كتب واصدارات

صدور كتاب "ألوان من السرد الصيني" للكاتب عثمان الجلاصي الشريف

فسحة في بستان الآداب والثقافة الصينية بين القصة والأقصوصة والحكمة والمثل شعبي..

تنهل الآداب من ذات الانسان أينما كان من حيث الجغرافيا والثقافة واللغة والمعارف وهي سواء كانت سردا أو شعرا تظل تلك الينابيع التي منها تتشكل الشخصية والسلوك والوجدان وفق الحاجة والرغبات في النهوض والاشعاع لشعب أومجتمع ما ويتطور ذلك بالتواصل والذهاب أكثر في سياقات التثاقف والتبادل ومن هنا تكون الأهمية المحورية لفعل الترجمة..

فالترجمة فعل انساني وحضاري وثقافي ووجداني.. يمضي بالأدب الى مناطق أخرى من غير بيئته وحياته لتجعل له حياة أخرى وطعما آخر وثقافة أخرى تثري أصل معانيه وتفتح الآفاق لتتجاور التجارب وتتحاور..

هذا ما يحيلنا الى سياقات التثاقف واللقاء الكتابي والحضاري.. وهكذا نمضي مع عوالم تجربة أخذنا صاحبها الى ضفة أخرى ومهمة من الضفاف الثقافية والحضارية.. ونعني الصين.

الأدب الصيني هو من الآداب العريقة والسرد والشعر والحكم والقصص فيه من أشهر الاداب والابداعات في العالم لخصوصياتها وجمالياتها الجمة.. والسرد الصيني بستان متعدد الألوان والاشكال..

في هذا السياق يمضي بنا الكاتب عثمان الجلاصي الشريف الى حدائق الآداب الصينية ضمن ترجماته السابقة والحاضرة التي تخير ضمنها نصوصا وأعمالا لكتاب ومبدعين صينيين ليصل بنا الى مؤلفه الجديد وعنوانه " ألوان من السرد الصيني..قصة وأقصوصة وحكمة ومثل شعبي.." كتاب صدر هذه الأيام عن دار الشريف للنشر والتوزيع.

الكاتب عثمان الجلاصي الشريف تعدّدت تجربته الأدبية وفي الكتابة عموما ضمن تعاطيه مع الشعر والنقد والفكر والدراسات في مجالات علمية وتربوية مخصوصة... والترجمة... مراجع هذا العمل في الترجمة متعددة وتعكس سعة اطلاع المترجم الذي أراد تقديم هذا الأثر كإضافة للمكتبة الثقافية والأدبية التونسية والعربية والعالمية وهو الذي يقدم هذه التجربة المتواصلة لديه من سنوات في الترجمة "... تمكنت من الإطلاع على شتى أنواع الكتابات الصينية من شعر وقصة وحكاية ورواية ودراسة والوقوف على ما تتسم به من جمالية وبعد إنساني ونضالي فهي تهدف إلى نشر قيم كونية كالمحبّة والتسامح والتكاتف والتضامن علاوة على ثقافة الإجتهاد والبذل والعطاء وحبّ الوطن والذّود عنه...".هذه تلوينات من مناخات وحكاية الأدب الصيني بشؤونه وشجونه نشير إليها لنعود إلى الكتاب الذي نحن بصدده " ألوان من السرد الصيني..."

تنوعت المواد المترجمة في كتاب عثمان الشريف بين القصة والأقصوصة والحكمة والأمثال الشعبية وتخيرها المؤلف لتشكل بانوراما ابداعية استهلها بقولة "لاوتسو" (يعرف الآخر ذكي..و من يعرف نفسه انسان متنور..). وفي مقدمة لعمله هذا يقول الشريف "...يرمي هذا الكتاب الى ترغيب الناشئة في المطالعة في زمن العزوف عن القراءة والهجرة الى الفضاء الافتراضي عبر وسائل التواصل الرقمية.. وكذلك العمل على فتح نافذة للأجيال الشابة نساء ورجال المستقبل على جمال وسحر الثقافات الشرقية لعلها تكون جسور تواصل متينة بين الصين والبلاد العربية وخاصة مع تونس التي تربطها علاقات تعاون وصداقة بالجمهورية الصينية..".

في هذا الكتاب يتجول المؤلف المترجم الشاعر الناقد ومحب الآداب العالمية ومنها الصينية بالخصوص الكاتب عثمان الجلاصي الشريف بين ألوان من السرد الصيني تشمل القصص والحكم والأمثال الشعبية في ضرب من السعي لتشكيل صورة عن حيز مهم من الآداب الصينية وقد سبق له اصدار ترجمات مختارة من الشعر الصيني من خلال قصائد لبعض أسمائه وتجاربه وأجياله حيث يمكن للقارئ التعرف بشكل عام عن الشعر الصيني وألوانه الابداعية وأساليب الشعراء المختارين في الكتابة وابداع القصيد.

في قسم القصة الصينية المترجمة في هذا العمل للكاتب عثمان الجلاصي الشريف نقرأ لكتاب منهم شان جيالو  في قصة " تحت الشجرة المقدسة " وفانق قزيانو فنق  في قصة " الثعبان الموسيقي  " وشوهو يحيان في قصة " قصة راع " ودانو كايشان  في قصة " البحر الهائج " وشي تيايشينق في قصة " ذكرى خريف " وكزاقوا نلونق في قصة " القشرة " وواي حنسو في قصة " التناسق " وزهان كيو في قصة " مكالمة هاتفية في يوم عيد "..

قصص فيها من الوجدان والعمق والأدبية ما يجعلها تخاطب الانسان بكثير من الحميمية تنفذ الى تفاصيله وأحاسيسه لتنتهي الى كونها الترجمان والعبارة التي تقول شيئا منه بسلاسة السرد وخفته وما تنتهي اليه القصص من عبر وخلاصات يحتاجها الانسان وهو يعيش حياته في عالم معقد ومعولب ومعولم يسوده الضجيج والدمار..قصص هاذئة وعميقة لكتاب مختلفين ولكن يجمع بينهم في النصوص ذلك الاحساس الدفين بما يمكن فعله وكتابته للانسان أينما كان..

قصص بحالات من الشاعرية المبثوثة في القص والكلمات والايقاع..و منها قصة " الثعبان الموسيقي " لفانق قزياو فنق والتي رغم بساطة فكرتها الا أنها تقيم تلك العلاقة العميقة بين الفن ومنه الموسيقى والكائنات حيث يبتكر الرجل الموسيقي من الم ووجع وحزن أنثى الحجل موسيقى مذهلة وموجعة يسمعها الناس ليهبوا لمقاومة الثعابين ويعني الكاتب هنا الشرور وأصحابها..

قصة بسيطة متاحة للجميع الكبار والناشئين والأطفال تعلي من شأن الموسيقى بوجه الظلم والحزن والخراب..اذ يقول القاص الصيني فانق قزياو فنق "..آه  هذا الألم موجع غاية الوجع...الى درجة لم تعد روحي ثفاؤقه..وحدها الموسيقى قادرة على ترجمة معانيه..".

و ينهي قصته هذه قائلا "..الفن يصطف دائما الى جانب العدالة ويساعد الشعب على محاربة الشر..".

قصة ضمن قصص ترجمها عثمان الجلاصي الشريف ترجمة فيها وفاء للنص من حيث الفكرة واللغة والروج وخفة المعاني..ثرية في دلالاتها سردا ومضمونا أدبيا موغلا في وجهته الانسانية والوجدانية قولا بالأدب ملاذ الانسان في عوالم التوحش والتداعيات المربكة.

في قسم الأقصوصات والحكايات الشعبية تنوعت النصوص المترجمة ومنها " الرجل الذي يريد انزال القمر " لهاي بيي و" بائع الملح " لشان جون و" قدر باب " لنبنق قزي  و" الطبل الكبير " لهاي دايكوان...

في أقصوصة قدر باب "  ل Ning Xi قزي  نبنق  يسقط الباب حزينا ومحتجا لشدة الجذب من اتجاهين ويشير النص الى الكوارث والمآسي الناجمة عن عدم التنازل والتفاهم حيث يصك كل واحد على فكرته ورأيه وقوته وهذا لا يقيم حلالا ولا يفتح بابا..قصة مليئة بالعبر  تدين الانسان في جشعه وأنانيته وتطرفه وتشير الى اللين والاعتدال والتنازل للفائدة المشتركة..

في القسم الآخر من هذا الكتاب القيم ترجمة ومضامين نجد الأمثال الشعبية بما هي عميقة في دلالاتها الثقافية والشعبية وما تمثله من جواهر في حياة الناس ومن هذه الحكم والأمثال الشعبية نقرأ لكونفشيوس ولاوتسو.. ومما ورد لكونفشيوس نقرأ ما يلي " لم أر انسانا استطاع ادراك عيوبه وتألم في أعماقه "...

هذه الترجمات من الآداب والثقافة الصينية التي ضمها كتاب الأديب عثمان الجلاصي الشريف وفق عنوان " " ألوان من السرد الصيني..قصة وأقصوصة وحكمة ومثل شعبي.." مجال للمتعة والتعرف الى الآداب والثقافات الأخرى من خلال السرد والحكم والأمثال ولعل القارئ لهذه المضامين الواردة في الترجمات والعائدة الى الكتابات الصينية يحد شيئا من الآداب العربية فالانسان واحد وهناك مشتركات انسانية واجتماعية وثقافية بين انسان الشرق الأقصى والمشرق العربي.

كتاب وترجمات رائقة وخفيفة خفة روح ومعاني النصوص التي هي لنخبة من الكتاب الصينيين في مجالات من السرد والأمثال والحكم حيث القارئ يجد نفسه في تجوال رائق في بستان الحياة الأدبية الصينية وثقافتها ليصل وهو ينتهي من الكتاب الى الجوهر والخلاصة حيث انسانية الآداب في النصوص والمرامي...

***

شمس الدين العوني

في المثقف اليوم