منتفضة، ومسامي تنزف العرق البارد، يتسرب إليّ من لفح صقيع الصبح الضبابي في الخارج، ابتلعَ أحجبة متنوعة ومتداخلة الألوان، رحت أرقب اختفاءها واحدة تلو الأخرى من النافذة يوم انتقالنا إلى مدينة نائية، وجد هاشم عملاً فيها بامتيازات تؤهلنا للبدء من جديد، ولو عند أطراف الحدود.

***

أحمد غانم عبد الجليل - كاتب عراقي

5ـ 8ـ 2019 عمّان

..........................

* من مجموعة "نساء من بلاد الشرق" القصصية ـ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

نَبتت بروحي عُشبةٌ

ورَبت على صدرِ السنينِ

تسابقتْ مني الخطى

غُصصًا تُبعثرُ ماءَها

وترُشَني

جمرًا على دربِ الأنينِ

اني اتيتُكِ طائِعًا

فضَمَمْتِني

افقًا على نهرِ الحنينِ

مَسَحتِ لي شَفتَيَّ خِصبًا

للتفرّدِ في حدائِقِكِ الجميلةِ كلّها

لا تعجبي!

فالشوقُ يتبَعني اليكِ

مُعلِّقًا بِلّورَ غِبطتِهِ

رَفيفًا من دَمي

فلَعلّهُ

بِطيوبِ ضوعَكِ

ان يُعطِّرَهُ القمرْ

اني جَمعتُكِ كالندى

فَتَخَضلَّتْ

حُلْماتِ رِيقِ شَفاهِنا

بِأهلَّةِ النبضِ المطهَّرِ بالرِضا

نجوىً فنجوى

كالنبوءةِ أينعتْ

جذلى على الغُصنِ الزكِيِّ

فراشةً

وتلألأتْ

عَذِبًا على فَمِكِ القُبلْ

***

طارق الحلفي

مازلنا على قيد الفقد

أمك

تصعد يوميا إلى غرفتك

تنفق ما ادخرته من دموع

وشموع

تعطر سريرك بعبق الامومة

تصطحب حفيدتها

التي ما انفكت ان  تسأل:

اين هو الان؟

تطرق باكية

بعيد...

وراء الشمس

تغلق الباب

وتترك قلبها

على سريره البارد

*

بالأمس

رايتها تفتح خزانة ملابسه

ترفع قميصه

عاليا

تضعه على عينيها

لعل عبيره

يعود إليها

*

انا...

ما زلت أقرا واكتب

اختار قصيدة لابن الرومي

في رثاء ابنه

اذهب الى المسجد

ثم اعود لاجدك تنتظرني

*

اين ما اكون

يحاصرني ظلك

*

اين ما اكون

يتسلل  صوتك

فاغدو حائرا

كمن فقد ظله

*

قد تراني اضحك

فثمة جرح غائر

لا يغادرني

*

حين اقف امامك

اشعر بأني ميت

وانت الحي

الذي لاينفك عن الحياة

*

عشرون وثلاث

لا تكفي

لإيقاد شمعة

عشرون وثلاث

انطوت في غضون دمعة

*

كيف لي ان اراك

وبيننا

سبيل طويل

كيف لي ان اراك

والمقبرة ليل مطبق

وبكاء ثكلى وعويل

*

لابد لي من سبيل

فأنا وامك

ننام على وجوهنا

لعلنا نبصر الدليل

*

ها انا اعود

مثل كل مرة

يلاحقني ظلك

*

هذا الظل الذي يلاحقني

ما زال يذكرني

كلما نسيت

ولد  ظل آخر

***

د. جاسم الخالدي

أيتها المرأة

يا ولّادة الرّجال

*

يا صهبّاء المجد

يا صانعة الأجيال

*

إنزعي عنك الكمامة والعمامة

و اصرخي في وجه كلّ مدّع دجّال

*

فأنتِ آثينا هوميروس الإغريق

زارعة الزّيتون  زهرة اليونان

*

و أنت زانوبيا تَدْمُرْ

هازمة الرّوم

قاهرة أورليان

*

و أنت كاهنة الجبال ديهيا

بنت تابنة بنت نيفان

موحّدة القبائل

مطوّعة كتائب الفرسان

*

قاهرة الرومان والنعمان

محرّرة الأوراس

معزّة الاوطان

*

كيف دجّنوك وطوّعوك

بتعاويذ الخرافة

وشعاويذ البخور والدّخان

*

من استهان بعقلك

من زوّر التاريخ

وحقّر فيك الأصل والإنسان؟

*

من ادّعى فيك الحماقة

ونقص العقل والدّين،

والغفلة وتوارث النسيان؟

*

من شرّع بعد مجدك

قوانين الضّرّ والذّلّ

وتقنّع البهتان؟؟

*

من كاد لكِ من تنكّر

من تدبّر تلجيمك

من تعمّد تكميمك؟؟

*

إن همُ إلاّ خونةٌ

لثوابت الإنسان

*

فلولا المرأة

أيتها المرأة

لما كان الإنسان

*

(حتّى اسألي منذ ألف ومئتيْ عام

عن ملاحم الجاحظ ابن عثمان)

*

فلا تركني

لا تركعي

ولا تخنعي

لا تخضعي لزوايا

الحريم والسّلطان !!

*

فالثّروة أنت

وأنتِ الأصل

وأنت آمال الأجيال .

***

زهرة الحوّاشي من تونس

أحس أن الأشياء تتحول بشكل غريب من القوة إلى الضعف من الرقة إلى الحنين كأنها تخبر الغائبين عنا بلا كلمات....

أحس بأن تدفق الحبر بعد الهطول الأخير في الليلة الماضية لايزال نشطاً وكأن الإنقطاع الأخير أحدث موجة جارفة للمخزون المتراكم للمشاعر المبهمة..

لا أعرف حقاً ما هذا الذي أكتبه وإلى أين أسير وأنا أجر قلمي خلفي حتى أصبح تداخل صوت خطواتي مع صوت صرير القلم على طرقات الورق...

لست متعبة من الوقوف هنا طويلاً تحت ظل الوقت المنصهر بحرارة شمس حزيران وإنما تعبي من الفراغ الذي أصبح يتسع في داخلي بعد كل الصدمات التي صادفتها....

نادراً وأنا أكتب أبحث عن المعنى الحقيقي لما هو متأصل في النفس لما هو واضح دون الحاجة إلى التأويلات ولا التفسيرات المشتتة للمعنى...

قال لي: ذات يوم عندما تكتبين حاولي أن تصوبي كتاباتك للشمس للضوء.. وقلت في نفسي كيف لي بأن أحول غزارة كلماتي إلى ركود في بركة أو أعرضها إلى ضربة ظل وأجعل منها سراب بلا أثر؟..

الخريف الذي لا يشبه ملامحي في الحقيقة هو نصفه  يستوطن نبضي ويعبث بحواسيب ذاكرتي ويرتشف البقية المتبقية من حلمي...

***

مريم الشكيلية /  سلطنة عُمان...

أكابـــــدُ مــــا أكابدُ مِـــن حنينــــي

ومنْ غــــدرِ الصحــــابةِ والسنيــنِ

*

بعثـــــتُ قصـــيدةً فلتقرأيـــــــــها

ولــي فيـــها رجـــاءٌ .. أسعفينــي

*

ففـــــي أبياتـــها أودعــــتُ قلبــي

ومــــا فيــهِ مـــن الشوقِ الدفيـــنِ

*

إذا يومـاً قصــدتِ البحْـــــرَغنّــي

لــهُ مِنْ بعــضِ شعري واذكريني

*

هنـــــالكَ فـــي مكــانٍ حيثُ كُنّـا

نفئ ُ إليـــهِ مِن حيـــنٍ لحيـــــــنِ

*

على الرمـلِ اكتبــي حرفينِ طافا

زمـاناً فــي البحــارِ مــعَ السفيـنِ

*

بوجــدٍ ســامرا النجمـــات ليــلاً

فمـا أحلـى التسامرَ في السكونِ

*

هما اسمي وهْـوَ مُختصرٌ بجيمٍ

واسمـكِ وهْــوَ مُختصَــرٌ بنونِ(1)

*

ومـا كُنّـــا بجــنٍّ .. نحنُ أنسٌ

بلغنا فــي الهوى حــدَّ الجنونِ

*

وعودي أغمضي عينيكِ طوفي

بدنيــــــا الحالميـنَ بلا عيـونِ

*

تحسّـــي أنّ جنبــكِ دونَ شــكٍّ

حضوراً لِيْ وإنْ لمْ تبصريني

*

ويصحو فيكِ شوقٌ نحْوَ ماضٍ

كشوقِ فراشــــةٍ للياسميـــــنِ

***

.......................

* كتبت القصيدة في الثاني عشر من آب للعام 2023

(1) للضروة الشعرية استبدلت همزة الوصل في كلمة(اسمك) في عجز البيت بهمزة قطع

 

 

في نصوص اليوم