كتب واصدارات

عبد السلام فاروق: "عقول" تحتفل بعيد مولدها الأول

فى يناير عام 2024 ظهر العدد الأول من سلسلة عقول الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان: "سليم حسن، المؤرخ الموسوعي وعميد الأثريين". احتفاءً به كشخصية معرض الكتاب السابق، وإحياءً لسيرة عقل من العقول المؤثرة فى تاريخ مصر.

وعلى مدار اثني عشر شهراً أتممنا دستة من أعداد السلسلة الشهرية، وكان ختامها مسك الختام، بعدد رائع تناولنا فيه ست شخصيات نسائية من خيرة نساء مصر المؤثرات فى مسيرة الوطن. وقد شرُفتُ برئاسة تحرير سلسلة عقول بصحبة مدير تحريرها د. محمود نبيل، برعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وإشراف رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين . وها نحن قد أتممنا 12 عدداً محتفلين بإتمام السلسلة لعامها الأول..

المرأة فى حياتنا

وكما أن للنساء فى حياتنا تلك الأهمية العظيمة؛ كأم وشقيقة وزوجة وابنة ورائدة من رائدات النهضة على المستوي الفردي والمجتمعي. كان لسلسلة عقول اهتمام خاص بها وبدورها البارز فى تحقيق تلك النهضة..

العدد الثالث من أعداد السلسلة جاء بعنوان: "مي زيادة، أديبة المحروسة وملهمة الأدباء" كنموذج فريد ورائد من نماذج النهضة النسائية المبكرة في مصر والمنطقة العربية. وفي العدد الخامس تناولنا قصة كوكب الشرق تحت عنوان: "أم كلثوم، صدي مصر الخالد" وهي قصة موحية بها الكثير من المحاور والمنعطفات المثيرة الشيقة. ثم جاء العدد الثامن من السلسلة بعنوان: "فاطمة اليوسف، رائدة الصحافة المصرية" ليسرد حكاية من أمتع حكايات النساء ذوات التأثير الممتد عبر الأجيال. وكما ترون كيف أننا آثرنا التنويع عند انتقاء الشخصيات.. ففي مجال الأدب اخترنا مي زيادة، وفى الفن أم كلثوم، وفى الصحافة فاطمة اليوسف.

واخترنا أن نختتم أعداد السلسلة بالاستفاضة فى إبراز دور المرأة فى النهضة المبكرة لمصر فى شتي المجالات فى كتاب: (سيدات من مصر). وحرصنا فى هذا الكتاب على الالتزام بنفس المبدأ فى التنوع والتعدد. واخترنا ست شخصيات نسائية تناولناها جميعاً فى كتاب واحد، وعدد ختامي خاص من أعداد السلسلة، ضم سيرة الشاعرة عائشة تيمور، ورائدة النهضة النسائية هدي شعراوي، وأم المصريين صفية زغلول، وعالمة الذرة سميرة موسي، وبنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن، وباحثة البادية ملك حفني ناصف. هكذا انتقلنا فى بستان التراث النسائي بين عدة ورود مزهرة في شتي مجالات العطاء الباقي عبر الأزمان.

مبدأ التنوع

حرصنا منذ البداية على هذا المبدأ فى اختيار الشخصيات التي تتناولها السلسلة بالسرد؛ ألا نكتفي بالتركيز على مجال الأدب، وهو مجال اتسع لشخصيات كثيرة عملاقة مؤثرة، وبه عشرات الأدباء والنقاد والشعراء والروائيين الجديرين بالسرد والذكر. غير أننا آثرنا ألا نقف عند الأدب كمجال من بين مجالات الثقافة المتشعبة والمتعددة؛ لأن القوة الناعمة فى مصر بنيت على هذا المبدأ المهم، مبدأ التنوع. بل قل إنه مبدأ قامت عليه الحياة نفسها. لهذا تعددت شخصيات السلسلة وتنوعت مجالاتها: ففي الطب اخترنا شخصية د. نجيب باشا محفوظ رائد طب النساء والتوليد، وفى الاقتصاد "طلعت باشا حرب"، وفى علوم البحار "حامد جوهر"، وفى علوم الآثار "سليم حسن". وفي الشعر: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وفى المسرح توفيق الحكيم، وفي الصحافة فاطمة اليوسف.

كان الهدف الرئيسي لدينا ألا نغفل تنوع الأذواق والمشارب والاتجاهات لدي جمهور القراء. وأن نسلط الضوء على ما امتازت به مصر من ثراء فكري وثقافي على مدار تاريخها المعاصر في شتي المجالات المعرفية.

حصاد الندوات

أول ندوة أقامتها هيئة الكتاب احتفاء بالسلسلة وتدشيناً لها جاءت فى خواتيم معرض الكتاب السابق، وأدار الندوة المثقف الراحل: (مروان حماد)، مدير المشروعات الثقافية السابق بهيئة الكتاب. وشارك بالندوة المؤرخ الموسوعي سامي الزقم ومؤلف أحد أهم أعداد السلسلة حول طلعت باشا حرب. والزميل الصحفي الدكتور أيمن السيسي.

كانت السلسلة فى حاجة لترسيخ أقدامها فى مجال الإنتاج الفكري قبل أن تعاود تقديم الندوات وحفلات التوقيع من جديد. لهذا تأخرت الندوات الشهرية المصاحبة لصدور أعداد السلسلة حتي النصف الثاني من عام 2024. وجاءت البداية بندوة عن كتاب: (أم كلثوم، صدي مصر الخالد). ثم تتابعت الندوات التي اختتمت بندوة عن أمير الشعراء أحمد شوقي.

أغلب الندوات أقيمت بالمركز الدولي للكتاب بوسط البلد، وتمت تغطية فعالياتها بمقالات صحفية فى عدد من أهم الصحف اليومية. وتلقفت الإذاعة تلك الفعاليات فسلطت الضوء على سلسلة عقول فى أكثر من لقاء إذاعي تناول مختلف إصدارات سلسلة عقول. وكان واضحاً أنها حرَّكت راكداً فى مياه الحركة الثقافية وأنها جذبت اهتمام عدد من المثقفين والقراء.

فى معرض الكتاب القادم سوف يكون لنا لقاء مع قراء سلسلة عقول فى ندوات جديدة، نتجاذب خلالها أطراف الحديث والحوار الشائق الماتع حول مختلف إصدارات السلسلة وحول الشأن الثقافي العام، الذي هو هدفنا الرئيس؛ أن نشارك بسهم فى إثراء الحياة الثقافية. وإنني أدعو سائر المهتمين بالشأن الثقافي لحضور ندوات السلسلة فى معرض الكتاب القادم تحقيقاً للتواصل بين السلسلة وقرائها.

سلسال الفكر

في تراثنا الفكري عدة سلاسل ثقافية اهتمت بمجال السيرة الغيرية، وهي سلاسل قليلة. وقد كان من الضروري إنشاء سلسلة عصرية تتناول هذا الجانب المهم من جوانب السرد والفكر. يحدث من خلالها التواصل الصحي بين الجيل الحالي وبين أجيال سابقة من المفكرين والمثقفين ورواد الحياة الأدبية والعلمية..

من هنا جاء إصدار سلسلة "عقول" لملء هذا الفراغ الصغير فى البناء الثقافي المعاصر، واختارت السلسلة لنفسها منهجاً أدبياً وفكرياً وأسلوبياً يتسق مع ميول القراء اليوم؛ ففي العموم اتسمت إصدارات السلسلة برشاقة الأسلوب، وعمق الأفكار، والشمول والإحاطة بسيرة الشخصيات. كما اتسم السرد بحسن التقسيم والتصاعد الزمني المتدرج وتقطيع الفصول إلى فقرات معنونة سهلة الهضم مثيرة المعاني والألفاظ. حدث هذا فى كل إصدارات السلسلة حرصاً منا على تقديم وجبة ثقافية دسمة تغذي عقول القراء.

وفي كل عدد من أعداد السلسلة كان هناك مفتاح وثمرة. فأما المفتاح فهو يخص الشخصية التي نتناولها بالسرد، والتي لها مفتاح خاص يمثل سر تفوق هذه الشخصية فى مضمار الحياة الثقافية. وأما الثمرة فهي الجوهر والمغزي والرسالة المتضمَّنة فى كل عدد من أعدادا السلسلة، تلك الثمرة التي هي الفكرة الرئيسية لكل قصة وكل كتاب.

الشمعة الأولي

وكما احتفلنا فى معرض القاهرة للكتاب 2024 بصدور أول عدد من سلسلة "عقول"، نحتفل فى مطلع العام الجديد 2025 بإتمام العام الأول للوليد الجديد للثقافة المصرية.

أيام قليلة تفصلنا عن الحدث الثقافي الأهم فى مصر، معرض القاهرة الدولي للكتاب فى نسخته السادسة والخمسين، والمقرر انعقاده يوم الخميس الموافق الثالث والعشرين من شهر يناير لمدة أسبوعين. وعلى مائدة هيئة الكتاب الحافلة بكل ممتع وجديد، سوف تتجاور عناوين السلسلة ووجوه شخصيات عرفناها وقدّرناها: سليم حسن، نجيب باشا محفوظ، مي زيادة، توفيق الحكيم، أم كلثوم، طلعت حرب، فاطمة اليوسف، أحمد شوقي، حامد جوهر، حافظ إبراهيم. وفي ختام عام من الإنتاج الثقافي المتوالي كتاب: "سيدات من مصر"، ولا أخفي سعادتي بما وصلت إليه السلسلة من إنجاز وإنتاج فكري ثري خلال العام السابق، كما أتمني أن يتواصل عطاءها الفكري عاماً بعد عام، وأن يستمر تفاعل القراء معها شهراً تلو شهر.

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم