يعود ابراهيم الى القرية ككل مساء سبت متأخرا من الثانوية حيث يقضي ساعتين في المراجعة الإضافية مع أستاذ الرياضيات..
نياحة في البيت تفاجئه، عويل، صياح، ولطمات على الخدود والصدور !!..
ضاقت نفس إبراهيم وارتعبت..مَن الميت؟ !!..
وقف وسط البيت مشدوها لا يعرف ما حوله!!
أمه أمامه، تكتفي بدموعها المتسربلة في صمت،والنائحات بعيدا عنها، يناوحنها في غرفة تقابلها، تعلو شهقاتهن ولهن يرتفع لغط وأنين...
والده في غرفة ثانية مع ثلة من الرجال، قلة منهم من عرف، أكثرهم بين محوقل ومشدوه، يتبادلون نظرات الحسرة والحزن وآهات التلهف، رجلان تفردا عن الحضور بسمع ونظر وانشغلا في حديث حماسي حول العروبة والجهاد والدعاء على الأعداء..
قصد إبراهيم والده، عانقه مكتفيا برفع يده تحية سلام للآخرين..
ـ عمك عمران قد مات في باخرة أثناء عودته..
قالها الأب وقد بادرته دموعه بحشرجة خانقة..
ـ الله أكبر !!..هل كان مريضا؟..
تصدر أحد الحضور برد، حسبه إبراهيم ناعي الخبر:
ـ لم يكن يشكو أي شيء، كان من ضمن من قتلوا بعد هجوم لقراصنة يمنيين على باخرة إسرائلية..
يعانق إبراهيم أباه في إشفاق وتعاطف كبير..
يدرك تعلق أبيه بعمه، يكاد يكون توأمه، ازدادا معا في عام واحد.. خيره على اسرة إبراهيم بلاحد..
استطاع عم إبراهيم أن يشق طريقه في عالم المال والأعمال،بعد دراسات عليا معمقة، عكس والد إبراهيم الذي لم ينل غير حظ قليل من تعليم كما بلغه العم الذي كان نبوغه يتبدى من صباه، حتى مراحله الدراسية حركها بالقفز على أكثر من مستوى..نال البكالوريا ورحل الى إسرائيل بتحريض من جدة إبراهيم ذات الأصول اليهودية التي كانت ترى ابنها عمران النابغة الذي يقتفي خطو أخواله متعلقا بالدراسة والعلم، واستطاع أن يجمع بين الدراسة والتجارة في كل شيء، عزيمة، مكنته من تحقيق طموحه في ما يريد الوصول اليه بتشجيع من أمه..
عكس أخيه البكر الذي كان ميالا لحرفة أبيه وأعمامه، تشبثٌ بالأرض قناعة ورضا بلا طموح. مات جد إبراهيم وبكره يشتغل في حقل هو ما تنازل له عنه الجد في حياته..
وقد استطاعت جدته بكدها أن تبني بالأرض بيتا فيه ازداد أبو إبراهيم وبعده عمران وزريبة لرؤوس أغنام جده القليلة وبقرته وحماره، وسيلة نقله الى السوق الأسبوعي، ذاك كل ما ورثه أبو إبراهيم وعنه تنازل عمه..
تعوَّد أبو إبراهيم أن يحرث الأرض بما يسد رمق الأسرة من إنتاج قليل..
زلزال ضرب المنطقة في إحدى الليالي فخلف دمارا، ساخت الأرض وقضت على ما تملك الأسرة ومعه هلكت الجدة..
تذكر إبراهيم أخته آمنة، فالمفاجأة قد غيبتنه عن السؤال عنها، بادر أباه:
ـ وآمنة هل كانت معه؟ !!..
ـ آمنة أرجأت رحلتها،فقد كان لها موعد مع إحدى الشركات.
كان عم إبراهيم هو المسؤول عن آمنة، انحازت اليه بعد البكالوريا وتابعت دراستها في شعبة الرياضيات ثم في معهد للطاقة الذرية باقتراح من عمها..
لم يكن عمران متزوجا، فما كان يعرفه إبراهيم عنه إضافة الى طول قامته وجمال محياه أنه زير نساء، ما رآه في مكان الا وهو محاط بالنساء من مختلف الأعمار، عبقٌ بعطره ولهن العشيق، كان يرحمه الله واثق الخطو ضحوكا، يتقن النكتة إتقانه للغات ويتلفظ الشهد.. ذكاء يطول به الحياة كما يطول العلم.. ورغم ماقيل عن نسوانيته فقد كان يحمل قلبا متيما بامرأة وسمت صدره بأثر،فلم يغب عن إبراهيم وهو يرى أنثى بزي قبطان بحري يوم جنازة عمه، تجالس أمه منتحبة متحسرة..
كم أثاره الشبه القوي بين السيدة القبطان وبين أمه..كانتا معا مفاجأة وقراءة لنفسية عمه وما يختزنه في صدره..
كثيرا ما كان أبو إبراهيم يحذر أخاه من ركوب البواخر خصوصا في هذا الوقت بالذات حيث حروب الخليج و طغيان الهجرة السرية وانتشار مراكب الحريك والتهريب والاتجار في البشر، لكن عشق العم للفنادق العائمة، وعلاقته المتينة بربانة إسبانية ذات أصول مغربية جعلته لايتأخر عن اية رحلة تكون المغربية فيها..
كازانوفا، لبق، عاشق،بالنساء مولع، يهوى ركوب البحر..
ـ "السفر في البحر متعة رحلات، سماء تسبي إذا تلألأت نجومها، والبحر رحابة حرية من جميع الجهات،، كما أن راكب البحر يستطيع التجوال في أكثر من بلد خصوصا اذا كان مثلي عاشق نسوان، لا أنظر لدين ولا مذهب،ولا لون أو انتماء وطني، الجمال وفقط الجمال هو الناموس الأسمى.. وهو ما ينحت قلبي بإزميل عشق..
في الأسبوع الثاني بعد الدفن والذي لم يرَ إبراهيم جنازة اكتسحها النساء من مختلف الأوطان وجميع الأعمار كما مرت جنازة عمه، أقبل محامي إسرائيلي ليسلم أباه وثائق وصية أخيه:
نصف ثروته المالية كتبها العم لوالد إبراهيم،أما النصف الثاني فقد كان باسم أم إبراهيم مناصفة مع أخته، مع ملحق على أن ينفق الأب من ثروته على ملجأ القرية ودار المسنين بها..
كان نصيب إبراهيم من عمه بيته في إسرائيل مع مكتب للدراسات شراكة بينه وبين أخته آمنة..
عطية تحرك أكثر من قراءة و تأويل..
كان المحامي يحاول أن يمرر لأخ الفقيد أكثر من معلومة عن حياة العم:
ـ لأول مرة يفكر في كتابة وصيته وكأنه كان يستبطن إحساسا بموته..
وأضاف دون أن يدري إبراهيم هل تعمد المحامي اليهودي ما يبوح به أم يوحي اليهم به:
ـ لم يفكر يوما أن يخلف أصولا تجارية في المغرب، بعد ما بلغه من مافيا العقار هنا من أن أكثر اليهود الذين غادروا المغرب قد تم السطو على أملاكهم..
يقاطع إبراهيم المحامي محتجا:
ـ عمي لم يكن يهوديا ولم يخطر له على بال أن يترك وطنه يوما الا لتجارة،أو استشارات دولية يطلبها قادة ورؤساء مكنته منها معارفه وخبرته، وليس معنى ان تكون جدتي يهودية وقد أسلمت على يدي جدي أن يعتنق ابنها المسلم السني الدين اليهودي..
بسمة خبث يرسمها المحامي على محياه فيقول:
أعتذر سيدي، لا اقصد ما ذهبت اليه، نحن اليهود نعتبر الام هي الأصل في النسب والدين والمبدأ، وعمك لم يتحدث يوما عن إسلام جدتك، ولك أجزم أن عمك كان انسانيَّ النزعة فوق كل الديانات وتلك عبقريته وأسباب تفوقه
و قمة علاقاته الممتازة مع الجميع..
تطلع أبو إبراهيم الى ابنه بنظرة ذات معنى تلزمه الصمت..
كان إبراهيم دوما يضع أباه وعمه موضع مقارنة، أخوان كالتوأم، لكن كانت لكل منهما ميولاته وتعلقاته، أبوه إبراهيم كان اقرب الى جده ايمانا بإسلامه و قناعة بالأرض التي يفلحها وبها يتمسك بالرغم من عطائها القليل، لكن من عيوبه: تسرعه، و بناء أحكام شمولية مسبقة كثيرا ما كان يقف على خطئها، كان يحب أن يسيطر على كل شيء ولا يُحكِّم غير رأيه،فقد أصر على أن يتابع ابنه دراسته في شعبة أدبية حتى يتخصص في العلوم الدينية فوقفت له زوجته بالمرصاد ولم يتنازل الا بعد ان هددته بالطلاق:
ـ انك تحاول أن تهدم طموح ابني وقدراته، الحياة لم تعد ما تأثرت به أنت لتعصبك والتصاقك بقالب جاهز وسهل كنت اليه مطمئنا نفسيا وروحيا، الحياة جهاد، وابني يملك القدرة والوسائل..
كان العم عمران رجلا برغماتيا معتدلا،يفكر في نفسه دون نسيان غيره، بعيدا عن الانغلاق والمثالية،يرفض التسلط والشمولية،الأديان في مفهومه من نبع واحد لهذا فهي وسيلة للتربية والسلوك وعدم الشرك بوحدانية الله بلاسبب للعصبية والصراعات، والله حين خاطب أنبياءه:"آسلمتم" لم يعين أسبقية مسلم عن مسلم إلا بالتقوى..
في الأسابيع التي تلت الجنازة كان إبراهيم يلاحظ انشغال أبيه بشيء، كان زائغ النظرات كمن يستبطن سرا أو يحمل هما،كأنَّ وصية أخيه قد حركت في صدره أمرا دفينا. لم تكن عقبة الرحيل الى إسرائيل ليتسلم إرث أخيه هي ما يشغله لكن أمرا غيره كان يشده بتفكير خصوصا حين يحادث أم إبراهيم عن نصيبها وما تنوي القيام به،فيأتي ردها:
ولماذا لا أسافر؟ بنتي هناك ولي أكبر حجة.. لن تقمطني غربة !!.. حاول أنت أن تتحرك فبيت أخيك فسيح كبير كما أخبرتني آمنة و الثروة التي تركها لك قادرة أن تغير تفكيرك وتعيد تقويم نفسك وستجد أكثر من مساعد وعون يشقون لك طريق غناك إذا أردت أن توظف رصيد بنكك الجديد،المهم أن تلين وتؤمن بذرائعية الحياة.. وتجدد نظراتك الى وجودك الحاضر الذي أمامك،لا ذلك الذي يقيدك بحبل وهمي، لاتنس أن لك بنتا تشبه عمها، ذكاء و قدرة على الخلق والابداع،كما لك ابنا صاعدا مثلهما..
ثورة غضب يحبسها أبو إبراهيم في صدره من كلمات زوجته، يخشى إبراهيم أن تفور من لسانه أبيه ويديه، وقد فعلها مرة في عهد جدة إبراهيم فمنعته من زيارتها وحرمت عليه وجهها شهرا كاملا الى أن تدخلت أم إبراهيم متنازلة..
حين كان يسأل أبو إبراهيم ابنه عن مدى اقتناعه بما فعله عمه وهل هو به سعيد؟كان إبراهيم لا يجرؤ أن يقول له:
ـ تعمد عمي ان يربطني بمكتبه هناك لأقتفي أثره، و لتظل قدم مغربية مستمرة راسخة قلب إسرائيل كما هي راسخة في أكثر من بقعة أرضية يتمكن بها نشر حضارة عريقة قد تسود العالم..
لكن إبراهيم كان يكتفي بواجهة الحقيقة:
ـ ربما كان واثقا من قدراتي على العمل هناك أو ربما ثقة بأختي التي كان يحبها لشبهها به ذكاء وطموحا وميلها الكبير بقد جدتي جمالا وأنوثة، وأرادني أن أكون لها مؤنسا ورفيقا وهي لي قدوة..
لم يكن يغيب عن إبراهيم إيمان عمران عمه بالعمل الجماعي وحب المغامرة،كما أن مفهوم الوطن لدى عمران لم يكن الرقعة التي ولد فيها المرء، فكل رقعة يستطيع فيها الانسان أن يحس بالانتماء، يطور قدراته، ويكسب رزقه ويحصل فيها على جنسية ذلك هو وطنه..
سوء تفاهم أم إبراهيم وأبيه كان شيئا مألوفا لديه، فارق السن وتباين التنشئة والكم المعرفي بينهما، كما أن أم إبراهيم كانت تحركها إحساسات إعجاب بعمه قبل زواجها من أبيه، لكن امتناع أبيها ورفضه القاطع أن تسافر بنته الى إسرائيل كزوجة، فجَّر طمع والد إبراهيم نحوها، فتمناها لجمالها وقدها واليها قد شدته رغبة، تزوجها بعد تدخل أكثر من شخصية كبيرة في القرية وبعد استئذان من أخيه الذي نصح والد إبراهيم بكل تلقائية:
ـ بادر قبل أن يخطفها منك غريب عن القرية،جمال وخلق ووعي..
كانت أكثر الخصومات تحتد بين الأم والأب حين يكون عم إبراهيم في زيارتهم، لكن كل ذلك لم يكن ليؤثر على علاقة الأخ بأخيه و على قوة رابطة الحب التي توحدهما بألفة متينة،والتي أسستها جدة إبراهيم على الحب والحنان وتبادل الاحترام بين الأخوين، فعمران عند زيارته لم يكن يدخل بيت أخيه الا لغذاء أو عشاء ولا يمكث أكثر من يوم أو يومين لانه ظل يحتفظ بجناح والدته ضمن بيت العائلة..
وحدث ما جعل إبراهيم على وشك كراهية أبيه، فنظرات الأب الزائغة واستغراقه في تفكيرطويل كان وسواسا يحرك عقله بتخريف، كان الأب يشك في أبوته لابنه وقد أدرك إبراهيم ذلك من غياب أمه الذي لم يألفه، فوصية العم أقامت في نفس الأب حرائق..
حين كان يسأل أباه عن سبب غياب أمه كان رد الأب يأتي على غير حقيقة ما يبطن رغم أن أم إبراهيم قد ضبطت الحجة،صوَّرتها وحملتها معها الى بيت أبيها:
ـ أمك اغتنت بعد أن نالت وصية عمك لهذا شرعت تلح في الذهاب الى إسرائيل متفلسفة بتبريرات الديموقراطية والفائدة، والاقتصاد الحر، وتلبية اهتماماتكم وحاجاتكم العلمية التي تأخذ باهتماماتها.وحين عارضتها غضبت وهي الآن في بيت والدها..
هل الغيرة ما يأكل قلب أبيه؟ أم الشك الذي يوسوس في صدره؟.. ربما !!..
إبراهيم قد رأى الدليل يوم جنازة عمه لكن حاشا أن يشك او تتملكه ذرة من سوء الظن، قد يكون عمه قد تعلق يوما بأمه، تمناها زوجة لكن هيهات أن يصل التعلق الى درجة الخيانة!!..
أخذ الأب شعيرات من مشط الابن وقام بتحليل DNA وكانت النتيجة أن إبراهيم متخلق من ماء أبيه لاغيره..
أصرت أم إبراهيم الا تعود الى البيت الا بعد أن تعود بنتها ويتم معها ماقام به الأب مع إبراهيم..
ـ هذا لا يستلزم هذه الفضيحة خصوصا مع أختي وهي من عارضت وبشدة رغبة أبي للاكتفاء بالدراسة في وطنها، فأي ثوب لها قد يفي بالغرض إذا أراد أبي أن يسترسل في غيه..
عاد إبراهيم الى البيت بعد أن استعصى عليه اقناع أمه بعودتها، أول عمل قام به أنه وضع تحت تصرف أبيه مشطا لاخته وجده في حقيبة بدولابها..
بهت الأب، وصار يهتز غضبا:
ـ من أباح لك أن تبحث في ماليس لك وتتحدث فيما لا يهمك؟
ـ يهمني وأكثر يا أبي، لم ابحث ولكن أردت أن أمكنك من اليقين أني لست ابن زانية ولا خائنة عشرة..
وحده الماضي يشغلك ياأبي، أما الحاضر فعن عقلك غائب !!..
أهذا جزاء عمي فيك وفي أبنائك؟.. أكره أن تغيب لك حقيقة وعي..
نسيت ياأبي.. فعذرك !!..خوفي عليك من كسر،وأنت من يردد دوما:
"من الحزم سوء الظن "
خرج إبراهيم وصدى الباب من غضب يصفق خلفه، يستغفر الله لما بدر منه بعد أن ترك أباه يغلي..
كان يعلم قسوته على والده،لكن كيف يحتمل وأبوه من يجرده من أبوته بشك؟ وفي من؟ في عمه الذي كان الجميع لديه نَفَسه الصاعد النازل.. عمه الذي أعاد أخاه الى سكة الغنى بعد أن فقد كل شيء، الأخ الذي صارت ترشقه عيون الحسد في قرية كان لا يملك فيها غير حقل ثم صار بفضل أخيه هو من يتوسل الزراع جراراته لحرث بقعهم ؛ وصار منتوج أرض الاسرة يكاد يغطي أسواق المنطقة التي يوجدون بها.. عمه الذي سهر على تعليمهم وأداء كل الواجبات سنويا،المهم الا يتقاعس أحدهم عن الدراسة وان ينتبهوا الى المستقبل بكل وعي وتبصر وعقلانية..
قد تختلف المجتمعات في معتقداتها وقيمها باختلاف الثقافات التي تشيع فيها لكن أن يتباين أخوان الى درجة الشك فهذا مايؤرق حقا.. كان أبو إبراهيم وعمه متباينين على مستوى السياقات المعرفية وبنيتهما النفسية فبقدر ما كانت الدراسة تحرر العم فكريا ومعرفيا، و تشحذه الاسفار والرحلات ودعوات الرؤساء بتجارب ومعرفة بالناس، كان الأب مشدودا الى أنماط مجتمع شبه مغلق يصاحب أباه الى حقله، يتشرب من تقاليد البادية ومتابعة الرعاة وأنظمة للحرث والرعي عتيقة..
حاول الأب بكل ما يتمتع به من احترام وتقدير لدى جد إبراهيم لأمه أن يعيد المياه الى مجاريها بينه وبين أم إبراهيم التي أصرت الا تعود الى البيت الا بعد أن ترى نتيجة تحاليل DNA بين الأب وبنته آمنة..
كانت في الواقع تريد ان تقطع شكه من جذوره وكما قالت:
ـ عند كل سوء تفاهم يقع بيننا ومهما كانت تفاهته الا ويرميني بشكوكه وان كانت مغلفة، وينسى أني من أصول عريقة صافية بانتساب الى الدوحة النبوية وليس في عروقي دس ولا لعنة متوارثة..
كان إبراهيم يدرك ايماءات أمه التي كانت تحرق صدره فيعيب عليها ما تقصد لان جدته لابيه أسلمت عن يقين، قرأت القرآن بوعي فصار لها خلق عقل ووجود، أكثر بكثير من غيرها ممن يلغطون به أو يحملونه كحمار يحمل أسفارا بلا فهم ولا إدراك، كانت يرحمها الله لفة قطن، جمال، سماحة،ووداعة، عاشت في قرية جل سكانها مسلمين،أسرتها كانت تتعايش بتآخ وحب ومودة،رآها جد إبراهيم و بها قد تعلق،ولم يتم "كيتوباه "(كتاب عقده عليها) الا بعد يمين ألا يتزوج عليها ولا يطلقها أبدا..أحبته حبا جارفا، وأسلمت قبل أن تدخل بيته رغم ما لحقها من لعنات أهلها..
عادت آمنة في زيارة قصيرة طالبة توكيلا عاما حتى تستطيع التصرف في كل ماتركه عمها ولهم قد ورَّثه وهو كثير، وقد أبلغت أباها أنها كلفت محاميا ضليعا بجميع المعاملات التي تحتاج الى توقيع أبيها ليباشر رقابته بعدها لانها حصلت على منصب مشرفة مساعدة على برنامج نووي و قد يشغلها عملها عن متابعة مصالح ما ورثه أبوها..
استطاع إبراهيم مع أخته أن يعيدا المياه الى مجاريها بين أمهما وابيهما بعد أن تيقن الأب أن أخاه بعيد عن سوء ظنه وتأويلاته الطوباوية دون أن تلم آمنة بما وقع وما اقترفه الأب من سوء ظن في حق أبنائه وزوجته، لكن المفاجأة كانت اعلان الأب رفضه التام وبإصرار أن يترك وطنا هو مثوى والديه،فيه ازداد وترعرع وأن زوجته إذا أرادت السفر مع ابنيه فلن يمنعها، بل يرفض أن تطأ رجله أرض قوم من خالطهم فهو منهم..
حرقة اتهام الأم كانت نارا أبت أن تنطفئ في صدرها، كانت تحملها لعنة تئد شرفها وعفتها ووفاء صانت به كرامة زوج رغم ميولات لاتنكرها لأخيه الذي رفض أبوها تزويجها له بسبب إقامته في دولة اليهود ولكن لن تصل أبدا لتحريم عشرتها، كتبت له إذنا موثقا لزواجه متى أراد في غيابها. ودسته بين وثائق أملاكه..
أعد الأب وكالة مفوضة لآمنة للتصرف وطلب منها العمل على تحويل أمواله الى وطنه ولها الخيار ان تفعل ماشاءت بما تبقى..
ـ أنا أصلا لست في حاجة لأي شيء فمما لدي كفايتي..
***
محمد الدرقاوي ـ المغرب