كتب واصدارات

كتب واصدارات

عندما أجد كتابا عليه اسم المترجم التونسي "ناجي العونلي" اقتنيه على الفور، لثقتي الكبيرة باختيارات هذا المترجم المتميز، يكفي انه تصدى لترجمة واحد من اصعب كتب الفيلسوف الالماني هيغل " فنومينولوجيا الروح"، علما ان كتاب هيغل سبق ان ترجمه الى العربية المترجم الهيغلي الكبير امام عبد الفتاح امام، لكني حرصت على اقتناء نسخة ناجي العولني ايضا.. قبل اسابيع وجدت اسم العونلي على كتاب بعنوان " نقد العقل الكلبي " للفيلسوف الالماني بيتر سلوتراديك من منشورات دار الجمل، ورغم انني لا اعرف الشيء الكثير عن سلوتراديك، فلم يترجم له حسب علمي سوى كتابه الشهير " الانجيل الخامس لنيتشه " وقبل ايام وصلني كتابه " أمزجة فلسفية " ترجمة جميلة حنيفي. إلا ان العنوان " نقد العقل الكلبي " كان مثيرا ومستفزا بالنسبة لي خصوصا انني شغوف بقراءة كل ما يتعلق بالفلسفة الكلبية التي اسسها الفيلسوف " أنتستينس " في القرن الرابع قبل الميلاد والذي كان يعلم تلامذته في ساحة تسمى " الكلب السريع ". وكان أنتستينس هذا قد كرس نفسه لمتابعة سقراط حيث اعجبه استقلال هذا الفيلسوف، واذا عرفنا ان سقراط كان لا يكترث للثروات ولا بمديح الناس له. فقط كان هدفه الحصول على الحكمة الخيرة، فان أنتستينس جعل من الاستقلال مثلا اعلى لحياته، كان يردد ان الفضيلة وحدها كافية لتحصيل السعادة. والفضيلة في نظره هي غياب الرغبة والتحرر من الحاجات، وهي الاستقلال التام. الفضيلة هي الحكمة، غير ان هذه الحكمة تعتمد اساسا على قيم الغالبية العظمى من البشر، اما الثروات والانفعالات، فهي ليست خيرات حقيقية. الفضيلة اذن، هي الحكمة لمن تعلمها، والرجل الحكيم إذا ما تسلح بهذه الفضيلة لا يمكن ان يصيبه أيُ ما يسمى بشرور الحياة.

واعود لكتاب سلوتردايك" نقد العقل الكلبي "، الذي نشره عام 1983 وأصبح  الكتاب الفلسفي الاكثر مبيعا في المانيا وترجم الى العديد من اللغات ووضع صاحبه في مصاف الفلاسفة المشاغبين الكبار، حتى اطلق عليه لقب "النيتشوي الجديد"، وشكل مع السلوفيني سلافوي جيجيك، والفرنسي ميشال أونفري، ثلاثي يثير ضجيجا فلسفيا اينما حل. فهؤلاء الفلاسفة الثلاثة يرون ان الفلسفة يجب ان تفكر بشكل جريء وان يتخلى الفيلسوف عن عالمه الضيق ، لعالم اوسعا افقا ورحابة، وان يخرج من صومعته الاكاديمية الى الناس اينما كانوا.

 ولد بيتر سلوتردايك في السادس والعشرين من حزيران عام 1947 لاب من اصول هولندية وام المانية.. قرأ الفلسفة منذ ان كان طالبا في الاعدادية، اثارته افكار نيتشه الذي قال عنه ان قلبه خفق عندما قرأ كتابه "هكذا تكلم زرادشت" ، حتى اعتبر نفسه "  سليل نيتشوي " مدفوعا بالغرام بديناميت الفلسفة الذي اخبرنا ان لا احد سيفهمه إلا بعد مرور مئة عام على رحيله، وقد حقق سلوتردايك امنية الفيلسوف الالماني الراحل حين القى عام 2000 محاضرة بمناسبة مئة عام على رحيل نيتشه تحولت فيما بعد الى كتاب بعنوان " الانجيل الخامس لنيتشه " – ترجمة علي مصباح – فمن هو نيتشه الذي يريد سلوتردايك استعادته؟.. انه المرشد لروح الحداثة " قائد الاستهواء الممتع في إبداع اشكال حياة " – امزجة فلسفية ترجمة جميلة حنيفي – ولأن نيتشه تحول الى فيلسوف مجرم بعد الحرب العالمية الثانية وما جلبه غرام هتلر بكتاباته من آثام، فان سلوتردايك وجد ان مهمته ان يتدخل ليعرض عمل نيتشه الحقيقي تحت مرآة مختلفة، نرى فيها الفيلسوف الالماني الذي قضى سنواته الاخيرة مريضا الى ان فارق الحياة في الخامس العشرين من آب عام 1900 ـ بصورة مختلفة " نيتشه الواهب، نيتشه الشبيه بشمس الظهيرة التي تلهب وتبهر لا لشيء إلا لتذكرنا بالطاقة اللامتناهية التي تؤسس الحياة." نيتشه الذي يكره المعلمين والمريدين ويطردهم من حوله، ويدعوهم الى التمرد عليه والتنكر له، نيتشه الذي قال ذات يوم:" ادرت ظهري إلى الحاكمين عندما رأيت ما الذي يسمونه اليوم حكما: السمسرة والمساومة على السلطة – مع الغوغاء " – انساني مفرط في انسانيته ترجمة علي مصباح -. ولهذا يرى سلوتردايك ان كل توظيف لنيتشه وفكره سواء من قبل السياسيين او أية مدرسة فكرية ليس سوى سطو واغتصاب.

ومثلما كان نيتشه عصيا على التدجين ومشاغب ومزعج، فان سلوتردايك الذي تعلق بصاحب "هذا هو الانسان" يبدو اليوم مزعجا للمؤسسات الثقافية والسياسية، ومشاغب، يعتبر نفسه فيلسوف كلبي يفتفي اثار نيتشه كما كان نيتشه يقتفي اثار الفيلسوف الكلبي الشهير "ديوجين"، ففي واحدة من تأملاته يكتب فريدريك نيتشه انه كان يتنمى لو عاش في عصر ديوجين:" لكنت وقفت ساعات لمناظرته "، ويضيف لقد كان هذا الفيلسوف هو المبشر بجنس جديد من الفلاسفة  ما ذا سيسمى هذا الجنس؟ سيطلق عليه  الفيلسوف العدمي إميل سيوران اسم " الفيلسوف النباح " الذي لا يتوقف عن النباح في وجه معاصريه، وفي وجه كل قيمة من قيمهم التي تثير الشكوك.

في كتابه " العلم المرح " – ترجمة علي مصباح - يقدم نيتشه قصة ديوجين الذي اشعل مصباحا في يوم مشرق وانطلق الى السوق باحثا عن الانسان، لكنه عند نيتشه نجده يبحث عن الله ليعلن للجمهور ساخراً ان الإله قد مات:" لقد قتلناه انا وانتم ! نحن جميعا قتلناه..إلى اين نسير الآن وسط عدم لا نهائي؟ ألا يتنفس الفضاء الخاوي في وجوهنا؟ ألم يصبح اكثر برودة؟ ألا يجيء الليل باستمرار، اكثر ظلمة وحلكة؟."

سلوتردايك الذي يبدو اليوم اشبه بنجم سينمائي، يريد ان تتحدث الفلسفة الى الناس في جميع طبقاتهم وثقافاتهم  وان تعود للتمرد التي ينبع من تمردها على ذاتها، لتصبح شبيهة  بـ "الكلبية القديمة" التي وضعها ديوجين وجسدها كتجربة تعاش ولا توصف. فهي وحدها الفلسفة الجديرة التي ينبغي العودة إليها والنهل من منابعها الأصيلة حتى تصير الفلسفة تمردا وسخرية ومقاومة.

مثل نيتشه درس سلوتردايك الفلسفة والأدب الألماني  والاغريقي والتاريخ قدم رسالة الماجستير عام 1971 بعنوان "البنيوية بما هي تأويل شعري" وفي سنة 1972 كتب عن فوكو والنظرية البنيوية في التاريـخ، وله الكثير من المؤلفات المثيرة للجدل. وإلى جانب عمله أستاذا للفلسفة وعلم الجمال، نجح في نقل الفلسفة إلي التليفزيون الذي اطلق عليه تسمية " ساحة أثينا الجديدة"  من اجل ان تدخل الفلسفة الى البيوت وتتمشى في الشوارع وتخطب في الساحات، ألم يكن ديوجين يجوب الشوارع والاسواق مرتديا معطفا أسود اللون، مستندا إلى عصاه وهو يقول لكل من يسأله عن هدفه: "أنا أبحث عن الإنسان.". في عام  1976 حصل سلوتردايك على الدكتوراه في الفلسفة باطروحة بعنوان "الأدب وتدبير تجربة الحياة ". بعد نيله للدكتوراه يسافر الى الهند للدراسة على يد الفيلسوف المتصوف " باجون شري راجنيش " المعروف باسم " اوشو " ويعترف سلوتردايك بانه مدين بالكثير لافكار الفيلسوف الهندي وقد بدت تاثيرات هذه الفلسفة في محاولته للمزج بين البوذية والهندوسية والتحليل النفسي. رحلة سلوتردايك الى الهند امدته بقوة ابداعية جعلته يسعى لتغيير النظرة الى المعرفة التي يرى انها سلطة ولهذا نجده  يستدعي ديوجين الذي كان يؤمن بسلطة الفلسفة فنراه " بعكازه وجرابه وفانوسه يحضر بعينين ذاهلتين ندوة حول هيغل ومؤتمرات حول الاستراتيجية النووية وفائض ضريبة الاستهلاك، ويلتقي موجة من المصطافين على الطريق، ويتسكع في شوارع برلين. انه ديوجين الذي " ينتمي الى فلاسفة الحياة الذين تَكون الحياة في نظرهم، اهم من الكتابة والتصنيف " – نقد العقل الكلبي ترجمة ناجي العونلي –

يقوم عمل سلوتردايك في كتابه " نقد العقل الكلبي " على تحديد لفظة " كلبية " بطريقتين، هناك كلبية مشتقة من الارث الفلسفي اليوناني القديم الذي اسسه ديوجين، ويمثل نمط حياة موازي في كل من الفلسفة ونشاط الانسان اليومي. وهناك الكلبية المعاصرة المعبر عنها باعتقادات ساخرة في قوة العقل ويسخر منها سلوتردايك لانها لا تحمل ابدا الحياة محمل الجد، وبالتالي فان الكتاب يريد ان يسلط الضوء على مجتمع خال من المعنى، وعليه فلا بد للعودة الى اتباع تعاليم ديوجين لغرض اعادة توحيد الفلسفة مع الحياة اليومية.

كان ديوجين يشعر بالسعادة حين يطلق عليه لقب "الفيلسوف النباح"، فهو عاش ينبح في وجه معاصريه وفي وجه كل القيم التي تثير الشكوك.

يؤمن ديوجين ان على الانسان ان يقول "لا" حين يجب أن يقولها، اما اذا كنت تقول " نعم " في وقت كان عليك ان تقول " لا "، فانك تحول نفسك الى شخص لا يمكنه إلا ان يقول "نعم" ، حتى حين يكون هذا هو الوقت الذي يجب عليه ان يقول "لا"، إذا خنت نفسك، وتحدثت بالكذب والزور، وجسدت الاكاذيب فانك بذلك توهن شخصيتك، واذا كانت شخصيتك واهنة، فستقضي عليك الشدائد والمحن حين تظهر، وستحاول الإختباء لكن لن يكون ثمة مكان لتختبئ فيه، وحينها ستجد نفسك تفعل اشياء فظيعة

يرى سلوتردايك ان الفيلسوف المعاصر عليه ان يكون صادما وصادقا. ومثل أنتستينس ومن بعده تلميذه ديوجين يؤمن ان مهمة الفلسفة ارشاد ليس فقط اولئك الاشخاص الذين قدموا انفسهم بوصفهم طلابا بل اي فرد كائنا من يكون.الفلسفة كما يفهمها سلوتردايك تضيء بشكل مثير فلسفة تقاوم النظريات ليس بالممارسة، وإنما بالسخرية، فلسفة يطلق عليها تسمية فلسفة الوعي الساخر،  مهمتها مقاومة سلطة المؤسسات وبلورة فكر فلسفي ساخر، والخروج عن المألوف. فالسخرية بامكانها ان تثير الدهشة والتساؤل، وهي تعبير عن الإرادة  الحرة والواعية، حين تمارس قدراتها في تغيير ما هو قائم بالفعل.ولهذا يرى سلوتردايك ان الفلسفة يمكن لها ان تلعب دورا مهمّا في المجتمعات الراهنة. في السنوات الاخيرة وجه سلوتردايك نقدا لسياسات الهجرة، ويرى  ان الارهاب تحول من ارهاب افراد الى ارهاب دول.وان السياسة تحولت إلى شيء لاعقلاني تمليه الانفعالات.، كما يرى ان الديمقراطيات اصيبت بتعفن:" جَو ديمقراطياتنا شبيه بجو جناح طب السرطان في مستشفى كبير، حيث تنعدم ثقة المرضى في الطبيب…صار الحشد من الآن فصاعدا يحلم بنخبة جديدة تتميز لا بالكفاءات وإنما بالميزات التي كانت تنسب في الماضي إلى السحرة المعالجين، وما يقوي هذه الظاهرة هو تضمن السياسة دوما لعنصر إسقاط شبه ديني.".

وفي النهاية هل وجد بيتر سلوتردايك مصباحه الشبيه بفانوس ديوجين؟، لقد استقال من كرسي الجامعة وقرر ان يلاحق الناس في الندوات والفضائيات والمجادلات الحوارية والكتابة وان يقرع طبوله دون ان يخشى احد. انه النيتشوي الكلبي، ألم يصف نيتشه نفسه بالفيلسوف الكلبي وهو وصف حاسم:" ذهل عنه الناس في كثير من الاحيان، وبهذا الوصف صار نيتشه الى جانب ماركس، مفكر القرن الاكثر اهمية ووزنا " – نقد العقل الكلبي -.

عندما سُئل ديوجين لماذا يحب تسميته كلباً، أجاب: "، فأنا أصرخ على أولئك الذين يخافون، وأضع أسناني في الأوغاد".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

يقع كتاب (التُّراث المجهول – إطلالة على عالم المخطوطات) للدكتور يوسف زيدان؛ في 389 صفحة.

الكتاب إطلالة على العالم التُّراثي الفسيح والمتنوع والمجهول.. وهو تلويحٌ وتشّويق.

وقد أشار المؤلف إلى أن الغرض منه هو استكشاف التُّراث، لا تقديم موسوعة تراثية.

يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة يحدد فيها غاية البحث ومنهاجه مؤكداً خطأ الانتقائية التي درج عليها الباحثين في التعامل مع التُّراث.

في مقدمة عامة يتساءل الكاتب: هل التُّراث مجهول؟ ومن ثمّ يُعلل أسباب اختياره لهذا العنوان للكتاب (التُّراث المجهول). فهو يرى أن التُّراث ما زال مجهولاً. قاصداً بالتُّراث كُلّ ما تركه السَّابقون من كِتابات وكُتُب خَطُّوها بأيديهم أو نسخها النُّسَّاخ على امتداد تاريخ الحضارة العربية الإسلامية الطَّويل. ص 11. يعدد تلك الأسباب في أن: تراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم الواقع لأن إحصاء ما نُشِر منه محققاً أو دون تحقيقٍ ومقارنته بما لم يزل مخطوطاً وبِما ضاع مع الزمان، لا يزيد عن خمسة بالمئة من مجموع التُّراث أو أقلّ من ذلك. وعلى ذلك فالجانب الأعظم منه لا يزال مجهولاً.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم الوعي به، لأننا لا نجد له أثراً في أعمال ومراجع الأساتذة المعاصرين.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم منطق الإلغاء والتَّغييب، هذا المنطق الذي ساد اليوم وأباد النَّظرة الموضوعية للتُّراث. فنرى بعض البلدان التي تأخذ بمذهب معين، تنشر التُّراث المخطوط الذي يؤكد مذهبها، وتُلغي تراث الفرق الإسلامية الأخرى.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم اغترابنا عنه، ذلك لأن التُّراث العربي الإسلامي ظلّ ممتدّاً زمناً طويلاً، ومرَّ بمنحنيات ارتفع فيها وانخفض في معدلات التَّحضر، لكنه لم ينقطع. حتى جاءت الحملة الفرنسية، ومن بعدها الاستعمار، فبدأ الاغتراب عن التُّراث.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم انعدام الخطّة المنهجية للتّعريف به، فقد صار نشر التُّراث اليوم عملاً تجارياًّ دعائياًّ غثاًّ رديئاً. مع بعض الاستثناءات القليلة. لكن الغالب الأعم هو فوضويات نشر التُّراث.

يتكون كتاب (التُّراث المجهول – إطلالة على عالم المخطوطات) للدكتور يوسف زيدان؛ من ثلاثين فصلاً، بعضها طويل وبعضها الآخر قصير، بحسب مقتضيات التّعريف بالنّص المخطوط، ومؤلفه، وما يدور حولهما من أفكار، ومع أن جملة فصول الكتاب تسعى لإلقاء نظرة عامة على التُّراث من خلال الجمع بين مخطوطاتٍ من شتى العلوم، إلّا أن مخطوطات العلوم كالطِّبّ والفلك والكيمياء سنراها أكثر من مخطوطات المعارف الدِّينية والأدب والتَّصوف..4357 التراث المجهول

* هذه الفصول الثلاثين للكتاب مرتبة ترتيباً ألفبائياً كما أشار الكاتب، كما يلي:

- الفصل الأول (مخطوطة طبية): (بُسْتَانُ الأَطِبَّاءِ وَرَوْضَةُ الأَلِبَّاءِ) لِابْنِ المُطْرَانِ ( ص 37)

تُعد هذه المخطوطة واحدة من أكثر المجاميع الطَّبية طرافة وتشويقاً، ومؤلفها موفق الدِّين بن المُطران من أشهر الأطباء العرب في القرن السَّادِس الهجري، أصله من دمشق حيث تعلم الطِّب. مارس العلاج في البيمارستان (المستشفى) الكبير في دمشق حتى توفي سنة 585 هـ. والكتاب المخطوطة ملئ بالمعلومات الطّبية والطّرائف العلاجية وتراجم الأطباء السابقين له، وفيه أيضاً ما لا حصر له من أقوال الحكماء وتعريفات المصطلحات والحكايات الشَّيِّقة.

- الفصل الثَّاني (مخطوطة فلكية): (تَحْرِيرُ المَجِسْطِي) لِلْطُّوسِي (ص 45)

كتاب المَجِسْطِي من أهم كتب الفلك عند اليونان، كان عنوانه في الأصل اليوناني: التّصنيف العظيم في لحساب. ومن كلمة (Megal) التي تعني العظيم استمد العرب كلمة المَجِسْطِي. مؤلفه هو العالم الرِّياضي والفلكي بطليموس. وكتاب المَجِسْطِي هو كتاب فلكي معقد جداً ولهذا احتاج العلماء العرب إلى جهودٍ طويلة لترجمته وتحريره، وظلَّ بعد ترجمته في حاجة إلى تحريره، و(التَّحرير) عند العرب يعني المُراجعة والتَّدقيق وإصلاح الأخطاء. ومن أشهر العلماء الفلكيين العرب الذين قاموا بتحريره، العلامة نصير الدِّين الطُّوسي (توفي سنة 672 هـ) في كتابه المخطوطة (تحرير المَجِسْطِي).

عن هذه المخطوطة يقول مؤرخ العلم المعاصر جورج سارتون (تدل على عبقرية الطُّوسي وطول باعه في الفلك، وإن الانتقادات التي وجهها الطُّوسي إلى بطليموس كانت هي الأساس للنَّظرية الفلكية المعاصرة كما قدَّمها كوبرنيقوس). من المعروف أن النِّظام البطليموسي كان يعد الأرض مركز الكون واعتبر أن الشَّمس وسائر الكواكب تدور حول هذا المركز الأرض، لقد أعاد الطُّوسي صياغة كتاب المَجِسْطِي وفقاً للأرصاد الفلكية التي قام بها بنفسه، فصحَّح الأخطاء التي وقع فيها بطليموس، خاصةً أن الطُّوسي كان قد توصل إلى نِظام فلكي أبسط كثيراً من نظام بطليموس المعقَّد، مما سهل له التّوصل إلى نتائج أدق. وقد جعله في ثلاثة عشرة مقالة، ووضع فيه 196 شكلاً هندسيّاً، يشرح فيها نظرياته الفلكية ونتائج رصده لأجرام السماء.

ويذكر المؤلف يوسف زيدان أن هذه المخطوطة (تَحْرِيرُ المَجِسْطِي) لِلْطُّوسِي لم تُنشر إلى ساعة تأليفه هذا الكتاب.

- الفصل الثَّالِث (مخطوطة فُنون عسكرية): (تُحفَةُ المُجَاهِدِينَ فِي العَمَلِ بِالمَيَادِين) لِلْطَّرَابُلْسِي. (ص 53)

المخطوطة عسكرية، مؤلفها هو الأمير المملوكي لاجين بن عبد الله الذّهبي الحُسامي، المعروف بالطَّرَابُلْسِي (توفي سنة 738 هـ). المخطوطة صغيرة الحجم، تقع في بعض نُسخها في 24 صفحة، وتتميز هذه المخطوطة بالرُّسوم والأشكال التوضيحية التي تعرف اليوم بالرسم الكروكي وفيها يوضح المؤلف عمليات التعبئة العسكرية، وطُرق لمبارزة والاقتحام، وأساليب الهجوم والتقهقر.

- الفصل الرابع (مخطوطة طبية): (التَّصْرِيفُ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ التَّأْلِيفِ) لِلزَّهْرَاوِي (ص 63)

مؤلف المخطوطة هو أبو القاسم الزَّهراوي ينتسب إلى بلدة الزَّهراء نشأ في الأندلس (توفي سنة 404 هـ).

وهذه المخطوطة عبارة عن عمل علمي ضخم يقع في ثلاثين جزءاً، بعضها مُخصص للطّب، وبعضها الآخر للصيدلة، وبعضها الأخير للجراحة.. لقد كان الزَّهراوي لحظة مجيدة في التّاريخ العقلي لهذه الأمة.

- الفصل الخامس (مخطوطة فنون عسكرية): (تَفْرِيجُ الكُرُوبَ فِي تَدْبِيرِ الحُرُوبِ) لمؤلفٍ مجهول (ص 71)

هذه المخطوطة وضعها مؤلفها المجهول للملك النّاصِر فرج بن برقوق الذي تولى الحكم من سنة 801 هـ إلى سنة 808 هـ.

- الفصل السَّادِس (مخطوطة كيميائية): (جَامِعُ الأسْرَارِ) لِلْطُغْرَائِي (ص 81)

مؤلف هذه المخطوطة هو فخر الكُتَّاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصَّمد، الوزير، الطُّغْرَائِي (ولد سنة 453 هـ وتوفي سنة 515 هـ). ولَقَبَ (الطُّغْرَائِي) مُستمد من كلمة (طُغْرَاء) وهي الطُّرَّةُ التي تكتب فوق الرَّسائل مُتضمنة البسملة، حيث كان الطُّغْرَائِي يقوم برسمها وكتابتها بخطِّه الذي عُدَّ آيةً في الجمال. وقامت شُهرةُ الطُّغْرَائِي على كونه صاحب القصيدة المشهورة (لامية العجم). لكنه اشتهر أيضاً بالصُّنعة (الكيمياء) وترك في ذلك هذه المخطوطة، التي بيَّن فيها العمليات الكيميائية المُعقدة.

- الفصل السَّابِع (مخطوطة صوفية): (جَلَاءُ الخَاطِرِ فِي الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ) للجِيلَانِي (ص 89)

الإمام عبد القادر الجيلاني واحدُ من كبار العلماء الأولياء في الإسلام، توفي سنة 561 هـ. وهذه المخطوطة تشع بالهدى الرَّباني، وتأخذ بيد القارئ إلى طريق الصَّلاح. ونقرأ فيها أن الإمام عبد القادر الجيلاني يُخاطب أهل العلم فيقول: (يا عالم، لو كان عندك ثمرة العلم والبركة، لما سعيت إلى باب السَّلاطين في حظوظ نفسك وشهواتها، العالم لا رجلان له يسعى بهما إلى أبواب الخَلْقِ، والزَّاهد لا يدان له يأخذ بهما أموال النَّاس، والمُحِبُّ لله لا عينان له ينظر بهما إلى غيره (تعالى)، المُحِبُّ الصَّادق لو لقي الخَلق كلهم مَا حلَا له النَّظر إليهم، لا ينظرُ إلى غير محبوبه، ولا تكبُر في عيني رأسه الدُّنيا، ولا تكبُر في عيني قلبه الأخرى، ولا يكبر في عيني سِرِّه غير المولى.. زعاق المُنافق من لسانه ورأسه، وزعاق الصَّادق من قلبه وسِرِّه، قلبه على باب ربِّه عزَّ وجلَّ، وسِرُّهُ داخِلٌ عليه، لا يزال يصرُخ على الباب حتى يدخُل الدَّار.).

- الفصل الثَّامن (مخطوطة أدبية): (جَمْهَرَةُ الإِسْلَامِ ذَاتُ النَّثْرِ وَالنِّظَامِ) لِلْشَّيْزَرِي (ص 95)

مُؤلِّفُ هذه المخطوطة هو أمين الدَّولة أبو الغنائم مُسلم بن محمود الشَّيْزَرِي، أحد أدباء العرب الذين عاشوا في لنِّصف الأول من القرن السَّابع الهجري باليمن. تقع هذه الجمهرة في جزئين، وهي عبارة عن مختارات أدبية من النَّثر والشِّعر (النّظم) العربي. جمعها الشَّيْزَرِي وانتقاها من التُّراث السَّابِق عليه.. والقيمة الحقيقية لها تتمثل في احتفاظها ببعض النُّصُوص والقصائد التي أُصُولها اليوم ضائعة. ولم نعد نعرفها إلّا من خلال هذه (الجمهرة) التي توجد منها نُسخة وحيدة في العالم في مكتبة جامعة (ليدن في هولندة).

- الفصل التَّاسِع (مخطوطة فلكية): (الدَّرَجَاتُ المَعْرُوفَةُ) لِبَنِي مُوسَى بن شَاكِر (ص 105)

هذه المخطوطة، هي موسوعة فلكية، وهي ليست من تأليف شخص واحد، بل هي من تأليف الإخوة الثلاثة أبناء موسى بن شاكر وهُم أحمد ومحمد والحسن (بنو موسى). وكانت أُسرة (موسى بن شاكر) قد تخصصت في علوم الهندسة والحيل (الميكانيكا) والمساحة والفلك والفيزياء، وكان رب هذه الأسرة (موسى) من منجمي المأمون وندمائه. وهُم في مخطوطة (الدَّرجات المعروفة) يقدمون نَصّاً مُهِمّاً في الفلك والرِّياضة.

- الفصل العاشر (مخطوطة أدبية): (دِيوَانُ ابْن الصَّبَّاغ الجُذَامِي ) لابْنِ الصَّبَّاغ (ص 113)

صاحب هذا الدِّيوان المخطوطة هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الصَّبَّاغ الجُذَامِي، عاش في الحقبة الأخيرة من دولة الموحدين، أيام الخليفة المرتضى المقتول سنة 665 هـ. والمخطوطة الوحيدة من هذا الدِّيوان، موجودة في الخزانة الملكية بالرباط في المغرب تقع في 200 ورقة، مكتوبة بالخط الأندلسي. وتبدأ بقصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الدِّيوان كثيرٌ من المدائح النَّبويّة الرَّقيقة، وفيه أيضاً العديد من المقاطع الزجلية، والموشحات الأندلسية، والمُكَفِّرَات، وكلمة (مُكَفِّرَات) من مصطلحات التَّوشِيح، يشرحها لنا ابن سيناء الملك فيقول: (والموشحات يُعمل فيها ما يُعمل في أنواع الشِّعر، من الغَزل والمَدح والرِّثَاء والهَجاء والمُجون والزُّهُد، وما كان منها من الزُّهُد يُقال له: المُكَفِّر، ولا يُعمل إلّا على وزن معروف). فهي نوع من الإنابة إلى الله، والتَّكفير عن أشعار يكون الشّاعر قد قالها في زمن اللهو، فيتوب ويستغفر ربَّهُ عن شِعره السَّابق، بِشِعر المُكَفِّرات، أي يستغفر بالشِّعر عن الشِّعر، ومنها تلك الموشحة التي يُكَفِّر فيها عن كُلِّ بيتٍ بثلاثة أشطر:

شَـجْـوُ الـوُرْقِ فِي الأَفْـنَـانِ *** غَــدَاةَ النَّــوى أَفْـنَــانِي

أَيَــا نَـــــائِـحَ الأَفْـنَــــانِ

بُـكَــــاؤُكَ قَـدْ أَشْجَـــانِي

وَسَهْمُ النَّــوَى أَضْنَــانِي

وَتَـفْـنَى وَكُـلٌّ فَـــــــــــانٍ *** مُـحَــالٌ يَـبْـقـى إِلْـفَــــانِ

كَفْكِفْ دَمْعَـكَ المَطْـلُـولاَ

وَاتْرُكْ نَدْبَـكَ الطُّـلُـــولاَ

وَزُرْ أَحْـمَــدَ الـرَّسُــولاَ

- الفصل الحادي عشر (مخطوطة كيميائية): (دِيوانُ فِرْدَوْسِ الحِكْمَةِ) لِخَالِد بن يَزِيد (ص 121)

يُنسب تأليف هذه المخطوطة إلى خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الأمير الأُموي القُرَشي. اختلفوا في وفاته ما بين سنتي 82 و90 هـ . وقد أسهم في حركة التَّرجمة، بنقل كُتُب الطِّبّ والكيمياء من اليونانية إلى العربية.

- الفصل الثاني عشر (مخطوطة تاريخية): (الرَّوْضُ المُغَرَّسُ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِس) لِلْحُسَيْنِي (ص 129)

مؤلف هذه المخطوطة هو تاج الدِّين عبد الوهاب بن عمر الحُسَيْنِي، توفي سنة 875 هـ. تميزت هذه المخطوطة بالدِّقة في وصف بيت المقدس بدءاً من أسماء المساجد وقصة بناء المسجد لأقصى.. وهذه المخطوطة محفوظة في مكتبة الدَّولة ببرلين بألمانيا . ويُعقب المؤلف يوسف زيدان على ذلك قائلاً: "إذا كانت بيت المقدس اليوم أسيرة في يد إسرائيل، فإن مخطوطة الرَّوض المُغَرَّسُ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِس أسيرة في ألمانيا."

- الفصل الثالث عشر (مخطوطة أدبية): (الرَوْضَةُ الغَنَّاء فِي اُصُولِ الغِنَاء) لمؤلف مجهول (ص 137)

المخطوطة عبارة عن مجموع من الموشحات والأزجال والنُّصُوص الشَّعرية التي كان يُتغنَّى بها في الأندلس والمغرب. ولا يوجد منها إلَّا نسخة وحيدة نادرة محفوظة في الخزانة العامة بالرِّباط في المغرب. وهي مكتوبة بالخط المغربي.

- الفصل الرَّابع عشر (مخطوطة صوفيّة): (الشَّجَرة لإِظْهَارِ الثَّمَرَة) لِلمَقْدِسِي (ص 145)

مؤلفها هو أبو محمد عز الدِّين بن عبد السَّلام بن أحمد بن غانم المقدِسي. ولد سنة 920 هـ وتوفي سنة 1004 هـ. وهو واحد من مشاهير رجال التَّصوف. وهذه المخطوطة توجد منها نسخة واحدة بمكتبة الإسكندرية بمصر. في هذه المخطوطة يستعرض المؤلف قصة الخلق بأسلوب رمزي أخَّاذ، فينظر إلى الوجود على أنه شجرة نبتت من بذرة الأمر الإلهي (كُنْ) فأورقت حتى ظهرت الثِّمار، وهو يمزج كلامه بالنَّصِ القُرآني مزجاً لطيفاً بليغاً.

- الفصل الخامس عشر (مخطوطة طبيّة): (شَرْحُ تَقْدُمَةِ المَعْرِفَةِ) لِلبَغْدَادِي (ص 159)

مؤلف هذه المخطوطة هو  موفق الدِّين أبو الفضل عبد اللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي (توفي سنة 629 هـ) الذي شرح كتاب (تَقْدُمَة المَعْرِفَة). توجد منها نسخة في دار الكتب المصرية.

هذه المخطوطة هي وثيقة مهمّة من وثائق الاتِّصال بين العرب واليونان القديمة من ناحية، وبين العرب وأوربا النَّاهضة من ناحية أخرى. كلمة (تَقْدُمَة المَعْرِفَة) تعني التنبؤ بما سيكون عليه المرض في المستقبل، ويُشار إلى نفس المعنى باصطلاح آخر هو (الإنذار المرضي) وقد اعتمد أبقراط في ذلك على الملاحظة الدَّقيقة ذات الطّابع العلمي، فكان بذلك أحد الذين حرَّرُوا الطِّبّ من الخرافة والكهانة والتَّنجيم. وكتاب (تَقْدُمَة المَعْرِفَة) عبارة عن مجموعة من الفقرات الطّبية الموجزة وقد أقبل الأطباء في العصور المختلفة على شرح عباراته وتأويل مقاصده.

- الفصل السَّادس عشر (مخطوطة طبيّة): (شَرْحُ فُصُول أَبُقْرَاط) لِابن أبي صَادِق (ص 169)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو القاسم عبد الرَّحمن بن علي بن محمد بن أبي صادق النيسابوري، هو طبيب فاضل بارع في العلوم والحكمة كثير الدِّراية بالصِّناعة الطِّبية.

- الفصل السَّابع عشر (مخطوطة فلكية): (صُوَرُ الكَواكِبِ الثَّمَانِيةِ وَالأَرْبَعِين) لِلصوفي (ص 177)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو الحسن عبد الرَّحمن بن عمر الصُّوفي الرَّازي ولد بالرَّيّ بفارس عام 291 هـ. وكان من أعظم فلكيِّي الإسلام. وقد قام الصُّوفي بقياس نُجوم السَّماء طُولاً وعرضاً، وعيَّنَ مواقعها وأقدارها وألوانها، حتى أصبح لدى العرب ما يُشبه الأطلس الدَّقيق الذي يهتدون به في دراستهم، وقد وجد في أثناء قياساته أن بطليموس كان مُخطئاً في كثيرٍ من القياسات فصححها وخرج بكتاب (صور الكواكب الثَّمانية والأربعين). وفي هذا الكتاب أعاد الصُّوفي الأسماء العربية القديمة إلى حظيرة علم الفلك، وحدَّد النُّجوم التي تشكل منازل القمر الثمانية والعشرين، وقد كان أول من وصف المجرة السَّحابية في المرأة المُسَلْسَلة (مجرة أندروميدا) وسماها اللطخة السَّحابية. مع العلم أن أول مَنْ وصفها من الأوربيين كان سيمون ماريوس سنة 1612 م.. إن تقدير الصُّوفي لم يقتصر على العرب والمسلمين وحدهم، بل أن العلماء الغربيين أيضاً فعندما اكتشف المرقب - التليسكوب - في مطلع القرن السَّابع عشر، وأخذ الغرب يُسمي فوهات القمر، لم ينس هؤلاء العُلماء أن يُسموا فُوَّهة باسم الصُّوفي (AZOPHTI) منذ سنة 1515 م، تقديراً لجهوده الكبيرة في علم الفلك.

ونأتي إلى كتابه (صور الكواكب الثَّمانية والأربعين) فنراه يبدأ بمقدمة يؤرِّخُ فيها للبُحُوث الفلكية السَّابِقة، وينتقدها. ثم يعرض في بقية الكتاب لمواقع الكواكب استناداً لأرصاده الدَّقيقة، مع تزويد النَّصّ بالجداول الفلكية والرُّسوم الجميلة التي تصور الكواكب على ما يُرى في السَّماء، وعلى ما يُرى في الكرة، مع بيان اسمه ورمزه.

وتبقى نقطة أخيرة، يُمكن صياغتها في هذا السُّؤال: إنّ تلك الصُّور التي زَيَّنتْ كتاب (صور الكواكب الثَّمانية والأربعين) وغيرها من بدائع فنّ المُنمنمات التي ازدانت بها المخطوطات العربية الإسلامية، ألَا تُكَذِّب الدَّعوى القائلة: أن المسلمين كرَّهُوا التَّصوير، وأن الإسلام حرم الفن؟.

- الفصل الثَّامِن عشر (مخطوطة جغرافية): (صُورةُ الأرضِ المسالك والممالك) لِابن حَوْقَل (ص 195)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو القاسم محمد بن حوقل.

- الفصل التَّاسع عشر (مخطوطة أدبية): (عُقُود اللآل فِي المُوَشحات والأزجال) للنواجي (ص 205)

مؤلف هذه المخطوطة هو محمد بن حسن بن علي بن عثمان، الشَّمس النَّواجي نسبة لنَوَاج بالغربية بالقرب من المحلة بمصر، شاعر الوقت، ولد بالقاهرة عام 785 هـ. وتوفي سنة 859 هـ.

ويقع مجموع (عقود اللآل) في بابين، الأول يضم نصوصاً من الموشحات المغربية والمشرقية لمؤلفين من أمثال: ابن زهر، ابن الرَّقَّاق، ابن اللَّبَّابة، ابن الخطيب، ابن سَهْل.. وهؤلاء من موشحي المغرب. ومن موشحي المشرق اختار النَّواجي نصوصاً لابن حبيب صفي الدِّين الحِلِّي، ابن الدَّهَّان، الشِّهاب الموصلي، سراج الدِّين المَحَّار.. وغيرهم. والباب الثَّاني في الأزجال، وفيه منتخبات كثيرة لزجَّالين من المغرب والمشرق، أمثال: ابن قُزمان، ابن النَّبيه، ابن حِجة، الغباري، الزَّيني الخَرَّاط، ابن مُكَانس.. بالإضافة إلى أزجال النَّواجي نفسه.

وقد انتهى النَّواجي من تدوين مجموع (عقود اللآل) سنة 868 هـ.

- الفصل العشرون (مخطوطة فلسفة ومنطق): (عُنْوَانُ الحَقِّ وَبُرْهَانُ الصِّدْقِ) للأَبْهَرِي (ص 213)

مؤلف هذه المخطوطة هو أثير الدِّين الأَبْهَرِي المفضَّل بن عمر بن المفضَّل، ولد في قرية أَبْهَر قرب قَزْوين سنة 600 هـ، وتوفي سنة 663 هـ. واشتهر في عصره كواحدٍ من كبار الحكماء والمَناطِقة والمشتغلين بعلم الفلك.. وقد ترك في هذه التَّخصُصات العلمية عدة مُؤلفات.

أما مخطوطة (عنوان الحق وبرهان الصِّدق) فهي كتاب في الحكمة بمعناها العام، ويقع في ثلاثة أجزاء. القسم الأول بعنوان القول في المنطق، والقسم الثَّاني بعنوان القول في العلم الطَّبيعي، والقسم الثَّالث والأخير بعنوان القول في العِلم الإلهي.

- الفصل الواحد والعشرون (مخطوطة طبيعيات): (عَيْنُ الحَيَاةِ فِي اسْتِنْبَاطِ المِيَّاه) للدَّمَنْهُورِي (ص 223)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو العباس أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدَّمنهوري الشَّاطبي الشَّاطِر ولد بمدينة دمنهور الغربية عام 1101 هـ. وتوفي سنة 1192 هـ / 1778 م.

وفي مقدمة هذه المخطوطة، يشرح الدَّمنهوري معنى (استنباط المياه) فيوضح أن الاستنباط هو الاستخراج، وعلى ذلك فهذا العلم يقصد به استخراج المياه الكامنة في الأرض للانتفاع بها في إحياء النَّبات والحيوان.. وهو يُلفت النَّظر إلى مسألة طريفة، هي علاقة الإنسان بعناصر الطَّبيعة، فمن ذلك مشابهة نفس الإنسان للنَّار ويستدل على ذلك بأن الإنسان يعيش في المكان الذي تكون فيه النَّار، ويهلك حيث تنطفئ. كما يتحدث عن الرِّياح وطبيعتها واتجاهها، وكيفي تكوُّن السُّحب..

وفي الباب الأول من هذه المخطوطة (في بيان المواضع التي فيها ماء، والتي لا ماء فيها، والتي ماؤها قريب، والتي ماؤها بعيد) فيُعدِّد الدلائل على وجود الماء أو عدمه، ويستخدم في ذلك التجارب الدقيقة بعيداً عن أي تفكير غير علمي، ويشرح خطوات كل تجربة.

والباب الثَّاني (في حفر الآبار وما يتعلق بذلك) وفيه يبيِّن كيفية حف الآبار.

وفي الخاتمة يقدم تصوراً عن أقاليم الأرض وأنهارها وجبالها، ويضع تفسيراً علميّاً لحدوث الزَّلازِل والبراكين.

ويُعدِّد أقاليم الأرض، وخصائص كلَّ إقليم ومساحته، ويصف أهل كلّ إقليم من حيث لون البشرة وطبيعة الأخلاق، ثم يختتم مخطوطته ببعض الوصايا القرآنية والنَّبوية ، ويذكر طرفاً من أقول الحكماء، كقول أفلاطون: (اطلب العِلم يُعظِّمك الخاصَّة، واطلب المال يُعظِّمك العامّة، واطلب الزُّهد يُعظِّمك الجميع).

- الفصل الثَّاني والعشرون (مخطوطة طبيّة): (قَامُوسُ الأطِبَّاء وَنَامُوسُ الألِبَّاء) للقَوْصُونِي (ص 241)

مؤلِّفُ هذه المخطوطة هو رئيس الأطبَّاء، مَدْيَنُ بن عبد الرَّحمن القَوْصُونِي. كان مُديراً للبيمارستان المنصوري في القاهرة المعروف في زمنه باسم دار الشِّفاء. ولقب القَوْصُونِي نِسبة إلى بلدة قَوْص في صعيد مصر. ولد عام 969 هـ وتوفي سنة 1044 هـ.

مخطوطة (قاموس الأطبَّاء) تقع في مجلدين، ومن خلالها نتعرف على بعض المفردات التي يقدمها لنا القَوْصُونِي، وفيها عرض لخلاصة ما انتهى إليه العِلم العربي في ميادين الطِّب والصِّحة العامة وأمور العلاج والفسيولوجيا وتكوين الأعضاء وتشريح العِظام والعضلات والصَّيدلة والموازين الطَّبية وخواص الحيوان.. وقد صيغ ذلك كله بلغة عربية سليمة.

- الفصل الثَّالث والعشرون (مخطوطة طبيّة): (قَانُونُ الزَّمَانِ فِي تَدْبِيرِ الإِنْسَانِ) لابن البَيْطَار (ص 255)

مؤلِّفُ هذه المخطوطة (قانون الزَّمان في تدبير الإنسان) هو أبو محمد عبد الله بن أحمد المَالَقي النَّباتي، ضياء الدِّين، ويُعرف بابن البيطار. ولد عام 593 هـ وتوفي سنة 646 هـ/ 1248 م.

قامت شهرة ابن البيطار على كونه واحداً من أهم الصَّيادلة والعشَّابين في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. لكن في هذه المخطوطة (قَانُونُ الزَّمَانِ فِي تَدْبِيرِ الإِنْسَانِ) سنكتشف ابن البيطار في ثوب الطَّبيب النَّطاسي.

لا توجد من مخطوطة (قانون الزَّمان) غير نسخةٍ واحدة بمكتبة جامعة أوبسالا.

يبدأ (قانون الزَّمان) دائرة كبيرة تحت البسّملة وقبل الحمّدلة، تضم الأقسام الأربعة والأربعين للكتاب؛ وكأنها فهرس دائري، حيث يعرض لبيان العلل والأمراض، والأورام وأصنافها، والأمراض العارضة في ظاهر البدن.

- الفصل الرَّابع والعشرون (مخطوطة فلكية): (كِفَايَةُ التَّعْلِيمِ في معْرِفةِ وَضْعِ التَّقَوِيم) للرِيشي (ص 269)

مؤلف هذه المخطوطة هو أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد الشِّهاب الرِّيشي القاهري الميثاقي، وتوفي سنة 836 هـ. توجد نُسخة من هذه المخطوطة في دار الكتب المصرية. تقع المخطوطة في 34 صفحة من القطع المتوسط، وتشتمل على ثمان فصول وخاتمة.

- الفصل الخامس والعشرون (مخطوطة أُصُول الدِّين): (لُبَابُ المُحَصِّل) لابن خلدون (ص 277)

مؤلف هذه المخطوطة (لُبَابُ المُحَصِّل) هو أبو زيد وليُّ الدِّين عبد الرَّحمن بن محمد بن محمد الحضرمي الإشبيلي التُّونسي القاهري المالكي. ولد في أول رمضان من عام 732 هـ بتونس، وتوفي سنة 808 هـ ودفن بمقابر الصُّوفية خارج باب النَّصر بالقاهرة.

لَبَابُ المُحَصِّل؛ كتاب مشهور للإمام فخر الدِّين الرَّازي المتوفي سنة 606 هـ، عنوانه (مُحَصِّل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين). وهو كتاب في أُصُول الدِّين وعِلم الكلام. درس ابن خلدون كتاب (المُحَصِّل) وشرع في استخلاص (لُباب) كتاب (المُحَصِّل). وكتاب (لُبَابُ المُحَصِّل) لا توجد منه غير نُسخة واحدة فريدة في العالم محفوظة بمكتبة دير الأسكوريال وهي بخط ابن خلدون نفسه. وقد ألفه في أصول الدِّين وعِلم الكلام. ودراسة هذه المخطوطة كتاب (لُبَابُ المُحَصِّل) تكشف طبيعة الإطار المعرفي الذي نشأ فيه عبد الرَّحمن بن خلدون، والأُسُس الكلامية التي انطلق منها.

- الفصل السَّادِس والعشرون (مخطوطة أُصُول الدِّين): (مَحْوُ الشُّبُهَات) لإبراهيم حلمي القادري (ص 293)

مؤلف مخطوطة (مَحْوُ الشُّبُهَات عن مشروعية طلب المحو والإثبات وزيادة العمر والرِّزق والسَّعادة واستجابة الدَّعوات والكلام في القضاء والقدر) هو الشَّيخ إبراهيم حلمي القادري، الإسكندراني المولد والمنشأ والإقامة والوفاة. ولد عام 1322 هـ، وتوفي وهو يُصلي بتلاميذه تراويح ليلة السَّابع والعشرين من رمضان سنة 1390 هـ. رحمه الله. تقع المخطوطة في 157 صفحة من القطع الكبير، وهي تتناول مشروعية المحو والإثبات وما يتعلق بمسائل الدُّعاء، والحُرّيّة والجبريّة، والقدر، وغير ذلك من القضايا الكلامية المُتعلقة بعلم أُصُول الدِّين.

والكتاب ينقسم إلى قسمين، كل قسم فيه خمسة فصول، في القسم الأول فيه فصول: الاستطاعة، أفعال العِباد، العِلم الإلهي، القضاء والقدر، أُمّ الكِتاب الفاتحة. وفي القسم الثَّاني فيه فصول: المحو والإثبات، تعميم المحو والإثبات، استجابة الدَّعوات، زيادة الآجال والأرزاق ونقصانها، السَّعادة والشَّقاوة.. وينتهي الكتاب بخاتمة حول ليلة البراءة ليلة النِّصف من شعبان، وليلة القدر.

- الفصل السَّابِع والعشرون (مخطوطة سير وترجم): (مُخْتَصَرُ غِبْطَةِ النَّاظِرِ) لابن حَجَر العَسْقَلَانِي (ص 301)

مؤلف هذه المخطوطة هو ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ، نزيل القاهرة. ولد في سنة 773 هـ، وتوفي سنة 852 هـ. ودُفِن في القرافة بالقاهرة.

مخطوطة كتاب (مُخْتَصَرُ غِبْطَةِ النَّاظِرِ) عبارة عن تراجم للشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني، تسرد أخبار الإمام عبد لقادر الجيلاني فتحكي عن صلته بمشايخ وقته، وشيوخه في الطريقة والتَّصوُّف، وقد احتوت المخطوطة على بعض النُّصوص الجيلانية الباهرة.

والمخطوطة الفريدة ولعلها الوحيدة من كتاب (مُخْتَصَرُ غِبْطَةِ النَّاظِرِ) محفوظة بالخزانة العامة بالرِّباط بالمغرب، وتقع في 44 صفحة.

- الفصل الثَّامن والعشرون (مخطوطة موسوعية): (مَسَالِكُ الأَبْصَارِ فِي مَمَالِكِ الأَمْصَارِ) لابن فَضْلِ الله العُمَرِي (ص 315)

مؤلف مخطوطة (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) هو شهاب الدِّين أبو العباس أحمد بن يحي بن فضل الله بن مجلى بن دعجان بن خلف، الدِّمشقي الشَّافعي، المعروف بابن فضل الله العُمَرِي لأن أُصول نسبه تعود به إلى الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولد عام 700 هـ، وتوفي في عرفات وهو يقف مع الحجيج سنة 749 هـ. درس علوم عصره بالقاهرة ودمشق.

هذه المخطوطة الموسوعية (مَسَالِكُ الأَبْصَارِ فِي مَمَالِكِ الأَمْصَارِ) هائلة الحجم والقيمة، تقع في 27 مجلداً، وتُعد من روائع التُّراث العربي. وتنقسم إلى قسمين: الأول في الأرض، أي الجغرافيا وما يلحقها، والثَّاني في سكان الأرض، ويُقسم هذا الأخير إلى ما يتعلق بالحيوان النَّاطق وغير النَّاطق، فبحث في الأجزاء الأولى منه، في التَّاريخ الطَّبيعي والجغرافية ما يتبع ذلك من مسالك الممالك والرِّياح وعجائب البر والبحر ومواقع مشاهير البلاد، وخصوصاً مصر والشَّام والحجاز، ومنازل العرب، وتراجم الأطبَّاء والعُلماء والفُقهاء، ورجال العِلم والسِّياسة والإدارة. ثم نظر في غير النَّاطق والجماد، وبحث في العلوم الطَّبيعية كالمعادن والحيوان والنَّبات، وتوسع في وصف الطُّيور وسائر الحيوان. وقسم التَّاريخ حسب الأمم والبلدان على اختلاف الزَّمان والأصقاع، حتى 744 هـ، ودقَّق في تواريخ المغول والهنود والأتراك والأكراد، فضلاً عن الأمم الأخرى.

- الفصل التَّاسع والعشرون (مخطوطة فلكية): (نِهَايَةُ الإِدْرَاكِ فِي دِرَايَةِ الأَفْلَاكِ) للشيرازي (ص 329)

مؤلف مخطوطة (نِهَايَةُ الإِدْرَاكِ فِي دِرَايَةِ الأَفْلَاكِ) هو قطب الدِّين محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشِّيرازي، ولد في شيراز عام 634 هـ، وتوفي في تبريز سنة 710 هـ. وقد نشأ في بيت عِلمٍ، فكان لأبيه وعمه اشتغال بالطِّبّ، فقرأ عليهما المعارف الطّبية، وعمل في ابتداء أمره طبيباً بمستشفى شيراز، ثم ارتحل إلى مراغة ليدرس الفلك والرِّياضيات على نصير الدِّين الطُّوسي.

هذه المخطوطة الفلكية (نِهَايَةُ الإِدْرَاكِ فِي دِرَايَةِ الأَفْلَاكِ) للشيرازي، يوجد العديد من نسخها في أوربا، لكن الكاتب اعتمد على النُّسخة الخطية المحفوظة بمكتبة كوبرلى زاده باسطنبول في تركيا وقال أنها نسخة جيدة مزدانة برسوم هندسية دقيقة.

- الفصل الأخير (مخطوطة منطقية): (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) لابن النَّفِيس (ص 341)

مؤلف هذه المخطوطة (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) هو علاء الدِّين علي بن الحرم القَرَشي الدِّمشقي المصري، المعروف بابن النَّفيس، ولد عام 607 هـ بقرية قرب دمشق اسمها (القَرَش) وإليها نسبته، ونشأ وتعلم بالشَّام، ثم وفد إلى مصر وظلّ بها حتى وفاته سنة 687 هـ. وفي القاهرة اشتهر ابن النَّفيس ونال مكانة كبيرة بين معاصريه، حتى أصبح رئيس أطباء مصر.

ولا توجد من (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) غير مخطوطة وحيدة في العالم، محفوظة بمكتبة بودليان بأُكسفورد، وتقع في 200 ورقة من القطع الكبير والورقة صفحتان. وتشتمل (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) على مقدمة تتناول بيان الحاجة إلى المنطق ومنفعته وأقسامه وبعض الشُّكوك على المنطق وحلِّها. وتسعة أبواب تقع في تسعة كتب منها ما ينقسم إلى فصول كثيرة، ومنها ما لا ينقسم. وأوَّلها كتاب (إيساغوجي) هو مدخل ومقدمة في المنطق. والكتاب الثاني هو (قاطيغورياس) أو المقولات. والكتاب الثَّالث هو (بارير مينياس) أو العبارات، ويتناول الألّفاظ المركبة في جمل وأقسام الجملة والقضية، ويتوقف عند (القضية الشَّرطية) بوجه خاص، وهي الأساس الذي يقوم عليه المنهج الاستقرائي، والمنطق الرِّياضي المعاصر (اللوجيستيقا). والكتاب الرَّابع هو (أنولوطيقا الأولى) أو القياس، وفيه يتناول ابن النَّفيس أشكال القياس وضروب كل شكل وهيئة المقدمات والحدود والنَّتائج. والكتاب الخامس هو (أنولوطيقا الثاني) أو البرهان. والكتاب السَّادس هو ( طوبيقا) أو الجدل، ويعرض ابن النَّفيس عبر فصوله لماهية الجدل ومفاهيمه المتعددة، والغرض من الجدل والمطالب الجدلية المختلفة وكيفية الاحتيال في القول، بالإضافة إلى عملية القدح في الحدود والمقدمات. والكتاب السَّابع هو (سوفسطيقا) أو المغالطات والسفسطة. والكتاب الثَّامن هو (رطوبيقي) أو الخطابة وما يخص المتحدِّث منها. وأخيراً الكتاب التَّاسع وهو (قطوريقي) أو القياس الشِّعري، الذي يقول فيه ابن النَّفيس: القياس الشعري فائدته الحثُّ أو القبض بالتَّخييل، من غير اعتبار صدق؛ حتى لو أُستُعمِل فيه الصَّادق اليقيني، لم يكن ذلك شِعراً من جهة ما هو صادق، بل من جهة تخييله؛ فالتَّخيُّل من الشَّاعر بمنزلة الإقناع في الخطابة واليقين في العلوم.

وفي الأخير فإن أفضل ما أختم به هذه القراءة لكتاب (التُّراث المجهول - إطلالة على عالم المخطوطات) للدكتور يوسف زيدان، قول العلامة عبد الرحمن بن خلدون: (إن معرفة التُّراث هي العِلم بكيفيات الواقع وأسبابها).

***

أ. السعيد بوشلالق

فضاء المقدس لا يعرف الفراغ: تاريخ الإلحاد السوفيتي

ترجمة: ممدوح الشيخ

***

"هذا الكتاب الرائع يكشف بمهارة عن الطبيعة المتغيرة للدين في الاتحاد السوفيتي، وحدود العلمنة في ظل الشيوعية، والمكانة المهمة للروحانية في القرن العشرين. كما تكشف سمولكين المفارقة اللافتة للنزر في كيف وحدت السلطات السوفيتية نفسها تحاول إحياء الروحانية والعواطف الدينية، حتى عندما كانوا يسعون إلى تدميرها".

بول دبليو ويرث، مؤلف كتاب: "معتقدات القيصر الأجنبية: التسامح"

"هذا كتاب مبتكر، ومهم للغاية، تقدم سمولكين سردية حول تاريخ صنع الإلحاد السوفيتي، وما تلاه من تفكيك.. إنه جدير بالقراءة".

دينيس موزلوف، مؤلف كتاب: "التصالح مع الماضي الستاليني".

صدرت عن مركز تكوين للدراسات والأبحاث - السعودية بالتزامن مع معرض الرياض الدولي للكتاب الترجمة العربية لكتاب: "فضاء المقدس لا يعرف الفراغ: تاريخ الإلحاد السوفيتي"، وهو أطروحة أكاديمية للباحثة فيكتوريا سمولكين، وترجمه إلى العربية وقدم له الباحث المصري ممدوح الشيخ. وقد كتبت المؤلفة الكتاب للمرة الأولى كأطروحة حصلت بها على درجة دكتوراه الفلسفة في التاريخ من جامعة كاليفورنيا عام 2010، ثم قامت توسيع الحقبة التاريخية التي تغطيها الدراسة وأعادت إصداره عام 2018. وتتصدر مقدمة المؤلف عبارة نصها: "بحلول نهاية الحقبة السوفيتية، كان الروس شعبًا مشوهًا دينيًا، تعرضوا لأضرار جسيمة، على المستويين الفردي والمؤسسي، بسبب عقود الإلحاد التي رعاها الحزب". واستعرض المترجم في ترجمته ملامح عودة الدين إلى الحياة العامة في روسيت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مطلع نسعينات القرن الماضي. ويستشهد ممدوح الشيخ برسالة مفتوحة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول "تغلغل الكنيسة الروسية الواسع في جميع مجالات الحياة الاجتماعية"، وقد وجهها في يوليو 2007 علماء روس، بينهم الحائزان على جائزة نوبل للفيزياء: فيتالي غينزبورغ وجوريس ألفيوروف، وانتقد موقعوها تغطية الإعلام المتحمسة للشعائر الدينية التي يشارك فيها رجال الدولة، بينما الكنيسة تتغلغل تقريبًا في جميع مؤسسات السلطة.

ويتناول الكتاب تعليم الإلحاد السوفيتي وطقوس دورة الحياة الاشتراكية في فترة ما بعد الحرب. ويتبع السرد دورتين مختلفتين متداخلتين في الحياة: دورة الإلحاد العلمي الماركسي اللينيني، حيث جرت محاولة لملء الفراغ الذي كان يشغله الدين بمحتوى روحي سوفيتي واضح، ودورة حياة المواطن السوفييتي الذي تم ترتيب حياته بهدف جعلها ذات مغزى عبر معتقدات وطقوس سوفيتية. وقد ناقشت سمولكين جهود الدولة السوفييتية لوراثة المؤسسات الدينية، ودرست أسباب فشل الإلحاد رغم أجندته الأيديولوجية الشاملة، ورغم الطقوس الاشتراكية التي اختُرعت ونُشرت على نطاق واسع حتى عصر خروتشوف. وقد أصبح الأيديولوجيون السوفييت – متأخرًا – أكثر وعيًا بالتناقضات التي كشفت عن نفسها عندما حاولوا تحويل المعتقدات والطقوس الأيديولوجية إلى قناعات وممارسات يومية. ونتيجة لذلك، أصبح الاهتمام المتجدد بالحياة الروحية لـ "المادة البشرية" للثورة مركزيًا لتفسيرات الماركسية اللينينية، وكذلك لمصير التجربة السياسية السوفيتية. وقد درست فيكتوريا سمولكين في أطروحتها الأكاديمية على نطاق أوسع، أهمية طقوس المجتمع الحديث ووظائفها، وكما حاولت أن تقيم مدى قدرة الدولة السوفيتية على توجيه هذا الجانب من حياة الفرد والمجتمع.

والكتاب لا يشمل دراسة "نظرية" للإلحاد، وبدلًا من ذلك يقدم سردية شديدة الثراء لحقبة أخفيت الكثير من وثائقها لعشرات السنين، وكانت موضوعًا للإنكار والنفي المتكرر في أدبيات عديدة استهدفت نفي الطبيعة الإلحادية للتجربة السوفيتية، ومن الحقائق المؤسفة أن المكتبة العربية كان نصيبها كبيرًا من هذه الكتابات المضللة التي استهدفت بشكل مقصود "تبييض وجه الشيوعية". وبسبب غياب هذا الجانب النظري مر المترجم في مقدمته على بعض المفاهيم الرئيسة في الإلحاد الشيوعي. وبحسب: "المعجم العلمي للمعتقدات الدينية" وهو "ثمرة جهد مجموعة من العلماء والمتخصصين من الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية استغرق عدة سنوات"، "مركزية الإنسان في الكون" هي "مفهوم ديني مثالي يضع الإنسان في مركز الكون ويجعل منه الغاية النهائية من خلقه. وتؤكد هذه النظرية أن هناك أهدافًا وذرائع موضوعية متعالية عن البشر (إلهية) وراء خلق العالم .. .. .. .. وقد يتمثل الشكل النهائي لنظرية "مركزية الإنسان في الكون" في اليهودية والمسيحية والإسلام. وقد قوض العلم الطبيعي – ممثلا في كوبرنيكوس وجاليليو ودارون وأينشتين – جنبًا إلى جنب مع الفلسفة المادية، أسس هذه النظرية". و"الإلحاد الماركسي" هو "مرحلة جديدة من حيث الكيف في تطور الفكر  الإلحادي، . .. .. وظهر بوصفه النظرية العلمية الحقة التي تعبر عن مصالح تلك القوة الثورية والتقدمية (أي الطبقة العاملة) على نحو متماسك ومتسق. ويصف لينين جوهر الإلحاد بقوله: "الماركسية هي المادية وهي بصفتها تلك مناهضة على نحو لا يعرف الهوادة للدين".

ومن بين سمات المجتمع الشيوعي التي لفتت نظر المراقبين الغربيين باستمرار كانت السياسة السوفيتية الطموح التي تهدف إلى تغيير الشخصية البشرية. لقد فرضت الأيديولوجية السوفيتية أن يتم إنشاء "الشخص السوفيتي الجديد" ليكون: محبًا للسلام، عالميًا، وطنيًا، ملتزمًا بالقانون، جماعيًا، مجتهدًا، وملحدًا متشددًا. ولتعزيز الإلحاد أنشأت سلطات الدولة والحزب الشيوعي برنامجًا تعليميًا شاملاً يُترجم على أنه: "التنشئة الملحدة". وقد كانت تلك النواة الصلبة للمخططات العامة لتكوين الشخصية التي ابتكرتها السلطات السوفيتية، كما تصورها ونفذها خبراء الحزب الشيوعي، وتضمن هذه المخططات "جهودًا متعددة الأوجه عبر العمر لتغذية الإلحاد، وتحويله إلى طريقة تفكير لكل مواطن سوفيتي".

وفي سياق الثقافة الإسلامية، يتقاطع موضوع الكتاب بشكل واضح مع قضيتين: الأولى تركيز المؤلفة على الكنيسة الأرثوذكسية – بشكل رئيس – كهدف لسياسات الترويج الرسمي للإلحاد، رغم أن مسلمي روسيا كانوا ضمن المكونات الدينية التي استهدفتها الدعاية الإلحادية السوفيتية. والقضية الثانية طبيعة التأثيرات التي انتقلت إلى عديد من الدول العربية المسلمة بتأثير المد اليساري الكبير في خمسينات وستينات القرن العشرين بصفة خاصة. وبحسب الباحث البريطاني براين ويتاكر، كانت اليـمن الـجنوبي النـموذجَ الوحيدَ للحكـم الـمـاركسيّ اللينينيّ "الحرفي" في الـمنطقة. وكانت حكومتها تطمح لبناء مـجتـمعٍ "عقلانيّ اشتراكي"، ووجدت نفسها مضطرةً لـمواجـهة مسألة التعامل مع الإسلام، فاتـخذت إجراءاتٍ صارمةً، وعنيفة أحيانًا، ضدّ الـمؤسسة الدّينية كتأميـم الأوقاف وتوظيف رجال الدّين لدى الدولة. والسيطرة على الـمؤسسات الدّينية. وقد انتهج النظامُ القائـمُ نهجًا معقدًا، بـمشورة سوفيتية على ما يبدو، ويقال إنَّ اللجنة الـمركزية للحزب الوحدويّ الاشتراكيّ بألـمـانيا الشرقية أوصتِ النظامَ اليـمنيَّ بـالآتي: "الدّين يُستعمل كسلاح ضدّكـم، فلمـا لا تستعملون السلاح ذاته ضدَّ أعدائكـم؟ لـمـاذا تتخلون عن الـمبادرة لـحساب الرجعيين والانتهازيين؟ لـم لا تكون الـمبادرة للتقدميين؟ لـم لا تقولون إننا ضدّ الرأسـمـاليّة الاستغلاليّة؟" وقولوا "إن سيدنا مـحمدًا كان ضدّ الرأسـمـالية الاستغلالية؟". دفع ذلك الـحكومةَ لترويـج إسلام اشتراكـيّ يـُحتفَلُ فيه بـميلاد "لينين" مع احتفالات دّينية تقليدية. الإسلام الاشتراكيّ يشبه حركة "لاهوت التحرير" بأمريكا اللاتينية. وفي دراسة عن التعايش الهشّ والـمضطرب بين الإسلام والدولة باليـمن الـجنوبي، قال نورمان سيجار "إنَّ الاشتراكيين اليـمنيين تعاملوا مع الإسلام كـظاهرةٍ اجتـمـاعيةٍ اقتصاديةٍ معنيةٍ بعالَمنا فقط"، و"تـجاهلوا أو ربّمـا هـمّشوا الـجوانب الأُخرى من الإيـمـان".

وفي النهاية، كان الهدف النهائي للماركسية السوفييتية "تطوير بيئة نقية حيث تكون تأثيرات الإيمان الديني محدودة جدًا بحيث يصبح الفراغ في المجال الديني مستدامًا ذاتيًا. وفي التصور الأيديولوجي، يمثل مثل هذا الوضع بيئة نقية حيث يمكن أن يحدث تطور الشخصية الكاملة للشخص الشيوعي الجديد دون عوائق". وقد كان الهدف النهائي للتنشئة الإلحادية ما أسماه الكتاب السوفييت: "نظرة علمية إلحادية للعالم"، وبذلت الدولة كل ما في وسعها "للتغلب" على الدين، لجعله "يذبل"، ولكن عندما فشلت مساعيها "البناءة"، كانت مستعدة لنشر مجموعة واسعة من أجهزة الرقابة الاجتماعية للقضاء على العادات الدينية. وبعد عقود من "الإغواء" و"القمع" انهار الحزب الشيوعي السوفيتي ومشروعه الإلحادي.

*** 

الكتاب: فضاء المقدس لا يعرف الفراغ: تاريخ الإلحاد السوفيتي.

المؤلف: فيكتوريا سمولكين.

ترجمة وتقديم: ممدوح الشيخ.

الناشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث - السعودية.

عدد الصفحات: 560 صفحة من القطع الكبير.

تاريخ النشر: 2022.

A Sacred Space Is Never Empty

A History of Soviet Atheism

Victoria Smolkin

2018

Princeton University Press

UK

عن منشورات الجمل، التي يديرها الشاعر المبدع خالد المعالي، صدر للباحث وألأكاديمي العراقي الأستاذ الدكتور إسماعيل نوري الربيعي، كتاب الوليمة الباردة العراق؛ رهانات الهوية المتشظية. الوليمة الباردة. ذلك هو حال العراق، الذي ما انفك يعيش أحوال الفريسة التي ينقض عليها الجميع. وصفه المؤرخ الإغريقي هيرودوت بــ سرج الرياح، كناية عن ساحة الحرب الناشبة بين الحضارات والأمم والقبائل والدول والمجتمعات. وليمة تكالب عليها اللئام والطامعون والحاذقون والمستذئبون، وكل ما خلق الله من أنواع. وليمة مرّ عليها الكافرون والملحدون، الفسقة الفاجرون. المؤمنون الصالحون، والعابدون الزاهدون. العقلاء والمجانين، الراسخون في الجهل كما الراسخون في العلم، المقبلون طرا نحو هذه الأرض (المزار المشتهاة) بحسب تعبير الشاعر كاظم الحجاج. لكنها ظلت وليمة، وباردة.

على الرغم من حرارة أفئدة أبنائها، ودفء مشاعر أهليها، وسخونة عواطف مواطنيها. إلا أن الفقد والكرب والحزن، يبقى فاردا قلوعه على فضاءاتها ومساحاتها وأشيائها الكثيرات. بلاد لا ترعوي عن محو حوافر خيل الغزاة، وما ترددت يوما عن تكسير سنابك جيوش الفاتحين. أرض تشرئب للمحن، تداوي عللها بالصبر، وتضمد جراحها بالمروءة. إن غدت اليوم وليمة باردة، تستهدفها الوحوش الكاسرة، راغبة في إذلالها والسطو على عنفوانها، إلا أن أبناءها الصيد الميامين، ما لبثوا ينهضون، مقارعين الأحوال والأهوال. مشرئبين للقادم من الأيام، بكل ما فيها من ألوان وأحداث وأجداث، ومصاعب وأفراح ومسرات.

وليمة باردة، هكذا يتراءى لمن لا يعرف هذه البلاد عن كثب. يظن فيها الظنون. ويعتقد حتى يدخل في روعه أنه قد تمكن منها، وهيمن على مقدراتها، وجعل منها رهينة لإشباع نزواته ورغباته وشهواته. لكن هذا القنوط والبرود والتداعي، سرعان ما يتهاوى عبر لحظة لحظة اليقين التي تقوم عليها هذه البلاد. فهي ليست باللقمة السائغة، ولا النطيحة المتردية. إنها البلاد التي يجوسها الأمل، وتينفس بين ظهرانيها الخشوع والتبتل والحِلم. بلاد ينهض فيها الوليد، يستحث إرادة الحياة، يستنهض المروءات والاعتزاز والحبور والفخار. بلى هذه البلاد تعيش أحوال قنوطها في لحظتها الراهنة. لمنها تبقى مرفوعة الرأس بأبنائها الغر الميامين.

الوليمة الباردة؛ العراق رهانات الهوية المتشظية، عنوان كتاب يعالج القضية العراقية، تلك التي ما فتأت تحضر إلى الواجهة لمبررات جمة وشتى.

عالج الفصل الأول مسألة الدستور العراقي الذي صدر عام 2005، في أعقاب التغيير الذي شهده العراق. دستور عقد عليه الأمل في بناء عراق ديمقراطي، يقوم على مبدأ الدولة المدنية وتجليات المجتمع المدني والشفافية والمساواتية والعدالة، وتكريس الحقوق الأساسية للإنسان العراقي. إلا أن القراءة الفاحصة، والتدقيق الهادي في تفاصيل هذا الدستور سرعان ما يكشف عن نزوع صدر من قبل المشرعين، يقوم على المحاصصة البغيضة، والحرص الشديد على تكريس نفوذ النخبة الحاكمة. دستور يقوم الاستهلال فيه على المزيد من الشحنات العاطفية، والتراكيب اللغوية التي لا تمت بأي صلة باللغة الدستورية والتشريعية، المستندة إلى الوضوح والمباشرة. دستور وضع نفسه حبيسا في الماضي، وأضاع التاريخ.

الفصل الثاني: التفاوض حول العراق؛ قراءة في ضوء نظرية الخيال السوسيولوجي. حاول من خلال منهجية الخيال السوسيولوجي التي أسس لها عالم الاجتماع والفيلسوف رايت ميلز، رصد اللحظات التاريخية التي سبقت الإعلان عن الكيان العراقي. والطريقة التي تفاوض بها الساسة (البريطانيون تحديدا) حول طريقة بناء هذا الكيان السياسي، والتركيز على حساب الحقل والبيدر والجدوى الاقتصادية، وحساب المصالح. لحظة برع فيها لويد جورج في تفاوضه مع الفرنسيين، وعمل على تنفيذها الدقيق ونستون تشرشل. فيما تبقى اللواحق والتوابع تشير إلى حضور لــ برسي كوكي والمس بيل.

الفصل الثالث: حاول التوقف عند ثورة العشرين العراقية، بوصفها منعطفا تاريخيا في حياة العراق السياسية. المعالجة توقفت عند مفهو الذاكرة، وطريقة التعاطي مع الأحداث التاريخية. حيث التطلع نحو نزع القداسة عن الماضي، مع أهمية التعاطي مع الحدث بروح تاريخية علمية، تقوم على الإعلاء من شأن التفكير الناقد النائي بنفسه عن المسلمات والمقدسات. مع أهمية الإقرار بأن الحدث التاريخي، غنما هو يقوم على الصناعة الإنسانية، بكل ما فيها من تفاصيل ومدركات ورؤى وتصورات.

الفصل الرابع: ركز على قراءة ؛ رهانات الهوية المتشظية قراءة في التقرير السري للملك فيصل الأول عام 1932. والذي لخص فيه رأيه بالوضع العراقي بصراحة غير معهودة، وآراء صادمة تصل إلى الاحباط. وعلى طريقة التداعي الحر، أفرغ الملك فيصل مكنون نفسه، حول الحالة العراقية. لكن كل هذا الجهر، كان قد انطوى على الكتمان والسرية. فكل ما صرح به الملك فيصل الأول لم يزد في الواقع عن مذكرة داخلية (شديدة السرية) توجه بها إلى رجال النخبة الحاكمة، من حاشيته المقربين.

الفصل الخامس: حاول دراسة موضوع دولة السطوّ الشرعي، تشريع الكلبتوقراطية في العراق في ضوء نظرية العدة الأيديولوجية للدولة، حيث التوجه نحو قراءة ظاهرة الفساد الإداري، التي انتشرت في عراق ما بعد 2003 بشكل لافت ومريع. لا سيما بعد أن توطنت فكرة المحاصصة في مفاصل الدولة العراقية. حاولت القراءة تتبع أصل الفساد وأسبابه والعوامل التي ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة المريعة والمقيتة.

خاتمة الكتاب: ركزت على قراءة مابعد الديمقراطية ؛ المعرفة بوصفها سلعة لها فائدة، وسعت إلى تتبع الركائز المعرفية التي تقوم عليها فكرة الديمقراطية، والتطورات التاريخية والفكرية التي نالت من هذا المفهوم. الواقع أن الخاتمة حاولت الوقوف على مفهوم (ما بعد الديمقراطية) والتي يشكل مدارا نقديا، ظهر مؤخرا على يد كبار المفكرين والمنظرين السياسيين. دراسة ما بعد الديمقراطية لها ما يبررها في أن تكون خاتمة للكتاب، باعتبار أن التغيير الذي نال العراق، إنما يقوم على فكرة الدمقرطة التي بشرت بها الولايات المتحدة، في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي، وبروز ظاهرة القطب الواحد الذي تمثل في الولايات المتحدة، والتنظيرات المرافقة لها، لا سيما على يد الفيلسوف السياسي فوكوياما حول الديمقراطية بوصفها النموذج النهائي للسياسة في العالم.

***

صدر حديثا عن دار الفرات للثقافة والاعلام - العراق - بابل 9-9-2022 بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع كتابي الموسوم: (الفرهود - ظاهرة اجتماعية عامة في  المجتمعات الغارقة في التخلف - العراق انموذجا) وهو اول دراسة لظاهرة الفرهود في العراق. الكتاب تضمن (612) صفحة من الحجم الوزيري، وكُسِرَ على (11) فصلاً.

الفصل الأول تضمن الفرهود في العهد السلجوقي، أما الفصل الثاني كُسرَ بواقع حال الفرهود في العهد المغولي، كما احتوى الفصل الثالث الفرهود في عهد الدولة الإيلخانية. أما الفصل الرابع فقد وضح حال الفرهود في العهد العثماني الأول في العراق، والفصل الخامس دَونَّ الفرهود في العهد العثماني الثاني، والفصل السادس أوضح حالات الفرهود في العراق نهاية القرن الثامن عشر. أما الفصل السابع فقد سلط الضوء على حالة الفرهود وغارات الوهابيين على العراق. أما الفصل الثامن فقد تضمن حالات عمليات الفرهود في عهد سليمان الكبير. أما الفصل التاسع فقد أحتوى حالات عمليات الفرهود في عهد العراق الملكي. والفصل العاشر سلط الضوء على حالات الفرهود في حقبة نظام البعث 1968-2003م، أما الفصل الحادي عشر فقد نقل واقع حال الفرهود بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، وفي النهاية اختصار حالات الفرهود في العراق لما ذكرنا في الكتاب واحتوته الخاتمة.4235 نبيل الربيعي

غالباً ما يسعى أرباب الحركات الوضعية التغييرية إلى إحداث تغيير جذري ينقلب فيه على واقع الشعب نظاماً ومنهجاً وسلوكاً وقيماً، لأنهُ يتحرك في حدود الفعل وردة الفعل المبنية على تفاعلات فكرية وعاطفية وعصبية وثأرية، بما يمس صميم إنسانية الإنسان وخطوط مسيرته التكاملية، فيلجأ إلى العمل على تحديد نُظم حياة جديدة بحسب رؤى ومتبنيات بشرية قاصرة ومقصرة تدفعها الميول والأهواء والمصالح والعواطف والرغبات والعصبيات والتحزبات، فتمارس لأجل تحقيقها سياسة الترغيب والترهيب والحيلة والخداع والوعود الزائفة، من أجل خطف إرادة الشعب وتذويبها ضمن إرادة دعاة التغيير، التي لا تخرج في واقعها عن تسييس المجتمعات وفق أهداف ضيّقة تُمزق وحدة المجتمع مرة بعد أخرى، وبالتالي تسلب (تفرهد) منه ثرواته وإرادته.

حينما نتكلم عن العراق بموضوعية في إطار زمن محدود لا يُمكن لنا أن نتجاوز المحطات المفصلية المؤثرة في طبيعته عبر التاريخ، لأنّ لها دوراً تراكمياً كبيراً في تركيب شخصيته، وتغيير بوصلة اتجاهه تبعاً لقوة جاذبيتها المتسلطة عليه ولو في جهة من الجهات، وقد ثبت أنّ حركة الأمة متغيرة بفعل ما يطرأ عليها من حوادث واقعة عليها قهراً أو بمحض إرادتها، سواء كانت من الداخل أم من الخارج، وواقع الحال يكون التغيير مختلفاً بطبيعته من جهة إلى جهة باختلاف مناهجه وقوة تأثيره ومساحة بسط نفوذه، وآليات عمله ومدى استجابة الجماهير له. وعلى ضوء ذلك تتم عمليات تسقيط التوجهات السابقة واستبدالها بأخرى، لتحديد هوية جديدة، وانتماء ذي طابع مغاير لسابقه، فتجد حينئذ تغيرات حاصلة في المبادئ والقيم والأخلاق والنُظم، بل حتى المعتقدات والشعائر العبادية والطقوس والرجال الدعاة، ومن هنا يجري توظيف قادة وزعامات جُدد يتفاعلون مع هذه المتغيرات، حتى تكتمل عندهم دائرة التحول الاجتماعي داخل الأمة، ضمن إطار الهوية الحديثة، وهذا البناء الجديد للأمة والصياغة المستحدثة لها، تبعاً لإرادة جديدة مهما كان توجهها، لا تقوم عادة كما هو الواقع التاريخي إلا بتحطيم الرموز القديمة، وتهديم بنائهم ونظامهم بكل الوسائل الممكنة، ورفع أنقاضه، ووضع خارطة عمل وبناء يتناسب وتطلعات الحركات التغييرية القائمة بالأمر، والتي لا يعني أنها تعتمد التغيير الايجابي الذي يتناسب مع تطلعات وطموح الشعب، تبعاً لتطور الزمان وتغير المكان بل غالياً ما كان التغير سلبياً، لأنه يسير وفق قناعات الجماعات الحاكمة المستبدة التي تسعى جاهدة لتغيير البُنية الاجتماعية لدى شعوبهم، وفق إرادة وإيمان الحاكم القاصر والمقصر، وبفعل قوة الحاكم الذي يتسلط على إمكانيات الدولة من الجيش والشرطة والقضاء والسجون ومنافذ الحياة الاقتصادية المهمة، وكذا خشية الجماهير على مصالحها وحقوقها من الضياع والمصادرة وشعورهم بالضعف اتجاه الحاكم وزبانيته وتجنبهم ضرره حتى صار الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون على دين ملوكهم.

وهكذا مرَّت أدوار هزيلة على الشعب العراقي عبر التاريخ وإلى يومنا الحاضر، لكونه عاش أدواراً متضادة ومتناقضة في صميم حياته الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، ففي كُل دولة من الدول المتعاقبة تتبنى غالبية الجماهير وجهة نظر تلك الدولة حتى أثَّر ذلك على طبيعة الشعب وسلوكه وتصرفاته وسهولة انقلابه وتغيره وكأنه اعتاد وتطبع على هذا المنهج في التحول، واستساغ حالة التقمص ولعبة الأدوار المختلفة وازدواجية المواقف والتحالف مع الأضداد. ونأمل أن يكون هذا الكتاب قد ساهم برفد المكتبة والمجتمع بدراسة عن مراحل الفرهود في العراق، لعلها تكون نافعة بتوثيق بعض المعلومات، وبيان الواقع الغالب على طبيعة المجتمع العراقي.

الفرهود كما جاء في لسان العرب لابن منظور: ولد السبع وقيل ولد الوعل، ويقال أيضاً للغلام الغليظ، وصرفوه فقالوا: تفرهد إذا سمن. وهو مصطلح غريب في اللغة العربية، لم تذكر القواميس العربية هذا المصطلح ولكن الفرهود يعني السلب والنهب وهذه صفة ملصقة بالمجتمع البدوي حسب تفسير العلامة علي الوردي، بأن البدوي نهاب وهاب، وقد يكون نهاب فهذه الطبائع موروثة بشعب العراق دون غيرة، وتشير بعض الدراسات منها للمهندس البريطاني وليم كوكس: (إن أحداث الفرهود هي من خصال الشخصية العراقية وطبيعة وادي الرافدين في معرض تمييزه لها عن نهر النيل، وما أشار إليه من اختلاف في مناسيبها التي ترتفع بصورة مفاجئة وخلال فترة السنة. فتدمير للمحاصيل الزراعية وتحطيم للسدود وقنوات الري، الأمر الذي يؤجج الصراعات والتنازع بين السكان والعداء والاقتتال)، إن تعرض الإنسان المعاصر في العراق لمثل هذا التناقض الصارخ والمتعارض مع الحقيقة التاريخية المثبتة التي تؤكد أن بلاد الرافدين هي المكان الذي نشأت وكُتبت وطبقت فيه منذ أكثر من أربعة آلاف سنة أولى القوانين في التاريخ البشري لحماية حقوق وحرية الإنسان مثل قانون اشنونا وقانون لبث عشتار وقانون أورنمو وقانون حمورابي والقوانين الآشورية وغيرها، وهنا تبرز الحقيقة المفجعة فأقدم القوانين قد ظهرت في العراق بينما هدر الحقوق والكرامات يتواصل في العراق، وهذه الدراسة لم تستبعد السلوكيات للمجتمع العراقي وخاصة المجتمع البدوي الذي بدء أبناؤه ينسحبون إلى المدن وينقلون عاداتهم وتقاليدهم الغير صحيحة معهم في التجمعات السكانية، وأعمالهم في الدوائر الحكومية والتنظيمات السياسية في العراق الجديد وسلوكيات أبناء المجتمع البدوي.

تضمن الكتاب على المقدمة والتمهيد والخلاصة وإحدى عشر فصلاً،

لا بد من توجيه الشكر وأسمى آيات العرفان إلى كل من الصديق صباح السماك، والباحث محمد علي محي الدين لمراجعة الكتاب والتصويب والتعديل والتنقيح، إذ كان لهما الأثر الواضح والحميد في مواصلة العمل لإخراج هذا الكتاب إلى النور ووضعه في متناول القراء.

***

نبيل الربيعي/ حلة/ 6 ايلول 2022

الباحث التجاني بولعوالي يقارب الإسلام في الغرب من زوايا فكرية متنوعة

يواصل المفكر والباحث المغربي د. التجاني بولعوالي مساره الفكري بإصدار جديد تحت عنوان: "الإسلام بين جدلية الذات والآخر، مراجعات فكرية للإسلام في الغرب" عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة. ويندرج هذا الكتاب الجديد في إطار مقارباته العقلانية والاستشرافية للعلاقة بين الإسلام والغرب. ولا يمكن فهم هذا العمل منفصلا عن أعماله السابقة (المسلمون في الغرب، صورة الإسلام، الإسلاموفوبيا، المسلمون وفوبيا العولمة، الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب)، التي اشتغل فيها على مختلف قضايا الإسلام والمسلمين في أوروبا والغرب. وتشكل هذه الدراسات حلقات ومداخل نظرية وتمهيدية لمشروع موسع ومعمق قيد الإنجاز والبحث والتطوير. ويتضمن هذا الإصدار الجديد سبع مراجعات فكرية، تختلف من حيث وقت كتابتها، إذ تمت صياغتها خلال فترات مختلفة في العقدين الماضيين. ثم إنها تتنوع من حيث القضايا التي تتناولها كالعلمانية والعولمة والتربية والتطرف والربيع العربي وغيرها. وعلاوة عن ذلك، فإن المؤلفين يتباينون إلى حد كبير من حيث توجهاتهم الدينية والإيديولوجية (مسلمين وغير مسلمين)، وسياقاتهم (غربيين وعرب)، وأعمارهم (صغارا وكبارا).

ويستحضر الباحث بولعوالي في مقدمة الكتاب حوارا يعود إلى عام 2007، كان قد أجرته معه جريدة الوقت البحرينية حول مختلف قضايا الإسلام في الغرب، كالاندماج والتعليم والتجديد وغيرها. وقد ميّز حينها بين وجود غربين أحدهما إيديولوجي يحيل على مفاهيم الاستعمار والهيمنة والاستعلاء والقوة، والآخر غرب حضاري يقدّم للإنسان شتى القيم الإيجابية والإنجازات المفيدة، وهو أيضا ذلك الغرب الذي هيّأ ملاذاً دافئاً لملايين المهاجرين واللاجئين المسلمين والأجانب. وقد اكتشف لاحقا أن هناك أيضا من الباحثين من يميز بين هذين النمطين المتعارضين من الغرب كمحمد أركون وزكي الميلاد.

ويعتقد بولعوالي أن هذا التقسيم من شأنه أن يشكل مخرجا منهجيا في التعامل مع الغرب، الذي لا ينبغي أن يوضع كله في بوتقة واحدة، وينظر إليه بعين الريبة والسلبية والخوف، فالغرب متعدد في كينونته وسياقه وتاريخه وتعامله مع الآخر. ومن الضروري أن ندرك قيمة هذه التعددية الإيجابية التي تمكننا من التمتع بالحقوق والمكاسب والمنجزات، التي يوفرها لنا ذلك الغرب الإنساني والحضاري. ويقتضي هذا في المقابل أن لا نظل في موقف "سالب" كما كان الأمر طوال عقود الهجرة الأولى، بقدر ما ننخرط في الواقع عبر الإسهام والمشاركة والمواطنة والحوار. ولعل هذا ما تشدد عليه مختلف الدراسات الراهنة، التي تنظر إلى العنصر الإسلامي بكونه جزءا لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية والغربية المعاصرة، رغم تصاعد المد العنصري اليميني الرافض لما هو إسلامي في مقابل خطاب التطرف الذي يهدد استقرار تلك المجتمعات.

ويتضمن هذا العمل سبعة فصول تتوزعها سبع مراجعات. تعالج المراجعة الأولى كتاب اللاهوتي الأمريكي بيلي كرون هل الإسلام دين حرب أم سلام؟، الذي يظل وفيا للجدل اللاهوتي التقليدي الذي كان يجري بين المسلمين وأهل الكتاب من النصارى واليهود، لاسيما في العصرين الأموي والعباسي ولاحقا في الأندلس. فهو يستحضر فيه الأحكام السلبية القديمة حول الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعيد إنتاجها بشكل مسفّ، بل ويحشوها بشتيت من المغالطات التي لا تمت بصلة إلى الموضوعية والواقعية.

تناقش المراجعة الثانية كتاب دليل حول الإسلام للمفكر الكاثوليكي الأمريكي جيمس بفيرلي، الذي يحاول من خلاله تقريب الإنسان الغربي من مختلف قضايا الإسلام العقدية والتعبدية والتاريخية. رغم أن هذا الكتاب يوحي بأنه دليل تعريفي بالإسلام، غير أنه في الحقيقة يشكل مقاربة فكرية وفق فيها الباحث بين التوصيف الموضوعي لجملة من الحقائق الإسلامية الجوهرية وبين التفسير الشخصي لاسيما للقضايا ذات الطابع الإشكالي في السياق المعاصر، كالمرأة والإرهاب والقضية الفلسطينية.

تتعرض المراجعة الثالثة لكتاب الإسلام والغرب: الحاضر والمستقبل الذي هو بمثابة نقاش بين باحثين عربيين (تركي علي الربيعو وزكي الميلاد) حول العلاقة بين الإسلام والغرب. خصّص الربيعو بحثه لظاهرة الخوف من الإسلام من خلال قراءة أربعة أعمال فكرية مهمة لجعيط وأركون والجابري وإدوارد سعيد، في حين بحث الميلاد في إمكانية تأسيس منظور معرفي لعلاقات مستقبلية إيجابية بين الإسلام والغرب.

تتناول المراجعة الرابعة كتاب أبي، ماذا يعني أن تكون مسلما؟ للروائي المغربي الطاهر بن جلون، وهو مؤلف يوضح للأجيال الناشئة حقيقة الدين الإسلامي ومختلف جوانب الحضارة العربية الإسلامية قصد تقديم صورة ما حول الإسلام بصفة عامة. لذلك سوف نرصد من خلال ما يأتي الكيفية التي يقدم بها الكاتب هذه الصورة، حيث نثبت بعض الجوانب الإيجابية لهذا العمل، لكن دون التغاضي عن بعض المغالطات التي انزلق الكاتب في مطباتها.

تنفتح المراجعة الخامسة على موضوع مهم ينطر إليه على أنه من قضايا الساعة، وهو الربيع العربي الذي تم تناوله من خلال كتاب الصحافي الهولندي يان أيكلبوم: الربيع العربي، تقرير لشاهد عيان. والغرض من انتقاء هذا الموضوع هو رصد جانب من النظرة الغربية الراهنة إلى ما يجري في المنطقة العربية وشمال إفريقيا منذ ديسمبر 2010.

تقارب المراجعة السادسة كتاب الناشطة والفاعلة المدنية الباكيستانية ملالا يوسفزي: أنا ملالا الفتاة التي ناضلت من أجل التعليم وأطلق عليها طالبان النار، التي تركز في تناولها على البديل التربوي وتعليم المرأة كمخرج لآفة التخلف التي يتخبط فيها العالم الإسلامي. وقد أدركت أهمية هذا الجانب منذ أن كانت طفلة، فاستمرت في دعوتها رغم التهديدات الإرهابية التي كادت تودي بحياتها. ومع ذلك، فهي ماضية في مساعيها الإصلاحية التي أصبحت تتخذ اليوم بعدا كونيا.

تشتغل المراجعة السابعة والأخيرة بكتاب هل هذا هو الإسلام الآن؟ للإمام والمثقف خالد بنحدو، الذي خلق نوعا من الجدل على الصعيد الفلامانكي. وهو يطرح في مقاربته الإسلام العقلاني بديلا لمختلف أنماط الإسلام (السلفي، التنويري، الأوروبي، الإخواني، الراديكالي). وقد تمت مراجعة أهم جوانب هذه المقاربة مع مناقشة بعض الرؤى الخلافية والإشكالية.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التجاني بولعوالي يعتبر إحدى الكفاءات الفكرية والأكاديمية المغربية الأصل التي تقيم في أوروبا منذ حوالي ربع قرن. بعد أن استكمل دراسته الجامعية في اللغة العربية وآدابها، غادر المغرب عام 1999 طالبا إلى هولندا، حيث استقر في مدينة أمستردام طوال خمسة عشر عاما، تلقى فيها مختلف التكوينات المهنية والأكاديمية في شتى الحقول المعرفية من لغات ودرسات إسلامية ولاهوت وعلوم تربية وإعلام، درس في جامعة أمستردام التي تخرج منها بشهادتي ماستر، أحدهما في علم اللاهوت والدراسات الدينية، والأخرى في الرعاية الروحية. ويعيش الآن في منطقة الفلاندر في بلجيكا منذ حوالي عشرة أعوام، حيث عين أستاذا في التعليم الثانوي لدى وزراة التعليم والتكوين الفلامانكية، وبعدها محاضرا ومدربا لأساتذة الدين الإسلامي في المعهد التربوي بمدينة خانت، ويعمل منذ خمسة أعوام في كلية اللاهوت والدراسات الدينية، جامعة لوفان في بلجيكا منسقا لماستر الأديان العالمية والإسلام والدراسات الدينية، وأستاذا في الدراسات العربية والإسلامية، وهو التخصص الذي نال فيه شهادة الدكتوراه من كلية الآداب من جامعة لوفان نفسها، في موضوع: المرجعيات الكتابية في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الهولندية.

صدر للباحث التجاني بولعوالي أكثر من ثلاثين كتابا في مختلف المجالات من فكر إسلامي وتربية ونقد أدبي ودراسات إعلامية وترجمة وإبداع، منها عشرون كتابا مستقلا، وعشرة كتب مشتركة. ونشير هنا إلى أهم العناوين: المسلمون وفوبيا العولمة (فاس، 2018)، صورة الإسلام في المقاربة الأكاديمية الهولندية (دبي، 2013)، الإسلام والأمازيغية، (الدار البيضاء، 2009)، المسلمون في الغرب (القاهرة، 2006). بالإضافة إلى ذلك، ساهم الأستاذ بولعوالي بعشرات المقالات المحكمة ومقالات الرأي والمراجعات والحوارات، كما شارك في عدد كبير من المؤتمرات والندوات والتكوينات والمحاضرات والمبادرات الفكرية والإعلامية والمؤسسة.  

معلومات الكتاب:

الكاتب: د. التجاني بولعوالي

العنوان: الإسلام بين جدلية الذات والآخر، مراجعات فكرية للإسلام في الغرب

الناشر: روافد للنشر والتوزيع، القاهرة

سنة النشر: 2022

عدد الصفحات: 166

بـ 1380 صفحة الحرثُ الشعريُّ لعدنان الصائغ، في ربع قرنٍ من الكتابة.

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ودار سطور في بغداد، صدر هذا العام 2022 ديوان (نَرْدُ النَصِّ) بـ 1380 صفحة. وهو نص طويل مفتوح، للشاعر عدنان الصائغ. استغرق العمل فيه أكثر من ربع قرن (1996-2022 / بيروت - لندن)

وهو حرثٌ شعريٌّ؛ مثير وخطير، في متون المسكوت عنه وفي هوامشه، بجرأة كبيرة، وتعمق وتفحص واسعين، حافراً ومتسائلاً ومستقصياً الكثير من المفاهيم في السياسة والدين والجنس والميثولوجيا والسوسيولوجيا والموروث والآداب. وانعكاسات ذلك على حالنا ومآلنا الذي وصلنا إليه.

وهو أيضأً رحلة مدهشة مفتوحة على مصراعيها مع تقلبات النرد، في سديم المطلق وداخل حيواتنا، في التاريخ الشخصي والتاريخ العام، وفي الأفكار والثقافات العامة، والذاكرة الشعبية والشفاهية، والمتداول والغائص والغاطس من الاحداث، والهامش الذي يصبح متنا، والمتن الذي يصبح هامشاً.

4219 نرد النص عدنان الصائغ

يقول الشاعر والناقد حكمت الحاج: "بعين تغمرها الدهشة، يجب النظر الى ما أنتجه الشاعر عدنان الصائغ في مشروعه الشعري المتشعب (...) فعلى مدى 1380 صفحة، تتهادي قصيدة شعرية مسترسلة طويلة، أطلق عليها شاعرها عبارة "نص مفتوح طويل"، دون فواصل أو وقفات أو استراحات، فيها كل ما يمكن ان يخطر على بالك شكلاً من استعمال امكانات الطباعة والريازة والتنضيد والتنميق والزخرف والرسم والتشكيل والكاليغراف (...) أما من حيث المضمون، فلا يمكن على الإطلاق اختصار مظاهر الجنون الشعري المتضمنة في "نرد النص"، في هذه العجالة، على ان تكون لنا اطلالة متأنية على هذه القصيدة- النص- الحدث - العجب، هذا على افتراض ان بالإمكان حقاً وصدقاً، قراءة 1380 صفحة من الشعر المصّفى، دون ارتكاب خلل عقلي (...) لقد قضى الشاعر عدنان الصائغ في "نرد النص" هذا، على كل احتمال للتجريب ضمن مغامرة الكتابة الشعرية العربية، وأظن إنه في كتابه الشعري هذا إنما يقول للشعراء أن يذهبوا ويبحثوا لهم عن مخططات جديدة، ومغامرات شكلانية، وتجريبات لغوية، غير تلك التي ألفناها قبل صدور نرد النص".

ويقول أحد الشعراء والكتاب، في صحيفة "الزمان":

"قبل أن تبدأ بقراءة هذا الديوان، ضعْ قربك علبة باراسيتول ومنشفة ونسخة من القرآن الكريم.

الباراسيتول للصداع، والمنشفة لمسح التراب الذي ستثيرهُ الكلمات، والقرآن لتقسم على عدم قراءة عدنان الصائغ مرة أخرى".

****

The Arab Institute for Research & Publishing in Beirut, and Dar Stoor in Baghdad, are opening the new year 2022 with:

The Arabic edition of The Dice of The Text - A long open poem in one volume with 1380 pages, written by Adnan Al-Sayegh.

It is a bold poetic exploration of the main taboos of the Arab-Islamic heritage and customs (as well as the rest of the world) of politics, religion and sex. The book also delves into topics of contemporary reality, challenging many concepts. This poetic work took more than a quarter of a century to complete.

***

(ثقافات : بيروت/ بغداد/ لندن)

صدر للكاتب والباحث المغترب المقيم في باريس د. جواد بشارة كتاب " الثالوث المحير: الله، والدين، والعلمّ بثلاثة أجزاء، عن دار نشر داريبوكس في كندا[email protected].

 العنوان الفرعي للجزء الأول" لغز الألوهية" أما الجزء الثاني فهو تحت عنوان فرعي" الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي" فيما حمل الجزء الثالث عنوان فرعي " المواجهة بين العلم والدين"

هذه محاولة للغوص في هذه المفاهيم الجوهرية الوجودية الثلاثة التي حكمت حياة البشر عبر آلاف السنين

ناقشت هذه الدراسة البحثية المستفيضة  مفهوم الله أو الإله وكيف نشأ في التاريخ القديم والحديث وخاصة الصورة التي قدمته بها الأديان السماوية ونصوصها المقدسة كما ناقشت موضوع الدين وكيفية نشوء الأديان بمنطق تفكيكي وتحليلي نقدي بعيداً عن القدسية وتطرق الكتاب إلى التساؤلات الوجودية الكبرى عن الأصل والمصير  ومحاولة سبر أغوار  الجانب الخفي من الحقيقة الكونية وأصل الحياة ومصيرها وذلك خارج مملكة الله السماوية  وفي أعماق التعدد الكوني  الأزلي والأبدي  فالكون في حقيقته متسامي ومطلق  والإنسان فيه ضئيل وأقل من لاشيء  فالكون لايهتم بالانسان وليس موجوداً من أجله  وقد عرض الكتاب لمسألة وحدة الوجود الصوفية  وحقيقة الكون المتسامي كما تناول موضوع الكائنات التي تملأ الكون وهي كائنات غير بشرية  وقدم رؤية مغايرة لقصة الكون المرئي وناقش موضوع الصراع بين العلم والدين وكسر مسلمة تقديس السماوات من خلال عرض  مفهوم الله بين العلم والفلسفة والدين  وعرض بعض المطارحات الفلسفية والعلمية عن الكون والله وتناول مسألة التعاطي مع العقل  عند الأديان  ومن وجهة نظر العلم وهل العقل قادر وحده على اكتشاف الحقيقة وإثبات وجود أو عدم وجود الخالق؟ من خلال دحض الأوهام والخرافات التي لعبت دوراً في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات ودحض الرؤية الغيبية والماورائية عبر مناقشة إشكالية الخلق والأزلية ولم يتردد في نقد الآيديولجية الدينية وحقيقة الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان وكشف معضلة الوجود بين العلم والخرافة في الكون المرئي.

تناول المؤلف في الجزء الأول موضوع في غاية الحساسية ويتعلق بلغز الألوهية وماهية الله من الناحية الفلسفية والثيولوجية الدينية أو اللاهوتية والعلمية عبر صفحاته الــ 460 صفحة وأحتوى هذا الجزء على مدخل ومقدمة وتمهيد قبل الخوض في صلب الموضوع منذ الفصل الأول الذي جاء بعنوان:" الله ذلك المجهول هل هو فرضية زائدة في العلم؟ والفصل الثاني حمل عنوان" العلم والفلسفة يستجوبان الإله.  ثم يستمر الكاتب في التعمق في مسألة الألوهية عندما يخصص للفصل الثالث عنوان استفزازي هو " هل الله من اختراع البشر؟" ثم يمضي إلى ابعد من ذلك في الفصل الرابع الذي تتوج بعنوان" هل نستطيع إثبات وجود أو عدم وجود الله؟ عالج الفصل الخامس ثيمة فلسفية ودينية بعنوان " الله والشيطان ومعضلة الشر" التي أرقت البشر ونخبهم المثقفة ناهيك عن بسطاء الناس. واستمر الباحث في تناول الموضوعات المتعلقة بلغز الألوهية في الفصل السادس الذي جاء بعنوان " نشوء الإلحاد والملحدين" والفصل السابع تحت عنوان"الطبيعي والخارق للطبيعة، أما الفصل الثامن فكان بمثابة عرض موجز لــ " علم الكونيات الملحد" وفي الفصل التاسع يعود الكاتب لتطوير " إشكالية الآلهة والألوهية والله الواحد" في الفصل التاسع ويكرس الفصل العاشر لــ" بحث في الإلحاد".

الله، من حيث المبدأ، كان وما يزال وسيظل لغزاً يصعب سبر أغواره من قبل البشر، في الوقت الحاضر على الأقل. ولقد تبارى الفلاسفة وعلماء الدين وعلماء الطبيعة كل من زاوية اختصاصه التعاطي مع هذا الموضوع الشائك كل ما لدينا لحد الآن مجرد إنشاء ومسلمات مفروضة وغير مثبتة وفرضيات لا حد لها حاولت وتحاول رسم صورة بورتريه لهذا " الله" الغامض المجهول والمعلوم في آن واحد والذي يحير ذوي العقول الواعية والعاقلة الذكية والمفكرة التي تتأمل في سره وماهيته وحقيقة وجوده أو عدم وجوده.

الجزء الثاني من كتاب "الثالوث المحير: الله والدين والعلم" تميز بعنوان ثانوي هو " الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي. وعادة ما يذهب بنا التفكير إلى أن العقل الثيولوجي هو العقل الديني الذي تهيمن عليه الخرافة والأساطير وبالتالي فهو عقل خرافي عموماً يؤمن بالخرافات والمعجزات وانتهاك أو خرق القوانين الطبيعية وعلى امتداد 454 صفحة يتعاطى الباحث في مقدمة الجزء الثاني مع الحتمية والإرادة الحرة بين العلم والدين. ثم بعد ذلك يأتي الفصل الحادي عشر بعنوان" التطور والداروينية مقابل الإله التوراتي الخالق وتخريجة التصميم الذكي. في الفصل الثاني عشر هناك إصرار من المؤلف على اعتبار إن " الله فرضية زائدة في العلم" في الفصل الثالث عشر هناك تركيز على مفهوم الدين كنص وابتلائه بآفة االقداسة وهو عبارة عن دراسة تفكيكية نقدية بعيدة عن التقديس للنص القرآني. تضمن الفصل الرابع عشر " تساؤلات وجودية كبيرة" حاول الكاتب الإجابة عليها ولو على نحو نسبي متواضع. وفي الفصل الخامس عشر تغلغل الباحث إلى " الجانب الخفي من الحقيقة في مسألة الكون والحياة". ثم تحرر من أطر التقييد وسبح في الفصل السادس عشر " خارج مملكة الله: في أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي". وهذا الأخير هو الكون الكلي اللامتناهي الذي تبوأ عنوان الفصل السابع عشر " سمو الكون المطلق ونبالة الكون المرئي وضآلة البشر" وبالتالي لابد من مناقشة موضوع" الإنسان ماله وماعليه في الكون المرئي" الذي يعيش فيه كما جاء في عنوان الفصل الثامن عشر. ويمضي المؤلف قدماً في التعاطي في الفصل التاسع عشر مع موضوع وحدة الوجود وحقيقة الكون المتسامي في حين يعود في الفصل العشرين إلى طرح " سؤال قديم وسيبقى إلى الأبد ألا وهو هل نحن وحيدون في هذا الكون؟" كمثال للإجابة على هذا السؤل كان بديهياً أن يكون عنوان الفصل الحادي والعشرين " كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم والكوزمولوجيا غير البشرية الأوميين نموذجاً وهي المرة الأولى التي يكون بوسع القراء الإطلاع على حضارة كونية غير بشرية بتفاصيل مشوقة. ثم عودة إلى صلب موضوع الجزء الثاني من الكتاب في الفصل الرابع والعشرين " الله والكون بين العلم والفلسفة والدين". ومن ثم مراجعة معمقة في الفصل الخامس والعشرين من خلال " مطارحات فلسفية وعلمية عن الكون والله ومعضلة الشر" ومعضلة الأدين في تعاطيها مع العقل في الفصل السادس والعشرين ومناقشة " الأوهام الخطرة ودور الدين في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات" في الفصل السابع والعشرين وفي خاتمة الجزء الثاني مناقشة لــ " دعوة اللاهوت الرعوي بناء دفاعات جديدة" للدفاع عن فكر الرب الخالق إذ ظهر الإله Dieu متأخراً في تاريخ البشرية. فالإنسان الموجود على الأرض منذ عدة ملايين من السنين لم يكن يمتلك فكرة واضحة ودقيقة عن شيء أو كينونة تدعى " الله أو الرب أو الخالق" ومن الناحية العلمية تشير التنقيبات الأثرية الآركيولوجية أن أول تمثل لفكرة الألوهية ظهر قبل حوالي عشرة آلاف سنة. كانت هناك ربات أنثوية déesses سبقت ظهور الإله، أو الآلهة. أما الإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، كما يقول المسلمون، والذي يعبد في أركان الأرض اليوم، بفضل الأديان التوحيدية الثلاثة الرئيسية، اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد ظهر متأخراً. وأول فكرة توحيدية كانت قد تبلورت في زمن الفراعنة في مصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد تحت حكم الفرعون أمنحتب الرابع Amenhoteb، الذي غير اسمه إلى " أخناتونAkhénaton «إشارة إلى عبادة إله الشمس والذي فرضه الفرعون كإله وحيد " آتون Aton " لكن عبادة الآلهة المتعددة سرعان ما عادت بعد وفاة الفرعون آخناتون، واحتاج الأمر انتظار منتصف الألف الأول قبل الميلاد كي تختبر الديانة التوحيدية في إسرائيل من خلال عبادة يهوه Yahvé، وفي بلاد فارس من خلال عبادة آهورا مازدا Ahura Mazda. فالأقوام البدائية في حقبة ما قبل التاريخ لم يعرفوا مفهوم الإله أو الآلهة. فلا توجد آثار آركيولوجية أحفورية أثرية عن الدين الذي يسير حياة البشر آنذاك. وهي الحقبة التي سبقت التحول العصر الحجري الحديث Néolithique قبل حوالي إثني عشر ألف عام عندما بدأ أسلافنا بالتوطين والاستقرار في بقع أرضية وتأسيس تجمعات على هيئة قرى، تطورت فيما بعد إلى مدن، ولكن توجد بعض المؤشرات التي تسمح لنا بتصور ما عن وجود معتقدات يمكن أن نسميها " دينية" لدى إنسان ما قبل التاريخ. أهم تلك المؤشرات طقوس الموت.

يكرس الباحث الدكتور جواد بشارة الجزء الثالث من كتابه" الثالوث المحير: الله والدين والعلم" لموضوع " المواجهة بين العلم والدين" كعنوان فرعي على امتداد 646 صفحة هي عدد صفحات هذا الجزء. ففي الفصل الثامن والعشرين نجد" دردشة تأملية مع الغيب والماوراء" وفي الفصل التاسع والعشرين يتطرق إلى " إشكالية الخلق والأزلية" وفي الفصل الثلاثين" التعاقب الحضاري للبشر واختلاق الديانات. بينما يتناول الفصل الحادي والثلاثين " نقد الأيديولوجية الدينية والبحث عن جذور الإله الواحد" ثم يمثل الاعتقاد الديني في الفصل الثاني والثلاثين كما لو إنه " فيروسات الإيمان بالله وبالأديان" الفصل الثالث والثلاثين حمل عنوان «وهم الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان: نحو مستقبل كوني لانهائي" وفي الفصل الرابع والثلاثين محاول للبحث في " سر الوجود بين كيف ولماذا وأين ومتى أو الماوراء بين علمي الفيزياء والميتافيزياء. وفي الفصل الخامس والثلاثين عرض لــ " تطورات الكون المرئي فيزيائياً وثيولوجياً" وفي الفصل السادس والثلاثين معالجة لــ " معضلة الخلود بين العلم والخرافة في الكون المرئي" ويتناول الفصل السابع والثلاثين " العلم وسر الكون المغلق" و يتسائل الفصل الثامن والثلاثين " هل الحياة ظاهرة أرضية أم كونية؟ " وبعد ذلك يعود السؤال الفلسفي للطرح في الفصل التاسع والثلاثين" هل كان الله مخيراً في خلق أو عدم خلق الكون؟" وفي الفصل الأربعين نكتشف أن " الحياة والكون وحدة لا تنفصم فهي جزء جوهري من الكون المرئي" وبالتالي تواجه الأديان مشكلة التعاطي مع العقل في هذا الموضوع كما عرضها الفصل الحادي والأربعين ويختتم أطروحته بــ" الكون بين الأطروحة العلمية والأطروحة الدينية".

 

 

صدر حديثًا عن مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد بالتعاون مع دار التنوير كتاب "المواطنية والديمقراطية في مجتمعات مأزومة (دراسة في سوسيولوجيا الدولة)" للدكتور محمَّدحسين الرفاعي.

يُقدِّمُ الرفاعي الوعيَ بالمواطنية والديمقراطية في المجتمعات العربيَّة، بالاِنطلاق من فكرة التعدُّد المجتمعيّ والاِختلاف الآيديولوجيّ والتنوُّع الهوياتي، بقوله:

"الديموقراطيةُ نتاجُ صيرورةِ تاريخٍ- ومجتمعٍ. أعني بذلك أنَّها صيرورةٌ مجتمعيَّةٌ، من داخل المجتمع، تضعُ المجتمعَ، بعدَ فتراتٍ طويلةٍ من الصراع، ضمن حدود [الحُكمِ- بـ- التعدُّد]. ولكنَّ [التعدُّدَ- بوصفه- أصلَ- الديموقراطية]، وماهيَّتَها الجذرية، هو كيفيَّة وعي، وفهم، ووجود. يوفِّرُ التعدُّدُ حقولَ وجودٍ مجتمعيَّةٍ مختلفةٍ، ومتنوِّعَةٍ، ومتعدِّدَةٍ. كما أنَّه، من جهة كونه اِختلافاً، يوفِّرُ [إمكانَ الفعلِ المجتمعيِّ] خارجَ التحديدات المجتمعيَّة القَبليَّة. وهكذا، اِنطلاقًا من كون المجتمع الديموقراطيّ أساسَ النظامِ الديموقراطيِّ، نكونُ أمامَ [التغيُّرِ- الدائمِ- في- التحديدِ- المجتمعيِّ] الذي من شأن الفعاليَّة المجتمعيَّة، بعامَّةٍ، والفعل المجتمعيّ، بخاصَّةٍ...".

كما يبني الرفاعي العلاقةَ بين الآيديولوجيا وبنية الثقافة المجتمعيَّة على النحو الآتي: "تتغير الآيديولوجيا من خارجها بواسطة أدوات ووسائل التثاقف بين المجتمعات البشرية، من جهة، وعَبرَ فكرة [وحدة- العالَم]، من جهةٍ أخرى. كما أنَّها تتغير من داخلها بواسطة القوى المجتمعيَّة- السياسية التي تقع خارجَ السلطة، من جهة، وتلك القوى المجتمعيَّة- المعرفيَّة التي يقع على عاتقها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، تحديد الوعي المجتمعيّ، من جهةٍ أخرى.  ومن جهة أن [الدَّولةَ- مؤسسةُ- المؤسّسات- مجتمعيَّة]، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، ومن حيثُ إنَّها تقوم على أسس البيروقراطية والحفاظ عليها، من جهة أولى، وهي تقوم، من جهة ثانية، على الآيديولوجيا المجتمعيَّة، وعلى وحدة العلاقة بين محدِّدات الآيديولوجيا المجتمعيَّة، من الداخل، ومن الخارج، من جهة ثالثة، فإنَّ الديموقراطيةَ توجد، اِنطلاقًا من الهَويَّة المجتمعيَّة- وتكونُ، اِنطلاقًا من الذَّات المجتمعيَّة- فتصير، اِنطلاقًا من الفعل المجتمعيّ، والإنوجاد المجتمعيّ عَبرَ التعدُّد المجتمعيّ، في كل ضرب من ضروب ممارستها، بوصفها نمطاً من أنماط ممارسة السلطة. ولكن، لا يمكن أن يكون ذلك إلاَّ بعد دَمَقْرَطَةِ المجتمع: أي جعل المجتمع ديموقراطيَّاً. فكيف يُفهم ذلك؟".

تجدر الإشارة أن د. محمَّدحسين الرفاعي هو مفكر عراقي وأستاذ جامعي في الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف، في مواد علم الاِجتماع والفلسفة، ولديه ست كتب مطبوعة قَبلَ هذا الكتاب هي: كتاب إشكاليَّة التُّراث والحداثة في الفكر العربيّ المعاصر 2016، وكتاب إبستيمولوجيا السُّوسيولوجيا 2018، وكتاب مفهوم الآيديولوجيا 2020، وكتاب ما هو المفهوم؟ 2020، وكتاب المعرفة والآيديولوجيا 2020، وكتاب بِنيَة البحث العلميّ في الفلسفة وعلوم المجتمع والإنسان2022. ولديه مساهمات نظرية ومنهجية في إعادة بناء موضوعات علوم المجتمع والإنسان، كموضوع الدولة، والمجتمع، والهَويَّة، والآيديولوجيا، والاِقتصاد الإنتاجي، والسياسات الاِقتصادية، والتنمية والتنمية المستدامة، والديمقراطية، والسلطة... وإلخ.

 4108 محمد حسين الرفاعي

 

عبد الرضا عليعن دار (كنوز المعرفة للنشر والتوزيع) في عمّان/ الأردنّ صدر قبل أيام قليلة كتاب الصديق العزيز الدكتور سعيد جاسم الزبيدي الموسوم بـ (علي جواد الطاهر لغويَّاً)، وهو كتابٌ قامَ على تتبّعٍ دقيق لجهودِ أُستاذنا الطاهر في: اللغة، والنقد، وتنقيةِ ألسنة دارسي العربيّة من خطلِ الكلام، أو فساده .

وقد قلتُ فيه بعد استقرائي لِما وثَّقه الزبيدي في تتبعهِ ذاك ما يأتي:

هذا كتابُ وفاءٍ (تكريميّ) صاغته مروءةُ مريدٍ قلَّ مثلاؤه في هذا الزمن الذي يشكو من قلَّةِ الذين يوفون بالعهدِ والاعتراف بالجميل، لأنَّ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ)⁽¹⁾ يحسنونَ السمعَ، ويبسطون جناحَ الرحمة، ولا تعاني ضمائرُهم هبوطاً حادَّاً في المحبَّةِ، ولا يتوارثونَ الخطيئة، ولا يكذبون.

ومثلُ هذه الكتب التي تخصّصُ لتكريمِ العظماء، والعلماء، والرموز الإبداعيَّة يشتركُ في تأليفها (كما جرت العادة) جمعٌ من المحبّين، أو الباحثين الجادِّين، أو ممَّن كانوا قد تلمذوا على المكرَّم، فضلاً عن أنَّ التي تتولّى إصدار تلك الكتب هي جهات حكوميَّة، أو مؤسَّسات ثقافيّة، أو علميَّة،كما في الكتاب التكريمي (محمّد مهدي الجواهري ـ دراسات نقديّة) الذي أعدَّه فريق من الكتّاب العراقيين، وأشرف على إصداره المرحوم هادي العلوي، وكما في كتاب (السيّاب في ذكراه السادسة) الذي أصدرته وزارة الإعلام العراقيّة سنة 1971م، وكما في (كتاب تكاري ـ نازك الملائكة، دراسات في الشعر والشاعرة) الذي شارك فيه نخبة من أساتذة الجامعات العربيّة، وكان من إعداد وتقديم واشتراك د. عبد الله أحمد المهنّا، ونشرته شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الكويت ـ 1986م، وكما في غيره ⁽²⁾.

4070 عبد الرضا علي

والأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي (مؤلّف هذا الكتاب) غنيٌّ عن التعريف، لأنه باحثٌ حصيفٌ، وشاعرٌ سامق، وأديبٌ موسوعيٌّ تعدّدت إنجازاتُهُ العلميّة وتنوَّعت، فهو لغويٌّ ثبتٌ، والدليل على ذلك كتابه (الخليل صاحب العين) ، و(نظرات في كتاب العين) ، و كتابه المهم (من معجم الجواهري) وغيرها.

وهو نحويٌّ شغوفٌ بالقديم والجديد، كما في كتبه: (القياس في النحو العربيّ)، و (نحويٌّ مجهول في القرن العشرين)، و(النحو عند غير النحويين)، و (قراءة جديدة في كتاب سيبويه)،و(قطرب النحوي .. رؤية جديدة) وغيرها.

وهو باحثٌ جاد في التفسير، والقراءات، ولعلّ ما يثبتُ ذلك الأجزاء الأربعة التي أصدرها بعنوان (سؤال في التفسير)، فضلاً عن كونهِ أديباً مرموقاً كما في إنجازاته: (أبو حاتم السجستاني الراوية)، و (أبو حيّان التوحيدي)، و(أبو الفرج الأصفهاني)، و(في مواجهة النصِّ) .

أمّأ في الشعر فله سبعة دواوين مطبوعة هي: (وأرى العمرَ يضيء)، و(أُفقٌ يمتدُّ)، و(نوافذ)، و(على رصيف الغربة)، و(صوت بلا صدى)، و(التفعيلة الأخيرة)، و(لملمْ حروفك).

4071 كتاب الطاهر

في كتاب الوفاء هذا الموسوم بـ (عليّ جواد الطاهر لغويَّاً) تابع المريدُ الدكتور الزبيديّ شيخه العلاّمة الدكتور الطاهر متابعةً دقيقةً في كلِّ ما أنجزَ من أسفارٍ ، أو دراسات، أو مقالات سواءٌ أكانت في منهج البحثِ، أم في النقدِ والنقّاد، أم في الفنِّ السرديِّ، أم في نظريّة الأدب، وما إليها، أم في ما ذكره عن الترجمة وشؤونها، كما أنَّ الزبيدي كان أميناً، وموضوعيَّاً حين ذكر جميع الذين سبقوه في الكتابة عن الطاهر، سواءٌ أكانت كتاباتهم أسفاراً، أم مقالاتٍ نُشرت في بعض الدوريّات العربيّة.

أمَّا متابعة الزبيدي لشيخه الطاهر في الذي كان يراه من ضرورةِ ضبط النحو في مفرداتِ الشعر،ونسيجه اللغوي، ومتابعته في الذي ذكره في نطقِ العوامِ، وبعضِ الخواص لاسيّما في حروف: الثاء ، والجيم، والضاد،  والظاء، والقاف، فهي وإنْ كانت قد وردت في سياق عام، فإنَّ تلك المتابعة دلّت على حرص الشيخ الجليل على تنقية ألسنة من أصابتهم حرفة الأدب، والدارسين عموماً من اللحنِ، والخَطَل في الكلام، إلى جانب ما كان للطاهر من عناية فائقة بالأفعالِ: ضبطاً، وتصريفاً، وتصحيحا.

وبعدُ، فلصديقي العلاّمة الدكتور سعيد جاسم الزبيدي أجمل التهاني وأجزل المباركة على منجزهِ العلمي هذا، راجياً من المؤسَّسات الثقافيّة، والعلميَّة في بلداننا العربيّة جميعها أن تنحو نحوه، وتحذو حذوه  في تكريم الجهابذة من الرموز العلميّة، والإبداعِيّة ، والفنيّة في حياتهم قبل أن يرتحلوا إلى عالم الغيب، فلولاهم لما كانت الحياة الثقافيّة مستساغة.

***

أ . د. عبد الرضا عليّ

..........................

إحـــــالات

(1) الرعد: 20.

(2) ـ كما في الكتاب التكريمي (عبد الوهاب البياتي في بيت الشعر) الذي نسّقه، وقدّمه المنصف المزغنِّي، وكان من منشورات وزارة الثقافة التونسيّة، وبيت الشعر التونسي سنة 1999م.

 

صدر عن دار المصورات السودانية للنشر والتوزيع في الخرطوم كتابٌ للأديب السوداني الدكتور طلال قطبي، أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية عنوانه:

حضور النص الأدبي: دراسات في أدب الدكتور علي القاسمي

 وقد كتب على غلافه الأخير النص التالي:

النص في إبداع الأديب والروائي والمفكر الأكاديمي بروفسور علي القاسمي حضور وحياة، فهي نصوص زاخرة بشتى الصنوف والألوان، خلابة كالطبيعة، ساحرة كجمال سحرها منفتحة على الحياة واخضرارها، بسيطة وعميقة في الوقت ذاته، تمتع العقل والنفس معاً.

وهذا الكتاب مقالات ودراسات كتبت بعد صحبة طويلة مع العالم العلامة بروفسور علي القاسمي عانيت فيها ألم الكتابة متنقلاً كما النحلة بين زهور إبداعه اليانعه ارتشف رحيق معانيه . وهي أربع دراسات تناولت الدراسة الأولى حضور النص الأدبي في أدب البروفسور علي القاسمي فكان كتابه (طرائف الذكريات) فتحاً جديداً في القصة العربية الحديثة . وناقشت الدراسة الثانية الترجمة واستراتيجياتها عند البروفسور على القاسمي مبينة جهوده الثرة والقيمة في هذا الجانب الهام والحيوي. كما تناولت الدراسة الثالثة النزعة الإنسانية وتجديد الفكر عند البروفسور علي القاسمي وذلك من خلال سعيه إلى ترسيخ القيم ونبذ الظلم والاستبداد، والحرص على الحريات ، وتحدثت الدراسة الرابعة عن النقد المبني على الشخصية وهو نقد يقوم على دراسة الشخص نفسه ومن ثم وصف الانطباعات والأحاسيس التي تتركها قراءة النص الأدبي في نفس الناقد وهو قليل في أدبنا العربي.

وبعد أتمنى أن كون ضيفاً خفيفاً على القارئ الذي هو بلا أدنى شك قارئ متذوق حصيف وبالله التوفيق.

***

د. طلال الطاهر قطبي بشير

مُعالجة تحليليّة سيميائيّة لرواية: «مملكة الأُمنيّات» للأديبة ندى مهري

صدر عن منشورات مؤسسة المكتب العربي للمعارف بالقاهرة في مصر، خلال هذه السنة2022م، كتاب جديد للباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة؛ الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عنابة، بعنوان: « تحليل الخطاب الأدبي المُوّجه إلى الأطفال - مُعالجة تحليليّة سيميائيّة لرواية: «مملكة الأُمنيّات» للأديبة الجزائرية ندى مهري-»، وقد ناقش في القسم الأول منه مجموعة من القضايا المهمة التي تتصل بأدب الأطفال، وفي القسم الثاني منه، والذي يُشكّل المساحة الأكبر من الكتاب، قام بتحليل رواية: مملكة الأمنيات، وقد أوضح الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مقدمة الكتاب أن دراسته الأدبية هذه تنصرف إلى تحليل الخطاب الأدبي المُوجه إلى الأطفال على وجه التحديد، وتُحاول استثمار بعض أسس السيميائيات من خلال البحث عن الدلالات المُضمرة في النص القصصي العربي، وذلك من خلال رواية (مملكة الأُمنيات) للأديبة الجزائرية المتميّزة ندى مهري. إذ تتوجّه إلى المتلقي والمهتم بحقل الرواية الموّجهة إلى الأطفال، وتحليل النصوص السّردية على وجه خاص، وإلى المهتم بمجال الدّراسات الأدبية بوجه عام؛ وذلك بغرض بثّ وتنمية ملكة تذوق النّصوص السّردية الموّجهة للأطفال، وتحليلها تحليلاً يتّسم بالفهم الدّقيق، والقدرة العميقة على تلقيها بجدارة والتّفاعل معها، ومُحاورتها؛ من أجل الوصول إلى دراسة تحليليّة عميقة تتسم بمنهجيّة علميّة صارمة، فالقراءة السيميائية تُحاول تسليط الضوء على النّص الغائب، والقبض على المعاني المختفيّة، كما تُوضح الأنظمة العلاميّة التي يُبنى عليها النّص الإبداعي، وتسعى كذلك إلى إعادة صياغة دواله ومدلولاته، عن طريق تركيز الاهتمام على مستويات الدّلالة، وطرائق تولّد المعاني.4025 محمد بوفلاقة

وتتجلّى أهمّيتها في جمعها بين الجانب النّظري، والشق التّطبيقي التّحليلي، فهذه الدّراسة تنتظم ضمن إطار للتحليل يهتمّ بدراسة النّص السّردي العربي المُوّجه للأطفال بأدوات إجرائيّة حديثة، متّخذا له أنموذجا للتحليل، والتشريح (مملكة الأمنيات)، إذ تمّ الاعتماد في تحليل هذا الأنموذج على مرجعيّة نظريّة تمثّلت في مبادئ وأسس السّيميائيات السّردية، ولم يمنعنا الاعتماد على هذا المنهج من الإفادة من مناهج أخرى متنوعة، لعل أبرزها: المنهج التداولي، و بعض دراسات النقد الثقافي، الذي يستعين به كل باحث ودارس، فقد حاولت في دراستي هذه مستنداً إلى التحليل، والتعليل، والمحاكمة، والاستدلال؛ أن أجمع بين التّصور النقدي النّظري، والدّراسة التطبيقية التي تعمل على التدليل عليه، ولذلك فقد اتخذت رواية: (مملكة الأمنيات) أنموذجاً للتطبيق.

مصعب قاسم عزاوييلخص مبدأ القطيعة المعرفية القانون الجمودي القائل بأن «الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف»، وأن الاتِّباع نهج العقلاء في تفسير طبائع الأمور وعلائقها فيما بينها، وأن التفكير والتفسير والاجتهاد الإبداعي مهمة ناجزة قام بها الأولون، ولم تعد مطلوبة أو محبذة إذ أنها قد تفتح «باباً لا بد من سده» في وجه «الشيطان الرجيم» الفكري ليتسرب منه ويلوث بخبثه ووسوسته عقول البشر وسلوكياتهم وحيواتهم؛ وذلك نهج انغلاقي سائد فكرياً في غير موضع من أرجاء الأرضين، وراسخ بقوة إفقار وتهميش المجتمعات المظلومة المغلوبة على أمرها التي لا حول لها ولا قوة في معادلة التسليم بأن العين لا تقاوم المخرز إلا بمصابرتها على ألمها، ومحاولة إيهام نفسها «بحظها الحسن» إذ ما زال لديها عين أخرى لا زالت تستطيع الإبصار بها بعد أن فقأت صنوها مخارز الجلاوزة والطغاة والمستبدين بحيوات كل المظلومين  المستضعفين وأحلامهم ومستقبلهم ومن سوف يأتي من بعدهم من ذريتهم.

وهو الواقع المر الذي أفصح عن نفسه في خواء معرفي واجتهادي فكري في غير بقعة من أرجاء المعمورة، قد يكون أكثرها إيلاماً تلك التراجيديا المقيمة في حال الثقافة الناطقة بلسان الضاد، التي أصبح نتاجها الفكري من الناحية الكمية كحد أدنى لا يرقى لنتاج مقاطعة صغيرة مثل كتالونيا لا يتجاوز عدد سكانها بضعة ملايين في دولة مثل إسبانيا تعتبر بالمنظار الأوروبي النموذج الأكثر نصاعة للاقتصادات الضعيفة والمجتمعات المتخلفة التي لا زالت تحمل في بناها الكثير من بقايا وعقابيل القرنين التاسع عشر والعشرين.

والحقيقة الراسخة في مجال الإبداع الفكري بمختلف أشكاله تكمن في أن «العقلاء يبدؤون من حيث انتهى أسلافهم» في نهج منطقي وعقلاني ينظر إلى المعرفة البشرية بكونها سلسلة تراكمية لا تنقطع من الإبداع المعرفي الذي يتصدى لحمل مشعله فئة من المجتهدين في زمن ما، يقومون بتسليم المشعل لمن سوف يأتي بعدهم حينما يحل دور أولئك الآخرين بيولوجياً في القيام بدورهم الوظيفي المناط بهم إبداعاً واجتهاداً. وذلك هو النسق المعرفي الذي مثل تبنيه الجوهر المحرك لكل ما وصلت إليه الحضارة البشرية راهناً، بالاتكاء على مثل ما أبدعته حضارة الفينيقيين في بلاد الشام منذ الألف الثاني قبل الميلاد متمثلاً في دمج تقنية الكتابة المسمارية بأبجدية تتألف من حروف لا مقاطع صوتية كما كانت في الطرق السابقة لها عند السومريين، أو الأكاديين، أو البابليين،  أو الكلدانيين، أو الآشوريين، أو على شكل تصوير رسمي كما في الطريقة الهيروغليفية في مصر الفرعونية القديمة من الألف الثالث قبل الميلاد. وهي الكتابة باستخدام الأبجدية التي مثلت القفزة التي مكنت البشر من تسهيل توثيقهم لتراكم خبراتهم ومعارفهم بشكل يمكِّن من سوف يأتي بعدهم من هضمه معرفياً بشكل ميسر دون الحاجة لتعلم ذلك لفظياً عبر الاستذكار والتلقين كما كان مفضلاً عند سقراط مؤسس الفكر اليوناني الحديث، لينتقل من بعده عبر أفلاطون مكتوباً إلى الأجيال من بعده بأبجدية يونانية هي تحوير عن الأبجدية الفينيقية التي استقوها من تواصلهم الحضاري مع مبدعي تلك الأبجدية من أهل بلاد الشام.

وهو الفكر اليوناني الذي تم إحياؤه وإعادة إنتاجه ونقده وتشذيبه باجتهادات الكثير من المبدعين والعلماء العرب والمسلمين إبان الدولة العباسية في نتاج بيت الحكمة في بغداد، منذ أواخر القرن الثامن الميلادي مع عهد هارون الرشيد، لينتقل بعدها بشكل طبيعي إلى مراكز الإبداع الفكري الحضاري باللغة العربية التي أسسها العرب والأمازيغ في الأندلس، والتي مثل نتاجها الفكري الدعامة التي بنى عليها مجتهدو عصر النهضة الأوربية في المدن/الدول الإيطالية في فينيسيا وفلورنس وجنوا أسس فكرهم النهضوي، إذ كان نتاج ابن رشد في «تلخيص منطق أرسطو» وغيره من مؤلفاته الفكرية منبعهم الأساسي في فهم الفلسفة اليونانية، و كانت مؤلفات ابن سينا العلمية، و خاصة كتابه الموسوعي «القانون في الطب» أس المراجع العلمية لتدريس الطب في أوربا حتى مطلع القرن الثامن عشر.

والحقيقة المرة هو عدم عقم المبدعين والمجتهدين الناطقين بلسان الضاد، وإنما تحول جلهم إلى مناضلين لمقارعة الاستبداد ومفاعيله من تلاوين الإفرازات القيحية للدول الأمنية العربية وطغاتها وبصاصيها وعسسها وجلاوزتها وجلاديها ورقبائها الذين قد لا يعلو في سلم أولوياتهم مهمة على واجب قمع حرية التعبير والتفكير التي قد تفتح «الباب الذي لا بد من إغلاقه» للتفكر بآليات الانعتاق والتمرد على ذلك الواقع المجتمعي البائس المتغول على كل حيوات البشر المتشاركين في الحطام الاجتماعي والهشيم البنيوي الشامل عمقاً و سطحاً، و الذي قد يمثل إنجاز الفساد و الإفساد الأسمى للدول الأمنية العربية.

وذاك الواقع البائس أفضى إلى فراغ وشح في مستوى وكم الإبداع الفكري للكثير من المبدعين والمجتهدين العرب، الذين تحولوا بقوة الظروف القاهرة في كثير من الأحيان إلى مدافعين عن حقوق الإنسان الأولية في الحياة وحرية التعبير، ومناضلين يوميين مشغولين بالدفاع عما تبقى من نسيج اجتماعي واه في مجتمعاتهم، وهو دفاع محفوف دائماً بمخاطر الاصطدام مع الآلة القمعية الوحشية للدول الأمنية، وما قد يستتبع ذلك من تذويب وإفناء وإعدام جسدي وفكري محتمل لكل منخرط في عملية الدفاع تلك، وهو ما أفصح عن نفسه في خواء الفكر العربي من أي «اجتهادات على شكل منظومات فكرية أو فلسفية كبرى» كما هو الحال في كل الثقافات الناطقة بلغات أخرى في أرجاء الأرضين، إذ أن جل المفكرين والفلاسفة والمثقفين العرب لما يتمكنوا بعد من حل جزئي أو كلي للمعضلة الفكرية الكبرى التي اشتبك معها شيخ المنورين العرب عبد الرحمن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» حتى ينتقلوا إلى حل غيرها.

وفي هذا السياق يبرز مشروع «عقول عظيمة» بكونه محاولة متواضعة لتجميع وتكثيف خلاصة المرتكزات الفكرية لرهط واسع من المفكرين العالميين، وهو مشروع يهدف أساساً لتحفيز القارئ للاندفاع إلى قراءة النتاج الإبداعي والفكري لأولئك المفكرين كاملاً، ودون التوقف عند تلك الخلاصات التي لا يمكن لأي منها الإلمام إلا بالقليل اليسير من جهود أولئك المبدعين.

ولقد تم تجميع المادة العلمية الخاصة بمشروع «عقول عظيمة» من مصادر موثقة ومعتد بها، وتم إعدادها بشكل ميسر للقارئ العادي الذي لا بد أن يتحلى فقط بالميل العفوي والشغف للاطلاع وتوسيع الأفق المعرفي وليس سوى ذلك من مؤهلات أو أرضية معرفية. والشكر موصول لإدارة دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن التي تفضلت مشكورة بتحمل أعباء تعريب النص الأصلي لمشروع «عقول عظيمة» من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، وتقديمه بشكل مجاني تماماً للقارئ العربي، وهو جهد تنويري يستحق كل الثناء والعرفان.

 والأمل الدائم يكمن في أن استنهاض «العقل العربي المستقيل» بقوة وعسف وقهر مستبديه وطغاته وجلاديه، لا بد أن يبدأ بخطوة ما في رحلة آلاف الأميال التي لا بد أن يقطعها ليلحق بقطار أمم العالم الأخرى التي سبقته بأشواط كبيرة، ولا بد أن تكون تلك الخطوة واثقة أكثر في حذوها إن كانت مرتكزة على نسق من الاتصال المعرفي مع خلاصة ما أنتجه الأسلاف، والذين لا بد أن يكونوا فخورين وسعداء بأن يستلم «مشعل التنوير» من بعدهم أخلافهم المجتهدون المستنيرون.

وفي الختام آمل أن يكون مشروع «عقول عظيمة» بعد تعريبه إضافة مفيدة للمكتبة العربية، وهدية يستحقها كل قارئ مُكَرَّمٍ بلغة الضاد.

مقدمة النسخة المعربة من كتاب عقول عظيمة

مفاتيح الاتصال المعرفي مع الفكر العالمي

تأليف: مصعب قاسم عزاوي

تعريب: فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن

الطبعة الثالثة – 2022

***

د. مصعب قاسم عزاوي

ضياء نافعايرنبورغ والسلطة -  هوعنوان لكتاب صدر في روسيا عام 2018 ضمن سلسلة (اصدارات علمية)، ويقع هذا الكتاب في 215 صفحة من القطع المتوسط  وعدد النسخ المطبوعة منه هو مئة نسخة فقط .

  عنوان هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا، اذ اني أعرف، ان ايليا ايرنبورغ ولد عام 1891، اي انه عاش في الامبراطورية الروسية 26 سنة باكملها، وبعد ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية عاش في دولة الاتحاد السوفيتي 50 سنة باكملها، وكان ايرنبورغ طوال حياته مراقبا دقيقا لما كان يحدث في الامبراطورية الروسية وفي الاتحاد السوفيتي، فعن اي سلطة يدور الحديث في هذا الكتاب، السلطة القيصرية ام السلطة السوفيتية ؟ هذا هو السؤال الاول الذي طرحه عنوان الكتاب، وثانيا، أنا أعرف ايضا، ان ايرنبورغ كان في صباه وشبابه مشاركا – وبفعّالية ونشاط -  في معترك الحياة السياسية العاصفة قبل ثورة اكتوبر 1917، وكان مرتبطا بالحياة الحزبية المعارضة آنذاك، وتم الحكم عليه نتيجة مساهماته السياسية تلك، ولكنه ابتعد عن هذا المعترك السياسي بعد هجرته و حياته في باريس بالعشرينيات،،وانا أعرف ايضا، ان ايرنبورغ بقي (قريبا وبعيدا في آن واحد !!!) من السلطة السوفيتية و رجالاتها بعد عودته الى روسيا السوفيتية، وانه حافظ على هذا الموقع المتميّز طوال حياته رغم كل الصعوبات المرتبطة بهذا الموقف غير الحزبي في دولة عقائدية واضحة وصريحة المعالم ايديولوجيّا مثل الاتحاد السوفيتي، وأثار انتباهي حول هذا الكتاب، ثالثا، (عدد النسخ المطبوعة !) من هذا الاصدار، اذ ان هذا العدد (اي مئة نسخة مطبوعة فقط) يعني ان هذا كتاب محدود التداول جدا، وليس للقراء عامة، فلماذا هذا التحديد في التداول بالنسبة لهذا الاصدار؟، ولهذا، وبحثا عن الاجابات لكل تلك التساؤلات، قررت، انه  يجب عليّ الاطلاع حتما على هذا الكتاب غير الاعتياي والمثير بعنوانه وخصوصيته، وعندها بدأت بالاطلاع على الفهرس اولا، وبعد الفهرس قلت بيني وبين نفسي، انه كتاب يستحق القراءة حتما، وهكذا  بدأت ب (التهامه !)، واريد في اطار هذه المقالة التعريفية الوجيزة ان أدردش قليلا مع القراء العرب عن انطباعاتي حول هذا الكتاب غير الاعتيادي فعلا، الذي صدر ضمن (اصدارات علمية)، اذ ان ايليا ايرنبورغ معروف  للقارئ العربي بنتاجاته الابداعية وآرائه النقدية ومواقفه الفكرية .

 يحتوي هذا الكتاب – بالاساس - على وثائق حول العلاقات المتبادلة بين ايليا ايرنبورغ ورجالات السلطة السوفيتية الحاكمة في زمانه، (اي انه يتناول علاقة ايرنبورغ بالسلطة السوفيتية فقط)، وهم من الاسماء الكبيرة جدا والمؤثّرة جدا في مسيرة الاحداث في الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية في العالم ايضا، وهذه الاسماء هم كل من -  بوخارين وستالين وخروشوف وسوسلوف، وفي هذه (الوثائق) الدقيقة حول علاقة ايرنبورغ برجالات السلطة هؤلاء  تكمن - بلا شك – اهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية وطرافته ايضا، اذ ان العثور على هذه الوثائق في عصرنا المتشابك اصبحت مهمة ليست بسيطة ابدا .

الاسماء الاربعة هذه تجسّد واقعيا اربعة مراحل مختلفة في التاريخ السوفيتي فعلا، فبوخارين يمثّل المرحلة السوفيتية الاولى بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917، وهي المرحلة التي انتهت باعدامه عام 1938 من قبل ستالين، والمرحلة السوفيتية الثانية تسمى المرحلة الستالينية بكل ما فيها من اعتقالات واعدامات ومعسكرات وسجون، والتي انتهت بوفاته عام 1953، حيث ابتدأت المرحلة السوفيتية الثالثة، عندما فضح خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الجزء الاكبر لما حدث آنذاك زمن ستالين، وتسمى هذه المرحلة حسب عنوان رواية ايرنبورغ القصيرة – ذوبان الجليد، أما المرحلة الرابعة (ما بعد خروشوف)، عندما كان بريجنيف على رأس السلطة السوفيتية، فان سوسلوف كان المنظّر الايديولوجي لتك المرحلة . وهكذا سيعرف قارئ  الكتاب، ان بوخارين كان رفيقا لايرنبورغ في المدرسة، وكيف ساعده للتخلص من السجن، وكيف بقي ايرنبورغ وفيّا لذكراه حتى بعد اعدامه، وسيعرف القارئ مواقف ستالين بشأن الادب في العالم وكيف اراد قيادته لصالح الايديولوجية السوفيتية، وسيعرف محاولة ستالين قبيل وفاته بتجميع اليهود السوفييت، وهي محاولة مهمة جدا بالنسبة لمصيرهم، ولمصير اسرائيل، التي قامت لتوّها آنذاك، وتعدّ هذه القضية في غاية الاهمية لبلداننا العربية، والتي تتطلب دراستها من قبل المتخصصين عندنا و بموضوعية تامة، وبعيدا عن (الهتافات والكلمات الطنانة !)، التي (غرقنا بها !) مع الاسف، وسيعرف القارئ ايضا، ان خروشوف ليس ذلك الشخص، الذي كان يمكن ان يسير الى النهاية في تنفيذ كل الوعود، التي اطلقها في بداية مجيئه للسلطة، اذ ان البناء الايديولوجي لحكم الحزب الواحد لم يتغيّر في الاتحاد السوفيتي عندها، وسيفهم القارئ ايضا، محدودية افكار سوسلوف  ...

كتاب – ايرنبورغ والسلطة، محاولة مهمة في تجميع المواد الضرورية للبحث العلمي اللاحق في تاريخ العلاقة بين السلطة والابداع الفني، بغض النظر عن الدولة والمبدع، وما أحوجنا نحن الى هذه الاصدارات العلمية، نحن، ابناء هذه البلدان، التي ابتلت بوباء حكم هؤلاء، الذين (يدسّون!) انوفهم في تفاصيل حياتنا، او، حسب تعبير الشاعر ناظم حكمت – (.....شواربهم في حسائنا ....) .

***

أ.د. ضياء نافع

 

خليل حمدمن خلال السفر للدراسة في مصر–بلد العقاد – حظي الكاتب بالتلمذة على بعض الأدباء والنقاد ممن لقي العقاد، أو تلقى من بعض أساتذة جيله، كالشاعر الناقد محمد علي عبد العال رئيس رابطة الأدب الحديث، عضو اتحاد كتاب مصر.

والأستاذ الدكتور سعد أبو عبادة- ممن تلقى عن الأستاذ محمود شاكر-رحمه الله-و هو محقق ديوان "سقط الزند" لأبي العلاء المعري، وكان يشرحه لنا في الجامع الأزهر العتيق.

في جو الأمسيات الشعرية والملتقيات الأدبية التي كان يحضرها في النوادي الأدبية والروابط الثقافية، تعرّف على الكثيرين من طلاب جيل العقاد وطه حسين والزيات والرافعي المخضرمين، واستفاد منهم.

وفي هذه البيئة تيسر له الاطلاع على بعض تراث العقاد في الميادين الأدبية والفكرية، كما قام بزيارة بلدة العقاد (أسوان)، والتعرف على جوانب من حياة العقاد الاجتماعية والثقافية؛ فتفرغ لقراءة شيء من كتبه ومقالاته.

وقد سبق للكاتب أن فاز – ضمن العشرة الأوائل - في مسابقة أدبية بالقاهرة 2005م عنوانها "العقاد ومقالاته عن  شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي-دراسة أدبية  تحليلية في20صفحة"، نظمتها إدارة رعاية الشباب بالأزهر عام 2005.

و تناولت في رسالتي للماجستير- التي نشرت في دار حميثرا بالقاهرة-:" المقال الأدبي عند العقاد جمعا ودراسة"، حيث وقع الاختيار على بعض مقالات العقاد الأدبية والنقدية،  فسارت الدراسة التحليلية بعد اختصار المقالة المختارة قدر الممكن، مع توخّي سلامة المعنى ووضوح الفكرة وقصد الإيجاز في اللفظ.

و أريد أن أشارك قراء" المثقف" بنظرات عابرة على "أدب المقالة "عند العقاد.

***

3926 المقال الادبيأصبح من نافلة القول أن يتساءل المثقف العربي العادي في هذا العصر: من هو العقاد؟

فقد ملأ العقاد عالم الأدب والفكر وشغل الناس بكتاباته ومعاركه النقدية والقضايا التي تناولها أو أثارها، واضطلع بمهمة عظيمة في صالح الدراسات الأدبية والنقدية.

و لفظ"الأستاذ" كاد ينحصر إطلاقه- في مصر-[1] علماً على عباس محمود العقاد، أديب وناقد وشاعر ومفكر وباحث فليسوف مصري، ولد في 28 يونيو 1889م، وتوفي العقاد  في 12 مارس 1964م، ومصر تحت تأثير هزيمة النكسة القاسية، والتي أحس العقاد بمقدمها يوما ما قبل أن تطويه عزلته عن السياسة مع شعب من حوله كان بين مطرقة الخوف وسندان النفاق.

كان للعقاد أعمال أدبية تندرج تحت فنون كثيرة، فقد قال الشعر وأكثر، وشارك في تنشيط الحياة النقدية على عصره، وكتب مقالات متعددة في موضوعات متنوعة.

ولم تشغله المقالة السياسية عن المقالة الأدبية والعناية بالأدب وفنونه، ويتقدم الزمن فإذا به يكثر من المقالات الأدبية في صحيفة "البلاغ" ثم تصدر هذه الصحيفة ملحقا أسبوعيا فيغذيه بمقالاته، وقد بدأ اتجاهه في الأدب والنقد يظهر ويتسع ليكون بعد ذلك فكرا قائما بذاته يتعدى حدود لينتشر في ربوع العالم العربي كله.

وخلف العقاد ثراء أدبيا وفيرا، وإرثا فكريا راقيا، ومؤلفات ثقافية متنوعة، إلى جانب أعداد هائلة من المقالات المتنوعة في الآداب والفكر والعلوم والتراجم والسير والسياسة.

ولا تخفى إسهاماته في تناول الشخصيات التاريخية لا تؤذن بحصر، إضافة إلى كونه المؤسس الرئيسي لمدرسة الديوان النقدية في الشعر العربي.

المقالة المختارة في "أدب المقالة[2]" عند العقاد

نَشَر الكاتبُ المطبوعُ الدكتورُ زكي نجيب محمود جملةً من مقالاته في مجموعة سمَّاها باسم إحدى هذه المقالات، وهي «جنة العبيط».

ولو شاء الكاتبُ المطبوعُ لسمَّاها «ج هنم الحصيف»..؛ لأن هذه المقالات في جملتها تدل على هذه «الجهنم» التي يعانيها الحصيفُ في حياته..

لا جرم، جعل الدكتورُ زكي شرطَ المقالة أن يكون الأديب ناقمًا، وأن تكون النقمة خفيفة يشيع فيها لونٌ باهتٌ من التفكه الجميل، فإن التمست في مقالة الأديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم تجدها..، فاعلم أن المقالة ليست من الأدب الرفيع في كثير أو قليل، مهما تكن بارعة الأسلوب رائعة الفكرة، وإن شئت فاقرأ لِرَبِّ المقالة الإنجليزية أدسن ما كتب، فلن تجده إلا مازجًا سخطه بفكاهته، فكان ذلك أفعل أدوات الإصلاح.

.. ولكننا نُرِيد أن نقول إن «المقالة» أنواع وليست بنوع واحد، وإن اسمها في العربية لا يحصرها في هذا الغرض الذي أَحَبَّ الأستاذُ أن يقصرها عليه..

يقول الأستاذ: إن المقالة يُشترَط فيها «أن تكون على غير نسق من المنطق؛ أن تكون أقرب إلى قطعة مشعثة من الأحراش الحوشية منها إلى الحديقة المُنَسَّقة المنظمة …» ويقتبس رأي جونسون الذي يرى: «أنها نزوة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام …» قطعة لا تَجْري على نسق معلوم ولم يتم هضمها في نفس كاتبها، وليس الإنشاء المُنَظَّم من المقالة الأدبية في شيء.»

ومما لا خلاف عليه أن هذا التعريف يصدق على نوع من المقالة يزداد شيوعًا بين الغربيين كُلَّما شاعت الصحافة وشاعت معها أساليبُ الكتابة العاجلة، ولكنه لا يحصر جميع المقالات الأدبية..

فالكلمات التي تُطلَق على المقالة في اللغات الأوربية يوشك أن تُفِيد كلُّها معنى المحاولة والمعالجة؛ فكلمة Essay وكلمة Sketch وكلمة Treatise بل كلمة Study، وهي تُترجَم أحيانًا بمعنى الدراسة لا يعدو القصد منها في بداية وضعها أن تُفِيد معنى المحاولة التي يعوزها الصقل والإنجاز..، وينقلونها إلى الموضوعات الأدبية على سبيل الاعتذار لا على سبيل الاشتراط، كأنهم يتَّقُون نقدَ الناقد بهذه التسمية..، كما فعل الفيلسوف مونتاني أبو المقالة الأوروبية، حين سمَّى فصوله بالمحاولات..

وكلمة Article وهي أبعد قليلًا من هذا الغرض، تفيد معنى الفاصلة أو الجزء، ويقابلها عندنا معنى «الفصل» الذي يستقل بموضوعه..

لكن هذه المعاني لا تستوعب أغراض المقالات كلها في الكتابة الأوروبية أو في الكتابة العربية.

.. ولا يخفى أن البحث لا يُشترَط أن يكون كتابًا ضخمًا أو كتابًا صغيرًا في عدد الصفحات..؛ لهذا نقول: إننا في حاجة إلى اسم غير اسم المقالة للدلالة على نوع المقالات التي يعنيها الأستاذ نجيب. فهل نسميها العجالة؟ أو نسميها النبذة؟ أو نسميها الأحدوثة؟ أو نسميها الأملية؟ أو نسميها المسامرة؟

إن اسمًا من هذه الأسماء أدل عليها من اسم المقالة على إطلاقه، وقد عرفنا الأمالي والمسامرات والنبذ والعجالات في الأدب العربي، فرأينا فيها مسحة من أسلوب المقالة كما شاع بين الأوروبيين في العصر الحديث.

على أنني لا أدري هل أقرظ «جنة العبيط» أو أنقدها حين أقول إنها تشتمل على مقالات لا تنطبق عليها الصفة التي قَيَّد بها كاتبُها موضوعَ المقالة الأدبية..

إلا أن فيلسوفَنا عدوَّ الفلسفة قد استطاع أن يحرص على هذه الفضائل وأن يتجنب المنطق والنظام في بعض المقالات الأخرى فلم يخطئه التوفيق؛ لأنه قد استطاع مع ذلك أن يقول شيئًا تلذ قراءته ويستجيش الذهن إلى التفكير.

قال في مقال «النساء قوامات»: إذا عشت في أمة هازلة حَمَلَكَ الناسُ محمل الهزل إن كنت جادًّا، وأخذوك مأخذ الجد إن كنت مازحًا.

ثم قال: «ولست أرى لك حيلةً سوى أن تُقْسِم لهم في مستهل الحديث بالذي بسط لهم الأرض ورفع السماء إنك فيما تحدثهم به إنما قصدتَ إلى الجد ولم تقصد إلى المزاح.»

وأحب أن أقول للكاتب الفاضل إنني أعرف هذه الخصلة جد المعرفة؛ لأنني كثيرًا ما كنت من ضحاياها. ومن ذاك أنني اقترحتُ مرة على مسمع من شيوخ عقلاء أن تعمد الحكومة إلى.. إخراج الشيوعيين مرتين في كل يوم «طابورًا» واحدًا يمر كل يوم في حي من أحياء المدينة؛ ليرى الناس بأعينهم أي «خلق مقلبة» هذه التي تريد أن تقلب العالم على من فيه؛ فضحك الشيوخ العقلاء! وكتبت ذلك من قبل ومن بعد؛ فضحك القراء الألباء. مع أنني والله جادٌّ فيما أقترح، ولا أزال مُصِرًّا على هذا الاقتراح.

أيرى صديقُنا الدكتورُ نجيب أن هذه مقدمة مُطَمْئنة في صدد الكلام على مقترحاته؟

ليتمهل قليلًا … أقل من لحظة واحدة؛ لأنني سأقول له على الأثر إنني أحسبه مازحًا فيما كتب، وأحسبه مُحَقَّقًا لشرط المقالة في تمهيده، ولن يثنيني عن هذا الحسبان قَسَمٌ بباسط الأرض ورافع السماء، ولا إنذار يُلوَّح به في خاتمة أو ابتداء.

.. ولا حاجة إلى سؤال أكثر من السؤال عمن يعلق الجرس!

هل تتقدم النساء فيستولين على القِوامة بأيديهن؟! إن استطعن ذلك فلا حاجة إلى اقتراح..، أم يَعْجزنَ عن ذاك ويَكُنَّ مع هذا قادرات على القِوامة؟!

لا منطق هنا ولا نظام، ولكنه مزاح على شرط المقال في تمهيد «جنة العبيط» … وحقِّ باسط الأرض ورافع السماء!

وإنما أَسُوق هذا التعقيب؛ لأخلص منه إلى نتيجة لا تجافي المنطق ولا النظام، فأقول للأستاذ نجيب: اكتب على شَرْطك أو على غير شَرْطك، ما دُمْتَ على الحالَيْن تقول ما يَطِيب وتقول ما يُصِيب.

نظرة في مقالة "أدب المقالة"

هذه المقالة ترد في نطاق تحديد المفاهيم الأدبية، يؤصل بها الكاتب الضوابط والمعايير الأساسية للمقالة الأدبية. وقد تناول الموضوع من خلال قراءة نقدية متأنية في مجموعة مقالات الدكتور زكي نجيب محمود "جنة العبيط".

تحددت الفكرة الأساسية للمقالة في الفقرة الثالثة (جعل الدكتورُ زكي شرطَ المقالة أن يكون الأديب ناقمًا، وأن تكون النقمة خفيفة يشيع فيها لونٌ باهتٌ من التفكه الجميل..).

افتتح الأستاذ العقاد بذكر كتاب الدكتور ثم سخر من عنوانه قائلا: (ولو شاء الكاتبُ المطبوعُ لسمَّاها «جهنم الحصيف»).

و أخذت الفكرة النقدية تتجاوز فاتحة المقالة لتنفذ في نقد المضمون، حيث بدأ بنقد مفهوم "المقالة" لدى الدكتور والكتاب الغربيين عموما، فهي عندهم لا تعدو أن تكون محاولة أو معاجلة لا تنضبط بقواعد محكمة (أن تكون على غير نسق من المنطق) أو هي (أنها نزوة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام..). فما هي إلا قطعة تجري على غير نسق معلوم ولا تكتب من تجربة صادقة بأسلوب راقي وفكر ناضج.

لهذا نجد أن المصطلحات الغربية المختلفة التي تدل على المقالة تدور حول المحاولة والمعالجة؛ (فكلمة Essay وكلمة Sketch وكلمة Treatise بل كلمة Study، وهي لا يعدو القصد منها في بداية وضعها أن تُفِيد معنى المحاولة التي يعوزها الصقل والإنجاز..)، وكذلك (كلمة Article ..، تفيد معنى الفاصلة أو الجزء، ويقابلها عندنا معنى «الفصل» الذي يستقل بموضوعه..)، و"المقالة" أنواع وليست بنوع واحد، فماذا نسمي هذا النوع إذا؟ (فهل نسميها العجالة؟ أو نسميها النبذة؟ أو نسميها الأحدوثة؟ أو نسميها الأملية؟ أو نسميها المسامرة؟).

وفي  يقوم بجولة نقدية في مقالة "النساء قوامات" للدكتور في "جنة العبيط أو جهنم الحصيف"، ثم يحدد المفهوم الصحيح للمقالة ويوضح ضوابطها، فقال الدكتور: (إذا عشت في أمة هازلة حَمَلَكَ الناسُ محمل الهزل إن كنت جادًّا، وأخذوك مأخذ الجد إن كنت مازحًا. ثم قال: «ولست أرى لك حيلةً سوى أن تُقْسِم لهم في مستهل الحديث بالذي بسط لهم الأرض ورفع السماء إنك فيما تحدثهم به إنما قصدتَ إلى الجد ولم تقصد إلى المزاح.»).

بين العقاد أنه قد عاش تجارب كثيرة، هي تصب في هذا المصب، فقد كان اقترح للحكومة اعتماد طريقة لمكافحة الشيوعيين؛ بإخراجهم مرتين في "طابور" واحد (يمر كل يوم في حي من أحياء المدينة؛ ليرى الناس بأعينهم أي «خلق مقلبة» هذه التي تريد أن تقلب العالم على من فيه؛ فضحك الشيوخ العقلاء! وكتبت ذلك من قبل ومن بعد؛ فضحك القراء الألباء. مع أنني والله جادٌّ فيما أقترح، ولا أزال مُصِرًّا على هذا الاقتراح).

والعقاد يرى أن النساء لو استولين على القوامة فهل هن بحاجة إلى اقتراح؟ أم سوف يعدن غير قادرات بعد مضي فترة الاقتراح؟. فالفكرة الأساسية لهذه المقالة لا تعتمد على (منطق ولا نظام، ولكنه مزاح على شرط المقال في تمهيد «جنة العبيط» … وحقِّ باسط الأرض ورافع السماء!).

الخلاصة أن المقالة –بهذا المفهوم الغربي- لا تصلح أن تسمى كذلك، بل هي مجرد محاولة، لا تناقش ولا تنقد؛ إذ كتابها (يتَّقُون نقدَ الناقد بهذه التسمية). وعلى هذا فإن اسما كالعجالة، أو النبذة، أو الأحدوثة، أو الأملية، أو المسامرة – أوضح دلالة وأدنى إلى هذا المفهوم  (وقد عرفنا الأمالي والمسامرات والنبذ والعجالات في الأدب العربي، فرأينا فيها مسحة من أسلوب المقالة كما شاع بين الأوروبيين في العصر الحديث).

تندرج هذه المقالة في قائمة المقالات التي وضع بها العقاد تعريفاً لمفهوم المقالة، وحدد ما يشترط في المقالة من ضوابط ومعايير فنية وعلمية.

والعقاد يستنتج من هذه المناقشات النقدية لمفهوم المقالة الصحيح؛ ليخلص منها (إلى نتيجة لا تجافي المنطق ولا النظام، فأقول للأستاذ نجيب: اكتب على شَرْطك أو على غير شَرْطك، ما دُمْتَ على الحالَيْن تقول ما يَطِيب وتقول ما يُصِيب).

و بنية الجمل في المقالة محكمة في نظمها، يظهر عليها النفس، كما اتسمت بثروة المفردات، واستخدم العقاد- كعادته- الاستدلالات المنطقية والملاحظات الدقيقة. فمن تلك الملاحظات: أن جميع المصطلحات على "المقالة" لا تتعدى (معنى المحاولة والمعالجة)؛ فإنها لا تستوعب أغراض المقالات كلها في الكتابة الأوروبية أو العربية على السواء.

وقد اتصف أسلوب العقاد في بعض المواضع بشيء من السخرية (لا منطق هنا… وحقِّ باسط الأرض ورافع السماء!)، ومثل هذا قوله: (ولا حاجة إلى سؤال أكثر من السؤال عمن يعلق الجرس!) وكذا قوله: (اكتب على شَرْطك أو على غير شَرْطك، ما دُمْتَ على الحالَيْن تقول ما يَطِيب وتقول ما يُصِيب)، بيد أن المقالة أنواع وليست بنوع واحد.

ونلاحظ أن الكاتب قد استشهد بتجربته الخاصة التي عاشها، ذلك الاقتراح الذي دعا العقاد إليه؛ لمكافحة الشيوعية وهو في ذلك جاد فحمل اقتراحه محمل الحذر!

واستطاع العقاد أن ينقد مفهوم المقالة الذي قرره الدكتور مما كان قد درج عليه أكثر الكتّاب الغربيين، بأسلوب علمي منطقي، حيث أوضح أن ضوابط المقالة أوسع مما حصروها فيه برؤيتهم؛ وما ذلك منهم إلا تهرّبًا من النقد والسلامة منه. ولعله خفي عليهم أن المقالة أنواع عدة، وأنها تخضع لمجموعة من القواعد المحكمة، والضوابط الخاصة، وإنما يستحق أن يسمى هذا –المقالة عندهم- بالمحاولة أو المعاجلة أو النبذة أو غيرها دون "المقالة"؛ لأنها (في العربية لا يحصرها في هذا الغرض الذي أَحَبَّ الأستاذُ أن يقصرها عليه..).

فالمقالة جيدة النظم وواضحة الفكرة، وتهدف إلى تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات الأدبية المهمة، حتى تتضح المعالم؛ خاصة في تلك الفترة من عمر الأدب.

و إذا كانت الدقة مطلوبة، فإن التكلف والتصنّع عيب في إعداد المقالة.

و يبدو اتساع الأفق والثقافة العريضة، والمعرفة الجيدة باللغات الأوربية،[3]و العمق والدقة في تناول القضايا، نتيجة النزعة الفلسفية التي كان ينزع عنها عادة؛ وتلك سمات تميز بها العقاد في كتاباته، خاصة الأخيرة منها، وكان اتصال العقاد بنتاج الفلاسفة الألمان مبكرا من أمثال شوبنهور ونيتشة (ولعل ذلك ما جعل كتاباته تتسم مبكرة بشيء من الغموض الذي يشيع في الفلسفة الألمانية. وربما كان يقتصد في ألفاظه اقتصادا شديدا، بل يعمد عمدا إلى إفراغ مادة معانيه في أوجز لفظ.. فهو عنده وعاء لفكره وكل ما يطلب فيه أن يؤدي هذا الفكر في قوة، ولعله لذلك امتاز أسلوبه بالقوة والجزالة والكلمات الطويلة..."[4].

و لعل مما يستدعي إعادة القراءة المتأنية والنظرة الواعية قول العقاد في نقده البنائي السابق:" فاعلم أن المقالة ليست من الأدب الرفيع في كثير أو قليل، مهما تكن بارعة الأسلوب رائعة الفكرة، وإن شئت فاقرأ لِرَبِّ المقالة الإنجليزية أدسن ما كتب، فلن تجده إلا مازجًا سخطه بفكاهته، فكان ذلك أفعل أدوات الإصلاح".

و يبدو – بمراجعة سريعة-أن الأستاذ العقاد قد وقع في أمر ينقد به نفسه، وهذا الاستدلال الذي بنى عليه الحكم في الفقرة يعوزه القوة التي ينتهض بها حتى يكون برهاناً على صحة ما بنى عليه حكمه العام بأن المقالة ليست من الأدب الرفيع في كثير أو قليل"، والعطف بـ"أو" هنا كاد يزيد الطين بلة، وهو كذلك فيما يظهر.

ذلك أنه قد ينقل الموضوع إلى فكرة المفاضلة بين المقالة والأنواع الأدبية الأخرى – كالشعر،و هي فكرة استأثرت باهتمام النقاد والكتّاب، وتجاذبت حولها الآراء قديما وحديثاً.

ويظهر أن لكل منهما ما يميزه عن صاحبه، وأن لهما جميعا من الأهمية الأدبية والفكرية والاجتماعية التي تأتي استجابة للواقع والأحوال الخاصة.

***

خليل حمد

.....................

[1] يُطلق الأستاذ على العقاد كثيرا في زمانه، وفي الصالون الأدبي إذا أُطلق اللفظ فلا يتجرأ أحد أن يلتفت غير العقاد، وكان  يرى أنه أحق الناس بهذا الاسم،كما يحكي ذلك تلميذه أنيس منصور في كتابه" في صالون العقاد كانت لنا أيام".غير أن هناك في مصر في تلك الفترة أستاذ آخر أيضا يرى أحقيته بهذا الاسم،وهو الإمام محمد عبده؛ فهما أستاذان؛ ولهذا كان بعضهم يقول في تلك الفترة:"الأستاذ الإمام" حيى يميز الإمام محمد عبده من العقاد الذي يصفه بالأستاذ الأديب، أو عملاق الأدب؛ لكن  الوصف رافق –أيضا-اسم "لطفي السيد" أيضا يُعتبر" أستاذ الجيل"، فهم أساتذة، أعيان الأساتذة.

و أحب الأوصاف إلى العقادأ ن يقال عنه:"شاعر"، ولكن لم يشتهر به؛ وإن كان حقاًّ شاعراً له إبداعاته.

[2] نشرت في  مجلة "الرسالة" 2/08/1948م

[3] هذا، وساعده إتقانه للإنجليزية كثيرا في النهوض بالموسوعة الفكرية التي كان يمثلها؛ فقد تمثل عن طريقها ليس فقط الأدب والفلسفة الإنجليزية، ولكن كذلك الآداب والفلسفات الغربية الأخرى كالألمانية والفرنسية والإسبانية، و"لا يختلف اثنان في أن العقاد أكبر كاتب عربي معاصر خالط الأوربيين في أدبهم وفنونهم وعلومهم وفلسفاتهم الميتافيزيقية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية. وآثار هذه المخالطة تشيع في جميع كتاباته حتى ليصبح جسرا مهما في عبور العقلية العربية الحديثة من شاطئ الركود الى شاطئ النهوض) (ضيف، شوقي، مرجع سابق:57)10.

[4] ضيف، شوقي، مع العقاد. القاهرة: دار المعارف، 1988م:55.

3915 القانون الدبلوماسيصدر للباحث القانوني الدكتور قاسم خضير عباس كتاباً جديداً باسم (مبادئ القانون الدبلوماسي) الصادر من دار الأضواء ببيروت ويوزع في مكتبة سطور في شارع المتنبي. وفيه يؤكد الباحث على أهمية دراسة القانون الدبلوماسي فهي من الأمور المهمة التي تفيد الباحثين في مجال القانون الدولي العام، وكذلك المشتغلين في مجال العلاقات الدولية، وبضمنهم الدبلوماسيين والموظفين الدبلوماسيين؛ والكتاب كان بطلب من وزارة الخارجية العراقية لتدريسه في معهد الخدمة الخارجية

لقد حاول د. قاسم خضير عباس جهد الإمكان الإحاطة بكل ما يحكم القانون الدبلوماسي، وحصانات وامتيازات البعثات الدبلوماسية، وحصانات وامتيازات البعثات القنصلية، إضافة لحصانات البعثات الخاصة. وقد اقترح أن تكون هيكلية البحث مقسمة إلى:

تمهيد.. تناول فيه أثر القاعدة القانونية الدبلوماسية في العلاقات الدولية، لأنّ المجتمعات البشرية القديمة كانت بحاجة إلى التعاون فيما بينها لحل بعض أزماتها ومشاكلها والتوافق بين مصالحها. ثم تطوّرت هذه العلاقات بين الشعوب وانبثق عنها علم جديد سمّي (علم العلاقات الدولية)، الذي تأثّر بعلوم أقدم منه كالتاريخ السياسي، ونظرية العلاقات الاقتصادية الدولية، والجغرافية السياسية، وعلم النفس، وغيرها من العلوم الأخرى.

وفي الفصل الأول.. تناول الباحث مفهوم الدبلوماسية وكيفية دراستها، وذلك في مبحثين:

الأول: درس فيه مفهوم الدبلوماسية واهتماماتها.

والثاني: تناول فيه دراسة الدبلوماسية وقسمتها لنوعين من الدراسة، دراسة عملية فنية، ودراسة علمية أكاديمية.

وفي الفصل الثاني.. تكلّم عن تنظيم المهام الدبلوماسية وقسمها إلى أربعة مباحث:

المبحث الأول: الجهاز المركزي للشؤون الخارجية، ويشمل رئيس الدولة ووزير الخارجية.

المبحث الثاني: البعثات الدبلوماسية.

المبحث الثالث: البعثات القنصلية.

المبحث الرابع: البعثات الخاصة.

وتناول الدكتور قاسم خضير عباس في هذه المباحث مزايا وحصانات البعثات الدبلوماسية، وحصانات ومزايا البعثات القنصلية، والبعثات الخاصة، ومهام هذه البعثات.

وفي الخاتمة.. تكلم عن نتائج هذا البحث وفائدته، وأهمية معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية العراقية للمساهمة مع مختصين في القانون الدولي العام لتقديم دراسات معمقة في الفكر القانوني الدولي، وتلمس إشكاليات القانون الدبلوماسي، والمساهمة الجادة بإغناء فقه الدبلوماسية العراقية، وفق نظريات قانونية عراقية ترتكز إلى الأرض التي نحيا عليها، وتستهدي بالنظريات الدولية والفقه الدولي، لكي نكون مؤثرين في محيط العلاقات الدولية، أكثر مما نكون مقلدين لغيرنا.

***

صدر عن دار أهوار في بغداد شارع المتنبي كتاب:

لغة الفيلم وجمالية السينما حول نظريات السينما الكبرى

من إعداد وتأليف وتحرير وترجمة د. جواد بشارة

يهدف الكتاب إلى تزويد المكتبة العربية السينمائية والفنية بمادة قد لا تكون معروفة لدى عدد كبير من القراء عدا المتخصصين وطلاب وأساتذة السينما ويتمحور حول عرض ومناقشة جهود ونظريات كبار المنظرين للفن السابع وهو على جزأين سيصدر الجزء الأول قريباً عن دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة العرقية تحت عنوان " ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما" وهذا هو الجزء الثاني المستقل عن الجزء الأول تماماً.  ويبدأ بعرض النظريات السينمائية التأسيسية التي تدرس في كافة معاهد وجامعات وكليات السينما في العالم لتأهيل الطلاب في التعاطي مع فن السينما ومعرفة لماذا يجب مشاهدة أكبر عدد من الأفلام وارتياد صالات العرض السينمائية كي يتمكنوا من الحديث عن الأفلام التي يشاهدونها والأفلام التي سيخرجونها.

وبعد المسح التاريخي التحليلي لكافة النظريات القديمة والمنظرين الكلاسيكيين، يتناول الكتاب نظريات السينما المعاصرة والمنظرين المعاصرين الحداثيين الذين وضعوا الأسس الأكاديمية للسينما الطليعية والخوض في مواضيع شائكة وممتعة في آن واحد كالعلاقة بين الأدب والسينما ونظرية المونتاج الكلاسيكي والثوري ومفهوم الزمن في السينما والتوقف عند أطروحة الفيلسوف جيل دولوز وعلاقته بالسينما من خلال مناقشة كتابه المهم بجزأين وهو " الصورة – حركة والصورة- زمن".

في سنة 1895 صور الأخوان لوي وأوغست لوميير مشاهد من الحياة الواقعية في فرنسا على شكل وقائع فيلمية وثائقية أو تسجيلية مثل لحظة وصول القطار إلى المحطة وخروج العمال من المصنع، ووقوف طفل على خرطوم السقي في حديقة لمنع تدفق المياه ومن ثم رفع قدميه لكي يغرق الجنايني في الماء، وهو مشهد كوميدي، فيما قام رائد فرنسي آخر من رواد السينما الأوائل هو جورج ميلييه بإخراج سلسلة من المشاهد السينمائية تروي مواضيع متنوعة وترتيبها على نحو فني خلاق وكانت مثيرة وتتوالى بشكل متتابع، أي كانت فيها بداية ووسط ونهاية. وتروي قصة مثل فيلم رحلة إلى القمر سنة 1902. أما في أمريكا فقد كانت أولى المحاولات السينمائية الروائية على يد المخرج إ أس بورتر، وهو فيلم سرقة القطار الكبرى سنة 1903 ولم يتجاوز طول الفيلم أثنتي عشر دقيقة. ومنذ ذلك الوقت المبكر لنشأة السينما انقسمت بين السينما التسجيلية والسينما الروائية وظهر منظرون لكلا النوعين السينمائيين، سواء إبان فترة السينما الصامتة أو السينما الناطقة. وهذا الكتاب بجزئيه يتحدث عن هؤلاء المنظرين ومساهماتهم ونظرياتهم الجمالية التأسيسية.

 

3868 عائشة بنورساھمت المرأة الجزائریة عبر مسیرتھا التاریخیة في البناء الحضاري للدولة الجزائریة، وعرفت بمواقف نضالیة، وبأعمال بطولیة، دوّنت اسمھا في سجل الخالدین بحروف من ذھب، نضال المرأة الجزائریة كان وسیبقى شعلة مضیئة في ذاكرة الجزائریین والشعوب العربیة والعالم.

ھذا الكتاب" المرأة الجزائریة في الثورة التحریریة - حقائق وشھادات- "والصادر عن دار ومضة للنشر یرصد مساھمات المرأة الجزائریة ونضالھا عبر التاریخ في الحیاة لسیاسیة، ویقدم نماذج حیّة عن نساء جزائریات كان لھن دور كبیر في ذلك مثل الملكة

تینھینان الفیلالیة، ملكة قبائل الطوارق، المعروفة بالحكمة والدھاء.

كذلك الملكة تھیا أو ضَمیا أو داھیة الملقبة بالكاھنة، فارسة البربر، وھي ملكة من قبیلة جراوة في جبال الأوراس في الجنوب الشرقي للجزائر، وكنزة الأوربیة ابنة زعیم قبیلة أوربة الأمازیغیة التي تزوجت من إدریس الأول العلوي، وقد لعبت دورا ھاما في

إرساء قواعد الدولة الإدریسیة خاصة بعد وفاة زوجھا إدریس الأول.

والأمیرة زینب تانفزاویت من قبیلة ھوارة الأمازیغیة، كانت أرملة أمیر أغمات وتزوج بھا الأمیر أبو بكر اللمتوني، وقد لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السیاسیة للدولة المرابطیة.

والأمیرة أم ھاني شیخة العرب ابنة باي قسنطینة رجب 1666م -1672م، وزوجة شیخ العرب أحمد بن السخري بوعكاز صاحب ثورة 1637م والتي حكمت في نفس الفترة من القرن 18م معظم الصحراء الشرقیة للجزائر أزید من نصف القرن من حوالي سنة 1724م.

والدایخة بنت محمد بن قانة زوجة الباي عبدالله (1804 1807م)( بایلك قسنطینة)، وسحابة الرحمانیة أم عبد المالك السعدي، وعلجیة بنت بوعزیز ابنة شیخ قبیلة النمامشة وزعیم الحدود الشرقیة لبایلك قسنطینة.

وفي مجال العلم والمعرفة یتضمن المخطوط حقائق عن نساء جزائریات كان لھن الدور الكبیر في نشر العلم والمعرفة في حقل التربیة والتعلیم والاصلاح، مثل - لالا زینب القاسمي التي توّلت شؤون الزاویة (زاویة الھامل)، والسیدة المتعلمة ذھبیة بنت محمد بن یحیى أحد شیوخ زاویة "الیلولي"، وكذلك زوجة الشیخ عاشور الخنقي بایة (بیھ) بنت أحمد حسان، عائشة بنت عمارة بن یحي بن عمارة الشریف الحسني، وعادلة بیھم الجزائري زوجة مختار بن محمد بن الأمیر عبد القادر الجزائري التي أسست مدرسة دوحة الأدب الخاصة بالإناث وكانت بینھا وبین الشیخ عبد الحمید بن بادیس مراسلات لتعلیم فتیات جزائریات،كما یتحدث المخطوط عن نشاط تلمیذات ومعلمات جمعیة العلماء المسلمین أمثال زھور ونیسي، زبیدة قدور زوجة المناضل سلیمان عمیرات، أمینة سعدون شریف، وخدیجة لصفر خیار،خدیجة ختیر وآمنة زعنان وفتیحة زموشي.

الكتاب یرصد حیاة أكبر عدد ممكن من المناضلات والمجاھدات اللوّ اتي كان لھن بصمات ھامة في مسیرة المقاومة الجزائریة أمثال: ( فاطمة نسومر) وخلال ثورة التحریر(حسیبة بن بوعلي، ملیكة قاید، مریم بوعتورة، فضیلة سعدان، وسیدة شرشال یمینة أوداي (لازلیخة)، وصلیحة ولد قابلیة، سامیة لخضاري،جمیلة بوحیرد، جمیلة بوباشا، جمیلة بوعزة، زھرة ظریف، لویزة اغیل احریز، خیرة قرن، زھور زیراري، سلیمة الحفاف زوجة بن یوسف بن خدة، بایة الكحلة، مامیة شنتوف، نفیسة حمود، جانین بلخوجة، زلیخة بقدور، مریم بلمیھوب زوجة زرداني، لیلى موساوي، نسیمة حبلال السكرتیرة الشخصیة للبطل عبان رمضان،بالإضافة إلى دور المرأة في حیاة الأمیر عبد القادر.

كما یصور الكتاب ھمجیة الاستعمار الفرنسي في استعمال وسائل العنف الوحشیة ضد المرأة الجزائریة، وفي لحظات تاریخیة نادرة تعاظم فیھا التعذیب السادي من طرف الجلادین وتسامى فیھا حب الجزائر، رسمت فیھا المرأة الجزائریة رمز الانسانیة التوھج

والتمجید والتحدي، فمنحتھا الثورة الجزائریة التحرر والمصیر المشترك.

كذلك یضم كتاب المرأة الجزائریة في الثورة التحریریة ( حقائق وشھادات) للأدیبة عائشة بنور التعریف بصدیقات الجزائر وذكر مواقفھن الباھرة أمثال المناضلات آني ستینر، جاكلین نیتر قروج، المجاھدة "ایلیات لو" أو فاطمة الزھراء المرأة التي أسلمت من

أجل الجزائر، ایفلین لافالیت، جاكلین اورانغو، ریموند بیتشارد.

كما یتطرق الكتاب إلى المرأة الجزائریة في كتابات الرحالة الذین كتبوا عنھا وعن لباسھا وعاداتھا، وألفوا كتبا في ھذا الشأن أمثال یوجین دوماس والرحالة الإنجلیزي الدكتور"شو" Shaw. Dr الذي زار الجزائر في الفترة ما بین 1720و 1732م، والفرنسیین

أنفسھم "بیسونال" Peyssonel الذي أقام بالشرق الجزائري بین 1724 و1725م،"دوبارادي" Paradis .V الذي زار الجزائر سنة 1789م، وغیرھم ممن أبھروا بقوة وشجاعة المرأة الجزائریة خاصة الریفیة، كذلك تركت زیارات كل من كبار الكتاب والأدباء" فرومنتان، وت.غوتتیھ، وقونكور، فلوبیر، ودودییھ، وبول بوردو،

وموباسان، جان لوران، ألفونس دودي Daudet Alphonse ،كي دو موباسان" ،والرحالة "بول أودال Audel Paul ،ومیخائییل سیرفانتاس الإسباني في روایة دون كیشوت وانطباعاته عن المرأة الجزائریة، متخذا من زرید نموذجا في الذوق والارتقاء بالحضارة في مختلف مناحي الحیاة، شكل ذلك أثرا كبیرا في نفوسھم وفي كتاباتھم وتجسّد ذلك من خلال ما سطروه في مؤلفاتھم من انطباعات عن حیاة أھلھا وملابسھم وعاداتھم وتقالیدھم. صفحات امتلأت بھا مؤلفاتھم وذاكرتھم، فشكلّ  تراثا أدبیا كبیرا

وممیزا كان للمرأة الجزائریة الجانب الأكبر فيه.

وفي النھایة یتحدث الكتاب عن نضال المرأة الجزائریة في الأدب العربي، وما جادت به قرائح الشعراء أثناء القبض على جمیلات الجزائر ومحاكمتھن وقرار إعدامھن من طرف المحاكم العسكریة الفرنسیة .

فالمجاھدة جمیلة بوحیرد مثلا كتب عنھا ما یقرب من 450 قصیدة (كتبھا 171 شاعرا عربیا)، كتبھا أشھر الشعراء في الوطن العربي مثل نزار قباني، صلاح عبد الصبور، عبد المعطي حجازي، بدر شاكر السیاب والجواھري وعشرات آخرین، حتى تحوّلت إلى أسطورة تاریخیة.

بالاضافة إلى أقوال وشھادات لمجاھدات على قید الحیاة وكذا أشعار كتبت في السجون مثل أشعار بایة حسین ، كذلك یتضمن المخطوط قوائم بأسماء فدائیات وبعض مناضلات المناطق، ورسائل شھداء كتبت في السجون أمثال رسالة الشھید زبانة إلى أمه.

وختاما فإن الكتاب یلخص بالشھادات الحية والوثائق نضال المرأة الجزائریة الرافضة للاستعمار الفرنسي، وھذا النضال الذي كان حافزا ورؤى متجددة في مسار الثورة الجزائریة ونموذجا للمجتمعات المتطلعة نحو المستقبل.

***

دكتور حسين علي غالب - بريطانيا

 

إن عملية توثيق جرائم التطرف تعد تأسيسية ليس في العراق فحسب، إنما في المنطقة العربية، بمعنى آخر لا يوجد لدينا تراكم معرفي يمكن الإفادة منه في هذا المجال، سوى جهود فردية لمؤسسات أو أفراد، والعتبة العباسية المقدسة ممثلة بالمركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف قد أخذت على عاتقها تحمل هذه المسؤولية، من أجل تحقيق العدالة وانصاف الضحايا واستذكار الجريمة لمنع تكرارها، مع تأكيد القول، إن جرائم التطرف لم تُميز بين اتباع دين أو طائفة أو قومية دون اخرى، وإن كانت جماعات محددة قد نالت الجانب الأكبر من تلك الجرائم. وفي المقابل من ذلك عدم انكار صعوبة عملية التوثيق، لجرائم تكررت بأشكال متعددة سواء أكانت استهداف الشخصيات الدينية ودور العبادة والأسواق أم جرائم السبي والإبادة، فضلاً عن القيام بمجازر كبيرة، التي تعد مجزرة سبايكر واحدة منها .

تزامناً مع مهرجان فتوى الدفاع الكفائي، الذي عُقد في العتبة العباسية المقدسة في 16-17/ 6/ 2022، اعلن ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد احمد الصافي عن انجاز الموسوعة الوثائقية لمجزرة سبايكر، من خلال فريق المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف، التابع الى قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، إذ على وفق رأي اعضاء الفريق، أنه تم اعداد موسوعة مجزرة سبايكر الوثائقية لأغراض المساهمة بـ: انصاف الضحايا، وتحقيق العدالة، ومنع تكرار الجريمة، لأن الاستذكار يمنع التكرار، والنسيان يسمح بتكرار الجريمة .

تضمنت الموسوعة ثلاثة وعشرون جزءاً، بما يقارب عشرة آلاف صفحة، وقد تكفل فريق العمل بفرز الوثائق وتصنيفها على وفق الأجزاء الثلاثة والعشرين، وقد تم تضمين بعض الوثائق باللغتين الانجليزية والفرنسية، وبعضها ترجم إلى العربية، ويمكن ايجاز محتويات الموسوعة بالآتي: أسماء الضحايا وبعض صورهم، وشهادات الناجين، ومذكرات القبض والتحري الخاصة بالمتهمين مع صور بعض المدانين، وافادات المتهمين، والقرارات القضائية وبعض شهادات وفيات (الاعدام) لمرتكبي الجريمة، وتقارير الفحص الانثروبولوجي للضحايا، والتقارير الرسمية: المحلية والدولية، والاخبار المحلية والعربية، والاخبار باللغة الانجليزية، والاخبار باللغة الفرنسية، والتحليل الصوري والمقابر الجماعية، ومناسبات الاستذكار السنوية .

إن جرائم التطرف في العراق لا تزال مستمرة، وهنا، ضرورة للعمل على توثيقها ودراستها، لأن العديد من الجرائم قد تم نسيانها، إلا أنها تُعاد بشكل آخر، من جرائم البعث الى جرائم داعش، ومجازر اخرى لم تعُد تذكر، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن هذه الموسوعة ستكون ممهدة لمجموعة دراسات عن المجزرة، لأنها ستحتوي كل ما يحتاجه الباحث في دراسته سواء لإنجاز رسالة ماجستير أم دكتوراه أو كتابة بحث، وستوفر مادة علمية لمقارنة الابادات والمجازر التي قام بها كيان داعش الارهابي، مع التي قام بها نظام البعث الصدامي، كل ذلك بحاجة إلى دراسات وكتابات توضح ما جرى، ولا يمكن أن تتم إلا من خلال الوثائق، وجمعها في موسوعة واحدة توفر للمعنيين والباحثين ما يحتاجوه .

على وفق ما تم ذكره في الموسوعة إن عدد شهداء مجزرة سبايكر قد بلغ 2167 شهيد، وهذه الاحصائية خاصة بالمركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف، من خلال اعتماد بيانات مجلس القضاء الاعلى فيما يتعلق بتوثيق ضحايا مجزرة سبايكر، وموقف نظام الموارد البشرية في وزارة الدفاع العراقية، وتقارير الطب العدلي، واحصائية لجنة تخليد مجزرة تكريت التابعة لهيئة الحشد الشعبي.

ومن الجدير بالذكر، إنه إلى اليوم لا توجد لدينا دراسات كافية عن مجزرة سبايكر، فالدراسات الاكاديمية عنها محدودة جداً، ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والتحقيقات الأممية لا تزال مستمرة بعد ثمان سنوات من سيطرة كيان داعش الارهابي على ثلث العراق، لذا فإن لهذه الموسوعة أهمية في توفير كل ما يحتاجه الباحثون، فضلاً عن اهميتها في توثيق ما جرى .

***

د. قيس ناصر - باحث وأكاديمي

علاء اللاميإنه كُتيب عمره قرابة خمسة قرون، كتبه شاب فرنسي في السادسة عشرة من عمره يلخص لنا قصة وآليات العبودية الطوعية والطغيان السياسي في المجتمعات البشرية. فمع تفاقم ظاهرة عبادة الشخصية بين جمهور المليشيات والاحزاب العراقية، في مجتمع اعتاد على أن يؤسطر كل شيء منذ القدم، وتبلغ ظاهرة الأسطرة أحيانا درجة التأليه وتشبيه الزعيم المحبوب بالأنبياء أو الأئمة الأوائل لدرجة قد يتحرج منها المسلم العادي، رأيت من المفيد الإشارة بكلمة سريعة إلى هذا الكتاب الذي يعالج ظاهرة ذهاب الناس في حالات معينة الى العبودية طائعين مختارين بأرجلهم. يحمل الكتاب عنوانا مترجما هو "العبودية المختارة" وأعتقد أن الترجمة الأدق لعنوانه في رأيي هي "العبودية الطوعية" وليس المختارة، فالكاتب لا يقصد أن العبودية خيار بين عدة خيارات بل يقصد أن المستعبدين في هذه الحالة يذهبون طوعا إلى عبوديتهم بأرجلهم ليكونوا عبيدا للطاغية!

 الكتيب -إن شئنا الدقة – عبارة عن مقالة طويلة نسبيا كتبها شاب فرنسي يدعى إتيان دو لا بويسي، حين كان في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من عمره في سنة 1530 وسيموت هذا الشاب الموهوب بمرض السل قبل أن يكمل عامه الثالث والثلاثين سنة 1563. ولم تُنشر مقالة دولابويسي وهو حي بل نشرها بعد موته المثقفون البروتستانت الفرنسيون المناهضون للمَلَكية المطلقة، لأنها تدعو في ما تدعو إلى التسامح والتعايش بينهم وبين الكاثوليك قبل القضاء على البروتستانتية في فرنسا خلال الصراع الطائفي الدموي الذي حدث في فرنسا القرن السادس عشر.

عهد ذاك، كانت الحرب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت دائرة، وقد انتهت بمجزرة بارتيليمي في 24 آب /أغسطس عام 1572 وتهجير من بقي حياً من البروتستانت الفرنسيين الى سويسرا ليتحول المجتمع الفرنسي الى مجتمع واحدي النمط طارد للتنوع والتعددية.

كان الشاب دولابويسي يدعو إلى السلام والتعايش و"التسامح" بين أبناء الطائفتين وقد دعا لرفض العنف لأنه يزيد من تعقيد الأمور وليس إلى حلها!

في هذا النص يحاول الكاتب تفكيك وتحليل وتقصي أسباب خضوع جماهير واسعة من الناس لشخص واحد "لا يملك أكثر مما أعطوه" و"يتميز إضافة إلى ذلك بانعدام الكفاءة وسوء الإدارة". أحد الأسباب التي يضع "دولابويسي" يده عليها هي قيام السلطان او الطاغية بتسليط فئة صغيرة من الجهلة والمستعبَدين في اضطهاد إخوانهم وأمثالهم فيتحولون إلى أتباع متملقين ينتظرون الفتات الذي يلقيه عليهم سيدهم، وبمرور الوقت واستمرارهم في ممارسة الاضطهاد والتبعية يتحول أفراد هذه الفئة إلى العبودية الطوعية التي لم يجبرهم عليها أحد بشكل مباشر!

إن أسوأ قراءة لهذا النص هي تلك التي تسلخه من ظروف القرن السادس عشر وتقرأه بعيون القرن الحادي والعشرين وتسقط عليه همومها وأسئلتها ومصطلحاتها، ولهذا أخطأ الكثيرون حين قرأوه بهذه العيون، وما كان ينبغي أن يفعلوا ذلك دون أن يتركوا مسافة نقدية بين عصرهم وعصر كاتب النص. رغم ذلك يبقى النص، على بساطته وسذاجة بعض الفكرات و"الحدوتات" والتحليلات، وحتى بعض الصور النمطية المسبقة التي تفوح بالعنصرية الرومانية الغربية الواردة فيه من وجهة نظر عصرية (مثلا، نظرته نحو الشرقيين كالفُرس المعتادين على العبودية والذين لا يعرفون الحرية لأنهم لم يملكوها يوما والاسبارطيين الإغريق الأحرار بطبعهم لا يطيقون العبودية! ص 51)، يبقى غنياً بالعبر والومضات العقلانية والعميقة التي تسلط الضوء بقوة ومبكراً على ظاهرة الطغيان السلطوي لدى الزعيم الفرد المحتال والدموي والذي لقب نفسه في روما مثلا بمحامي الشعب وخادم الشعب / ص69، والانقياد الجماهيري نحو العبودية الطوعية.

 ومعلوم أن هذه الظاهرة ظلت حية حتى في عصرنا الحديث وطالما ركضت الجماهير - أو للدقة قطاعات واسعة منها -  خلف الزعماء والحركات الرجعية أو الفاشية كما حدث في القرن الماضي في ألمانيا وإيطاليا ويحدث اليوم في عصرنا خلف مختلف الزعماء والحركات السياسية والدينية والخليطة من هذه وتلك، بل وحتى خلف شخصيات كاريكتيرية ومضحكة ولا يتعدى دورها دور المهرج التلفزيوني في أوكرانيا أو الملياردير الفظ والسوقي اللغة والسلوك كترامب.

ولعل من مقاطع النص الملفتة لنظر القارئ هو ذلك الذي يرصد فيه الكاتب بلهجة إنشائية وناقدة ومتهكمة ولكنها فارغة علميا لما فعلته جماهير الرومان من توقير وشبه تقديس لإمبراطورها الرهيب نيرون الذي يصفه إيتان - مقتبساً عن الكاتب الروماني كورنيلوس تاسيتوس - بالجلاد المُفْسِد والوحش الضاري والمسخ القبيح وكيف "حزن عليه الشعب الروماني النبيل أيما حزن حتى أوشك أن يعلن عليه الحداد/ ص 67"، أو كيف كرَّم الشعب الروماني يوليوس قيصر بعد موته وهو الذي ألغى القوانين وألغى حرية الشعب ... وكانت إنسانية هذا امبراطور - كما يقول إيتان - الذي كثرت الإشادة بها أشد ضررا من قسوة أعتى طاغية وجد على وجه الأرض/ ص 68"! هذه أدناه فقرات لفتت انتباهي أكثر من غيرها لأهميتها من مقالة أو كتاب إتيان دو لا بويسي:

 * إن كان الكلام عن بيِّنة، وجب القول إن البؤس الذي ليس كمثله بؤس هو خضوع المرء لسيد لا يمكن أبدا الاطمئنان إلى صلاحه لأنه بمقدوره دائما أن يكون شريرا متى أراد. ص22

* لكن يا ألهي، ما هذا؟ أي بؤس؟ أي رذيلة، أن نرى عددا من الناس لا يطيعون فحسب بل يخدمون، ولا يحكمون بل يُضطَهَدون وهم عرضة لأعمال السلب والنهب والفجور والقسوة لا من قبل جيش أجنبي غاشم، ولا من شخص هو هرقل وإنما هو "رُجيل = تصغير رجل أو رويجل" غالباً ما يكون أجبن مَن في الأمة وأخنثها. ص25.

* أما أنا فأعتقد - ولستُ بمخدوع - أن الله الغفور الرحيم، لما كان الطغيان أبغض شيء إليه، فقد أعد للطغاة وشركائهم عقابا خاصا في الدار الآخرة. ص 95"

***

علاء اللامي

...................

* رابط لتحميل نسخة مجانية بي دي أف من الكتاب، لتحميل كتب أخرى انقر لطفا على هذه الوسمة #تحميل_كتاب_علاء

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%87-pdf-1613859649

صدر للكاتب العراقي الدكتور قاسم خضير عباس كتاب جديد باسم (اشكاليات المحكمة الجنائية الدولية)، من مكتبة السنهوري القانونية في شارع المتنبي. ويشرح فيه ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية، فالمجتمع الدولي قد ظل مدة طويلة تحكمه قواعد غير منصفة فيما يتعلق بالاعتداءات، التي تحصل من دولة على أخرى، والمعاملة الوحشية غير الإنسانية التي يتعرض لها المدنيون والعسكريون على حد سواء أثناء الحرب، ولذا فقد انبثق القانون الجنائي الدولي الحديث ضمن قواعد القانون الدولي العام لمكافحة الأعمال الوحشية اللا أخلاقية، ومعاقبة مرتكبيها.

إنَّ الاتجاه نحو إنشاء محكمة جنائية دولية كان انعكاساً طبيعياً لما شهده المجتمع الدولي من جرائم ومجازر وحشية، راح ضحيتها ملايين من الأبرياء دون ذنب سوى أنهم محكومون بطغاة متعطشين للدماء.

والمعروف أنَّ المادة السادسة من اتفاقية قمع ومعاقبة الإبادة الجماعية عام 1948م قد نصت بصراحة على تشكيل مثل هذه المحكمة الدولية، التي تأثرت بالتجربة العملية والتطبيقية للقضاء الجنائي الدولي المؤقت في الماضي (محكمة نورمبرغ، ومحكمة طوكيو)، والحاضر (محكمة يوغسلافيا السابقة، ومحكمة رواندا).

وهكذا فإنَّ مسألة إنشاء محكمة جنائية دولية كانت من أوائل المسائل التي كانت موضوعة على أجندة الأمم المتحدة في أول جلساتها التي أعقبت إنشائها، وقد تقدمت فرنسا بعد ذلك إلى لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة بمشروع إنشاء محكمة جنائية دولية، تمنح صلاحيات البت في الجرائم ذات الصفة الدولية.

إنَّ الغرض من إنشاء المحكمة هو حماية الشرعية الجنائية الدولية، ومعاقبة كل من يخرج عليها ، ولذا وجدنا أنَّ بعض الدول الكبرى قد حاولت أن تجد مناخاً سياسياً يخدمها أكثر مما يخدم حماية الشرعية الدولية، فيما عمدت قوى أخرى كالولايات المتحدة الأميركية إلى عقد اتفاقات ثنائية مع بلدان أخرى ، تضمن بمقتضاها عدم تسليم مواطنيها أو جنودها في حالة ارتكابهم جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، متى ارتكبت هذه الجرائم على أرض هذه الدول، بمعنى ايجاد حصانة للجناة والقتلة ضد محاكمتهم جنائياً في الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .

وأود أن أشير في هذا الصدد أنه في 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2000م وقع الرئيس الأميركي السابق (كلنتون) على قانون روما الأساسي، في خطوة إيجابية لمصلحة المحكمة، بيد أنَّ موقف الولايات المتحدة شهد تغيراً كبيراً منذ تسلم الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس (بوش)، ففي العام 2002م اتخذت الحكومة الأميركية قراراً غير مسبوق في التراجع عن توقيعها على قانون روما الأساسي، وبدأت حملة عالمية لإضعاف المحكمة والعمل على إفلات جميع المواطنين الأميركيين من العقاب الصادر بموجب الولاية القضائية للمحكمة الدولية.

وقد عقدت الولايات المتحدة اتفاقيات الإفلات من العقاب، حيث اتصلت بالحكومات في شتى أنحاء العالم طالبة منها إبرام اتفاقيات غير قانونية تتعلق بالحصانة من العقاب. وفي الأول من يوليو/ تموز أعلنت أميركا عن سحب المعونات العسكرية التي تقدمها إلى 35 دولة عضو في قانون روما الأساسي رفضت التوقيع على اتفاقيات الحصانة من العقاب مع الولايات المتحدة؛ وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2004م ذهبت الإدارة الأميركية إلى أبعد من ذلك بسحبها المعونات الاقتصادية من الدول التي أصرت على رفض التوقيع على هذه الاتفاقيات غير القانونية.

ومع كل ما فعلته الولايات المتحدة لعرقلة جهود انبثاق المحكمة الجنائية الدولية إلا أنَّ هذه المحكمة قد أبصرت النور، حيث بدأ السريان الفعلي لنظامها الأساسي عام 2002م بعد اكتمال النصاب القانوني لعدد الدول المصدقة، وعليه شكلت هيئة المحكمة، وعين مدع عام لها، لممارسة اختصاصها حسب النظام الأساسي.

والسبب في اختيار الدكتور قاسم خضير لهذا البحث هو تفشي ظاهرة الدكتاتورية في المجتمعات العربية والإسلامية، وضرورة وضع حد لإفلات مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

ويمكن القول في هذا الإطار: إنَّ الدول الإسلامية التي ابتعدت عن منهج الإسلام العادل فأصبحت في آخر ركاب الحضارة، تستطيع أن تستفيد من مبادئ المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة)، لإعادة حقوق الإنسان إلى موقعها الصحيح، ومعالجة ظاهرة الدكتاتورية، ومعاقبة مرتكبي جرائم القتل الجماعي، وجرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي.

والاستفادة من المحكمة الجنائية الدولية من المفترض أن تتم على أسس حضارية، تبتعد عن التقليد الأعمى، والوصاية الخارجية، وذلك بمواءمة القواعد القانونية الدولية مع القواعد القانونية المحلية (الوطنية)، بصورة واعية لا تتناقض مع الشريعة الإسلامية، وهذا يقتضي وجود مجمعات قانونية دولية مؤهلة لاستنباط قواعد إسلامية دولية على ضوء التطورات الجديدة للقانون الدولي العام وبضمنه القانون الجنائي الدولي.

وقد شرح المؤلف الكثير من الاشكاليات في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها نص الفقرة (8/أ/1) من المادة (36) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فهو غير ملائم لخلق قاعدة ثقة يجتمع عليها كل المجتمع الدولي، لأنها تؤكد على : مراعاة الدول الأطراف عند اختيار القضاة في إطار عضوية المحكمة الحاجة إلى (تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم). ومثل هذا النص يُبعد بعنصرية نظم قانونية معتبرة في دول كثيرة عن المساهمة الجدية في تفعيل عمل المحكمة وفعاليتها، خصوصاً وأنَّ ديباجة النظام الأساسي للمحكمة تؤكد على: الروابط المشتركة، التي توحد جميع الشعوب، وأنَّ ثقافات الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً.

لقد انتهج الدكتور قاسم خضير عباس في هذا البحث المنهج العلمي الاستقرائي في تتبع النصوص، وفرزها، وتبويبها، للوصول بالبحث إلى غاياته العلمية المرجوة. كما اتبع في التبويب الأسلوب الأكاديمي، الذي دأب عليه أساتذة القانون الدولي العام، وأساتذة القانون الجنائي الدولي في بحوثهم واستنتاجاتهم وتحليلاتهم، لكي يخرج البحث عصرياً ومقبولاً.

تقسيم البحث: الكتاب مقسم إلى مبحث تمهيدي يتناول: تطور القانون الجنائي الدولي العام، وتعريف المحكمة الجنائية الدولية، وإشكاليات المحكمة الجنائية الدولية، واستفادة الدول الإسلامية والعربية من المحكمة الجنائية الدولية.

وتناول المؤلف في الباب الأول: الأسس القانونية لتشكيل المحكمة الجنائية الدولية، وخصص له فصلين:

الفصل الأول: الخلاف الفقهي بشأن تشكيل المحكمة الجنائية الدولية، وفيه ثلاث مباحث:

المبحث الأول: رأي المعارضين والمؤيدين لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

المبحث الثاني: موقف الأمم المتحدة من تشكيل المحكمة الجنائية الدولية.

المبحث الثالث: رأي الفقه الإسلامي بشأن تشكيل المحكمة الجنائية الدولية.

وفي الفصل الثاني: تناول الدكتور قاسم خضير عباس اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأجهزتها والمبادئ التي تتبعها، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأجهزتها.

المبحث الثاني: إجراءات المحكمة الجنائية الدولية.

المبحث الثالث: مبادئ المحكمة الجنائية الدولية.

أما في الباب الثاني: فقد تحدث عن مدى إلزامية مبادئ المحكمة الجنائية الدولية، في فصلين:

الفصل الأول: نفاذ قواعد المحكمة الجنائية الدولية في التشريع الوطني، وفيه ثلاث مباحث:

المبحث الأول: نفاذ مبادئ وقواعد المحكمة الجنائية الدولية.

المبحث الثاني: دور الدول العربية في محاربة الجرائم الدولية.

المبحث الثالث: اهتمام الفقه الإسلامي بالقواعد الجنائية.

وقد خصص الفصل الثاني: لتطبيقات المحكمة الجنائية الدولية، وتحديداً حول المحكمة الجنائية العراقية العليا لمحاكمة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الشعب العراقي، وقسمه لثلاث مباحث:

المبحث الأول: اختصاص المحكمة الجنائية العراقية العليا وأجهزتها.

المبحث الثاني: إجراءات المحكمة الجنائية العراقية العليا وقواعدها.

المبحث الثالث: الفرق بين المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) والمحكمة الجنائية العراقية العليا.

ثم تناول في الخاتمة أهمية وجود المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة)، التي أدركت دول العالم ضرورة ووجودها، بسبب توفر روابط مشتركة توحد جميع الشعوب، وأنَّ الثقافات المختلفة تشكل معاً تراثاً مشتركاً للقضاء على الجرائم الدولية الأشد خطورة على المجتمع الدولي.

صدر للكاتب والباحث الكوردستاني جوتيار تمر كتاب  (مشكلة قطع الطريق عند الكورد في العصر الاسلامي الوسيط) دراسة سوسيولوجية تحليلية نقدية ، عن دار تموز (تموزي) بدمشق.

نبذة مختصرة عن الكتاب:

مقدمة تعريفية

- مفاهيم وعرض

يؤكد فيبر –ماكس فيبر- احد رواد علم الاجتماع، ان علم الاجتماع هو علم اجتماع تاريخي حينما ينصب اهتمامه بالنتائج الفريدة على المفرد التاريخي، بحيث يكون نمط التأويل الذي يهدف اليه في ذلك الاطار هو التفسير عن طريق تفهم المعنى، وتكون المعطيات التي يحاول البحث عنها في معاني ذلك المفرد او شروطه الواقعية، فالسوسيولوجيا عنده العلم الذي يعني بفهم الفعل أو النشاط الاجتماعي وتأويله، وتفسير حدثه ونتيجته سببياً، بمعنى العلم الذي يحاول ان يدرس الفهم التأويلي للفعل الاجتماعي، من اجل الوصول الى تفسير علمي لمجراه وآثاره، ويشتمل الفعل الاجتماعي على كل مظاهر السلوك الانساني طالما يضفي عليها الافراد معناً ذاتياً، اي الفعل الذي له معنى الذي يمكن فهمه، والمعاني هي البواعث التي تحرك سلوك الافراد وتحوله الى سلوك اجتماعي.

ولا يمكن للباحث التاريخي اطلاق الاحكام على مجتمعات عرقية بالكامل، وفق نظريات تستند على العصبية القبلية والسيادة المطلقة واعتبارات طبقية من اجل اثبات تفوقه العرقي من جهة، ومن اجل الصاق صفة معينة ومحددة بشعب اخر ضمن دائرة المجتمع العام الذي يتسيده هؤلاء ليس لانهم اكثر تحضراً او تفوقاً او اذكى، انما فقط لانهم كانوا ممن حملوا في اول الامر التشريع، على الرغم من انهم لم يستطيعوا ان يتعاملوا مع التشريع نفسه بقيمه الذاتية، حيث ما لبثوا ان انغمسوا في الصراعات القبلية وابعدوا التشريع عن مضمونه، ومن ثم قاموا بتصنيف الاقوام بحسب ولائهم وخضوعهم للمنطق القبلي الذي يريدونه، حتى ان كتاباتهم وظفت لأجل ترسيخ مبدأ الفوقية للعنصر العربي القبلي على باقي العناصر الاخرى، وفي الوقت نفسه سُخرت تلك الكتابات لأجل تشكيل الرؤية السلطوية حول الاقوام الاخرى داخل المجتمع الاسلامي فتحولت الى أداة بيد السلطوية، حيث سلطت الضوء على جزئيات خارجة عن النسق الاجتماعي العام، وعممت مترتبات تلك الجزئيات لتتشكل في ذهنية الاجيال الصورة التي تريدها السلطة ان تُصقل عن الاقوام الاخرى.

وانطلاقاً مما سبق يهدف الكتاب اعطاء الصورة الاوضح من خلال التأكيد على ان مشكلة قطع الطريق عند الكورد كانت وسيلة عصر افرزتها عدة ظروف، وهي لم تكن حصراً بالكورد فقط انما كانت ظاهرة – جمعية- متجلية في حاضرة الخلافة العباسية نفسها وعاصمتها بغداد، وحتى على طريق الحجاج للحجاز، وباقي الامصار والبلدان والاقاليم، لذلك يمكن عدها من حيث المنطق العام او العالم الاسلامي بشرقه وغربه كظاهرة تفشت بين غالبية الاقوام المنضوية تحت لواء الدولة الاسلامية، وهنا للتأكيد فحسب، إننا نعدها ظاهرة لسرعة انتشارها بين الاقوام والامصار والقبائل، اي انها ظاهرة من ذلك المنطلق فقط، فهي من حيث البناء الاجتماعي لا يمكن عدها ظاهرة لكونها استمرت لعقود طويلة كسلوك اجتماعي ناجم عن مشكلة اجتماعية متعلقة بالمستوى المعيشي للأقوام افراداً كانوا أم جماعات، وقبائل وشعوب، فالكورد كأمة واقعة تحت الحكم الاسلامي عانوا من مشكلات اجتماعية جمة، واحدى اهم تلك المشكلات كانت الفقر وتدني المستوى المعيشي وفقدان الاستقرار والامن الغذائي والامن العام في مناطقهم جراء وقوعها على مفترق الطرق لاسيما كانت معبراً لجيوش الامبراطوريات والخلفاء والخارجين على السلطة، لذا فان انتشار قطع الطريق بين بعض القبائل وبعض الجماعات والافراد لا يمكن عدها ظاهرة بل العكس تماماً هي مشكلة اجتماعية لها اسبابها وظروفها الخاصة بالمجتمع الكوردي، وهي لا تستوفي احدى اهم الاسس في مفهوم الظاهرة من حيث سرعة الظهور وسرعة الزوال، باعتبار انها خضعت في المجتمع الكوردي لمنظومة علاقاتية تلازمية لصيرورة النظم السياسية والادارية للدولة تجاههم، الامر الذي دفعنا الى القول على ان قطع الطريق من حيث الانتشار في غالبية الاقاليم عُدت ظاهرة وقتها، ولكنها من حيث الاقوام وانتشارها بين فئات محددة من تلك الاقوام تُعد مشكلة اجتماعية ناجمة بالدرجة الاساس عن سوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وانتشار الفقر بين الاوساط العامة بالذات، لذا تتطلب الدراسة توضيح مفهوم الظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية والفرق بينهما ومن ثم توضيح مفهوم قطع الطريق واحكامه في الفقه الاسلامي، مع تسليط الضوء على انتشار المشكلة في المجتمع الاسلامي بشكل عام دون الخوض في التفاصيل، والكوردي بشكل خاص، وبالتركيز على كيفية حكم الخاصة (السلطة والعلماء) على المشكلة عند الكورد من جهة، والوقوف على الاسباب التي كانت وراء انتشارها وتعميمها على الكورد من جهة اخرى، منتهجين بذلك المنهج السوسيولوجي والتاريخي والتحليلي النقدي احياناً للوصول الى النتائج المرجوة من الدراسة.

اعتمدت الدراسة على العديد من المصادر الاصيلة التي اوردت الكثير من النصوص حول موضوع قطع الطريق عند الكورد وعدته طبع ملازم لكينونة الانسان الكوردي حتى قبل ولادته، وتم توظيف تلك المعلومات بحسب اهميتها الموضوعية، وليس بحسب تسلسلها التاريخي، ومن اهم تلك المصادر، كتاب تاريخ الرسل والملوك المعروف بتاريخ الطبري لمؤلفه الطبري (ت 310هـ/ 923م)، و كتاب الكامل في التاريخ لأبن الاثير (ت630هـ/1232م) ومن ثم كتاب الاكتفاء للكلاعي (ت 634هـ/1237م) والتي من خلالها تم تتبع تاريخ خروج المسلمين لقطع الطريق على القوافل وكيفية تناول الحدث التاريخي ضمن هيكلة السلطة المركزية للخلافة الاسلامية العربية آنذاك مع ذكر النصوص المتعلقة بقطع الطريق عند الكورد ونظرتهم السلطوية اليها لاسيما الطبري وابن الاثير، كما اعتمدت الدراسة على بعض كتب السنن والتفسير والفقه للوقوف على الاحكام العامة الصادرة بحق قاطع الطريق واللصوص والسراق وغيرهم، والتي نذكرها بحسب اهميتها للدراسة، ككتاب احكام القرآن للجصاص (ت370هـ /980م)، وكتاب المصنف لابن ابي شيبة(ت 235هـ/849م)، وكتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأبن حجر العسقلاني(ت852هـ/1448م)، وكتب اخرى في نفس المجالات المذكورة، ومن جملة المصادر التي اعتمدتها الدراسة كتب البلدانيين والجغرافيين وكتب مؤرخي البلاط–السلاطين-، ككتاب معجم البلدان لياقوت الحموي(ت 626هـ/1228م)، وكتاب البلدان لمؤلفه اليعقوبي(ت292هـ/904م) وكتاب درر الفرائد المنظمة في اخبار الحاج وطريق مكة المعظمة لمؤلفه الجزيري (ت 977هـ /1570م)، وكتاب سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي للنسوي(ت 639هـ/1241م)، فضلاً عن كتب عديدة اخرى في ذلك السياق.

كما اعتمدت دراستنا على مراجع اساسية فيما يتعلق بتحديد مفاهيم الظاهرة والمشكلة والظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية فوجدت الدراسة في كتاب المشكلات الاجتماعية لكل من "دلال ملحس استيتية و عمر موسى سرحان" مرجعاً مهماً لاسيما فيما يتعلق بتحديد المفاهيم وخصائصها، وكتاب المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي لمؤلفه محمد عاطف غيث، وكذلك كتاب علم المشكلات الاجتماعية لمؤلفه معن خليل عمر، وكتاب مبادئ علم الاجتماع لمؤلفه احمد رأفت عبدالجواد، فضلاً عن العديد من الكتب الاخرى في ذات الاختصاص، والدراسات الاكاديمية التي عنت بموضوع المشكلات الاجتماعية كالدراسة التي قدمها "طالب عبدالكريم كاظم القريشي" المعنونة بالظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم – تحليل اجتماعي- ، كما اغنت الدراسة العديد من البحوث والرسائل الاكاديمية والمنشورات والمقالات والدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن ذلك فقد وجدت الدراسة في المعلومات التي اوردتها المراجع المترجمة من الفارسية وكتب المستشرقين وبعض المراجع الكوردية ايضاً دفعة قوية لإتمام العمل لاسيما فيما يتعلق بالمفاهيم العامة للمشكلات الاجتماعية ككتاب علم الاجتماع لمؤلفه بوتو مور، وكتاب قواعد المنهج في علم الاجتماع لمؤلفه إميل دوركايم، وكتاب علم الاجتماع والتاريخ لمؤلفه بيتر بيرك، وكتاب تأملات في القراءة الانسانية للدين، لمؤلفه محمد مجتهد شبستري، وكتاب تاريخ اجتماعي ايران لمؤلفه مرتضى راوندي، وكتاب نظريات شيخ الاسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع لمؤلفه هنري لاوست، والعديد من الكتب والدراسات الاخرى.

تعد الدراسة الحالية مكملة للدراسات المذكورة، باعتماد اسلوب سوسيولوجي منهجي تحليلي نقدي ينطلق من تحديد مشكلة معينة اتسمت بمظهر الظاهرة من واقع المجتمع الاسلامي بشكل عام للتوصل الى مسبباتها في المجتمع الكوردي بشكل خاص، فضلاً عن محاولة ادراج المشكلة ضمن هيكلة الاحتياجات الاساسية للإنسان، محاولين بذلك ابعادها عن الدوائر التعميمية التي فرضتها المعرفة التاريخية الاسلامية.

بنية البحث العلمي في الفلسفة، وعلوم المجتمع والإنسان.. دراسة في ميثودولوجيا (منهجية) تحديث الحداثة

يصدر قريبا عن مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، بالتعاون مع دارالتنوير، كتاب "بنية البحث العلمي في الفلسفة، وعلوم المجتمع والإنسان- دراسة في ميثودولوجيا (منهجية) تحديث الحداثة" للمفكر والأكاديمي العراقي الدكتور محمَّدحسين الرفاعي.

جاء في مقدمة الكتاب: "إنّ التَّساؤل عن أصل البحث العلميّ، وماهيَّته الفلسفيَّة، لهو منسيٌّ منذ أن تعرَّفَت المجتمعات العربيَّة على المعرفة من خلال المواقف التي اتخذتها الآيديولوجيات السياسية، في حقل الصراع المَبني قبليَّاً على مصالحها. وإنَّ تساؤلاً من هذا النوع لا يخضع فقط للنسيان؛ بل للحجب والتغييب. وذلك، يرتبط بأن المصلحة داخل الفعل السياسي ترتبط، على هذا النحو أو ذاك، بحجب وعي الفعل السياسي. وإذا نحن بحثنا- باِعتبار أن عصر ما بعد الثورة السايبرانية يعدُّ التَّساؤل عن الوجود، والعالَم، والمجتمع، والإنسانِ، ضرباً من ضروب الولوج الأصليِّ إلى [العالَميَّة]- إذا بحثنا عن عمليات الحجب والتغييب، فإنَّنا سوف نجدها مباشرةً في ماهيَّة القهر والإرغام والجَبر التي من شأن السلطة. ومن جهة أن هذه الأخيرة تعتبر التَّساؤل عن ماهيتها ضرباً من ضروب الخروج عن المؤسسة، باِعتبار أن المؤسسة تحدِّدُ، دائماً قَبْلِيَّاً، [النقيضَ- الخاصّ]: نقيضها هي الخاصّ بها، و[الخارج- الخاصّ]: الخارج عنها هي الخاصّ بها، والفعل المُضاد الخاصّ بها، والنقد المضاد الخاصّ بها، فإنَّ شيئاً كالتَّساؤل عن البحث العلميّ، إنَّما هو، بداهةً، يخرج عن الوعي المجتمعيّ العامّ؛ وينسحب هذا الغياب، بعمليات إعادة إنتاج المؤسسة لذاتها، إلى مستوى الآكاديميا، والجامعة".

يذكر أن محمَّدحسين الرفاعي أستاذ في الجامعة اللبنانية، وجامعة القديس يوسف ببيروت- قسم الفلسفة، ويشغل موقع المدير التنفيذي لمركز دراسات فلسفة الدين- بغداد- بيروت، ومدير تحرير مجلة قضايا إسلامية معاصرة الصادرة عن المركز، وسبق له أن قدم العديد من الكتب والدراسات والمقالات المتخصصة بعلوم الاجتماع والسياسة والدولة.

3793 انثى بوكافرصدرت رواية بعنوان "أنثى بوگافر" للروائي والكاتب المغربي سعيد بودبوز عن دار بدوي للنشر بألمانيا. تتألّف هذه الرواية من 352 صفحة. وتحكي سيرة تاريخية لبطلة أمازيغية حقيقية خلّدتها الأشعار والروايات الشفاهية في جنوب شرق المغرب، وهي الشاعرة والمقاوِمة العطّاوية "عدجو" من قبيلة "آيت عطّا" الشرسة التي أظهرت شجاعة خارقة في مقاومة الحملة الاستعمارية الفرنسية في معركة "بوگافر". وتحكي الرواية كيف بدأت معاناة عدجو مع الفرنسيين منذ احتلالهم واحة تافيلالت نوفمبر عام 1917، حيث اضطرّت عدجو لمغادرة الواحة التي أحبّتها وعاشت فيها أجمل أيام شبابها، فرحلت مع والديها عائدين إلى قريتهم الأمّ في جبل صاغرو. ثم شارك أبوها في معركة البطحاء التي أسفرت عن تحرير تافلالت أكتوبر عام 1918، ولكن في هذه المعركة تفقد عدجو والدها، فتزداد كراهيتها للفرنسيين، وتخوض تدريبات شاقة على السلاح بمساعدة خطيبها لَحْسَن الذي سيتزوّجها عام 1920. غير أنّ الفرنسيين المطرودين من تافلالت، شرق صاغرو، سرعان ما يحتلون واحات درعة غرب صاغرو، وكذلك واحة تودغى في شماله، ثم أخيراً يحتلون تافيلالت يناير عام 1932. وكان زوجها يمنعها من المشاركة في المناوشات التي يشنّها المقاومون على مراكز العدوّ الفرنسي، إلى أن حان موعد الملحمة الكبرى فبراير عام 1933. حيث ستصعد عدجو إلى الجبل مع آلاف من الأسر العطّاوية الرافضة للاستعمار، والمؤيدة للمقاومين. وبعد معارك طاحنة، ستفقد زوجها، ثم تفقد أمها التي توفت مع العشرات ممن توفوا نتيجة الأمراض الناجمة عن روائح الجثث. لكن عدجو ستكون على رأس النساء العطّاويات الرافضات لأي تفاوض أو صلح مع الفرنسيين، إلى درجة أن من جنح لمصالحة الفرنسيين من الرجال، يخلّدن ذمّه في قصائدهنّ. وتحكي هذه الرواية بتفصيل فنّي تلك المعجزة التاريخية التي تحقّقت على يد عدجو، وهي أنّ عدجو دحرجت صخرة عملاقة على فرقة عسكرية فرنسية فأسقطت ما لا يقل عن 40 جندي محتلّ دفعة واحدة !. وأخيراً، بعدما تتفاوض بقية المقاومين  مع الفرنسيين بشأن الاستسلام مقابل شروط معينة، سينزل المقاومون عن الجبل، وتبقى عدجو وحدها مسلحة هناك، ثم تحاصرها فرقة عسكرية فرنسية، فتقاتلها عدجو حتى تستشهد.

صدرت قبل أيام عن دار فضاءات الأردنية الطبعة الثانية من كتابي "الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام"، ضمن مشروع إصدار طبعة ثانية لعدد من كتبي التي نفدت نسخها من المكتبات. أشكر الأصدقاء في هذه الدار - مديرا وفنيين - على ما بذلوه من جهد وتعاون لكي يخرج الكتاب بهذا الشكل الأنيق. أنشر أدناه مقدمة الطبعة الثانية ومسرد الكتاب.

مقدمة الطبعة الثانية

تصدر هذه الطبعة الثانية، الموسعة والمنقحة، من هذا الكتاب، بعد مرور عشر سنوات على صدور طبعته الأولى سنة 2012، والتي كانت طبعة محدودة، شابَ صدورها تعقيدات شكلية وفنية كثيرة. غير أن الاستقبال المشجع الذي قوبلت به تلك الطبعة جعلني أستجيب لمقترحات العديد من الأصدقاء قراءً وباحثين في هذا المضمار فأعيد تنقيح المسودة الأصلية للكتاب وأنظم مفردات أغلب فصوله مزيدا من التنظيم وأضيف إليها الكثير من الجديد الذي توصلت إليه لاحقا لإصدار طبعة جديدة منه.

لعل من المفيد التذكير، هنا، بأن مقاربتي للمعجم العامي في هذا الكتاب، لا تمت بصلة للمقاربات الأخرى التي غالبا ما تكون على حساب اللغة العربية "الوسيطة" أو "المدرسية" التي نكتب بها في عصرنا، والتي يسميها الكثيرون "العربية الفصحى"، لاعتقادي أن اللغة التي نكتب بها ليست هي اللغة العربية التي قرأنا ونقرأ بها القرآن الكريم والمعلقات السبع وشعر ونثر الجاحظ والمتنبي والمعري. إنها مقاربة جديدة تسعى الى ردم الهودة بين المنطوق "العامي" والمكتوب "الوسيط" على الطريق الطويل الهادف لردم الهوة بينهما والانتهاء من حالة الفصام اللغوي بين المنطوق والمكتوب التي يعانيها القلم العربي. وقد حاولت أن يكون الفرق المهنجي والتطبيقي واضحا في الحالة التأليفية لهذا الكتاب لتفادي شراك الوقوع في نهج إحلال العاميات المحلية العربية محل اللغة العربية وهو نهج انعزالي سلبي ومرفوض، واعتماد نهج التعامل بإيجابية مع مفردات المعجم العامي ذي الأصول الفصيحة والتي لا غنى عنها غالبا، ولا بديل لها أحيانا كما دللت على ذلك بالعديد من الأمثلة والهدف في كل ذلك هو تحقيق نوع من المصالحة اللغوية بين العربية المكتوبة "الوسيطة" والمعجم العامي ذي الجذور العربية الفصيحة والسامية العريقة الأقدم.

أرجو ان أكون قد وفقت ولو في الحد الأدنى في هذا المسعى وأملي كبير في أن زملاء آخرين من المهتمين بالشأن اللغوي والمعجمي سيكملون الطريق ويقدمون المزيد من الإنجازات المفيدة والمهمة على طريق خدمة وتحديث لغتنا العربية الجميلة.

علاء اللامي

شتاء 2022                            

                             مسرد الكتاب "فهرست"

المقدمة

الفصل الأول: التقسيم العلمي للغات الإنسانية.

الفصل الثاني: اللغة السامية الأم واللغات السامية الجنوبية.

الفصل الثالث: اللغة الأكدية: تعريفها، أطوارها التاريخية، خصائصها، لهجاتها، الكتابة بها، التغييرات الصوتية.

الفصل الرابع: اللغة الآرامية: تعريفها، نشأتها، تدوينها، لهجاتها، الكتابة بها وعلاقاتها باللغات الأخرى.

الفصل الخامس: قوميس عن الحضور الكثيف للمفردات الأكدية والآرامية في اللهجة العراقية المعاصرة.

الفصل السادس: اللغة المندائية: تعريفها، ميزاتها، قويمس عن حضورها في العربية المعاصرة واللهجة العراقية.

الفصل السابع: اللغة العربية القديمة: نشأتها، خصائصها وعلاقاتها باللغات الأخرى.

الفصل الثامن: قوميس عن الحضور الكثيف لمفردات العربية القديمة في اللهجة العراقية المعاصرة.

الفصل التاسع: قوميس عن الحضور العربي القديم في مفردات اللهجات الشامية الحية.

الفصل العاشر: محاولات متعسفة وأخرى مفيدة لمناقشة جدل اللغات القديمة واللهجات العامية.

الملحق الأول: ثلاثة دروس من كتاب " المبسط في النحو والإملاء " للمؤلف.

الملحق الثاني: الأنواع الصوتية للحروف العربية.

مصادر ومراجع الكتاب

 

إصدارات المؤلف

شهادات أكاديميين

احتفاءً بالمشروع الفكري للباحث والناقد الأكاديمي المغربي المبدع الدكتور محمد الداهي، واحتفالاً بتتويج كتابه “السارد وتوأم الروح. من التمثيل إلى الاصطناع” الفائز بجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب في دورتها السادسة عشرة، فرع الفنون والدراسات النقدية لعام 2022؛ أجرى البرنامج الإذاعي المغربي “بصيغة أخرى”- الذي يديره الشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت بإذاعة – حواراً حول سياق الكتاب ومحتوياته وآفاقه بمشاركة الباحثين الأكاديميين الدكتور سعيد يقطين، والدكتور إدريس الخضراوي، والدكتور يحيى عمارة.

وما حفزني على تفريغ الحوار هو جودة محتوياته وجدتها وطراوتها وملاءمتها، ورغبتي في تقاسم مع ذوي الاختصاص وجمهور واسع ليس بهدف تسليط مزيد من الأضواء على الكتاب المتوج في حد ذاته (وإن كان هذا هو المسعى الأساس)، بل وضع الأدب في سياق ثقافي جديد بث الروح فيه من جديد، وجعله يتبوأ مكانة هامة في النقاشات العمومية باعتباره مصدرا للمعرفة، وشأنا ثقافيا عاما، ووسيلة للتنفس وتبني بدائل للعيش الكريم بعيدا عن الصخب الإيديولوجي.

شهادة الدكتور سعيد يقطين

أستاذ النقد والسريات بجامعة محمد الخامس في الرباط

أدلى  الدكتور والأديب والأكاديمي المغربي سعيد يقطين بجميل شهادته في حق زميله الدكتور محمد الداهي الذي نال  باستحقاق وجدارة جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب. من المعلوم أن الدكتور سعيد يقطين يحمل مشروعاً فكرياً حول السرديات العربية، ويتبوأ مكانة مرموقة في الأوساط العلمية، وسبق له أن حاز على الجائزة نفسها وفي الفرع نفسه عن كتابه ” الفكر الأدبي العربي البنيات والأنساق” الصادر عام2014.

أكد الدكتور سعيد يقطين- في البداية – أنتتويج الدكتور الباحث محمد الداهي بجائزة الشيخ زايد للكتاب، هو فرصة مناسبة لإبراز قيمة النقد المغربي المتمثلة –هذه المرة- في كتابات الدكتور محمد الداهي وأبحاثه الرائدة والطليعية، ومنجزه في مختلف المجالات التي اشتغل عليها. فالجائزة إجمالا هي تتويج لهذا الجهد العلمي والثقافي الذي دام سنوات عديدة، وتثمين للمستوى الذي وصلت إليه الدراسات الأدبية المغربية بصورة خاصة، والعربية بصورة عامة.

إن مجهود الدكتور الداهي ليس ثمرة مغربية فقط، بل عربية أيضاً. ننتقد باستمرار البحث العلمي في الجامعات العربية حرصا على الرقي به إلى المستوى المنشود، تحسين أدائه وعندما يظهر عمل من طراز كتاب ” السارد وتوأم الروح”، نشعر بالاطمئنان حفاظا على الاستمرارية النقدية في تناسق مع ما يقوم به باحثون عرب في مختلف الجامعات العربية. لمحمد الداهي  دور متميز في الإنتاج العلمي بصفة عامة، والانفتاح على المدارس النقدية الغربية، والمشاركة في مختلف الأنشطة الثقافية داخل الجامعة أو خارجها.

يعد كتاب الداهي المُتوَّج عتبة جديدة لما يسمى بالسرد الذاتي؛ أي السرد المتصل بالذات من خلال مختلف الأنواع التي تحقق فيها بصيغ وطرائق مختلفة. حين عنون الداهي كتابه بـ”السارد وتوأم الروح.. من التمثيل إلى الاصطناع” تعدّى عتبة الدراسات النقدية التقليدية والكلاسيكية، باعتماد مرجعية جديدة في مساءلة السرود الشخصية العربية العربية، القديمة والحديثة، وكذلك الأجنبية، وبالاطلاع على الدراسات الحديثة التي تهم الأدب الشخصي، وببلورة تصور جديد يتجاوز الكثير من الدراسات التي أُنتجت عن السيرة الذاتية وما يتفرع عنها. ومن ثم كان بحثه هذا إسهاماً مهماً لتطوير الدراسات الأدبية المغربية والعربية التي تعنى أساسا بالأجناس أو الأنواع الإشكالية التي تقع في المنطقة البينية بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل.

هذا التتويج -إذاً- هو تتويج للدراسات العربية بصفة عامة، وللمجهود الشخصي الذي يقوم به الدكتور الداهي. فهو قريب مني، وأنا على اتصال دائم به. أراه مهووساً دائماً بالبحث، ومواكباً للجديد. يضحي بماله من أجل الحصول على الكتب باهظة الثمن، من أجل أن يطور مشروعه في البحث، سواء في السيميائيات، أو في الدراسات الأدبية، والسرديات بصفة عامة.

أتمنى له التوفيق والنجاح في مسيرته. إن نجاح أية تجربة نقدية مغربية، هو تحفيز للباحثين المغاربة، وللدارسين العرب، لكي يأخذوا البحث في أي موضوع بالجدية اللازمة التي تستحق هذا التتويج، وهذا التثمين.

شهادة الدكتور إدريس الخضراوي

أستاذ الدراسات الثقافية والأدب ما بعد الكولونيالي بكلية اللغة العربية  في جامعة القاضي عياض بمراكش

أود أن أهنئ الصديق العزيز الدكتور محمد الداهي بهذا التتويج بجائزة ذات قيمة كبيرة في الحقل العربي والعالمي، وهي جائزة الشيخ زايد للكتاب عن مؤلفه “السارد وتوأم الروح.. من التمثيل إلى الاصطناع” الصادر حديثاً عن المركز الثقافي للكتاب. وأهنئ أيضاً الثقافة المغربية  بهذا الإنجاز القيم الذي يعكس الجهد الكبير الذي يبذله الباحث والمثقف والمبدع المغربي، رغم الشروط الصعبة، وغير الملائمة التي يشتغل فيها، بهدف بلورة عمل قيّم يلفت الانتباه إلى ثقافتنا المغربية عربياً وعالمياً، ويبوأ المثقف والناقد المغربي المكانة التي تليق به، بوصفه منتجاً لخطاب ذا قيمة، سواء من الناحية النظرية، أو من الناحية التطبيقية.

إذا جاز لي وضع كتاب صديقي الدكتور الداهي، سواء في السياق النقدي المغربي، أو في السياق النقدي العربي، أمكنني القول إن الكتاب حصاد مشروع يشتغل عليه الدكتور الداهي منذ ما ينيف على ثلاثة عقود من الزمن. أُتيح لي أن أواكبه منذ بدايته، تقريباً منذ منتصف التسعينيات من الألفية الثانية؛ حيث اهتم الدكتور الداهي بمقاربة السيرة الذاتية المغربية والعربية منذ كتابه “شعرية السيرة الذهنية محاولة تأصيل” إلى كتابه الأخير ” متعة الإخفاق في المشروع التخييلي لبعد الله العروي” مررا بـ”الحقيقة الملتبسة”، وسيميائية الكلام الروائي، وصورة الأنا والآخر في السرد؛ بالإضافة إلى أعماله  في مجال السيميائيات وخاصة السيميائيات الذاتية التي تعنى بالأدب الشخصي. ويعد كتاب “السرد وتوأم الروح ” حلقة أساسية في هذا المشروع الذي فتح فيه الباحث محمد الداهي منافذ و مسارات جديدة، سواء على مستوى الأدوات، والمفاهيم، والرؤى النقدية المعتمدة. الأستاذ الداهي- في هذا الكتاب – يعود إلى مرجعيات مهمة جداً سواء في حقل السيرة الذاتية، أو في مجال الدراسات الثقافية بصورة عامة، ويبني من خلالها تصوراً جديداً. يجدد أيضاً المعرفة بهذا الجنس الأدبي المسمى السيرة الذاتية. هذا جانب أساسي من الناحية النظرية لأنه يتعلق بالأدوات والمفاهيم التي يفكر بها ومن خلالها الأستاذ الداهي في الكتابة عن الذات، بأجناسها المختلفة، والجانب الآخر الذي اعتبره مهماً جداً في هذا الكتاب هو الجانب المتعلق بكون الدكتور الداهي أدرك- من خلال مصاحبته للسيرة الذاتية بمتغيراتها وأنواعها المختلفة- التحولات التي طرأت على مستوى مفهوم السرد الشخصي (Recite personnel)، خاصة مع مطلع الألفية الثالثة، من خلال مجموعة من الكتابات الجديدة في حقل السيرة الذاتية، التي يبلورها مجموعة من الكتاب والمبدعين، ويتبين معها أنه لن يعد بالإمكان أن ننظر إلى السيرة الذاتية بالمنظورات التي سادت خلال السنوات الماضية بعد حصول طفرة بين ما كان يكتب ويراهن عليه ( السيرة الذاتية الكلاسيكية) وبين ما يكتب الآن ويراهن عليه أيضا (السيرة الذاتية ما بعد الحداثية Autobiographie postmoderne ). خصوصاً عندما نجد هؤلاء الكتاب يدركون إلى أي مدى  يصعب الاقتراب من الحقيقة عن الذات أو بناؤها (الهوية السردية) على النحو الأمثل بمعزل عن التخييل.

جانب آخر أساسي أشار إليه الدكتور الداهي، وهو الذي يهم المنطقة البينية، التي يحدث فيها التوتر والالتباس بين السارد إلى وقرينه. ومن ثم  ندرك سبب استلهام محمد الداهي فكر ” توأم الروح” لبيان صعوبة العثور على ” الضعف أو القريب الأمثل أو الكامل”. فهو مجرد شبح أو خيال نتوهمه ونصنعه على مقاسنا، ونظل نبحث عنه سدى لمكره وخداعه وتقلبه في هيئات مختلفة.

كل هذه الأنواع (السيرة الذاتية، السيرة الروائية، التخييل الذاتي، تخييل الواقع، المذكرات، اليوميات) تبين أن الكتابة عن الذات تخضع إلى تحولات على مستوى الكتابة وعلى مستوى الوعي. وهي في خضم التبلور كونيا بسبب صحوة الذاكرة، واتساع الهامش الديمقراطي، وإعطاء الكلمة إلى الأقليات المقموعة والمضطهدة. ولهذا السبب أعتبر الكتاب المتوج للدكتور الداهي جدير بهذه الجائزة، لما يفتحه من منافذ ومسارات جديدة للنقد العربي عموما في تساوق مع موجة ما بعد البنيوية (Poststructuralisme).

وجه مقدم البرنامج سؤالا إلى الدكتور إدريس الخضراوي، حول حصول بعض الكتاب والنقاد المغاربة على الجوائز العربية مثل جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة كتارا للرواية العربية، وجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب.. الخ: هل هي صحوة المتون المغربية في السياقين النقدي والنظري؟

كان جواب إدريس الخضراوي كما يأتي : هذا سؤال محوري ومهم جداً. أنا أتصور أن الصحوة أو الفورة التي يعرفها النقد المغربي لا تختزل في الجوائز أيا كانت قيمتها. صحيح أن الجوائز تعكس الاهتمام والتقدير الذي يحظى به الفكر المغربي، والأدب المغربي، والنقد المغربي، على مستوى المؤسسات المعنية بالثقافة، وهذا أعتبره أساسيا. ولكن عندما نتأمل النقد المغربي المعاصر منذ ستينيات القرن الماضي، من خلال المساهمة التي اضطلع بها مجموعة من النقاد المغاربة، الذين كانوا ينتمون إلى الجامعة المغربية في بدايتها، ونذكر منهم محمد برادة، وأحمد اليبوري، وإبراهيم السلامي وحسن المنيعي وغيرهم. أسماء كثيرة جداً كانت في الحقيقة متقدمة جداً في تلك الفترة، ودعني هنا أعطي بعض الأمثلة. نلاحظ اليوم -على مستوى النقد العربي- الحديث عن الدراسات ما بعد الكولونيالية. لكن إن عدنا ونظرنا إلى الدراسات النقدية المغربية في فترة الستينيات نجد بأن محمد برادة إلى جانب محمد زنيبر، ومولود معمري، قد كتبوا عن فرانس فانون، وعن ما بعد الكولونيالية. ولم تكن مجرد كتاباتهم ذات طابع تاريخي، ولكنها كانت تشير إلى مفاهيم وتطورات أساسية نجدها تقع اليوم في قلب النقد العربي المعاصر.

   أدعو -إذا- الباحثين والدارسين إلى إعادة قراءة النقد المغربي المعاصر، والتفكير فيه في ضوء هذه اللحظات القوية. عندما ننظر برؤية بانورامية إلى هذا المنجز الذي ينجز منذ ستينيات القرن الماضي، إلى يومنا هذا، فمن الطبيعي جداً أن يتوج الناقد المغربي عربياً وعالمياً. لو كانت المؤسسات الثقافية في العالم العربي وفي المغرب أيضاً تضطلع بدورها فيما يتعلق بترجمة هذه الأعمال، إلى اللغات الأجنبية، حتى يتعرف النقاد الأجانب على ما يقدمه المغاربة، لكنّا أيضاً أمام رؤى وتصورات أخرى على مستوى المثاقفة التي تخضع للنقد المزدوج وفق تصور عبد الكبير الخطيبي. لذلك أرى أن النقد المغربي المعاصر – من خلال مساهمة الدكتور الداهي، ومساهمة مجموعة من الباحثين المغاربة الذين أحرزوا على مثل هذه الجوائز، وحتى باحثين لم يتحصلوا عليها- يعيش منذ فترة على إيقاع التجديد والنقد الذاتي بحثا عن آفاق جديدة لمقاربة مختلف أنماط الخطابات وأنواع، وسعيا إلى الإسهام إيجابا في النقد والثقافة العربيين، ولم لا التموضع في الثقافة الكونية كما تحقق بفضل أعمال عبد الله العروي وإدوارد سعيد وعبد الكبير الخطيبي وعبد الفتاح كليطو.

شهادة الشاعر والباحث الدكتور يحيى عمارة،

أستاذ الدراسات الأدبية والثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الأول بوجدة:

نحتفي بفوز الصديق العزيز الناقد المقتدر، البحّاثة الدكتور محمد الداهي بجائزة الشيخ زايد للكتاب.بداية أتوجه بالتهنئة للصديق الداهي، وهنيئاً لنا نحن كذلك كباحثين مغاربة، بهذا التتويج المستحق الذي أضاف إلى النقد المغربي. إن تتويج الداهي بهذه الجائزة العربية الدولية، دليل ساطع على مدى علمية المشروع النقدي، الذي يُعدُ إضافة نقدية نوعية للإشعاع النقدي العربي عامة، والمغربة خاصة. وبهذه المناسبة أهنئ كذلك كل المبدعين والنقاد المغاربة، الذين بيّنوا أن مغرب اليوم الثقافي ما زال مستمراً بفعالية حرصا منه على المشاركة في تعزيز صرح الثقافة العربية.

 إن فوز الدكتور الداهي أعده شخصياً احتفاءً، ورسالة نقدية جديدة، تقول إن الأفق النقدي المغربي له دائماً صيرورة التجدد، والعطاء، والإضافة.

 سأحتفي -عبر الأثير- بالحديث عن فكرتين ترتبطان بالمشروع النقدي المتميز للناقد الباحث الدكتور محمد الداهي. تدور الفكرة الأولى- بعجالة- حول مشروع محمد الداهي النقدي، وتحوم الفكرة الثانية عن مزايا كتاب  “السارد وتوأم الروح” التي أهلته إلى الفوز بجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب في هذه الدورة.

ابدأ بالفكرة الأولى. أولاً ليس هناك ريبة أو شك في إدراج المشروع النقدي لمحمد الداهي ضمن المشاريع النقدية العربية المعاصرة، التي استطاعت أن تستوعب استيعاباً عميقاً المناهج الغربية، المتخصصة بالدراسات السردية، وخطاباتها، وتطبيق مكوناتها على السرود العربية القديمة، والحديثة والمعاصرة. وهذا التطبيق ملائم للخطابات، وللأبعاد الجمالية والمعرفية، ثم الإنسانية. كما نستنتج- ويستنتج القارئ- من هذا الكتاب الذي سأعود إليه. والمطلع أياً كان على مؤلفات الدكتور الداهي التي أصدرها منذ ما يقارب الثلاثين سنة، بمعنى أن له تجربة نقدية، ومشروع نقدي، يلاحظ المطلع الإلمام المتخصص للمدارس السردية لهذا الناقد، وبالنظريات الأصلية، فهو يطلع على الثقافة النقدية في أصولها، وهذا أمر متميز، وميزة من مزايا المشروع النقدي للداهي. هذا يكشف المعرفة الدقيقة،والإلمام المتخصص للمدارس السردية، والنظريات السردية، وخاصة المدرسة الباريسية للسيميائيات، والتي ينتمي إليها أتباع ألجيرداس جوليان كريماص؛ من ضمنهم “جاك فونتاني” و”إيريك لاندوفسكي” و”ميشيل أريفي” و”جوزيف كورتيص” وغيرهم. يطلع الدكتور محمد الداهي على هذه المدرسة لاستفادة من مكاسبها النقدية والمعرفية. وهذا ما لسمته عن كثب في الحوار الذي أجراه مع جاك فونتناني احتفاء بمرور مائة سنة عن ولادة الأب الروحي لمدرس باريس للسيميائيات وهو ألجيرداس جوليان كريماص. وعنوان الكتاب –الذي صدر باللغتين العربية والفرنسية ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط- هو “مكاسب السيميائيات ومشاريعها”

ولا بد أن أشير- والاعتراف فضيلة- أن الناقد محمد الداهي واحد من النقاد السيميائيين العرب المغاربة المنتمين إلى الجيل الثاني بعد فترة ثمانينيات القرن العشرين، الذين تأثروا تأثراً معرفياً وجمالياً بالمدرسة البنيوية التي قرأت النص السردي انطلاقاً من مكوناته المحايثة؛ فجعلت النص ذا هوية سردية متفردة، مع إعطاء الأولوية للإبداع الذاتي الأحادي، أو ما يسميه محمد الداهي “السرديات الذاتية” أو “الأدب الشخصي” الذي حقق طفرة نوعية مع النظريات التلفظية والتداولية التي اعتنت بالذاتية في الخطاب أو بصوت المتكلم أو السارد. من يتكلم في السرد؟

 يعود الفضل إلى الفيلسوف الفرنسي ذي الأصول الألمانية “جورج كوسدوف”Georges Gusdorf, في إثارة سؤال ” الأنا” السيرذاتي في الثقافة الغربية من منظور فلسفي وابستمولوجي. ومن الميزات الأساسية لدى الناقد الداهي المحتفى به، أنه لم يكتف بالمرجعية السردية البنيوية فقط، وهذا شيء يُحسب له، ويُؤسس له الدكتور الداهي، بل سعى إلى إبداع رؤية تنطلق من الجمع بين النقد السردي السيميائي البنيوي، والأبعاد الفكرية والتاريخية للنص العربي. حيث يلاحظ القارئ ما يوجد في كتاب الدكتور الداهي “السرد وتوأم الروح” خاصية التفاعل؛ ما أسميه التفاعل الثقافي والوجداني بين السرد الشخصي والوجود، وبين التاريخ والتجربة الذاتية، وبين الوقائعي  والتخييلي.

هناك مسالة أخرى، لا بد أن أذكرها، ويتميز بها مشروع الدكتور محمد الداهي، وهو أنه يتميز بخاصيتين بحسب استنتاجاتنا المعرفية المتواضعة ـ الخاصية الأولى تتجلى في كونه من الدارسين المتخصصين في الاهتمام بالمشروع الروائي لعبد الله العروي . هذا الاهتمام ترك أثره في كتابات الداهي بنقد الذات والآخر بحثا عن أفق جديد للتموقع في الثقافة الغربية.

فيما يخص الخاصية الثانية – وهذا ما يعجبني في مشروع محمد الداهي- فتكمن في إشارته القوية إلى علاقة السيرة الذاتية بالسرد العربي باعتماد خلفية فلسفية وابستمولوجية (عودة نرجس في ملاحقة قرينه المتلاشي والمتشظي). وهي إشارة  انتبه إليها بذكاء الدكتور سعيد بنكراد الذي قدم للكتاب بتصدير يليق به أداء ومحتوى. آمل أن نسلط مزيدا من الضوء على هذه القضية التي فصلها محمد الداهي في مقدمة كتابه.

في هذا السياق استطاع الناقد محمد الداهي التوفيق بين النقد السيميائي والفكر، وهذا يتبين من خلال ترسانة المفاهيم المستثمرة بمرونة وحصافة، وباعتماد الخلفيات الثقافية والفكرية المناسبة.

أعود إلى الكتاب متسائلا: لماذا فاز الكتاب، وتفوق على بقية الكتب المرشحة؟

أولاً: الكتاب منفتح انفتاحاً نقدياً جديداً على الرؤية العلمية الدقيقة للسيرة الذاتية، ومن أهم سمات هذا الانفتاح، ما نسميه التنظير المناسب في السياق المناسب، والضبط المحكم للمصطلح النقدي المتخصص. وهناك خاصية مهمة جداً حيث يتوفر الكتاب على مصطلح الشعرية النقدية: “الذاكرة الجريحة” و “القارة المجهولة”، و “صحوة الذاكرة”، و” أريج القرنقل”، و “بلاغة الإطفاء”. توجد مصطلحات أخرى استثمرها  محمد الداهي ؛ مما يبين أنه لديه طاقة إبداعية في نحت المفاهيم ووضعها في السياق المانسب.

هناك ميزة أخرى للكتاب، وهي الكتابة النقدية متعددة المرجعيات. هناك المرجعية التاريخية، والمرجعية الفكرية، والمرجعية الأسطورية، المرجعية الأدبية، إضافة إلى المرجعية الفلسفية، إذا فرقنا بين مصطلحي الفكر والفلسفة.

هذا يعني أن قارئ كتاب “السارد وتوأم الروح” لا يجد سطراً واحداً في المتن النقدي يخلو من مكوّن نظري. كل ما يكتبه الدكتور الداهي يدخل في هذا السياق. بمعنى أنه يكتب باتزان وعمق معرفي. وهذا يجرنا إلى الحديث عن مؤهلاته في حُسن الاطلاع والقراءة، و في الانشغال بسؤال الأنا في الثقافة العربية وبموقعه في مختلف السرود الشخصية التي يمثُل فيها بهيئات وأشكال مختلفة.

هناك ميزة أخرى، أن الكتاب يمكن أن نُدخله ضمن الدراسات النقدية المُقارنة بين الأجناس الأدبية عامة، وبين الجنس الأدبي الواحد. بمعنى أن الكتاب يتحدث عن الفروقات بين الرواية والسيرة الذاتية، وكلاهما يدخل في باب السرد.  يتجلى جديد الكتاب في مناقشة ما يسميه “مشيل فوكو” بـ “تأويل الذات” في الكتابة السيرذاتية. وتكمن قوة الكتاب أيضا في حضور الوعي النقدي ـ وهذه خاصية تغيب في بعض الدراسات والأبحاث ؛ وخاصة ما يهم الوعي النقدي المتمكن من موضوعه وإشكالياته. مثلاً، يتحدث محمد الداهي عن انتقال قرين السارد من إبدال التمثيل أو المشابهة (الضرب على النموذج المحتذى به) إلى إبدال المشابهة الفائقة أو الاصطناع (تصنُّع شخص أو التقنع بأقنعته المختلفة).

يشير الكتاب إلى أن هناك مرحلة جديدة تنبني على ما أسميه النص المركب تنظيرياً ومنهجياً، ورؤيوياً. مثلاً، النقد المُؤسس للكتاب، استطاع الدكتور الداهي بحرفية محكمة أن يجمع بين أفكار سيميائية وأفكار فلسفية. والنموذج -في ذلك- يتجلى في طريقة حديثه عن المربع السيميائي أو التمثيل البصري الذي يستوعب مضمرات الكون والوعي البشري. كان الرهان- في البداية- منصبا على مطابقة الحقيقة أو عدم مطابقتها بالنظر إلى موقعها ضمن المحاور المعتمدة؛ وهي الكذب والسر والزيف، لكن تبين مدى صعوبة القبض على الحقيقة التي أصبحت- في تساوق مع الدراسات الثقافية- مقرونة بالتصنع والاصطناع والتقنع والتخفي.

هناك مسألة أخرى، وهي أن الكتاب مرافعة نقدية عن الكتابة في السيرة الذاتية، تدعونا وتدعو القارئ، وتدعو المشهد النقدي العربي للاعتراف بها، لأنها أصبحت تنافس منافسة معرفية وجمالية، شقيقتها الرواية، بوصفهما تنتميان إلى سلالة السرد.

إن المتن النقدي للكتاب، يقوم على القراءة في الأصول مباشرة، وخاصة في النقد الفرنسي. هناك- بصفة عامة- أحكام نقدية عميقة، ذات أفق نقدي جدير بالاهتمام والرعاية. على سبيل المثال، يتحدث الكتاب عن المحكي الذاتي الذي أصبح إرثاً مشتركاً متداولاً بين الناس، وهو ما بوأه المكانة المستحقة لملء بياضات الذاكرة الجماعية.

وهناك أيضاً الاشتغال على متن متنوع من الحكايات، ممتد عبر أزمنة وفضاءات مختلفة، سعياً إلى استخلاص النتائج الملموسة، والقابلة للتعميم. هذا ما يؤكده الباحث الداهي.

أهم القضايا التي سجلتها في هذه الشهادة في حق المُحتفى به الدكتور الداهي وكتابه “السارد وتوأم الروح”، هو أنه يبين لنا كيف يتداخل الواقع التحليلي بالمحكيات الذاتية ـ الأدب الشخصي، أو الخاص ـ إلى أن يصل إلى درجة عالية من التوتر التي تفز خلقة مشوهة أو هجينة. أعتقد أن الناقد الداهي  متأثر بالفكر النقدي الإدواردي، نسبة إلى المفكر “إدوارد سعيد” الذي بنى فكره على ” النقد الطِّباقي” الذي يعالج طرفا ونقيضه في جدلية مستمرة.

دعني أقول لك، وأنا أتصفح هذا الكتاب، ما هي الأسماء التي صادفتني، بمعنى أن الباحث الداهي عاد إلى الأصول النظرية، وإلى عظماء هذه النظرية، النظرية السردية، السيميائية، الفكرية، التاريخية. مثلا يذكر نماذج فلسفية، يتحدث الكتاب عن أرسطو، والتمييز بين الملفوظات الواقعية، والملفوظات الخيالية على المستوى النظري. يذكر لنا “أرنو شميث” حول قضية التصنع التي تتعارض مع التمثيل.ويتحدث عن مسألة الذاكرة، وعن المفكرين المنظرين الذين اشتغلوا على الموضوع نفسه في مشروعهم التنظيري، واشتغلوا على شاعرية الذاكرة.

بالإضافة إلى أننا نتصادف مع المنظر “جون بودريار” من خلال نحت المفاهيم الجديدة. وكذلك “جون -ماري شايفر” من خلال محور التموقع الوسطي المتزامن للدفاع عن التجاذب الجدلي، بين التخييلي والواقع. ولن أنسى بتاتاً المصدر الأول الذي هو “فيليب لوجون” صاحب ميثاق السيرة الذاتية. ولا أنسى الأستاذ الذي تأثر به محمد الداهي وهو “جان فونتاني” عند الحديث عن المربع السيميائي أو عن مشكل التحقق (Véridiction).

 في الشق الإبداعي هناك تعدد. هذا ما يتميز به كتاب الداهي. الانفتاح على التجارب الإبداعية العربية، والدولية، والوطنية. أعطيك أمثلة: يتحدث لنا الكتاب عن ابن خلدون في الشق العربي عن السيرة الذاتية من خلال كتاب “التعريف بابن خلدون ورحلاته غربا وشرقا”. وكذلك يتحدث لنا على السرديات الوطنية  في “أوراق” “لعبد الله العروي”.

هناك أيضاً الحديث عن “عبد الغني أبو العزم” صاحب “الضريح”. وكذلك الروائي المغربي “سعيد العلوي” من خلال روايته “ثورة المريدين”. بالإضافة إلى كتاب “أنشودة الصحراء الدامية” لماء العينين ماء العينين، هذا على المستوى المغربي.

على الصعيد العربي يناقش كتاب “رحلة جبلية رحلة صعبة”  لـ”فدوى طوقان”. كما يتأمل رواية الروائي العربي”جبرا إبراهيم جبرا” من خلال روايته المشهورة “البئر الأولى”، من خلال محور التلفظ المزدوج، وكذلك “عبد القادر الشاوي” من خلال روايات “كان وأخواتها” و “دليل العنفوان. يعني أن الناقد محمد الداهي يعرف ماذا يضع. ولن أنسى كذلك الوقوف عند تجربة الناقد والروائي المغربي “أحمد المديني” من خلال مجموعة من الروايات، خاصة رواية “ممر الصفصاف”.

إذن لكي أختم أقول إن كتاب”السارد وتوأم الروح” هو تتويج لمشروع الداهي، وهو استمرارية للاعتراف الرمزي بقيمة هذا الهرم النقدي المعاصر محمد الداهي. ويكون بذلك مشروعه السيميائي النقدي التاريخي السردي مشروعاً أدبياً منفتحاً على أسئلة سردية جديدة، يجد فيها القارئ ذاته. حيث أولاً يعمل هذا المشروع على تحفيز القارئ للبحث عن أجوبة علمية،ومعرفية،منهجية، ورؤيوية، مرتبطة بالذاكرة الفردية، والذاكرة الجمعية من جهة، وبالسيرة الذاتية بأنواعها، الذهني، والوقعي، والتخيلي، والمهمش، والمنسي في التراث السردي القديم، وفي التراث المعاصر، وفي الأعمال السردية الحديثة والمعاصرة. كذلك لن أنسى قيمة التحاور، والإشارة إلى إشكالية التحاور مع الآخر معرفياً، وجمالياً، وإنسانياً. وأعتقد أن هناك إشكالية مطروحة على جميع المستويات، ويناقشها الجميع، هي علاقة الذات بالآخر على مستوى الهوية الفردية، ومستوى الهوية الجمعية. الناقد محمد الداهي يطرحها بعمق على المستوى السردي.

ما أشير إليه- بعجالة- هو أن ما يوحي إليه مشروع محمد الداهي، وهو أنه لن نتمكن من الوصول إلى طرح الأسئلة الوجيهة النقدية الجديدة، إذا لم نركز على مسألتين رئيسيتين، أولاً منهج جديد يتأسس على تنظير موضوعي عميق، والثاني رؤية ذاتية تختار أدواتها المناسبة  لحرث أرض الإبداع وجني غلته.  لا بد أن نستحضر مسألة المواءمة في قضية الدراسات والأبحاث، وأظن أن هذا ما سقط في فخه مجموعة من النقاد.  في حين أن الناقد محمد الداهي لم يتهافت على المناهج الغربية لاستنساخها، بل استعان بها في إطار المثاقفة حرصا على نجاعتها وملاءمتها، وعلى قدرتها على قراءة النص وتأويله.

مرة أخرى أهنئ الصديق العزيز محمد الداهي بهذا التتويج المستحق، وأرجو له التوفيق والسداد والتألق الدائم.

تعقيب الدكتور محمد الداهي،

أستاذ السرد الحديث والسميائيات الذاتية بجامعة محمد الخامس في الرباط

جدد الشاعر والصحافي سعيد كوبريت التهنئة للدكتور محمد الداهي قائلا: هنيئاً لكم بالتتويج، وهنيئاً الإقرار وتأكيد منجزكم الإبداعي الأدبي النقدي الرفيع جداً الذي استحق جائزة الشيخ العالمية للكتاب عن جدارة. بدون شك أن الإبداع، والكتابة، والثقافة، ما هي إلا ترجمان وجداني، وترجمان واقع حال وما يدور في الواقع. أعتقد أن انشغال الدكتور محمد الداهي على الكثير من النصوص والمتون مكنه من ضبط صورة المؤلف أو القرين في هيئات وأشكال مختلفة؛ كما يوحي به عنوان الكتاب. أليس كذلك؟

في معرض تدخل الباحث الناقد محمد الداهي بين ما يلي:

شكراً على هذا التقديم الهام. من خلال العنوان يتضح أنني منذ سنوات وأنا أشتغل على صنف معين من المنجز السردي المغربي والعربي، والسرد الغربي أيضاً. سعياً إلى توسيع نطاق شعرية الذاكرة للبحث عن الأفق المشترك ضمن مجال اهتمامي بصفة عامة وهو السرديات والسيميائيات. منذ العام 1994 بدأت أشق طريقاً في عداد كوكبة من النقاد، أذكر منهم  محمد برادة وعبد القادر الشاوي وعمر حلي، وهو الاهتمام بالسيرة الذاتية، ومتغيراتها في المغرب والوطن العربي. أظن أن هذا الجنس الأدبي ما زال يثير كثيراً من الأسئلة، بحثاً عن جنسيَّته، وسماته المشتركة، والبنائية، في تعالق مع الأجناس المجاورة( مثل اليوميات، والمذكرات، والسيرة، والبورتريه)، والأشكال البعيدة، والتي تلتبس به أحياناً( مثل الرواية، والرواية السيرذاتية)، أو الأشكال البينية التي نجد تتسم بالبيْن بيْن؛ ما يصطلح عليه بالمنطقة الملتبسة التي تفصل بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل (التخييل الذاتيAutofiction، والسرد الذاتيAutonarration، والتخريف الذاتيAutofabulation، الفضاء السيرذاتي Espace autobiographique).

وأنا أشتغل على هذا المجال لمدة تربو على ثلاثة عقود من الزمن، لاحظت أن هذه القارة ما فتئت مجهولة، وتحتاج إلى مزيد من الاكتشاف، وإلى مزيد من الاستقصاء، خاصة وأنها تثير كثيراً من الأسئلة حول هويتها، والتباسها، بحكم أنها تتوافر على الميثاق المزدوج، أو القراءة المزدوجة. بمعنى مرة تُقرأ بصفتها رواية أو تخييل، ومرة قد تُقرأ عبارة عن سيرة ذاتية، أو عبارة عن بوح أو مسارَّة.

فهذا الكتاب -الذي حزت فيه على جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب- عنوانُه “السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع”. هو حلقة من حلقات المشروع الممتد اعتباراً من عام 1994  عندما صدر لي كتاب “شعرية السيرة الذهنية” إلى الآونة الأخيرة (صدور كتاب ” متعة الإخفاق 2022) مرورا بـ ” سيمائية الكلام الر وائي”، و ” الحقيقة الملتبسة قراءة في أشكال الكتابة عن الذات”، و”صورة الأنا والآخر في السرد”، و” سيميائية السرد بحثٌ في الوجود السيميائي”؛ وغيرها من الدراسات في الإعمال الجماعية وفي المجلات المحكمة أو المعتمدة باللغتين العربية والفرنسية.

يتضح -من خلال العنوان- أن البحث  في السرديات الكلاسيكية كان منصبا على موقع المؤلف، إما باعتبار أن السارد امتداد له، أو لبيس المؤلف الضمني، أو ما شابه ذلك. وكان هم النقاد وكتاب السيرة الذاتية وقتئذ مركزا على المشابهة  Ressemblance (الضرب على منوال نموذج مسبق كما هو الحال في السيرة) وليس المطابقة Identité (تطابق هويات الكاتب والسارد والشخصية الرئيسة).

 لكن في إطار السرديات ما بعد الحداثية وإثر انهيار ما يسمى بالوهم النرجسي، ظهرت تصورات جديدة للتعامل مع صورة المؤلف. وهنا لا بد أن أنوه بالجهد الذي بذله أرنو شميث في كتابه ” الأنا الواقعي/ الأنا التخييلي ماوراء الالتباس الما بعد حداثي” ممهدا لأفق جديد في تعيير المنطقة البينية بأدوات ومفاهيم جديدة، وفي سياق استقواء الواقع الفائق الذي أدى- بحسب جون بودريار- إلى ” جريمة مُتقنة”. لا توجد جثة للواقع، والسبب أنه لم يمت بل اختفى. وبمقتضى ذلك أصبح الشباب يعبئون عن بعد تطبيقات “طلبيات الوجبات الغذائية” في أي وقت دون أن يتجشموا عناء التنقل إلى المطاعم. وبالمقابل يتصنع المؤلف توائم الروح التي تعكس جوانب من حياته بطريقة يلتبس فيها الواقع بالاصطناع والتشبه. وعليه لا يحل المُتشبِّهُ  محل المتشبَّه به، بل يلغيه ليؤدي وظائفه بطريقة أفضل وأحسن.

 عندما نقرأ مثلاً رواية “ممر الصفصاف” للكاتب “أحمد المديني” نجد أحمد المديني المؤلف على غرة الغلاف، ولكن في الكتاب نجد أحمد المديني آخر، يقول أنا أحمد المديني، ولكن لا علاقة لي بالمؤلف الحقيقي. نجد غانم الذي يماثل سيرة أحمد المديني كما ترسخت في أذهاننا ـ. هناك الكلب جال، وهناك الحارس، وهناك شخصيات كثيرة تتبادل الأدوار فيما بينها لتمثيل صورة المؤلف الحقيقية والمفترضة والمُختلقة. وفي هذا المنحى يستثمر أحمد المديني ” لعبة أو صناعة فنية” بمفاجأة القرين غانما ليلا برفقة الكلب جاك للحسم في لأيهما أحق بالبطولة. يصرح القرين – من باب الضغط والابتزاز- بأنه يمثل الكاتب الحقيقي ليكون له هامش واسع من المناورة لتوزيع الأدوار: يضطلع هو بوظيفة تنظيم الفصول وترتيبها، في حين يسند لغانم وظيفة السارد العليم المكلف بسرد القصة. كل هذه الأصوات المتشظية تعبر عن جزء من المؤلف خاصة وأنه يصرح في كثير من مفاصل الرواية، بأن هذا العمل ليس رواية بالمعنى الكلاسيكي، ولكن هي رواية بينية، يتقاطع فيها السيرذاتي و التخييلي.

أنتعامل معها بصفتها تهجينا، أم باعتبارها اختلاطا بين السجلين الروائي والسيرذاتي؟ أ يصح أن نتعامل معها بمنطق القراءة الهرمونيطيقية؛ بمعنى  أن كل قارئ يحرك المؤشر بحسب هواه وهذا ما يجعل العمل يصنف في جنس ما وضده. . قد يقرؤه المشرقي الذي لا يعرف أحمد المديني ويتعامل معها كرواية. ولكن عندما يقرأها المغربي، بحكم أنه يعرف أحمد المديني، قد يقول بأن هذا العمل ليس رواية مئة في المئة، ولكن هو أقرب إلى التخييل الذاتي. ينطبق المثل على كثير من الأعمال التي صنفت ضمن جنس بحسب المعايير الفنية السائدة، لكن أعيد تجنيسها بالنظر إلى تجدد المعايير النقدية. فمثلا صنفت رواية ” الطائر المزركش” لجيرزي كوزينسكي ضمن السيرة الذاتية بتوهم أن الكاتب يسترجع الطفل الذي كانه وهو يتعرض لأصناف التعذيب والتنكيل طوال الحرب العالمية الثانية، لكن تأكد فيما بعد أن الكاتب يختلق صنيعا له بطريقة تختلط فيها مقادير الواقع بمقادير الخيال، وحري بأن يصنف العمل ضمن خانة ” التخييل الذاتي”. فهذه القضايا التي أثرتها قبل قليل تبين ملاءمة العنوان. كل كاتب يحمل في أحشائه، وفي ثناياه، توائم الروح، وهذه التوائم تنفجر وتبرز في فعل الكتابة. علاوة على ذلك من منا لا يحلم بتوائم روحه يوميا، ليس بالمعنى العاطفي، بل بالمعنى الوجودي. وهي في آخر المطاف مجرد أشباح هاربة نلاحقها باستمرار سعيا إلى التشبه بها؛ وهذا ما يبين هشاشة البديل أو القرين المثالي أو الكامل (Double parfait).

الجانب الثاني – الذي يتعلق بالعنوان الفرعي “من التمثيل إلى الاصطناع”- يقصد به رحلة الكتاب من الإبدال الحداثي ( مراهنة السيرة الذاتية على المشابهةRessemblance ) إلى الإبدال ما بعد الحداثي ( انهيار الوهم النرجيسي باستقواء الشك والمشابهة الفائقةHyperresemblance ).

يتأرجح الكتاب من الناحية الأفقية بين التمثيل إلى الاصطناع. كيف انتقلنا من إبدال السيرة الذاتية الكلاسيكية المتجلية في أعمال طه حسين (الأيام)، وأحمد أمين (حياتي) ، وتوفيق الحكيم (زهرة العمر، سجن العمر)، ويحيى حقي ( كناسة الدكان)، وعباس محمود العقاد (أنا، حياة قلم)..الخ إلى إبدال سيرة ذاتية ما بعد حداثة ذات خلقة عجيبة لما تثيره من التباس في تجنيسها وفي تلقيها. وفي هذا الصدد تندرج أعمال كثيرة خاصة التي يصل فيها التوتر بين الواقع والخيال إلى أوجه (التخييل الذاتي): “ثلاثية بغدد” لغالب هلسا، و”صيف لن يتكرر” لمحمد برادة، و” دليل العنفوان” و” دليل المدى” و” من قال أنا” و”التيهاء” لعبد القادر الشاوي، و” ووردة للوقت المغربي” ” وممر الصفصاف” لأحمد المديني” وغيرها من الأعمال. وجب التنبيه لخلط وقع فيه كثير من النقاد العرب باقتداء ما سنه الناقدان الفرنسيان جاك لوكارم وإليان لوكارم-تابون في كتابيهما المشترك عن السيرة الذاتية بتبني التدرج من السيرة الذاتية إلى التخييل الذاتي. لا يقترن التدرج  النقلة من زمن إلى آخر، بل من إبدال إلى آخر، وهذا يعني أن عينات من التخييل الذاتي موجودة في الزمن الماضي، كما أن السيرة الذاتية الكلاسيكية لم تنقرض ما دام هناك كتاب يتبنون الإيديلوجيا السيرذاتية، وينزعون إلى التمثيل عوض الاصطناع.

انتقلنا في العقود الأخيرة إلى كتابة جديدة؛ هي كتابة ما بعد حداثية. هي الكتابة التي نجدها عند عبد القادر الشاوي، وأحمد المديني ومحمد برادة، و”غالب هلسا” وأحمد فارس الشدياق، وإبراهيم المازني وغيرهم . وعند رائد هذه الكتابة في فرنسا سير دوبروسكي وأرنو جونو وباتريك مونديانو، وماري دريوسيك،  وكامي لورون وغيرهم.

بمعنى أن الكاتب لا يضرب على نموذج مسبق وجاهز، بل يتصنع قرينه أو قرناءه المحتملين تفاديا لولوج ” منطقة الحساسية”، وحرصا على توسيع هامش الحرية والإبداع والتخييل، وتطلعا إلى تمثيل الواقع  بأصوات لا تنوب عنه فحسب بل تلغيه للصدع بالحقائق المغيبة أو المغفية.

 يخلق  الكاتب –في هذا الصدد-بدائل له في الكتابة. أيهما أقرب إلى ذاته؟ أيهما يستطيع أن يعبر عن الكاتب الحقيقي؟ أيهما يجسد تطابق الهويات المحتملة؟ لا يكون الكاتب موهوماً بهذه الهوية: هوية المطابقة، أو هوية المشابهة. ولكنه مهموم بخلق شخصيا خيالية تعبر عن ذاته، وتنقل لنا جزءا من حياته الفردية بنوع من التصنع والاختلاق بحسب لويس أراكون (Le mentir-vrai). بمعنى أن هذا المخلوق الجديد الذي يظهر في الكتابة، لا يحل محل الكاتب الحقيقي فحسب، بل ينحيه ويلغيه بطريقة ما. ويقول أنا الذي يمكن (صوت من الأصوات المفترضة) لي أن أعبر عن  الكاتب أكثر مما يمكن أن يعبر هو عن نفسه. أحسن مثال أختم به الجواب عن السؤال الهام الذي طرحته علي، هو ما نعيشه الآن في مجال التصنع الذي ييهم البضائع المعروضة علينا. أعطيك مثالا من أمثلة عديدة. تجسد لنا الورود البلاستيكية أحسن مثال عن الواقع الفائق، أو الواقع المصطنع. الورود الاصطناعية أو البلاستيكية هي من حيث النظر تبدو أكثر بهاءً، وأكثر تناسقاً، وأكثر جمالاً من الورود الحقيقية، رغم أنها منزوعة الواقعية من حيث حاسة اللمس (حين تلمسها تجد أنها بلاستيكية) ومن حيث حاسة الشم (عندما تقترب منها لا تنبعث منها رائحة، كالروائح الزكية التي تنبعث أو تصدر عن الورود الحقيقية). لكن الورود البلاستيكية- كما نلاحظ في الأسواق وفي قاعات المؤتمرات- لم تحل محل الورود الحقيقية فحسب، لكن ألغتها مؤدية أدورا فائقة (الخضرة الدائمة، الجمال المستديم، التناسق البهي). هذا أكبر مثال يعطيه “جان بودريار” عن مفهوم التصنع. بمعنى أن السيرة الذاتية الآن، أو الكتابة عن الذات، انتقلت من إبدال المشابهة، يعني الرهان على البحث عما يجمع بين الكاتب وصنيعه أو لبيسه، إلى كتابة أخرى هي أقرب إلى الاصطناع والتصنع، وهو ما يقتضي الاستعانة  بالجهات التحقُّقية (Modalité véridictoires)  لتبيُّن مختلف حالات الحقيقة وأشباهها؛ ما يعقد “الحقيقة السردية” من جهة، ويكرس التصنع والزيف والشك على حساب الصدق والمطابقة والحقيقة.

 لا أخفيكم أنني وجدت مصاعب جمة في تفريغ محتويات البرنامج، ونقلها بأمانة لرفعة مستوى النقاش الهادئ والرصين، ولتمكن السادة الأساتذة الكرام من لغة وصافة تزاوج بين التخصص الأكاديمي وتداولية الشأن الأدبي لمخاطبة جمهور أوسع. ولا يسعني في الأخير إلا أن افخر بأداء النقاش الذي سعى من خلال مسير الجلسة الإعلامي سعيد كوبريت أن يسلط الضوء على مكامن قوة الكتاب في سياق الإبدال ما بعد البينوي وما بعد الحداثي، وفي سياق عودة النقاش حول جدوى الأدب أو سياسة الأدب في منأى عن الأدلجة والشكلانية الفجتين، وفي سياق صحوة الذاكرة التي حفزت كثيرا من الشهود والمنفيين والتابعين والمعتقلين على الإدلاء بشهاداتهم والتعريف بتجاربهم في الحياة (ما يصطلح عليه الأستاذ محمد الداهي بالتمثيل المضاد لأحادية الصوت السردي).

***

حسن العاصي

كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك

3760 الديوانيةأبصرتُ النور في منتصف القرن الماضي، بعد ثورة 14 تموز 1958 بأربعة أشهر، وبعد أنْ رحل النظام الملكي المرتبط بالاستعمار البريطاني، الذي غزا العراق تحت ذريعة نشر الديمقراطية، فكنت شاهداً على تجاوز بلدي مخلفات الماضي، وسيرهُ قدماً نحو ما بدا لنا بوصفه مستقبلاً واعداً مُشرقاً.

حدث كل ذلك في العراق البلد الذي كُنتُ سَعيداً فيه، ومتنعماً وسط مجتمعي الطيب المتآلف مع جيرانه بمختلف طوائفهم، كان العراق بلداً فاتناً، يفوح منهُ عبير الذكريات الأثيرة، لكن بعد الأحداث المثيرة التي جرت بعد ذلك حيث الإنقلابات والحروب وآخرها الإحتلال الأمريكي عام 2003، طُمست معالمهُ وكأنَّ ممحاةً قد أزالت خطوط الطباشير من على السبورة لكتابة قصة لمأساة جديدة.

عشت في مدينتي الفراتية (الديوانية) سعيداً متنعماً وسط مجتمع متنوع المكونات من (يهود ومسيح وصابئة مندائية ومسلمين)، وكذلك الكُورد المبعدين إلى منطقة الفرات الأوسط، ذلك المجتمع المتآلف مع جيرانه من شتى الأديان والقوميات، كانت مدينتي فاتنةً، تفوح منها رائحةُ رزِّ العنبر وعبير الذكريات الأثيرة، وهنا أنا أراها اليوم وقد تغيرت كلياً وطُمست معالمها.

نشأ نظام البعث من تحت رماد الأحداث التي مررنا بها قبل ستة عقود، وتسبب الإستبداد بزلزالٍ أسفر عن تشظّي المكونات الأخرى في المجتمع الديواني، ما زلت أرتعد كلما برقت في ذاكرتي فظاعة ما مررنا به، لكنني أعود فأذكّر بنعمة النجاة من المحنة التي خرجت منها يوم إعتقالي بعد إنفراط عقد الجبهة الوطنية والقومية التقدمية كما يطلق عليها، بين حزب البعث الحاكم والحزب الشيوعي العراقي عام 1978م على يد مفوض الأمن حمزة علي ومعاون أمن بلدة الديوانية النقيب محمد عباس.

كتبت الدكتورة أسماء غريب عن كتابي الموسوم الديوانية مدينة النشأة والذكريات) ما يلي:

رجلٌ من أقصى المدينة

د. أسماء غريب

سَلامُ اللهِ عليكِ يا أرضَ الأولياء والأنبياء، سَلامُ قلبٍ عارفٍ بتُرابكِ الأوّل ومائكِ الشّافي، وخُبزكِ الدّافئ وحَرفِكِ الخفيّ. سلامُ اللهِ على ملائكتكِ المُرَفْرِفين في سمائكِ والطَّائِفِينَ بعرصَاتكِ، والحاضرين معي لزيارتكِ. سلامُ اللهِ عليكِ يا نيبور في الأوّلين، ويا أيّتُها الدّيوانيّة في الآخرين، سلامٌ على زقّوراتكِ ومعابدكِ، وكنائسكِ ومساجدكِ. وأسواقِكِ ومقاهيكِ، ومدارسكِ وحدائقكِ، وبيوتكِ ومقابركِ. سلام الله على هذا الرّجل الّذي رفعَ قلمَهُ ليكتُبَ بماء العشق والذّكرى عنكِ وعن أبنائكِ، فجاء حرفُه حرفَ العارفين بمكانتكِ وجاهكِ وسلطانكِ، يا ابنة الفرات وسيّدة سومر وبابل وآشور، ويا أرض السّواقي والمشافي والفيافي والمنافي. سلام الله عليكِ يا أمّ النّفريّ ويا خازنةَ العجائب والأسرار، سلامٌ عليكِ وأنتِ تطرقين باب نبيل الرّبيعي، فتوقظين في قلبه الذّكريات وتهمسين لهُ بحرفِ الذِّكْر قائلةً بصوتكِ الآتي من أعماق طَمْيِ الماء الحيّ الخصيب: "إنّما أنتَ مُذَكِّر لَسْتَ عليهم بمُسَيْطر!"، فينتبهُ من سكرتهِ ويفهمُ للعُمقِ دورَ رسالة الحرفِ بين يديْه، ويعرفُ كيفَ أنّ مسيرة الإنسان ملخَّصَة كلّها في عمليّة التّذكُّر هذه، فطوبى لمن يستطيعُ أن يُفَعِّلَها في فؤاده، ويُلهبَ نورها وأنوارها بين أنامله ويُقدّرَ الذّكْرَ بفِكره حقّ قدره!

سلام الله عليكِ يا أرضَ التّين والزّيتون، والشّموع والقناديل، والدّماء الزكيّة والأرواحِ البهيّة، سلامٌ عليكِ وأنتِ تأخذين بيد ابنكِ البارّ نبيل الرّبيعيّ وتشرحين له كيفَ أنّ الإنسانَ لا يُمكنه أن يكونَ غير ماهُو عليه فعلاً وحقيقةً، وأنّ كلَّ ما وقع عليه إلى الآن من تغيير هو تعسّفٌ حقيقيٌّ على شخصيّته الحقّة وفكره الخالص، وكيف أنّه لا خلاص لهُ من هذه المآزق كلّها إلّا بالخروج عن ثقافة القطيع. وهو الخروج الّذي وجدتُهُ يتحقّقُ في كتابه هذا، ورأيتُ كيفَ أنّه حينما اشتعلَ عشقُكِ في قلب نبيل أيّتُها المدينة النبيّة، ذهب إلى أقصى ركنٍ فيكِ ليتذكّرَ بكلّ ما أوتيَ مِن قوّةٍ مَن يكونُ، ومِنْ أينَ أتى، وإلى أينَ هُو ماضٍ؟!

وأنتَ أيّها القارئ العزيز، إذا كُنتَ الآن تقرأُ هذا الكتاب، فاعلم أنّكَ مقصودٌ أيضاً بخطاب الذّكرى والتذكُّر الّذي بين دفّتَيْهِ، ومُلزَم بتوليده في قلبكَ وفِكْرِكَ وبالرّحيل إلى أقصى ركنٍ في مدينتكَ، بالضّبط كما فعلَ كاتبُهُ! واعلم أنّكَ سترى كيفَ أنّ نبيلاً عاش الكثير من الأحداث في حياته، وقابل العديدَ من الشّخصيّات داخل وخارج العراق، وسافر إلى أماكن عدّة، وقرأ ما لا يُعدُّ ويُحصى مِن الكُتُب، وألّفَ في التّاريخ والأدب، ولكنّه اكتشفَ أنّهُ على الرّغم من كلّ هذه الأشياء الّتي قام بها فإنّه مازال يشعر بأنّهُ لم يكتمل بعدُ، وأنّه ثمّة شيءٌ مازال ينقصه، بل ثمّة صوتٌ بعيد يأتيه من أعماقه الدّفينة ويقول له: "عُدْ إليَّ، تعرفني وتعرف نفسكَ". إنّهُ صوتُ المدينة الّتي أبْصَرَ فيها النّور، صوتُ الدّيوانيّة!

ولأنّ الذّكرى وجعٌ ونزيفٌ، فلا بدّ أنّكَ ستجدُ نفسكَ تتساءلُ عمّن يتذكّرُ مَنْ في هذا الكتاب، بل مَن يسترجعُ مَن؟ ومَنْ يُضَمِّدُ ويُبَلسمُ جراحَ مَن؟ المدينةُ الّتي رأى الكاتبُ فيها النّورَ أمِ الوجوهُ الّتي تتراقصُ في قلبه وعقله والآتية من أعماق الماضي السّحيق؟ ولأنّ الجواب يعنيني كما يعنيكَ فإنّي وجدتُ نفسي ما إنْ وقعَ الكتابُ بين يديَّ أتصفّحُ على عجلٍ أوراقَه الواحدة تلو الأخرى فوق قارئيَ الإلكترونيّ، متوقّفةً من حينٍ لآخر أمام صُوَرِ شخصياته العديدة وعناوينه العريضة، وبالسّرعة ذاتِها وقبل أن أقرأهُ قرّرتُ إغلاقهُ، ثمّ سحبتُ نفَساً عميقاً من الهواء المُنعشِ، وأغمضتُ عينيّ لأسمحَ للنّور الّذي في حروف نبيل الرّبيعي بالتدفّقِ إلى كلّ خليّة في دواخلي، وفجأةً بدأتُ أرى، وشرعتِ المشاهدُ في الانصبابِ على مخيّلتي إلى أن استقرَّتْ منها أمامي ثلاثة مَشَاهِد تتحرّكُ فيها ثلاثُ صُوَر: صورة والد الكاتب، وصورة خاتم والدته العقيق، وصورة الدكتورة ماهي كجه جي. ابتسمتُ وأنا أرى سؤالاً عريضًا يرتسمُ في قلبي ويقول: مَنْ ذا الّذي حرّضَ الكاتبَ على خوضِ هذه المغامرة العجيبة، وهُوَ يعْلمُ جيّداً أنّه ليس من السّهل أبداً أن يكتبَ الإنسان سيرةً قدْ تختلطُ فيها الأوراقُ والأحداثُ، وتتكاثرُ فيها الشّخصيّاتُ والأماكن لدرجة أنّه يصعبُ فيها على القارئ أن يميّزَ بينَ مَنْ يكتبُ مَن، ومَن يُؤَرِّخُ لمَن؟ المُؤلِّفُ أم مدينتُهُ، أمْ هُما معاً؟!

وقبلَ أن يستقرَّ في فؤادي الجوابُ الفصلُ، وجدتُ نفسي أقرِّرُ أن أقرأ هذا الكتاب بطريقتيْن معكوستيْن، وذاك ما كانَ بالفعل، بحيثُ قرأتُ في البداية الكتابَ من صفحاته الأخيرة إلى صفحاته الأولى، ثمّ بعد ذلكَ قرأتهُ من الصّفحات الأولى إلى الصّفحات الأخيرة، وفي كلتا المرّتيْن كنتُ أرى الكاتبَ ماثلاً أمامي بوضع مقلوبٍ ورأسهُ إلى الأسفلِ وقدماه إلى الأعلى. فتأكّدَ لي أنّ هذا هو ثمنُ البحث الحقِّ في المكان والزّمن والذّاكرة. إذ كان لا بدّ لنبيل الرّبيعي أن يرى مدينته لا كما يراها الآخرون، وأن يعشقَ وطنه الكبير لا كما يعشقه الآخرون، وأن يغوص في حياته لا كما يغوصُ فيها الآخرون، وأن يكتبَ بحرفٍ يمشي على رأسه لا على قدميه، لأنّه يكتبُ تلك الحقائق الّتي تغضُّ الطّرفَ عنها العديدُ من الأقلام، ولأجل هذا سُجِّلَ في كتاب الوجود، بالمُؤَرِّخ المُتخصِّص في شؤون الأقلّيات الدّينيّة بالعراق. وهي الصّفة الّتي لم تُمْنَحْ لهُ إلّا بعد أنِ اخْتُبِرَ في امتحان العشقِ: عشقِ الله المتجلّي في الإنسان بغضّ النّظر عن ديانته أو اعتقاده أو عرقه. والمؤرّخُ العاشقُ كالمُصَوّرِ الّذي يعشقُ كلّ وجه يقفُ أمامه لأنّه يرى فيه إبداع الخالق، ولا يُميّزُ في عشقه هذا بين كبير أو صغير، ولا بين غنيّ أو فقير، ولا بين خادم أو سيّد، ولأجل هذا جاءت كلّ الشّخصيّات التي جسّدها لنا نبيل في كتابه هذا ساحرةً خلّابة، نابضة بالحياة والحقيقة في كلّ تجلّياتها السعيدة والشقيّة. ولأنّ الإنسانَ هو المكان الّذي يولدُ وينشأ فيه، فإنّ شخصيات نبيل وأماكنه كانت هي مدينتُه، الشّيء الّذي يعني أنّ الكاتبَ وهو يؤرّخ لمدينته، إنّما كان يُؤرّخُ لأهلها، وبالتّالي لنفسه وذاته. وهذا ما يُفسّرُ كيف أنّه في كتابه هذا اختلطت الأجناس بين تأريخ مونوغرافيّ، وسردٍ بيوغرافيّ وثالثٍ روائيّ أدبيّ، فظهرتْ مدينةُ الدّيوانيّة بصورة غير تلكَ الّتي ظهرتْ في كتابات مؤلّفين آخرين، صورة مفعمة بالحياة والحقائق المُوَثَّقَة، والنّابعة من حياة الكاتب نفسه وهو يصف الأشياء الّتي رآها وعرفها شخصيّاً بطريقة أعاد من خلالها ترتيب الأحداث والوقائع علّ القارئ يستطيع أن يُكَوِّنَ رؤية جديدة وإضافية لما كانت عليه وما أصبحته هذه المدينة.

وأنتَ بينَ دفّتيْ هذا الكتاب، ستراودكَ ولا شكّ أسئلة عديدة، من قبيل هل هذه المدينةُ هي ناسها وسكّانها حقيقةً؟ وإذا كانت كذلكَ فكيفَ أثّروا فيها وفي أمكنَتِها وأزمِنَتِهَا؟ وكيف واجه الكاتبُ وهو ابنها البارّ صعوبة الاختيار بين الأحداث والذّكريات؟ هل قال كلّ شيء؟ وهل تركَ كلّ شيء؟ وهل ما قاله كان كافياً لتكوين صورة معيّنة عن الدّيوانية؟ أم هل ما لم يقله كان الأجدر بالكتابة والتّدوين؟ وهل ديوانيّتُه هي نفسها المدينة الّتي يعرفها غيره من الدّيوانيّين؟ كثيرة هي الأسئلة وكثيرة ومتنوّعة هي الأجوبة أيضاً، ولكن ثمّة شيء أكيد بين السّؤال والجواب، وهو أنّ المؤرّخ نبيلاً الرّبيعي وهو يكتبُ عن مدينته إنّما كان مشغولاً بواجبٍ وطنيّ كبير يرنو من ورائه إلى إعادة الاعتبار للتّاريخ المحلّي عبر التّاريخ السّيرذاتي، محاولاً في هذا تجاوز عمليّة التّأريخِ السّياسيّ والعسكريّ بمفهومه الكلاسيكيّ وإعادة الاعتبار للمجتمع العراقيّ من أجل فهم مُكوّناته وشروط معيشته وديناميّته وذاكرته بحيثُ يُصبحُ كلّ شيءٍ لحظة الكتابة تاريخٌ ووثيقة بما فيها حياة الكاتب وذكرياته والتي أظهرتْ لنا كيف أنّ الأستاذَ نبيلاً في مُؤلَّفه هذا لم يكُن مجرّدَ جامع للمصادر والأخبار، ولا حاطب ليلٍ في غابة الوقائع والحكايات والأسرار، بل هو مؤرّخ ينقلُ الأحداث ويدعمها بالدلائل والصّور والأفكار، ويحلّل المجريات ويربطُ بينها وينتقد بعضها ليُبرزَ لنا الذّات المحليّة لمجتمعه الدّيوانيّ، ويضمّها إلى بنية الذّات الوطنيّة العراقيّة الكبرى، ثمّ إلى الذّات العالمية والكونيّة

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

بعد  نحو سنتين من الإبتعاد عن المطابع ودور النشر بسبب جائحة كورونا وقيود  السفر، صدرت لي  في دمشق قبل بضعة أيام، ضمن منشورات دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، ثلاث مجموعات شعرية جديدة، الأولى (التحليق بأجنحة من حجر) وتقع في 208 صفحة من القطع المتوسط، ضمّت أكثر من أربعين قصيدة.. رسم لوحة غلافها الفنان التشكيلي يوسف الموسوي .3724 السماوي

والثانية (فراديس إينانا) وتقع في 240 صفحة من القطع المتوسط، ضمت أربعين قصيدة، صمم غلافها الفنان التشكيلي د. مصدق الحبيب.3725 السماوي

كلتا المجموعتين تناولت قصائدهما موضوعة العشق في أسمى تجلياته، والإرتقاء بالحسيّ الى مصاف العرفاني، كما تناولت بعض قصائدهما موضوعة القلق الوجودي في هذا الزمن الملتبس، حيث بات صعبا فيه التمييز بين اللص والناطور، أو بين "الحلاّج" و"الحجّاج" !3726 السماوي

أما المجموعة الثالثة فكانت (جرح أكبر من الجسد) وتقع في أكثر من 180 صفحة من القطع المتوسط، ضمت 40 قصيدة، تناولت المتاهة العراقية في ظل نظام المحاصصة المقيت وما أفرزه مستنقعها من جراثيم الفساد المالي والمؤسساتي والسياسي.

لوحة غلاف المجموعة بريشة الفنان التشكيلي د. مصدق الحبيب.

***

يحيى السماوي

اصدارات فلسفية جديدة

بعد جهد عامين اصدرت لي دار غيداء الموقرة اربعة كتب فلسفية دفعة واحدة 2022 ساعرضها على صفحتي تباعا وعلى صفحات بعض المواقع العربية المحكمة بالفلسفة  يتضمن كل كتاب تعريفا بالعنوان والمحتويات والمقدمة معتبرا هذه الاصدارات الفلسفية هدية متواضعة مني لكل الاحبة والاصدقاء الذين يباركون لي هذا الانجاز متمنيا التوفيق للجميع واود اعلامكم ان نسخ الكتب تتوفر في معرض بغداد الدولي القادم للكتاب 2022  ...

الباحث الفلسفي علي محمداليوسف /الموصل /نيسان 2022

***

الدين والفلسفة

تأليف: علي محمد اليوسف

المحتويات

المقدمة

الفصل الاول: الاله والطبيعة والانسان

الفصل الثاني: بداية الخليقة في اللاهوت الديني

الفصل الثالث: الايمان الديني والعقل

الفصل الرابع: الاخلاق بين الدين والفلسفة

الفصل الخامس: المعجزة الدينية وقوانين الطبيعة

الفصل السادس: الدين واللغة الصوفية

الفصل السابع: باروخ اسبينوزا: الجوهر في وحدة الوجود

الفصل الثامن: الموت والدين في الفلسفة الغربية المعاصرة

الفصل التاسع: النزعتان المادية والمثالية في وحدة الوجود

الفصل العاشر: شخصنة الايمان الديني

الفصل الحادي عشر: الخلود في عصر النهضة

الفصل الثاني عشر: مادية هولباخ والمعجزة الدينية

الفصل الثالث عشر: وحدة الوجود الوهم والحقيقة

الفصل الرابع عشر: الاسلام السياسي ومازق العصر

الفصل الخامس عشر: الدين والمعطى الفطري للتديّن

الفصل السادس عشر: عجز التنظير في اصلاح الفكر الديني

الفصل السابع عشر: اصلاح الفكر الديني ضحية النخب الثقافية أم رجال الدين؟

المقدمة

يضم الكتاب مباحث فلسفية عديدة ومتنوعة في معالجة جوانب الارتباط والتعالق بين الاديان التوحيدية منها وغير التوحيدية بالفلسفة. وقد يذهب الالتباس الى ان الدين لا يلتقي الفلسفة باعتباره نوعا من مباحث الميتافيزيقا التي تمجد الايمان القلبي الماورائي الذي ينّحي العقل جانبا. التي نأت الفلسفة بنفسها عن الخوض به بمنطق فلسفة العقل، وهي وجهة نظر غير محسومة لدى عديدين من الفلاسفة الذين يعتبرون الانسان كائن ميتافيزيقي نوعي كما هو شانه كائنا اجتماعيا ناطقا. ولا يمكن الغاء الجانب الميتافيزقي الذي يحتوي الانسان بالفطرة الطبيعية الذكية التكوينية له، والانسان منذ المراحل البدائية الانثروبولوجية لوجوده كانت نوازع الدين تلازم تفكيره في محاولته معرفة حقيقة نفسه وعلاقته بالطبيعة.

بالحقيقة كان فيورباخ اول فيلسوف معاصر عالج مسالة الطبيعة هي المصدر الديني الاول في اختلاق الانسان لما عرف بعد عصور طويلة بالدين الذي مر بمراحل اسطورية وسحرية وميثالوجية خرافية ولم يكن وجود الاله الواحد المقدس ذي القدرات اللامحدودة والطاقات والسيطرة على الظواهر الطبيعية التي كان الانسان يعتبرها مصدر خوف وقلق يلازمه ولا يهديء من روعه سوى اله يعبده كمقدس لا يجاريه في القدرة والامكانات التي يجدها ايضا لا تمتلكها الكائنات الحية الاخرى غيره ايضا.

لذا إرتأيت ان يكون مفتتح محتويات الكتاب هو  تعالق الطبيعة في تخليق الانسان لمعبوده في تذويته لصفاته الانسانية وخلعها على الاله المعبود كما يذهب له فيورباخ افردت له مبحثين. اذ من المعروف عن فيورباخ  النزعة المادية وتعلقه الشديد بحب الطبيعة واعتباره لها المصدر الوحيد الذي بضوئه نستطيع معالجة غالبية قضايا الفلسفة في مقدمتها اختراع الانسان للدين. ومن المعلوم الثابت أن فيورباخ فيلسوف مادي ذو نزعة تاملية صوفية.

وانتقلت في فصول لاحقة الى مناقشة مذهب وحدة الوجود في علاقة الصوفية بالفلسفة في فصلين ، اعقبتها بثلاثة فصول عن المعجزة الدينية في اللاهوت اليهودي والمسيحي، بضمنها اشكالية الجوهر لدى اسبينوزا في تفرده به بنظرية فلسفية تخالف السائد بتاريخ الفلسفة عبر قرون طويلة ان الجوهر يدرك بدلالة اسبقيته  الوجود كونه هو الخالق للطبيعة غير مخلوق حسب اسبينوزا، اذ كان السائد ان الجوهر يعرف بدلالة الوجود السابق عليه. وختمت فصول الكتاب باربعة فصول تبحث تعالق ازمة الاديان التوحيدية في السياسة ما اضفى عليها وجهات نظر عديدة تنبثق عنها تلك هي ثنائية العلاقة بين الثراث العربي الاسلامي بالمعاصرة التي اصبحت منذ بدايات القرن التاسع عشر محور معالجة هذه الاشكالية التي تضاربت فيها الاراء، وتشعبت فيها وجهات النظر العديدة حيث لا يوجد مفكر عربي الا في النادر القليل لم يدل بدلوه فيها.

عالجت بالكتاب مركزية الاهتمام اللاهوتي المسيحي بشكل استثنائي  ثنائية الدين والفلسفة وما رافقها على امتداد قرون طويلة عابرة للعصورالوسطى من تضادات عدائية وصلت اوجها في وقوف رجال الكنيسة بالضد امام الاختراعات العلمية الجديدة الحديثة حيث تم حسم الموضوع لصالح العلمنة الفرنسية وفق الوثيقة التي التزمتها فرنسا منذ العام 1905 حيث ابعدت تدخل رجال الدين في شؤون الحياة العامة وفسحت الطريق امام النهضة الاوربية ودخول عصر الانوار. وتناولت في فصلين الموت والخلود في التراث اللاهوتي الغربي.

خصصت اربعة فصول الاخيرة من الكتاب لمعالجة علاقة الدين والاسلام السياسي بمنظور التفلسف العربي والفكر النقدي الاصلاحي وما هي النتائج التي توصلتها في محاولة تحديث الحياة العربية؟ بعد مضي قرنين من زمن الشروع في محاولة مزاوجة التراث العربي الاسلامي بالمعاصرة الحديثة التي لا يشترط أن يكون معيار النجاح فيها المقارنة مع التجربة الاوربية الرائدة في النهوض الحضاري والتقدم العلمي المطرد..أو المقارنة بالاستشراق الغربي المنحاز الى جنبة معاداة ما تصفه الجمود في الفكر العربي.

اسلوب ولغة الكتاب الفلسفية هي من الوضوح غير المخل توخيت فيه ايصال المعرفة الفلسفية بعلاقتها بالدين بشكل لا تعقيد فيه ويقوم على مقارعة الحجة بالحجة في منهج مقارن ومتداخل، ومحاولة جمع التضادات النظرية الفلسفية في محورية أين اصبحت مكانة الفلسفة اليوم في علاقتها مع العلم والدين؟.

واترك للقاريء متعة القراءة والفائدة المرجوة من سبعة عشر بحثا بما لا تستطيع هذه المقدمة البسيطة الاحاطة الكاملة التعريف بها، ويبقى الكتاب ملك القاريء المتلقي بعد انتهاء مهمة المؤلف.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

تموز 2021

 

 

3707 اوراق صامتةقبل أكثر من عقدين تعرفت من خلال كتابي (معجم الأديبات والكواتب العراقيات في العصر الحديث) إلى مجموعة من فضليات النساء العراقيات، وكانت الكاتبة ثبات نايف سلطان واحدة منهن، وسبباً في معرفتي بأديبات أخريات من أهلها وصديقاتها، وبقيت صلتنا الثقافية قائمة منذ ذلك الحين وإلى يومنا الحاضر من دون انقطاع.

وقرأت لها العديد من الكتابات، وصدرت لها أول مجموعة قصصية عن دار الشؤن الثقافية ببغداد  بعنوان (القرار – 2002م)، وتلتها مجموعتها الثانية (ناس وحكايات – 2020م)، وصدر حديثاً كتابها الثالث (أوراق صامتة)، وهو كتاب سيرة قصصية مميزة، كتبته ببراعة وأسلوب جميل ومشاعر صادقة، وعبرت فيه عن حبّها للعائلة الكريمة والوطن الحبيب والشعب المظلوم.

بدأ الكتاب بكلمة الإهداء المؤثرة، إذ جاء فيها (إلى أمي وأبي .. إلى أخواتي وأخواني جميعاً الأحياء منهم والأموات، إذ لا أملك شيئاً أرد به أفضالكم عليّ ... سوى هذه الأوراق).

عنونت المؤلفة فصول كتابها باسم (أوراق)، وقد بلغت سبع عشرة ورقة حسب الترتيب الزمني، وأضافت لها صفحات أخريات لصور  أفراد عائلتها الوارد ذكرهم في الكتاب مع سيرة لأهم شقيقاتها في مسار الأحداث (معينة) وقد أطلقت عليها اسم (كفاح) في الكتاب وهي سيرة حافلة بالمعاناة والألم، وسبقت هذه (الأوراق) بكلمة قالت فيها: (يتسع بيت الأسرة الصغيرة شيئاً فشيئاً.. ويكبر ويمتد خارج حيطانه المبنية من الحجارة والجص "بيوت الأجداد" فيأخذ مداه الأوسع ويكون الوطن العظيم ... وتكون أوراق الأسرة أوراقه المتوهجة أبداً في الذاكرة).

ثم جاءت الورقة الأولى لتتحدث عن ولادة أول صبي للأسرة بعد سبع بنات سبقنه في القدوم إلى الحياة، والفرحة العارمة لوالديه وأخواته والجيران بولادته، وفي هذه (الورقة) وما أعقبها في (الأوراق) الأربعة اللاحقة تحدثت المؤلفة عن البيت والبيئة والمدينة (الموصل) مما رسخ في ذاكرتها وعاشته وهي في ذلك العمر الصغير، فأوردت الكثير من تفاصيل الحياة البسيطة والعادات والتقاليد والتراث الشعبي الزاخر في المدينة يومذاك.

وفي (الورقة الخامسة) جاء قرار الأم المؤجل بالرحيل عن مدينة الموصل بعد أن أنهت أخت المؤلفة (كفاح) دراستها الجامعية، وتنسيبها من قبل وزارة المعارف للعمل في إحدى مدارس الحلة، فانتقلت الأسرة إليها، بينما بقيت المؤلفة في الموصل عند بيت قريبة لهم لتكملة ما تبقى من أيام دراستها وأداء امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي، فنجحت نجاحاً باهراً، وحصلت على المرتبة الأولى على مدارس المنطقة الشمالية كافة.

عاصرت المؤلفة بعد انتقالهم إلى الحلة أحداثاً خطيرة كردة الفعل الشعبية على وقوع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وما سبق ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958م، وما أعقبها من انقسام وتناحر وصراعات سياسية مريرة، وكان لشقيقتها (كفاح) دور بارز في ذلك المعترك السياسي الخطير، وتسبب لها ولأسرتها بالمشاكل، حتى اضطرت للرحيل والانتقال إلى بغداد، فكانت الأعظمية محطتهم الأولى قبل تركها لإشكال طارئ إلى الكرادة وهي (منطقة هادئة وبعيدة عن التناحر السياسي والناس لا شأن لهم بأمور غيرهم ويسود الاحترام والمودة بينهم) كما قالت في ورقتها السابعة.

سجلت المؤلفة في أغلب (أوراق) كتابها وقائع حقبة مهمة من التأريخ السياسي للعراق مثلما رأت ومن وجهة نظرها، وهي حقبة مضطربة ووقعت فيها الكثير من الأخطاء القاتلة وما زالت محل اختلاف، ويحسب للمؤلفة اجتهادها كثيراً في للنقل بصدق وشجاعة وموضوعية، وهي قريبة مما دار وشاهد عيان على الكثير من أحداثها وشخصياتها، ومثل ذلك ليس بالأمر اليسير.

ولا أريد التفصيل في ذلك هنا، وإنما أتركه للقراء الكرام، وفيه الكثير ما هو قريب من الخفايا والأسرار المؤلمة، وقد نتفق أو نختلف معها في بعض تفاصيله ووجهات النظر حوله، ولكن بالتأكيد (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) على قول الشاعر المصري الشهير أحمد شوقي، تأييد العقلاء له.

ولكني أجد ضرورياً ذكر جانب من السيرة الأدبية والصحفية للمؤلفة، فقد دخلت العمل الصحفي سنة 1963م في جريدة (الجماهير) بعد نجاحها من الدراسة الثانوية، والتقت هناك بالشاعر سامي مهدي، واقترنت به فيما بعد، وعملت موظفة في مجلات وزارة الإعلام، وانتمت إلى نقابة الصحفيين العراقيين، ونشرت مجموعة غير قليلة من كتاباتها وقصصها القصيرة في الصحافة المحلية والعربية، وكانت محل احترام وتقدير زملائها وكل من التقى بها لما اتسمت به من طيبة وصدق في القول وكرم في الأخلاق، وقد شاءت التفرغ لعائلتها وخدمة بيتها على أكمل وجه فتقاعدت عن العمل الوظيفي سنة 1990م، ولكنها لم تتقاعد عن نشاطها الأدبي وكتاباتها المتواصلة ونشرها إلى يومنا الحاضر.

***

جواد عبد الكاظم محسن

 

3613 اصلاح النظام القانونيصدر للكاتب العراقي الدكتور قاسم خضير عباس كتاباً جديداً بعنوان (إصلاح النظام القانوني أول شروط النهضة) عام 2021 من دار الأضواء في بيروت. وقد شرح فيه بأنَّ التنظيم والتقيّد بالقوانين النافذة من المباني الأساسية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا يمكن أن يظهر المجتمع المتحضر دون وجود القانون وسيادته على الجميع، بظل ثقافة قانونية في المجتمع.

وعند الحديث عن ارتباط الثقافة والحضارة بالقانون، لا بد أن نعرف طبيعة هذا الارتباط وغايته الفلسفية، التي تريد نشر العدل والمساواة، وتنمية الفرد والمجتمع وتثقيفهما باتجاه التحضر والتقدم والمدنية.

وعملية البحث عن الغاية أو (الغرض) من وجود الحضارة والثقافة والقانون، هي عملية استراتيجية تؤدي إلى منهجية واقعية صحيحة للتقدم والتحديث، والبحث عن الأطر الأخلاقية والانسانية، التي تجمع بين الجانب المادي من الحضارة والجوانب الأخرى غير المادية.

إنَّ طبيعة العلاقة والروابط بين الثقافة الحضارية والقانون، تجعلنا نفهم طبيعة القيم الاخلاقية، ومشكلات الفرد والمجتمع. وبهذا التصور فلا حضارة بدون قانون؛ ولكن يمكن أن نجد القانون بدون حضارة، لأنه يمكن أن يفتقر إلى العدالة والنزاهة والمساواة، وقد يصل الظلم به إلى درجة لا يمكن تحمله.

وبفهم منطق التاريخ نعرف أنَّ الشعوب تتقدم وتتحضر إذا امتلكت القيادات السياسية الصالحة، والأخلاق الإنسانية الحميدة، والثقافة الواقعية، والقانون الإنساني المشرع لحل مشاكل الناس واحتياجاتهم.

لقد أصبح للقانون أهمية في النهوض والتحضر منذ القدم، لكنه اكتسب أهمية استراتيجية منذ ظهور مصطلح (التطور التاريخي للتحضر) في فرنسا- وهو مصطلح ثقافي حضاري- حيث أصبح القانون أكثر أهمية، لأنه أساس ترتيب المجتمع ونواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض وعلاقاتهم مع السلطة الحاكمة.

وهكذا فإنَّ مشكلة الشعوب هي مشكلة حضارية ثقافية، لا يمكن تلمس أسبابها إلا بفهم التطلعات الإنسانية، والاهتمام بالفرد وتنمية قدراته وقابلياته العلمية والثقافية، وفهم الأسباب التي تؤدي إلى الحضارة والمدنية والتحضر، وأولها إصلاح النظام القانوني والقضائي، ليكون مؤهلاً للتطورات المستقبلية ونشر العدل والمساواة.

ولذا لا بد من توفر شروط ثقافية أخلاقية موضوعية ومادية لتطور وتحضر المجتمع، وتنمية الفرد ضمن إطار التنمية الشاملة المستدامة، في ظل قانون حضاري تكون سيادته على الجميع. بمعنى ارتباط ثقافة الحضارة بحركة المجتمع ونوعية أفراده، وقابلياتهم وابداعهم، ومساحة تطبيق القانون، الذي لا يميّز الأفراد على أسس إثنية وقومية وطائفية، ولا يعطيهم امتيازات غير شرعية بسبب انتماءاتهم السياسية والحزبية.

إنَّ المجتمعات المتحضرة تخضع لقوانين اجتماعية وتاريخية وثقافية لا بد من فهمها، في إطار فهم فلسفة القانون وعلم القانون، اللذان يريدان أن تشيع العدالة والمساواة في المجتمع، وإعادة ثقة الفرد بنفسه وبمجتمعه. وعليه فإنَّ الحضارة ترتبط مفاصلها الأساسية بالعامل الاخلاقي وبالثقافة الواقعية المستندة للتراث والأصالة، ولا تقتصر فقط على العوامل الاقتصادية، أو التقنية التكنولوجية، بل ترتبط بكل ذلك بوشائج سماتها الأخلاق والإنسانية، فلا حضارة بدون أخلاق وإنسانية وثقافة متميزة.

ومن الجدير ذكره أنَّ الحضارة في بداية مراحل النهضة تقوم على أسس مبدئية متينة تهتم بالإنسان وثقافته وبالمجتمع والدولة؛ وهي فترة تأهيل الفرد الحضاري، وتطوير قابلياته في اتجاه بناء الدولة الحضارية، التي من أولوياتها تحقيق تنمية مجتمعية مستدامة، تكون نتائجها القضاء على الفقر والمرض والجهل والأمية، ونشر الوعي العلمي والثقافي في كافة المجالات، واحترام الرأي الآخر، وتطبيق القانون الذي غايته المساواة والعدل.

ولذا فإنَّ إصلاح النظام القانوني والقضائي هو أول شروط النهضة، التي بها الرقي الفكري، والعمق والشموخ الثقافي للانتقال بالفرد والمجتمع والدولة من التخلف والانحطاط إلى التقدم والرفاهية والازدهار.

وقد قسم الباحث الدكتور قاسم خضير عباس بحثه إلى عدة فصول:

الفصل الأول: تناول فيه القانون بوصفه الجوهر والأساس للحضارة والثقافة، وشرح جدلية الربط بين النهضة وإصلاح النظام التشريعي والقضائي، واعتبرها القانون العلمي والآلية المنطقية، التي تنقلنا إلى التقدم والحضارة. لأنها لا تحدث بشكل فجائي إنما على وفق استراتيجية مدروسة واعية وتكتيك مرحلي لا يغادر التفاصيل والجزئيات، التي من الممكن أن يكون بعضها متناقضاً. ولذا نشاهد أنه حتى الثورات سواء كانت سياسية أم عقلية لا تحدث على هذا النحو الفجائي، على نحو ما يبدو للنظرة العجلى.

الفصل الثاني: تحدث فيه الباحث عن فلسفة القانون، وعن طبيعة علاقة القانون بالثقافة الفلسفية، التي تتم في إطار علم المنطق وعلم الأخلاق، فالمنطق هو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ. ويمكن أن يستفيد المشرع من علم المنطق، لأنه يساعد على فهم القواعد العامة للتفكير الصحيح، وينقل الذهن إلى الأفكار المنطقية، ويرشد إلى أية هيئة وترتيب تنتقل القاعدة القانونية الحاضرة في الذهن إلى الأمور الغائبة لمعرفة كل الحقوق والواجبات.

الفصل الثالث: شرح فيه الباحث طبيعة علم القانون وارتباطه بالأخلاق، واعتبر فلسفة القانون امتداداً لعلم القانون، وتنصب على تحقيق السلوك الأفضل والحكيم، بينما علم القانون غايته تنظيم السلوك بين الأفراد، ويتم ذلك في ظل ثقافة قانونية فلسفية.

وتتحدد موضوعات أي فرع من فروع القانون بالاستناد إلى الأسباب التاريخية المتجذرة الدافعة لنشأته ويكون بعضها ثقافياً، وإلى التطور اللاحق على مفاهيمه وعناصر مضمونه. بمعنى ارتباط القانون بتطور الثقافة القانونية، وتوسع الحاجات اللصيقة بدوره ووظيفته.

الفصل الرابع: شرح فيه الباحث وبالتفصيل إصلاح النظام القانوني والقضائي العراقي كمطلب استراتيجي للنهضة، لأنَّ هناك خللاً في القواعد القانونية، أضر كثيراً في تحقيق العدل والمساواة في المجتمع العراقي، وغموضاً غريباً في أكثر مواد القوانين المختلفة، إضافة إلى الترهل والإبهام في القواعد القانونية وخصوصاً في القانون المدني.

الفصل الخامس: تناول فيه الدكتور قاسم خضير عباس إصلاح القانون الدولي العام بما ينسجم مع إصلاح السياسة الدولية؛ فالقانون الدولي ينظم علاقات الدول في السلم والحرب، وبسبب ثغراته وعيوبه اتسمت السياسة الدولية للدول الكبرى وخصوصاً (الولايات المتحدة) بالمصلحية والأنانية، وعدم المبالاة بالسلم والأمن الدوليين. وعلى الرغم أنَّ قادة العالم الكبار قد صرحوا مراراً وتكراراً أنهم مع حقوق الإنسان والعدالة الدولية والديمقراطية، إلا أنَّ ذلك مجرد شعارات للسيطرة على العالم، والقضاء على قيم وأخلاق وثقافة الشعوب ونهب ثرواتها باسم العولمة. الأمر الذي دعا (جيمس دورتي) إلى وضع كتاب أسماه (النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية)؛ والأمر نفسه دعا (مارسيل ميدل) إلى الكتابة في (سيسيولوجيا العلاقات الدولية).

الفصل السادس: أوضح فيه الباحث سمو الشريعة الإسلامية على القواعد القانونية الوضعية، حيث تسمو في عدة جوانب، ولها الفضل في تطور القواعد القانونية الوضعية وترشيدها. وهي تتميز بالبساطة واليسر، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

***

3690 نصير الحسينيعن دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة صدر حديثاً كتاب (نصير الحسيني؛ سيرة وشواهد في دروب الإبداع) لمؤلفه الباحث الدؤوب نبيل عبد الأمير الربيعي في (386) صفحة من القطع المتوسط، وتقدمته كلمة قصيرة للأديب الشاعر شكر حاجم الصالحي حول الكتاب بعنوان (ونعم القول ما قال النبيل).

وزع المؤلف كتابه إلى خمسة فصول، فضلا عن كلمة الإهداء الجميلة ومقدمة أوضح فيها بدايات معرفته بالدكتور نصير الحسيني، وما رأى فيه صفات حميدة وخصائص متجذرة في السعي والجدية تربى عليها، ونمت في داخله (حتى غدا مستثمراً قديراً لساعات حياته في التوثيق والعمل الخير) بالإضافة إلى المهارة والذكاء والسماحة والكرم والسخاء (فهو لا يحرم الفقراء والمعدمين من أمواله).

تناول المؤلف في الفصل الأول مرحلة الطفولة والشباب لدى الدكتور نصير الحسيني المنحدر من عائلة علوية شريفة وحسينية معروفة في مدينة الحلة، وكان والده من الأدباء المرموقين في المدينة وخارجها، وقد رأس اتحاد أدباء بابل عند تأسيسه للأول مرة سنة 1959م، ثم ترأسه ثانية عند إعادته سنة 1984م، وكان لهذا الوالد التربوي والكاتب والناشط السياسي أثراً كبيراً في شخصية ولده الذي تفتحت عينه ونشأ في هذه البيئة الثقافية، وكان يتلقى النصح والتوجيه والإرشاد (إلى التقرب من عالم القراءة).

ونقل المؤلف في هذا الفصل الصور العائلية الجميلة التي بقيت شاخصة في ذاكرة المترجم له عن جده وجدته ووالده ووالدته، ومناظر الحياة الأخرى التي كانت تعج بها مدينته الحلة ومحلاتها القديمة، وما مارسه من ألعاب في طفولته مع أصدقائه يومذاك، ومشاهد من دراسته الأولية في مدرسة صفي الدين الابتدائية التي التحق بها سنة 1965م، وهي ليست مدرسة ابتدائية كما يقول بل (أكاديمية في العلم والأخلاق، وخرجت أجيالاً لازالوا قدوة الزمان والمكان).

وجعل المؤلف فصله الثاني لمرحلة دراسته الجامعية في الاتحاد السوفيتي (سابقا)، إذ التحق بها سنة 1981م، وكان من الطلاب المجدين، بل قرر منذ بداية وصوله الالتزام بجدول للوقت والنشاطات، وقد تضمن قراءة كتاب مع مشاهدة مسرحية أسبوعياً، والذهاب لزيارة المعارض الفنية ومشاهدة الأفلام المهمة في السينما، أما في مجال دراسته فقد دخل كلية الهندسة القسم المعماري، وتخرج فيها سنة 1987م، وأكمل دراسته العليا فيما بعد، ونال شهادة الدكتوراه في أكاديمية البناء في مدينة أوديسا سنة 2016م، وكان متفوقاً في دراسته الجامعية منذ البداية وخاصة في التصميم إذ أشير إلهه مع بضعة طلبة آخرين من قبل أساتذته، وقد صدرت له في العمارة مجموعة من المؤلفات القيمة؛ آخرها كتاب (التطور في الفكر المعماري وأسس التصميم) عن دار الفرات في الحلة سنة 2019م.

وخصص المؤلف الفصل الثالث من كتابه للحديث عن عودة المترجم له إلى مدينته الحلة سنة 1987م بعد إكمال دراسته الجامعية، ثم أداء الخدمة العسكرية الإلزامية سنة 1991م، وافتتاح (مكتب مقاولات) مباشرة والدخول إلى ميدان العمل الحر، ووفقه الله سنة 2004م فأسس (شركة أميم للمقاولات الإنشائية)، وبرز على كافة الأصعدة العلمية والعملية والاجتماعية والثقافية، إذ كانت له منجزات عديدة في مضمار التأليف والتحقيق، وقد حظيت مؤلفاته بالإعجاب وتناولها عدد من النقاد، ولعل أقدم من كتب عنها الشهيد المفكر قاسم عبد الأمير عجام في جريدة الجنائن (العدد 131 يوم 23 كانون الثاني 2002م) في مقالته حملت عنوان (معالجات وأحلام معمارية في كتب مقالات للعمارة).

ومما يذكر للدكتور نصير الحسيني يده البيضاء في النشاطات والأعمال الثقافية عامة، ومنها وهي كثيرة مبادرته ببناء أول مقر لائق لاتحاد أدباء بابل سنة 1998م، وعندما فقدت هذه البناية بعد الفوضى التي أعقبت السقوط سنة 2003م؛ تبرع بشقة في عمارة تعود ملكيتها له لكي تكون مقراً دائماً للاتحاد، وله دعم دائم ومساندة للنشاطات الإبداعية والثقافية في مدينته الحلة مثلما له مشاركات وحضور واضح في المشهد الإبداعي فيها، وله مؤلفات مطبوعة، فقد صدر له خمسة عشر كتاباً متنوعاً لحد الآن، ونال الكثير من الدروع وشهادات التكريم وكتب التقدير من مختلف المؤسسات العلمية والاتحادات الأدبية.

أما الفصل الرابع فقد خصصه المؤلف للبحث في جدلية العمارة، وهي الاختصاص العلمي للمترجم له، فالعمارة علم تصميم وتخطيط وتشييد المبني والمنشآت ليغطي بها الإنسان احتياجاته المادية أو المعنوية باستخدام مواد وأساليب إنشائية مختلفة، ويتسع مجال العمارة ليشمل مجالات عديدة من نواحي المعرفة والعلوم الإنسانية ؛ مثل الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والتاريخ وعلم النفس والسياسة والفلسفة والعلوم الاجتماعية والثقافة والفن بصيغته الشاملة.

ويختم المؤلف فصول كتابه بالفصل الخامس لدراسة مجموعة من مؤلفات المترجم له الدكتور الحسيني، فيتوقف عند كتابه (مقالات في العمارة) الصادر بثلاث طبعات، و(العمارة في مدينة الحلة) الصادر في طبعتين، و(العمارة ما بعد العولمة وتداعيات الخطاب المعماري في المدينة العراقية المعاصرة) الصادر سنة 2017م، و(التطور في الفكر المعماري وأسس التصميم) الصادر سنة 2019م، و(الفنادق وأسس تصميمها) الصادر سنة 2020م، و(المعبد في وادي الرافدين)، و(بوابات بابل)، و(علي الحسيني أديباً وباحثاً) سنة 2021م، و(صور ناطقة)، و(سلسال الكلام)، ورواية (الشاعر المفقود).

ويختم المؤلف كتابه بقوله (لا يثمن جهد المعماري والباحث والروائي الدكتور نصير الحسيني إلا من قبل الباحثين والمؤرخين، فقد بذل جهدا لإنصاف تاريخ العمارة في رسم الحقيقة بمسارات الواقع والمعرفة، وأضاف قيمة أرشيفية للمكتبة العراقية والعربية)، ويذكر علاقتها الأدبية، فيقول (وقد جمعتني به أواصر الصداقة والثقافة ومتابعة الإصدارات الجديدة في العراق والدول المجاورة بعد أن أمسى من الفاعلين والمساهمين في الثقافة والمهتمين بحركة الفكر والنخب الثقافية والأكاديمية وجدلية فن العمارة).

وملحق للصور التذكارية

***

جواد عبد الكاظم محسن

صدر عن منشورات مؤسسة المكتب العربي للمعارف بالقاهرة في مصر، خلال هذه السنة، كتاب جديد للباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة؛ الأستاذ بكلية الآداب واللُّغات بجامعة عنابة، بعنوان: « مباحث في علم اللّغة التّطبيقي »، وقد ناقش فيه مجموعة من القضايا المهمة التي تتصل بقضايا اللّسانيات التطبيقية، وقد أوضح الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مقدمة الكتاب أن كتابه هذا ينتظم ضمن هذه التوجهات التي تنضوي تحت لواء اللّسانيات التطبيقية، فجميع المباحث التي يضمها بين دفتيه تسعى إلى استثمار النظريات اللّسانية، وتقارب القضايا التي تقع ضمن هذا التخصص الثري (علم اللّغة التطبيقي)، وذلك من خلال تصميم جاء وفق مباحث رئيسة، كالآتي:

- المبحث الأول: دور علم اللّغة الحاسوبي في تعليم اللُّغة العربيّة للمُختصّين فيها-مُعالجة تحليليّة لتجارُب علميّة ودراسات عربيّة مُتميّزة-.

المبحث الثاني: المُواطنة اللُّغويَّة وسُبُل توطيد قيّم الهويّة الثّقافيّة وتعزيز الأمن اللّغويّ في زمن العولمة -أضواء وملاحظات-.

المبحث الثالث: منطقة (الميلية) ونواحيها -دراسة طوبونيمية تاريخية-.

المبحث الرابع: التّقويم وفق المُقاربة بالكفاءات في ميزان البحث-مُعالجة تحليليّة لرؤى علميّة متميّزة-.

المبحث الخامس: علم اللُّغة النّصي والتطبيقي في مرايا النقد.

المبحث السادس: التّداخل اللُّغويّ وقضايا الأمن الثّقافي - نماذج من التلاحم في المجتمع الجزائري.

 كما ذكر في مستهل المقدمة أنه لا يختلف اثنان على أن علم اللّغة التّطبيقي لم ينل حظه من الدراسة، والبحث، والتنقيب في الوطن العربي ؛ على الرغم من طرافة موضوعاته العلمية، وقضاياه المعرفية، وتنوع جوانبه، وظهور بعض الكتب المترجمة إلى اللّغة العربية، والتي تتصل بهذا العلم ؛ الذي لاحظنا أنه أضحى في البلدان الغربية من الميادين العلمية المهمّة، وقد تأسست مخابر بحث مستقلة تعنى به مدارسة، وبحثاً ؛ كما تعددت المؤلفات الغربية التي صدرت في ميدانه؛ وهو حقل من حقول اللّسانيات، ويكاد يقع الإجماع على أن ظهوره كان عام:1946م، وفي ذلك الوقت بدأ تركيز الاهتمام على الجوانب التعليمية، والتربوية، وقضايا الأداء اللّغوي المتميز، وقد كان رواده في البداية يهدفون إلى الكشف عن طرائق الإفادة من المناهج اللّغوية ؛ كما انصب اهتمامهم على التعليمية، والتي تعدّ علماً قائماً بذاته تنصب اهتماماته على الإحاطة بالتعليم، ودراسته دراسة علمية، وتقديم الأبحاث العلمية عنه، وذلك من خلال البحث في محتوياته، وطرائقه، ونظرياته.

3688 كتاب التاجصدر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع في بابل الكتاب الموسوم (التاج- تجليات حلية)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات لأبناء مدينة الحلة جمعها وقدمها الأديب والشاعر شكر حاجم الصالحي، الكتاب ذات طباعة جيدة خالية من الأخطاء الطباعية والإملائية وذات غلاف جميل، يقع الكتاب بواقع (223) صفحة من القطع الوزيري.

ولكن ما جذب نظري وادهشني وأعادَ بذاكرتي إلى مطالعاتي السابقة في مرحلة الشباب؛ مقال للأديب الحلّي المغترب (آسر عباس الحيدري) تحت عنوان (الحجاج الأمير المفترى عليه)، معتمداً الأستاذ الحيدري على مصدرٍ واحدٍ في مقاله هو (جمهرة انساب العرب لإبن حزم)، وكأنَّ الحيدري في مقاله هذا يغض الطرف عن أعمال الحجاج المشينة ويذكر محاسنه فقط لتزويق صورته أمام القارئ النجيب.

كتب الأستاذ الحيدري في مطلع مقاله في ص(26) عبارة وضعها بين قوسين {(وبموت الحجاج قلّت هيبة العرب في قلوب العجم فبدؤا في التمرد والثورات) المؤرخون}. ثم يسرد الأستاذ الحيدري حوار دار بين الخليفة هارون الرشيد والشعوبي، وبعدها يذكر في مقاله هذا تحت عنوان (من هو الحجاج وما هي سيرته العطرة النيّرة؟)، فيذكر الأستاذ الحيدري نَسَب الحجاج من خلال ذكر والديه، وزواجه من (إحدى بنات بني هاشم من آل بيت المصطفى (ص)، وهي تابعية بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي عاش معها حتى مماته). ثم يذكر في ص27 صفات الحجاج من خلال إبراز شخصيته قائلاً: (كان الحجاج حازماً قوياً ذكياً خطيباً بليغاً لا يجاريه أحد في بلاغته وفصاحته). ويذكر ما قالهُ الشعبي بحقه: (سمعت الحجاج يتكلم بكلام ما سبقهُ إليه أحد، سمعتهُ يقول: أما بعد فإن الله تعالى كتب على الدنيا الفناء، وكتب على الآخرة البقاء، فلا بقاء لما كتب عليه الفناء، ولا فناء لما كتب عليه البقاء، فلا يغرّنكم شاهد الدنيا من غائب الآخرة، وأقهروا طول الأمل بقصر الأجل). ثم يعدد الأستاذ الحيدري صفاة الحجاج وما قالهُ عنهُ عبد الرحمن بن حارث بن هشام، وما قالهُ عنه عمرو بن العلاء. ثم يستشهد الأستاذ الحيدري بأعمال الحجاج في ص28، منها: (تنقيط القرآن، سكّ العملة، تعريب الدواوين، إصلاح أرض العراق، بناء مدينة واسط).

وفي ص30 من الكتاب يذكر الأستاذ الحيدري بسؤالٍ مطروح من قبلهِ للمناقشة، قائلاً: (ربما يحتج البعض بالقول أن بعضاً من أهل السُنّة قد طعن في الحجاج أيضاً فنقول أن أهل السُنّة قد وقعوا بين خيارين مريّن وهما أما الوقوف مع من نقل إليهم كل فقه أهل السُنّة وهو الإمام سعيد بن جبير رضي الله عنهُ أو الوقوف مع الحجاج قاتل سعيد بن جبير فأختاروا الوقوف مع سعيد بن جبير رضي الله عنه ضد الحجاج وذلك حفاظاً على مصداقية السُنّة من أن يثلم بعضها إذا ما وقفوا مع الحجاج ضد سعيد بن جبير، يذكر بأن سعيد بن جبير رضي الله عنه قد بايع الدولة بالسمع والطاعة مرتين ومن ثم خلع البيعة بعدها، وفي كل مرة يتم العفو عنهُ ولكن في آخر خروج لهُ على الدولة طفح الكيل فأصدرت الدولة أمراً بقتله واقسم الحجاج على ذلك وفعل)!!!!.

لنذَكِّر الأستاذ آسر الحيدري ببعض الأدلة الدامغة ولأكثر من مصدر لمن أدانَّ صاحبهُ (الحجاج) في مواقفهُ وأعمالهُ الانتقامية بحق المسلمين وأبناء العراق. ومن تلك المقالات ما ذكره ابن الجوزي في (المنتظم في تاريخ الأمم والملوك)، لموقف أبو عمر الجرمي عن يونس النحوي، قائلاً: "أنا أذكر عرس العراق. فقيل له: وما عرس العراق؟ قال موت الحجاج سنة خمس وتسعين". وسجد لله وبكى فرحاً لموت الحجاج إبراهيم النخعي، وهو أحد أركان مدرسة الرأي بالعراق. وقد ذكر ابن خِلّكان في (وفيات الأعيان) ما قاله حماد بن أبي سليمان: "بَشرتُ إبراهيم بموت الحجاج فسجد... ما كنت أرى أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكي من الفرح". والنخعي هو القائل: "كفى عمّي أن يعمى الرجلُ عن أمر الحجاج".

ولنذكِّر الأستاذ آسر الحيدري طفولة الحجاج التي خلقت منهً سفاكاً سفاحاً لدماء المسلمين، فالحجاج يا استاذ الحيدري ولد لأبٍ كان يعمل شرطياً تحت قيادة روح بن زنباع الجذامي، ومن هذا الباب دخل الحجاج في خدمة آل مروان وضرب في سبيلهم الكعبة بالمنجنيق، وحرك الحجر الأسود من مكانه بعد اعتصام عبد الله بن الزبير فيها، فقتل عبد الله ابن الزبير وصلبهُ على حائط الكعبة، حتى تعرّت العظام من اللحم، وبانت كأنها قبر معلق في الهواء، فبعثت أم عبد الله بن الزبير (أسماء بنت أبي بكر الصديق) خبراً للحجاج أن ينزل هذه العظام، وقد أسمته بمبير آل ثقيف.

عاش الحجاج طفولته يا استاذ آسر الحيدري رافضاً للرضاعة من ثدي أمه، وشرب من دم جدي ذبح لهذه الغاية، ويقال ولدَ بلا خرم في مؤخرته فثقب له خرمه، وكانت والدته مزواجة، فتزوجت الطبيب (الحارث بن كلدة) ثم (المغيرة بن شعبة) وقد طلقها لقذارتها، فالطعام يبات بين أسنانها فتتخلل صباحاً، قال لها: (والله لئن كان هذا غذاء يومك لقد شرهت، وإن كان من عشاء أمسك لقد أنتَنتِ). راجع ابن كثير، (البداية والنهاية9، ص123). ثم تزوجت يوسف الثقفي. وقد نقل إلى الخليفة عمر بن الخطاب أنها قالت شعراً في عشيقها نصر بن حجاج بن علاط:

(هل من سبيل إلى خمر فأشربها***أم من سبيل إلى نصر بن حجاج)

اتمنى على الأستاذ آسر الحيدري أن يراجع كتاب (البداية والنهاية) فقد ذكر ابن كثير الحجاج في كتابه هذا واصفاً إياه وصفاً دقيقاً لأحواله. فالحجاج كان كثير القتل في ابناء المسلمين ويشبهه ابن كثير بزياد ابن أبيه، وعندما أصبح حاكماً على العراق كان نقمة على أبناء هذا البلد، فقد هتك الحرمات، وكان مبذر للأموال والدماء، حتى لم يترك في بيت المال إلاّ ثلاثمائة درهم.

ومن أعمال الحجاج يا استاذ آسر الحيدري: استحداث سجوناً خاصة بالنساء بلا سقوف، يأكلن الطعام مدافاً بالأوساخ، وقد أحصي الديار بكري سجيناته بثلاثين ألف امرأة، كما أحصي في سجونه ثلاثة وثلاثون ألف عراقي، أما من قتلهم صبراً فقدرهم المسعودي بمائة وسبعين ألفاً، فضلاً عن إرهاب نفوس المسلمين بالعذاب من خلال صاحب شرطته ميمون مولى حوشب بن يزيد. ومن يرغب ويريد التحري عن قسوة الحجاج عليه أن يطلّع على خطبته المشهورة التي فتح بها بوابات جهنم في كتاب (البيان والتبين) للجاحظ. كما لا ننسى فزع فقيه البصرة (الحسن البصري). يذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه (آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه) ص42، قال مرة البصري مناجياً ربه وداعياً على الحجاج قائلاً: (يا سمع دعوتي، ويا عدتي في ملتي، ويا كاشف كربتي وشدتي، ويا راحمي ومولى نعمتي، اكفني شره وشر كل ذي شر، وعافني من الحجاج وحزبه وأشياعه وجنده، وأصرف عني بقدرتك ما يحاوله، وكف عني أذاه وشره، ولا تجعل لهُ عليَّ سبيلاً يا رب العالمين). كان الرعب يطارد الحسن البصري بعد موت الحجاج، خشية من سُنة قد تستمر، ومن اذلال الأمراء لأبناء العراق، وبهذا كان يقول كما ذكره النديم في الفهرست ص202: (اللهم أنت قتلته، فقطع سنتّه).

ومن اعمال الحجاج يا استاذ آسر الحيدري محاولته الانتقام من العراقيين في تجفيف الأهوار لزيادة الخراج؛ عندما شكا العراقيون في ولايته من خراب الأرض وهوّل الضرائب، فحرم عليهم ذبح البقر، لتدفع خراجاً، ومن أعمال الحجاج يا استاذ آسر الحيدري نعته لأهل العراق بقوله (يا أهل الشقاق والنفاق)، تلك العبارة الشائعة بأن قائلها الإمام علي بن أبي طالب. فبموت الحجاج غير مأسوف عليه من أهل العراق، كان يوم هلاكه يوم السعود والشماتة من قبل أحد أركان مدرسة الرأي بالعراق إبراهيم النخعي، الذي سجد لله وبكى فرحاً لموته، يذكر ذلك ابن خلكان في وفيات الأعيان (1/ص279)؛ وهو القائل (كفى عمّي أن يعمى الرجل عن أمر الحجاج). وذكر ابن الجوزي في المنتظم (7/ص4)، روى أبو عمر الجرمي عن يونس النحوي: (أنا أذكر عرس العراق، فقيل له: وما عرس العراق؟ قال: موت الحجاج سنة خمس وتسعين).

كان الحجاج يهدم دور ضحاياه على من فيها من الأحياء، ودور من تنوح على ابنها أو زوجها أو والدها. أما ما ذكره الأستاذ آسر الحيدري بحق سعيد بن جبير وبيعته للدوله، فأقول له: عندما قُبض على سعيد بن جبير واُدخل على الحجاج بن يوسف الثقفي جرت بينهما مناظرة ذكرتها المصادر: (قاموس الرجال، ج 5، ص 86)، (وفيات الأعيان، ج 2، ص 374)، (السعدي، القرآني الفقيه سعيد بن جبير، ص236-241)، ورغبة مني للتذكير، ارفقها للأستاذ آسر الحيدري بمقالي هذا:-

الحجاج: ما اسمك؟ أجابه سعيد بن جبير: سعيد بن جبير.

الحجاج: بل أنت شقي بن كسير. أجابه سعيد بن جبير: بل أنا سعيد بن جبير

الحجاج: بل أنت شقي بن كسير. أجابه سعيد بن جبير: أمي كانت أعلم باسمي منك.

الحجاج: والله لأقتلنك. أجابه سعيد بن جبير: إني إذن لسعيد كما سمتني أمي.

الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك. أجابه سعيد بن جبير: الغيب يعلمه غيرك.

الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى. أجابه سعيد بن جبير: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.

الحجاج: فما قولك في محمد. أجابه سعيد بن جبير: نبي الرحمة، وإمام الهدى، خير من بقى وخير من مضى.

الحجاج: فما قولك في علي بن أبي طالب؟ أجابه سعيد بن جبير: ابن عم رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وأول من أسلم وزوج فاطمة (سلام الله عليها) وأبو الحسن والحسين.

الحجاج: أهو في الجنة أم في النار؟ أجابه سعيد بن جبير: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.

الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟ أجابه سعيد بن جبير: لست عليهم بوكيل.

الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟ أجابه سعيد بن جبير: أرضاهم لخالقي.

الحجاج: فأيّهم أرضي للخالق؟ أجابه سعيد بن جبير: علم ذلك عند ربّي يعلم سرهم ونجواهم.

الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي. أجابه سعيد بن جبير: إني لم أحب أن أكذبك.

الحجاج: فما تقول في معاوية؟ أجابه سعيد بن جبير: شغلني نفسي عن تصريف هذه الأمة وتمييز أعمالها.

الحجاج: فما تقول فيّ؟ أجابه سعيد: بن جبير أنت أعلم بنفسك

الحجاج: بت بعلمك. أجابه سعيد بن جبير: إذن يسوئك ولا يسرك

الحجاج: بت بعلمك. أجابه سعيد بن جبير: إعفني

الحجاج: لا عفا الله عني إن عفوتك. أجابه سعيد بن جبير: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى، ترى لنفسك أمورا تريد بها الهيبة وهي تقحمك الهلكة وسترد غداً فتعلم.

الحجاج: أنا أحبّ الى الله منك. أجابه سعيد بن جبير: لا يقدم أحد على ربّه حتى يعرف منزلته منه، والله بالغيب أعلم.

الحجاج: كيف لا أقدم علي ربّي في مقامي هذا وأنا مع إمام الجماعة وانت مع إمام الفرقة والفتنة! أجابه سعيد بن جبير: ما أنا بخارج عن الجماعة، ولا أنا براض عن الفتنة...

الحجاج: والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً قبلك، ولا أقتلها أحداً بعدك. أجابه سعيد بن جبير: إذن تفسد عليّ دنياي وأفسد عليك آخرتك

الحجاج: فما بالك لم تضحك؟ أجابه سعيد بن جبير: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار؟!

الحجاج: فما بالنا نضحك؟ أجابه سعيد بن جبير: لم تستوِ القلوب.

الحجاج: كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟ أجابه سعيد بن جبير: لم أرَ.

ثم أمر الحجاج بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ فوضعت بين يدي سعيد.

سعيد بن جبير: إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح والا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدنيا الا ما طاب وزكا.

الحجاج: ويلك يا سعيد. أجابه سعيد بن جبير: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.

الحجاج: فاختر أيَّ قتله أقتلك. أجابه سعيد بن جبير: اختر لنفسك ـ يا حجَّاج ـ فوالله، ما تقتلني قتله إلاَّ قتلك الله مثلها في الآخرة.

الحجاج: أفتُريد أنْ أعفو عنك؟ أجابه سعيد بن جبير: إنْ كان العفو فمِن الله. وأمَّا أنت فلا براءة لك ولا عذر.

الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. فلمَّا خرج من الباب ضحك سعيد بن جبير. فأُخبر الحجَّاج بذلك فأمر بردِّه وقال: ما أضحكك؟! س أجابه عيد بن جبير: عجبت مِن جُرأتك على الله وحِلم الله عنك.

فأمر الحجَّاج بالنطع فبًسط، فقال: أقتلوه. قال سعيد بن جبير: "وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مُسلماً وما أنا مِن المُشركين". قال الحجاج: شدُّوا به لغير القبلة! قال سعيد بن جبير: ﴿فأينما تولُّوا فثمَّ وجه الله﴾.

قال الحجاج: كبُّوه على وجهه. قال سعيد بن جبير: ﴿منها خلقناكم وفيها نُعيدكم ومنها نُخرجكم تارة أُخرى﴾.

قال الحجَّاج: اذبحوه. قال سعيد بن جبير: أمَّا أنَّي أَشهد وأحاجُّ أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله. خُذْها منِّي حتَّى تلقاني يوم القيامة. ثمَّ دعا سعيد الله فقال: اللَّهمَّ لا تُسلِّطه على أحد يقتله بعدي، فذبح على النطع رحمه الله. ولم يعش الحجَّاج بعده طويلا، وظلَّ يُنادي فيها: "مالي ولسعيد بن جبير كلَّما أردت النوم أخذ برجلي".

فماذا تقول استاذ آسر الحيدري بمن قال بحق الحجاج ابياتاً من الشعر وهو الشاعر عمران بن حطان:

أَسدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَةٌ****رَبداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ َ

هلّا بَرَزتَ إِلى غَزالَةَ في الوَغى****بَل كانَ قَلبُكَ في جَناحَي طائِر

ِصدعت غَزالَةُ قَلبهُ بِفَوارِسٍ****تَرَكتَ مَنـابِـرَهُ كَأَمسِ الدابِرِ

أَلقِ السِلاحَ وَخُـذ وِشاحي مُعصِرٍوَاِ****عمَد لِمَنزِلَةِ الجَبانِ الكافِرِ

اتمنى على الأستاذ آسر الحيدري أن يراجع المصادر التالية: (أمالي المرتضى1/ ص112) و(ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة1/ ص212)، وديوان الفرزدق2/ ص6)، و(البيان والتبين للجاحظ1/ ص398)، و(تاريخ ابن خياط ص172)، و(البداية والنهاية لأبن كثير9/ ص364)، و(الكامل في التاريخ لابن الأثير، أحداث سنة 95)، و(الفهرست للنديم ص202) و(صورة الأرض لأبن حوقل ص211) و(البصائر والذخائر للتوحيدي4/ ص46)، و(يتيمة الدهر للثعالبي4/ ص233)، و(تاريخ الأمم والملوك للطبري3/ ص630)، و( وفيات الأعيان لأبن خلكان1/ ص279) و(المنتظم لأبن الجوزي7/ ص4)، و(معجم الأدباء للحموي7/ ص261)، و(العيون والحدائق في اخبار الحقائق لأحمد بن محمد ابن مسكويه3/ ص11).

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

"دراسات نقديّة في إبداعات معاصرة"

عن دار أمواج للطباعة والنّشر والتّوزيع صدر للأديبة د. سناء الشعلان (بنت نعيمة) كتاب نقديّ جديد بعنوان "ترنّم الصّوت وثورة الصّدى:"دراسات نقديّة في إبداعات معاصرة"، وهو يقع في 234 صفحة من القطع الكبير، وقد تكوّن الكتاب من ستة فصول حملت على التوالي العناوين التالية: الفجيعة عند علي السّباعيّ في مجموعته القصصيّة "إيقاعات الزّمن الرّاقص، الرّؤية والتّشكيل عبر الومضة الشّعريّة في قصيدة "سبعون نافذة متجوّلة" للشّاعر الكرديّ شيركو بيكس، تجربة الحبّ عند بابلو نيرودا ونزار قبّانيّ: دراسة مقارنة بين ديواني "عشرون قصيدة حبّ وأغنية يائسة" و"مئة رسالة حبّ"، الإنتاج النّصيّ والفنّيّ للمرأة: دراسة مقارنة بين المبدعة في أمريكا اللاّتينيّة والمرأة العربيّة: الذّات والآخر والصّراع: مقارنة بين سيرة فدوى طوقان "رحلة جبليّة رحلة صعبة" وسيرة إيزابيل اللّينديّ "باولا" أنموذجاً، مقاربة مقارنة في تشكيل الحبّ في الرّسائل الغراميّة عند غسّان كنفانيّ و"سيمون بوليفار"، تأثير رواية "دون كيخوته" في الرّواية العربيّة المعاصرة رواية "المتشائل" لإميل حبيبي أنموذجاً.

عن هذا الكتاب قالت الشّعلان: "هذا الكتاب هو سِفْر لدراسات متنوّعة في سياحة انتقائيّة تطوافيّة في الأدب الحديث العربيّ والعالميّ في عوالم الرّواية والقصّة القصيرة والشّعر والسّيرة الذّاتيّة وأدب الرّسائل، وهو ينتقي مناهجه ورؤاه الخاصّة في التّناول عبر الانطلاق من ثورة الإنسان المبدع على المعطيات المحيطة به أكانت تلك المعطيات واقعاً أم تحدّيات أم أزمات أم علاقات قلقة مع الآخر الحبيب أو العدوّ، لترسم بذلك ملامح هذه الثّورة التي صنعت الأثر الإبداعيّ المدروس في النّصوص هدف دراسات هذا الكتاب مشكّلة ترنيمة/ صوت الأديب في منجزه الإبداعيّ في إزاء الثّورة الدّاخليّة المشكّلة التي دفعته إلى صنعه.

  فلحمة هذه الدّراسات هي التّتبّع النّقديّ لهذا الصّوت الإبداعيّ في حاضنته التّشكيليّة عبر أدواته المختلفة دون أن تكون هناك أيّ وحدة موضوعيّة بين هذه الدّراسات المستقلّة الواحدة عن الأخرى في خطوطها الدّاخليّة؛ إذ هي نصوص إبداعيّة انتقائيّة راقتْ لي، وتصدّيتُ لكلّ منها بالدّراسة بشكل مستقلّ في رحلة نقديّة وراء ثورة الصّدى للمبدع التي شكّلت هذه التّرنيمات الإبداعيّة الرّائقة".

  يُذكر أنّ للشّعلان عدد من الكتب النّقديّة المتخصّصة، فضلاً عن شراكتها في العشرات من الكتب النّقديّة المتخصّصة، ومئات الدّراسات والأبحاث والمقالات النّقديّة والأدبيّة والفكريّة المختلفة المنشورة في أكثر من لغة في مجلات عربيّة وعالميّة محكّمة ذات تصنيفات عالميّة عليا.

***

عمان/ الأردن

صدر حديثاً ديوان الشهيد الشاعر مهدي النجم من جمع وإعداد وتقديم جواد عبد الكاظم محسن، وقد تضمن مقدمة تعريفية بصاحبه وما اتصف به (من الخصال الكريمة والسجايا الحميدة والسيرة الشخصية الناصعة في الاستقامة والخلق النبيل والعطاء الثقافي الثر).

وكان شاعرنا النجم رحمه الله قد بدأ مسيرته الثقافية بقراءة التراث الشعري العربي قراءة معمقة، وقد أثر ذلك في كتابته للشعر لاحقاً، ودعاه إلى العمل في تحقيق وجمع عدد من دواوين الشعر العربي القديم، وقد أعجب بالمتنبي والشريف الرضي من القدماء، والجواهري ومصطفى جمال الدين من الشعراء المحدثين، وحاول محاكاتهم فيما نظم من شعر جميل، وقد فاض به مبكراً، وبرع في نظمه، ومن قرأ شعره أو استمع له شعرَ بالارتياح، ومبعث هذا الارتياح صدق التعامل مع الكلمة، حيث الجودة والسبك، فهو شعرُ شاعر، وليس نظماً بارداً كما قال عدد من النقاد المطلعين على شعره.

وقد أدرجه الدكتور كامل سلمان الجبوري في معجميه المعروفين عن الأدباء، وعن الشعراء، وقال عنه (كتب الشعر العمودي ومارس الرسم، وعنى بدراسة التأريخ الإسلامي، وحقق ونشر بضعة دواوين شعرية لشعراء إسلاميين وعباسيين)، كما وضعه الدكتور صباح نوري المرزوك ضمن تكملته للبابليات وأضاف أنه (نشر نتاجه وشعره في مجلة (البلاغ) و(المورد) البغداديتين، و(الذخائر) البيروتية، وجريدة (الجنائن) الحلية، وذكره صاحب (شعراء بابل في نصف قرن) الدكتور سعد الحداد، وقال إنه (باحث، محقق، شاعر، كان دمث الأخلاق، نقي السيرة محبّاً للخير).

وتقول سيرة الشهيد الأديب الشاعر والباحث المحقق مهدي عبد الحسين النجم إنه ولد في المسيب سنة 1949م، وأكمل دراسته الأولية فيها، وتخرج في الجامعة المستنصرية كلية الآداب قسم اللغة العربية سنة 1973م، وبدأ البحث والتأليف والتحقيق في وقت مبكر من حياته، ونشر كتاباته وشعره في الدوريات كالبلاغ والمورد والذخائر والإخاء، وأحب الرسم ومارسه وله أكثر من لوحة فيه، وأبدع في الرسوم التخطيطية، وختمت بالشهادة إذ اغتيل بعملية إرهابية غادرة وجبانة في يوم 21 نيسان 2007م في قرية المهناوية في ضواحي سدة الهندية.

وقد طبع من آثاره:

مالك بن الحارث الاشتر سيرته وأدبه (بيروت 1998م)، ديوان الفضل بن عباس اللهبي (بيروت 1999م)، ديوان محمد بن صالح العلوي  (بيروت 1999م)، جامع الأنوار في مناقب الأخيار (تحقيق، بيروت 2002م)، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة (تحقيق، بيروت2002م)، البحث عن أعراب نجد (تحقيق، بيروت 2003م)، ثورات العلويين وأثرها في نشوء المذاهب الإسلامية (بيروت 2003م، ديوان الشعراء النجديين من العوام العصريين (تحقيق بيروت 2003م)، لمحات من حياة الإمام موسى بن جعفر(بيروت 2003م)، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (تحقيق بالاشتراك، بيروت 2008م)، تاريخ ابن أبي الحديد المعتزلي (خمسة أجواء، تحقيق الحلة 2020م)، تأريخ الغرابي ( ثلاثة أجزاء، تحقيق، بغداد 2020م).

وله آثار مخطوطة، منها: روايات سيف بن عمر في مجلدين، ومعجم الشعراء في معجم البلدان في ثلاثة أجزاء ، وأم الشهداء فاطمة بنت محمد (شارك به في مسابقة التأليف في النجف الأشرف سنة 1967م وتم قبوله)، ومآخذ الشعراء من نهج البلاغة (نشر حلقات منه في مجلة " الإخاء " الإيرانية منتصف الستينيات وهو طالب في الصف الثالث المتوسط).

تضمن ديوانه الصادر حديثاً بجهود عدد من محبيه (46) قصيدة ومقطوعة شعرية بدأت تاريخياً سنة 1969م بعدة قصائد كتبت ونشرت يومذاك، ثم تتابع نظمه ونشره  الشعري في مجلة (البلاغ) الكاظمية، ومجلة (ألف باء) وبعض الصحف المحلية مثل (الجنائن الحلية)، و(عروس الفرات) المسيَّبية وغيرهما.

***

جواد عبد الكاظم محسن 

حظيت رباعيات عالم الفلك والرياضيات والفيلسوف والشاعر عمر الخيام المولود في مدينة نيسابور بخراسان سنة 1048م، والمتوفى فيها سنة 1131م باهتمام عالمي كبير ، واكتسبت شهرة واسعة بعد ترجمتها إلى لغات عديدة ، مثل الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية والتركية والعربية ، وكان أول وأهم مترجميها إلى اللغة الإنكليزية  الشاعر فيتز جيرالد (1809- 1889م)، وكانت السبب في ذيوع صيته كشاعر عالمي.

ولهذه الرباعيات ترجمات كثيرة إلى اللغة العربية، ولعل من أكثرها شهرة ترجمة الشاعر أحمد الصافي النجفي (1897- 1977م) وقيل هي الأدق والأقرب في معانيها م الأصل، وهناك ترجمة الشاعر المصري أحمد رامي (1892- 1981م)، وقد اكتسبت شهرة في العالم العربي وخارجه بعد أن صدحت بها كوكب الشرق أم كلثوم في الإذاعات، وتبقى هناك ترجمات عربية أخرى مهمة كترجمة وديع البستاني، ومحمد السباعي، وأحمد زكي أبو شادي، ومصطفى وهبي التل (عرار)، ويوسف بكار، وعامر بحيري، وغيرهم.

3461 رباعيات الخيامأما على صعيد العراق، ففضلاً عن الصافي النجفي، فقد ترجمها الشاعر الشهير جميل صدقي الزهاوي (1863- 1936م) نظماً ونثراً، والشاعر صالح الجعفري (1908- 1979م)، وأحمد حامد الصراف (1900- 1985م) نثراً ، وعبد الحق فاضل ( 1911- 1992م)، ومهدي جاسم الشماسي (1920- 1979م)، وجلال زنكبادي المعاصر وغيرهم، بل إن الشاعر الكربلائي الدكتور عباس الترجمان قد ترجمها شعراً إلى اللهجة الدارجة العراقية، كما صدرت عنها الكثير من البحوث والدراسات في بلدان عديدة.

وتطل علينا اليوم هذه الرباعيات بترجمة فريدة ومميزة للشاعر العراقي الكربلائي علي محمد الحائري (1933- 1999م)، وهي صادرة بطبعة أنيقة عن (دار النثر) في العاصمة العمانية مسقط، وقد مهد لها الدكتور مهدي أحمد جعفر بكلمة ذكر فيها أن صاحبها الشاعر كان قد أنجز هذه الترجمة في نيسان من العام 1997م، وبقيت مخطوطة ومودعة لدى (صديقه الأعز ورفيق عمره الأستاذ سلمان هادي آل طعمة الذي كان قد قدم وجمع وطبع ديوان الراحل الأخير "الركب الضائع" في العام 2013م).

والمترجم الحائري ولد في كربلاء، و( ونشأ وترعرع في كنف أسرة دينية كان لها الأثر الأكبر في تشكيل معالم شخصيته واهتماماته، وصقل موهبته الشعرية)، وقد ابتدأ تعليمه في كتاتيب المدينة المقدسة قبل انتقاله إلى التعليم الحكومي، وكان من الطلبة المجتهدين غير أن وفاة والده وتحمله للمسؤولية جعله يلتحق بدورة تربوية تعليمية سنة 1954م، ويدخل بعدها سلك التعليم معلماً للغة العربية في الناصرية، وبعد عودته إلى مدينته كربلاء واستقرار حاله واصل الدارسة في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية وتخرج فيها سنة 1973م، واستمر في عمله في التعليم يشغف حتى تقاعده، وتفرغه لحياته الثقافية.

كان الحائري من شعراء كربلاء الكبار في عصره ، إذ أحب الشعر كما أحبه الشعر منذ نعومة أظفاره، وقد (شرع ينظم الشعر منذ مراهقته المبكرة، وكان وفياً وملتزماً لعمود الشعر وبحور الخليل بن أحمد الفراهيدي)، وظهر الكثير من قصائده منشوراً  في الصحف والمجلات العراقية والعربية، ومنها مجلة (الأديب) اللبنانية الشهيرة، واتصف شعره بالجزالة والأصالة، وقد جمع بعضه في حياته، وأصدره في ديوان سنة 1986م في بغداد، وحمل عنوان (أغنيات في سهر شهرزاد)، وله ديوان آخر مخطوط بعنوان (قناديل في أروقة الليل).

يجيد المترجم والشاعر الحائري فضلاً عن لغته العربية التي حلق بها عالياً اللغتين الفارسية والإنكليزية إجادة تامة، وقد اعتمد في ترجمته لرباعيات الخيام على الأصل الفارسي لها مع النظر في الترجمات المتوفرة له ومقارنتها؛ ومنها ترجمة الشاعر الانكليزي فيتز جيرالد.

ومن قرأ مقدمة المترجم يلاحظ بوضوح معرفته التامة بشخصية عمر الخيام والعميقة بأفكاره، فقد وصفه (موسوعي الثقافة، ذا أبعاد ذهنية متعددة، فهو الفقيه الأصولي الملم بأصول الشريعة وأحكامها، وهو الفلكي الذي يطيل التأمل في حركات النجوم، ويضع لها تقويمه الشرقي، وهو الرياضي الذي يضع حلاً للمعادلات الجبرية)، وهو المتكلم والجدلي والشاعر المشبوب العاطفة والمجنح بخياله، (والميال إلى المشاعر الحسية، وتجسيد صور الجمال في كل ما تنزع إليه رغبات الإنسان الفطرية).

وينبه المترجم الحائري في نهاية مقدمته إلى قضية مهمة، وهي أن (عدد الرباعيات التي نظمها الخيام غير متفق عليها؛ فهناك من يقول إنها ثمان وخمسون رباعية، وفي نسخة فيتز جيرالد مئة وثمان وخمسون رباعية، وفي نسخ أخرى ثلاثمئة وخمسون رباعية، والشيء المتفق عليه هو أن هذه الرباعيات قد أضيف لها الشيء الكثير، ونسب إلى الخيام ما لم يقله، وكان التمحيص فيها عن النصوص الأصلية عملاً شاقاً).

***

جواد عبد الكاظم محسن 

3414 عبد المحسنصدر مؤخراً كتاب (الفوتوغراف في الحلة؛ نشأته ورواده) لمؤلفه المصور عماد محسن الزبيدي الذي قال فيه إن الحلة لم تعرف التصوير الفوتوغرافي إلا في عشرينيات القرن الماضي إذ دخل إليها عن طريق القوات البريطانية التي احتلت العراق في الحرب العالمية الأولى، وقد (اقتصر التصوير في ذلك الوقت على العائلات من الطبقات الراقية والميسورة).
واستطاع عدد من المصورين الذين لم يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة من تأسيس تاريخ لمدينتهم في هذا الجانب، وكانت كلّ عدتهم (الكاميرا الشمسية) وملحقاتها البسيطة، وكانت الصور تسمى يومذاك (العكس)، واسماها البعض (الرسم)، وللمطرب الريفي المعروف حضيري أبو عزيز أغنية شهيرة صدح بها ( لجل المودة البيني وبينك رسمك أريده).
ويعدّ المصور الشمسي محمد علي حسن شنطوط (جد المؤلف)، وهو من مواليد 1895م من أقدم المصورين في الحلة، وقد اختار محله مواجهاً لأشعة الشمس في محلة جبران لكي يتمكن من التقاط الصور على ضوء الشمس، وكان قد تعلم التصوير لدى البريطانيين.
وقد أعقبه عدد من المصورين الرواد الذين استطاعوا أن يؤسسوا تاريخاً لهذا الفن الجميل في مدينتهم، ومن هؤلاء : اسماعيل خواف، وكمال عبد الأمير، وكريم الكرعاوي، وجابر عبيد وغيرهم.
واستعرض المؤلف في كتابه تطور الكاميرات وأنواعها والأفلام المستخدمة، ومختبرات الطباعة والتحميض التي دخلت الحلة للمرة الأولى في الثمانينيات، وكان مختبر كمال هو الأول في المدينة، وأدرج سير عدد كبير من المصورين الحليين، وأضاف ملحقاً بالصور القديمة وبعضها من الصور النادرة لمدينة الحلة وشخصياتها.
ومن الجدير بالذكر أن المؤلف من المصورين المحترفين، وعضو الجمعية العراقية للتصوير في بابل، وقد أقام خلال العقدين الأخيرين أربعة عشر معرضاً شخصياً لصوره، بالإضافة إلى اشتراكه في أغلب معارض بغداد الدولية للصور الفوتوغرافية، وحصل على العديد من الجوائز وكتب الشكر والتقدير، واحتفل مؤخراً بامتلاكه لأكثر من مليون صورة فوتوغرافية ورقية بمختلف المحاور ومختلف الأحجام.

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

 

 

عن منشورات "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، صدرت للقاص المغربي سعيد رضواني، مجموعة قصصية بعنوان: "قلعة المتاهات"، تقع في 91 صفحة من الحجم المتوسط، تضم 11 قصة قصيرة، هي على التوالي: "استدراج"، "قلعة الحروف والكلمات"، "قطار لومباردي"، "جولة"، "ظل الزمن"، "حرمان"، "فوارق"، "عجلة الزمن"، "لحظات ومشاهد"، "التحدي"، "أغنية الحياة"، وتتصدر غلاف هذه الأضمومة السردية صورة من تصميم الفنان خالد أيت زيان.

على الغلاف الأخير،  نقرأ من قصة : "قطار لومباردي" : "من أعلى الجبل إلى أسفل الحكاية أركض بقدم وقلم، أركض بين الأعشاب والممرات، بين الجمل والفقرات. أركض باتجاه الأسفل، باتجاه محطتين؛ محطة السفر في القطار، ومحطة السفر في الإبداع".

تعد "قلعة المتاهات" الإصدار الثاني للكاتب المغربي سعيد رضواني، وهو قاص من مواليد الدار البيضاء، صدر له  - من قبل-  مجموعة قصصية بعنوان : "مرايا" في ثلاث طبعات (ط.1/2010، ط.2/2019، ط.3/2020)، كما صدرت  هذه  الــ "مرايا" سنة 2020 بلغة موليير، موسومة بــ :  “Miroirs”  بترجمة: جمال خيري، وقد كتبت  عن قصصها القصيرة  عدة دراسات نقدية، نشرت في كتاب جماعي بعنوان: "مرايا وظلال.. قراءات نقدية في مجموعة "مرايا" للقاص سعيد رضواني" سنة 2020.

***

هشام بن الشاوي

3404 طيور المساءصدرت حديثًا عن دار الهدى في كفر قرع رواية "طيور المساء" للكاتبة الفلسطينية اسمهان علي خلايلة، ابنة مجد الكروم الجليلة في منطقة الشاغور. 

جاءت الرواية في 158 صفحة، وصمم لوحة الغلاف الفنان مبدأ ياسين، ويتمحور موضوعها حول أحداث مجزرة كفر قاسم في المثلث الفلسطيني، التي اقترفتها العصابات الصهيونية في التاسع والعشرين من تشرين الأوّل العام 1956، وتصور اسمهان هذه الأحداث بكل صدق وبراعة بأسلوبها السردي التشويقي.

 اسمهان خلايلة كاتبة عريقة تمتلك ناصية اللغة، ولجت عالم الأدب والكتابة وهي على مقاعد الدراسة الثانوية، تكتب المقالة الأدبية والخواطر والقصة القصيرة والطويلة والرواية بلغة راقية، شديدة الكثافة، وتعايش هموم الإنسان الفلسطيني وقضايا مجتمعنا العربي وتتناولها بمنتهى العمق والشفافية والصراحة، وصدر لها حتى الآن عددًا من الكتب والاعمال الروائية والقصصية، وهي: الحصاد الأخير، مروة والعيد، آخر النفق، لا حامض ولا حلو، أكاليل الغار، وحدها الصرخة تمزق الظلام، بالإضافة إلى مجموعة قصص للأطفال.

وإننا إذ نرحب برواية الأخت والصديقة اسمهان خلايلة "طيور المساء" نبارك لها ونرجو لها المزيد من العطاء والنجاح والتألق، وبانتظار المزيد من الإصدارات، وستكون لي قريبًا وقفة وقراءة في هذه الرواية بإذن اللـه.

 

كتب: شاكر فريد حسن 

الصفحة 3 من 4

في المثقف اليوم