صدر العدد 18 من مجلة السينمائي ببغداد، وهي مجلة شهرية تُعنى بشؤون السينما محليًا وعربيًا وعالميًا. وقد تضمّن هذا العدد 23 مقالةً غطت الأبواب الثابتة للمجلة. كتب رئيس التحرير عبدالعليم البنّاء في افتتاحية العدد مقالًا مُكثفًا بعنوان (السينمائي، خيارنا لتكريس الخطاب الجمالي والإبداعي) تحدّث فيه عن مبادرة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني لدعم السينما العراقية بعد أن تلقّى مجموعة من المقترحات والرؤى الناضجة والرصينة التي انطوت على أبعاد فكرية وجمالية وإبداعية سوف تفضي إلى تحقيق الأهداف المرجوة لهذه المبادرة لكي لا تتكرر الأخطاء القاتلة التي شابت مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية سنة 2013م.
تألق هذا العدد بالحوار الشامل والصريح والدقيق الذي أجراه رئيس التحرير أيضًا مع السينمائي انتشال التميمي الذي بدأ شغوفًا بالسينما ثم تدرّج في المناصب حتى أصبح مديرًا لمهرجان الجونة السينمائي قبل أن ينتهي به المطاف كمستشار إستراتيجي لهذا المهرجان الذي وُلد شابًا وراسخًا وكأنه لم يمرّ بمرحلتيّ الطفولة والصِبا حيث وقف منذ البدء كندٍ لمهرجانات عربية ودولية مثل قرطاج، والقاهرة، ولوكارنو، وكارلو فيفاري، وبرلين، وسان سيباستيان، وعلى مسافة ليست بعيدة عن "كان" وفينيسيا وما سواها من المهرجانات العالمية ذائعة الصيت. يؤكد التميمي بأنّ إطلاق أي مهرجان "لا يعني أن تجلب أفلامًا فقط، وإنما كيف تدير الجوانب الأخرى بنجاح وتوازن مثل عدد الصحفيين، ونوعهم، وتوزيعهم، والمنتجين والمُوزعين، ومسؤوليّ المؤسسات السينمائية الذين سيحضرون للمشاركة بالمنصة السينمائية في البلد والمنطقة العربية، ومَنْ يتمّ تكريمه؟ ولماذا تبدأ بهذا الاسم أو ذاك؟ وكيف توزّع التكريمات؟ وكيف تختار لجان التحكيم، وتنوّع البرامج". إن نجاح مهرجان الجونة وشهرته الواسعة هي التي دفعت محمد حفظي، رئيس مهرجان القاهرة غير مرة للاعتراف بأنّ وجود الجونة هو الذي ساهم في إنعاش مهرجان القاهرة السينمائي ورفع مستوى التحدّي لدى القائمين عليه مع أنه مهرجان عريق عانق الأربعين عامًا. من بين الأفكار المهمة التي طرحها انتشال التميمي أنّ العراق بحاجة إلى تأسيس مركز سينمائي عراقي يشرف عليه سينمائيون عراقيون ويتم دعمه حكوميًا بشكل سنوي وملزم لهذا المركز. وعلى الرغم من عدم رضا التميمي على ما أنجزته السينما العراقية منذ العام 1946 وحتى الآن إلّا أنه يؤشر بإعجاب إلى عدد من الأفلام العراقية القديمة والحديثة من بينها "حُب في بغداد" لعبدالهادي الراوي، و"الحارس" لخليل شوقي، و "الظامئون" لمحمد شكري جميل. ورغم المآخذ الكثيرة على مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية وما اكتنفه من فشل وفساد إلّا أنّ التميمي يثني على فيلميّ "صمت الراعي" لرعد مشتّت و "بغداد خارج بغداد" لقاسم حوَل، كما يشيد بقوة بفيلم "ابن بابل" ويعتبره مُدججًا بكل مواصفات الفيلم السينمائي الناجح. ويستذكر التميمي في هذا الحوار المهم عددًا غير قليل من النقاد السينمائيين العراقيين الذين واكبوا أنشطته في عدة مهرجانات عربية أمثال قيس قاسم، زياد الخزاعي، عدنان حسين أحمد، صفاء صنكور، حسن بلاسم، علاء المفرجي، كاظم السلوم، علي حمود الحسن، وعبدالعليم البنّاء.الجودة والمستوى الفني العالي
أمّا ملف العدد فقد كرّسه القائمون على المجلة لمتابعة مبادرة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني لدعم السينما العراقية حيث أشار إلى تخصيص خمسة مليارات لدعم السينما العراقية وشدّد على ضرورة دخول القطّاع الخاص وعدم الاعتماد على الدعم الحكومي فقط ولعل أهم ما قاله السوداني في هذا الصدد:"ليس مطلوبًا من الفنانين والأعمال الفنية مراعاة مزاج الحكومة أو أي جهة، بل شرطنا الوحيد أن تكون بجودة كبيرة وبمستوىً فنيٍ عالِ". أمّا وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور محمد فكاك البدراني فقد أكّد هو الآخر على دعم الفنان العراقي وإظهار السينما العراقية بصورة تليق بتاريخها العريق، ودعا إلى دعم وتسويق المواقع السياحية والآثارية من خلال الأفلام المُنتجة. وقد قررت لحنة مبادرة دعم السينما منح المبالغ المخصصة لـ 43 عملًا سينمائيًا.
يرى الدكتور صالح الصحن في مقاله "المنحة . . كنواة لانطلاق المنجز السينمائي" بأننا كشعب حضارة وثقافة عالية نأمل بأن نصنع أفلامًا ناجحة تحمل أفكارًا مضيئة وتحقق الدهشة والمتعة والتشويق ونتفادى السقوط في الإسفاف والسذاجة والابتذال. ويطمح الصحن أن ترتقي هذه المنحة إلى مستوى التخصيص المالي الثابت في ميزانية المؤسسة الإنتاجية.
يكتب الدكتور سالم شدهان عن "الداعم والمدعوم" ويقترح في مستهل مقاله تحويل هذه المنحة إلى قانون يتم التصويت عليه من قبل مجلس النوّاب وأن مبلغ الـ 5 مليون دولار لن يكلّف الدولة الكثير لكنه يؤسس إلى تقليد ثقافي وصناعة سينمائية. وقد وضع شدهان شرطًا واحدًا وهو الجودة الفنيّة وأن يكون المُخرج صاحب تجربة سابقة مُعتَرف بها من قِبل المعنيين وأن يُحقق نجاحًا في تجربته الجديدة المدعومة. يجترح الدكتور شدهان رأيًا جميلًا مفاده "لا يجوز أن ندفن الفنان قبل موته" ويُورد ثلاثة أمثلة لمخرجين كبار بهذا الصدد وهم كلينت إيستوود، ومارتن سكورسيزي، وأليخاندرو خودوروفسكي؛ فالأول اقترب من المائة وما يزال مُبدعًا، والثاني تجاوز الثمانين بسنة واحدة وهو في عز عطائه، والثالث تخطّى الرابعة والتسعين ولم تهمّشه الأجيال التي جاءت بعده. ويشير أيضًا إلى المعمر السينمائي البرتغالي مانويل دي أوليفيرا الذي فارق الحياة عن 107 وهو يفكِّر بالإبداع. وفي السياق الإبداعي ذاته يشير إلى أنّ داميان شازيل قد حقق نجاحًا كبيرًا في فيلم "لا لا لاند" وفاز بجائزة الأوسكار كأفضل مخرج وعمره 32 سنة لا غير. كما اقترح شدهان تأسيس بنك للنصوص الجيدة كي لا تذهب كتاباتهم أدراج الرياح وطالب بتخصيص مكافآت مادية لأصحابها حتى لا يشعر المبدع بالإحباط.
يعتقد الناقد رضا المحمداوي أنّ أزمة السينما العراقية تتمثّل بقلّة الإنتاج السينمائي، وشحّة الميزانيات المُخصصة للأفلام وما يرافقها من مظاهر الإخفاق والتعثّر وعدم وضوح الرؤية لدى الجهات الحكومية.أولوية الدعم للأفلام المُصوّرة
يتساءل الناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس في مقاله "ماذا نريد من المنحة السينمائية؟" ويقدّم في الوقت ذاته عشرة مقترحات للاستفادة من هذه المنحة سنتوقف عن بعضها مثل إنتاج أفلام شبّاك تذاكر كأن تكون أفلام كوميدية أو أكشن أو ميلودرامية أو أنيميشن طويلة وألّا تقتصر على أفلام نخبوية خاصة بالمهرجانات. وأن تكون هناك عدالة في توزيع الأفلام بين بغداد والمحافظات وإقليم كوردستان وسينمائيي المهجر، وأن يوضع سقف محدد لميزانية الأفلام ليشمل أكبر عدد ممكن من المخرجين، وإعطاء فرصة للمخرجين الشباب الذين حققوا نجاحات ملحوظة في المهرجانات العربية والدولية وخاصة في الأفلام القصيرة التي نالت اهتمام الجمهور والنقاد على حدٍ سواء. واقترح عبّاس ألّا تظل هذه الأفلام حبيسة الأدراج وطالبَ بعرضها على الجمهور. كما طالب بإيلاء الأولوية للأفلام التي تمّ تصويرها مثل "البصير" لعلي طوفان ، و "أناشيد آدم" لعدي رشيد و "طيور الجنة" لمحمد الدراجي و "90 يومًا" لعطية الدراجي. واختتم مقترحاته بإنشاء صندوق دعم للسينما وإقامة الورشات وإصدار الكتب والمجلات السينمائية.
ينبِّه الناقد علي جبار عطية في مقاله "فرصة لصناعة عدد من الأحلام السينمائية" على ضرورة الاستفادة من خبرات العاملين بأي فيلم يُنتج في العراق ذلك أننا لا نستفيد من الأفلام المُنتجة في العراق إلّا بحدود ضئيلة. ودعا إلى ضرورة إنتاج أفلام وثائقية قصيرة لما يتوفر عليه الواقع العراقي من تفاصيل كثيرة قد تكون ذخيرة حيّة ومادة درامية ساخنة. ودعا أيضًا إلى إنتاج كتب ومجلات سينمائية تسهم في رفع الوعي السينمائي وتحسِّن ذائقة الناس الفنية.
ينطوي مقال الدكتور طارق الجبوري على تساؤلات كثيرة من بينها: ما هي الأفلام المطلوبة؟ هل هي بوليسية أم تاريخية؟ هل هي دينية أم أكشن أم أفلام لا على التعيين؟ ودعا إلى تحفيز القطاع الخاص وهي نفس الفكرة التي أثارها وزير الثقافة ورئيس مجلس الوزراء.
كتب الناقد السينمائي علاء المفرجي مقالًا جميلًا بعنوان "عندما توثق تفاصيل المدينة" وهو يرى أن بغداد كمكان لم تحظَ بالأهمية التي نتمناها جميعًا واقتصر حضورها كديكور خلفي يمكن الاستغناء عنه بمكان آخر. فبغداد لم تحضر مثل روما في أفلام فلّيني أو نيويورك في أفلام سكورسيزي واستثنى فيلم "حكاية للمدى" لبسّام الوردي ورياض قاسم كما أشاد ببعض الأفلام العراقية مثل "من المسؤول؟ و "سعيد أفندي" و "الجابي" و "المنعطف" التي أظهرت جوانب محددة من مدينة بغداد التي تسكن في ذاكرة العراقيين وقلوبهم ومشاعرهم.
يحاور الكاتب سعد نعمة في باب "سينمائيون جدد" المخرج يحي العلاق الذي عمل مع محمد الدراجي على تأسيس المركز العراقي للفيلم المستقل كما عرّج على فيلمه المهم الذي يحمل عنوان "أربع أصابع" وهي المسافة التي تفصل بين الصدق والكذب، كما تحدث عن فيلمه الوثائقي "لا أحد يموت في العراق" الذي وصل إلى مرحلة ما بعد الإنتاج.
تناول الناقد أحمد ثامر جهاد في مقاله "السينما العراقية . . مسارات متعثرة وبحث دائم عن هُوية" مُسلطًا الضوء على بعض الأفلام التي أُنتجت بعد 2003 مُعززًا هذا المقال بحوارات أربعة مع الدكتور جواد بشارة والمخرج المغترب قتيبة الجنابي والناقد علاء المفرجي والمخرج الشاب عمر فلاح.
يتضمن العدد إحاطة بمهرجانيّ الأسكندرية وفينيسيا السينمائيين. كما يتناول كاتب هذه السطور فيلم "الزهرة الأرجوانية" للمخرج علي حنون. فيما يكتب سمير حنّا خمورو عن فيلم "لي" للمخرجة الأمريكية إلين كورس. ويترجم الناقد صلاح سرميني في رسالة باريس أربعة موضوعات من بينها " فن جيمس كاميرون" ويصفه بالسلالة النادرة في أستوديوهات هوليوود الكبيرة ويترجم "سينما دالي" و "اختفاء صالات السينما بباريس" و "السرقات في السينما" وخاصة الهندية والفيتنامية.
يكتب الناقد السينمائي رضا الأعرجي عن "أفلام الواقعية السحرية التي تتحدى الأشكال التقليدية". ويتوقف عند ثلاثة أفلام مهمة وهي "الرجل الطائر" و "متاهة بان" و "كالماء للشيكولاتة". كما يتحفنا الناقد والمخرج استناد حدّاد بدراسة عن "سينما الأمم الأولى في أستراليا وعن منافسة السكان الأصليين وحصولهم على أدوار رئيسة في السينما الأسترالية التي اعتادت على إقصائهم وتهميشهم.
نقرأ في هذا العدد ترجمة لمقال "الحياة النائمة للرسوم المتحركة في جنوب شرق آسيا" لجون أ. لينت ترجمة يسري منصور. يكتب محمد زرزور في رسالة إسطنبول عن "تركيا تختار مرشحها لسباق الأوسكار 2025" وأخبار عن شباك التذاكر للسينما التركية.
يقرأ عصام الياسري كتاب "في البدء كانت الكلمة - السيناريو" للمخرج والناقد قيس الزبيدي. فيما تتابع الدكتورة ورود ناجي أحد عشر خبرًا سينمائيًا من بينها "إذا رأيت شيئًا " لعُدي رشيد، وهو أول فيلم ناطقل بالإنكليزية سوف يُعرض في مهرجان وودستوك بنيويورك. ومشاركة فيلم "أرواح عابرة" لعائدة شليفر في المهرجان العربي الأفريقي بمدينة زاكورة المغربية. وجينيفر أنيستون تحاول منع الأوسكار عن أنجلينا جولي.
يختتم العدد الدكتور جبار جودي،رئيس دائرة السينما والمسرح، نقيب الفنانين العراقيين بمقال مهم يحمل عنوان "لن نقبل بغير النجاح خيارًا" وهو يعدُّ العُدة لإطلاق النسخة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي ويأمل بأن تكون مغايرة وتحمل رؤية إستراتيجية شاملة تُعيد للسينما العراقية بهجتها المفقودة.
***
لندن: عدنان حسين أحمد