كتب واصدارات
صدور كتاب: الانسان الذي سبق الثورة للأديبة سعاد الراعي

صدر يوم أمس 2025.09.18 للأديبة سعاد الراعي كتاب: "الانسان الذي سبق الثورة ـ الجوانب الإنسانية في سيرة سلام عادل"
يأتي الكتاب ليعيد إحياء سيرة رجل استثنائي ارتبط اسمه بمرحلة فارقة من تاريخ العراق الحديث. فهو لا يقدّم سلام عادل، الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي، بوصفه قائداً سياسياً فحسب، بل يكشف عن إنسان ومفكر وفنان، جسّد قيم النضال والالتزام الأخلاقي، وترك إرثاً يتجاوز حدود الحزبية ليغدو جزءاً من ذاكرة الوطن.
ولد حسين أحمد الموسوي، المعروف باسمه الحركي سلام عادل، عام 1922 في النجف. عايش الفقر والظلم منذ صغره، فصاغت تلك التجربة وعيه المبكر وأشعلت جذوة نضاله. عمل معلماً في الديوانية، لكنه لم يكن مجرد موظف يؤدي واجبه، بل مربياً استخدم الفن والمسرح وسيلة للتنوير. وحين تولى منصب سكرتير الحزب الشيوعي عام 1955، اتضح أنه لم يكن مجرد قائد تنظيمي، بل ضمير حيّ، يرى في القيادة الجماعية شرطاً لصدق العمل السياسي، ويرفض تحويل الثورة إلى دماء عبثية.
يستعرض الكتاب مسيرته الإنسانية من محطات مفصلية: المؤتمر الثاني للحزب عام 1956 حيث أعاد بث الحياة في جسد التنظيم، تأسيس جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، ثم دوره في ثورة 14 تموز 1958 وما تبعها من مؤامرات وصراعات. ويكشف عن مواجهاته مع خصوم سياسيين مثل عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم، حيث ظلّ متمسكاً بالحوار الإنساني والشراكة النضالية، مؤمناً بأن النصر الحقيقي لا يُقاس بالسلطة، بل بقدرة القائد على حماية كرامة الناس.
لا يقتصر الكتاب على الوقائع السياسية، بل يقدّم وثائق ورسائل كتبها
عادل نفسه، مثل كراسته الشهيرة " وجهة نضالنا في الريف" التي أكدت أن الثورة لا تُصنع في المكاتب، بل تنبع من الأرض، من عرق العمال وأنين الفلاحين. وفي هذه النصوص يظهر البعد الإنساني واضحاً؛ نقد ذاتي صريح، وحسّ وجداني يجعل السياسة امتداداً للأخلاق.
الجزء الثاني من الكتاب يغوص في السنوات العاصفة بين 1958 و1963. هنا يظهر سلام عادل في مواجهة أزمات داخلية وانقسامات حزبية، وأحداث كركوك الدامية التي واجهها بموقف انساني وأخلاقي يرفض الانتقام ويدعو إلى النقد الذاتي. وعند عودته من موسكو عام 1962، حاول تصحيح مسار الحزب برسائل كتبت بدم القلب لا بالحبر، محذراً من الانهيار الوشيك قبيل انقلاب شباط 1963.
في فصوله الأخيرة، يرسم الكتاب صورة مؤثرة لرجل واجه التعذيب حتى الموت دون أن ينكسر. استشهد سلام عادل في شباط 1963، لكن صموده حوّله إلى أسطورة وطنية. لم يكن مجرد شهيد سياسي، بل رمزاً أخلاقياً صاغته الفكرة وصاغها، وترك لنا إرثاً لا يزال يروي الأجيال القادمة بقيم التضحية والعدالة والإنسانية.
تكمن أهمية الكتاب في أنه يتجاوز السرد التاريخي إلى قراءة فلسفية، سياسية وانسانية، تجعل من سيرة سلام عادل نموذجاً للتفكير في معنى القيادة، وحدود السياسة حين تستند إلى الأخلاق. فهو يذكّرنا بأن النضال لا يُختزل في إسقاط نظام أو تغيير وجوه، بل في إعادة الاعتبار للإنسان.
الكتاب ليس مجرد مرجع عن تاريخ سلام عادل، بل وثيقة عن العراق نفسه، عن جرحه وأمله، عن إنسان عاش الثورة بكل جوارحه، وبقي في الذاكرة نهراً يفيض بالكرامة ولا ينضب.
***
طارق الحلفي