كتب واصدارات

كتب واصدارات

صدرت قبل أيام الطبعة الأولى من كتابي" نقد الخطابين السلفي الانتحاري والطائفي الانعزالي" عن "دار فضاءات" في العاصمة الأردنية عمّان وهو متوفر في معرض عمان الدولي للكتاب الجاري هذه الأيام. وسيصل خلال أسبوع تقريبا إلى مكتبات بغداد ومنها مكتبة "النهضة العربية" في مدخل شارع السعدون، وكتبة كريم حنش في شارع المتنبي، ومكتبة "طريق الشعب" في ساحة الأندلس. أنشر أدناه مسرد الكتاب ومقدمته لأخذ فكرة عنه.

المحتوَيات

(لَزوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ من سفكِ دمِ مسلمٍ بغيرِ حقٍّ. حديثٌ نبوي)[1]

الدراسة الأول: نقد الخطاب السلفيّ الانتحاريّ وتفكيك مصادرات الاستشراق

الفصل الأول

مقدمات وتعاريف نظرية

قراءة في المصطلحات الرائجة

مقدمات نظرية تاريخية

تحفظات الاصطلاحية

تعريف السلفية

السلفية الجهادية

السلفية الانتحارية

السلفية السياسية البرلمانية

تعريف الأصولية

العنف السلفي التكفيري والآخر الطائفي

الفصل الثاني

الاستشراق المعاصر والإسلام

التفريق بين استشراق وآخر

مقاربات استشراقية للجهاد

الاستشراق المعاصر والإسلام

فرضيات وليم بولك

شهادة منصفة لآرمسترونغ

"الحرية" كصرخة حرب غربية

الفصل الثالث

"الإسلاموفوبيا" ثمرة السياسات الإمبريالية

ركائز أيديولوجيا الإسلاموفوبيا

عنصرية بيولوجية وأخرى ثقافية

أكذوبة تحيز الإسلام الجنسي ضد المرأة

عنصرية بيولوجية وأخرى ثقافية

أكذوبة الإسلام دين العنف البنيوي

جذور مقولة الاستبداد الشرقي

خلط الإسلام بالاستبداد الشرقي

إدوارد سعيد: لماذا الإسلام دون غيره؟

أصوليات العصر الحديث

الفصل الرابع

نقد مقولة الانتصار الغربي النهائي على العالم

مقدمات المقولة

الفرق بين الثقافيتين الغربية والحديثة

هشاشة مقولة "الانتصار الغربي النهائي"

السلفية الأميركية والقدر المتجلي

الفرق بين العلموية والعلمانية

نقد العلموية من اليسار

الوضعية القديمة بثوب جديد

تحويل العلم إلى دين جديد

أسئلة لا تبحث عن إجابات

زيف مقولات العقلانية والعلمية

الفصل الخامس

السلفية الانتحارية جذورها وتجلياتها

الجذور التاريخية للمقاتل الانتحاري

أول انتحاري في التاريخ المعروف

العربات المفخخة اختراع أميركي

حكم الانتحار في الإسلام

عمليات انتحارية في المشرق العربي

الفصل السادس

السلفية الانتحارية والاحتلال الأميركي للعراق

الزرقاوي وبدايات السلفية الانتحارية:

البرقاوي والتأسيس النظري

خلافات الشيخ ومريده

الخلاف يتفاقم والمضمون يترسخ

جردة بالفروق والخلافات

الفصل السابع

تفكيك المصادرات السلفية الانتحارية

عقيدة داعش القتالية

فقهاء داعش والانتحار

الجديد الميداني الانتحاري

هل كان البراء بن مالك انتحارياً؟

حقيقة الصحابي البراء بن مالك

أبو بكر الصديق يمنع تولية البراء القيادة

التتريس والانغماس في الصف

انقسام فقهاء وشيوخ السلفية

الفصل الثامن

تكفير الجميع إلا المبايع

استهداف المسلمين السنة

السلفيّة الانتحارية بنسختها الزرقاوية

تعريف الحشوية وتاريخها

التبرؤ من الحشوية

الزرقاوي يخالف ابن تيمية

الفصل التاسع

مصادرات السلفية الانتحارية

القتال النكائي الثأري والعصمتين

البرقاوي يحذر الزرقاوي

التطرف الليبرالي الاستشراقي المقابل

التكفير وحكم المرتد قديما وحديثا

الفصل العاشر

التكفير عند السلفية الشيعية

الفقه الشيعي والتكفير

تكفير بنكهة سياسية طبقية

سجال شيعي حول تكفير المخالف والمختلف

نقطة لقاء إيجابية

تجريم التكفير وإهدار الدم دستوريا

الدراسة الثاني: نقد الخطاب الطائفي دفاعاً عن صلاحِ الدينِ

الفصل الأول

صعود الخطاب الطائفي الانعزالي

الطائفة المجتمعية والطائفية السياسية

صراع اجتماعي أم طائفي؟

نشأة التشيع العراقي

نشأة التسنن العراقي

بدايات التأليف الطائفي

الشيعة من عهد البويهي إلى العثماني

رموز الاستفزاز السنية والشيعة

الفصل الثاني

عصر صلاح الدين الأيوبي

اتهامات بالجملة لصلاح الدين

وزارات وإمارات التغلب

البويهيون في بغداد

الأيوبي يتصدى للفرنجة بمصر

الفصل الثالث

اتهامات باطلة أخرى لصلاح الدين

هل أحرق صلاح الدين المكتبة الفاطمية؟

تهمة العزل الجنسي للأسرة الفاطمية

المجازر وحرب الإبادة

ملحقان

الملحق الأول: فقرات من مقالة تعقيبية للمؤرخ اللبناني الشيخ جعفر المهاجر

الملحق الثاني: فقرات من رد علاء اللامي على مقالة الشيخ جعفر المهاجر.

المقدمة

يعتمد هذا الكتاب في مقاربته لظاهرتي السلفية الانتحارية والطائفية الانعزالية، منهجية يمكن وصفها بأنها نقدية تحليلية منهجا، وتاريخية اجتماعية موضوعا، في تعاملها مع المادة التراثية موضوعها واستطالاتها المعاصرة. وهي مقاربة لا تخفي نوعاً من الانتقائية المنحازة التي تدعو إلى استلهام ما هو مضيء وإيجابي وكفاحي في التراث العربي الإسلامي والشرقي بعامة، وناقدة ومفكِّكة لكل ما هو معتم وسلبي ورجعي معيارياً وحضاريا فيه، وأيضا، وفي الوقت عينه للنزعة الاستشراقية العنصرية في تناوله أحيانا. ولكنها في تناولها للحَيْثِ التاريخي تحاول أن توازن بين هذه الانتقائية النقدية التحليلية والموضوعية الدقيقة، فلا تغلب رؤية أيديولوجية معينة على قراءة الوقائع والشخصيات التاريخية، بل ستعمد إلى الأخذ بالصرامة المنهجية المطلوبة في البحث التحليلي المقارِن التاريخي.

يضم هذا الكتاب بين دفتيه دراستين مستقلتين موضوعياً إلى درجة يمكن اعتبارهما كتابين منفصلين؛ ولكن الجامع بينهما، والمهيمن عليهما مضمونياً، يبقى هو الهمُّ المعرفي التاريخي والتراثي، الباحث عن الحقيقة بوقائعها وأفقها السياسي المَعِيش، ضمن أجواء السجال "السيافكري" المستمر والمتساوق مع صراع اجتماعي بلغ درجة الاقتتال الدموي والقتل والتهجير على الهوية الدينية الطائفية منذ عقود في المشهد الثقافي العربي والعراقي بخاصة، والبالغ ذروته العُنفيَّة الدموية مع صعود وانتشار الجماعات السلفية الانتحارية والأخرى الطائفية السياسية والاجتماعية المتواشجة بنيويا ووظيفيا مع مشاريع دول العدوان والاحتلال الغربي، التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية منذ 2003؛ سنة احتلال العراق، وما قبلها.

لقد ترافقت تلك المشاريع الغربية المعادية، وبشكل قصدي ومخطط له غالباً من قبل مؤسسات العدوان، مع تفاقم انقسام المجتمعات العربية والإسلامية التعددية دينياً وطائفياً ومذهبياً، انقساماً سياسياً ونفسياً عنيفا، بلغ درجة الاستقطاب والتناحر والاشتباك المسلح في حروب أهلية واقتتال داخلي مرير، وخصوصاً في ليبيا واليمن حيث استمر التآكل والتدمير الذاتي للدولة والمجتمع عبر الحروب بالوكالة لزمن طويل، وفي العراق وسوريا اللذين لم يَشفع لهما واقعُ أنهما بلدان ومجتمعان عريقان في التعددية الدينية والطائفية والإثنية، التي وسمت المجتمعات الشرقية والإسلامية عموماً في عصر الحضارة العربية الإسلامية البالغة ذروتها في بغداد العباسية، وميزتها بقوة عن المجتمعات الواحدية واللافظة للمختلف والمخالف في أوروبا.

ففي أوروبا انتهى التنوع الموروث والتعددية الدينية والإثنية غالبا بعد سلسلة الحروب الدينية إثر الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر وخاصة في حرب الثلاثين عاما وتوجت بمجازر طائفية دامية بلغت ذروتها في مجزرة "سانت بارتيليمي"، في فرنسا، وقد استمرت موجة الحروب الدينية التي عاشتها القارة العجوز حتى بدايات القرن الثامن عشر. ولم يبقَ فيها، وخصوصا في غربها إلا "جزر" تعددية مجتمعيا كالدولة الاتحادية السويسرية. لقد حافظت هذه الأخيرة على نوع رجراج من الثنائية الطائفية الدينية والتعددية اللغوية والقومية المستقرة والراسخة، ويمكن تعليل ذلك الرسوخ والاستقرار بكون سويسرا بلداً داخلياً لا يطل على بحر أو محيط، وقد انفرد بأنه ليس له ماضٍ استعماري وينفرد بنظام حكم نادر المثيل، يتمثل في ما يسمونه نظام "الديموقراطية المباشرة" القائمة على التناوب في الشأن التنفيذي، وحكم الشعب عبر الاستفتاءات الدورية حول جميع الشؤون الحياتية التي تهم المجتمع والدولة، مهما صغُرت، ومحدودية صلاحيات مؤسسات الحاكمة ورؤسائها. غير أن النهوض الأوروبي الغربي الذي تلا تلك المرحلة، جعل تلك الحروب والانتهاكات الدينية والطائفية التي دامت لعدة قرون شيئاً من الماضي ومخزناً للذكريات السوداء، وحلَّت محلها تداعيات وإفرازات عصر الغزو الخارجي واستعمار القارات الأخرى واضطهاد شعوبها بل وحتى إبادة بعضها حتى إزالتها من الوجود كما حدث في الشعوب الأصلية في القارتين الأميركيتين وأستراليا، وقد ترافق ذلك مع نشر وتعميق التجارب الانتخابية ودولة المؤسسات وترسيخ المبادئ العامة لحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة في بلدان الداخل الأوروبي الغربي والأميركي بدايةً.

معنى ذلك، ضمن معانٍ أخرى، أن مقاربة هذه العناوين بالتحليل والحفر المنهجي والتفكيك النقدي، ليست من الترف الفكري المحايد برطانته الأكاديمية المعقدة وتردده في المسِّ بجذور المشكلات المتفاقمة، بل هي تستمد راهنيتها و"كفاحيتها" من راهنية وعمق المأساة التي تعيشها شعوبنا اليوم، في ظل دول فاشلة، ناقصة السيادة والاستقلال، ومُهَيْمَن عليها من قبل دول إمبريالية أو إقليمية استبدادية، ومهددة على الدوام بالعدوان المسلح من قبل الكيان الصهيوني "حاملة الطائرات الثابتة وغير القابلة للغرق"؛ على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي الأسبق ألكساندر هيغ.

تتطلب هذه المقاربة النظرية التحليلية النقدية التاريخية، في الدراسة الأولى التي تحمل عنوان "نقد الخطاب السلفيِّ الانتحاريّ وتفكيك مصادرات الاستشراق"، والتي لا تخلو من التعقيد والتشابك أحيانا، حلَّ وتفكيك العديد من المشكلات والإشكالات المنهجية النظرية والاصطلاحية السلفية والأصولية، واستطلاع وتبيين الفروق بينهما ضمن سياقهما التاريخي والموضوعي العام. وسنناقش فيها المقدمات التعريفية والسياقية - النسقية للسلفية والأصولية، والفرق بينهما في اللغة العربية واللغات الأجنبية وفي الاستعمال الاصطلاحي السائد؛ محاولينَ تفحص التفرعات الداخلية للسلفية الإسلامية ودوافعها وجذورها الحقيقية والمزيفة، حسب محتوها وماهيتها المضمونية الاجتماعية والفكرية وتجلياتها الممارساتية شبه الفاشية.

ننتقل بعد ذلك إلى قراءة تحليلية لنماذج من النظريات والآراء والمقولات التي عبرت عنها كتابات بعض المستشرقين الأوروبيين حول ما يتعلق بمقولة "الجهاد" في الإسلام والحركات الإسلامية الجهادية المعاصرة؛ متوقفين نقدياً بشكل خاص عند فرضيات الباحث الأميركي وليم بولك، لنحلل بعد ذلك نماذج منتقاة من التحليلات واستنتاجات المنصفة للباحثة البريطانية كارين آرمسترونغ، وكيف شرَّحت بعمق العلاقة بين هذه الحركات الجهادية السلفية والسياق الجغراسياسي العالمي المعاصر الذي نشأت ونشطت فيه؛ مستعرضين تحليلها لجذور شعار "الحرية" كصرخة حرب عدوانية غربية، وكيف ولدت في القرن السادس عشر الميلادي مع بدء غزوات الفرنجة "الحرب الصليبية"؛ مقدمين قراءة تحليلية أخرى في محاور محددة من كتاب الباحثة الأميركية الهندية ديبا كومار في كتابها الموسوم "فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية"، معرفين ببعض مظاهر الاستشراق الغربي وأسسه، متطرقين الى ما تسميه كومار "العنصرية الحيوية /البيولوجية" والأخرى الثقافية، ثم نتابع محاولات الباحثة نقد وتفكيك ما تسميه الأكاذيب الخمس التي يستند ويقوم عليها الخطاب الإسلاموفوبي كالتحيز الجنسي ضد المرأة، وامتزاج الإسلام بالعنف المتأصل فيه، وخلط الإسلام بالاستبداد الشرقي، واتهامه كدين بالعداء البدئي المزعوم للديموقراطية، خاتمين هذه القراءة بإضاءة على جذور ظاهرة الإسلاموفوبيا "الرُّهاب من الإسلام"، كما سلطها الراحل إدوارد سعيد في نقده لجوهر وآليات وتمظهرات الاستشراقية العنصرية الموجهة ضد الإسلام دون غيره من أديان، ووضع هذا العداء في سياقه التاريخي الاجتماعي الجغراسياسي العالمي الصحيح.

كما سنناقش ونحلل عناوين أخرى في السياق ذاته منها: أصوليات العصر الحديث ذات القشرة الليبرالية المزيفة كما ظهرت في ما يسمى نظرية القدر المتجلي (Manifest destiny) ذات الجذور السلفية البيوريتانية الإنجليكانية "التطهيرية" في الولايات المتحدة، وسنقوم بحفريات تاريخية للجذور التاريخية للمقاتل الانتحاري الذي لم يكن له وجود في كل التراث العربي الإسلامي. دارسين بعض الأمثلة على الأفعال الانتحارية الحربية في التاريخ القديم والحديث، متوقفين بإسهاب عند الحركات والتنظيمات السلفية الانتحارية والتي بلغت ذروتها في صعود "تنظيم قاعدة الجهاد" التي استقر اسمها في الإعلام لاحقا عند اسم "تنظيم القاعدة" التي تأسست في أفغانستان بين آب- أغسطس 1988 وأواخر 1989 / أوائل 1990، ثم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، التي أمست تسمى اختزالا "داعش". وسنتوقف بشيء من التفصيل والتوثيق عند تجربة منظمة أبي مصعب الزرقاوي المسلحة وبدايات السلفية الانتحارية وعلاقة مؤسسها بالشيخ عصام البرقاوي، وبدايات التأسيس النظري وخلافاته مع الزرقاوي. وفي الدراسة ذاتها سنتصدى بالتفكيك والكشف لمحاولات التنظيمات السلفية الانتحارية المعاصرة مصادرة وتوظيف عدد من الشخصيات والوقائع التراثية الإسلامية التي أرادت احتسابها على الفكر السلفي الانتحاري، وما هي كذلك على الإطلاق. حيث سنحاول أثبات براءة صحابة النبي العربي الكريم الأجلاء وتنزيههم بالأدلة التأريخية الموثقة من شبهة القتال الانتحاري التي ألصقتها بهم زورا السلفية الانتحارية المعاصرة، ومن هؤلاء الصحابة: البراء بن مالك، وعامر بن الأكوع، وهشام بن عامر، متطرقين إلى موضوعة التكفير وحكم المنتحر في الإسلام وحكم المرتد في الفقهين السني والشيعي الاثني عشري، مستعرضين سجالا إعلاميا فقهيا حول تكفير المخالف. ومحاولين إماطة اللثام عن محاولات السلفية الانتحارية المعاصرة توظيف بعض الوقائع والمصطلحات التراثية توظيفا انتهازيا لا علاقة له بسياقها التاريخي ولا بتفاصيلها الحقيقية التي تم تزويرها وتحريفها ومنها مثلا؛ القتل النكائي والتتريس والانغماس في الصف وقضية العصمتين في الحرب.

الدراسة الثانية في هذا الباب، هي بعنوان " نقد الخطاب الطائفي الانعزالي دفاعا عن صلاح الدين الأيوبي"؛ وفيها سنتصدى بالنقد لحملة الهجاء المذهبي والطائفي والاتهامات الباطلة أو المبالغ ببعضها لهذا الرمز المسلم المقاوِم الكبير، والقائد الملهِم لأجيال المقاومين العرب والمسلمين خلال الحروب العدوانية التي شنها عليهم الغرب الاستعماري والإمبريالي في عصرنا. وسنحاول في هذه الدراسة وضع شخصية القائد الفذ  عسكريا وأخلاقيا حتى باعتراف أعدائه الفرنجة "الصليبيين" صلاح الدين الأيوبي في سياقها التاريخي الحقيقي، وكيف بدأت شخصيته تتشكل في عصرها شديد الاضطراب والتقلب، وعن طبيعة علاقته قائدا، ومن ثم أميراً لإمارة شبه مستقلة في مصر بدولة الخلافة العباسية ببغداد، وقبلها بدولة الخلافة الفاطمية في مصر منذ أن دخلها متضامنا عسكريا معها ضد الغزو الصليبي، وصولا إلى قراره بإلغائها وإلحاق مصر بالدولة العباسية ومن ثم إقامة الإمارة الأيوبية، متابعين أرجح وأدق الروايات عن مسيرته الحربية ضد الغزو الإفرنجي "الصليبي" للمشرق العربي، ونقاط قوته وتألقه دون أن نغفل بعض أخطائه وكبواته أو نتجاوزها، متوقفين عند المعارك الملحمية التي خاضها، ومعاهدات الهدنة والصلح التي عقدها، مفندين الكثير من الاتهامات الباطلة التي ألصقت به حديثا بالتوثيق الدقيق والرجوع إلى أمهات الكتب التاريخية العربية الرصينة والمشهورة؛ خاصِّين ما سمي "صلح الرملة" بوقفة خاصة، ومثلها ثمة وقفة أخرى لتفنيد الاتهام الكاذب بمسؤولية الأيوبي عن إحراق المكتبة الفاطمية وفرض العزل الجنسي على ذكور الأسرة الفاطمية لمنع تناسلها.

أود في هذه المناسبة، أن أعبر عن جزيل شكري وعميق امتناني لجميع الأصدقاء والصديقات الذين اطلعوا على مخطوطة هذا الكتاب وأمدوني بالكثير من الملاحظات والنصائح والاقتراحات المفيدة، متمنيا على القراء والقارئات أن يتفاعلوا مع نصوص هذا الكتاب في بالكتابة النقدية المباشرة لي على عنواني الإلكتروني في نهاية الكتاب، ولهم ولهنَّ جزيل الشكر سلفا.

***

علاء اللامي

جنيف: صيف 2022

..................

 [1] - يُروى هذا الحديث النبوي الشريف بصيغ أخرى منها "لهدمُ الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من قتل مسلم من دون حق". ذكره بالصيغة الأولى البيهقي في "شعب الإيمان"، وبالثانية الطبراني، ورواه أيضاً الترمذي ومسلم، ورواه النسائي من حديث بريدة مرفوعاً: قدر المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا. وعدّهُ بعضهم حديثاً صحيحاً، وآخرون اعتبروه "يرتقي إلى الصحيح".

 

الإخوةُ الأعداءُ في السَّرد الغربيِّ والعَربيّ.. مقاربةٌ نفسيَّةٌ جديدة

عن دار كنوز المعرفة بالأردن، صدرَ اليومَ للباحث المغربيّ الأستاذ الدكتور حسن المودن كتابٌ جديدٌ بعنوان: الإخوةُ الأعداءُ في السَّرد الغربيِّ والعَربيِّ، مقاربةٌ نفسيَّةٌ جديدة.

والكتاب عبارةٌ عن دراسةٍ نفسيّةٍ تطبيقيَّةٍ على أسسٍ نظريَّةٍ معمَّقةٍ ومُحكَمةٍ تنطلق من افتراض أنّه من الممكن أنْ نستمدّ من النصوص الأسطورية أو الدينية أو الأدبية مفهومات وتصورات نفسانية مختلفة ومغايرة لتلك التي صرنا نُسقطها على الكثير من النصوص؛ فبدلَ أنْ نُسقط مفهومًا نفسانيًّا ما على نصٍّ ما، سيكون من الأفضل أن نتساءل: ألا يمكن لهذا النصّ أن يسمح لنا بأن نستمدّ منه مفهومًا نفسانيًّا جديدًا، فنسجّل للنصّ الأدبيّ أصالته وفرادته، ونُسهم، انطلاقًا منه، في تطوير معرفتنا بالإنسان، بلغته وأدبه، وخاصّة من الناحية النفسانية؟

والنصوص التي اقترحَتْها الدّراسةُ حجّةً على زعمها إمكانية استيحاء مفهومات نفسانية أخرى، هي نصوص دينية وأدبية، قديمة وحديثة، موضوعتها المركزية هي: الإخوة الأعداء؛ والسؤال الذي تفرضُ هذه الموضوعةُ طرحَه على التحليل النفسيّ هو: ما هو السؤال الذي ينبغي له أن يحظى بالأولوية: أهو سؤال الأب أم سؤال الأخ؟ ما هي الجريمة الأولى في أقدم المحكيات الإنسانية: أهي جريمة قتل الأب، كما يدّعي التحليل النفسيّ، أم جريمة قتل الأخ كما تؤكّد العديد من النصوص الأسطورية والدينية والأدبية؟ ما هي العقدة الأصلية المتجذّرة في النفسية الإنسانية: أهي عقدة أوديب في التراجيديا الإغريقية أم عقدة قابيل في القصص الدينيّ؟ أعقدة أوديب هي التي تميّز مسرحيات شكسبير أم أن عقدة الأخوة هي التي تحاول هذه الأعمال المسرحية أن تلفت إليها الانتباه؟ ماذا عن عقدة الأخوة في الأدب الروائي: ماذا لو استحضرنا رواية الكاتب الفرنسي دو موباسان: بيير وجان، ورواية فرنسيّ آخر ألكسندر دوما: السيدة الشاحبة، وفرنسيّ ثالث ماكس جالو في روايته: قايين وهابيل، الجريمة الأولى، ورواية الكاتب اليوناني كازانتزاكي: الإخوة الأعداء، ورواية الروائي المصري نجيب محفوظ: أولاد حارتنا؛ ورواية الكاتب الجزائري محمد ديب: هابيل، ورواية الكاتب البرتغالي ساراماغو: قايين، ورواية الكاتب السوري فواز حداد: السوريون الأعداء...؟ والأكثر من ذلك، ماذا لو أخذنا بعين الاعتبار أنّ المسرحيات الأولى في التراث الإغريقيّ تثير، بشكلٍ لافتٍ، مسألة الإخوة الأعداء، ويكفي أن نستحضر ثلاثية الأوريستيا للتراجيديّ الإغريقيّ أسخيلوس، وهو يُعَدُّ أبـاً للمسرح الإغريقي؟

لكن قبل أنْ تدخلَ هذه الدّراسةُ في تحليل هذه الأسئلة والافتراضات، بما يسمح لها بأن تستوحي من بعض النصوص الأسطورية والدينية والتاريخية والأدبية صورةَ مركَّـبٍ عُـقديٍّ جديد، وتُعيِّن له اسماً رمزياً: "عقدة قابيل"، فهي قد عملت على التوسّع في توضيح افتراضاتها النظرية والمنهجيّة في مدخل عامّ بعنوان: مداخل وافتراضات؛ على أنّ الكتاب في مجموعه يتوزّع إلى ثلاثة فصول:

* الفصل الأول، وهو مكرَّسٌ لمسألة الإخوة الأعداء في المحكيات الدينية، ويتألّف من ثلاثة مباحث: يفترض المبحث الأول أنّ قصّة النبي يوسف الدينية(كما هي في القرآن الكريم) هي عكس أسطورة أوديب التي مَسرَحها التراجيديّ الإغريقيّ سوفوكليس؛ ويعود المبحث الثاني إلى قصّة قابيل وهابيل الدينية، بافتراض أنّ قتل الأخ هو الخاصية الراسخة في العائلة الأولى. أما المبحث الثالث، فهو يتناول بالدرس المحكي الإبراهيميّ، وعلاقة إبراهيم بابنيه: إسماعيل وإسحاق، والصراع بين الأخوين حول مَنْ يَحقُّ له أنْ يَرثَ الأب؛ والسؤال المركزيّ في هذا المبحث هو: أيتعلّق الأمر بعقدة أوديب أم بعقدة إبراهيم أم بعقدة قابيل؟

* الفصل الثاني، ويتناول مسألة الإخوة الأعداء في الآداب الغربية الحديثة، ويتألّف من أربعة مباحث: ينطلق المبحث الأول من كتاب رولان بارت: عن راسين، ويتساءل بخصوص الاثنين معًا (بارت وراسين): أيتعلّق الأمر بعقدة أوديب أم بعقدة الأخوة؟ أمّا المبحث الثاني، فهو يتساءل بخصوص مسرحية: هاملت: أيتعلّق الأمر بعقدة أوديب أم بعقدة الأخوة؟ في حين يتناول المبحث الثالث مسألة الإخوة الأعداء في الرواية الغربية الحديثة، وخاصّة عند دوستويفسكي وكازانتزاكي وساراماغو..أما المبحث الرابع، فهو يكشف عن الموضوع الأكثر حضورًا في الرواية البوليسية، وخاصة عند أجاثا كريستي: الشرّ العائلي..

* الفصل الثالث، وهو مكرَّسٌ للرواية العربية، ويتألّف من أربعة مباحث: يتناول المبحث الأول مسألة صراع الإخوة في رواية: أولاد حارتنا للروائيّ المصريّ نجيب محفوظ، بوصفها الرواية التي تدشّن انتقال هذا الروائيّ العربيّ من الاهتمام بسؤال الأب إلى الانتباه إلى أهمية سؤال الأخ. والمبحث الثاني مكرَّسٌ لهذه الشخصية الجديدة: شخصية الإرهابيّ، بوصفها شخصية جديدة في الرواية العربية المعاصرة، من خلال رواية الروائيّ المغربيّ خالد أقلعي: خريف العصافير، وهو مبحثٌ يتساءل إنْ كان الأمر يتعلّق عند الإرهابيّ بعقدة أوديب أم بعقدة الأخوّة. أمّا المبحث الثالث، فهو يتناول مسألة الأخ المنبوذ في الرواية العربية، من خلال رواية الروائيّ السعوديّ عبد الله زايد: المنبوذ؛ في حين يدرس المبحث الرابع سؤال الأخوّة في الرواية النسائية العربية، من خلال رواية: غرف متهاوية للكاتبة الكويتية فاطمة يوسف العلي.

* وفي خاتمة الدراسة، سؤالٌ مهمٌّ: لماذا لم يهتمّ فرويد بعقدة الأخوة؟ لماذا ركّز على عقدة أوديب؟ ما علاقة ذلك بروايته العائلية؟ كيف كانت علاقته بإخوته داخل عائلته الحقيقية؟ وكيف كانت علاقته بأقرانه وإخوته داخل بيت التحليل النفسي؟

وإجمالا، ففي هذه الدراسة اشتغل الباحث المغربي الأستاذ الدكتور حسن المودن بنماذج من أقدم المحكيات الدينية والأسطورية، وبنماذج من أحدث المحكيات الأدبية، والروائية بالأخص، من أجل أنْ يتقدّم بهذا الافتراض المركزيّ: إذا كان التحليل النفسيّ، وخاصّة عند فرويد، قد استمدّ من الآداب القديمة والحديثة ما أسّس به انقلابًا جذريًّا في فهم الإنسان وتفسيره؛ فإنه يزعم أن إعادة قراءة الآداب الإنسانية، القديمة والحديثة، يمكنها أنْ تساعد على تطوير مفهوماتنا النقدية والنفسانية، بما يغيِّر من تصوراتنا للآداب الإنسانية التي كانت دومًا تولي عناية خاصّة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان..

وفي جملة واحدة، ألم يحن الوقتُ بعدُ لكي يمنح التحليلُ النفسي انتباهَـه إلى "عقدة قابيل" التي يفترض الباحث المغربي الأستاذ الدكتور حسن المودن أنها القادرة على تفسير ظواهر العنف والقتل والإرهاب والإجرام في المجتمع الإنساني المعاصر، خاصّة وأننا في مسألة "الأخوة" أمام عقدة أخطر وأهمّ في تكوين الذات الإنسانية وبنائها النفسي والاجتماعي، ذلك لأن عقدة قابيل تسمح لنا بأن نتجاوز التصورَ الفرويدي، الذي يركّز على النمو النفسي ــــــــ الجنسي القائم على دينامية نفسية داخلية وفردية، إلى تصوّرٍ نفسيٍّ يحاول أن يؤسِّس تحليلا نفسيًّا قادرًا على وصف هذا الفضاء العِلاقِـيِّ التفاعليِّ بين الذوات الإنسانية في فضائها العائلي الاجتماعي المشترك؟

***

صدر الكتاب عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل، وقد احتى على (238) صفحة من الحجم الوزيري. مهمة الكتاب تقوم في الكشف عن حقائق الباطن التي مَثلّها الإمام علي في حياته ومماته، وعن روح المعاني في أقواله وأفعاله. وبالتالي ضرورة إيجاد الصلّة الفعلية ونموذجها الممكن بين قوة مثاله وشخصيته الواقعية، أي نفيها الحقيقي في الفعل المعاصر. فليست هناك من شخصية كبرى في تاريخ الإسلام استطاعت أن تستثير خفايا الوعي والضمير وتضارب المشارب والتقييمات كشخصية الإمام علي بن أبي طالب. فهو يبدو في كيانه الواقعي لُغزاً، وفي صورته التاريخية كياناً يصعب احتوائه أو المسك به. فهو الشخصية التي يصعب التعامل معها على أساس قواعد المنطق الصارمة أو الإنتماء المذهبي، فكلاهما يضعفان البحث.

كُسِرَ هذا الكتاب على مقدمة وستة فصول وخاتمة، شمل الفصل الأول دور الإمام علي في المصير السلطوي ومفارقاته، أما الفصل الثاني فتعلق بخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أما الفصل الثالث فشمل عناصر التفاوض في مدرسة الإمام علي. وخصص الفصل الرابع صفات المفاوض الناجح وفق مفهوم الإمام علي، أما الفصل الخامس فتضمن محطات من حياة الامام علي. ثم الفصل السادس دور الامام علي في معركة الجمل.

اعتمدت في اصدار هذا الكتاب على مصادر متنوعة تراوحت في أهميتها بين مصادر وثيقة الصِلّة بموضوع شخصية الإمام علي، وأخرى برزت أهميتها في موضوعات خاصة من الكتاب، كانت في مقدمة تلك المصادر الكتب العربية مصدراً مهماً للكتاب، ومن أبرز هذه الكتب: شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد، وأمالي الصدوق لأبن بابويه القمي، وتهذيب التهذيب لأبن حجر العسقلاني، وتاريخ ابن خلدون، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبن خلكان، وتحف العقول عن آل الرسول لأبن شعبة الحراني، والإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء لأبن قتيبة، وكشف الغمة في معرفة الأئمة للأربلي، والإمامة والقيادة لأحمد عز الدين، والغدير في الكتاب والسُنة والأدب للأميني، وحلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار للبحراني، والطبقات الكبرى للبغدادي، والكامل في التاريخ للجزري، ووسائل الشيعة للحر العاملي، ومصادر أخرى مهمة اعتمدت عليها في كتابي هذا.

لقد حدد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب معايير المفاوضات وعناصرها، وأسَسَّ لواقعية السياسية قبل مئات السنين، أي قبل توماس مور في كتابه (اليوتوبيا)، ونيقولا ميكافلي في كتابه (الأمير) الذي كان صاحب الواقعية السياسية، والفارابي في كتابه (المدينة الفاضلة)، وتوماس هوبز في كتابه (ليفيثان في الدولة والسياسة)، وروجر فيشر، وقبل مفهوم السيدة في كتب (الجمهورية الستة) لجان بودان، فضلاً عن جان لوك وكتابه (العقد الاجتماعي)، ومونتسكيو و(الفصل بين السلطان والدساتير والحريات)، وفولتين وجان جاك روسو. أما الهداية والحكمة والمعرفة والشجاعة والجرأة والقوة الجسدية فجميعها اجتمعت به، فضلاً عن آداب الفروسية والنخوة، والحق والشرف، والسلام والحرب، فكان يلتزم بالحكم الشرعي في كل قول وفعل.

ولتوضيح المزايا لأهدفنا في هذا الكتاب، هو تم تسليط الضوء على أسلوبه التفاوضي بصفته ابن عم النبي محمد بن عبد الله، وصحابياً يلتزم بالأحكام الشرعية، كأساس في حياته وافعاله وسلوكه، فضلاً عن كونه صاحب قرار بالحكم الشرعي ملتزماً به، فقد طالب بتسليم قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وكان لهُ موقف في وجوب عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام، وفي معاملة طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام، وفي قبول التحكيم.

في هذا الكتاب نركز على مواقف الإمام علي بن أبي طالب التفاوضية انطلاقاً من فهمه للأحكام الشرعية، سواء في قوته أو ضعف سلطانه. فكان مثالاً للصحابة في عناصر المفاوضات التي كانت من بديهيات فهم الصحابة للأحكام الشرعية، ولو قارنا ذلك مع عناصر التفاوض في الفكر الغربي التي كُتبت بعد حوالي 1300 عاماً بعد استشهاد الإمام علي. وعناصر التفاوض التي وثقها العالم الأمريكي روجر فيشر السبعة لأي مفاوضات، هي: 1- المصالح، 2- الخيارات، 3- الشرعية، 4- العلاقات، 5- الإتصال، 6- الإلتزام، 7- البدائل. وإن الإمام علي بن أبي طالب قد وضعها قبله بألف وأربعمائة عام، وهي اثني عشر عنصراً، أي بزيادة خمسة عناصر على فيشر؛ وعناصر التفاوض الكاملة هي: 1- المصالح، 2- الخيارات، 3- الشرعية، 4- العلاقات، 5- الإتصال، 6- الإلتزام، 7- البدائل، 8- العلم والمعرفة، 9- القيادة والمسؤولية، 10- المُتغيرات، 11- الصبر والثبات، 12- العدل. وهناك من يعتقد أن توماس هوبز هو أول من أسس العلاقة بين الدولة والناس والدولة والسياسة، لكن الحقيقة العلمية واضحة لنا أن الإمام علي جاء بها قبل هوبز، فقد حدد مفهوم السيادة بوضوح.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

كتاب فني جمالي فيه بوح عميق تجاه الطبيعة صونا لجمالها وتصديا لأعدائها

".. للحفاظ على الطبيعة يجب أن تلقن الناس أولا كيفية التمتع بطاقتها وجمالها ومتطلباتها.. ان صفاء الروح مشروط حتما بصفاء الطبيعة.. ".. هكذا كان الصوت العالي وسط الركام المتراكم من الفضلات والمهملات حيث عاشت بلادنا وما تزال مشكلة بيئية عانت منها مدن شتى ومنها خاصة مدينة صفاقس التي صدحت فيها الفنانة التشكيلية مو ضوع هذا الكتيب الفني حيث الذهاب بالصورة والكلمات الى جوهر الأزمة وفق دعوة عميقة للتحدي وعدم الخضوع لمد الاهمال وتدنيس الطبيعة وتلويث المحيط الى جانب الوعي بضرورة تثمين هذا الكم الهائل من الفضلات المنزلية والقادمة من المصانع وغيرها في تعدد مصادرها.. هذا التثمين المهم في رسكلتها والافادة منها في توليد الطاقات وما الى ذلك..

هذا الكتيب في سياق تجربة فنية جمالية ومن سنوات عملت عليها الفنانة موضوع الكتاب للتوعية والتحسيس بالموضوع البيئي من حيث دور الفن والفنان في محيطه المهدد وقد كانت الكلمات والصور معبرة وهي تنبع من وجدان ووعي دفين وحرص على التنشئة للأطفال واليافعين والشبان وحتى الكبار على حب الطبيعة والحفاظ على جمالها.. فهي تتكلم ويجب الاصعاء اليها على عبارة فيكتور هيقو ".. من المحزن ان نفكر في أن الطبيعة تتكلم والجنس البشري لا يصغي لما تقول.. " قولة جميلة بها شاعرية عالية تفتتح هذا الكتيب الفني التحسيسي وهو بعنوان دلالي " مناجاة " أنجز بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين ومن قبل عايدة الكشو صاحبة الفكرة التي تسكنها من سنوات وتواصل الاشتعال ضمنها في عدد من الفعاليات والأعمال الفنية الجمالية.. و الدكتورة ألفة معلى التي ضم الكتيب نصوصها وصور جميلة للحبيب دلنسي وقام بالترجمة الدكتور هادي مهدي.. في الكتيب وضمن سياقات نصوصه ورد هذا الجزء لكلود برونات ".. عموما يعتقد الناس أن الانتحار أمر غير مقبول. غير أننا وكلما دمرنا محيطنا يوما بعد يوم فنحن بذلك نكون قد انخرطنا شيئا فشيئا في مسار انتحار جماعي.. ".. و في نصها بهذا الكتيب تشير الدكتورة ألفة معلى الى اهمية ما تقوم به الفنانة عائدة الكشو خروف في رسالتها الفنية والبيئية والحضارية في هذا العمل بعنوان- مناجاة - ".. في مناجاتها تؤمن عائدة الكشو بأن المصير يرسم باليد وأن الحياة حق يفتك لذلك تأبى أن تلتزم الصمت فتتخذ من الفن سبيلا للنقد ولسانا يفصح عما يوجد في السر من حزن ووجع ومن غضب وحب.. ".هكذا هي الفنانة عائدة الكشو في هذه التجربة ضمن كتيب " مناجاة " تتوصت ركام الفضلات في كل اعتداد ومحبة مستعينة بالموسيقى وبالرسم وأكثر من ذلك هي تزرع زيتونة كشاهدة على الأمل المنبثق من الحزن بل انها تحتسي قهوتها في أريحية وكأنها تقول للآخرين وللعالم لا تخشوا فضلاتكم فهي منكم فقط أقيموا معها وتجاهها علاقات استثمار وتثمين لكي تحافظ الحياة على طبيعتها السليمة لأجل حياة عالية الجودة.. كل ذلك تفعله عائدة بالفن وعبر جمال الفن وفق احساس عميق وصادق بالراهن والمعيش..

هكذا هي عائدة تخاطب الكائن ليبتكر لونه وصوته وشجنه الدفين وهو يمضي بين الآخرين حالما بخطاه وهي تنحت دربه.. كيف له ذلك في هذا الكون المحفوف بالجمال والبهاء المبثوث في الجهات.. في العناصر والأشياء.. و ليس للكائن هنا غير القول بنشيده وهو يشير للآفاق بحثا عن القيمة وقولا بالجوهر.. جوهر التفاصيل التي تفضي الى ايقاع الذات في حلها وترحالها ترتجي فكرة الأعماق ونظر الدواخل وكل ما به يتزين العالم حيث اللون والكلمات والمعاني وهي تنحت مجاريها في الصخر كحال الأنهار العظيمة..

" مناجاة " كتيب فيه الحلم والأمل والتوعية والصمود وفيه أيضا ألق وقلق وذهاب ملون بالبهجة العارمة وفق نظر للفن على أنه ضفة أخرى للسفر تجاه أرض عليها أطفال يلونون أناشيدهم بالحلم النادر والغناء الخافت.. يرقصون ويرقصون مثل زنوج قدامى.. انه الرقص على أرض ناعمة.. نعومة الموسيقى الطالعة من التواريخ والأزمنة..

و الفن هنا وفي تجربة عائدة الكشو خروف سفر وعنوان لافت حيث الرسم مجال شغف ودأب وما به تنبت الأحلام في البساتين التي رآها البستاني في خياله وهي تأخذه الى طفولة عابرة فيها العالم علبة تلوين ورسم وتلبس بالكنه.. كنه الابداع والامتاع والمؤانسة.. هي هكذا لعبة اللون والحلم منذ براءة اولى.. و الى الىن في هذه الحدائق اللونية ذات الأسوار العالية.. الفنانة التشكيلية عايدة الكشو خروف تنوعت لوحاتها الفنية وأعمالها وفق مسيرة سنوات عديدة أخرها أعمال فنية لمواجهة أعداء الطبيعة واقتلاع الأشجار والقضاء على الغابات لها مشاركات ضمن معارض فردية وجماعية واقامة معارض شخصية في تونس وخارجها.. في لوحاتها موسيقى ملونة تمتح من مفردات تشكيلية فيها الحركة وتسعى للتفاعل مع المتلقي ليقرأها وفق تأويل متعدد الالوان.. ثمة عبارة تشكيلية في لوحاتها بينة في جمال تلوينها وسحر قولها الجمالي وعذوبة فكرة النظر تجاهها.. لوحات وأعمال فنية متعددة الأحجام والمواضيع فقط يجمع بينها شغف الفنانة عايدة وحلمها الذي أخذها الى التلوين حيث أطلقت هي العنان لنشيد ملون يسكنها منذ طفولة عابرة.عايدة الكشو خروف فنانة تشكيلية تلقت تكوينا لتخرج سنة 1991 من معهد الموضة والديزاين وشهادة حصلت عليها بعد تكوين في اختصاص فن تشكيلي في ثلاث سنوات مع جمعية قنطرة الفنون وذلك بمعهد الفنون والحرف بصفاقس مسؤولة العلاقات الدولية باتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ومنسقة نشاطه بصفاقس وعضو الصالون السنوي بصفاقس منذ خمس سنوات ورئيسة لجنة الثقافة بجمعية حماية الشفار وعضو جمعية صيانة مدينة صفاقس الى جانب ترأسها لعدد من الفعاليات الثقافية والجمعيات ومنها ملكة جمال صفاقس وكوميسار معرض المجلس الوطني للفنون والثقافة بالكويت وكوميسار المعرض لجمعية " بصمات عربية " بالقاهرة ومعرض كاروسيل اللوفر ومشاركة في معرض الدورة 35 لصالون الفن المعاصر بنيويورك وفي المهرجان الدولي بسيول في كوريا الجنوبية ومعرض أوزاكا باليابان فضلا عن مشاركات في ندوات ومهرجانات وفعاليات ثقافية وفنية عن البيئة والمرأة وغيرها م العناوين.. هذا الى جانب جوائز وتكريمات بالكويت والقاهرة وباريس والشارقة .. كما عرضت أعمالها في منلسبات عديدة وبمدن تونسية مختلفة فضلا عن مشاركاتها في معارض وصالونات اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين الدورية.

و من نشاطها الفني التشكيلي نذكر معرضها بعنوان "طاقة البحر" الذي يمنح المتلقي علاقة مخصوصة من خلال ثنائية البحر والانسان وعوالم جمالية من وحي اللون الأزرق..

و في المعرض الجماعي الدولي للفنانين التشكيليين “اوزاكا ارت ايكسبو” برواق الفنون “سيستاما غاليري” بأوزاكا اليابانية مع 70 فنانا من ايطاليا واليابان وفرنسا برزت مشاركة الفنان عايدة من خلال لوحتين وفق تعبيراتها الجمالية التي عرفت بها بين الشأن الوطني والشأن الابداعي الجمالي كما تميزت مشاركتها بمعرض بمتحف اللوفر في باريس من خلال حصولها على الجائزة الثانية.. ان هذه المشاركات والمعارض التي انطلقت سنة 1995 بمعرض خاص مع الفنان علي بن سالم برواق فني بمدينة صفاقس تعتبرها الفنانة التشكيلية عايدة مجالا لمزيد التعريف بتجربتها الى جانب كونها تلمس من خلالها تقبل وذائقة جمهور الفنون والمعارض تجاه أعمالها الفنية وهو ما يسعدها ويجعلها تواصل هذه التجربة. وخلال الظروف الصعبة للحياة الفنية التشكيلية والثقافية عموما كانت للفنانة التشكيلية أصيلة مدينة صفاقس عايدة الكشو خروف مشاركات عبر الوسائط السمعية البصرية والرقمية .. انها بقعة النور في حياة الفنانة عايدة تتفاعل مع ما يحدث تجمل الاشياء وتقاوم بالفن كل فعل عدو للطبيعة وجمالها الالاهي الأخاذ حيث الانسان مطالب بأن يحمي الأرض لتحضنه وتحميه.

***

شمس الدين العوني

صدر حديثاً عن دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع في القاهرة في شهر شباط 2023 المجموعة الشعرية " بغداد ارجوزة النشيج" ، المجموعة الشعرية السابعة عشر للشاعر والكاتب العراقي مصطفى محمد غريب ، تقع في 122 صفحة من القطع المتوسط ضمت 20 عشرون قصيدة شعرية متنوعة عالجت قضايا مهمة ما بين الهموم الوطنية والعالمية لقضايا العدالة والحقوق والحرية ، كما رصد فيها مصطفى ما آلت له أوضاع وطنه العراق وقصائد رثاء وذكريات لكتاب وشعراء رحلوا بعدما أغنوا الشعر والثقافة بتلك الأيقونات الشعرية المميزة.. وفي مقدمتهم مظفر النواب وسعاد خيري.

للشاعر ايضاً روايات ومجموعات قصصية قصيرة طبعت في بغداد وسوريا ولبنان والقاهرة والنرويج‘ عالج الشاعر فيها العديد من القضايا والاحداث وتمكن من الربط ما بين التغييرات التي طرأت على الواقع الاجتماعي وتداعيات الغربة... المجموعة الشعرية " بغداد ارجوزة النشيج " عبارة عن مقاطع لحنية كأنها نسيج من العقد المركبة بين التأمل والامل والغربة الداخلية التي تمتاز ليس بالهروب والتخلي إنما في الاقتحام والثبات على الرغم من اللواعج والانكسارات النفسية وبدايتها في النص " صومعة المدينة البحرية" الذي يبدأ " هذا النص الذي بدأ به مصطفى هو عبارة عن توضيح لتلك اللواعج التي يعيشها الانسان في جو من الحيرة والتساؤل والقلق من خلال صور جمالية تتداخل في رؤيا جدلية  لتوضيح القيم ما بين الطبيعة وتعاريجها حيث  تنطلق من الصومعة بمعناها التعريفي الصوري والرومانسي وملامسة الانعكاسات القريبة  "  في الشارع القديم الملاصق للمحطة الشرقية / كانت قاطرة التهميش الصوري / تحملُ زرافات من مخلوقاتٍ نصف هلامية / ترسم كنيسةً قديمة على بحيرة تونة فانا Tunevannet / ناقوسها الأحد والموتى تُظهرها ظلال بناية قديمة الطراز / تقطنها حمامات المراقد.."هو الارتباط بين ظلال الذكريات تمسكاً بما هو وكأنها صور هلامية.. هي اطلالة من " نافذةٌ خضراء بلون العشب الشتوي أعيش عالم البصير الأعمى في الرؤيا. /  من كوة صغيرةٍ تطل من صومعتي، / صومعتي التي تقوم في البناية القديمة تاريخها يعود للفايكنك* / القراصنة الذين حاربوا الطبيعة باللجوء اليها وإخضاعها للرغبات / قراصنة بحر الشمال الذين يرتدون جلود الدببة ويغطون الرؤوس بقرون غزال الرنة./ صومعتي تطل من مأوى يرتدي ثوباً من الاغصان قرب حديقة أشجار التفاح الخمسة../ في جانبها الشرقي مدينة السمك المالح، وحانة البحارة الحقيرة، وسكارى إدمان الغيبة /لم أكن يوماً فقيهاً ولا مكتشفاً ولا عارفاً / بحياة البحار والخمور البيضاء والسمك السلمون" قد تكون الرؤيا متفرعة لها ابعاد في التصور إلا أن المذهل لا يغيب كما في الخاطرة المتماسكة بالإبحار عن عالم صار باكورة للألم ولهذا فهو يصرخ " آه يا ميناء العمر المملوء بسفن الإبحار" فتظهر الذكريات كأنها شلالات من خدش الذاكرة وتحويلها الى مشهد " كيف لا اذكر طرطوس واللاذقية البحر" انه التعميد في صفاء صوفي " كنت اغسل روحي كلما يشتد حزني وكآبتي في ليل الامطار الدمشقية" إلا أن هذا الحنين ينتقل انتقالات تراجيدية نحو " يا عراقي المذبوح من الوريد إلى الوريد/ عصافيرك الدوري / تختبئ هنا من الثلوج والامطار/ من الافراد والاشرار/ من المقولات في زمن الغبار / كيف يمكن ان أنسي أبو النوّاس وحانة الغاردينيا والسمك المسقوف؟!" العصافير في اللوحة الداخلية على الرغم من وجودها في هاجس الذكر والتذكر " كيف قَدمتُ مع عصافير الدوري من العراق/ عصافير هاجرتْ في شجون /الفرار من الاندثار!/  لسقوط في اغتراب الاندثار/ كيف أنسي ما فعله القوالين؟ أكثرية القصائد لها ارتباطات بوشائج دليل على قيام شبح الغربة الذي حاول التمويه لكنه فشل في إخفاء طابع الرفض والإصرار وهي إشارة واضحة في قصيدة سلام عادل الشهيد الحي في ذاكرة الناس والذي ارتبط اسمه  بالقدسية في التضحية والإصرار " تئن من وجع التغير في الفصول/ يا رجل القرن العشرين / يا مرآة لحفاة الكدح الموروث/ يا رمز هتافات الوجع الممدود إلى كل جهات المعمورة/ عبر تواريخ القحط المفجوع / سجلت التاريخ باسمك / في هذا التاريخ المقبول / سُجل اسمك في النور" هذا التسجيل هو المعنى الحقيقي للثوري ومقاومة الأشرار التي تستشرق الحاضر والمستقبل " في عمق الصورة" صورة واضحة حفظتها ذاكرة الثوريين" ونشيد العمال المأثور/  قامات في صرح الحزب / حزب الكدح الشامل والمنثور/ الماشي رغم ظلام الديجور/ يا دهشة تاريخ الموقف/ يا لؤلؤةً في جيد الأجيال/ انت جدار الفولاذ سقاه الكدح البرهان" ان الموقف الوطني والطبقي الذي تميز في موقف الشهيد الشيوعي دلالة على الإيمان الثابت بعدالة النضال ضد القوى الرجعية والإمبريالية " يا رمز الموقف للأجيال/ وسطوع الفكر الإنسان/ ها أنت الغائب والحاضر في الساحات/ تجوب بيوت الفقراء/ تُسجل ذكراك على الابداع/ ونضالك نبراساً فوق الهامات/ يا نور الكلمات" وتخطو القصائد التالية  " ــ تباعد الرؤيا/ ــ حتمية إدراك الفكرة/ ــ مسرح الحلم القادم/ ــ قلب الوجود /ــ رغبة" تخطو نحو الاندماج ما بين العام والخاص في النضال وفي الصراع والعلاقات الاجتماعية، ثم تقوم قصيدة سعاد خيري في أيار "تحرير مفهوم أحادية الموقف المبدئي في التضحية حيث إشارة واضحة لقيم المرأة وعدالة موقفها الذي تجلى في مواقفها الرافضة للظلم والطغيان منذ الحكم الملكي الذي غيبها عشرون عاما في سجونه ومواقفها المتتالية دليل على قيم وقوة نضال المرأة " دعني أفصح عن ذاك التاريخ/ كنا ننشد هبوا، هبوا.. وسنمضي نمضي قدماً ونهز الرايات/ وضحايا الحرس الأسود في بغداد../ وسعاد الخيري مثل القامة/ تتحدث عن تموز البطل الواقف في اوروك/ تموز على الالواح/ تموز الواقف في المحراب/ تموز المذبوح على الأبواب/ والرايات الحمراء/ وأبو يحيى حدثنا عن سلمان / الصوت الدافئ في المرثيات" انها المناضلة الشيوعية التي لم تئن من اضطهاد التعذيب والاعتداء وكانت مرفوعة الرأس متفاخرة بأبجدية النضال الطبقي لشغيلة اليد والفكر "سعاد الخيري/ بيضاء كلون الثلجِ/ حمراء كحبِ الرمان / طلبت مني أن اقرأ شعراً/ فقرأت الأبيات الزنبق في أيار../ طلبت تاريخ الأمم المقهورة / قالت هل ننسى؟ أيار على الأبواب/ هل ننسى الكدح الموروث بحكم طغاة الاوغاد /ومقاصل رأس المالْ/ تنصب في الاعداد " والقول المأثور " وسنمضي نمضي قُدماَ/ ومضينا نحمل عزماً وعناد/ فينا أمل التغيير وفي الانشاد" الانتقال من الحالة الفردية الى فضاء الفكرة الواسعة دليل على إمكانية غور النص في اغوار الشخصية والجماعة وهي ما ظهر من قصائد « نص ــ دهشة في التاريخ ، الادراك في التنويع ، إسراف في الرؤيا "،لقد توضحت بشكل ملموس الفكرة التي طغت على اهداف الشاعر في قضاياه الخاصة به والقضايا الخاصة بسمات المعارف تجاه الآخر، الوطن، المنفى، العلاقات الإنسانية، النظرة الخارجية في تلك العُقد من وجود الانسان ومركباته ووسواس السر نحو عالم مجهول وهذا التوضيح برز في قصيدة العنوان " بغداد ارجوزة النشيج " النشيج الدائم منذ الازل في زواياه التي تخص بغداد والنكبات التي اصابتها فمنذ البداية تظهر بغداد " بغداد حريق.. بغداد غريق / بغداد نواح.. بغداد جراح / بغداد القادمة من عمق التاريخ /   تستيقظ مذعورة / من لوعة تفخيخ" وتظهر الأسئلة دون مقدمات " هل صوتها نعيق ودمعها زهيق؟ / تُقصف بالراجمات وبالمجانيق؟ النخل عريق.. في فن التحديق / فيما قال ضرير العينين / ذو العقل الراجح والمفتوح / وبصير العقل المرموق * / وعريقٌ في الأمجاد / في ذكرى بغداد الاسفارْ / والحلم العابر للأسرار"... نعم فيما قاله أبو العلاء المعري عن نخيلها الذي هو الرمز الخالد لوجود الشجر " وردنا ماء دجلة خير ماءٍ وزرنا أشرف الشجر النخيلا " هذا الوصف الدرامي بما أصاب حالها من الاحتلالات والحروب والحصار وامام الجفاف الذي يبرز كأعظم مشكلة تواجهها والعراق اجمع، إلا أن ذلك لم يمنع كونها " بغداد الثورات " مع تساؤل " كيف لووا رقاباً في حد مأفون/ رقاب الأجيال سليل الطوفان " إلا أن الجواب يكمن في السؤال نفسه " كيف لووا؟ وهي "سلالة رؤيا / ودماء الشعب على الجدران / وسجون بني الشيطان " الا ان المآسي لن توقف " لكن بغداد واقفة من جرح فلول الأجداد / حافلة بالرواد / حافلة بالوعد الموعود / فهنا يأتي التحدي بالإنذار "انذركمْ ! / انذار بصير العقل / الحافة فيما كنتمْ / أو اصبحتم / لا حيلةْ / في الإنذار / فسليل الموروث من المبعوث الأمريكي / القادم معروف / وله شغف في التحقيق المكشوف / وله شرف إيراني في التدقيق / لكن والحق يقال ــــ لن تصبر بغداد / بعد الهرج المصنوع / في أروقة المال التمليق / الذل رسوم كارتونية " الكثير من الإجابات تبدو لأول وهلة على شكل تداعيات من أسئلة على شكل شحن الهمم " هل تنسين النسيان؟ / مشانق من غسلين / هل ننسى ما فعلوا؟ / ها همْ احفاد / افراد الحرس القومي، احفاد الجيش الشعبي، وفدائي الجيف ميليشيا الدعوات / هم جاءوا بالآيات / وسيوف من جمرات النار / يدعون الثمن الثأر/ يصرخ باغيهم يا للثأر / من شعب قمامة في المنحنيات " وتبقى بغداد الأساس لكن " ننذركمْ / لا نبصركمْ / هذا الفجر نراه / ذاك الفجر نشاهد مغزاه" فنزف بغداد يصاحبه مدن اخرى " لا يمكن أن تبقى بغداد تنزف دون وقوف / المدن الحاملة هم عراق التجديد / لن تبقى في خانات القتل الاستبداد / والبصرة تئن على حدباء التاريخ / والحدباء لها صوت أنين المطمورات" وماذا في نهاية المطاف هل سيكون الاستسلام الابدي

" الحقد المتوارث أصبح قانون / قانون يتمركز في الطبقات / لحسم خلاف بين الأقوام / كي تخرج من بغداد مشاعل من حكمة / وعراقٌ يصدح من رايات.." اما قصيدة مظفر النواب في رحلة الطواف يبدأ الشاعر بشطر عائد الى مظفر النواب " يسعود احنه عيب انهاب يا بيرغ الشرجية « ويعني التحدي والشجاعة والوقوف بوجه الطغاة " في الطواف الأخير

نطبع القبلاتْ / قبلة / في اللقاء القريب البعيد / كلما الشعْر جاء النشيد. / نذرفُ دمعةً

في الفراق الذي صار تاريخاً مرير/ عندما الحزن شاء أن يكون المديد /أن يكون الغطاء

فرسٌ في تخوم السماءْ" انها تذكرة للراحل في تشابك البعد الشعري ومواقف مظفر المعروفة حيث أن القصيدة قسمت الى أرقام في كل رقم تذكرة عن مواقف ليس لها إلا السير وعدم الوقوف حتى يصل الى الرقم الرابع " يا ربيب الأسود / ثم صوت الحقيقة

يا ربيع الوجود / ثم حب الخليقة / يا سليل الفهود / في الخطوط الدقيقة / فكرةٌ / عزمها يبتدئ / وكما يبتغي حرفها / في المثال.. / ظافرٌ / إن ترى فَخرها / في الحياة / فارسٌ يمتطي فرساً من شهاب / في عميق الهدوء الظلام / هالةٌ من ضياءٍ ينير الحتوف" ليس قصيدة النواب وحدها تتحدث عن تاريخ الصراع في العراق والمنطقة إنما نجد بغداد القدر الطويل في الذكرى والمواقف وفي الختام ان القصائد الأخرى (في رحلة الطواف وبغداد في عمق الجب و التألق في الوجود وقصائد اخرى من بينها ، إشارات النصوص المنفصلة والتي تتكون من 86 نص الذي يشير فيها مصطفى " هذا الفضاءُ/ نظلُّ نطْرقُهُ / حتى نرى / في الفَسْحة العَلَما / كيما يكون الطيرُ نُطْلِقُهُ / نحو النجومْ / لِيُطْلِقَ القَسَما".. وتختم المجموعة بقصيدة (خصلتان) « في مشهد الوضوح / كنت أراها في الصباح / بالقرب من حديقة الدار / قرب مخبزٍ صغير / تقضم قرصاً من شعير / تقول سكري المثير / يضرب في العروق كالسعير / كنت أراها في المساء / تفلي رأسها في مشهدٍ مثير / تنزع ثوبها الصغير / وترتدي دشداشة الكتان /في منظرٍ يثير

    ـــ 2 ـــ

كنت أراها منظرين / تفاحتين / كمثرتين / كنت أراها قدحاً من الشراب / من كرمتين / مختلفتين/ في الكأس كانت مسرحين

وعيني كانت كالبراق

تراها حباً وعناق

سمراء كالدقيق

حمراء كالعقيق

كنت أراها حبة الضياء

تشع مقلتين

" على الجبين اللجين"*

تقول حزناً وبعاد

"إن كنت تقصد قتلي"*

فأنا القتيلة مرتينْ

فكلما أراك قادم

أصاب من صبري عليك

وكلما اشتاق من بعاد

يا سالب العقد الثمين.

أقول ضوء قادم من ظلمة الوجه الحزين "

** المقاطع للشاعر اللبناني بشارة الخوري ( الاخطل الصغير )..

تبقى اجتهادات القارئ والنقاد من خلال الاطلاع والقراءة والتعمق لأن النصوص تحتاج الى الاجماع ولا يكفي ما نقدمه من رؤيا دقيقة والنفاذ لجوهر المواضيع التي تتخللها نوع من التراجيديا الشبيه بمسرحية لها فصول مرتبطة ببعضها على الرغم من عناوين النصوص المختلفة والمنفصلة ظاهرياً

***

نضال صبيح مبارك

5 / 6 / 2023

المترجم: بنيامين يوخنا دانيال (عن الإنكليزية)

عدد الصفحات: (203) صفحة من القطع المتوسط

المطبعة: بيشوا – أربيل – العراق 17 / 7 / 2023

***

المحتويات:

المقدمة

ليودميلا خريستوفا

مينكو تانيف

مايا كيسيوفا

جيرغانا يانينسا

ديانا تينيفا

رادكا ميندوفا

فانيا ستيفانوفا

ليليا راشيفا دينشيفا

ديميتار ستيفانوف

بيتار لوبوميروف تشوهوف

لودميلا بالابانوفا

إيفانكا يانكوفا

فيكتوريا مارينوفا

ستويانكا بويانوفا

رادوستينا دراجوستينوفا

أوميلا – تسفيتا داجاروفا

ناديجدا كوستادينوفا

رولاندا سفيتلانوف

فلاديسلاف خريستوف

نيللي دوبرينوفا

أنطونيتا بافلوفا

كريستينا تودوروفا

زورنيتزا هاريزانوف

جينشو جينشيف

ستانكا باروشيفا

ميلينا فيليفا

ستانكا بونيفا

سفيتلا باتشيفا

جينكا بيليارسكا

أنطوانيتا نيكولوفا

فيكتوريا كابدوليفا

ايكاترينا كونوفا

كانشو فيليكوف

مايا ليوبينوفا

فيسلافا ليوبوميروفا سافوفا

إيلينا ايفانوفا

كريستينا بانجاريديس

تزاتزكا إلييفا

إيليانا ديليفا

ادفين سوجريف

تسانكا شيشكوفا

ديميتار غورسوف

ستيفان جيتشيف

إيرينا ديميترووا

أتاناس راشكوف

بيبا أودياكوفا

تسفيتا أوميلا

هريستينا باندجاريدي

ماريكا كولسيفا

روزيتسا يانكيموفا

إلينا إليفا

ألكسندرا إيفويلوفا

أكسينيا ميخائيلوفا

فينيليانا بيتكوفا

المصادر المترجمة عنها

الملحق رقم (1) كتب هايكو بلغارية

الملحق رقم (2) جوائز فاز بها شعراء وشاعرات من بلغاريا

الملحق رقم (3) قصائد هايكو لشعراء بلغار

***

جاء في المقدمة:

تعود أولى الترجمات المنشورة لشعر الهايكو الياباني إلى اللغة البلغارية إلى عام 1922، وعلى يد (نيكولا دزيروف)، وعن الفرنسية والألمانية، ولنصوص تعود في معظمها إلى القرون (7 و8 و9)، وضمن كتيب متواضع متكون من (38) صفحة فقط، وتحت عنوان (الحصان الأزرق)، وكان الإصدار الأول في حقل الترجمة لهذا الشكل الشعري في بلغاريا. والمحاولة الثانية ل (نيكولا دزيروف) لترجمة ونشر الهايكو الياباني عن اللغة الفرنسية كانت في عام 1937 ومن خلال كتابه الموسوم (أغاني ياماتو: مختارات يابانية)، وحمل بين صفحاته إضمامات من قصائد الهايكو للشعراء ماتسو باشو ويوسا بوسون وكوباياشي إيسا وماساوكا شيكي وغيرهم. أما أول إصدار بالبلغارية لشعر الهايكو المترجم عن اللغة اليابانية الاصلية فقد شهد النور في عام 1985 وبعنوان (اكتمال القمر)، أنجزته (ليودميلا هولوديفيتش) و(جورجي فاسليف)، مع مقدمة مسهبة ل (كروم أتسيف). وكان (ديميتار ستيفانوف) (1932 – 2018) المعروف بـ (عميد الهايكو البلغاري) أول شاعر أصدر مجموعة شعرية مستقلة في عام 1988 وبعنوان (غابة الهندباء)، بالإضافة إلى أكثر من (20) كتابا من القصائد والسونيتات والمقالات و(10) كتب في أدب الأطفال وترجم نحو (50) كتابا في الشعر والنثر. ومن كتبه (الجواهر البريئة – هايكو 1996 وغير مرئية – هايبون 2005). وهو كاتب ومترجم ومحرر معروف. قام بتحرير أول اضمامة هايكو بلغارية بعنوان (بذور المطر) في عام 2001. وكان عضوا مؤسسا ورئيسا لنادي الهايكو البلغاري الذي شهد النور في عام 2000. علما صدرت للشاعر (لادفين شوجريف) مجموعة شعرية في عام 1990، وكانت قصائدها من ثلاثة أسطر ومستوحاة من الزن مع التمتع ببعض خصائص الهايكو.

و قد توالت بعد ذلك المحاولات لكتابة صيغة بلغارية للهايكو وعلى يد شعراء بلغار كثر، صدرت لهم مجموعات شعرية مستقلة ومشتركة، أو نشروا في المجلات والدوريات الوطنية والدولية، وترجمت قصائدهم للعديد من اللغات. ومنهم من شارك في مسابقات هايكو دولية وحصل على جوائز وتكريمات واشادات، مثل (رادكا ميندوفا، ليودميلا خريستوفا، زورنيتزا هاريزانوفا، ديانا تينيفا، جينشو جينشيف، جورنا أورياهوفيتسا، ستانكا باروشيفا، ليليا راشيف، نيللي دوبرينوفا، ميلينا فيليفا، مينكو تانيف، بيبا أودجاكوفا، ستانكا بونيفا، مايا كيسيوفا، إيفانكا يانكوفا، فانيا ستيفانوفا، ناديجدا كوستدينوفا، فيكتوريا مارينوفا، رولاندا سفيتلانوفا ستيفانوفا، ستويانكا بويانوفا، رادوستينا دراجوستينوفا، أوميلا – تسفيتا داجاروفا، أنطوانيتا بافلوفا، كريستينا تودوروفا، أنيا سودابيس، سفيتلا باتشيفا – كارابوفا، جينكا بيلبيليارسكا، أنطوانيتا نيكولوفا، فيكتوريا كابديلوفا، أيكاترينا كونوفا، كانشو فيليكوف). وبحسب الشاعرة البلغارية (جينكا بيليارسكا) بلغ عدد المجموعات الشعرية المنشورة بالبلغارية حتى عام 2005 (70) مجموعة شعرية ل (40) شاعرا مقابل عشر مجموعات شعرية لعشرة شعراء حتى عام 2000. كما صدرت مجموعات شعرية ثنائية اللغة (البلغارية – الإنكليزية) مثل (بقع الزرقة – مايا ليوبينوفا 2010) و(دبابيس الأمان – بيتار تشوهوف 2010) و(صباحا في أيار – مايا كيسيوفا 2014)، وثلاثية اللغة (البلغارية – الإنكليزية – الروسية) مثل (القوارب – ديليانا جيورجيفا ودارينا دينيفا وفيسيسلافا سافافو 2014) لتعريف أوسع وأشمل بالهايكو البلغاري. وهناك كتاب جامع وقيم صدر ل (بيتار تشوهوف) في عام 2012، وضم بين صفحاته (159) قصيدة هايكو ل (55) شاعرا ولدوا خلال الفترة (1932 – 1993)، وهي مختارات تمثل تاريخ الهايكو البلغاري الحديث وفقا للشاعر الشاب (فلاديسلاف خريستوف). أما الكتاب المهم الآخر فقد صدر باللغة الإنكليزية في عام 2022 وتحت عنوان (الانسان: مختارات من الهايكو البلغاري)، وقد حرره الشاعر والكاتب (ديميتار غريغوروف أناكييف) ويقع في (96) صفحة. ويضم بين صفحاته إضمامة كبيرة من قصائد الهايكو لكوكبة من الشعراء البلغار.

لقد أسست أول منظمة بلغارية معنية بالهايكو في 14 سيبتمبر 2000 وعلى يد (ديميتار ستيفانوف) والأمريكي (جيم كاسيان) تحت اسم (نادي الهايكو البلغاري). وقد استبدل اسمها في عام 2008 ليصبح (اتحاد الهايكو البلغاري). وهناك منظمة أخرى اسمها (نادي هايكو بلوفديف) أسست في عام 2003 وترأسها الشاعرة والمحررة (إيفانكا يانكوفا) العضوة في الرابطة العالمية للهايكو.     كما أسس (نادي هايكو صوفيا) في عام 2005، والذي يقيم المؤتمرات منذ عام 2007، ومنها: اللغة والوعي في الهايكو 2009 والصمت في الهايكو 2012 والهايكو، التصور الغربي للروحانية الشرقية 2019.

وقد أقيمت الكثير من المسابقات والمعارض وورش العمل للتعريف بالهايكو، وللوقوف على واقعه في بلغاريا، ولتشجيع التأليف في هذا الفن الشعري الذي استهوى ذائقة الشعراء والقراء في معظم أنحاء العالم، وصار مكتوبا بكل اللغات تقريبا. ومن أجل مجاراة حركة الهايكو في البلدان المجاورة والعالم. ومنها المسابقة السنوية للهايكو المقام من قبل نادي صوفيا للهايكو منذ عام 2008. وأنشأت أيضا مجلة (بي اج يو) للهايكو التي ترأست تحريرها الشاعرة والناقدة (صوفيا فيليبوفا) بالاشتراك مع الشاعرة والمترجمة (إليانا إليفا).

كما شارك العديد من الشعراء البلغار في مسابقات ومهرجانات وفعاليات هايكو عالمية، وحققوا فيها الكثير من النجاحات، ومنها مسابقة (كوكاي) الأوروبية السنوية. وأدرجت أسماء العديد منهم في قائمة ل (شعراء الهايكو ال 100 الأكثر ابداعا ونشاطا في أوروبا) المنظمة من قبل الشاعر البولندي (كرزيستوف كوكوت) المشرف على المسابقة المذكورة بالاشتراك مع (روبرت كانيا). وتضمنت القائمة المعلنة لعام 2021 أسماء الشعراء والشاعرات:

1 - ستويانكا بويانوفا

2 - رادوستينا دراجوستينوفا

3 - فلاديسلاف خريستوف

4 - ليودميلا خريستوفا

5 - ناديجدا كوستدينوفا

6 - تسانكا شيشكوفا

و أدناه قائمة بعدد مشاركات الشعراء الكروات في المسابقة المذكورة لبعض الدورات: -

14 مشاركة من أصل 170 من 40 دولة في الدورة 8

مشاركة من أصل 186 من 38 دولة في الدورة 12 12

12 مشاركة من أصل 220 من 45 دولة في الدورة 16

17 - مشاركة من أصل 238 من 43 دولة في الدورة 17

أما مسابقة الهايكو البولندية الدولية الأخيرة (12 / 2022) فقد بلغت عدد المشاركات البلغارية فيها (11) مشاركة من مجموع (318) مشاركة من (54) دولة. مقابل (20) مشاركة من مجموع (420) مشاركة من (59) دولة في مسابقة (11 / 2021)، وقد فازت بالجائزة الأولى فيها الشاعرة البلغارية (ناديجدا كوستدينوفا) عن قصيدتها التالية: -

تسود السكينة على جانب البحر

ثمة سلطعون رملي صغير

يحمل ضوء القمر

كما تم الإشادة بالشاعرة (ستويانكا بويانوفا) عن قصيدتها التالية:

أوراق الشجر الخريفية

تبعثر الرياح

أحبتي

و تم الإشادة أيضا بالشاعرة (ناديجدا كوستدينوفا) عن قصيدتها:

مساء خريفي

لم أزل أفتش عن بيتي

في أعين الناس

و تم الإشادة أيضا بالشاعرة (ليودميلا خريستوفا) عن قصيدتها:

شمس الشتاء

تسطع على البيانو

كالغبار الفضي

ضياء نافع: فهرس بالروسية لكتابي: سبعون مقالة عن تشيخوف

صدر كتابي الموسوم: (سبعون مقالة عن تشيخوف) في حزيران / يونيو 2023 عن دار نوّار للنشر، وهو الطبعة الثانية المزيدة لكتاب (احدى واربعون مقالة عن تشيخوف)، الذي صدر عام 2019، وكما هو الحال بالنسبة للكتب كافة، الصادرة عن دار نوّار للنشر، فان الغلاف الاخير (الايسر) يكون عادة باللغة الروسية، وهكذا كان الامر- طبعا - مع كتاب (سبعون مقالة عن تشيخوف)، الا ان الاضافة الجديدة في هذا الكتاب، هو ان الفهرس صدر ايضا بالروسية، وذلك باقتراح من الاصدقاء الروس حولنا، الذين غالبا ما كانوا يبدون اعجابهم بالغلاف الروسي، ولكنهم لا يستطيعون الاطلاع غلى مضامين تلك الكتب بنصها العربي، وهكذا قررنا (بالنسبة لكتابنا المذكور) اضافة الفهرس باللغة الروسية، كي يتسنى للقارئ الروسي – في الاقل – معرفة عناوين المقالات تلك، وذلك (أضعف الايمان!)، كما علّق احد الاصدقاء مبتسما، وقد اطلع بعض القراء الروس على (أضعف الايمان!) هذا فعلا، وطرحوا استفسارات واسئلة عديدة حول عناوين تلك المقالات ومضامينها، وهي استفسارات واسئلة طريفة حقا وتستحق التأمل في رأينا، ونود هنا ان نتوقف عند بعضها، اذ انها تعكس وجهات نظر روسيّة حول كيفية تناولنا للادب الروسي، وربما (ونؤكّد على كلمة ربما !) تؤدي هذه الاستفسارات والتعليقات حول هذا الموضوع المحدد جدا الى توسيع الحوار بصورة عامة بين ثقافتنا العربية وثقافتهم الروسية، وبالتالي، بين حضارتنا وحضارتهم عموما، هذا الحوار الذي يجري لحد الان بشكل عشوائي وعفوي وغير متكافئ بتاتا بين الجانبين العربي والروسي مع الاسف رغم مرور حوالي القرن منذ ان ابتدأ هذا الحوار، وكلنا، اي الروس والعرب، مذنبون في ذلك بلا شك، اذ اننا (واكرر - نحن وهم) لا نتفهّم واقعيا اهمية هذا الحوار وقيمته المادية والمعنوية، ولا ضرورته الحيوية لروسيا وللعالم العربي على حد سواء في الوقت الحاضر وفي المستقبل ايضا، ولا نتصوّر آفاق هذا الحوار بين روسيا العملاقة (الاورآسيوية) والعالم العربي الكبير (الاسيوافريقي) .

نتوقف قليلا عند مقالة أثارت الاستفسارات والتعليقات من قبل هؤلاء القراء الروس وهي بعنوان – (تشيخوف وخادمته المغفلة والوضع في العراق)، اذ قالوا وهم يضحكون، لم تكن لتشيخوف خادمة اصلا، لا مغفلة ولا ذكية، ولم يكتب قصة او مسرحية بهذا العنوان ابدا، فمن أين جاء هذا العنوان الغريب في كتاب عربي حول تشيخوف ؟، وكل هؤلاء القراء لم يفهموا طبعا، ما هي علاقة تشيخوف بالوضع في العراق، وأشاروا الى ان تشيخوف كان يتجنب المواقف السياسية حتى في وطنه روسيا، اضافة الى ان تشيخوف قد توفي عام 1904، اي قبل تأسيس الدولة العراقية اصلا، فكيف يقدر ان يؤثّر على الوضع في العراق هذا، وهو الذي عاش في روسيا وبرز مبدعا في نهاية القرن التاسع عشر؟ . اضطررت طبعا الى توضيح عنوان تلك المقالة، وقلت لهم، ان الترجمة العربية لاحدى قصص تشيخوف القصيرة جاءت بعنوانين، هما (المغفلة) و(الخادمة)، لان عنوانها الروسي كلمة عسيرة على الترجمة العربية، واوضحت لهم، ان القراء في العراق ربطوا مضمون تلك القصة حول مدبّرة شؤون المنزل، التي يسرقون حقوقها وهي صامتة ولا تحتج او تعترض، بالوضع السياسي في العراق، حيث يسرقون حقوق الشعب العراقي وهو ايضا صامت ولا يحتج، ومن هنا جاء عنوان هذه المقالة . وبعد مناقشات تفصيلية طريفة جدا مع هؤلاء القراء الروس، تفهّموا عنوان تلك المقالة ومضمونها، بل انهم اقترحوا ترجمتها الى الروسية، لأن مضمونها يضيف الى تشيخوف اهمية جديدة للقراء الروس، وتكمن هذه الاهمية - حسب رأيهم – في ان ابداع تشيخوف يمكن ان يكون رمزا يستخدمه القارئ الاجنبي في مجالات مبتكرة بكل معنى الكلمة ولا تخطر على بال القارئ الروسي بتاتا، وان ذلك يدخل في موضوعة (تشيخوف والادب العالمي)، وفي موضوعة (انتشار الادب الروسي ومكانته خارج روسيا) .

استمرت المناقشات التفصيلية مع هؤلاء القراء الروس حول عناوين مقالات اخرى في الكتاب المذكور، منها مثلا، المقالات التي ترتبط باسماء عراقية مثل بدري حسون فريد وعادل كاظم، وتعجبوا، كيف استطاعا ان يحوّلا قصتين لتشيخوف الى مسرحية ذات فصل واحد، واعتبروا عملهم هذا ابداع كبير يستحق الاشادة والتقدير والثناء، واشاروا، الى ان القارئ الروسي يجب ان يعرف هذه الوقائع المجهولة لمكانة تشيخوف في الادب العالمي، ولا مجال للتوقف عند مقالات اخرى حول تشيخوف أثارت اعجابهم، وقد اقترحوا عليّ – في ختام تلك المناقشات - ان اترجم هذا الكتاب الى اللغة الروسية، وان اطلق عليه تسمية (الموسوعة العراقية حول تشيخوف)، وقد فوجئت طبعا بهذا المقترح، وشكرتهم جزيل الشكر، وقلت لهم – لا تعليق لديّ على هذا الاقتراح الغريب ...  

***

أ.د. ضياء نافع

صدرت في بريطانيا، عن دار لندن للطباعة والنشرLondonbook ، مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ (هذا الألمُ الذي يضيءُ)؛ بـ 375 صفحة، في طبعة ثانية، جديدة ومزيدة - تموز/جولاي 2023.

ضمت المختارات 116 قصيدة من مجمل تجربته الشعرية الممتدة لأكثر 40 عاماً، من خلال اصداراته: انتظريني تحت نصب الحرية 1984 بغداد / أغنيات على جسر الكوفة 1986 بغداد / العصافير لا تحب الرصاص 1986 بغداد / سماء في خوذة 1988       بغداد / مرايا لشعرها الطويل 1992 بغداد / غيمة الصمغ 1993 بغداد / تحت سماء غريبة 1994 لندن / تكوينات 1996 بيروت / نشيد أوروك (قصيدة طويلة بـ 550 صفحة) 1996 بيروت / تأبط منفى 2001 السويد / و.. 2011 بيروت / نَرْد النَصِّ (نص طويل مفتوح بـ 1380 صفحة) 2022 بيروت وبغداد..

صمم الكتاب: الفنان رياض راضي، والغلاف: الفنان محمد الصفّار، مع لوحة الغلاف الأخير: بورتريه "فوانيس الشاعر" للفنان علاء جمعة.

هذا وجرى حفل توقيع له، ضمن كتب عديدة، في المهرجان الثالث لتوقيع الإصدارات الجديدة للدار، في مساء الجمعة 7/7/2023 في:

The Stowe Center, Harrow Road, London, UK

مقالات منوّعة ومراجعة نقدية للدراما العراقية والعربية لهذا العام

صدر في بغداد العدد الثاني من مجلة "سومر السينمائي" وهي مجلة إليكترونية شهرية تصدر عن مهرجان سومر السينمائي الدولي وتُعنى بشؤون السينما عراقيًا وعربيًا وعالميًا. يتضمّن العدد 18 مقالاً بضمنها 7 مقالات مُكرّسة لملف "الدراما التلفازية". كتب رئيس التحرير نزار شهيد الفدعم افتتاحية العدد التي جاءت تحت عنوان "في عالم اليوم تتلاشى الحدود بين الشاشتين السينمائية والتلقزيونية" ليمهد للملف الدرامي الذي كرّسته المجلة الوليدة التي تنطلق نحو المستقبل بخطوات رصينة محسوبة. كما سلّط المحرر السينمائي الضوء على "مهرجان أيام السينما العراقية الثاني". فيما خصّ الناقد السينمائي رضا الأعرجي المجلةَ بموضوع مهم وشائق جدًا أدرجهُ تحت عنوان "محاولة أوليّة للبحث عن ريادة عربية في السينما" أكد فيه أنّ السينما لم يخترعها شخص بعينه وإنما اشترك في اختراعها مئات من العلماء من بلدان متعددة. وتوقف عند الحسن بن الهيثم؛ مكتشف علم الضوء من دون منازع، ونوّه إلى المبدأين الأساسيين اللذين ركز عليهما ابن الهيثم وهما الحجرة المظلمة، ومبدأ بقاء الرؤية الذي يخلق وهم استمرار الحركة. كما قدّم مالك خوري"قراءة مغايرة لـ "جعفر العُمدة" ركّز فيها على "النخبوية الليبرالية، وقوة الأحلام المؤدلجة". أمّا المخرج السينمائي العراقي علي كامل الذي درس في معهد ڨگيك VGIK فقد كتب الحلقة الأولى من سيرة المخرج السوفيتي الأرميني سيرجي پاراجانوف التي جاءت تحت عنوان "حين لا يُقبَل نبيٌّ في وطنه" ركز فيها على مجموعة من أفلامه ذائعة الصيت من بينها "ظلال أجدادنا المنسيين"، و"لون الرمّان"، و"أسطورة قلعة سورام". فيما كتب الناقد والمخرج اليمني حميد عقبي عن "جسد المرأة في السينما الإيرانية" التي حُرِّم فيها أي تلامس جسدي بين الرجال والنساء مهما تكن الأسباب. تُشارك الروائية والناقدة السينمائية الجزائرية فضيلة بودريش، صاحبة "شواطئ الثلج" بمقال مكثف عنوانه "عن السينما الجزائرية نتحدث... من سماء الأوسكار إلى البحث عن أداء مُبهر" تطرقت فيه إلى أول فيلم جزائري حصل على الأوسكار وهو فيلم "زد"، كما تُنعش ذاكرتنا بمحمد الأخضر حمينه الذي خطف السعفة الذهبية عن فيلمه الموسوم بـ "وقائع سنوات الجمر" سنة 1975. تسّلط الناقدة السينمائية المصرية ناهد صلاح الضوء على فيلم "يوم 13" تأليف وإخراج وائل عبدالله وتركّز فيه على ملمحين: الأول تقنية البُعد الثالث 3D، والثاني تصنيفة كواحد من أفلام الرعب. بينما يُتحفنا القاص محمد خضير بمقال مركّز وعميق عن فيلم "بيردمان" أو "الرجل الطائر" للمخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو التي اقتبسها عن رواية " عمَّ نتحدث حينما نتحدث عن الحُب" للكاتب الأمريكي ريموند كارفر  وهي تدور عن "أربعة أزواج معتوهين يشتركون في تمثيل مسرحية داخل الفيلم". تكتب الناقدة السينمائية اليمنية هدى جعفر عن "ثلاثة أطفال في قائمة شندلر" للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ الذي يروي قصة الصناعي الألماني أوسكار شلندر الذي أنقذ 1100 يهودي بولندي من الهولوكوست في أثناء الحرب العالمية الثانية. يحاور الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن المخرجة دارين سلام، مُستغورًا تكوينها السينمائي، وأفلامها القصير السابقة بعد أن يتوقف عند فيلمها الروائي الأخير  "فرحة" الذي تصور فيه أحداثًا ووقائعَ مؤلمة عاشتها شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني إبان نكبة العام 1948م. فيما يقدّم الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد قراءة في فيلم "في انتظار البرابرة" للمخرج الكولومبي تشيرو جيرا ويركز على الشخصية الكولونيالية في عزلتها وتمردها.

يكتب المحرر السينمائي توطئة لملف الدراما  يكرّسه للحديث عن مسلسل نتفليكس الوثائقي "كليوباترا محاولة لتشويه التاريخ" حينما أظهر أشهر الملكات بملامح سيدة أفريقية سمراء بينما هي في واقع الحال مقدونية يونانية بيضاء البشرة، وأُتهِم القائمون على تنفيذ المسلسل بتشويه حقائق التاريخ المعروفة. أما الناقد خليل حنون فقد كتب عن "مسلسل كليوباترا... الترويج لفكرة وفرضها.. لا تقديم شخصية تاريخية" وركز على أخطاء المسلسل الكثيرة مثل ركاكة الكتابة، وضعف التصوير، وسوء تنفيذ الديكورات وحتى انتحار كليوباترا الذي توزّع بين لدغة الأفعى أو السم الذي تناولته إضافة إلى احتمال مقتلها على يد أوكتافيوس. ترفد د. عزة أحمد هيكل الملف بمقال رصين أسمتهُ "الدراما والعالم الجديد" تتبعت فيه نشوء الدراما المصرية منذ سبعينات القرن الماضي والدراما السورية التي بدأت تنافس شقيقتها المصرية في بداية الألفية الثالثة كما توقفت عند بعض المسلسلات المصرية لهذا العام مثل مسلسل "تحت الوصاية" للمخرج محمد شاكر الذي يناقش قانون الوصاية وولاية الأرملة على اليتامى القُصّر الذي "يحْرم المرأة التي حملت ووضعت وأرضعت وربّت وعلّمت من أن تكون وصية على صغارها بل ويعتبرها غير صالحة أو غير مؤهلة لهذه الوصاية". يدوِّن د. صالح الصحن عددًا من الملحوظات في مقال متوازن أسماه "قبل أن تكتب" ورصد فيه عددًا من المسلسلات الدرامية العراقية من بينها مسلسل "طوارئ" للمخرج أكرم كامل، و"الماروت" لمهدي طالب، و"غيد" لعلي فاضل، و"بغداد الجديدة" لمهنّد حيال. أمّا د. عواطف نعيم فقد كتبت مقالاً بعنوان "في حضور الدراما وغياب الهدف" ورصدت فيه "خان الذهب" للمخرج بهاء خداج، ومسلسلات أخرى توقفنا عندها سابقًا وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنّ المخرج العربي السوري والأردني واللبناني يتصدر المشهد الدرامي العراقي بينما ضاعت الفرصة على الكاتب والمخرج العراقي. يرفد المخرج والناقد التلفزيوني رضا المحمداوي المجلةَ بمقال لاذع مفاده "على شاشة التلفزيون ميلودراما عراقية هجينة" يشخِّص فيها العديد من الأعمال الدرامية العراقية التي تبدو قاصرة وكأنها لم تبلغ الرشد وعمر النضوج ولايجد حرجًا في وصفها بالمشلولة ويتوقف عند بعض المسلسلات العراقية مثل "انتقام روح" للمخرج المصري إبراهيم فخر، و"المتمرد" للمخرج السوري يزن أبو حمدة وغيرهما من المسلسلات الهجينة التي تتميز بالنمطية الجامدة في رسم الشخصيات، والضعف في البناء، واستجداء مشاعر الجمهور. ويختم الكاتب المصري قدري الحجار العدد بمقال "نجوم رمضان" ويتوقف عند البعض منهم أمثال محمد رمضان، وهالة صدقي، ومنى زكي، ورانيا فريد شوقي وغيرهم الكثير.

تحتاج المجلة إلى بعض الأخبار الفنية المنوعة لكي تخفف من وطأة المقالات الطويلة جدًا التي يمكن اختصارها وتشذيب زوائدها. كما  تفتقر المجلة إلى "رسالتين أو ثلاث رسائل" من بعض العواصم العربية والعالمية لتغطية الأحداث والأنشطة السينمائية. ونتمنى على رئيس وهيأة التحرير الموقرة أن يضيفوا بابًا لقراءة الكتب والإصدارات السينمائية لكي تلبّي رغبات القرّاء المتخصصين والعاديين على حد سواء.

***

عدنان حسين أحمد

اريد ان اسجّل – قبل كل شئ - شكري وامتناني وتقديري لدار المدى الرائدة في بغداد، لأنها قامت باصدار آخر كتاب في سلسلة مؤلفات نيقولاي غوغول و الموسوم – (مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) بترجمة المترجم العراقي الكبير د. تحسين رزاق عزيز عن الروسية، وارتباطا بهذا الاصدار المهم جدا - من وجهة نظري- اكتب هذه السطور عن الكتاب المذكور واهميته الاستثنائية الكبرى بالنسبة لابداع غوغول اولا، وبالنسبة لتاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بشكل عام، ثانيا.

اصدار هذا الكتاب في بغداد بالعربية يعني، ان مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة ستبدأ لدى القراء العرب (ونؤكد على القراء العرب بشكل عام وليس العراقيين فقط) باستيعاب و توضيح واحدة من القضايا (العالقة!) منذ اكثر من قرن ونصف في تاريخ الادب الروسي ومسيرته، عالقة في أذهان البعض من القراء العرب وافكارهم التبسيطية والساذجة حول (تقدميّة !) غوغول في بداية مسيرته الابداعية، ثم حول (رجعيته!) في نهاية تلك المسيرة. توضيح هذه القضية الفكرية الكبيرة بشكل موضوعي وصحيح، استنادا للوقائع والوثائق، وليس لاي شئ آخر، وهذه خطوة تعني تغييرا نوعيا في النظرة العامة الى الادب الروسي وموقع ومكانة غوغول واهميته الكبرى في هذا الادب خصوصا. والمرحلة التي نتحدث عنها هنا يمكن ان نطلق عليها مجازا تسمية - مرحلة اطلاق الاحكام الصارمة والحاسمة والنهائية دون الاطلاع بتاتا على اوليّات الامور، وانما نتيجة لما قاله فلان او رأيّ الجهة الفلانية حول الموضوع المحدد ليس الا، وكم عانينا من ذلك المفهوم التبسيطي الساذج و(الخطير  جدا بالطبع!) في كل مجالات الحياة (نعم، في مجالات الحياة كافة)، عندما كان الجميع مضطريّن ان يستمعوا صامتين الى تلك الاحكام النهائية ويوافقوا عليها (بالاجماع!!!) دون ان يمتلكوا الحق بمعارضتها، او مناقشتها او حتى الطلب بالاطلاع عليها ولو بشكل بسيط !!! وقضية الكاتب باسترناك وروايته الشهيرة (دكتور زيفاغو) ليست ببعيدة، واظن، انه لا يمكن ان ننسى قصيدة الشاعر العراقي  المشهور فلان الفلاني، الذي قال فيها (...فليخلقوا ألف زيفاغو...) دون ان يقرأ او يطلع على تلك الرواية اصلا !!!

أصدر غوغول هذا الكتاب (وهو آخر كتبه) عام 1847، اي قبل اكثر من قرن ونصف، وقد أثار الكتاب آنذاك ردود فعل كبيرة ومتباينة لدى القراء في روسيا، اذ انه لم يكن متوقعا بتاتا من مؤلف (امسيات عند قرية ديكانكا) و(الانف) و(المعطف) و (المفتش) و (الارواح الميتة)...الخ تلك الروائع الادبية، لم يكن متوقعا ان يصدر غوغول مثل هذا الكتاب، الذي يعكس افكاره في شؤون فكرية عديدة، ولهذا جاءت الآراء متنوعة جدا حول الكتاب، اذ قال البعض انه قمّة جديدة في ابداع غوغول الواقعي والغرائبي في آن، وانتقد البعض الآخر هذا الكتاب، وأشهر هؤلاء طبعا كان بيلينسكي، الذي كتب رسالته الشهيرة الصارمة والحادة ضد الكتاب، اذ ان  كتاب غوغول من وجهة نظر هذا الناقد، الذي كان يؤكّد على الجانب الاجتماعي للادب والفن قبل كل شئ وبعد كل شئ، ونتيجة لهذه الرسالة تبلورت المواقف تجاه الكتاب في الاوساط السوفيتية لاحقا، وانعكست طبعا على موقف هؤلاء القراء العرب ايضا، والحديث التفصيلي عن كل ذلك، حديث ذو شجون كما يقولون.

وعلى الرغم من ان معظم مؤلفات غوغول الاساسية قد تم ترجمتها الى العربية عن الروسية او عن لغات اخرى وسيطة، الا ان كتاب (مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) لم يترجم الى العربية طوال هذه الفترة الطويلة من السنوات، وليس ذلك من باب الصدفة ابدا، اذ ان ترجمة هذا الكتاب كان يعني (خرق !) الحظر المفروض على هذا الكتاب المهم في تاريخ ابداع غوغول، هذا الحظر الذي لمسناه بشكل واضح حتى اثناء سنوات دراستنا في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن الماضي.

الآن، سيطّلع القارئ العربي على هذا الكتاب بترجمته الدقيقة والامينة، التي يتميّز بها المترجم الكبير د. تحسين رزاق عزيز، وسيجد فيه، انه كتاب فكري عميق وطريف، ويحمل كل سمات غوغول المفكّر وتأملاته حول مواضيع متنوعة جدا .

ختاما اريد ان احيي المترجم الشجاع د. تحسين رزاق عزيز على عمله الترجمي الرائد في مسيرة الادب الروسي بالعالم العربي، اذ انه هو الذي اختار هذا الكتاب وقرر ترجمته، وبذلك العمل، فقد أضاف الى منجزاته الترجمية انجازا نوعيا جديدا ورائعا، واريد ان اقول له، ان غوغول سيكون ممتنا له، لانه ترجم اخيرا هذا الكتاب (شبه المنبوذ !) للقراء العرب رغم انهم لم يطلعوا عليه، واريد ان اقول له، ان امتنان غوغول يكمن بالذات، في كونه  يستطيع الان ان يعلن لهؤلاء الذين كانوا يثرثرون عن (رجعيته وتقدميته!) وهو مبتسما – اطلعوا ايها السادة على الكتاب قبل ان تصدروا احكامكم بشأنه، ويستطيع غوغول الان ايضا ان يقول لهم ببساطة – كش ملك !

***

أ.د. ضياء نافع

جولة في كتاب "معجم المفردات المندائية في العامية العراقية" لقيس مغشغش السعدي

هذا هو عنوان كتاب الباحث قيس مغشغش السعدي. وهو كما يقول عنوانه مخصص للمفردات العامية العراقية التي يعتقد المؤلف بأنها ذات أصل مندائي. لنبدأ بتعريف اللغة المندائية فهي أحد فروع اللغة الآرامية وتسمى أحيانا الآرامية الشرقية وتعتبر من أصفى اللهجات أو اللغات الآرامية التي تستعمل في الطقوس الدينية الصابئية ولها لهجات محلية غير صافية تسمى "الرطنة" في جنوب العراق ومنطقة الأهواز.

لن أقدم في هذه المقالة قراءةً نقدية مفصلة لهذا الكتاب هنا، بل سأكتفي بالقول إنه ينطوي على جهد كبير مبذول، ودقة ووضوح نسبيين في التصنيف المعجمي، ولكنه يشكو من العديد من الهنات النظرية وخصوصا في فصول الكتاب الخاصة بالتنظير والتأصيل اللغوي، وفي ما يمكن أن نسميه نوعاً من القسر التأثيلي "الإتمولوجي" حين يعتبر المؤلف العديد من الكلمات في اللهجة العراقية ذات أصول مندائية وهي بعيدة عنها لفظا ومعنى مثل كلمة (إمجرش) ويقول إنها شرش المندائية، أو هي كلمات عربية أو ذات جذور جزيرية "سامية" وجدت في أكثر من لغة كالأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية وغيرهما وهذا النوع هو الغالب على كلمات المعجم الذي يقدمه السعدي. ومن الكلمات الأكدية التي مرت بنا في كتاب طه باقر، وكررها السعدي اعتبرها مندائية نذكر : خمط/ خشالة/ دجلة/ خَلال/ أكو / ماكو...إلخ. والأكدية هي الأقدم والأصل للعديد من اللغات واللهجات.

كما إن كون المندائية فرعا من الآرامية والتشابه بل والتطابق بين هاتين اللغتين يجعل من العسير علينا البتُّ في ما إذا كانت هذه المفردة أو تلك في اللهجة العراقية هي ذات أصل مندائي أو آرامي.

وهناك كلمات غير موجودة أصلا أو إنها كانت موجودة وانقرضت أو إنها غير شائعة في اللهجة العراقية من قبيل؛ جغم (يلهي)/ جغلول (عفريت)/ جغنف (متعال)/ كتينة (قضية)/ خنچة (أصم، أبكم )/ نحش (همس) سدام (قفل)/ باتول (قِدر صغير).. وغيرها.

ومن الأمثلة على ما سميناه القسر التأثيلي نذكر الأمثلة التالية البادئة بحرف الألف وهناك الكثير غيرها في الحروف الأخرى:

* إبلا التي يقول إنها تعني في المندائية "بدون"، ويمكن في الحقيقة اعتبارها عربية مُلَهَّجَة مكونة من لا النافية مسبوقة بحرف الجر الباء "بلا" ملفوظة بلهجة العراقيين التي تسكن الحرف الأول أحيانا فتجعل الكلمة قريبة من المهموزة "إبْلا"!

* يعبي = ويعتبرها مندائية تعني يملأ ويربط بينها وبين (العباءة التي يتعبأ بها الشخص)، وهذه المفردة هي فعل عربي معروف لفظا ومعنى هو "يعبئ" وربما وجد في لغات جزيرية أخرى، ويلفظها العراقيون بلا همز فالعرب عموما لا يستسيغون الهمز في كلامهم.

* إركن ويقول إنها مندائية (ركن) وتعني افسح الطريق وتعني تنحى جانبا. وهي عربية فصحى لفظا ومعنى وجذرها ركن وتعني في العربية والعراقية استقر واستند ومنه قوله "اركن سيارتك هناك" والركن أحد جوانب الشيء يستند إليه. ويقال عنها في المعاجم الفصحى: رَكُنَ الوَلَدُ: رَزُنَ، وَقُرَ، رَكَنَ، أَيْ كانَ رَزيناً وَقوراً، مالَ، سَكَنَ، اِطْمَأَنَّ إِلَيْه.

* أكو ويقول إنها (أكا) المندائية وقد مر بنا أن طه باقر وغيره يعتبرونها أكدية لفظا ومعنى.

* أبوي، وتعني أبي. والكلمة عربية من أب وياء النسبة وهي موجودة في العديد من اللهجات العربية كالفلسطينية والخليجية بلفظة (أبوي) فيما يعني في المندائية كما يقول المؤلف "أبوه" مع ضمير المفرد الغائب.

* إمجرش ويقول إنها شرش المندائية وتعني "يتجذر" والصحيح انها مشتقة كاسم مفعول ذات جذر عربي هو " ج رش "/ ومنه الجريش: طحن الحب طحنا خشنا، ودقَّه دقًّا غير ناعم، طحنه ولم يُنعم طحنه". والمؤلف نفسه يضرب مثالا لاستعمالها في العراقية فيقول " جرَّش الماء أي تحول إلى ثلج غير كامل الانجماد / الدبس مجرش".

* إتفصص ويقول إنها في المندائية (فسستا) بمعنى هدم وتخريب، في حين إنها عربية الجذر وتعني "فصصه أي جعله فصوصاً (جمع فصّ) كما في قولهم " فصصتُ الرمانة". ونقرأ عنها في معجم المعاني " ف ص ص: فَصُّ الخاتم بالفتح والعامة تقوله بالكسر وجمعه فُصُوصٌ وفَصُّ الأمر أيضا مفصله".

* إحذاي ويقول إنها في المندائية (اهدي) وتعني بجانبي وبالقرب مني. وهذه مفردة عربية فصحى هي حذاء (بجانب) مضاف إلى ياء المتكلم. وهناك أمثلة أخرى كثيرة كهذه.

ولكن هذه التحفظات لا تبخس الكتاب قيمته وفائدته ولا تعني عدم وجود كلمات في اللهجة العراقية العربية ذات جذور مندائية، وربما كانت ذات جذور جزيرية سامية وردت في أكثر من لغة؛ ومن هذا القبيل اخترت لهم هذه القائمة لما فيها من الجِدة والطرافة. سأضع المفردة كما تلفظ في اللهجة العراقية أولا، ثم علامة مساواة وبعدها اللفظ في المندائية بين قوسين فمعناها في المندائية أو اللهجة العراقية ثم استدراكاتي إن وجدت بعد نجمة صغيرة:

إتمسلت = (مسليوتا) فساد وفسوق.

إمتكس = (طاكسا) مرتب ومنظم.

إمدنفش = (نفش) ممتلئ سمين / وهي عربية فصحى أيضا. نقرأ في معجم المعاني: نَفَّشْتُ، أُنَفِّشُ، نَفِّشْ، مصدر تَنْفِيشٌ. :-نَفَّشَ الصُّوفَ :- : شَقَّهُ، فَرَّقَهُ، نَفَشَهُ.

إتنه و تانيني = (إتنا) انتظر، انتظرني. وهناك طرفة فاحشة جدا حول هذا الفعل حين يضاف الى كاف المخاطب لا يمكنني إيرادها ويمكنكم استنباطها!

إمطنب = (طنبا)حزن كدر.

أفيش = (فشش) استرخى واستراح.

إمعكمش = (كمش) يتجعد مجعد.

إمسودن = (شدن/ بالشين) يجن. مجنون.

أبو الهلس = (هلصا) المؤخرة شيء مدور وربما يقصد مكوَّر! ولا علاقة لها بنتف الريش كما يعتقد ولكني أتحفظ على تخريجته هذه لوجود كلمات أخرى يمكن أن تحل محل عبارة "المؤخرة الكبيرة المدورة"!

إمزهلل = (زهل) ينظف يلمع يطهر. واعتقد أن الأدق إيرادها في صيغة المفعول " مُنظَف مُلَمع مُطهَّر.

إمبربع = (فرفا/ بريا) يفرح يبتهج.

جطل = (كطل) يقتل يطرح أرضا.

جَعَصَ = (شمص) ضغط / كبس / ضايق3332 قيس مغشغش

الجزء الثاني: أبدأ هذا الجزء من هذه المقالة بهذه الملاحظة: أعتقد أنني في بداية قراءتي للصفحات الأولى من هذا الكتاب تفاءلت به أكثر مما ينبغي، ولكنني، ومع تقدمي واستغراقي في القراءة والاطلاع على المزيد من الصفحات والمفردات، وجدت أنني كنت على خطأ في تفاؤلي ذاك؛ فالكلمات في اللهجة العراقية ذات الأصل المندائي الأكيد لا تشكل إلا نسبة قد تقل عن نصف ما ورد فيه من كلمات. المأمول إذن أن يستدرك المؤلف على كتابه في طبعة لاحقة ويتجنب هذه الهفوات والثغرات ويتمسك بالأسلوب المنهجي العلمي، ويزيد من اطلاعه على المعاجم العربية الفصيحة للتأكد من وجود هذه الكلمة أو تلك في اللهجة العراقية وفي العربية الفصحى أو في اللغات الجزيرية الأخرى قبل أن يدرجها في معجمه. إنَّ هذا النوع من الكلمات العربية الفصيحة يمثل الكثرة الكاثرة من كلمات اللهجة العراقية إلى جانب ما يسميه العلامة طه باقر الرواسب من اللغات العراقية القديمة المنقرضة، بل أن هناك كلمات عربية فصحى منقرضة أو نادرة الاستعمال ولكنها ماتزال حية في اللهجة العراقية وقد ضربت عليها أمثلة عديدة في كتابي "الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام"، ومنها مثلا: برطيل، مدردحة، أريحي، نازك، دحس، برطم، ملخ، دفر، أثرم، أجلح، ثخين، ثول، ثرب، خبن، دحس، أهدل وختل....إلخ، فهي كلماته الأليفة في لهجته العراقية المعاصرة، وفي الوقت ذاته مفردات مؤثلة الجذور والمشتقات في المعاجم العربية القديمة على الرغم من عدم وجودها أو ندرة استعمالها في اللغة العربية الوسيطة "الفصيحة" المعاصرة، وقد ذكرت توثيقاتها في كتابي.

چا = ( شاا) يعني بالمندائية، يقول / يتكلم/ يتحدث.

* ولا أرجح هذا التخريج لأن المعنى بعيد عن معناها وفي لفظها في العراقية فهي تعني "إذن"، وحرف الشين لا ينقلب إلى جيم مثلثة "چ" بل هو حرف الكاف الذي يلفظ بها في ما يسمى كشكشة ربيعة وهي لهجة عربية قديمة وربما يصح التخريج الذي يقول أن أصلها "كا" الأكدية بمعنى "إذن" إن تم التثبت من ذلك.

چالي = (كالي) ضفة النهر.

چبشة = (كبش) يكبس يضغط يرص. علما أن هناك فعل عربي هو "كَبَشَ" قد يكون ذا علاقة بهذه المفردة ويعني (كَبَشَ الشَّيْءَ: تَنَاوَلَهُ بِجُمْعِ يَدِهِ/ معجم المعاني)، أو أنها كبس وحدث فيها إبدال بين السين والشين وهو عادة ما يحدث في اللغات الجزيرية "السامية".

چوبي = (شُبا) وتعني رقم سبعة. وهي بالعامية العراقية رقصة شعبية تكثر في مناطق العراق الغربية.

* وهذا تخريج ضعيف لأن عدد الراقصين ليس سبعة دائما. وهناك تخريج لهذه الكلمة قال به الراحل مصطفى جواد وهي مأخوذة من "الجوبة"/ ولا أدري إنْ كانت بالجيم المثلثة أو المُعَجَّمة بنقطة. أي فسحة الدار التي تجرى فيها الرقصة وفعلا فهي تسمى في بعض مناطق العراق الغربية الجوابة.

چراز = (كرز) هراوة /عصا.

چقل = (شقل) ينقل يحول وتعني الأحول، العيون الحولاء.

چمة = (كيما) وهي الكمأ في اللغة العربية وتلفظ بكشكشة ربيعة "جيم مثلثة"، ولا مدعاة لجعلها مندائية و قد تكون ذات أصل جزيري أكدي أو غيره فوجدت في العربية والمندائية وغيرهما.

دنغوس = (دكوشا) وتعني في المندائية الثاقب، النافذ، الحاد وهذه المعاني بعيدة عن المعنى العراقي حيث تعني (اللئيم/ الحقود) وتلفظ بالزاي "دنغوز".

دهدر = (دها + درا) دحرج، دفع.

يسوي = (شوا) يعمل.

* وهذا الفعل عربي فصيح وهو يسوي وسَوَّاهُ، نقرأ في المعجم: سواه أي قوّمه وعدّله، جعله سوِيًّا لا عِوَج فيه.

يشور = (شرا) يسحق يدمر.

يطر = (طرا) يدفع يصيب يفلق في المندائية.

* والفعل موجود في العربية بمعنى قريب على المعنى العراقي فهو معجم المعاني: طَرَّ الثَّوْبَ: شَقَّهُ وطَرَّهُ بِالسَّيْفِ: قَطَعَهُ.

يفسفس = (فسس) يبدد يتلف يدمر. لم أسمع بها بهذا المعنى في اللهجة العراقية الجنوبية.

يكرخ = (كرخ) يطوي ينكص / يطوي / يعود.

يگزل = (گزل) يعرج.

* وهذه الكلمة عربية فصحى تلفظ في اللهجة العراقية بقاف حميرية أي جيم قاهرية ويقول عنها معجم المعاني: قَزِلَ قَزِلَ َ قَزَلاً: عَرِجَ أَسوأَ العَرَج. وقَزِلَ دَقت ساقه لذَهاب لحمها. فهو أَقْزَلُ، وهي قزلاءُ. والجمع: قزْلٌ.

ومثلها يگلگ وهي في العربية والمندائية "يقلق" وتعني في المندائية كما يقول المؤلف تعني حول وزغللة في العينين.

يكنح = (كنح) يتباهي والقعقعة.

يهوبي = (هبا) يجبئ/ يخفي / يكتم.

يوز = (وزا) يثير/ يهر/ يحرك.

چنگال = (شن + كلل) يعرفه بأنه شيء يشبه سنارة الصيد. اعتقد أنه يقصد الخطاف المستعمل لتعليق الأشياء.

چيلة = (شولا) وتعني حفنة، كمية قبضة...

* وهذا تخريج ضعيف من شولا المندائية، وربما هي الكلمة العربية "كيلة وتقال في العامية بكشكشة ربيعة "جيم ثلاثية" بمعنى الطلقة أو الرصاصة وربما تكون لها علاقة بكمية أو كيلة البارود التي توضع في البنادق القديمة "كيلة البارود" ثم صارت تعني وحدة وزنية.

دايح = (دها) يدفع يطرد يخرج..

* وهذا معنى بعيد عن المراد بالدايح أي المتشرد والمتسكع في الطرقات وربما كانت لها علاقة بالفعل العربي "انداح الشيء: انبسط، امتد".

دردغ = (درغا) وتعني يمشي الهوينا خطوة فخطوة.

دغ = (دغا) وخز وحرك.

دغار = (دغر) كوم / كدس.

* أعتقد أنها وحدة وزنية في اللهجة العراقية وتلفظ بالتاء أو الطاء تغار/ طغار

دغش = (دغشا) خديعة/ طعن بالسكين.

هِبري = (هبر) الظلام/ العتمة/ الكدر/ ويعترف المؤلف أن معناها في العامية العراقية بعيد لأنها تعني فيها الفقر والعوز هنا.

هجَّ = (هكا) ويقول إنها مندائية تعني غادر وتحول.

* ولكنها عربية فصحى وبمعنها العراقي بالضبط. نقرأ في معجم المعاني (هجّ الشّخص = فرَّ إلى مكان بعيد من ظُلمٍ ونحوه كأنّه اشتعلت ناره: هَجّ من بلاده).

هرفي = (هرف) جاء مبكرا.

* وردت في كتاب طه باقر "من تراثنا اللغوي القديم" كمفردة أكدية وهي عربية فصحى أيضا نقرأ في المعجم الوسيط (هرفَّت النَّخْلةُ: عجَّلت ثمرها. وهَرَّفَ القومُ إلى الصَّلاة: عَجَّلوا. والهَرْف: ما يُعجَّل من الثَّمر وغيره.

هطار = (هطرا) العصا الغليظة.

هلهولة = (هيلولا) العرس / وهي تعني الزغرودة وليس العرس تماما وهذا ما سجله المؤلف فقال وقد ينسحب معنى العرس على الزغرودة.

زعطوط = (زوطا) صغير / وردت في كتاب طه باقر سالف الذكر كمفردة أكدية وآرامية تلفظ "سطوطا".

زفر = (زفر) نتن / زنخ.

زنجار = (زنگارا) صدأ.

زهر = (زهيرا) سم /

* ويستعمل في جنوب العراق لصيد الاسماك من عجينة خاصة تحتوي على مواد طبيعية سامة ومخدرة.

لهط = (لهط) ركض

مچاري = (شرا) الشخص الذي ينقل البضائع على الحيوانات.

* والكلمة عربية فصحى ووردت كثيرا في نصوص التراث القديمة بمعنها العراقي ولكنها تلفظ بكشكشة ربيعة "جيم مثلثة" ويقول المعجم (كارى يكاري كراءاً ومكاراة، وهو مكاري وهو الذي يستأجر لنقل المتاع ونحوه على الدواب أو غيرها من وسائل النقل، والجمع مكارون).

* نكتفي بهذا القدر من المتابعة شاكرين المؤلف على محاولته هذه، والتي كان يمكن أن تكون أكثر رصانة منهجية وفائدة معجمية لو أنها خلت من التعسف التأثيلي وابتعدت عن محاولات تكثير الكلمات العراقية ذات الأصل المندائي في اللهجة العراقية بأي طريقة كانت ومهما كان الثمن.

***

علاء اللامي

......................

* رابط لتحميل نسخة رقمية بي دي أف من كتاب "معجم المفردات المندائية في العامية العراقية":

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%B9%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-pdf-1669120348

عن منشورات مؤسسة دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع بعمّان في المملكة الأردنية، صدر كتاب جديد للباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة ؛ الأستاذ بكلية الآداب واللُّغات بجامعة عنابة، خلال هذه السنة: 2023م، بعنوان: « تحليل السرد الأدبي في ضوء المناهج النقدية المُعاصرة»، وقد ضم الكتاب مجموعة من المباحث والدراسات، التي تتصل بتحليل الخطاب السردي، حيث حلّل في مبحث مستقل قصة عروس الجبال للأديب رابح خدوسي، وهي قصة مُوّجهة إلى الأطفال، وقد خرج من خلال تحليله بجملة من الملاحظات، من بينها:

- ما يلفت النّظر في قصّة «عروس الجبال» هوّ ذلك التّضاد الماثل في الشّخصية المحوريّة الرئيسة (أهمامة) ومع من يتمّ معه العرس الشّيخ (بوراك)؛ إذ مثّلت الشّخصيّة الأولى دلالات الوقار، والجمال، والهدوء، واقتربت من المثاليّة، في حين شكّلت الشّخصية الثّانية صورة الكبر، والسّخرية، والجشع؛ وهنا تظهر المفارقة في اجتماع الضدين.

- تميّز الأديب رابح خدوسي برُقي وصفه، ودقته التي وصلت إلى درجة فنّية عاليّة، وبدت لغة المؤلّف الفصحى سهلة، وبسيطة، وابتعدت عن الغرابة، والتعقيد.

- لقد بدت شخصيّة (أهمامة) في قصّة «عروس الجبال» القيّمة المهيمنة الأساسيّة، والعنصر الرّئيس من خلال سيّاق البنية السّيميائية المنبعثة من مواقع تطوّر أحداث القصّة، وبحثا عن المغزى الدّلالي لهذه الشّخصية؛ نجدها شخصيّة باعثة للجمال في النّص السّردي، من خلال تجلّياتها الطّافحة في فضاء النّص، وتماهيها مع الطبيعة السّاحرة.

- وظّف المؤلّف في قصّة «عروس الجبال» مجموعة من تقنيّات السّرد، ومن أبرزها: الاستباق، والاسترجاع، والمشهد، والإجمال، والحذف، كما عمد إلى خلق حالة من التّنويع بين الوصف والسّرد والحوار، ويبدو أن غرضه من هذا الأمر إثراء طرائق الحكي، وجذب انتباه الطّفل القارئ إلى العمل القصصي، وقد كشفت الدّراسة في قراءتها السّيميائية عن تداخل خطابات عدّة في هذا النّص السّردي من أبرزها: الاجتماعي، والنّفسي، والخلقي، والديني، وغيرها....

- يقوم فنّ السّرد في قصّة «عرُوس الجبال» على تضمين حكاية داخل حكاية أخرى، بوساطة قنوات نقل الخبر، أو الاسترجاع، الذي يُراد به إيقاف عمليّة القص، والرّجوع إلى الوراء لاستحضار أحداث مُنصرمة وقعت في الماضي، تفصلنا عنها مسافات قد تقصر، أو تطول، وقد استلهم الكاتب في بعض محطات القصّة أسلوب السّرد العربي القديم باستدعائه أساليب القدماء في الحكي.

- نوّع الأديب رابح خدوسي في الأشكال الأساسيّة للحركة السرديّة، وهذا ما يندرج في إطار ما يُعرف باسم: (الديمومة)، والتي تعني دراسة الصّلة القائمة بين الحيّز الذي تستغرقه الأحداث في الحكاية - أي في زمن الخبر - والحيّز الذي تمتد عليه في النّص - أي في زمن الخطاب - .

- إنّ القارئ لقصّة: (عروس الجبال)، سيكتشف جملة من الأجواء التي تُبرز واقع القرية الجزائريّة البسيطة، ومن خلال أحداث القصّة ووقائعها، نلمس خضوعها لثنائيّات عديدة، وقد مكّنت تلك الثّنائيات - التي قمنا بذكرها في صلب البحث - الأديب رابح خدوسي من رصد ما يدور من عوالم في فضاء القرية الجزائريّة التي تدور فيها أحداث القصّة، ونقصد بذلك الحيز المكاني، فليس لأحد أن يشكّ في أنّ القصّة لا يُكتب لها النّجاح، إلاّ إذا أحسن الكاتب انتقاء الحيز المكاني، وهو القرية في قصّة (عروس الجبال)، التي تجري على ركحها الأحداث، والوقائع، والتّحولات، وتتحرك في فضاءاتها الشّخصيات المتباينة، ومن ثمّ فالمكان يقتضي، ويفرض علينا ضرورة أخذه بعين الاعتبار، فهو يؤثّر، ويتأثّر، ويتفاعل مع شخصيّات القصة، وأفكارها، كما يُحدث احتكاكاً، وتفاعلاً مع الكاتب نفسه.

وتوقف الأستاذ الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مبحث مستقل مع توظيف النقد الثقافي في تحليل الخطاب الروائي، ومن بين ما ورد في استهلال الكتاب: « إن هذا الكتاب، يهدف بصفة عامة إلى تقديم تصورات معرفية منطقية وواضحة لبعض جوانب السرد الأدبي من خلال تحليل الخطاب السردي الروائي والقصصي، وهناك تعريفات كثيرة قدمتها في هذا الكتاب حاولت الجمع فيها بين التراث والمعاصرة، من إجل إبراز رؤى وتصورات معرفية تُمكن القارئ من استجلاء بعض المعطيات والحقائق العلمية التي يثيرها هذا النشاط المعرفي، والتخصص العلمي الحديث، ولتحقيق هذه الأهداف، فقد قسمت الكتاب إلى ثلاثة مباحث هذا، وأملي أن أكون قد وفقت في لفت الانتباه، والتحسيس بأهمية هذا الموضوع المتصل بقضايا معرفية، ومنهجية تتصل بتحليل السرد الأدبي، وآمل أنني قد نجحت في جعل القارئ مدركاً للإطار العام لقضايا السرد الأدبي، والله ولي التوفيق».

***

صدر حديثًا عن مؤسسة "إي -ك ُتُب" كتاب جديد بعنوان: "وَعْيُ الحقيقة" للأستاذ الدكتور أكرم جلال كريم.

يقع الكتاب فى 378 صفحة من القطع الوسط. وممّا جاءَ في مقدّمة الكتاب:

إنَّ "الحقيقةَ" مَفهومٌ قد استحوَذَ على اهتمامِ المفكّرينَ والباحثينَ على مرّ السنين، فَكانَ ولا زال مَوضعَ عِنَايَة العُلماء العاملين، من حُكماء وَعُرفاء ومُتَكلّمين، حيثُ دَأَبَ على شَرحِ مَضامينه وَفَكِّ رموزِهِ الكثير من المُحققينَ والمُفسّرين والفلاسفة والمُفكّرين، منذ سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، إلى ديكارت، وكانط، والفارابي، وابن رشد، وابن سينا، وصدر المتألهين، والسيد الطباطبائي، والشيخ المُطهري، والشهيد الصدر، وآخرين.

" .. وَرُغمَ أنَّ الكثيرينَ يَرَون "الحقيقةَ" على أنَّها مفهوم شائك ومُعقَّد، إلا أنَّها دون شكّ مَوضع قبول الإدراكات العقليّة، وعناية الموروثات النقليّة؛ فالحقيقةُ ما بَرِحَت عنوان تَزخر به كتابات الباحثين والمفكرين لما تحمله مِن قِيَمٍ مَعرفية، وأَثَرات وجوديّة، ومعايير جوهريّة، تُعين على مَعرفة الخالق والمخلوقات، ومرتبة أخلاقية في بناء المجتمعات وَتَحصيل الاستقرار السياسي وتحقيق النَّماء والازدهار الاقتصادي، وقاعدة مَوضوعيّة نَفرقُ بها بينَ الحقّ والباطل، والخير والشرّ، والصَّحيح والمُزيَّف؛ إنَّها بوصلة الطالبين نحو التَّكامل، ودليل القاصدين نَحوَ مَراتب القُرب مِنَ الحقّ جَلَّ جَلاله.

وَلَئِن وَصَفَتها كُتبُ الألفاظ وَمَعاجمُ المعاني على أنَّها الشيء الثابت اليقينيّ، وارتبطت وتوافقت مع الجّوهر الواقعيّ، إلا أنَّها لَم تَسْلَم مِنَ التَّزييفَ والتَّحريفَ والتّشويه، الأمر الذي جَعَلَ من إدراك الحقيقة مسألة شاقَّة، ومهمَّة مُضْنِيَة؛ فَتَعَدّدت الطرق نحو فَهْمها، وَتَنَوَّعَت السُّبُل لاستيعابها، فالبعضُ كانَ يَطلبها من بابَ البراهين العقليّة والنصوص النقليّة، والبعض من بابِ العرفان الوجدانيّ، وآخرون عِبرَ المعرفة الذّوقية واللّدنيّة.

وَلَو تَمَعَنّا وتدبَّرنا جَليًّا بماهيّة الحقيقة لوجدنا أنَّها تفوق بمقيمتها الجوهريّة جميع المَعاني الظّاهريّة التي صوّرتها لنا بعض النظريّات الفكريّة والفلسفيّة، فالحقيقةُ أكبرُ مِن أنْ تُوضَعَ مُكبَّلةً في خانَةِ التَجريبيّة، أو الظرفيّة، أو الإقتصادية، أو السياسية، بل هي تفوق حتى النتاجات البحثيّة والتأملات الفلسفيّة. لقد أصبح هذا المفهوم الجوهريّ لعبةً تتقاذفه المنافع السياسية، والمصالح الاقتصادية، وساحةً لتصفية الصراعات الفكريّة والعقائديّة، الأمر الذي جَعَلَ من هذا المدلول السّامي مفرَّغٌ من معانيه الرّفيعة، ومجرّد من مؤدَّياته العميقة، نتيجة ما أصابه مِن تَزييفَ واخْتِلاق وافْتِراء، حتى باتَتِ الحَقائق المُشوَّهة أو المُصطَنعة مقصَدَ الغافلين، وغايَةَ التّائهين، ومطلَبَ الطّامعين.

إنَّ البَحثَ عَن الحقيقةِ لا يَعني الاستغراقَ في مَتاهات الفوضى المَعرفية أو الانشغال في فراغات العموميّات المُجرّدة، وإنّما مُقَارَعَة الباطل، ورفض التزوير والتحريف، والابتعاد عَن دائِرَةِ الظّنونِ والأوهام، والتدرّع بمرتكزات النَّفس، والإرادة الحُرَّة، والعقل، والمعرفة، والواقع. لذلك فإنَّ الكثيرين مِنَ الحُكَماء والمُتكلّمين يعتبرون أنَّ المحطّةَ الأولى في مَسيرةِ الإنسانِ نَحو وَعيِ الحَقيقة يكمن في فَهمِ ماهيَّتها أولًا، تلكَ التي تفرضُ علينا واجبَ الابتعاد عَن المحدوديّات المُصطَنَعة، والسطحيّات المانِعَة، الشبهات الخادعة، وأنْ نهجر ظلمة الشكّ نحو نور اليقين، من أجل الاقتراب مِن معرفةِ الحقيقة اليقينيّة، والتي تمثّلُ الأصلَ والمَنبَعَ لِجَميع الحقائق في عالَم الإمكان، فالحقيقةُ واليقين صنوان لا يفترقان.

والحقيقةُ هي خلاصة التطابق بين الإدراك العقلي وبين الأشياء الحقيقيّة في مظهرها وجوهرها الواقعي، وكما أنَّ العَقلَ الإنسانيّ مَوجودٌ ومَخلوق، وأنَّ كلَّ الموجودات هيَ في الواقع مخلوقات، فاللهُ تعالى قَد خَلَقَ كُلّ شيء بِقَدر ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، فالأشياء بطبيعتها الخَّلقية، ما لَم تخضع للتزييف والتحريف، هي مُنتظمة ومتطابقة مع العقل السَّليم. فالأشياء في عالم الإمكان، والتي يدركها ويحكم عليها العقل، هي حقائق جزئية، لأنَّها مظاهر وتجلّيات لأسماء الله تعالى وصفاته.

وَرُغمَ أنَّ الواقِعَ يَفرض مَبدأ التَوَافُق والانسجام بين الموجودات وبين العقل الإنساني السّليم، وأنَّ فكرةَ الخالقيّة والعقل الإنساني لا يتعارضان، إلا أنَّ ظاهر الموجودات قد تخضع للتّحريف، وقد تتقبّلها بعض العقول على أنَّها حقائق وجوديّة، وهي في الواقع "غير حقيقية". فالنظامُ والإبداعُ في خَلقِ الموجودات تَفرضه ماهيّة الحقائق الكامن في جوهر تلك الأشياء، ويؤكّده ويحكم عليه العقل الإنساني حينما يكون الأخير قد بَلَغ مراتب التكامل، وأصبح مؤهّلًا لإبصار جوهر الأشياء الحقيقي، لا المظاهر الصوريّة. فَكُلّ المَوجودات قَد أوجدَها الخالق على أنَّها حَقائق في ظاهرها وجَوهَرِها ما لَم تَخضَع للتَّحريفِ والتَّزييفِ مِن قِبَلِ المَخلوق.

وهكذا، كلّما أزداد الإنسان جُرأةً في تحريف الحقائق كلّما أصابه التّيه والوحشة وأزداد بُعدًا عن الله تعالى، قال الله تعالى وهو يُخبر عن الشيطان وعزمه على تزييف الحقائق: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾[النساء: 119]. وفي المُقابل، كلّما ازداد الإنسان معرفةً ووعيًا وإدراكًا بالله تعالى من خلالِ مَعرفة أسمائِهِ وَصفاته، كلّما كانَ أكثَرَ وَعيًا بحقائق الموجودات، لأنَّها مظاهر وتجلّيات لتلك الأسماء والصفات، قال تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾[الأنعام: 122].

***

ونَحنُ في هذا الكتاب لَسْنا بِصَدَدِ الاكتفاء بمناقشة الاتجاهات الفلسفيّة لمفهوم الحقيقة، فَعَلى الرّغم مما تحويه من آراء فكريّة ومفاهيم قيّمة، إلا أنَّ الأبواب والفصول تستند كذلك إلى أسس عقائدية واطروحات كلاميّة ومدارس عرفانية، من أجل تقديم صورة واضحة لمفهوم الحقيقة، وتُفصّل في الوسائل التي تعين على بُلُوغِ وَعْيٍ مُتقدّم لحقائق الأشياء، وتميّز بينَ الحقيقة واللّاحقيقة، وبين المطلقة والنسبية، والثابتة والمتغيّرة، واليقينيّة والترجيحيّة، والذاتيّة والموضوعيّة.

إنَّ القرآن الكريم هو دليل السالكين نحو وعي الحقائق بيقين، لا بمقامه اللّفظي فقط بل باتّحاد جميع مقاماته ومراتبه: العَرشيّة، والمَلكوتيّة، والماديّة، والبيانيّة؛ وأنَّ الأسرار الحقيقية والمضامين النورانيّة لآيات الكتاب المُبين لا يَقدر على حَملها ولا يَعلم تفسيرها ولا تأويلها إلا مَن اختارهم الله تعالى ليكونوا عِدْل القرآن، أولئك الذين كانوا، ولا زالوا، وَسَيبقون مع القرآن لا يفترقون، وهُم النبيَّ المُصطفى والأئمة المَعصومين مِن ذُريّته (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)، فَهُم وحدهم مَن بَلَغوا مَقام حيازة عِلم الكتاب بأكمله، واختصَّهم اللهُ تعالى بالولاية التكوينية، وأَمَدَّهم بقدرة التصرّف بمفردات لوح الوجود. والإنسانُ وَبِحُكم سَيره نَحو التّكامل الروحيّ وبلوغ مقامات القرب الإلهي، أو ما يُطلق عليه بقوس الصعود، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الإنشقاق: 6]، فهو وَمِن أجل إدراك الحقيقة عليه التمسّك بهذين الثَّقلين، كتاب الله تعالى والعترة المُطهَّرة.

والحقيقة الإلهية هي كالنّور، كاشِفٌ لنَفسِهِ ولِغَيره، أي أنَّه جَلَّ جلاله حقيقة تامَّة، وكاملة، ومطلقة، فهو مُظهرٌ لنفسه عبر أسمائه وصفاته، ودالٌّ على غيره، وأنَّ جميع حقائق الأشياء في جميع العوالم إنّما هي مظاهر وتجلّيات لحقيقة وجوده ونور كماله. فالله تعالى هوَ نورُ السمواتِ والأرض، وَهُوَ جلّ جلاله نُورُ ظُهور وفيض، يفيض مِن نُورِهِ على الموجودات في عالَمِ الإمكان؛ فَهُوَ النّورُ وَمِنهُ النُّور، وهو بذلك يكون الحقيقة التي تكشف عن جميع حقائق الممكنات في جميع العوالم. والله تعالى (الموجود الحقيقي، التّام والمطلق في كمال وجوده) الذي يفيض على مخلوقاتها من أنوار قدسه، مَثَلُ نُورِهِ كمصباح نَيِّر وَضَّاح في زجاجة الحقائق المُتعالية ينير به الحقائق السفليّة. فمن أنواره الصمديّة برَزَت الحقيقة المحمديّة، حيث تجَلَّت حقيقيةُ نُور الأحديّة وَرَفَعت حُجب كثرة الأسماء التى في مقام الواحدية، فأنكشفت حقائق الأشياء من حيث أنّها تجليات للأسماء والصفات. وأنّ هذا الإظهار للأشياء هو إظهارٌ مَعنوي لا حسّي، فالنورُ هو الكاشف عن حقائق وجواهر الأشياء، "يهدي الله لنوره من يشاء"، والمضيء لديجور الممكنات، والرافع للظلمات.

والكتاب مُقسَّم إلى أربعةِ أبواب، وكلّ باب مُهيكل إلى عدّة فصول، وبعض هذه الفصول لها مباحث متعددة. والباب الأول عنوانه: " الحَقيقةُ في أرْوِقَةِ المَدارِسِ الفَلسفيّة "، ويحتوي على سبعة فصول، وبعض هذه الفصول تتفرّع إلى عدَّة مباحث. وأمّا الباب الثاني فعنوانه " مفهوم الحقيقةُ في دَهاليز السياسة المُظلمة "، وهو الآخر مقسّم إلى فصول وعددها عشرة. والباب الثالث حَمَل عنوان: " الخطاب الديني وأثر الحقيقة في تعميق وَعي المُتلقّي "، وفيه ستة فصول، وبعض هذه الفصول مقسمة إلى مباحث. وأمّا الباب الرابع والأخير فقد حَمَل عنوان: " مَفهوم الحقيقةُ في الفكر الإسلامي "، وفيه ثمانية فصول، وبعض هذه الفصول مُصنّفة إلى مباحث.

ويخلص الكتاب إلى أنّ الإنسان لا يبلغ مرتبة وعي حقيقة الموجودات ما لم يطوي المراتب نحو وَعي حقيقة الواجد، وأنَّ الاقتراب من معرفة الواجد والتزوّد من فيوضات القُرب منه سينير الطريق ويعمّق الوعي، ويُخرج الطالب من اللاحقيقة إلى الحقيقة، ويكتشف حقائق الموجودات بجواهرها الحقيقيّة لا بمظاهرها الخارجية.

وأخيرًا فإنَّ الطالب لنيل مقامات القُرب مِنَ الحقيقة المطلقة، ومن أجل رفع جميع الحُجُب والموانع، عليه أولًا أن يَخرجَ مِن سجن الشهوات الحيوانيّة وحب الأنا الموحشة والظلمائية، ويتطهّر بماء العشق الإلهي، ويسحق الأنا في ذاته، تاركًا الدّار السفلى ومحلّقًا نحو المقامات العليا حيثُ القُرب مِنَ الحقيقة المُطلقة. إنَّ العبادة الحقّة والسّير الحَثيث، والتمسّك بالثَّقَلين، ستَكون كفيلة بجذبِ السّالك نَحوَ وعي الحقيقة، وَنَيل مقام القُرب من الوجود الحَقيقيّ اليقينيّ؛ مقامٌ لا يَرى فيه العبدُ إلا اللهَ وجودًا حقيقيًا، وأمّا حقائق باقي المَوجودات فهيَ مِنَ أنوارِ وجوده جَلَّ جلاله.

***

د. أكرم جلال كريم

29 / شوّال / 1444 هـ،‍ الموافق 19 / مايو/ 2023 م.

صدر عن دار الخليج للنشر والتوزيع مؤلف جديد تحت عنوان الترجمة وتعليم اللغات الأجنبية والتعدد اللغوي، وهو ثمرة تعاون بين مختبر الترجمة وحوار الثقافات وتكامل المعارف التابع لجامعة القاضي عياض، ومركز الكندي للترجمة والتدريب. والكتاب الذي يقع في حوالي 450 صفحة في حقيقته أبحاث قدمت ضمن الندوة الدولية التي عقدت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش يومي 24 و 25 نونبر 2021 تكريما للدكتور علي القاسمي، الغني عن التعريف، إذ هو أحد أعلام اللغة العربية ورائد من رواد الثقافة والترجمة والأدب المتميزين في العالم العربي، والعالم بأسره. أنه واحد ممن جمع بين المشرق والمغرب مقاما وأهلا، والشرق والغرب أدبا وعلما. وقد جمع المؤتمر باحثين وممارسين من جامعات مغربية ومن خارجها لمناقشة جميع الجوانب المتعلقة بدراسات الترجمة، والتواصل بين الثقافات، وتعليم اللغات الأجنبية، والتعدد اللغوي من أجل تعزيز تدريس الترجمة، وتبادل الخبرات في مجالات أبحاث الترجمة وتدريسها ضمن المناهج الأكاديمية، وتوعية الأكاديميين والمسؤولين بالدور المهم الذي تلعبه الترجمة في التواصل بين الثقافات ونشر المعرفة. وهكذا فقد عرف هذا المؤتمر مشاركات من بلجيكا، والمملكة العربية السعودية، وإسبانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى مشاركين من جل المدن المغربية مثل مكناس، وأكادير، والجديدة، وبني ملال، والرباط، والدار البيضاء، وطنجة. وقد اتسم المؤتمر بتواجد جمهور عريض من الباحثين والمتتبعين. وأقيم معرض لمؤلفات الدكتور علي القاسمي موازاة مع المؤتمر.

وجدير بالذكر في هذا السياق أن هذه الندوة التكريمية التي عقدت بمراكش هي الخامسة من نوعها التي عقدت تكريما للدكتور علي القاسمي اعترافا بإسهاماته المتميزة في المحاور الثلاثة المذكورة سابقا كما في غيرها. وهذا ما تعبر عنه الصورة الجميلة التي زينت الغلاف الخارجي للكتاب، وهي الصورة المعبرة التي تجمع بين صورة فوتوغرافية للدكتور علي القاسمي، ونماذج من مؤلفاته في المجالات التي هي محور الكتاب في تصميم توحي أن هذه اللآلئ من وحي هذا المفكر. وجدير بالذكر كذلك أن الدكتور علي القاسمي قد تولى اختار المؤلفات التي زينت صفحاتها الأولى الغلاف الخارجي للكتاب إذ أن مؤلفات الدكتور علي القاسمي تفوق الخمسين بكثير مما يجعل مسألة تضمينها جميعا في صورة الغلاف أمرا مستحيلا أو شبه مستحيل.

وقد جمع الكتاب بين دفتيه 23 مقالا باللغات العربية والانجليزية والفرنسية والاسبانية. وتتمحور هذه المقالات حول المواضيع الثلاث التي تطرقت لها الندوة، أي الترجمة وتعليم اللغات الأجنبية والتعدد اللغوي، وهي مواضيع تتداخل فيما بينها تداخلا وثيقا، وتكتسي راهنية في الظروف الحالية على ضوء النقاشات المستمرة حول اللغة والهوية.

وغير خاف ما لهذه المواضيع من أهمية. فقد سال مداد كثير حول أهمية الترجمة ودورها في حياة الإنسان بشكل عام، وتطوير البحث العلمي، و التبادل الثقافي، و تقريب الثقافات، واللحاق بالتقدم العلمي، والنهوض بالفكر الإنساني بشكل خاص. وبتعبير آخر، تلعب الترجمة دورا بارزا في مدِّ جسور التواصل بين الذات والآخر على مستوى الأفراد والأمم. فللترجمة قصب السبق في نقل المعلومات والآداب بين الحضارات والتبادل العلمي والثقافي. ولقد ساهمت الترجمة على مر العصور في قيام النهضات الكبرى في العالم بأسره. ويمكن القول أن الأمم المتقدمة في العالم هي الأكثر نشاطا من حيث الترجمة. ويمكن قول نفس الشيء كذلك حول التعدد اللغوي، الذي لم يعد واقعا فقط، بل وأصبح مطلبا كذلك في كثير من الدول لتعزيز التنوع الثقافي، والانفتاح على الثقافات والمعارف الأجنبية. وهكذا يتضح أن الانفتاح على الآخر وثقافاته ومعارفه يتم عبر بوابتين مختلفتين: بوابة الترجمة وبوابة التعدد اللغوي، أي تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها. فالترجمة في حقيقة الأمر لا تقصي التعدد اللغوي، إذ يعد الهدف واحدا وهو تحقيق هدف التنمية المستدامة. وطالما أن التعدد اللغوي قد أصبح حقيقة ومطلبا فإن تعليم اللغات الأجنبية يكتسي أهمية كبيرة كذلك. وهكذا فقد تناولت البحوث المنشورة بالكتاب تحليل الوضع الحالي لأبحاث الترجمة وطرق تدريسها في ما يتعلق بالقضايا ذات الصلة، ولاسيما تدريس اللغات الأجنبية والتعدد اللغوي.

ومن المقالات المتميزة التي جمعها الكتاب مقال للباحث الدكتور طلال الطاهر قطبي من جامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية (الكلية الجامعية بتربة) حول معالم الترجمة واستراتيجياتها عند علي القاسمي تناول فيه الأنواع الأدبية المتعددة التي تناولها الدكتور علي القاسمي بالترجمة وكذلك عقبات الترجمة وتحدياتها كما ناقشها المترجم.

في حين ناقشت الأستاذة فتيحة غلام من جامعة الحسن الثاني (كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق - الدار البيضاء) موضوع "الفعل الترجمي الإبداعي ورهانات المثاقفة التعليمية: ترجمة علي القاسمي روايةَ الشيخ والبحر نموذجا". أما حكيمة خمار من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس − الرباط فقد ناقشت مسألة الترجمة البيداغوجية، إذ "تعد الترجمة البيداغوجية والاستعمال السليم للتكنولوجيا، وكذا خلق أنشطة مختلفة تعلمية وتعليمية من بين الطرق العلمية التي تتيح للمدرس أن يدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها بشكل فعال لتحقيق أهداف معرفية وتواصلية". وتناولت الأستاذتان فاطمة اخدجو و سلوى الدهبي من كلية اللغة العربية (من جامعة القاضي عياض) مسألة إكراهات تدريس الترجمة: الكفاءة اللسانية نموذجا إذ "إن اختيار الطريقة المناسبة في الترجمة لتدريس نصوص مختلفة صرفيا وتركيبيا ودلاليا وأسلوبيا والحفاظ على كل القيم التي تحتويها يطرح تحديات جمة أمام المترجم. كما أن الوظيفة المعقدة لعملية الترجمة والمشاكل التي تطرحها يجعل تدريسها أمرا صعبا، خصوصا أن هناك مجموعة من الإشكالات تعترض تدريس الترجمة سواء أكانت معجمية، أم دلالية، أم نحوية، أم خطابية، أم تداولية، أم ثقافية."

وبحث الأستاذ عز الدين غازي من جامعة القاضي عياض – مراكش في الترجمة الآلية باستعمال منصة NooJ انطلاقا من ترجمة البناء للمجهول من العربية إلى الإنجليزية قصد التغلب على بعض الصعوبات العملية في الترجمة الآلية، والتي عادة ما تنجم عن اختلاف البنيات التركيبة، ولاسيما عند ترجمة البنيات المجهولة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية. أما الدكتور عبد الرحمن السليمان من جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا فقد تحدث عن تجربته في ترجمة المجموعة القصصية أوان الرحيل إلى اللغة الهولندية ولاسيما من خلال قصة القادم المجهول. وما يجعل هذه المجموعة القصصية جديرة بالترجمة هو أن الكاتب استطاع حسب تعبير صاحب المقال " أن يغوص إلى أعماق الإنسان ... في لغته وحبكته وخياله وقدرته النفسانية غير المحدودة على سبر أغوار النفس البشرية التي جُبِلَت على ما جُبِلَت عليها من أسرارٍ وعُقَدٍ لا يستطيع إلا مَن أوتي مثلما أُوتِي الدكتور علي القاسمي أن يَحُلَّها ولأن هذه المجموعة القصصية بالذات تجعلك ترى الكابوسَ تلو لآخر بعد قراءتها وكأنك على موعد معه". لذلك فهذه المجموعة القصصية "جديرة بالترجمة إلى لغات الأرض، ليس لتعريف العالم بمبدع كالدكتور علي القاسمي فحسب، بل لتعليم ساكنيه كيف يتأملوا في النهايات بلا فزع، وكيف يتهيّؤون للرحيل بلا هلع، ولكن في أجزلِ لفظ، وأرقِّ عبارة، وأدقِّ حَبكةٍ وفي أروع لوحةٍ فنيةٍ رسمتها يدُ الأديب الذي يعرف الإنسان وخوابئَ نَفسِه أكثر من أي طبيب نفساني ماهر".

وقد تناول الأستاذان محمد ناجي وأنس ملموس (من جامعة مولاي إسماعيل – مكناس) بالبحث دور الترجمة في تعليم اللغة العربية لغة أجنبية باعتبارها " وسيلة أو طريقة تعليمية ناجعة في عملية تعليم اللغات الأجنبية بشكل عام، وتعليم اللغة العربية باعتبارها لغة أجنبية بشكل خاص ومحدد، فضلا عن كونها تعمل على إبراز الأهمية التي تحظى بها الترجمة في المساعدة على تبليغ المضامين والمحتويات التعليمية وإيصالهما للمتعلمين للغة العربية غير الناطقين بها.".

أما الأستاذة فاطمة سحام من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض – مراكش فقد طرحت الإشكالية التالية: هل الترجمة تواصل أم تثاقف ...؟ لتجيب عن الإشكالية من خلال دراسة مقارنة لمسرحية "فاوست" لكاتبها "غوته" بالترجمة العربية التي أنجزها أمين الريحاني تحت عنوان "رسالة الشيطان".

وقد تساءل الكاتب والمترجم مصطفى شقيب (المغرب): ماذا يريد أن يقول الدكتور علي القاسمي؟ ليتحدث عن رسالة هذا الأديب والناقد والمترجم.

ونجد من ضمن المقالات التي تضمنها الكتاب باللغات الأجنية مقالا للأستاذ حسن درير تناول فيه بالبحث مشكلات الترجمة واستراتيجياتها انطلاقا من المصطلحات المرتبطة بالثقافة في رواية الشيخ والبحر من خلال مفاهيم الغرابة (أو الإغراب) والاغتراس (أو الانغراس) الثقافي من جهة، أو التوطين والتغريب وغيرها من المفاهيم المستجدة في نظرية الترجمة من جهة أخرى. وعقد مقارنة بين 6 ترجمات عربية لهذه القصة. كما نجد مقالا للأستاذ نور الدين عزمي من المدرسة العليا للتجارة والتدبير التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش حول استعمال تمارين الترجمة في بيئة تعليمية لأهداف خاصة ومنفتحة على تكنولوجيا المعلومات على ضوء الأبحاث المستجدة والاهتمام المتجدد باستعمال تمارين الترجمة بصفتها وسيلة تعليمية في دروس تعليم اللغات الأجنبية. وتحدثت الأستاذة ماري إفلين لوبدر من جامعة غرناطة عن تجربتها في ترجمة رواية مرافئ الحب السبعة أو بالأحرى مراجعتها لها في علاقة مع مشكلات الترجمة الأدبية -ومن بينها مشكلة الإحالات الثقافية- إضافة إلى مقالات أخرى.

وقد توج هذا الكتاب بالكلمة الختامية التي ألقاها الدكتور علي القاسمي في الجلسة الختامية للمؤتمر. وتناول فيها بالبحث موضوع السعادة الذي يعد أهمُّ موضوع في الدراسات الإنسانية في الوقت الحاضر. وقد تطرق الدكتور المحتفى به في البداية لشروط السعادة. ومما ورد في كلمته بهذا الصدد أنه "في طليعة الصفات الواجب توافرها في الفرد لتحقيق السعادة عمليا التفكير الإيجابي الذي يتأتى....من محبة المكان الذي يقيم فيه الإنسان، ومحبة الناس الذين يعيش بينهم، ومحبة العمل الذي يزاوله. فبالحب ينفعل الوجود". وأضاف الدكتور علي القاسمي،" وهذا ما وفّره لي المغربُ العزيز بكل سخاء". ثم تطرق لتجربته في المغرب وعبر عن سعادته للتواجد في هذا البلد العزيز، وتقديره لكرم المغاربة. وله في ذلك طرائف ونوادر عجيبة يحسن العودة إليها في مضانها من الكتاب. ثم عرج الكاتب على شجاعة المغاربة، ولم ينس الإشادة بعلماء كبار من المغرب عاشرهم في مسيرته الطويلة.

وخلاصة القول أن الكتاب جدير بالمطالعة لأهمية المحاور التي يطرحها وراهنيتها وتنوعها. وعلاوة على ذلك فهو يشكل أول مرجع يجمع بين المحاور الثلاث، ويأتي بحق تكريما للدكتور علي القاسمي اعترافا بجهوده في المجالات المشار إليها.

***

تنسيق حسن درير وآخرين

من ضمن إصدارات مكتبة النهضة العربية صدر في بغداد كتاب بعنوان "هارب من الإعدام" بالقطع الكبير وبعدد صفحات بلغت 437 وزعت على خمسة فصول ومجموعة من الصور التوثيقية. قدم للكتاب بمقدمة وشرح مسهب المرحوم الدكتور كاظم حبيب.

الكتاب بفصوله الخمسة، سفر مفعم بالحيوية والغنى المعرفي والمعلومة القيمة.

يحتوي الكتاب على سيرة ذاتية للدكتور خليل عبد العزيز، ومن خلال هذه السيرة، يوثق الدكتور خليل بذاكرته الحية اليقظة الكثير من الأحداث. حيث نشأ في الموصل وعاصر منذ طفولته الكثير من وقائع جرت على أديم أرض تلك المدينة المعطاء. وقادته مشاركاته في تلك الأحداث إلى حافة الإعدام بعد أن كان واحدا من قادة الحركة المضادة لمؤامرة العقيد الشواف،مما اضطر الحزب الشيوعي لاتخاذ قرار بتهريبه إلى موسكو ، لتبدأ برحلته تلك فصول مرحلة جديدة بالغة الأهمية مليئة بالأحداث والصراعات والتقاطعات، حيث ابتدأت بتوتر العلاقة مع حزبه بسبب عناده وعصاميته ورغبته بالدراسة في موقع غير ما اختاره الحزب له.

خلال وجوده في الاتحاد السوفيتي عاصر الدكتور خليل أغلب قيادات الحزب الشيوعي العراقي ورافقهم في الكثير من مراحل وجودهم هناك على عهد الشهيد سلام عادل ومن ثم الرفيق عزيز محمد وباقي قيادة وكوادر ح ش ع.

أكمل الدراسة في كلية الصحافة وعمل خلال تلك الفترة في الصحافة السوفيتية مثل صحيفة برافدا ووكالة أنباء نوفوستي وغيرهما. ومن ثم توجه إلى القاهرة للإعداد لشهادة الدكتوراه في أطروحة عن الصحافة المصرية. وخلال تلك الفترة أقام علاقات كثيرة سمحت له بالاطلاع على وقائع الأحداث والخلافات التي شابت علاقات القوى السياسية هناك ومن بعضها الضغوط التي تعرض لها الحزب الشيوعي المصري خلال فترة تشكيل الاتحاد الاشتراكي، ليعود بعدها إلى موسكو .

نيله الدكتوراه أهله ليكون موظفا في واحد من أهم مراكز البحث والقرار في موسكو. فقد نال إعجاب بابا جان غفوروف الرئيس التنفيذي لمعهد الاستشراق، الذي وجد في الدكتور عبد العزيز سمات جيدة وتفكير سليم إضافة للنشاط والجدية ،والتي تؤهله ليكون موظفا في المعهد. ويعد هذا المعهد على عهد السوفيتات أحد أهم مراكز الاستشارة والدراسات ذات التأثير الفاعل فيما تتخذه السلطة السوفيتية من قرارات . ومن خلال مركزه في معهد الاستشراق استطاع الدكتور عبد العزيز الحصول على كم هائل من المعلومة والاطلاع على أسرار وخفايا السياسة السوفيتية والعلاقات الدولية.فكان شاهدا حيا على الكثير من الوقائع والمباحثات وشارك بالعديد من النقاشات والبحوث التي كانت تعد أو تطرح في عموم المقابلات واللقاءات والدراسات داخل البعض من أروقة السلطة السوفيتية أو في اللقاءات بين الحزب الشيوعي السوفيتي وباقي الأحزاب العربية وغير العربية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العراقي.

وبسبب قدراته واجتهاده وحيويته، اقترب كثيرا من شخصيات سياسية سوفيتية ودولية، وسنحت له الفرصة اللقاء بهم ومحاورتهم لغرض التحقيقات الصحفية أو لغرض إجراء حوارات شخصية .ورافق العديد منهم، وبات شاهدا على الكثير من الحوادث والأسرار الخاصة بتلك الشخصيات

وصل الدكتور خليل عبد العزيز إلى موسكو على عهد قيادة الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي نيكيتا خروتشوف وعاصر أيضا قيادة ليونيد برجنيف ومن ثم يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرينتكو وأخيرا ميخائيل غرباتشوف. ولم تنقطع علاقته بموسكو حتى بعد خروجه منها وذهابه إلى اليمن الديمقراطي كمستشار للأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني عبد الفتاح إسماعيل، ثم خروجه من اليمن بعد الأحداث الكبيرة التي حدثت هناك وسفره إلى ألمانيا الديمقراطية ثم وصوله إلى السويد.

كان عهد السوفيتات عهدا له طابعه وسماته الخاصة. فكان ذلك الكيان القوي باشراقاته وجاذبيته يتمتع بمكانة كبيرة عند الملايين من البشر في جميع أنحاء الكون، وكان تأثيره شديدا لدرجة استحوذ على العقول والأفئدة، وصل في بعضها حد القدسية، وبات ينظر له كقوة ولدت لتكون المنقذ والمخلص للبشرية من لوثات لطخت وجه العالم جراء ما أحدثته حروب الرأسمالية من بشاعات. وبات الطريق الاشتراكي الذي سلكه الاتحاد السوفيتي يستهوي شعوبا بكاملها، وعممت صور باذخة عن حياة الرخاء والسعادة والطمأنينة التي تغمر حياة شعوبه ودوله، الممتدة على رقعة كانت تستحوذ على ما يقارب سدس المساحة الإجمالية للكرة الأرضية. وكانت رسالته إلى العالم تحث على تحولات عظيمة في الحياة الروحية والاجتماعية والاقتصادية لعموم البشرية، رسالة الاشتراكية بتطبيق النموذج اللينيني للماركسية . استمر هذا الكيان العظيم يرفد البشرية بالعديد من الابتكارات والأفكار والتقنيات، ويقدم الدعم والتأييد للكثير من الدول وحركات التحرر الوطني وقواها السياسية.

ولم يفت الدكتور خليل عبد العزيز أن يؤشر ويكشف في كتابه (هارب من الإعدام) العديد من الظواهر التي واجهها خلال وجوده هناك، فتطرق لطبيعة الدراسة في الجامعات وما حوت من وقائع بعضها كان يبدو سلبيا وغير منطقي. أيضا تحدث عن مجريات ودراسات وبحوث ووقائع عمل في معهد الاستشراق. وتناول أيضا الإعلام والصحافة السوفيتية ،كذلك سياسة ح ش سوفيتي وعلاقته بالأحزاب الشيوعية العربية ، ومآل شعار الصداقة بين الشعوب الذي طرحه لينين بداية الثورة البلشفية،وعن الإنتاج الصناعي والزراعي ومشاكله، والانهيار الذي تعرض له اقتصاد الاتحاد جراء التلاعب والسرقات والتمويه والبيروقراطية، وأبدى رأيه في أسباب سقوط الاتحاد السوفيتي وسلط الضوء على الكثير من الوقائع السياسية فاضحا اسبابها وأيضا من خلالها العديد من المواقف والسياسات الخاطئة التي كانت تنخر في عمق الاتحاد وتدفع به نحو الهاوية.

أشر الدكتور عبد العزيز في كتابه بصدق وقوة ما كان يعتري الاتحاد السوفيتي من علل ومشاكل منها البيروقراطية والفساد والانتهازية والصراع داخل القيادات على المناصب والاستحواذ على المال العام وغيرها من الخطايا والموبقات. ومثل هذه المساوئ جرفت بعيدا نحو الخلف القيم الخلاقة لروح الشيوعية والمبادئ التي سبق وتبناها الحزب الشيوعي ورسختها الدولة في بداية النشوء، ومن خلال دستور ومواثيق الاتحاد.

تلك التشوهات أدت في النهاية إلى سيطرة امن الدولة  KGB على مقدرات الاتحاد وبات هذا الجهاز السياسي والأمني، الحاكم والقائد الفعلي لمفاصل الدولة، بل أصبح يتدخل بشكل سافر في أدق تفاصيل الحياة العامة والخاصة لأفراد الشعوب الاتحادية. ومع كل هذه التحولات أصبح نظام الحكم قمعيا كابحا للحريات. ووفق راية وشعار دكتاتورية البروليتاريا حسم أمر الحياة السياسية بغلق جميع المنافذ بوجه أي معارضة أو ترويج لأفكار. وأبعد وغيب الكثير من المعترضين أصحاب الأصوات التي كانت تفصح عن آرائها أو تطالب بالإصلاح وتنتقد بعض السياسات.

كل تلك العيوب والإخفاقات قادت في النهاية إلى الزلزال الذي هز العالم وليس فقط الاتحاد السوفيتي، حيث انهار البناء وانفرطت تلك الكتلة التي شيدت على أسس الفكر والروابط الاشتراكية الشيوعية .ومع انهياره تبدلت الكثير من قواعد وعقد السياسة في العلاقات الدولية .

كتاب هارب من الإعدام سجل حي لذاكرة الشيوعي المخضرم الدكتور خليل عبد العزيز، يمثل إضافة نوعية مهمة ورائدة للمكتبة العربية، وسفر مشوق يوثق واحدة من أهم مفاصل تاريخ ليس فقط الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية وإنما يلج ويغربل البعض من العلاقات الدولية ومجرياتها بأبعادها الغريبة والحيوية والصادمة أيضا.

***

فرات المحسن

مسيرة ابداعية حافلة بالعطاء أثمرت أربعين كتابا وما زال يواصل رسالتها بجد الباحث المثابر نبيل عبد الامير الربيعي حيث أصدر مؤخرا كتابه (عبدالله حلواص ــ سيرة ومحطات) الذي يمثل شهادة صادقة بحق شخصية نضالية مهمة من شخصيات الحركة والوطنية ومسيرة اليسار العراقي ذلك هو المناضل عبدالله حلواص الذي وصفه الباحث بـ (الشيوعي الحامل هموم ووجع العراق) وايضا يعد حالة فريدة في سفر النضال العراقي ، فهذا المناضل عاش يحسن القراءة دون الكتابة والتي تعلمها في رحلته الطويلة بين سجون العراق منذ اربعينيات القرن الماضي حيث واكب خلالها حياة الرعيل الأول من القادة الشيوعيين وعلى رأسهم مؤسس الحزب (فهد) الذي شاركه حلواص خلال نشاطه الحزبي السجون والاجتماعات المتعددة .

وعلى الرغم من تنوع الموضوعات في كتب الباحث الربيعي الا انها تشترك في هدف انساني نبيل هو تسليط الضوء على حياة الفئات المضطهدة وانصافها ، فقد تناولت كتبه مواضيع وطنية وتاريخية متعددة كما رصدت ظواهر اجتماعية مختلفة مثل الفرهود والشقاوات وبحثت ايضا في شؤون الاقليات في العراق ، اليهود ، المسيحية ، الصابئة ، البابية والبهائية ، ويأتي كتابه  الصادر حديثاً عن دار الفرات للثقافة والاعلام ليعزز مسيرته في الكشف عن ملحمة وطنية وانسانية فريدة ، فحياة المناضل (عبدالله حلواص ــ 1920 ــ 1978) نموذج للانتماء الصادق والايمان اليقين بالمبادئ ، فهو رجل كاسب فقير الحال وزاهد في الملذات ولا يملك من حطام الدنيا سوى ما يرتديه من ملابس لا تزيد على دشداشه ثقبتها شرارات سكائره، وعقال ويشماغ قديم وسترة أكل عليها الدهر وشرب أما البيت الذي عاش فيه فيصفه في حديث الى الباحث (كان بيتنا عبارة عن خربة لا تقفل بابه وغرفة بائسة موحشة وبلا شبابيك وفراشنا لا يقي من البرد وكان البيت يفتقر لأبسط مستلزمات بيوت فقراء المدينة ص 149) وقد آمن حلواص بالنظرية الماركسية واستوعب تفاصيلها عن وعي وقناعة حيث درس في السجن الاقتصاد السياسي والفلسفة المادية الديالكتيكية وهضم كتاب رأس المال فصار بعدها متحدثا لبقا ومحللا ثاقبا لطبيعة الاحداث وحركة التاريخ وفق هذه النظرية كما صار مرجعا يعود اليه الدارسون للماركسية في أمور يصعب عليهم تفسيرها حتى انه صار يوصف بـ (عبدالله ديالكتيك)، وجاء الكتاب ليزيح الستار عن نشأة هذا المناضل في ظروف معيشية صعبة اتسمت بالفقر والحرمان والأمراض وصولا الى مشاركته في بناء الخلية الأولى للحزب الشيوعي في مدينة الديوانية عام 1939 ثم انغماسه في العمل السياسي الذي دار به في سجون العراق وتعلم القراءة خلال وجوده الدائم في سجون العهد الملكي والجمهوري ومنها سجن الشرطة الخيالة في الديوانية، سجن الحلة، سجن الكوت، سجن نگرة السلمان، سجن بعقوبة، معتقل الفضيلية ، سجن بغداد المركزي، حيث ذاق فيها مرارة التعذيب والحرمان من ابسط حقوق السجين السياسي وكذلك مشاركاته في انتفاضات الشعب العراقي للأعوام 1954 ، 1956 ، 1957 وقبلها وثبة كانون 1948 ، وقد اعتمد الباحث الربيعي في سرد معلومات كتابه على عدد من اللقاءات والمقابلات كان قد اجراها مع المناضل عبدالله حلواص في المقاهي خلال منتصف السبعينيات اضافة الى استعانته بأحاديث الذين واكبوا مسيرته من الشخصيات الوطنية خصوصا رفيق دربه المناضل " هادي ابو ديه " كما استعان كذلك بكتابات كل من القاضي زهير كاظم عبود والروائي سلام ابراهيم والكاتب ثامر امين الذين شهدوا جانبا من حياة وشخصية هذا المناضل الصلب وتصدرت الكتاب مقدمة كتبها الروائي العراقي سلام ابراهيم تضمنت ذكريات جمعته بعبدالله حلواص في مقهى عبد طامي . واللافت للنظر في هذا الكتاب هو ذاكرة المناضل عبدالله حلواص التي تحتفظ بوقائع وتواريخ دقيقة للأحداث وشخصياتها التي مر بها تاريخ العراق حيث ذكر اسماء عدد كبير من المناضلين الذين تصدوا بشجاعة لانقلاب شباط 1963 وكذلك اسماء من تم تصفيتهم على ايدي قطعان الحرس القومي .

لقد خلد الشعراء سيرة هذا المناضل حيث ذكره الشاعر سعد جاسم في واحدة من قصائده التي يستحضر فيها واقع مدينته ــ الديوانية ــ واهلها الطيبين:

يحضرُني (عبد الله حلواص)

وهوَ ينتهلُ " الفكرةَ " الباسلةَ

ويُقطّرُها عسلاً أحمرَ

ويشعلُها ضوءاً في أرواحِ الحالمينَ

بـ (الوطن الحر والشعب السعيد)

كما رثاه الشاعر كزار حنتوش في قصيدة قصيرة جسدت صدمة رحيله:

عبد الله

ذو السترة

والوجه المائل للأرض قليلا

والعين الغافلة اليسرى

الجائع في كوخ قصبي

عبدالله الحاضر في العسر

الغائب في اليسر

مات .

كتاب (عبد الله حلواص) يزيح الستار عن خفايا شخصية فريدة في نضالها وتاريخها ،عاشت بيننا لكنها لم تثير انتباه الكثير بسبب زهدها وتواضعها وقد أنصفها الباحث المثابر نبيل عبد الامير الربيعي بجهده الرائع وذلك في الكم الكبير من المعلومات واللقاءات التي ظل محتفظا بها طيلة نصف قرن وجاء الوقت ليكشف عنها ويقدمها نموذجا لصدق وايمان وعفة ونزاهة وصلابة المناضلين الحقيقيين .  

***

ثامر الحاج امين

سلام إبراهيم أديب وروائي عراقي استثنائي، فهو لدى مجايليه من الأدباء والروائيين السيرويين، وعند متذوقي إبداعه الروائي من المهتمين والقراء قائمة أدبية باسقة، وروائي فذّ من طينة الأدباء الكبار، وهو غزير في إبداعه، يمتلك مشروعاً إبداعياً سيروياً ذاتياً وهاجاً، قوامه إنتاج أدبي رصين ومتميز، بكل اجناسه وألوانه وتخصيباته الأدبية، رفيع وسامق وشامخ في دلالاته وغاياته وآفاقه، لا يمكن الاحاطة بكل أغواره وسير كل أسراره ودرره دفعة واحدة، نكتشف فيه كل يوم اللآلئ، وسنظل بحاجة إلى المزيد من التبحر لأكتشاف اسراره وكنوزه من خلال متابعة رواياته وآخرها (دونت سبيط أسطب)، فهو صانع العطاء وكريم وصبور، نذر نفسه ومعظم وقته لخدمة الكلمة وإعلائها، ثم كرسها عبر ابداعه ومختاراته في الرواية، لإبراز وترسيخ المعاني، بعيداً عن كل انكفاء أو تشنج أو تعصب ايديولوجي أو مذهبي أو سياسي خدمتاً للقيم السامية كالحرية والحب والجمال والبهاء والصفاء والسلام، وسعياً منهُ لإفشاء سلوكيات وثقافة التقارب والإخاء. 

فسلام كان منذ طفولته المبكرة يتوق إلى الحرية والخلوة بخواطرها عالياً، وبعيداً عن كل قبح وسوء وحقد وظلم مصدره الإنسان. منذ ذلك الوقت وهو يشعر أنهُ في بداية الطريق، لأن فك رموز الحياة من حولنا وهو السفر الذي لا ينتهي، إلا كي يبدأ من جديد. وقد وجد في الغربة الدنماركية من الشروط والحوافز والأجواء مما ساعده ويسّر عليه بسط جناحيه والتحليق عالياً في العُلى، فصار بما قدم ويقدم حتى الآن من غزير وبديع الأعمال الروائية، وبما تحبل به هذه الأعمال من جمال وقيم ورسائل إنسانية، كرسول للمحبة والسلام، ليكتسب بها كل يوم عقول وقلوب القراء والأصدقاء وعشاق الأدب، فهو هدية اكرمتنا بها آلهة الحب والفرح والعطاء كهدية لمتذوقي الأدب والكلمة الصادقة، ليقدم لنا كل هذا الجمال الأدبي والروائي، فهو تلك الشجرة الوارفة الظلال لتفيء بأغصانها عشاق الأدب والكلمة.

من خلال هذا الموجز ومن خلال سابق الأيام كتبت على صفحتي في موقع التواصل الاجتماع، وتناقله موقع (مخيل عراقي) يوم 23/ 4/ 2023 ما يلي: (من خلال اطلاعي على اغلب روايات الروائي المغترب (سلام إبراهيم) أجده يسعى إلى توثيق سيرته الذاتية والأحداث التي حدثت خلالها، فضلاً عن توثيق الأحداث في مدينة الديوانية، مكان ولادته ونشأته، من خلال التفنن بعنصري الزمان والمكان، ومحاولة إعادة التشكيل وفق تقنيات متنوعة تنتظم في الترتيب والسرعة، ساعياً في القبض على اغلب المراحل الزمنية، متذكراً حوادثها من خلال النص الروائي الزمني في الدرجة الأساس، ومنحه ستراتيجية أوسع من المكان والانفعالات والأفكار والانطباعات من خلال منطق العلاقات وطبيعة الشخصيات.

كما أجد في روايته الأخيرة (دونت سبيط أسطب) قد لعب الروائي بالأزمنة داخل الرواية، وهو عمل جمالي بحت من حيث الصياغة والترتيب، مما منح الرواية صورة اوسع وبناءً ونسقاً ادق، وعلى صعيد النص والصورة فقد وثق الروائي حياة عائلته وخاصة والده فيها والأحداث التي حدثت في تلك الأزمنة والأماكن أبان حكم البعث، مثل في ص236: "في مساء صيفي ساكن كنا نلتف حول صينية العشاء، أنا وناهدة وكفاح ,واصغر أخواتي "سهاد" قرعت الباب بضجيج ودون انقطاع، نهبتُ السلالم المؤدية إلى السطح بينما كنت في طريقك لفتحها، من حافة السلالم المؤدية إلى السطح رأيت على ضوء مصباح الشارع أكثر من عشرين مسلحاً يتوزعون على جانبي الباب، وأنت تخوض حواراً مع شخص بدا أنه مسؤول المجموعة").

من خلا النص اعلاه كان الروائي يخاطب والده، وقد جسد الروائي زمنية توقف حركة السرد لحظة وصوله نقطة ما، وفي هذا النص تجلى الزمن النفسي وضغط الأحداث وتقنينها في فضاء نصيّ صغير، بعد وقوعها خلال زمن طويل نسبياً.

فسلام إبراهيم لا يملك إلا الكتابة الصادقة الشفافة، وعبر صفحاتها يفصح ويعبر عن ما يجول في دواخله من حديث الخواطر ونجوى النفس والذكريات الجميلة، يقضي وقته بين حروف حاسوبه، وبعض الأحيان بين الحبر والورق. فهو العاشق للحياة، والقلم أداة الوصال عنده، والورقة سريره، والحرف عروسته الفاتنة، والحب رحيق اللذة بينهما.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

حلة 13/5/2023

نجاة الزباير تتفاعل عبر المسافات والأحاسيس المضرجة بالمكان والزمان لتوقظ الريح من جهاتها العشرة.

ما زلنا ونحن في عمان، نسمع عن شاعرة استثنائية في المغرب تدعى نجاة الزباير، منذ سنوات وروحها تستحم بالورد ورحيقه، تنثره في الشوارع والميادين تستنشقه إلى حد الحكمة.

صدر لها مؤخرا عن دار "رنة" للنشر والتوزيع والطباعة بمصر ديوانها السابع " جدائل الليل" في طبعته الأولى 2023. يقع الديوان في مائة صفحة، ويشمل بين غلافيه على ثمانية عشر قصيدة تسافر بين " ثَرْثَرَة عَلى رصِيفِ اُلْهَوَى" و " رصاص أعْمَى".

تجربة نجاة الزباير الشعرية لا تتكرر، تجربة يتم ضبطها بضوابط معرفية دقيقة وجمالية أنيقة تقوم على الذوق، ورؤى وخبرات ترتبها بإيقاعات منتظمة، ومتفاوتة الشدة، بحيث تضم في قصائدها كل الوجود، وصولاً إلى الاتحاد التام مع الوجود بأسره ، فقصائدها تكشف عن رغبتها في بناء أسطورة إنسانية خاصة، تعيد تفكيك ملامح الوجود عبر الدهشة، والوهج والاحتراق. سيرة ممتدة بين أصقاع المدن والمشاعر والرغبات والقلق، تختبر الواقع بمهارتها المعهودة ، وتكسبه خصائصها الذاتية وفهمها الخاص للأحداث والأشياء، تعطي أهمية لبهجة الانفعال كقيمة جمالية تسهم في جذب اهتمام القارئ، تجعله يتلقى ويفسّر ويتذوّق تبعا للمنحنى والمنحى الذي تمضي فيه وتحدده هي، عمليات التلقي عندها مبنيّة على تفاعلات تشتقها من خبراتها الشعرية والجمالية. تلتقط بعناية فريدة ملامح الذي حولها، وهذا يأخذ حيزا من سرديتها ، تمتلك شكلا وأسلوبا خاصا بها، وكأنها تقتفي حركة الروح فيما حولها ، لتخفّف من الضغط الممتد في أعمدتها الخاصة. شغفها يدفعها إلى التوغل، مدركة أن ذلك رافدا للجنون يصبّ في محيطاتها الكثيرة والكبيرة.

روح الشاعرة تنبض فيها وتوقظها على امتداد قصائدها، حيث تتمرّد وتتفوق على نفسها، فكل حركة لقلمها تثير غرابة ، وكل توغل في أصقاعها يثير أسئلة قد تكون الإجابة عليها أبعد مما تتصوره كينونتها.

تتحدث بلغة تجعل من حضورها زاهيا ومشرقا، أشعارها محرّضة لمخيلتها، ولموهبتها، ومحرّرة لها من كل القيود. قصائدها وقائع جمالية، قائمة على التداخل والحركة في لحظة اندفاع، حين تخلق حالة من التصالح بينها و بين مفرداتها، تصالح قائم على التلامس بين صورها وتصوراتها المختلفة.

نجاة الزباير تعيد للمقياس الداخلي قيمته القصوى، و وظيفته ، وتقومه وفق خصوصية وخاصية أشعارها، وربطه بوعيها القابع بهدوء وثقة في نصوصها ، لتشكل بذلك علاقة مع القارئ ، محرضة له على إنجاز تفاعلاته الخاصة في الفهم والتأويل . تحرّر مجالات التعبير لديها، وتخلق نوعا من التضافر فيما بين تساؤلاتها ، تمضي في اتجاه قادر على أن يفجّر مكنوناتها، وقادر على أن يغرقها في بحر الشعر والشعور ، عائمة في أعماقه، متسلحة برصيد هائل من المفردات يجعلها صائدا ماهرا للآلئها.

نقرأ من الديوان :

كتب لزوجته عن اللهاث في زوابعه

أغلق الظرف بدمع ثورته

وأرسله مع بقايا فجيعته

"ـ تراها قرب الموقد القديم؟

تغزل ثوبا بلون الخريف

أم أن شظايا القنابل

قَبَّلت فمها الصغير؟

وهل قهوتها الحزينة

المندلقة فوق قسمات الغياب

ما زالت تبحث عني كي أعود

أنا الجندي القديم

الذي سافر مئة عام أو يزيد؟"

قال في سكون.

***

بقلم رائف الريماوي -عمان

منذ أكثر من ثلاثة عقود عوّل عالم الأديان التونسي عزالدين عناية على انتهاج نهج مغاير في تفهّم قضايا الدين والأديان، مستلهما منهج علم الأديان بتفرعاته التاريخية والسوسيولوجية والمقارنة التي تنأى عن المنهج اللاهوتي. يرى عناية أن جانبا كبيرا من ورطة العرب الدينية تعود إلى غياب الوعي العلمي بالدين وانحصارهم داخل منظور لاهوتي مغلَق. يدفعه في ذلك حافز قوي ألا وهو تطوير الدراسات العلمية للدين والأديان في الأوساط الثقافية العربية. وفي هذا العمل الجديد نجد مجموعة من الحوارات معه بشأن هوية الدراسة العلمية للأديان وخصائصها.

يقول عناية في مطلع كتابه شغلتني في هذه الحوارات، على العموم، قضايا الذات والآخر، وعلى وجه الخصوص، قضايا الدين والأديان. وفي سائر الإجابات التي أدليت بها، ربما كنت منساقا إلى انتقاء العبارة الأنسب والفكرة الأوضح، ولربما كنت أيضا جامحا في التطلّع إلى أفق بعيد في فهم الدين والإحاطة بأوضاعه، تقديرا مني أنّ الأمر لدينا قد أضحى عنوان أزمة اجتماعية وأزمة معرفية على حدّ سواء؛ ولكني كنت حريصا دائما على محاولة تشخيص الأوضاع، وعرض الإشكاليات، واستنباط الحلول بروية وتبصّر، وبشكل ينأى عن الإفراط في الجزم والحسم.

وقد آثرت جمعَ هذه الحوارات ونشرها، على أساس كونها مصارَحة ومصافَحة، لمن تستهويهم كتاباتي أو تروق لهم ترجماتي، ويجدون فيها ما يثير أشجانهم ويدفعهم إلى المضي قدما في سبيل ترسيخ منهج علمي في قراءة الظواهر الدينية، ذات الصلة بالواقع العربي أو الفضاء العالمي.

أتت مختلف الحوارات في أوضاع متباينة، وربما في أزمنة متابعدة نوعا ما، حيث تراوحَ الإدلاء بها بين سنتي 2008 و 2022، ولكنها كانت دائما بوحًا عفويًّا بما يختلج في صدر المحاوَر. وجاءت معنونة بـ "حوارات في الدين والأديان" من باب تسمية الكل بالجزء، أي بالغالب والمتكرّر، وإن كانت في واقع الأمر حوارات في قضايا الإنسان والاجتماع، وفي جدل الشرق مع الغرب بوجه عام. ولم يخضع ترتيب الحوارات في الكتاب إلى تسلسل زمني، بل توزّعت بحسب القضايا المعالجة. هذا وقد سبق أن نُشر جميعها في صحف ومجلات ومواقع على الشبكة، غير أن فكرة تجميعها راودتني على أمل أن يجد فيها القارئ رؤية أوضح عما أتطلّع إليه من خلال كتاباتي وترجماتي.

فقد تبيّن لي وأنا أدلي بتلك الإجابات أن لا مجال في الحوار للإسهاب. فما نريد أن ندرجه موسّعا في مؤلف أو دراسة، ونبحث له عن دعائم وسندات، نورده في الحوار خاطفا وموجزا، بحسب المساحة المتاحة في منبر الحوار. ونخاطب به أناسا تختلف مشاربهم ومقاصدهم، هكذا وُلدت جميع الحوارات بدون سابق تخطيط أو إعداد من جانبي.

كما أشير إلى أنّ هذه الحوارات ليست مجرّد شروحات أو تعليقات على ما كتبتُ، ولكنها بوح ومصارَحة. فمع كل حوار أَدليت به لم أزعم امتلاك القول الفصل عن السؤال المطروح، بل حاولت صياغة إجابة من عمق التجربة، واستنادا إلى ما ترسّخ لدي من قناعة ومعرفة بالوقائع والظواهر. ولذلك قد تتماثل بعض الأسئلة ولكن الإجابات عنها تتغاير من موضوع إلى آخر جراء كون الجواب لديّ هو محاولة ومقارَبة وليس مجرد استحضار لما هو جاهز.

نبذة عن المحاوَر: عالم أديان تونسي إيطالي، خرّيج الجامعة الزيتونية بتونس، يدرّس بجامعة روما إيطاليا. نشر ما يربو عن عشرين مؤلفا بين بحث وترجمة، تناولت الدراسات العلمية للأديان والمناهج العلمية في دراسة الظواهر الدينية، فضلا عن نشره ما يزيد عن ألفي مقالة، علمية وصحفية، في مجلات وصحف عربية وإيطالية لتطوير علم الأديان.

الكتاب: حوارات في الدين والأديان مع عزالدّين عناية

الناشر: مجمع الأطرش (GLD)

مكان النشر: تونس- 2023

عدد الصفحات: 184

***

صدر عن دار الفرات للثقافة والاعلام في بابل بالاشتراك مع دار سما للطباعة والنشر والتوزيع، كتابي الموسوم (غالب العميدي.. مسيرة حافلة بالابداع والعطاء). كُسِرَ الكتاب إلى سبعة فصول، وتضمن الفصل الأول السيرة الذاتية للفنان غالب العميدي، أما الفصل الثاني فبحث في بدايات العميدي في مجال المسرح، و الفصل الثالث دورهُ الريادي في نقابة الفنانين في بابل، والفصل الرابع دوره الريادي في النشاط المدرسي، والفصل الخامس تجربته في التأليف، أما الفصل السادس آراءَهُ حول المسرح العراقي، وتضمن الفصل السابع ما قالو في السيد العميدي من الأدباء والفنانين، وأخيراً ملحق الكتاب الذي شمل جدول يمثل الأعمال الفنية في التأليف والإعداد والإخراج في المسرح والإخراج في فن الأوبريت، والتمثيل في المسرح والأوبريت والسينما والتلفزيون والإذاعة.

اعتمدت في الكتاب على عدة مصادر من خلال اللقاءات وما زودني بها السيد العميدي من مؤلفاته في مجال المسرح والسيرة الذاتية. اتمنى أن يخرج الكتاب ليسد فراغاً في المدرسة العراقية والعربية في مجال المسرح. وأخيراً يطيب لي أن أقدم شكري الجزيل لكل الذين حاورتهم بشأن هذا الموضوع.

ونتأمل لكل ما يجري اليوم في العراق من تحسن وإعادة عجلة الحياة بجميع مفاصله إلى ما كان عليه، وما يصبوا إليه لمستقبل موهوم، وهو الشيء الذي يجعله من ألفه إلى يائه نفياً لتبرير الفساد المستشري الآن بمختلف الصيغ والأشكال. ومن ثم، فإننا نقرأ فيه مشاعرنا واحاسيسنا ونقمتنا ورؤيتنا ورغبتنا وأشياء أخرى نضمرها ونسعى إليها.

فالعراق ليس اسماً ومسمى، بل هو الأنا القابعة في كل فرد منا، وفي معرض تسليط الضوء على مسيرة الفنان المسرحي غالب العميدي الحافلة بالتأريخ الفني من خلال التمثيل والإخراج والتأليف، والعمل المهني في مجال نقابة الفنانين، نستعرض ملامح الأمل التي كثر فينا، والتفاؤل صوب إرساء أسس جديدة قادرة من حيث محتواها المعرفي واسلوبها الموضوعي والعلمي، على جذب الفنانين والأدباء والمثقفين من أجل تفجير الطاقات الفنية الكامنة والمكبوتة، بسبب العزلة الطويلة التي تعرض لها العراق بعد الإحتلال الأمريكي عام 2003م، وهي عزلة ما زالت تطبع بآثارها الحزينة أفئدة الجميع وهمومهم، وهو الحزن الكامن في الروح العراقي وفيما يسعى إليه.

إننا نسمع ذلك الحزن في شكوى القصيدة وغناء الأمهات وحنين الصبايا والتضرع المعجون بالرغبة الصادقة في تقديم نذر للأسماء التي ترتقي إلى مصاف المقدس الذائب في الذكرى بعد عقود مريرة، مما جعلت العراق مهمشاً، وجعلت الفنان والأديب والمثقف مهمشاً أيضاً.

كان الأمل في أن ينهمك الأغلبية بعد عام 2003م بما يسمى عام التغيير في إعادة بنائه بوصفه عراقنا نحنُ، دون أن تقع بحبائل التفاؤل المزيفة لأحزاب السلطة، أو اليأس المتباكي من تعاسة الواقع.

نلاحظ بمنهجية الصبيان في تفننها البليد بتخريب كل ما لا يستجيب لذوقها، وكان ما كان للفن المسرحي والتشكيلي والفن النحتي من إساءة وإهمال، وهي حالة يمكن تفهمها حالما ننظر إلى المراهقين والصبيان.

من يتأمل ولو عن بعد ما في تاريخ العراق من حقائق أدبية وفنية تاريخية، فإنه سيرى روحهُ تتبختر وعقلهُ يمتحن أمام مهمة البحث عن حكمة في كل ما جرى ويجري، من خلال استقراء مدارسه الفنية وأفراحه وأتراحه وصعوده وهبوطه للَضّم خيوطه الجميلة. فمن يقرأ تأريخنا، فإنه يقف بالضرورة أمام الحقيقة القائلة: بأن هوية العراق المدنية أعرق وأوسع من كل ما قيل فيه.

فقد أنجب العراق العديد من الأدباء والفنانين والمثقفين والسياسيين، وعدداً هائلاً من المفكرين والمؤرخين والأبطال على مدار السنين، فهم الكوكبة التي رسمت ملامح العراق الكونية وهويته الخاصة، وجعلت منهُ عالم القدرة الدائمة على العطاء والإبداع، كما جعلت منهُ مكان المأساة التاريخية الكبرى الحديثة، وهي مأساة لم تتحول بعد إلى موضوع العلم التاريخي والإبداع الروحي والأدبي والفني.

إن مأساة العراق الحالية لا يمكن تأملها بمعايير البكاء على الأطلال، لأن العراق ليس أطلالاً، بل كوناً وكنزاً ولُغزاً. إننا بحاجة إلى أقلام تاريخية جبارة تفهم دروس الماضي، وتتأمل المستقبل بروية دون عجالة.

فإننا بحاجة إلى مشروع واقعي وعقلاني، وهي مهمة ومسؤولية وواجب بقدرٍ واحد بالنسبة لنخبة الفكر الكبيرة. فالعراق ما زال أرض الممكنات الكبرى وميدان حل اشكاليات الوجود الخالدة، والعراق غائر في ذاتنا وروحنا شأن النخيل الغائر في أجسادنا، وعراقتهُ تقترب من اللغز في أرواحنا.

فحقيقة العراق ليست جغرافيا، بل أكبر وأوسع وأعمق وأعرق، كما أنها ليست زمناً، بل تاريخاً. ومن خلال تتبع تاريخ العراق الثقافي والأدبي والفني والسياسي، نجد أن هناك تعثر استئثار العقل والفكر لنتأمل ما جرى ويجري من انحطاط مختلف مظاهر ومعالم الفقر العلمي والمعرفي اليوم بسبب الطائفية والعرقية. لكننا لا يمكن أن نعيش بهذه الأفكار السوداوية إذ علينا استحضار أرواح وحياة كل أولئك الذين وطئوا هذه الأرض المعطاء، ورسموا صورة الحضارة بأبهى اشكالها من خلال السجال الفكري والحضاري والفني الذي أثرى مكونات الحضارة العالية.

ويبدو لنا من خلال قراءة التاريخ، أن كل المسارح العريقة قد تعرضت لضغوط الكنيسة التي تحكمت فترة من الزمن في القرار السياسي، فقد تعرض المهرجون في روسيا والذين يشكلون البداية الحقيقية للمسرح الروسي لمثل هذه الضغوط من قبل رجال الكنيسة. ولكن مؤلماً لنا جميعاً أن بلادنا العربية قد عرفت المسرح بشكله الحديث مؤخراً.

أما في العراق فقد تأسس المسرح الديني على يد المدارس المسيحية في مدينة الموصل. وللصلة التي كانت تربط المدارس المسيحية بكنائس روما وباريس، حيث كان الرهبان يرسلون للدراسة هناك. وذلك واضح من خلال المسرحيات التي كانوا يقدمونها وهي تمثيليات معربة عن الفرنسية والإنكليزية كما يقول الدكتور علي الزبيدي؛ وهي تحمل الأسماء ذاتها مثل آدم وحواء ويوسف الصديق، وهو النوع الديني الأخلاقي الذي انتشر في القرون الوسطى، ولكن وجود المسيحيين في بلد إسلامي وضمن أكثرية اجتماعية ودينية إسلامية في مدينة الموصل وحتى العاصمة بغداد لم يحقق الانتشار الذي حظي به المسرح في أوروبا، لأن التمثيليات الدينية التي كانت تقام في روما وباريس وغيرها كانت تقدم في الميادين العامة الكائنة أمام الكنائس، أما في العراق فانحصرت في الكنائس والمدارس الدينية الملحقة به.

ويبدو أن هذا النمط المسرحي الديني، والذي بقي حبيس الكنائس والمدارس العراقية، لم ينجح إلا حينما بادر المسرحيون إلى اختيار نصوص تاريخية تحاكي بها المشاعر القومية، ومثال على ذلك مسرحية بعنوان (الوطن) والتي قدمت عام 1908م، بينما عرضت على مسرح مدرسة الكلداني مسرحية بعنوان (نبوخذ نصر) عام 1889م لمؤلفها الخوري هرمز روسو المارديني، ومسرحية اجتماعية تربوية (لطيف وخوشابة) عام 1893م تأليف نعوم فتح الله سحار.

أما ولادة المسرح العراقي فقد: "ولد المسرح العراقي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، على مجموعة من الرهبان المسيحيين في محافظة الموصل، فكانت البداية مسرحيات وعظّية لها علاقة بالمسرحيات التي قدمتها الكنائس في العصور الوسطى، وذلك للعلاقة الوطيدة بين الكنائس في مدن الموصل وروما وباريس، حيث كان الرهبان يرسلون للدراسة ثم يعودون إلى العراق للعمل والتدريس في المدارس المسيحية العراقية.

وحين أسست الدولة العراقية عام 1921م وجد الفنانون العراقيون على قلتهم أن الاستعمار البريطاني يطوق عنق الوطن، فكان المسرح العراقي وطنياً. يقول الباحث والمخرج العراقي محمد سيف في حديثه عن وطنية المسرح العراقي "إن القدر العراقي قد خزن في أعماقه دراما لم تنجز، حتى أصبحت تراجيديا أسطورة قادرة على أن تنجز عملاً مسرحياً بمعناه الحقيقي، إن التراجيديا الأسطورية من وجهة نظري هي مكان أو بالأحرى عرض للعقيدة التي تتأرجح ما بين الواقع والخيال، فالمواجهة اختلاف يأخذ جذره من طقوس عاشوراء".

بعد اطلاعنا على ما أنجزه الفنان غالب العميدي الذي كان نموذج كتابنا هذا، استطيع القول إنه بحق يمكن أن يكون عينة المسرح العراقي بجدارة لما حققه خلال أربعة عقود أو أكثر من الزمن، من حضور وانجاز متواصل وإضافات نوعية سواء من خلال أعماله المسرحية التي وجدت طريقها للجمهور، أو عبر ما كتبه في مجال التأليف، أو ما شارك به من خلال الإخراج الذي كان بمثابة المختبر لتنضج داخلها تلك الأفكار، وتتطور مواهب الممثلين أو تتلاقح فيها خبرات الفنيين، وتتعمق العلاقة بين طرفي الأرسال والاستقبال, ومن خلال الأعمال الكثيرة والتي أصبحت اليوم تشكل رصيداً في مسيرة المسرح العراقي لا يمكن تجاهله.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي – الحلة

2022م

صدر حديثا عن وكالة الصحافة العربية (ناشرون) كتاب "التربية المعاصرة وتحديات التطوير" من تقديم وتحقيق الدكتور بليغ حمدي إسماعيل أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية بجامعة المنيا بجمهورية مصر العربية، وتضمن الكتاب مجموعة من المقالات التربوية المتخصصة في المناهج وطرق التدريس، وعلم النفس، والتربية اللغوية لمجموعة من رواد التربية الأوائل الذين رصدوا المشهد التربوي والتعليمي منذ منتصف القرن العشرين .

ويؤكد الدكتور بليغ حمدي على ثمة حقائق من أجل تطوير التربية العربية الراهنة، فنحن بحاجة ماسة إلى تجديد الخطاب التربوي نفسه، وإيجاد إطار مرجعي يحكم الظاهرة التربوية التي تمارس في مؤسساتنا التعليمية الضاربة بالوطن العربي شرقا وغربا، وإذا كانت الحياة اليوم تتسارع بصورة رهيبة، فبات أولى الاكتراث بضرورة تنويع خطابنا التربوي العام مستهدفين خلق جيل جديد من الطلاب يستطيعون مواجهة تحديات المستقبل. وإذا كانت التربية الفوقية التي تصدر عن صانعي القرار التعليمي لا تعكس واقعنا المدرسي الحقيقي، وهذا يزيد من تفاقم أزمة التربية التي قد تشارف نهاياتها إذا لم ندرك المفارقة القيمية بين قرار تربوي يصدر، ومشهد تعليمي مغاير.

ويطرح الدكتور بليغ حمدي إسماعيل في تقدمته للكتاب مجموعة من التساؤلات التي تثير الذعن حيث يقول: " ونحن بالفعل أمام ملامح عصية على التأويل وصعبة المراس في تفسيرها أيضا، تلك الملامح التي لا يمكن حصرها وقصرها على وجود إدارة تعليمية فاشلة وباهتة وأكثر خيبة لواقع تعليمي متأزم بالفعل، ولا على مستوى المعلم الذي صار ينتظر قرارات وزارته كمن يقبع خلف باب زنزانته انتظارا لأخذه غرفة تنفيذ حكم الإعدام من خلال قرارات وتعليمات ودورات تدريبية وهمية وورش عمل كارتونية، وتطبيق أنظمة لا تصلح لبيئة تعليمية تحتاج إلى تطهير شامل وكامل" .

ويستطرد قائلا غي المقدمة: "وماذا أيضا؟ نكتشف على الدوام أننا نمارس قبيل المعاناة عشوائية في التخطيط التربوي لمؤسساتنا التعليمية، وبسؤال لأحد أساتذتي الذين غفل عنه صانعو القرار التربوي رغم أنه الرائد في مجال التربية الراهنة عن عدم وجوده في مكان صناعة القرار التربوي أفادني بأن السياسة التعليمية العربية منذ سنوات بعيدة لا تشجع على الاستقرار، وأن القادم يطبق فكرة تربوية ستمحي بعد زوال منصبه وهكذا، أصبحت لدينا قناعة بأننا نعشق الانطلاق من نقطة الصفر" .

ويشير الدكتور بليغ حمدي إسماعيل إلى نقطة الصفر الغالبة على سياساتنا التربوية تجعلنا نؤكد على ملمح رئيس للتربية العربية التي تشارف على النهاية ؛ أحادية الرؤية التربوية، فمشكلة التخطيط لا تزال تقف عند عائق الأحادية وجنوحها بغير اكتراث أو اقتناع للأخذ بفكرة المشروع الجماعي للتخطيط، حتى ورش العمل والندوات الجمعية التي تعقد ليل نهار بمؤسساتنا التربوية العربية نجدها تدور حول فكرة محددة سابقا وهو أمر محمود، لكن غير المحمود أن هناك ثمة محاور ثابتة لا يمكن الخروج عنها رغم كوننا نردد صباح مساء بضرورة إمطار الأدمغة وتكريس ثقافة العصف الذهني للرؤى والطروحات النقدية البناءة .

ولا يمكن اقتناص أزمة المؤسسة التربوية العربية في المنتفع الأول بها، ألا وهو الطالب نفسه، الذي يظل المصطلح حائرا على تسميته ؛ فمرة يدعى طالبا، ومرة أخرى تلميذا، ومرة ثالثة متعلما بحجة الالتزام بتطبيق استراتيجيات التعلم النشط . وهو في الحقيقة رغم شغبه واستمرائه الفوضى مسكين يستحق الشفقة ؛ لأنه ضحية بعض الإدارات التعليمية الفاشلة التي قد تعاني من فقر الإعداد التربوي المهني، ومعلم خائب لم يكترث بالحصول على درجات علمية تتخطى حاجز الشهادة الجامعية الأولى، ومناهج بائسة انتهت صلاحيتها التعليمة في ظل عالم تربوي متسارع ومتصارع معرفيا ومهاريا.

والكتاب بطرح مسألة التربية باعتبارها مهمة وأمانة وقضية وجود ضد الذين يتزاحمون على أمر التعليم ومشهد التعلم، فحتى الذين لا يدركون كنه التربية، يفطنون حد اليقين أننا على مشارف نهايتها التي تبدو منطقية بعض الشيء، وهذا الوعي الذي امتثل ليقين الفعل جاء من سؤال مفاده هل تمتلك المؤسسة التعليمية العربية مقومات التربية؟. والسؤال بهل يقتضي دوما إجابة بالإيجاب أم بالنفي، وفي المشهد التعليمي الراهن وفي ظل أزمات التربية المتلاحقة تغدو الإجابة الحتمية بالنفي غالبا.

كما يشير الدكتور بليغ حمدي إلى أن التربية ليست في عين الكثيرين علماً قائماً بذاته، بل إنها لا تزال تشق طريقها في سبيل الوصول إلى درجة اعتبارها علماً من العلوم. أو يكون مرد ذلك إلى أصل الكلمة التاريخي؟ إذ أنه قد ورد أن كلمة "مربي" تعني العبد الذي كان يقود ابن سيده إلى المدرسة. وإذا كان للتربية في أكثر بلدان العالم، من أهمية فهي إنما تكمن لدى مدرسي الصفوف الابتدائية، لأنهم يؤمنون بالتربية، أما المدرسون الثانويون فهم يعتقدون بأن إتقان الاختصاص هو خير سبيل للقيام بواجب التربية. كما يعتقد آخرون بأن التربية ما هي إلا فن من الفنون أو عملية بدهية أو موهبة طبيعية. وهكذا فإن بعض الجامعات لم تخصص إلا قبل سنوات قليلة فرعاً للتربية فيها. وحتى دار المعلمين فهي لا تخرج مربين نموذجيين بل إن تلامذتها غالباً ما يتهيأون لوظائف بعيدة كل البعد عن مهمة التربية.

ولكن ما هو المبرر الذي يحول دون إقبال الناس على فرع التربية؟ ولعل الجواب هو أن أجرة المربي ضئيلة جداً بالنسبة لأجرة الاختصاصي الفني. والسبب المادي، بلا ريب، هو العامل الفعال في عدم إقبال الناس على هذا العلم. ثم إن مسألة التربية أصبحت بالنسبة للبلدان المتقدمة غير ذات بال إذا صح القول، بمعنى أنها مسألة ميسورة ومفروغ منها.

أما في البلدان النامية فالاهتمام بالتربية يبدو أشد وأقوى برغم من أن نتائجها ليست بمستوى البلدان المتقدمة، أما سبب بروز هذا الاهتمام من الدول النامية بشكل واضح فلأن حكومات هذه الدول تعتبر، وهذا حق، أن مشكلة التربية هي في أساس بناء المجتمع الحديث. على أن هناك أمراً مهماً يخص التربية وهو أن هذا العلم أو هذا الفن إنما هو واحد عند الشعوب إن من جهة إثارته اهتمام جميع هؤلاء، أو من حيث أن مواضيعه متشابهة في كل زمان ومكان ولعل أبحاث مربين كبار هو خير دليل على هذا الرأي.

ومهما يكن من أمر فإن علينا واجباً ومسؤولية كبريين في تثقيف الأجيال الجديدة وتربيتها. فكل دولة من الدول ملزمة بالمساهمة في مهمة تعميم التربية ونشرها، بحيث أن تجربتها الخاصة يجب أن تتعدى حدودها للتفاعل مع تجاوب الغير، كل ذلك لخير الإنسانية.

ويتضمن الكتاب من مجموعة من الفصول منها:

الفصل الأول ــ مشكلات التربية المعاصرة: وتضمن الحديث عن التربية والتطور، والتربية التقنية، والتربية الديموقراطية، والمستجدات المباشرة لعلمي النفس والاجتماع، والمسائل التربوية الجديدة.

الفصل الثاني ـ اللغة العربية والغاية من تعليمها: وتناول الحديث عن التهجي والمطالعة.

الفصل الثالث ـ المحفوظات والنصوص الأدبية: وتضمن الحديث عن دراسة الشعر والأناشيد في رياض الأطفال والمدارس الأولية والابتدائية.

الفصل الرابع ـ الأساليب الجديدة: وتناول موضوعات التربية الحس- حركية، والقيمة التربوية للعب، والتربية الحسية، والأساليب الفعالة للتعلم.

الفصل الخامس ـ منجزات ومشاكل معلقة: وتضمن الحديث عن تربية المرحلة ما قبل التمهيدية المدرسية والابتدائية، والمسائل التربوية في المرحلة الابتدائية، والتربية في المرحلة الثانوية، والتربية التوجيهية، والثقافة العامة والتخصص، والثقافة العامة اللازمة لعصرنا، والتعليم العالي والتربية الدائمة، والتربية والتعليم الدائم.

الفصل السادس ـ إعداد المعلمين والبحوث التربوية: واشتمل على عدة موضوعات مثل أين هي تربية إعداد المعلمين؟، واختيار معلمي المستقبل 3- اتجاهات جديدة في إعداد المعلمين 4- تهيئة المعلمين بالتمارين، الإعداد التجريبي، والتربية العلمية، ومعاهد الأبحاث والإعداد التربوي.

كتاب: التربية المعاصرة وتحديات التطوير.

تقديم وتحقيق: الدكتور بليغ حمدي إسماعيل .

تاريخ النشر: أبريل 2023

الناشر: وكالة الصحافة العربية (ناشرون) ـ مكتبة جرير السعودية في 2023م.

https://bookapa.com/-9122.html

https://www.jarir.com/sa-en/arabic-books-jrb5000006151.html

أصدرت دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، عملا جديدا للباحث سعيد بوخليط. موضوعات عدّة، مفعمة بالثراء المفهومي والخيالي، التأمت بين دفتي العنوان التالي:

أفق الجمال، حياة المفهوم والخيال: نصوص في الفلسفة والأدب

موضوعات تباينت مقاربتها جدّة، متانة، وكذا قوة نزوعها الأكاديمي أو اكتفائها بالإيحاء الانطباعي، وفق طبيعة التيمة المركزية التي تأرجحت طيلة اشتغال متواليات هذه الشذرات ، بين محدِّدات خطابات تحيل على: العشق، التأبين أو الرثاء، النداء الإنساني الرؤيوي، التشكُّل المفهومي، المؤانسة الحوارية، اللوغوس الشعري.

نماذج تختزل فقط إجرائيا، مقاربات وتأملات؛ وإن اختلفت طبعا منطلقات أصحابها، لكنها تلتقي بعد كل شيء؛ كما الوضع مع جلِّ النصوص التأسيسية عند بوتقة واحدة دون غيرها، يستحيل التِّيه عن سبيلها الأوحد، وإلا أضحت حكاية الإنسانية المقدسة مجرد وهْمٍ عظيم.

نصوص توزعت بين حقول الفلسفة والأدب والشعر، تضعنا بالمطلق عند آفاق الجمال والسمو الفكري والحسي، حيث تجدر بنا الحياة الحقَّة. دون تخاذل، تأجيل، بل مجرد أدنى مواربة. لغة في غاية الشفافية والنعومة قدر عمقها، تدرك سبر أغوارها جيدا أسماء: سيمون دو بوفوار، سيلفي لي بون دو بوفوار (ابنتها المتبناة) ،جوليا كريستيفا، رولان بارت، فرانسوا ليوتار، فيليب سوليرز، غاستون باشلار،جيل دولوز، نيلسون أليغرين، أدونيس ، جبران خليل جبران .

استحضر هذا الكتاب بعض نصوص هؤلاء، وقد كشفت من باب التمثيل لا الحصر على الجوانب الآتية:

العلاقة العاطفية التي جمعت بين بوفوار وعشيقها الروائي الأمريكي نيلسون أليغرين، تشبه تلك التي جمعت بين جبران خليل جبران وماري هاسكال، ثم تصور مبدع كتاب النبي للشعر والشعراء، الانتقال إلى الحديث عن أدونيس عبر أناشيد أدونيادة، تصور رولان بارت للغة باعتبارها جسدا، وكذا استعادة تفاصيل موته جراء حادثة السير بداية سنوات الثمانينات، مفهوم الأدب حسب جيل دولوز، حلم التحليق كما تخيله غاستون باشلار، ماهية مؤسسة الزواج لدى ثنائي غير عادي؛ كما الشأن لدى فيليب سوليرز وجوليا كريستيفا، أيضا استعادت هذه النصوص روح النداء الذي خاطبت به كريستيفا إنسانية القرن الواحد والعشرين من خلال دستور عشرة مبادئ، وأخيرا العودة إلى محاولة تبسيط تيار مابعد الحداثة من طرف فرانسوا ليوتار وتقديم مضمون ذلك إلى الأطفال.

***

 

تواصل دار النشر لارماتان L’Harmattan – في باريس إصدار أعمال الكاتب العراقي علي القاسمي باللغة الفرنسية في سلسلتها الأدبية Les impliqés. وهكذا فبعد رواية “مرافئ الحب السبعة” التي صدرت ترجمتها قبل عام، تصدر الترجمة الفرنسية لثلاث من مجموعاته القصصية تم تجميعها في مؤلَّف جامع أطلق عليه عنوان "مشاعر قلب منفطر". وقد اضطلع بترجمتها، على غرار الرواية المذكورة، المترجم المغربي، مصطفى شقيب، وأشرفت على مراجعتها الأديبة الفرنسية أستاذة الترجمة بجامعة غرناطة الدكتورة ماري ايفلين لوبودير، التي كتبت في التقديم:

"وماذا لو كانت النهاية بشائر البداية ؟ علاقة متناقضة تتقاذفها الأمواج الصامتة، برغم كونها مضطربة، محمومة، عاصفة، مقدمة للشروق، شروق الشغف. يتحفنا القصصي البارع علي القاسمي في هذا المؤلّف الذي يتألف من ثلاث مجموعات قصصية رائعة : "أوان الرحيل" و "صمت البحر" و "الحب في أوسلو" التي تناولت مواضيع متباينة ظاهرا، غير أنّ كلماتها تنسج بينها روابط يستحيل الفصل بينها.

تتطاير حروفها مثل الفراشات، تتفادى الصفحات، لتملأ في الأخير حيزًا ملموسًا، متجولة على مرأى من المؤلف، لتجعله يشعر بوجوده. تزيل حروفها العوائق، تلغي الحدود، تعرض نفسها دون موانع أمام عينيه، وتجعله يلامس الصفحات. حروفها رجفة خالصة، تضفي المعنى، تعيد الفرح، تنتقم من الزمن الذي يمضي، ثم تنسى ذلك. يقدّم لنا القصصي الموهوب مشاعر قلبه المنفطر."

يفرق الناقد الدكتور سعيد يقطين بين مصطلحي " مجموعة قصص" و"مجموعة قصصية". فقصص المجموعة الأولى تكون موضوعاتها متفرقة؛ أما قصص المجموعة الثانية فتدور حول موضوعة واحدة. وإذا نظرنا إلى مجموعات القاسمي السبع، نجد كل مجموعة تدور حول موضوعة واحدة تقريباً، فهذه المجموعات هي:

1) ” رسالة إلى حبيبتي”، حول ذكريات الطفولة والصبا.

2) ” صمت البحر” حول قصص الحبِّ الخائب.

3) “دوائر الأحزان”، حول ما يثير الحزن في وجدان العربي.

4) ” أوان الرحيل”، حول الموت وتداعياته.

5) ”حياة سابقة” حول قضايا علم النفس الموازي.

6) “الحب في اوسلو” حول القيم المادية الغربية.

7) " الآنسة جميلة وقصص أخرى" حول المرأة واهتماماتها.

وقصصها ــ كما جاء في تقديم دار (مكتبة لبنان ناشرون) في بيروت التي نشرت كتاب القاسمي، " الأعمال القصصية الكاملة" ــ : " كُتبت من أجل مكاشفة الذات ومساءلة الكينونة، بأسلوبٍ ممتعٍ سهلٍ ممتنعٍ ؛ وهي نابضةٌ بالإثارة والتشويق؛ ومزدانةٌ بالمعرفة والثقافة ؛ ومضمَّخةٌ بلغةٍ راقية؛ ومشرعةٌ على رياح التأويل؛ ونابعةٌ من تجربةٍ حقيقية، ومعاناةٍ وجدانيةٍ عميقة، وموهبةٍ فذة، وخيالٍ مُجنَّحٍ جامحٍ أخّاذ. لقد كتبها القاسمي بدم القلب ودمع العين."

يقول القاسمي في مقدّمته لإحدى مجموعاته القصصية: ” إن مَن يقرأ هذه القصص لكي يستخلص منها جوانبَ من سيرتي، سيصابُ بخيبة أمل، ومَن يقرأها بوصفها من نسج الخيال، سيفوته الشيء الكثير من الحقيقة ؛ لأن الفنّ عموماً، والأدب على وجه الخصوص، ينطلق من أرض الواقع، ليحلّق في فضاء الخيال الواسع.”

وقد تم نشر أغلب هذه المجموعات القصصية بالعربية في عدّة طبعات في القاهرة والدار البيضاء وبيروت وحظيت بعنايةٍ خاصةٍ من لدن النقّاد في المغرب العربي وفي المشرق العربي على السواء، والآن تضطلع دار نشر لارمتان في باريس بنشر جميع مجموعاته القصصية في مجلدين، صدر المجلد الأول هذا الشهر، ويتوقع صدور المجلد الثاني في أقل من عام..

لقد حظيت سرديات القاسمي بعناية الأكاديميين والنقاد في المشرق والمغرب فصدر عنها حوالي خمسين رسالة جامعية وكتاباً ، فمثلا مجموعته القصصية " أوان الرحيل" ، وهي أحدى مجموعات المجلد الأول بالفرنسية، صدرت عنها حتى الآن أربغة كتب لإعلام الأدب والنقد في العالم العربي، وهم:

1) الشاعر الناقد العراقي الدكتور محمد صابر عبيد، أستاذ النقد الأدبي في جامعة الموصل سابقاً، وأستاذ الأدب العربي في جامعة أنقرة حالياً، في كتابه " التجربة والعلامة القصصية: رؤية جمالية في قصص ( أوان الرحيل) لعلي القاسمي"

2) الطبيب النفسي الأديب القاص الروائي الناقد الدكتور حسين سرمك حسن، مؤسس موقع (النقد العراقي)، في كتابه " الظمأ أو قارب الموت: تحليل طبنفسي لقصص مجموعة " أوان الرحيل".

3) الأديب الناقد المهندس المغربي الأستاذ الحسين بوخرطة في كتابه " سراديب الموت: قراءات تاؤيلية في قصص مجموعة اوان الرحيل لعلي القاسمي"

والقاسمي كاتبٌ متعدِّد الاهتمامات له أكثر من خمسين كتاباً في القصة والرواية والترجمة والنقد، وباحث في اللسانيات وعلم المصطلح وصناعة المعجم والتربية والتنمية البشرية وحقوق الإنسان.

***

بقلم: مصطفى شقيب

...............

1 محمد صابر عبيد . التجربة والعلامة القصصية في قصص أوان الرحيل لعلي القاسمي (أربد: عالم الكتب الحديث، 2010).

2 حسين سرمك حسن. الظمأ أو قارب الموت: تحليل طبنفسي لقصص " أوان الرحيل" . منشور في مواقع أبية كثيرة منها: الناقد العراقي ، صحيفة المثقف ، وغيرهما.

3 نُشرت فصول الكتاب في مواقع أدبية كثيرة مثل صحيفة المثقف، وسيصدر قريباً عن دار الثقافة الجديدة في الدار البيضاء.

 

ترجمة وتحقيق: صالح بوعذار

توطئة المترجم

أشرف الخمايسي كاتبٌ مصري بارز، ولد عام (1967) في مدينة الأقصر. ويسعنا الإشارة من بين رواياته ذائعة الصيت والشهيرة إلى؛ "منافي الرب" و"الصنم" و"ضارب الطبل" و"انحراف حاد" و"صوفيا هارون".

صدرت رواية "منافي الرب" عام (2013) وفي عام (2014) وصلت إلى القائمة الأخيرة لجائرة البوكر العربية.

رواية " منافي الرب" هي روايةٌ تجعل الموت والخلود مرآة لإظهار انجذاب الانسان واندفاعه في هذا المسار. فهذه الرواية مرقومة لتمجيد الحياة، وهي محاولة لجعل الحياة تتغلب على الموت!

يبحث "حجيزي" بطل الحكاية، عن الخلود، إذ يجتاز مراحل عديدة بغية الوصول إلى الانعتاق والخلاص. بيد أنه يُنشد الخلود والبقاء في هذه الدينا، وليس في الجنة والمدن الفاضلة. حيث اجتاز طريقاً وعرة متوخياً الحصول على الخلود، وينزعُ لمدة من دين الإسلام إلى المسيحية، علهُ يظفر بينبوع خلود الجسد في هذه الدينا. أجل فهذه الرواية تمجدُ الحياة وتمتدحها، إذ يجهد البطل ليتخطى الكليشات والمسلمات ليبلغ تلك الحياة الخالدة.

تجلت في عموم الرواية الاستعارة الرئيسة "غير مدفون". وتمثل هاجس البطل في الاحتفاظ بجسده وسط الأحياء، وألا يُحرم من إنسهم ومسامرتهم. فشخصية "حجيزي" مبتكرة وتضج بالحياة، إذ يمكن وضعها في مصاف الشخصيات الأدبية العالمية الأخرى مثل "هاملت" و"جان فالجان" و"دون كيخوته" و"أبلوموف" و" آنَا كارينينا" وغيرها.

وحياة حجيزي برمتها مشوبة بالموت وفكرة الموت، لأن والده كان منخرطاً في مهنة تحنيط الموتى أيضاً، ولاحقاً سار على نهج والده أيضاً. يشكلُ الموت بالنسبة لحجيزي، تحدٍ ومعضلة جسيمة، لأنه لا يفرق بين الصغير والكبير، ويجندل الجميع بحد سنانه، فيتعين على الناس مرغمين أن يدفنوا أحبائهم.

لا يدور هاجس حجيزي الأبدي والعميق حول "الموت" بحد ذاته؛ فقد تجاوز هذا الأمر قبل سنوات خلت، بل كان يخاف الوحدة والفناء بعد الموت، وكان يجهد على الدوام ليجد سبيلاً كي لا يدفنوه بعد موته، ويحتفظوا بجثمانه صحيحاً سليماً بين الأحياء.

فكرة الموت هذه وهاجس عدم الدفن، تسببت في ألا يستمتع حجيزي طوال عمره بحياته مثل الآخرين وألا يشعر بالسعادة ويعتاد الروتين. إذ يتنبه خلال أيامه الثلاثة الأخيرة إلى هذه السعادة والحب الضائع وحسب. "السعادة هي جماع الُمتع المنثورة في کل تفاصیل حیاتنا، حتی أسوأ تفصیلة تحمل متعة ما، لکننا في بحثنا المحموم عن السَّعادة، کُتلة واحدة مکتملة وواضحة، ندهش هذه المتع، و لا نجد السَّعادة أبدا.

السعادة لن‌ تأتي‌ أبدا کّتلة واحدة مکتملة و واضحة". بناءً عليه "فالحب" يعد عنصراً قوياً وعميقاً في هذه الرواية، ويسعه ضمان وحدة سعادة الإنسان وتكاملها نسبياً، ويجعله متفوقاً على "الحزن" الذي يُعد مثالاً عن منافي الرب.

في سير وسلوك حجيزي، البقاء والفناء، أرفعُ من قضية "الحياة" و"الموت". لأن هذه قضية الانسان الوجودية التي تحدثُ في مستوى العرض والجوهر. فالعرض من هذا المرأى ماضٍ إلى العدم، فيما يشيرُ الجوهر من هذا المرأى إلى أنه موجودٌ حيٌ وخالد، بيد أنه في كلّ أسفار عمره كان يتحرى الخلود من خلال منطلق الحفاظ على جسده، وهذا مستوعب في مستوى عرض الحياة وليس في جوهر العمر. لكن في نهاية المآل، يجدُ الخلود في الاستئناس بالجماعة وصحبة الآخرين: " الإنسان لا یموت، لأن الموت اختفاء، و الانسان‌ ظاهر في الأرض یشیًد خلوده، لا یموت الإنسان ولا‌ یُدفن". وعليه، فرواية "منافي الرب" تشكل نوعاً ما بحثاً عن الحياة بعد الموت ودليل على انتصار "الانسان" في قضية الخلود. بحق يمكن تسمية هذا الأثر "بملحمة الموت"، لأن البطل في كل اتجاهاتها وطوال سفره الطويل يتغلب على الموت.

لذلك في نهاية المطاف يجد السعادة في هذا الأمر: "السعادة امرأة تحبُّك وتحبّها. لو وجد أحدنا امرأة تحبُّه ما ألقی‌ بنفسه في منافي‌ الرب!"

وثمة استعارات ورموز عديدة مطروحة في هذه الرواية، على سبيل المثال: المسجد، والقطار، والعصفور، الصحراء، والواحة، وشجرة البرتقال والبئر و...

ومن خلال هذا المشهد، فقد كان مسجد قرية "الوعرة" الذي كان يحظى بقداسة خاصة من قبلهم، واتضح لاحقاً لهم أنه في الحقيقة كان عبارة عن سجن شيده العثمانيين، كانوا يسجنون فيه المماليك. بناءً عليه يريد الكاتب أن يقول إن الدين بوسعه أن يغدو أداة من أجل العبودية والأسر، ويفرغُ الانسان من الداخل، في حين إن الدين في الأساس ينشدُ خلاص الانسان وتنویره. لهذا السبب تُقحم الرواية الخطاب الديني الخشن والمتصلب في سجال، وتدعونا من منطلق نهج التهكم إلى استقصاء المفاهيم والكليشات الدينية والمناسك. في كل هذه الرواية، ثمة مفاهيم تُطرح مثل الموت والدين والحب، ثنائية الجسد والروح والزواج والحرب والثروة و...

كما ينبغي معرفة أن وصف المشاهد الجنسية في هذه الرواية، يهدف إلى تأكيد واستعراض عظمة الحياة. لأنه من هذا المشهد، ومن منطلق الجنس والحب يمكن هزيمة الموت بقوة والانتقام منه.

ومن الناحية التقنية، هذه الرواية ممتازة للغاية، فوصف الشخصيات لم يتربع على ذروة الجمال وحسب، بل كانت كل الأوصاف وخلق الفضاءات عظيمة وحية ومبتكرة. إذ يمكن لمس ومعاينة مشهد التحليق الجماعي للطيور البيضاء المهاجرة ورائحة الرمال ورغاء الجِمال بشكل حي. كما وُظف عنصر الصحراء في هذه الرواية بذكاء ولطافة كبيرة، لأنه يشكل تداعياً للعدم والموت، وكذلك شكل عنصر "الواحة" في هذا الكتاب، دلالة على الحياة والعمران، وكانت الصحراء أيضاً في طول التاريخ وعرضه، مهد الأنبياء والرسل. تأسيساً على ذلك، تقع كلّ الأحداث القصصية في الصحراء وجاءت متناسبة مع مضمون الرواية وموضوعها، مسلطةً الضوء على مصير الانسان ووجوده، إذ انحصر أمله الوحيد في الحياة بوجود هذه الواحات والقرى المتناثرة.

ومن جهة أخرى، هذه الرواية، تتجاوز الزمان والمكان، إذ يجعل الكاتب مخاطبه مستخدماً الزمان والمكان المتلفت، يعومُ في الماضي والحاضر والمستقبل، ويقذفه في جو أثيري نابع من ومضات الواقعية السحرية. وجاء سرد قصص الجماع نابعاً من الواقعية والخيال والحلم والأسطورة والتاريخ، فأفضى هذا الانزياح إلى مضاعفة المتعة وحظه الفني.

المكان في رواية "منافي الرب" شاسع برحابة الصحراء، يبحث الانسان في ميدان العدم لإيجاد نفسه، والزمن في هذه الرواية العجيبة ليس خطاً بل هو دائرة. بمعنى أنه من أي نقطة ندخل فيها إلى هذه الرواية، نصل إلى نقطة البداية ومن ثم نُقذف إلى أول حركات الحكاية. أحداث وحكايات هذه الرواية تقع خلال ثلاثة أيام وحسب؛ بيد أنها ثلاثة أيام بطول الأبدية، والبطل في هذه الأيام الثلاثة يستقصي نفسه ويغسلُ غبار النسيان عنها.

***

 

 

(قراءة موجزة جدًا في مصارع العُشّاق)

يرى عديدٌ مِن الكتاب، منهم صادق جلال العظم، في كتابه "في الحب والحب العذري"، أن معظم قصص الحب تنتهي بالفراق أو الموت، وأن الحبّ الحقيقي عادة ما يعيش حالة اشتداد.. قلّما تعرف الاسترخاء. ويقدّم مثلًا على ما يذهب إليه فيقول ما مفاده، تصوّر أن دانتي صاحب "الكوميدية الالهية"، تزوّج من محبوبته بياتريس، فاضحت مدام دانتي، تُعِد له ثلاث وجبات يوميًا وتنشغل طوالَ وقتِها بتربية أبنائهما... ونتساءل والحالةُ هذه.. لو تزوّج دانتي من بياتريس هل كانت قصته معها تخلد أم تنضمّ إلى ملايين قصص الحب التي عادة ما تُتوّج بالزواج.. والحياة الروتينية.. بما فيها التكاثر وإنجاب الابناء.

كتاب "مصارع العشاق"، للشيخ أبي محمد بن أحمد بن الحسين السراج القارئ، ( 1026-1106)، المولود في بغداد والمتوفى فيها، هو واحدٌ مِن كتب التراث العربي القديم التي تقدّم العشرات وأكاد أقول المئات من القصص التي تُثبت ما يذهب إليه الكثيرون وهو أن قصص الحب الحقيقية عادة ما تنتهي بالفراق او الموت.

يقع هذا الكتاب في مُجلّدين، وقد صدرت طبعته مدار حديثنا عام 1980 ضمن منشورات "دار بيروت للطباعة والنشر".

يورد مؤلف الكتاب في صفحاته الاولى بعضَ تعريفات الحب المرتبطة بالفراق والموت، منها قول الفيلسوف اليوناني القديم سقراط وهو أن العشق جنون والوان، كما أن الجنون الوان، وينقل عن النبي العربي محمد( ص)، قوله: "مَن عشق فظفر فعف فمات.. مات شهيدًا". ومن تعريفات الحب الطريفة التي يوردها المؤلف أن "العشق أوله لعب وآخره عطب"، وهذا القول يذكر بما قاله الامام ابن حزم الاندلسي في كتابه الشهير عن الحب "طوق الحمامة في الالفة والالاف"، وأقصد بهذا القول "إن الحب أوله هزل وآخره جد".

يضم كتاب مصارع العشّاق قصصًا ونوادرَ عن العشق وضحاياه من فترات تاريخية مختلفة منها ما هو جاهلي وإسلامي واموي وعباسي، وتهيّمن على ما يضمّه الكتاب روح دينية ذات نزعة صوفية، تقف قصص الحب المشهورة مثل قصة جميل وبثينة. وقصة عروة ابن حزام، في مقدمة القصص التي يضمّنها المؤلفُ كتابَه، غير أننا فضّلنا أن نقدّم

من أجواء هذا الكتاب الطريف.. القصة التالية:

"كان العلاء بن عبد الرحمن التغلبي من أهل الادب والظرف، فواصلته جارية مِن جواري القيان، فكان يُظهر لها ما ليس في قلبه، وكانت الجارية على غاية العشق له والميل إليه، فلم يزالا على ذلك حتى ماتت الجارية عشقًا ووجدًا به، فذكرها بعد ذلك وأسف على ما كان من جفائه لها وإعراضه عنها. فرآها ليلة في منامه، وهي تقول له:

أتبكي بعد قتلك لي عليا

فهلّا كان ذا إذ كنت حيا

سكبت دموع عينك في انهلال

ومِن قبل الممات تسي اليا

فيا قمرًا برى جسمي وروحي

ويقتلني وما أبقى عليّا

أقل مِن النياحة والمراثي

فإني ما أراك صنعت شيّا

قال. فزاد ما كان عليه الاسف، والغمّ والبكا، حتى فاضت نفسه.. فمات.

***

كتب: ناجي ظاهر

 

المقال التالي يطرح خلاصة لمنهجية كتابي الجديد "القانون الدستوري والنظام السياسي في ايران" وموضوعاته وأفكاره، والذي صدر في ستة فصول و(305) صفحات، عن دار روافد ومركز دراسات المشرق العربي في بيروت، في آذار/ مارس 2023.

يعد القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي أفرز دستورها الحالي؛ النموذج التطبيقي، الوحيد ربما، للقانون الدستوري الإسلامي الحديث، ولذلك يمكن اعتماده عيِّنة علمية للبحث في موضوع القانون الدستوري الإسلامـي، ونشـوء قواعـده وأحكامه، والمقاربة بينه والقانون الدستوري الوضعي من ناحية الأشكال والمضامين. والسبب في ذلك يعود إلى أن القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي يمثلان تجربة متفردة وعميقة على المستويات الفقهية والقانونية والسياسية، وقد تبلورا عبر سنين طويلة وبجهود مئات الفقهاء وعلماء القانون والسياسة.3016 القانون الدستوري

وبالقدر الذي يتميز فيه القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوانين الدستورية الوضعية في المداليل الفكرية والآيديولوجية، وخاصة في جانب الرؤية الكونية والأهداف والمصادر، فإنه يتساوق معها في القيمة العلمية والعملية، بالنظر لنوعية صياغاته الفنية ومداليله السياسية.

وحين استهل الإيرانيون عملية تقنين الفقه السياسي الإسلامي بكتابة دستور دولتهم الجديدة؛ لم يكن بين أيديهم من قواعد تقنين ومبادىء قانونية دستورية ونصوص دستورية؛ سوى المحاولات التي رافقت تدوين دستور المشروطة في إيران في العام 1906، ثم مرحلة دستور الدولة العثمانية الذي أعيد إقراره في العام 1908، وجهود فردية وجماعية محدودة لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية (سنية وشيعية)؛ في مقابل كم هائل من تجارب القانون الدستوري المتكاملة في أوروبا، والتي تعبِّر عن خبرة تراكمية بدأت قبل عصر النهضة الأوروبية بقرنين تقريباً. ولذلك كان لابد من المرور بالمراحل المنهجية الثمانية التي تحدثنا عنها في كتابنا "الفقه والدستور"؛ لكي يخرج دستور الجمهورية الإسلامية إلى النور.

لقد استندت نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جملة من المباديء الأساسية؛ أهمها:

1- أن الدولة الإسلامية هي دولة القانون والمؤسسات القانونية

2- يتساوى الجميع أمام القانون، بدءاً برئيس الدولة (القائد) وانتهاء بأي مواطن عادي

3- هذه الدولة وسلطاتها تستند في شرعيتها الدينية إلى الأصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفي مشروعيتها القانونية الى إرادة الشعب

4- إنها دولة دينية - مدنية، أي أن الإنتماء إليها هو انتماء سياسي- قانوني وضعي من جهة، بصفتها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي، وكذلك الإنتماء العقدي الخاص بالايديولوجية الإسلامية الشيعية من جهة أخرى.

5- إنها دولة الشورى، التي لايستبد فيها الحكّام بقراراتهم، بل يستندون إلى الشعب في ذلك، عبر المؤسسات الشورية المنتخبة، التي تبدأ من قمة الدولة وحتى أدنى مستويات عملها، وأن دستورها يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه.

6- إن جميع قوانين الدولة هي قوانين تستند إلى الشريعة الإسلامية، بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة.

وتتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الإسلامي والوطني؛ فمصدراه الأساسيان هما: القرآن الكريم وسنة الرسول وآل بيته، ثم المصدران الكاشفان: الإجماع والعقل، بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، من أجل الإستجابة لمتطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية. ثم تأتي المصادر الأخرى المتفق عليها تقريباً في القوانين الدستورية العالمية، وفي مقدمها وثيقة الدستور، ثم أحكام رئيس الدولة (القائد) وقراراته. وتعد أحكام رئيس الدولة الإسلامية ذات خصوصية في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية، تبعاً لطبيعة المنصب الذي يجمع بين البعد الزمني بصفته رئيساً للدولة، والبعد الديني بصفته الولي الفقيه الحاكم، ومايترتب على مبدأ ولاية الفقيه العامة (النظرية الفقهية السياسية الحاكمة في الدولة) من حقوق وواجبات مناطة بالولي الفقيه.

***

د. علي المؤمن

بعد طول اِنتظار، بسبب الكورونا. صدرت أخيرًا، الكتب الأربعة التالية، وهي تحمل على عاتقها إعادة بناء التساؤلات الأساسية حول المسائل العلمية الحديثة في بلداننا العربية بعامة، وفي العراق ولبنان بخاصة. كما صرّح مؤلف الكتب الاستاذ الدكتور محمد حسين الرفاعي، وأضاف:

كان الكتاب الأول4911 محمد حسين الرفاعي

"بنية البحث العلمي في الفلسفة، وعلوم المجتمع والإنسان"

وقام على تساؤل أصليّ شغلني لفترة طويلة، منذ كنت طالبًا في الجامعة اللبنانية إلى أن أصبحت أستاذَا جامعيَّاً. هذا الكتاب هو سرُّ المهنة، ونتاجُ صوت كان يرن في أذني دائمًا: علينا في الجامعات والآكاديميات العربية والعالمية أن نتجرَّأ على التَّساؤل الآتي: وفقًا لأية أسس ومعايير، واِنطلاقًا من أي وعي علمي حديث وما بعد حديث، يتوفَّر على إمكان تجاوز العقبات الآيديولوجية في وجه العلم، والمعرفة العلمية، يمكن أن يُعلَّم ويُتعلَّم البحث العلميّ في علوم المجتمع والإنسان، في العالَم الذي نعرفه؟ ولماذا علينا أن نقف بقوة في وجه المعارف العادية والعامية والخرافية، وحديثًا المعارف التافهة؛ من أجل تبيان إمكاناتنا المجتمعيَّة الأصيلة في بناء معرفة عالَميَّة؟ روح هذا الكتاب تتغذى من المستقبل. إنَّه يُقدِّمُ نفسه بخاصَّة إلى العالَم، في المعنى العميق للكلمة.

الكتاب الثَّاني:4912 محمد حسين الرفاعي

"المنهج والمَنْهَجيَّة (الميثود والميثودولوجيا)"

كتاب ينتمي إليَّ في معنى جذري. كنتُ أسمع دائمًا من زملاء وأساتذة أثق بعقولهم، عن صعوبة المنهج والمَنْهَجيَّة وبنائهما، وفهمهما، وتعليمهما. هذا اللغز الخفي، والذي تبذل الغالبية الساحقة من العلماء والفلاسفة والأساتذة الجامعيين كل جهدها في سبيل إخفائه، وحجب مجهوليَّتِهِ لها، كان بالنسبة لي بمثابة تحدٍّ حقيقيّ... وضعت في الكتاب هذا الأرضيَّة الإبستيمولوجيَّة- والميثودولوجية لتقويم عمليَّة بناء المنهج، وتعليمه، وتعلُّمه، في الأبحاث والدراسات التي تأخذ على عاتقها فهم الموضوعات المجتمعيَّة والإنسانية الأكثر أهمية في العالَم، عالَمنا نحن بوصفنا كائنات عالَميَّة، على الرَّغم مِن أنوفنا.

الكتاب الثَّالث:4914 محمد حسين الرفاعي

"المواطنية والديموقراطية في مجتمعات مــأزومة.. دراسة في سوسيولوجيا الــدولــة"

هو الكتاب الأول في "مشروع المفاهيم" الذي تكلمت عنه في مواضع عديدة من قبل. إنَّه نمطٌ من أنماط الوجود الفكري مع هموم مجتمعاتنا العربيَّة بعامَّةٍ، ومشاكلها وأزماتها، والمجتمع في #العراق و #لبنان  بخاصَّةٍ. أستطيع أن أقول أنَّه كتابٌ موجع، مأخوذًا بتهيئةِ الطريق الوعرة نحو بناء تساؤلات أكثر جذرية عمَّا نعانيه من رجال الصدفة الذين أخذوا بتدمير الـ.ـدولـ.ـة والمجتمع... إنَّ الوجع فيه يأتي من نداءات أولئك الذين مـ.ـاتـ.ـوا بدلاً عنَّا، ولم نعش بعد، بدلاً عنهم. 

الكتاب الرَّابع:4913 محمد حسين الرفاعي

"أزمة الهَويَّة والأخلاق في الفعل المجتمعيّ الجديد.. دراسة في الإثيقا المجتمعيَّة"

أعتبره كتابًا مؤجَّلاً إلى التتمة. إنَّه الكتاب الثَّاني في "مشروع المفاهيم". إذ يمكنه أن يمشي على رجليه ضمن التَّساؤل عن ماهيَّة الإنسان الإنساني الحديث. لقد تساءَلت فيه عن كل ضروب تفكيك الهُويَّة، وتغييب الأخلاق، أو التلاعب بها، وتوظيفها في مشاريع لا- أخلاقية. يمكنني أن أعترف إنَّه كتابٌ ناتج عن تجربة مجتمعيَّة مُعاشة مع علاقات مجتمعيَّة- علميَّة- سيـ.ـاسـ.ـية- ثقافية جديرة بالتساؤل والبحث. إنَّه كتابٌ فينومينولوجيٌّ بإمتياز... ولكنَّهُ كتابٌ في تعلُّمِ توجيه الألم الأخص الذي من شأننا، نحن البشر، على نحو أخلاقي.  

في كل مدينة وفي كل قرية هنالك رجال تركوا بصمتهم عليها اجتماعياً او اقتصادياً او سياسياً. ففي قرية الحصين التي تغفو على الضفة اليسرى لشط الحلة جنوب مدينة الحلة، برزت شخصية مؤثرة اجتماعياً واقتصادياً، و قدم خدمات كبيرة لقريته، وكان مزارع من الطراز الرفيع استطاع ان يبتكر عدة طرق لتطوير الزراعة وأدخل اصنافاً من الفواكه النادرة، إنه الشهيد سيد ضايع كريم آل مجدي الذي اعدم على اثر انتفاضة آذار 1991م .

صدر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية للأستاذ عدنان محمد الحسيني كتابه الموسوم (السيد ضايع كريم آل مجدي) يحوي 301 صفحة من الحجم الوزيري . تضمن الكتاب توطئة ومقدمة، ونبذة عن نسب السيد ضايع كريم وعن عائلته امه وابيه  وزوجاته وابناءه .

تطرق المؤلف الى قرية الحصين الذي كان السيد ضايع شيخاً ومختاراً لها، موقعها واصل تسميتها واحوال سكانها كونهم مزارعين، وكانت الامية متفشية بين سكانها الا ما ندر . كما تطرق المؤلف الى بدايات السيد ضايع الزراعية بقطعة الارض الصغيرة التي ورثها عن والده، والى نبعيات الماء التي حفرها عند شحة الماء في شط الحلة، وكان لمضيف السيد دور كبير في ادارة امور القرية في حل المنازعات بين الافراد والجماعات، وبإصداره قرارات بفرض غرامات على المخالفين من أهل القرية ووضعها في صندوق خاص لمساعدة  المحتاجين من أهلها، وكانت تطبق من قبل اشخاص موالين للسيد ضايع، وفي حالة عدم دفع الغرامة يقاطع ذلك الشخص من قبل اهل القرية. كما منع السيد ضايع اطلاق العيارات النارية وجلب الغجريات في المناسبات الخاصة .

استعرض المؤلف أهم الانجازات التي حققها السيد ضايع ومنها:

1- عمل عبارة (طبكة) لعبور الاشخاص والسيارات والدواب لشط الحلة لربط قرية الحصين بقرية الابراهمية ( الدبلة) للوصول الى الطريق العام المعبد الذي يربط بين الحلة والديوانية .

2- جلب مطحنة حجرية لطحن الحبوب (الحنطة والشعير) لأهل القرية والقرى المجاورة .

3- نصب مولدة كهرباء في القرية لإنارة بيوت القرية وشوارعها ليلاً .

4- جلب واسطة نقل نهرية بمحرك ديزل (فلكة) لنقل الاشخاص والبضائع الى مركز مدينة الحلة، والى القرى المجاورة .

5- انشاء بحيرة اسماك على الطريق الرابط بين الحلة والديوانية، تحوي على مطعم وكازينو مزودة بألعاب الاطفال، والتي اصبحت معلماً سياحياً هاماً استقطبت السفرات المدرسية والجامعية والعوائل في الجمع والعطل الرسمية والاعياد من بغداد والمحافظات المجاورة، وكان قد هيأ زوارق لقيام الزوار بجولة مائية  في البحيرة الكبيرة .

6- انشاء مزرعة نموذجية للفواكه النادرة والمتميزة  في منطقة العمادية التي تقع على الطريق بين الحلة والديوانية، والتي اصبحت مكاناً لاستقبال الضيوف والوفود العربية والاجنبية .

7- انشاء حديقة بين حافة شط الحلة اليسرى وسدة الري، تسقى بواسطة ناعور على غرار نواعير هيت، زرعها بأنواع مختلفة من الورود والاشجار واصناف من العنب النادر، فأصبحت جنة صغيرة تبهر من يدخلها .

8- انشأ السيد ضايع مفخرة (كورة) لصناعة الطابوق لاستخدامه في تشييد المساكن في قرية الحصين والقرى المجاورة بعد ما كانت تبنى من الطين .

وثق المؤلف مشاركة السيد ضايع بالمعارض الزراعية التي تقيمها وزارة الزراعة في المحافظات سنوياً، ونال منها على جوائز تقديرية، كما شارك بالمؤتمرات الزراعية وقدم دراسات عن الواقع الزراعي، وتقديم مقترحات لتطوير البستنة وتربية الحيوانات، والدواجن، وقدم مقترحات لحماية المنتج المحلي ودعم الفلاح .

استعرض المؤلف التحقيق الذي نشر في مجلة الالف باء عن منجزات السيد ضايع في مجال الزراعة في العدد 360 السنة الثامنة 13 آب عام 1975م، والتي حملت في صفحتها الاولى صورة للسيد ضايع وهو يستخدم المكرسكوب، وكان التحقيق يحمل عنواناً (لكل انسان ما يملك، وهذا الرجل يملك جنة) .

استعرض المؤلف اهتمامات السيد ضايع الثقافية، فكان تواقاً للعلم والمعرفة والعلوم الحديثة بالرغم من عدم تعلمه في المدارس الرسمية وانما تعلم بالكتاتيب القراءة والكتابة، فكان يتابع الصحف والمجلات العراقية والعربية مثل مجلة الهلال المصرية وروز اليوسف ومجلة الكاتب، وكان متذوقاً للشعر، فكان يدون في دفتر الجيب الخاص به ابيات من الشعر الفصيح والشعبي وبعض الأبوذيات .

دون المؤلف ما جاء في دفتر الجيب للسيد ضايع تجاربه الزراعية، وطرق تطعيم الاشجار للحصول على انواع مبتكرة منها وخاصة الاعناب، وعملية التحليق للأشجار، وذلك بأحداث شق حلقي على جذع الشجرة للحد من تساقط الازهار وزيادة حبات العناقيد . كما دون طرق مكافحة الآفات الزراعية المبتكرة .

كان للسيد ضايع مواقف ازاء العادات والتقاليد الاجتماعية منها انتقاده مشاركة اعداد كبيرة من الرجال في تشيع جنائز الموتى الى النجف، وطبق ذلك عند وفاة والدته . كما افتتح صفاً لمحو الامية في مضيفه مطلع خمسينيات القرن الماضي . وكان له دور بارز في فتح اول مدرسة ابتدائية مختلطة في قرية الحصين (مدرسة التقدم)، والتي اتخذت مضيف السيد مقراً لها عند افتتاحها، ثم انتقلت الى بنايتها بعد بنائها بعد مرور سنتين.

كان للسيد ضايع دور متميز في فتح شارع يربط مدينة الحلة بالقرى على ضفة شط الحلة اليسرى، وصولاً لناحية المدحتية . وكان يعد اول من ادخل جهاز الراديو الذي يعمل بالبطارية الى قرية الحصين، واول من ادخل جهاز التلفزيون الى احدى المقاهي في القرية .

اوضح المؤلف ان السيد ضايع كان بعيد عن السياسة، ولكنه ايد ثورة 14تموز عام 1958م، وترأس المظاهرات والتجمعات الفلاحية المؤيدة لها، واصبح على رأس الجمعيات الفلاحية في قرية الحصين . وبعد مجيء البعث الى السلطة عام 1968م تم استدعاءه الى دائرة امن المدحتية، تبعها اغلاق مضيفة، وكانوا يصرون على دعوة السيد مع اخرين من وجوه القرية لحضور الاحتفالات التي كانوا يقيمونها في المناسبات التي تخص الحزب وفي الاحتفالات لدعم الحرب مع ايران والتبرع بمبالغ مالية لها .

بين المؤلف ظروف استشهاد السيد ضايع بعد احداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991م . فذكر بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت، اندلعت انتفاضة شعبية في آذار عام 1991م، وكانت قرية الحصين مركزا قيادياً في الانتفاضة، وبعد اسقاط مروحية تابعة للجيش العراقي وقتل طياراها، قامت القوات الحكومية بقصف مدفعي شديد واطلاق صواريخ من الطائرات المروحية على قرية الحصين، وبعد دخول الجيش العراقي وسيطرته على قرية الحصين . وعند رجوع السيد ضايع من مزرعته القت مفارز اجهزت الامن القبض علية وارساله الى معسكر المحاويل، وتم اعدامه فور وصوله، فعثر على رفاته بعد سقوط النظام السابق عام 2003م في احدى المقابر الجماعية .

استعرض المؤلف آراء بعض الاشخاص ممن عاصروا السيد ضايع، وقد اشادوا بالإنجازات التي قام بها السيد لقرية الحصين، ودوره في تطوير الزراعة على مستوى العراق، وذكروا بعض المواقف والطرائف التي حصلت معه .

في نهاية الكتاب تم اضافة عدد من الصور التي توثق الحياة الشخصية للسيد ضايع . وبعض الوثائق التي تخصه سواء ما نشر عنه في الصحف والمجلات، او صور مشاركاته بالمعارض والمؤتمرات الزراعية .

لقد وثق مؤلف الكتاب شخصية السيد ضايع بكونه الشخصية الابرز في قرية الحصين، وما قدمه لها من خدمات انفردت بها القرية عن القرى الأخرى المجاورة، كما وثق دور السيد ضايع بتطوير الزراعة وادخال اصناف جديدة من العنب اشتهرت به المنطقة .

***          

صباح شاكر العكام                

 

بمناسبة صدور الطبعة الأولى من كتابي الجديد " فوائد لغوية وتراثية.. ثلاثمائة فائدة في اللغة العربية والتراث" عن دار "فضاءات" الأردنية، أنشر أدناه مقدمة هذه الطبعة ومسرد الكتاب:

فوائد لغوية وتراثية.. ثلاثمائة فائدة في اللغة العربية والتراث

* الطبعة الأولى

الإهداء: لذكرى الصديق نصير المهدي الياسري

وفاءً بعهدٍ قديمٍ يتجددُ كلما شعرتُ بالفراغ الذي خلَّفه رحيلك الفاجع المباغت.

على سبيل المقدمة

كتابة الفوائد والمنتخبات في باب من أبواب العلم أو الأدب نمط معروف في الثقافة العربية القديمة، ونجدها مبثوثة في كتب التاريخ واللغة والفقه والفلسفة ...إلخ، ويعتبر ابن قيم الجوزية الدمشقي، وهو من أهل القرن الثامن الهجري - الثالث عشر الميلادي، أول من وضع كتاباً بهذا العنوان "الفوائد"، ويعتبر من أشهر وأهم كتبه، ثم ثنَّى عليه بكتاب "فوائد الفوائد". وقبله، في القرن السابع الهجري ألَّفَ ابن مالك في النحو كتابا سماه "شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" وكتاب "نظم الفرائد وجمع الفوائد". وهناك نوع آخر من التآليف قريب من كتب الفوائد، ويتمثل بكتب المستطرفات. وهذه الكتب ليست تخصصية كسابقتها، وهي تستهدف بالدرجة الأولى التسلية والإفادة والاستمتاع. ومن هذا القبيل كتاب شهاب الدين الأبشيهي "المستطرف في كل فن مستظرف"؛ وحديثاً، يمكن التذكير بكتابيْ هادي العلوي "المستطرف الصيني"، وهو أكثر تخصصية لتعلقه بالشؤون الصينية، و"المستطرف الجديد". ولكاتب هذه السطور كتاب بعنوان "المستطرف الممتع"، صدر عن داري "الكنوز الأدبية ببيروت، ودار التيار للدراسات والنشر ببغداد 2004، وهو كتاب جيب يصلح رفيقاً للمسافر والمصطاف...إلخ. وقريب من كتب الفوائد والمستطرفات تجد الكثير من الكتب في التراث العربي ككتاب "البخلاء" للجاحظ و"الامتاع والمؤانسة" بلياليه السبع وثلاثين للتوحيدي وكتاب "الأغاني" الشهير للأصفهاني وما إلى ذلك. أما في باب الفوائد اللغوية، فقد سبقنا إليه أستاذنا الراحل مصطفى جواد في سلسلة مقالات له بعنوان "فوائد لغوية" التي كان ينشرها في مجلة "لغة العرب" - كما في ص 594 الجزء الثامن - السنة السادسة.

كنت قد بدأتُ تحرير هذه الفوائد القصيرة في اللغة العربية والتراث العربي الإسلامي ونشرها على صفحتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بضع سنوات، وقد أضفت إليها ما تجمع بحوزتي من ملاحظات وخلاصات ومقتبسات خلال تجربتي في تدريس اللغة والأدب العربيين طَوال ربع قرن تقريباً ومن قراءاتي الشخصية.

وقد لمست تفاعلاً إيجابياً وواعداً من قِبَلِ المدوِّنين والمدوِّنات على تلك المواقع والمنصات الاجتماعية، كما أن بعضهم ساهم مساهمة مُثرية عبر العديد من الأسئلة والاستفسارات والتعليقات التي كان القراء يوجهونها لي مباشرة فأجيب عليها في هيئة فوائد مكتوبة بلغة واضحة وسلسة، تنحو محنى التسهيل على الناطقين باللغة الغربية، في ضوء قناعاتي بهذا الشأن، والتي عبرت عنها في مناسبات أخرى منها كتابي "المبسط في النحو والإملاء" الصادر ببيروت سنة 2009. تلك القناعات التي تسترشد بمبادئ معينة وتتوسل أهدافاً منها: التسهيل على الناطقين باللغة الغربية من عرب وأجانب في أمور النحو والصرف والإملاء عبر تبسيط تلك القواعد وإهمال المعقد ونادر الاستعمال أو المنقرض. وإلغاء المسافة التي تفصل بين اللغة العربية المكتوبة "الفصيحة" والأخرى المنطوقة "العامية" والتقريب بينهما دون المساس بما هو ضروري من قواعد النحو والصرف الضرورية في ما يخشى اللبس فيه.

وكان الهدف الأشمل في هذا الجهد المتواضع، كما كتبتُ في مقدمة كتابي سالف الذكر هو: "تقديم رؤية جديدة للغة العربية المعاصرة تختلف عن تلك التي قدمها ونافح من أجل استمرارها "الإكليروس اللغوي المحافظ"، والذي جعل اللغة العربية صنماً أو طوطماً مُحَرَّماً لا روح فيه. ومن الطبيعي أنْ أهمل خلال تأليفي لهذا الكتاب، وبموجب هذه الرؤية المنفتحة على العصر والحياة، جميعَ المواضيع والقواعد النحوية العقيمة وغير المستعملة أو تلك المعقدة والنادرة الاستعمال للتسهيل على الدارسين وعموم الناطقين والكاتبين بلغة الضاد، والتخفيف عليهم وعلى لغتهم التي نطمح بأن تكون رشيقة، معاصرة، حيوية، جزلة، وثرية".

لتسهيل الاستفادة من هذا الكتاب جعلت الفوائد في بابين حسب موضوعها: الأول للفوائد اللغوية في النحو والصرف والبلاغة والإملاء والنوادر، والثاني للفوائد والنوادر التراثية. كما عمدتُ إلى ترقيمها وترتيبها حسب تاريخ كتابتها ووضعت لها عناوين فرعية، لتكون بمثابة إضاءات على مواضيعها.

أما من حيث الطول فبعض هذه الفوائد قصير يقع في سطرين أو أكثر قليلا، وبعضها الآخر - وخصوصا الفوائد التراثية- طويل يقع في صفحة أو أكثر. إنَّ هذا الكتاب أقرب إلى موسوعة طريفة صغيرة، غنية بالمعلومات النادرة والموثقة غالباً من مصادر رصينة. آملُ أنْ تكون بمثابة استراحة منعشة ومفيدة للقارئ في خضم صخب الحياة المعاصرة اللاهثة سريعة الإيقاع، كثيرة المنعطفات والتعقيدات، عسى أنْ يجد فيها القارئ العادي المعلومات التي تمتعه وتغني ثقافته العامة، مثلما يمكن أن يجد فيها القارئ المتخصص كالصحافي والطالب الثانوي والجامعي ومدرس اللغة وغيرهم مادة منوَّعة ودقيقة، وإجابات عما قد يواجهه من أسئلة وتساؤلات في أبواب لغتنا الجميلة كالنحو والصرف والبلاغة والإملاء، وفي ميادين تراثنا العربي والإسلامي القديم، وتحديدا في جانبه المضيء والجدير بالتنويه والاعتبار، مما يدخل في باب المسكوت عنه أحيانا.

وسأكون ممتناً لكلِّ مَن يتكرم بالتعليق والتصويب والإضافة لهذه الفوائد عبر الكتابة المباشرة إليَّ على عنواني الإلكتروني على الصفحة 271 من الكتاب.

***

علاء اللامي

شتاء 2022

..........................

مسرد الكتاب

باب الفوائد اللغوية

1- الفرق بين الفصحى والفصيحة

2- الفرق بين الصمت والسكوت

3- الفرق بين السؤال والتساؤل

4- الفرق بين الكلام والتكلم

5- جواز تأنيث المذكر نحو "عضوة البرلمان"

6- القمر الاصطناعي والقمر الصناعي

7- "حتى" التي حَتْحَتَتْ قلوب النحاة

8- المُتَوَفِّي الله والمُتَوَفَّى الإنسان

9- خريطة وخارطة

10- ما بعد كِلا وكِلْتا

11- الفرق بين "أم" و "أو"

12- الثُّلة والشِّلة

13- مَصوغَة لا مُصاغَة

14- الفعل أطاحَ

15- الفرق بين العام والسنة

16- الفرق بين أمس والأمس

17- الفرق بين خَطِر وخطير

18- الترجمة والتعريب

19- الفرق بين وسيم وجميل

20- لِقاح ولُقاح

21- "حرض على" عكس "حرض ضد"

22- ما الفرق بين الكيمياوي والكيميائي؟

23- الفرق بين بسم وباسم

24- المُحتضَر والمُحْتَضِر

25- معنى "تقاطع" في العراق والشام

26- ما الفرق بين نيف وبضع وبضعة؟

27- مبارك لا مبروك

28- ما الزائدة الكافة والمكفوفة

29- الفرق بين أَكِفَّاء وأَكْفَاء

30- كلمة "يُسْتَشْهَدُ" ويُحْتَضَر

31- الفرق بين "إلى" و "لـ"

32- الوثن والصنم

33- الفرق بين وَفَيَات ووَفِيِّات

34- الفرق بين المصادِر والمراجِع

35- الإخصائي والمتخصص

36- رُفات لا رفاة

37- نصب ما بعد "باعتباره، بصفته، لكونه"

38- الفرق بين المدة والفترة

39- الفرق بين يحيى ويحيا

40- الفرق بين الإشاعة والشائعة

41- هيئة وهيأة

42- الفرق بين نَفَذَ ونَفِدَ

43- حذف الواو من بعض الكلمات

44- الفرق بين الكوع والبوع وباطن المرفق

45- المعطلون لا العاطلون عن العمل

46- شكرا جزيلا

47- "الغانية" من الصفات الإيجابية للمرأة

48- خصخصة أم خوصصة؟

49- دكتوراة ودكتوراه

50- كلمة شهيد، كيف ومتى ولدت؟

51- الفرق بين شفوي وشفهي

52- إني وإنني، لكني ولكنني

53- النصب على الاختصاص

54- التفريق بين الضاد والظاء

55- قائمتان بالكلمات الضادية والظائية

56- كلمات تكتب بالضاد مرة وبالظاء أخرى

57- فيديو حول لفظ الضاد والظاء

58- الفرق بين الطالب والتلميذ

59- الفرق بين التاريخ والتأريخ

60- فَعَلَ وانْفَعَلَ

61- كيف نرتب الاسم والكنية واللقب؟

62- الفرق بين صحفي وصحافي

63- الخَلق والخُلق والتخليق والاختلاق

64- الفرق بين البدن والجسد والجسم

65- الفرق بين الرؤية والرؤيا

66- الفرق بين العقل والذهن

67- الفرق بين الفطنة والذكاء

68- راجعوا مفردة "تسامح" لطفا

69- تعقيب حول التسامح

70- الفرق بين الحُلم والحِلم والحَلَم

71- الفرق بين الرحمن والرحيم

72- المسلمون والإسلاميون والإسلامياتيون

73- حَيْثُ وحيثما وحَيَّثَ والحيثية والحيث

74- علامات الترقيم "التنقيط"

75- الفرق بين النقد والانتقاد

76- الحول والحولي

77- لا توجد سنوات طويلة

78- "مناعة مجتمعية" لا "مناعة القطيع"

79- التطعيم والتلقيح

80- إذا وإذاً وإذن

81- لطيفة عن النحوي المبرِّد البصري

82- الهمزة نوعان

83- همزة القطع

84- الهمزة الابتدائية

85- فتح همزة ان

86- مواضع همزتي الوصل والقطع في الأفعال

87- همزتا الوصل والقطع في الأسماء والحروف

88- همزة القطع في الأسماء

89- همزة القطع في الحروف

90- الهمزة الوسطى

91- الفرق بين ربما وقد

92- الهمزة على النبرة "الياء"

93- الهمزة الوسطى على الألف والواو

94- رؤف، رؤوف، رءوف

95- همزة "ان" بعد بل، أي، إذ، حيث، إلا وغير

96- الهمزة النهائية "المتطرفة" وتعريفها

97- عن الهمزة الختامية أي في نهاية الكلمات

98- الهمزة الختامية في كلمة امرئ

99- التفريق بين همزة الوصل وهمزة القطع

100- ما هي التوابع؟

101- طالما، قلما، كثرما، شدَّما، كأنما ولكنما

102- الفرق بين مازال ولا زال

103- تصحيحات لغوية

104- بالرغم ورغم أنَّ

105- يرتكز على ويرتكز في

106- سوف للاستقبال والتسويف

107- أخطاء صغيرة

108- الأكثر مقروئية

109- لاسيما ولله دره وطوبى

110- الهمزة المتبوعة بياء "أبنائي"

111- الألف الفارقة للإطلاق

112- لا فُضَّ فوك

113- وظائف الإعراب

114- ما المقصود بالنحو الساكن؟

115- الغرض من النحو الساكن

116- شواهد تراثية تبيح النحو الساكن

117- تجميد الأسماء الخمسة

118- سلسلة "الصحيح والخطأ"- أ

119- سلسلة "الصحيح والخطأ" - ب

120- الفردوس الأكدية والخُلد العربية

121- تَفَعَّلَت وفُعِّلت

122- تصويبات مفيدة

123- "نفس" التوكيدية

124- مشاكل ومشكلات

125- زوج واثنان

126- أسماء الحروف ومعانيها

127- أسماء أصوات الحيوانات

128- ذكور الحيوانات

129- عين الأفعال

130- تصحيحات عين الفعل

131- السخل ابن النعجة

132- أسماء بيوت الحيوانات

133- القُوام والقَوام

134- أوائل الأشياء

135- ترجمات طريفة

136- وادللالي المغربية

137- فوائد سريعة

138- طموح وطموحة

139- تذكير أعضاء الجسم

140- ظروف الزمان والمكان

141- أصل الألف في نهاية الفعل المعتل

142- مابعد اسم التفضيل

143- كلمة يداهر ومشتقاتها

144- المضارع الواقع بعد الأمر

145- اسم الفعل العامل

146- ثمانية، ثمان، ثماني وثمانيا

147- شرق، وشرقي الـ

148- المضاف والشبيه بالمضاف

149- كلمات عامية فصيحة - أ

150- كلمات عامية فصيحة - ج

151- كلمات عامية فصيحة - ب

152- حروف رقمية على الانترنيت

153: الفرق بين "أنَّ / إنَّ" و "أنْ وإن"

154- أنَّ، لا تُجر بالباء

155- الفرق بين ثَمة، ثَمت، ثَـمَّ، ثُـَّم وثُـمت

156- مواضع وجوب كسر انَّ وفتحها

157ـ ما معنى كلمة عتيد؟

158- حين يعمل اسم الفاعل عمل فعله

159- همزة الأفعال المتصلة بواو الجماعة

160- حالات خاصة في كتابة الهمزة

161- تنوين الفتح على الألف (اً)

162- الممنوع من الصرف المنتهي بألف وهمزة

163- الهمزة المتطرفة وتنوين الفتحة

164- خصوصاً وبخاصةٍ وخاصةً

165- متى ندغم أنْ ولا في "ألا"

166- "عسى" من أخوات كان، ومن أخوات إنَّ

167- لا يصح إنهاء الكلام بالتنوين

168- كيف يعمل حرف "بل"

169- عمل وإهمال "ما

170- متى تكتب ابن وابنة بهمزة الوصل" ا "؟

171- لتسهيل فهم الفرق بين "في ما" و "فيما"

172- الحزن والكرب والكآبة والغم والهم والحسرة والأسف

173- إعمال أن وإهمالها

174- القطع في موضع الوصل خطأ

175- استعمالات (قدْ)

176- أعضاء الجسم المؤنثة وجوبا

177- بعد هذه الكلمات كل اسم يكون مجرورا

178- جواز تذكير وتأنيث بعض أعضاء الجسم

179- استثناءات في تذكير وتأنيث أعضاء الجسم

180- أنواع الحروف العربية من حيث الشكل

181- كُلْيَة بضم الكاف وليس كِلْيَة بكسرها

182- الحادي والعشرون والواحد والعشرون

183- القوة البلاغية للجملة الاسمية

184- الهمزة المفتوحة وبعدها ياء

185- ما الفرق بين متفيهق ومتفيقه؟

186- النوايا والنيّات

187- تحريك حروف بعض الكلمات:

188- لفظ الكلمات الفصيحة بنبرة العامية

189- ما الفرق بين أي وأية

190- الفرق بين أمّا وإمّا

191- تخفيف أنَّ الناسخة

192- مرحى، بالكاد، وريثما

193- تذكير وتأنيث الأعداد والمعدودات

194- الفرق بين العقل والذهن

195- ما الفرق بين مَسَّ ولَمَسَ وتلَمَّسَ؟

196- "كي لا" و"كيلا" و "لكيلا"

197- الأعداد المركبة والمضافة

198- همزة القطع في الفعل المضارع

199- الفرق بين أخيراً ومؤخرا

200- الأفعال الخمسة

201- هل نكتب اهدئي أم اهدأي

202- حكم همزة "ان" بعد بعض الحروف:

203- معنى "لاسيما" وكيف تعرب

204- حكم الهمزة المتطرفة

205- تنوين الهمزة المتطرفة

206- ممنوعات من الصرف "خاصة"

207- هل يجوز تكرار "بين" في الجملة ذاتها؟

208- الخمط والنتف والنتش والملخ

209- هذه الكلمات ليست فارسية

210- الكمامة في اللغة والشعر العربي القديم

211- التاء المربوطة والتاء المفتوحة

212- المضاف والمضاف إليه

213- إعراب الاسم المنقوص

214- الفرق بين الوباء والجائحة

215- همزة فعل الأمر

216- معنى وإعراب "وهَلُمَّ جَرّاً" و"وهكذا دَوالَيْكَ"

217- النصب بنزع الخافض

218- خرج عن القانون لا خرج عليه

219- من أخطاء المدونين على مواقع التواصل

220- مصطلحات لهجوية عربية

221- سيّئ، شيء أم شيئ، خاطئ أم خاطيء؟

222- ما الفرق بين البحراني والبحريني

223- ألّا وألا وإلا

224- لا النافية للجنس ولا النافية للفعل

225- هؤلاء مديرون وهذه رحم

226- - الفرق بين عَمرو وعُمر

227- العدد المركب

228- ما الفرق بين العربي والأعرابي؟

229- المنحوتات اللغوية

230- هذا ما أنطى

231- المصدر "تَغْيير" والفعل "تَغَيَّرَ"

232- الفرق بين همزة الوصل والقطع

233- التفريق بين ما ومما

باب الفوائد التراثية

234- أول خليفة يستقيل من الخلافة طوعا

235- مولوتوف عباسي

236- "النظام الداخلي" لحركة العيارين والشطار

237- كأس أم حكيم

238- من المعري إلى الشيخ محمد الغزالي

239- التطرف العراقي في الخير

240- موقف ابن رشد النقدي من التراث

241- في بابل يصفعون الملك قبل تتويجه!

242- مومسٌ سقتْ كلباً فاستحقت المغفرة

243- كأننا والماء من حولنا

244- المرأة المتصوفة

245- دموية أهل الحكم

246- الخمور في الحضارات الرافدانية القديمة

247- القطب الصوفي بشر الحافي

248- خطبة واصل بن عطاء

249- إعدام الشاعر بشار بن برد

250- القطب الصوفي بشر الحافي

251- أمثال شعبية بغداد العباسية

252- اسم العراق في العهد الآشوري والشعر الجاهلي

253- أمثال سومرية مقارنة بمثيلاتها المعاصرة

254- الوعي الطبقي قديما

255- يزيد الناقص الخليفة الأموي الثائر

256- الحارث بن سريج نصير الوثنيين المظلومين

257- شبيب الخارجي مبتكر حرب العصابات

258- غزالة وابنها شبيب الخارجي

259- الإمام النعمان نقيض الفكر التكفيري

260- القطب الصوفي عامر العنبري

261- هل أنقذت سُجاح والد النبي محمد من الذبح؟

262- اللغة العربية في الأندلس من وجهة نظر خصومها

263- - ملكات عربيات قبل الإسلام

264- الدولة الأموية من الفرع السفياني إلى المرواني

265- أيُّ امرئ القيس نقصد فهم كثر؟

266- ما الفرق بين الحرفة والمهنة؟

267- الصراع العنيف بين العرب القيسية واليمنية

268- المدرستان البصرية والكوفية في النحو العربي

269- أبو العلاء المعري والدين

270- كربلاء أخرى شبه مجهولة قرب مكة

271- برنامج ثورة زيد سنة 122 هـ - 740م

272- شاعرة بغدادية تتغزل بجمالها قبل ألف عام

273- سودة الهمدانية العراقية تحاجج معاوية

274- الطباخ الذي صار وزيراً عباسيا

275- الزندقة النبيلة والأخرى المنحطة

276- الشاعر ماني الموسوَس من العصر العباسي

277- حرفيون كادحون ولكن علماء!

278- نفاق بعض المتدينين كما يصفه الغزالي

279- نفاق الحكام الفاسدين

280- آية المنافق كما شخصها الإمام علي

281- حديث المساواة

281- فطنة وذكاء

283- ما مصير المشركين إذا كانوا مصلحين؟

284- المال والجاه يُنبتان النفاقَ في القلب

285- حديث "إياك ومجالسة الأغنياء"

286- هاتان بهاتين

287- التدرج في العقاب من نزع العمامة إلى نزع الرأس

288- تشريع الاستبداد

289- من علي إلى ابن عباس

290- القطب الجيلاني ضد المتاجرة بالدين

291- بين سمنون المحب وفالنتاين

292- زرياب الطائر الأسود الجميل

293- من هم الروافض والنواصب؟

294- تمنى أن يكون كلبا

295- بغداد في عصرها الفاطمي القصير

296- دمشق تستنجد بالقرامطة ضد الغزو الفاطمي:

297- الكوفة عاصمة الثورات

298- من أجمل أشعار الحب والوجد الصوفي

299- الحب بين اللغتين العربية والإنكليزية

300- خبز يابس مع الكرامة أفضل!

 

ضمن ما يشغل عالم الأديان التونسي عزالدين عناية، المدرس بجامعة روما (إيطاليا)، صدر كتاب جديد بعنوان: "الأديان الإبراهيمية.. قضايا الراهن"، وهو كتاب يعيد النظر في مفهوم الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، في ظل تحديات العالم الراهن. إذ يعيش التراث الإبراهيمي أزمة بين الورثة، وتتوه الدعوة الإبراهيمية في وعثاء السياسة، وليس من الهين لمّ شمل الورثة، وهو ما يضعنا أمام سؤال ما الذي تبقى من الإبراهيمية الحنيفية؟ إذ لم يتسنّ للأديان الإبراهيمية، حتى عصرنا الراهن، رسم خطّة مشتركة في التعايش والاحتضان بين بعضها البعض. خطّة تتواضع بمقتضاها على حضور أتباع الدين الآخر بين ظهرانيها، دون أن يلحقهم أذى أو ترهقهم ذلّة. وإن كانت حصلت معالجات منفردة لهذه المسألة، اختلفت تفاصيلها من دين إلى آخر، دون بلوغ أسس جامعة. فمن الأديان الثلاثة من يملك تشريعات في الشأن، غير أنها تقادمت، أو هُجرت، أو داهمتها التبدلات الاجتماعية الهائلة، دون أن يتعهدها أهلها بالتهذيب والتنقيح، على غرار مؤسسة أهل الذمة، أو مفهوم أهل الكتاب في الإسلام؛ ومن تلك الأديان من لا يزال في طور تخليق منظومة لاستيعاب الآخر، لم يحصل في شأنها إجماع داخل المواقع النافذة في المؤسسة الدينية، على غرار "لاهوت الأديان" في المسيحية.

ذلك أن مفهوم الأديان الإبراهيمية حمّال أوجُه، كلّ له دلالته وكلّ له تأويله؛ وما نشهده من إيلاف في الراهن داخل المجتمعات، يأتي بفعل الإطار التشريعي للدولة المدنية الحديثة لا بموجب تحريض تلك الأديان، رغم ما يلوح جليا من قواسم مشتركة، ومن تقارب عقائدي بين اليهودية والمسيحية والإسلام. وبالتالي يظلّ التحدي الذي يواجه الجميع، وهو كيف تعيش تلك الأديان شراكة الأوطان؟ وكيف تغدو حاضنة لبعضها البعض ولا تكون طاردة؟ إذْ ما برحت اليهودية والمسيحية والإسلام دون مفهوم "أهل الكتاب" الضامن للعيش المشترك، ودون مفهوم "الأديان الإبراهيمية" الجامع للتنوع المفترق، وينطبق عليها مفهوم "الأديان الثلاثة" المتجاورة والمتباعدة في الآن نفسه.

لا يرنو هذا المؤلَّف إلى صياغة مفاضَلة بين تلك الديانات، على غرار، أيها أرحب صدرا في احتضان الآخر؟ ولا ينظر إلى المسألة ضمن معادلة "نحن النعيم والآخرون هم الجحيم"، فالحدود بين الأنا والآخر باتت متحولة متداخلة. إنّ المفاضلة في عصرنا أمست منهجا متقادما فاقد الصلاحية، وأن كل عملية احتضان، مفاهيمي أو مؤسساتي، هي وليدة جدل اجتماعي مركب.

وقد شئتُ أن تكون فصول هذا المؤلّف دانية من المعيش اليومي، ومُتابِعة للواقع الراهن بين أتباع الأديان الثلاثة، في هواجسهم وفي تعايشهم، في تآلفهم وفي تنافرهم، داخل الوطن الواحد وفي ظلّ الحضارة الواحدة؛ لذلك تشغل محاور هذا الكتاب أوضاع ذلك الآخر، الذي يمثله دين القلّة، وبالمثل تمثله الذات، حين تتبدل المواقع وتتغير الحواضن، فتغدو الذات -ضمن انزلاق دلالي- هي الآخر. يأتي هذا الكتاب تأمّلا في أوضاع الأديان في الراهن، وإن أمْلت الضرورة العودة إلى الأصول، أو إلى سالف التجارب، لفهم مجريات الواقع المستنفر، فأحيانا تكون أُطر استيعاب الآخر المؤسساتية أو المفاهيمية مضلّلة، لا تفصح عما يتخلّلها من تناقضات، ولا يتسنى رصد مظاهر الدونية والحيف من خلالها، فتضيع مكابدات العيش المشترك في طياتها.

وليس غرض هذا العمل أن يكون دعوة أخلاقية، يحضّ على فضائل تعايش الأديان والحوار بينها -وإن كان صاحبه يجلّ ذلك الدور-، ولكنه حديث عن الأديان حين تنزل معترك الاجتماع، وحين يتحكم بعضها بمصائر بعض. لذلك ينأى المؤلَّف عن المطارحات الشائعة في حوارات المجاملة، التي طالما تتناول المنشود وتغفل عما هو موجود، ليقف على نقيض تلك المقاربة، واضعا القارئ أمام واقع التدافع الديني، بشكليه، المحمود والمذموم.

إن الأديان الثلاثة تبدو مقبلة على مواسم تفوق قدراتها الهرمنوطيقية التقليدية، ما عادت المدونات الفقهية واللاهوتية الكلاسيكية كفيلة بحلها. كما أن هناك قضايا تواجه تلك الأديان تتخطى إمكانيات دين بعينه، وتتطلب تضافر الجهود، مثل إشكاليات البيئة والمناخ والفاقة والأمية، وغيرها من المشاكل العويصة. فالعالم اليوم يتغير من تحت أقدام الأديان الثلاثة -إن صح التعبير- بوتيرة متسارعة، غالبا ما توفّق التشريعات المدنية في التأقلم معها، وتتعثر الديانات الإبراهيمية عن مواكبتها، في وقت يُفترض فيه أن تكون الأقدر والأجدر لما بينها من رؤى أنطولوجية جامعة.

كان علماء الاجتماع الديني الأمريكان، أمثال رودناي ستارك ولورانس إياناكوني وروبار توليسون، من أوائل الذين نبهوا إلى أن الفضاء الديني الغربي، أو كما يطلقون عليه "السوق الدينية"، محكوم بالاحتكار من طرف متعهّد قوي يمسك بمقدّرات الفضاء، يضيّق على غيره الحضور، ويحدّد مقاييس الحضور وفق مراده. ومن المفارقات الكبرى في عصرنا، أن الدين المستضعَف المهاجر، بات يستجير بالعلمانية وبالدولة المدنية طلبا للمقام الآمن، ولا يجد ذلك المأمن وتلك النُّصرة عند رفيقه في رحلة الإيمان، وهو حال الإسلام الأوروبي. فهو ليس في استضافة الكاثوليكية "التقليدية" ولا البروتستانتية "التقدمية"، ولكنه في كنف العلمانية. فقد وفقت المجتمعات الحديثة في ما خابت فيه الأديان الثلاثة، من حيث إتاحة فرص الحضور للآخر. في وقت يُفترض فيه أن يكون المؤمن "الإبراهيمي"، بين أهله وملّته، حين يكون في الحاضنة الحضارية لدين من الأديان الثلاثة، لكنه في الحقيقة لا يجد تلك السكينة، وغالبا ما يلقى حرجا، ويأخذ صورة الخصم والمنازع والمهدّد القادم من وراء البحار، ولذلك أمام دعاة الحوار اليهودي المسيحي الإسلامي، ثمة ضرورة ملحة لطرح سؤال: هل هناك فعلا أمة إبراهيمية أو تراث إبراهيمي جامع؟

نبذة عن المؤلّف

عزالدين عناية، أستاذ تونسي يدرّس في جامعة روما/ إيطاليا، متخصّص في دراسات الأديان. صدرت له مجموعة من الأبحاث منها: "الدين في الغرب"، "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم"، "الاستهواد العربي"؛ فضلا عن عدد هام من الترجمات منها: "المنمنمات الإسلامية" لماريا فيتوريا فونتانا، "علم الاجتماع الديني.. الإشكالات والسياقات" لسابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، "علم الأديان" لميشال مسلان.

الكتاب: الأديان الإبراهيمية.. قضايا الراهن

المؤلف: عزالدين عناية

الناشر: مجمّع الأطرش- تونس

سنة النشر: 2023

عدد الصفحات: 160 ص

 

صدر مؤخرا عن "منشورات أفروديت" في عددها (35) بمدينة مراكش، كتاب جديد للشاعرة المغربية نجاة الزباير يحمل عنوانا شاعريا جذابا هو: " قناص ببندقية من ورق " / إطلالة على طرائد الشاعر عبد الرحيم الخصار"، وذلك في حلة أنيقة جميلة.

ويضم الكتاب تقديما بقلم الشاعرة، وإضاءات وافية ألقت الضوء على الشاعر عبد الرحيم الخصار ونشاطه الإبداعي، وبعض مشاركاته في المهرجانات والملتقيات الشعرية في المغرب وخارجه، ورحلاته الأدبية إلى أمريكا، كما عرَّفت بالجوائز الأدبية التي أحرز عليها خلال مسيره الإبداعي، وأشارت إلى الاهتمام النقدي الذي يتمثل في دراسات عديدة من لدن كتاب ونقاد من المغرب وغيره من بعض الأقطار العربية. وقد صدر للشاعر عدد من الدواوين والمختارات الشعرية، وغيرها من الإنتاجات في أجناس أخرى كالرواية والرحلة. وقد ترجمت العديد من نصوصه إلى بعض اللغات: الإسبانية - الفرنسية - الإنجليزية الألمانية وغيرها. وقد أشارت الباحثة الشاعرة نجاة الزباير في تقديمها المركز إلى غنى الشعر المغربي بأسماء استطاعت أن تكسب تفردا في المشهد الشعري المغربي، وذلك بفضل تلاقحها مع ثقافات ولغات مختلفة، كما لاحظت أن النص الشعري المغربي، أصبح نصا يعرف تغيرا مستمرا، ولم يعد نصا واحدا ثابتا متشابها مع ما يصدر من نصوص الشعراء الآخرين . لقد " أصبح نصا مفتوحا ومغايرا لسابقيه " (عن عبد الحق وفاق، آليات الكتابة والتعبير في القصيدة المغربية المعاصرة ". وقد تناولت الشاعرة الباحثة في كتابها بالدراسة والتحليل دواوين الشاعر التالية: - عودة آدم - نيران صديقة - أنظر وأكتفي بالنظر - بيت بعيد" .

***

بقلم د. عبد الجبار العلمي

ها أنذا لا زلتُ في محراب السّيْر

أبتسمُ لي أحيانًا أتلقّفُ دمْعتي حينًا آخر

لا زلتُ أسير بعقيدتي

أعتنقُ الصّمْتَ حين يلفّني الوجعُ

صدر هذه الأيام عن دار متون للنشر والترجمة والطباعة والتوزيع بالجزائر ديوانٌ شعريٌّ بعنوان (أكتفي بِعضِّ أطراف شفتيّ) للأديبة فوزية شنّة، وهو الإنتاج الإبداعيّ الثالث لها بعد ديوان شعريٍّ بعنوان (أخاديد عمر)، ومجموعة قصصية بعنوان (سراديب الحياة).

الديوان الجديد من الحجم المتوسط، تتضمّن صفحاتُه 68، بعد الإهداء والتقديم 24 نصًّا شعريًّا.

الشاعرة فوزية كانت مُحِبّة لوالدتها كثيرا، ومتعلّقة بها، وازداد هذا التعلّق بمرور الأيّام بعد وفاتها منذ سنوات، فجاء الإهداء لها:

« إلى مَنْ سافرتْ في رحلةٍ أبدية

إلى منْ تركتْ ريحَها وعبْق عطرها فيَّ

إلى منْ تدفعُني ذكراها بقوّة نحْو الحياة فأُشْعِلُ شموع دربي وأسير

إلى منْ قلبي عامرٌ بنبضها وبه أستنيرُ

إلى روح أُمّي التي استلمتْ مشْعلَ الكادحين بعد وفاة أبي رحمه الله..

إلى روحيْكما (أمّي وأبي) أُهْدي هذا العمل .

وممّا جاء في التقديم الرائع الذي خطّتْه الشاعرة الإعلامية نادية نواصر:

«...مثقّفة (فوزية شنة) تمثّل زبدة المجتمع، هي لا تكتب ولكنها ترسم باللغة الرومنسية الشّفّافة السّهل الممتنع، هي لا تبوح للغة الشّهيّة، ولكنها تهمس همس الأنثى المُجلّلة بعبق الورد والحياة في أسلوبٍ شيّقٍ، إنجازٌ ساحرٌ وبلاغة مغرية وصور شعرية جذّابة. ص: 07»

من التقديم:

«...حين تكتب فوزية شنة تشعر وكأنها فيروز تغنّي، تتسلّل بلغة دافئة إلى القارئ فتعتقله برُقيّ همْسها، هي التي قالت الفصيح، والهايكو، والقصة، والقصيدة النثرية. ص: 08 »

الشاعرة فوزية شنة في ديوانها عديد النصوص الحاملة لانكسارات في مسار حياتها مع الآخرين مثلما لها انشراحات:

من نصّ: {حسرة قلْبٍ}

وكمْ من خِلٍّ أهديناه عمرا مديدًا

سرق العمرَ وصار للعدوّ صديقًا

في غفْلة كنّا حين جاور شريانه الوريدا

كم حلمنا وانتظرنا

صار الضّباب مَعْلَمَ طريق ص: 17

ومن نصّ {لا زلْتُ أنتظرُ}:

عُدْتُ أدراجي أقتفي أثر خيْبتي

أُزيحُ بعْض الحيْرة بابتسامةٍ

أُقاومُ كلَّ شيء يغيّر من ملامحي

تأوّهْتُ..

أيُعْقلُ أن أكون أنا بكلّ زينتي

أيجرأُ على نقْض الموعد

عُدْتُ إليَّ ألُفُّ رأْسي في حُزْمة حريرٍ

أطلُّ على المرآة لعلّي أستيقظ من غفوتي ص: 19

تنهض الشاعرة ثائرة على انكساراتها، مستجمعة قواها، مستمدّة عزيمتها من نخوة المرأة العربية الشرقية، وإبائها، من نصّ {لا تترقّبوا سقوطي}:

أنا امرأةٌ شرقية تخْشى أن تسقط أشياؤها إنْ هي استغْنتْ عن رباط خصْرها

أحمل زادي تحت ردائي تحسُّبًا لأيّ طارئٍ

أنا امرأة حين يغادرها النوم تغزل الحياة وتنسجها

أقول للّيل ها قد حوّلْتُكَ نهارًا في خلوتي ص: 23

ويعود الانشراح مكلّلًا بالعزيمة، عزيمة إنارة الدروب المعتمة، من نصّ {امرأةٌ وأنا}:

أنا شمعة تُنير درْبها ودرْب الآخرين دون كلامٍ

أنا قطعة عِشْقٍ لا ينتهي في قلب الإنسانية

أنا وصْفةٌ للتائهين في دروب الحياة..للعالقين في مسالك متاهاتها

أنا بلْسمٌ مُعطّرٌ خفيف الملْمس أسكن كل مسامات الدنيا

أنا ربيعٌ مُزْهرٌ يحلّ دون أوانه بين أهله وجيرانه

أنا كلّ ما تراه العين من جمال مختبئ في ثنايا العمر

أنا الواقفة المُتدلّية حبًّا، أقطر شَهْدًا يُعيد الضالّين إلى الصّواب. ص: 59

الشاعر(ة) ذاك المبدع (ة) الذي بمقدوره أن يبدع الجمال، والسمو بالحياة، كما يمتلك فنّ صيانة الذات، ومواجهة الظلم، والمهانة، فالشاعر الأصيل كمنْ يصوغ عقد لؤلؤ ويهديه لمحبوبته، هذا هو سرّ المتعة المنشودة في الشعر: ترنيمةٌ غنائيةٌ صادقةٌ تولّدت من شعور المبدع، ونفسيته الشّفّافة.

الشاعرة المبدعة فوزية شنّة واحدة من هذه الفئة التي تمتلك أسرار الشعر، ومفاتيحه، وفنّياته، وهو ما عشْتُه في نصوص ديوانها الجديد" أكتفي بعضّ أطرافي شفتيّ" الذي يمكن اعتباره ثمرة مكابدة وجـَلد استطاعت بواسطته أن تعزّز تواجدها في درب الإبداع الشعري فهي لا تكتب الشعر؛ بل ترسم لوحات  شعرية جميلة، ورائعة وتعزف ألحان أنوثتها وعفويتها بكلمات رقيقة وشفافة، وعبارات سلسة، رقراقة.

***

كتب: بشير خلف

تعيش المفاهيمُ حياةً جديدة عندما تتكلمُ لغةً أخرى. الترجمةُ ولادةٌ جديدة للمفاهيم يتسعُ من خلالها أُفق المعنى باتساع أُفق اللغة المترجَم إليها الكتاب، وتبوحُ فيها اللغةُ بقيم العيش المشترَك في كلِّ الأديان والثقافات البشرية، وترتسم بالترجمة خارطةُ طريق العيش معًا.كأن الترجمةَ بمثابة استئنافٍ لحياة نبات ينتمي إلى أرض تمتاز ببيئة ومناخ خاص، ثم يعاد غرسُه في أرض وبيئة ومناخ آخر، يجعله أكثر قدرة وفاعلية على بعث الإمكانات الكامنة فيه للعيش في مختلف الظروف والأحوال.

الترجمةُ في الوقت الذي تخترق فيه الحدودَ تعمل بموازاة ذلك على محوِ الحدود وبناءِ جسور بديلة عنها، بالغوص بعيدًا في الأعماق لاكتشافِ الصوت الذي تنطقه كلُّ لغات العالم، وينكشف فيه ما هو مشترَكٌ في الكينونةِ الوجودية للإنسان، وما تعكسه من احتياجاتٍ أبدية لا تكفُّ عن طلب إشباعِها في كلِّ زمانٍ ومكان، وما تنشده من قيمٍ كونية أساسية لإنتاج معنىً لوجودِ الإنسان وحياته.

كان نقلُ كتاب "مقدمة في علم الكلام الجديد" للغة الفارسية محصلةَ جهود اثنين من المترجمين، بدأ الترجمةَ الدكتور علي زاهد بور، وهو يتحدث العربيةَ كأهلها، ومتمرّس بمطالعة أدبها، ويمتلك ثقافةً تراثية وحديثة واسعة، وبعد أن نقل ثلثي الكتاب تقريبًا للفارسية، باغتته ظروفٌ شخصية أعاقت إتمامَه العمل، فبادر الدكتور حميد رضا تمدن مشكورًا بإكمال ما تبقى من الترجمة، وتمدن أستاذ جامعي للفكر العربي الحديث، ويتكلم العربية بلغة صافية، وهو مؤلف ومترجم لعدد من الكتب والمقالات. وأخيرًا تولى الدكتور محمد سوري مقابلةَ النسخة الفارسية على الأصل، وتحرير الترجمة وتنقيحها وتدقيقها. ومحمد سوري يتكلم العربيةَ الفصحى، وله دراية بالفكر العربي الحديث، وهو متخصّصٌ بالتصوف وخبيرٌ بمسالكه، رحّالةٌ سائحٌ لا يقيم بموطن، يسقي عقلَه وقلبَه وروحَه التخّلُق والتأملُ والصمت.

بهذه الترجمة يولد كتابُ "مقدمة في علم الكلام الجديد" ولادةً أخرى بالفارسية، وحين يهاجر هذا الكتابُ أو غيرُه من لغتِه الأم ويتكلم لغةً جديدة، تمنحه هذه اللغةُ إمكاناتِ وجود، ودلالاتٍ إضافية، وتبعث فيه حياةً جديدة، وتطبع النصوصَ المترجَمة إليها بصمتُها الخاصة، وتتكلم معجمَها الاصطلاحي. اللغة الفارسية تغتني بثقافةٍ عرفانية خصبة تختزن ميراثًا غزيرًا. هذا الكتاب لم يهاجر إلى فضاءٍ غريب عنه، إنه يتحدث إلى لغةٍ يتوطن فيها علم الكلام الجديد منذ عشرات السنين، إذ يحضر بكثافةٍ في كلماتها ومعجمها الحديث ومفاهيمها ورؤى العرفان الغنية فيها. عندما يتخذ هذا الكتابُ موضعَه في نسيج النصوص الفارسية، ويكتسي أساليبَ بيانها وتضيؤه آدابُها، تجعل هذه اللغةُ مفاهيمَه تتغذى في فضائها، وتتحدث كلماتِها وتتداول مصطلحاتِها، وينخرط شيءٌ منه في أفقِ رؤيتها للعالم، ويحقّق حضورَه متناغمًا مع إيقاعِ موسيقاها الداخلية، إنه يولد ولادةً جديدةً في سياق هذه اللغة.

اللغة الفارسية واحدةٌ من لغات العالم المشبَع قاموسُها بميراث العرفاء، وهي من أثرى اللغات بهذا الميراث، وأغناها بآدابِه، وأكثرها شغفًا بشعرِ العرفاء الرؤيوي الذي أبدعته قريحةُ شعراء عظام كجلال الدين الرومي، وحافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي، وسنائي الغزنوي، وعين القضاة الهمداني، وفريد الدين العَطّار، وعُمَر الخَيّام، وأمثالهم. لم أقرأ شعرًا يرسم صورَ الحُبّ بألوانٍ فاتنة وينشد أغاني العشق الإلهي البهيجة كما في مثنوي جلال الدين الرومي ودواوين العرفاء. استطاع الشعرُ العرفاني أن يتوغل بعيدًا في أعماق الروح، ويصنع لها ما تتطهر به، فجعل الروحَ تعانق عوالمَ الملكوت وهي تتذوق أغاني العشق الإلهي، وكأنها استفاقت بعد أن اغتسلت بالأنوار الإلهية.

الخبير بآثارِ العرفاء وشعرِ جلال الدين الرومي واستبصاراته يعرف التأثيرَ الاستثنائي لها في إيقاظِ الحياة الروحية في الإسلام وتنميتِها وتكريسِها، وبناءِ الرؤية الجمالية للعالَم، والكشفِ عن تجليات جمال الأسماء الإلهية في الوجود. في ضوءِ ذلك نعرف كيف أصبح العرفانُ رافدًا غزيرًا يستقي منه علمُ الكلام الجديد شيئًا من مقولاته، ويستلهم من عناصره بعضَ مكونات رؤيته ومواقفه، واهتمامه ببناء صلةٍ بالله تتأسّس على المحبةِ المتبادلة، والدعوةِ لتدين أخلاقي يرسي أسسَ العيش المشترك في إطارِ التنوع والاختلاف. في المثنوي لجلال الدين الرومي وآثارِ العرفاء نقرأ بوضوحٍ أن التنوعَ يعكس الطبيعةَ الإنسانية، وهذا التنوع يفرض الحقَّ في الاختلاف بطرائق الفهم والتفسير والرؤية للعالَم والمعتقدات، وهو ما يكشف عنه تعدّدُ اللغات والثقافات والأديان في حياة الإنسان أمس واليوم.

صدرت الطبعةُ الأولى لكتاب "مقدمة في علم الكلام الجديد" ببيروت سنة 2021، فاشتدّ الطلبُ عليه حين اعتُمد مقررًا دراسيًا في أقسامِ الفلسفة والإلهيات والمعارف الإسلامية في جامعاتٍ عربية متعدّدة. وفي السنة ذاتها أصدرتْ طبعتَه الثانية دائرةُ الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة ببغداد، وكانت هذه الطبعةُ مزيدةً أكثر من خمسين صفحة، وصدرت الطبعةُ الثالثة ببيروت نهاية السنة الماضية 2022، وهي مزيدة فصلًا إضافيًا، والترجمة الفارسية هي للطبعة الأخيرة المزيدة والمنقحة.

نتطلعُ أن نتعرّفَ في كتابٍ قادم على آراء المتكلمين الجدد في إيران، ثم العالَم العربي، فقد ظهرت الدعوةُ لتجديد علم الكلام في الإسلام الهندي منذ القرن التاسع عشر كما دللنا على ذلك في هذا الكتاب، وانعكست أصداؤها في إيران بوقت مبكر، وسرعان ما تبلورت بوضوح في آثار مجموعة من المفكرين الإيرانيين، ممَنْ بلغ الكلامُ الجديد بجهودهم مرحلةً متقدمة، وكانوا الأكثرَ درايةً بتوظيف رؤى العرفاء ومقولاتهم في بنائه، والأسبقَ في الانتباه إلى ولادة الكلام الجديد في آثارِ مفكري الإسلام في الهند.

***

د. عبد الجبار الرفاعي

...................

* تقديم الترجمة الفارسية لكتابنا: "مقدمة في علم الكلام الجديد"، يصدر قريبا.

 

عمل جديد صدر لعالم الأديان التونسي د. عزالدين عناية بعنوان "المسيحيّة والإسلام في ظلّ العولمة". وهو كتاب يتركز بالأساس على متابعة آثار العولمة على الدين، وتحديدا على المسيحية والإسلام. فما كانت قضايا التجاور والتضايف والتعايش مطروحةً على الأديان بهذا الإلحاح، كما هو عليه الحال اليوم. فالذات المؤمِنة أمام تساؤلاتٍ تمليها التبدّلات الجارية في العالم الراهن، تحثُّ أتباع الأديان على إعادة النظر في تمثُّلِهم للعالم وفي حضورهم فيه، بعد أن عصفت بالحدود التاريخية تبدلات عميقة. تَراجَع التباعد إلى مستوى، غدت فيه الحدود وطيئةً ورخوةً بين التقاليد الدينيّة.

وبالمثل ما عاد يفيد الأديان التحصّن وراء حواجز "منيعة"، بعد أن صار الوافد حاضرًا بالداخل، فعلًا وقولًا وقيمًا، يسائل عيشَ الذات ورؤيتَها، ويشاركها واقعَها ومصيرَها. إذ ساهمت العولمة في زعزعة الحدود الجغرافية والمادية، التي جعلت من ذلك الإيمان الديني أو غيره لغة الخلاص لشعوب وحضارات إنسانية بأسرها، وليتماهى ذلك الإيمان مع أرض ومع أمّة بعينها.

فلا مراء أنّ العولمةَ اليوم قد أضحت واقعًا معيشًا، يؤثّر على نمط سيْر حياة شعوب كثيرة، سواء رضيت تلك الشعوب بذلك التحوّل أم أنكرته. حيث تنعكس الأوضاع المستجدَّة والسائرة نحو التطوّر المتسارِع على الأديان وعلى أتباعِ الأديان أيضا. فالعولمة تُؤثّر على الأديانِ بفعلِ ما تُخلّفه من أثرٍ على تقلّص الانغلاق الإيماني وانعزاله في حيز جغرافي، بما جعلَ بعض الأديان بمثابة الهويات المميّزة لجماعاتٍ عرقيّة وإثنيّة دون غيرها؛ وهي تؤثّر كذلك على المؤمنين بتلك الأديان، بما تخلّفه من تغيّر في شكل الاعتقاد، من حيث البسط والقبض، والشدّة واللّيونة. وكذلك في معاني الاعتقاد، من حيث الانحصار والاستيعاب، والضيق والاتساع. وربّما إلى حدّ مضامين الاعتقاد المستجدّة، جرّاء الاحتكاك بتجارب روحيّة ومعيشيّة أخرى، ما عادت نائية في ظلّ حركة التواصل المتسارِعة.

ذلك أنّ تأثير العوْلمة حاصل على الأديان وعلى أتباع الأديان، ولا يقتصر على الأديان الإبراهيمية أو أديان الهند والصين واليابان، بل نعاين تأثّر الأشكال الجديدة من أنماط الاعتقاد التوليفية أيضا، بما يعني أنّ التأثير يطالُ الأديان المهيكَلة عقديّا ومؤسّساتيّا، وغيرها ممّن تفتقر إلى تلك البنى الصلبة والصارمة.

والمسلمون من جانبهم لم يَبقوا نشازا في ما يجري من تحوّلٍ دينيّ في العالم، وما عاد بوِسعهم أن يظلوا بمنأى عن تأثيرات تعولم العالم، الدافع باتجاه التكتّل والقبول بالانتظام وفق قواعد جامعة، الأمر الذي انعكست آثاره على الرؤية الإسلامية لذاتها وللآخر. صحيح أنّ الاستعدادات بين الأديان وبين المؤمنين، متفاوِتة من تقليد ديني إلى آخر، ومن وسط اجتماعي إلى غيره، من حيث القدرة على التعايش مع المعطيات الجديدة المتّصلة بالعوْلمة الدينية، أو من حيث توظيف الإمكانات المتاحة، أو استغلال محاسن هذا الواقع الجديد أو درْءِ مساوئه؛ ولكن برغم هذا التفاوت تبقى سائر التقاليد الدينية معنيّةً بما يجري من تحوّل هائل في الساحة العالمية، بما يمسّ بنى الأديان وضروب أنشطة أتباعها ذات الطابع الدينيّ.

وبعد تعوْلم قضايا الإسلام تردّدَ في الأوساط الغربية سؤال: هل يُشكّل الدين الإسلاميّ عقبة للاندماج في العالم؟ وهو سؤال طُرِح في العديد من المنابر ضمن طروحات الاستشراق الجديد ذات المنزع السياسيّ، أتى ذلك ضمن تتبّعِ، إلى أيّ مدى يمكن للمنظور الإسلامي تقبّل الديمقراطية؟ ومن حيث تفهّم مدى تلاؤم مضامين المكوّن التشريعي الإسلامي مع الدولة المدنية. وهي طروحات تدَاخَل فيها المنصِف بالمغرِض، لكن السّمة الغالبة على مجمل التساؤلات يظلّ ورودها ضمن سياق التوتّرات الأمنية، التي عاشتها الأوساط الغربية مع تشظّيات الإرهاب في العالم.

لم تكن التساؤلات ولا الأحكام صادرة عن دراية عميقة بالمخزون الحضاري، جرّاء التراجع الذي شهده الاستشراق الغربي في العقود الأخيرة، بل عن رصد ظواهري متسرّعٍ وإقرار حصريٍّ بفشل "الإسلام الصِّدامي" في التعايش مع العالم. ومن هذا الباب جاء الحكمُ بعدم قدرة الإسلام على التعايش مع الدولة المدنية، ومع القِيم الكونية التي باتت سائدة في عالمنا، ومن ثَمّ مع الحداثة بوجه عامّ، نابعًا من إسقاطات إيديولوجية.

الملاحظ بشكل عام، في ظل مناخات العولمة المستجدة، أن الأوضاع في العالميْن الإسلامي والغربي، في الراهن المعاصر، لا تسير سيرًا متوازيًا على جميع الأصعدة، مع ذلك ثمّة ارتباطات مصيرية بين العالمين، تفوق ما كانت عليه الأمور في وقت مضى، قبل استفحال ظاهرة العوْلَمة. ورغم الاختلاف البيّن لِمسار انبناء الدولة الحديثة ضمن السِّياق الغربي عن نظيره في السِّياق الإسلامي، فإنّ قضية علاقة الدين بالسياسة وبالمجال العمومي، هي من الإشكاليات المطروحة على الجانبين وإن تفاوتت الأشكال والمضامين.

فمنذ نصف قرن أو يزيد، طرأ تبدّلٌ هائلٌ على الأوضاع في العالميْن الغربي والإسلامي في ما يخصّ قضايا الدين. وفي الحقبة التي نعيشها ثمّة نمطٌ للدولة الحديثة مشبَع بالنزْعة الحداثيّة وبالأبعاد العلمانيّة، فَرضَ نفسه أو فُرض قسرًا، لمّا نتحدّث عن الدولة الغربيّة والدولة المغرَّبة، بات هو السائد؛ وبالمقابل ثمّة فَوران للدّين يتّخذ أشكالا عدّة وتمظهرات شتّى، بات قادرا على التأثير على الخيارات الكبرى، كما حصل في أوروبا مع حدثيْن بارزين، عند طرح موضوع تضمين التراث المسيحيّ اليهوديّ من عدمه ضمن مسودة الدستور الأوروبيّ، وكذلك مع التلكُّؤ في ضمّ تركيا إلى المجموعة الأوروبية؛ وهو كذلك قادر على التأثير الفاعل في مسارات حراكات الشعوب، كما حصل مع موجة الربيع العربي.

وفي ظلّ واقع معولَم ما عاد قبول المعرفة الدينية مستمَدًّا من سياق إيماني وحده، يفي بالغرض. وهو ما يضع تلك التحولات وغيرها أمام تساؤلات مصيرية في شأن حضور الدين خارج فضائه الإيماني المعهود؟ فهل التعليلات التي يعلّل بها مقولاته هي بحقّ تعليلات كونية؟ وهل خطابه تجاه المغاير هو خطاب عقلاني وواقعي؟ تلك بعض القضايا التي أراد الكاتب معالجتها في هذا الكتاب.

نبذة عن المؤلّف

عزالدين عناية، أستاذ تونسي يدرّس في جامعة روما/ إيطاليا، متخصّص في دراسات الأديان. صدرت له مجموعة من الأبحاث منها: "الدين في الغرب"، "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم"، "الاستهواد العربي"؛ فضلا عن عدد هام من الترجمات منها: "المنمنمات الإسلامية" لماريا فيتوريا فونتانا، "علم الاجتماع الديني.. الإشكالات والسياقات" لسابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، "علم الأديان" لميشال مسلان.

الكتاب: المسيحيّة والإسلام في ظلّ العولمة

المؤلف: عزالدين عناية

الناشر: مجمّع الأطرش- تونس

سنة النشر: 2023

عدد الصفحات: 240 ص

بمناسبة صدور أعماله الكاملة

من بين الكتب التي قرأتها العام الماضي باستمتاع كتاب "المشي فلسفة" للفيلسوف الفرنسي المعاصر "فريدريك غرو" المولود عام 1965 والمتخصص في ميشيل فوكو، ويعمل حاليا استاذ الفكر السياسي في معهد الدراسات السياسية في باريس. وقد صدر لغرو بالعربية ثلاثة كتب هي "ميشال فوكو " – ترجمة محمد وطفة وكتاب "العصيان " – ترجمة جمال شحيذ " وكتاب " المشي فلسفة " – ترجمة سيعيد بوكرامي –

يقال دائما ان الفلسفة ولدت مع المشي، وان فعل التفلسف يتوافق مع التأمل، وكان الراحل مدني صالح يحب ثلاثة اشياء " المشي مسافات طويلة.. والصمت الطويل.. والصيام بلا انقطاع عن الطعام مدة أيام طويلة "

في تاريخ الفلسفة اليونانية نجد ان الفلسفة ارتبطت بجولات المشي التي كان يقوم بها طاليس المولود عام " 624 ق.م، حيث كان من عادته ان يسير في طريقه لا يلتفت إلى أحد، لم يكن يسير كما يفعل معظم الناس ممن يعرفون هدفهم ويتأكدون من مواضع أقدامهم. فقد كان رافعاً رأسه الى السماء ومشغولاً بتأمل النجوم. ويخبرنا ديوجينيس اللانرتي في كتابه حياة مشاهير الفلسفة – ترجمة امام عبد الفتاح امام – ان طاليس كان يخرج كل يوم من بيته يسير وهو يتأمل النجوم، وذات يوم وقع في حفرة واخذ يصرخ طلبا للعون، فشاهدته امراة عجوز، فردت عليه بقولها " أي طاليس، كيف تزعم ان بوسعك ان تعرف كل شيء في السماء، وانت عاجز عن رؤية ما هو تحت قدميك". سؤال المراة الساخر كما يقول ارسطو هو الذي دفع المفكرين الاوائل إلى التأملات الفلسفية.

من السعادات التي عشتها في الايام الماضية هي قراءة الاعمال الكاملة للفيلسوف العراقي "المشاء" مدني صالح والتي صدرت عن دار الشؤون الثقافية بجهود الاساتذة الدكتور فيصل غازي مجهول والدكتور محمد فاضل عباس وباشراف الصديق الدكتور عارف الساعدي. ولعلني اعتبر نفسي سعيد الحظ بتعرفي على بعض الاساتذة الاعلام وكان مدني صالح واحدا منهم، وكانت علاقتي بهم تتباين بتباين اهتماماتي في القراءة، فعندما كنت انغمس في قراءة الفلسفة وتدور اسئلتها في رأسي، اجد الحل في اجابة مدني صالحة الممزوجة بالدقة العلمية والسخرية المحببة، كنت آنذاك اقرأ مقالاته المنشورة في صحيفة الجمهورية، واسأل نفسي: هل سأتمكن يوما ان اكتب بمثل هذه الطريقة الفذة، واصحوا من هذياناتي على صوت مدني صالح يردد:" مدني صالح احسن ناثر فني في الادب العربي المعاصر ".

من الصعب تخيل مدني صالح انسانا مجاملا، او مترددا في قول كلمة الحق، ينطبق عليه بيت الشعر الذي كتبه ابراهيم ناجي  " واثق الخطوة يمشي ملكاً "، نرجسي من طراز خاص، كريم في العطاء:" اتباهى بالذي اعرفه، فاعرضه على الناس كي اكسب حسن ظنهم بي ". ساخر على طريقة الساخطين، يتخذ من الصدق سبيلا، يعترف ان حرفته في الحياة هي الثقافة التي يعتبرها هواية وغاية.في معظم كتاباته اراد أن يؤكد ان المعرفة تسخر من المعرفة ذاتها، حين تتحول المعرفة الى أداة بيد من لا يعرفون قيمتها الحقة. يؤمن بأن الفلسفة ليست نقاشا بيزنطينيا، ولا جمهورية للعاطلين، ولا كتب ونظريات وإنما هي ممارسة تضيء جوانب الحياة المظلمة وتؤسس لإرادة القول التي يمكن لها أن تمهد الطريق لإرادة الفعل.

في المرات التي كنت التقي فيها مدني صالح سواء في المكتبة التي اعمل فيها او في كلية الفنون حيث كان الراحل يٌلقي محاضرات لطلبة الدراسات العليا عن فلسفة الجمال، احاول ان اشاكسه، واحسب ان الراحل الكبير كان ينتصر على مشاكستي بقدرته على الجدل النافع، والمثير، فقد كان يتقبل المشاكسه بروح علمية حيث يرى فيها وسيلة من وسائل التعبير عن حماستي " الزائدة " احيانا، ومدني صالح كان بطبيعته يميل الى المشاكسة التي ينظر اليها بوصفها محاولات لادامة حرية النقاش ونقد الآخرين فهو القائل عن نفسه:" اتباهى وابهر الجميع بقدرتي على تبسيط مسائل الثقافة باسلوب لا اجمل منه، وبروح استاذية عالية، عالية في الخوف من الخطأ ".

في مرات كثيرة اسأل نفسي: ماذا لو ان مدني صالح بيننا الآن، يقرأ ما نكتب  في الفلسفة ؟ بالتاكيد سنسمع منه كلاما غير محايد، فقد عاش طوال حياته صريحا، لكنه  دائم الحنو حتى مع الذين يختلفون معه:" لم ار نفسي قط إلا ما يضاعف احساسي بالازدهار، فإني دائم الخضرة، دائم الاازدهار "، وربما سينشغل عنا في كيفية أن يظل فكره حاضرا في دائرة الحوار. يتحفظ على ما يسمع ويعطي لنفسه فرصة ثم يسأل ثم يظهر اهتمامه وبعدها يتجلى استعداده للالفة بعدها يفكر بما آلت اليه حياته وهل كانت لهذه الحياة من مغزى وسط الاضطراب العام الذي عاش فيه وهل اقترب حلمه من مدينة فاضلة على غرار مدينة فيلسوفه الاثير " الفارابي، وان يحقق امنيته التي اختصرها بالقول:" ان يكتب جملة واحدة تحدث تحولاُ يعتز به وينفع الناس ". كانت الكلمات هي اداة الحياة والابداع في عالم مدني صالح، ومن خلال الكلمات كان يبدو كأنه  مشعل حرائق يسعى لتدمير الابنية البالية للفكر الفلسفي، ويشعل الشك في الموروث الادبي، ويزعزع الاوهام التقليدية حول فهم الثقافة.

في مسرحيته الشعرية " بقايا التجربة " نجده يتأمل حياته:

انت بعد اليوم سلوى

وحيال في كتاب

اسفا صليت في حضنك واشتمت

عيوني قدميك

انت يامن انت من صيرتني فصل كتاب

اسفاً ابتاعني الناس كتابا في يديك

وانا اقرا المجلدات الستة التي ضمت مؤلفات مدني صالح تساءلت مع نفسي، هل سيتحول مدني صالح الانسان المفكر الى مجرد كتاب تتناقله ايدي محبيه وتلامذته. بالتاكيد انه اكثر من ذلك ألم يخبرنا ذات يوم انه لا يحب الجرائد والمجلات إلا كونها جامعات للتعليم والتثقيف، وكان يبهجه أن يجد نفسه استاذا نافعا في الكتاب وفي الصحيفة وفي الجامعة، وفي محاورة الآخرين. فهذا المعلم الذي هبط علينا من هيت، والذي عاش حياته كما يهوى في عزلته وايامه البسيطة التي اختارها لنفسه غير عابئ للشهرة والمجد، وقد كان يرى في الانعزال " طريق في الانفتاح على العالم كله، والناس اجمعين ".سنظل ندين له جميعا بالفضل لأنه انزل الفلسفة من عرشها ليفترشها الباعة على ارضفة الشوارغ في صحف ومجلات لا زالت تحمل نكهات حروفه البديعة والعجيبة والمدهشة وروحه السمحة ووصاياه بان نتثقف جيدا، وأن نقرأ في امهات الكتب:" اقرأ لافلاطون وارسطو وللفارابي وابن سينا وللغزالي وديكارت، اقرأ في ديوان المتنبي والمعري ولطه حسين وادم سميث وماركس، اقرأ كتبا في النسبية، وقّلب في كوميديا دانتي وفي فاوست جوته وفي دون كيشوت سيرفانتيس.. لكن تذكر ان الثقافة لياقة وتألق ونقاء قبل أن تكون قراءة وكتابة وتقليباً في المجلدات " – مدني صالح الاعمال الكاملة الجزء السادس

القراءة تانقا وتالقا ونقاء..فمن يعيد قراءة مدني صالح من جديد بعد ان صدرت اعماله الكاملة..  يعيده الى الواجهة بمزيد من الفهم، والدراية، والاكتشاف، والادراك الى اهميته انسانا ومثقفا واستاذا في حياتنا الثقافية كان يقول ان ما يبهره في نفسه: " الخروج على المألوف السائد "

***

علي حسين

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

عن مؤسسة أهوار للنشر والتوزيع، دار ومكتبة أهوار، تم إصدار كتاب جديد بعنوان المناضل الصغير للكاتب والمؤرخ الموسوعي الأستاذ محمد حسين النجفي، قدم له الأستاذ الدكتور محمد عبد الرضا شياع، والكتاب ب ١٢٥ صفحة من القطع المتوسط، بضمنها كلمة أخيرة للأستاذ النجفي، وهي أشبه بمقدمة يستشهد بها صاحب الكتاب عن الغاية من تأليف الكتاب كشاهد عيان لمسيرة قوافل من الشهداء رحلت خلف قضبان السجون، ودهاليزها المظلمة.

هنالك مع حقبة من السنين لم تزل تداعياتها، فقد العراق خيرة أبنائه، ثمنا لعقول لم يتسن لها الطريق لأن تحمل مشعل الحرية.

غادر المناضلون، مع أفكارهم دون أن يعلم بهم أحد، وتلك إشكالية ما زالت تحكمها قبضة الطغاة.

فقد العراق عشرات الآلاف من أبنائه، ولم يحق لعوائلهم حتى إقامة مراسيم الفاتحة على أرواحهم.

فهرست الكتاب تندرج تحته العناوين الرئيسية التالية: الطفولة السعيدة، المناضل الصغير، الانتكاسة الكبرى، مقالات وآراء، مع المحاور الفرعية، والتي هي عبارة عن مقتطفات قصيرة معززة بالصور تحكي حياة المؤلف، وتجربته السياسية والاجتماعية.

النجفي استطاع أن يرسم للقارئ سيناريوهات، ومشاهد سينمائية مضافا إليها إنشاءات خبرية، تم صياغتها بطريقة التقطيع الصوري، وفيها من تجارب الحياة ما يجعلها قابلة لأن تتزين بنصوص أدبية كتبت بطريقة فنان أدرك حقيقة السياسة منذ بداية حياته، حاملا معه نعش التجربة، ومرارة السجن، والنضال السلبي ضد طغمة، وسياسات حكمت العراق لأكثر من ربع قرن.

الكتاب يلخص ملامح حقبة مظلمة من تاريخ العراق الحديث، ليكون شاهد عيان عن تجارب الحرس القومي، ووجهه المخيف، إعدام سلام عادل، تحول النوادي الرياضية إلى معتقلات، مع أحداث كتبت بنكهة التحليل البارع الذي تم إيجازه عبر التقييم الخاص بثورة عبد الكريم قاسم.

تنتهي الخاتمة بجملة أسئلة تحتاج إلى بحث من ضمنها (هل كانت هنالك ضرورة ملحة لثورة ١٤ تموز ١٩٥٨)، أما خاتمة الكتاب، فتنتهي بخلاصة التجربة السياسية للكاتب إبان حقبة من الزمان تحتاج إلى أن يشتغل الباحثون في مساحاتها التاريخية، أملا باكتشاف مسميات وحقائق جديدة.

***

عقيل العبود

 

(كان الإشراق في ذلك الوقت أمراً  سيئاً و"شدة الحزن" أمراً سيئاً و "المرح الزائد" أمراً سيئاً، بمعنى أنه كان ينبغي لك أن تحيا دون أن تكون شيئاً، ودون أن تفكر، فإن فكرت ينبغي أن لا يبدو تفكيرك على المستوى السطحي الظاهر، ولذلك كان الجميع يغلقون على اأفكارهم ويحفظونها في تجاويف أعماقهم).. آنا بيرنز من روايتها " مِلكمَن " منشورات دار أثر

كانت اول كاتبة من شمال ايرلندا بجائزة مان بوكر التي تعود على صاحبها بالشهرة وارتفاع المبيعات.

"مِلكمَن" او "بائع الحليب" هي الرواية الثالثة  للروائية آنا بيرنز التي ولدت عام 1962 في مدينة بلفاست بايرلندا الشمالية، قالت بعد اعلان فوزها بالجائزة عام 2018: انها " سعيدة جدا، ليس من اجل الرواية، وانما من اجل قيمة الجائزة التي ستساعدني على تسديد ديوني".

تعترف بفضل الأدب الانكليزي عليها، وتخص الشاعر ت.س. اليوت بتحية لانها تعلمت منه  إنه لا يمكن أن تصبح عالميا دون أن تكون محليا خالصا. كانت قد صرحت للغارديان اثناء وصول روايتها الى القائمة القصيرة انها لم تستطع إخفاء دهشتها عندما سمعت اسمها بين الروايات الست المرشحة لأكبر الجوائز البريطانية.

رئيس لجنة تحكيم الجائزة قال عن فوزها: "لم يقرأ أحد منّا شيئا كهذا من قبل. إن صوت آنا بيرنز المميز تماما يتحدى الشكل والتفكير التقليديين بنثر مدهش وطاغٍ. "إنها قصة عن الوحشية والاعتداء الجنسي والمقاومة مطعمة بدعابة لاذعة. إن الرواية التي تدور أحداثها في مجتمع منقسم على نفسه تستكشف الأشكال الخفية التي يمكن أن يتخذها القهر في الحياة اليومية".

تدور أحداث "مِلكمَن"، في مدينة لا تذكرها الرواية بالاسم خلال الاضطرابات الدامية في أيرلندا الشمالية، وتروي حكاية فتاة تبلغ من العمر 18 عاما تعرف بأسم "الأخت الوسطى"، تتعرض للتحرش  الجنسي من قبل شخص  يطلق عليه اسم  بائع  الحليب رغم انه لا يمارس هذه المهنة، كان في السابق  عسكريا شديد القسوة.

مثل ابن بلدها جيميس جويس، ارادت ان تقدم حياة الناس في بلدتها:" "لقد نشأت في مكان مليء بالعنف وانعدام الثقة والارتياب والشعور بالاكتئاب من قبل أشخاص يحاولون التنقل في هذا العالم والبقاء فيه بأفضل ما يمكن".

استمدت بيرنز، التي ولدت في بلفاست وتعيش الآن في شرق بريطانيا، خبراتها الخاصة التي نشأت في ما وصفته "بالمكان الذي ينتشر فيه العنف وانعدام الثقة والبارانويا". بينما يضغط رجل الحليب على التقدم الذي أحرزه على أخته الوسطى المترددة، تبدأ الشائعات بأنها تواجه علاقة غرامية معه. "لكنني لم أكن على علاقة مع رجل الحليب. لم يعجبني رجل الحليب وكان خائفاً ومربكاً بسبب سعيه وراء علاقة غرامية معي"

قالت للغارديان عن شخصية بائع الحليب:" لا اعتقد انه يمثل شخص محدد، انه مجتمع باكمله تدور حياته حول القسوة والعنف.. في الرواية لم يعمل في مهنة بائع الحليب، لم يكن هناك حليب عنده."

تعمدت الكاتبة عدم إطلاق أسماء على شخصياتها في الرواية، حتى من تقوم بالسرد فيها تشير إلى نفسها بأنها "الأخت الوسطى".

وفي حديثها بعد فوزها، قال آنا بيرنز لبي بي سي: "الكتاب لا يحقق المطلوب من خلال الأسماء فقط".

وأضافت:"أعتقد أن الأمر له علاقة بالعمل، هناك افتقار إلى الأمان في أن تكون صريحا في الكتاب وتعلن من أنت، ولكن في الحقيقة، إذا ذكرت الأسماء فقد فقدت قوتها، وفقد أيضا الجو العام".

وعن تأثير تجربتها الحقيقة على كتاباتها، قالت "لقد نشأت في بلفاست، وكان لها تأثير كبير على الكتاب، حيث كتبت عن مجتمع بأكمله تأثر بالعنف والحياة تحت ضغط شديد ".

في نفس العالم 2018 حازت رواية " "بائع الحليب" على جائزة النقاد البريطانيين وفي عام 2019 تحصد جائزة جورج أورويل لروايات الخيال السياسي".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

كتاب فلسفي صادر عن دار غيداء الاردن 2022 معروض مع ما يزيد على 15 عنوان مطبوع بالفلسفة على معرض بغداد الدولي للكتاب.

الاهداء

الى ابنتي الغالية بان اليوسف

المحتويات

المقدمة

الفصل الاول: نظرية السلوك اللفظي وتوليدية جومسكي

الفصل الثاني: الادراك الصوري الواقع وتعبير اللغة

الفصل الثالث: العقل واللغة في تخليق الوجود

الفصل الرابع: العقل في الفلسفة المعاصرة

الفصل الخامس: الفكر واللغة في تعبيرهما عن الوجود

الفصل السادس: المثالية النقدية الاميريكية.. الطبيعة والعقل والاخلاق

الفصل السابع: طبيعة العقل الجدلي وهم هيجلي

الفصل الثامن: غياب ادراك الزمن في وهم الدلالة

الفصل التاسع: ادراك الوجود بدلالة الجوهر

الفصل العاشر: المعرفة الفلسفية والتقاطع البرجماتي

الفصل الحادي عشر: الوعي القصدي في الفلسفة المعاصرة

الفصل الثاني عشر: صوت اللغة خاصية التعبير عن المعنى

الفصل الثالث عشر: انطولوجيا الادراك وحقيقة الكينونة

الفصل الرابع عشر: بروتاغوراس اسقاط السفسطائية على الفلسفة البرجماتية والحداثة

الفصل الخامس عشر: الان تورين.. الذات ومسؤولية الحرية

الفصل السادس عشر: الطبيعة والجوهر

الفصل السابع عشر: اشكاليات فلسفية

الفصل الثامن عشر: ماهية العقل التجريدية في بيولوجيا الجسم

الفصل التاسع عشر: هيدجر وتشتيت الكينونة

الفصل العشرون:  الطبيعة والفلسفة النقدية الامريكية

الفصل الواحد والعشرون: فائض المعنى في الوعي واللغة

الفصل الثاني والعشرون:  المادة والنفس وازلية الجوهر

الفصل الثالث والعشرون: تخارج العقل المعرفي والجدلي في المادة والتاريخ

الفصل الرابع والعشرون: الوعي القصدي سلوك ادراكي لغوي

الفصل الخامس والعشرون: مصداقية تعبير اللغة وقصور الفكر

الفصل السادس والعشرون: وعي الذات الخالص

الفصل السابع والعشرون: مغالطات  حوارية في الفلسفة المثالية

الفصل الثامن والعشرون: الوجود ادراك لغوي

المقدمة:

يبدو لدى غالبية الفلاسفة الغربيين والعرب مثل هذه العنونة غريبة على الفلسفة الغربية المعاصرة مفتعلة على احسن الفروض، فالفلسفة تجريد إفصاحي لغوي نوعي إجناسي يختلف عن التجربة العلمية والعملية والادبية والفنية وتطبيق الايديولوجيا في الوصاية على تاريخ الانسان والحياة.

الفلسفة ليست نوعا ثقافيا ادبيا تجنيسيا يتقبل (ثيمة) الالتزام علما ان الفيلسوف الفرنسي الشهيرسارتر طرح مثل هذا التساؤل في كتابه ما الادب؟ اذ أوصل صدى ما طرحه سارتر في نهاية الستينيات من القرن العشرين إبان إزدهار الفلسفة الوجودية الفرنسية ان بادر الكاتب الروائي الكبير سهيل ادريس صاحب مجلة الاداب اللبنانية بداية السبعينيات دعوة عميد الادب العربي طه حسين تلبيته رغبة اتحاد ادباء لبنان القائه محاضرة حوارية نقاشية امام بعض  الحضور من ادباء ومثقفي لبنان يناقشون فيها معه مسالة الالتزام بالادب من وجهة نظر فلسفة سارتر. في محاولة رفض الادباء والفنانين والشعراء تحديدا اتخاذهم موقف المعاداة الزام الاجناس الادبية والفنون من غير الفلسفة تبني ثيمة الالتزام بالانسان والحياة علما ان مناقشة الالتزام بالفلسفة ليس واردا اطلاقا والى يومنا هذا. خاصة بعد هيمنة فلسفة اللغة المشهد الفلسفي عالميا.

تجريد الفلسفة اللغوي وإن كانت تلتقي معه بلغة التعبير التجريدي الاجناس الادبية  من شعر وقص ورواية ونقد الا ان ذلك يبقي على انفصال تجريد تعبير لغة الفلسفة لا يلتقي تجريد لغة الاجناس الادبية في ثيمة الالتزام بمعناه الانساني السيسيولوجي قائما حضوريا عبر احقاب تاريخية من عصور الفلسفة. المفارقة كانت في محاولة بعض الفلاسفة ربط الفلسفة بالعلوم الطبيعية تارة والرياضيات والفيزياء تحديدا ولم يفكروا ربط الفلسفة بالادب عبر ثيمة الالتزام او ثيمة الجمال في الفن كموضوع فلسفي وليس اندغاما تكوينيا بالسرد الفلسفي..

لذا تكون تهمة الفلسفة انها ترف الطبقات النخبوية المتعالي بضمنهم بعض المثقفين والفنانين الذين نعيش تطرفهم اللغوي وتعبيرهم التجريدي بالادب والفن بما يلغي حضور الفهم والاستيعاب الجماهيري لما يعبّرون عنه في محاولتهم الالتقاء مع ماتقوله الفلسفة من ابهام تجريدي لغوي عصي على المتلقي. امرا واردا واقعا نعيشه..

ربما يبدو غريبا ان يشغل طرح قضية الالتزام بالادب اليوم سابقة لم يشهدها تاريخ الفلسفة لعقود تاريخية طويلة ماضية لاسباب تجعل من الاجناس الادبية قبل الفلسفة فعاليات يتوزعها الاهتمام الشعبي الاستقبالي الواسع كون الاجناس الادبية بعد منعطفها الحداثي في النصف الثاني من اربعينيات القرن العشرين عندنا بالوطن العربي ما جعل ايديولوجيا الاحزاب العربية السائدة عصرذاك تتقاطع مع ثقافة الادب والاجناس الثقافية الاخرى وتقف مختلفة معها بفواصل عقائدية دوجماطيقية  بين مستويين احدهما رفض الالتزام بالادب عموما كون الاستجابة لهذه الدعوة هو اعطاء مشروعية الايديولوجيا السياسية للاحزاب السياسية تطويع مجمل الثقافة العربية في حقها الوصاية على الشعر والاجناس الادبية الاخرى مثل القصة والرواية وبعض الفنون التشكيلية التي فقدت ملامح الهوية العربية بالانغماس غير المتحفظ الواعي بالصرعات الفنتازية الاجنبية كما وردت في السريالية والبرناسية والدادائية وفي الحداثة التجريدية مؤخرا.

اصبح الخروج التام على كل بنية شعرية وغير شعرية تكتب لجمهور وليس لنخبة كما هو الحال بالفلسفة وهو ما حصل في شعرية التجديد العربي منذ بداية الخروج العربي على عمود الشعر كونه حداثة ملزمة لمواكبة العصر منتصف اربعينيات القرن العشرين..

ولا يعني هذا التعميم انه لم يجر التزام ادبي خاصة بالشعر الجديد والرواية العربية في تمرد جريء مناوئ الايديولوجيات العربية بكافة اشكالها التضليلية واستغفالها الجماهير في التسلط ونهب خيرات تلك البدان العربية في تواطئها مع الانحرافات الحزبية المتتالية التي جعلت من فقر وجهل وقطيعية الاذعان في المجتمعات العربية ظاهرة لم يسبقها مثيل.

وفي ضروب الثقافة الغربية الاجنبية عموما جاءت ردة الفعل المتطرفة على صعيد المروق على فنون عصر النهضة في البداية التي غادرت اعمال عمالقتها ليوناردوا دافنشي ومايكل انجلو، رافاييل، غويا، وفان كوخ وماتيس ومانيه وغيرهم من الذين استهوتهم رغبة كسر جميع انواع المحددات المحذورة التي تجعل من اللوحات الفنية استنساخا فوتغرافيا للواقع الذي يماليء التوجه الديني في خدمة الطبقات الارستقراطية التي كانت تتطير من مفهوم ان يكون الادب والفن للعامة من الناس وتحاربها بضراوة في رشوة الطبقة الارستقراطية غالبية الادباء والفنانين في العصور الوسطى والنهضة.. كي يكون جل اهتمامهم تنفيذ رغائب الطبقات الارستقراطية والغنية.

فكان ان ظهر تبشير كاندنسكي في التجريد الفني التجديدي إيغالا غير مسوّغ في دفن رغبة ان يكون الفن بخدمة العامة فظهرت السريالية الفنية في الرسم لدى بيكاسو وسفادور دالي وآخرين غيرهما متماهية مع تجريدية الشعر من خلال تحطيم النسق اللغوي الدارج التي كان تزعمها ريتشارد بيرتون في مقولته الشهيرة القصيدة الشعرية يجب ان تكون حطاما للعقل..

الاتجاه الثاني المناويء لمنهج الالتزام الادبي عندنا فقد ابتلعها الموروث العربي المستمد من مرجعية وصاية الاحزاب السياسية وهيمنة رجال الدين الرافض لكل تجديد يطال اي منحى بالحياة ونكاد نقول اليوم انه لازال الموروث ذي الخصائص الهوياتية العربية الراضخ تحت الهيمنة المتدينة سياسيا يعيش قابعا في جوف الحوت  الذي أعقبه قيء  يونس حيّا من جوفها بعد ثلاثة ايام.

السؤال طالما كانت الفلسفة تجريديا يماثل الالتقاء مع تجريدية الشعر والتي ايد هذا التكامل كلا من هيدجر ومن بعده فوكو فماذا اضاف هذا التلاقي على صعيد البنية المضمونية بالنسبة لثيمة الالتزام بالفلسفة؟ ولماذا فشل هذا المسعى الذي عبّر عنه هيدجر وفوكو ان عوالم الشعر التجريدية وضعت بصمتها الجوهرية في تداعيات لغة اللاشعور في كل من لغة الشعر وتكاملها الوجودي الفلسفي مع لغة الجنون واعتبرا هذا التعبير الخارج على نظامية تحقيق المعنى اللغوي في التواصل هو اصدق تعبير عن عالمنا الزائف بكل شيء منها تعبير لغة الفلسفة في تضليلها العقل. واعتبرا حقيقة الوجود هو ما يمثله الجنون والشعر في تعبيرهما عن لغة تداعيات اللاشعور. وهذه الثنائية بين لغة الشعر السائبة بلا معنى تحت راية تقليد الحداثة الغربية، وهذاءات وغطرفة لغة المجانين في اصوات ايضا لامعنى لها في التزام نيتشة وهيججر وفوكو والشاعر الالماني هولدرين. ان هذه النماذج من القول الفارغ بلا معنى معناه هو الذي يمثل الوجود الحقيقي بما نطمح تحقيقه في ازاحة وجودنا الزائف الذي نعيشه بنفاق كاذب.

الى هذا الحد يمكن تمرير هذا الهوس باسم التجديد على الصعيد الفلسفي في نظرية المعنى والتحول اللغوي وعلوم اللسانيات، لكنما كيف يمكننا تمرير وجوب ربط الفلسفة بالعلم او ربط الفلسفة بالرياضيات او ربط الفلسفة بالمنطق وعلوم الطبيعة والفيزياء التي ترى في حضور العقل هو ان نجعل من تجريد الفلسفة بلا معنى لغوي يعني امتلاكها مقبولية فكرية تداولية تلقى الاستقبالية الشعبية؟

وإن كانت هذه الطروحات الطوباوية فاشله وأن افتراض نجاحها الفلسفي لم يكن ليلغي حقيقة ثيمة الالتزام بالنسبة للفلسفة ليست اكثر من مطالبة تعجيزية لا تقبلها الفلسفة نفسها فهي رازحة تحت وطأة أن الفلسفة للنخبة الاكاديمية وتلامذة الجامعات من النوابغ وبعض الفلاسفة الفرنسيين والاوربيين قاطبة..

بعد منتصف القرن العشرين تسّيدت فلسفة اللغة وتلتها عشرات الاتجاهات الفلسفية التي قامت على اهمية مراجعة تصحيح تاريخ الفلسفة بضوء تصحيح تاريخ اللغة التضليلي معرفيا في نظرية المعنى وفي علوم اللسانيات ما نتج عنه تشعب تيارات فلسفية جعلت من التفكير في مسالة الالتزام بالفلسفة سذاجة لا يقبلها عصر ما بعد الحداثة الذي كفر بكل ايقونة ثابتة وردت بتاريخ الفلسفة الملازم للحداثة مثل اللغة، الذات ، السرديات الموروثة في الدين والماركسية والتاريخ. حتى وصل الحال انكار وجود العقل عند فيلسوف العقل واللغة جلبرت رايل الذي كان سبقه التبشير به ديفيد هيوم. في مقولته لا يوجد شيء يسمى عقلا يمتلكه الانسان أبدا.

كما برزت لنا فلسفات عديدة قامت بتعميق الشرخ الفاصل بين الفلسفة والالتزام في ابسط معانيه ابرزها الفلسفات الفرنسية فقط مثل تاويلية بول ريكور وتفكيكية جاك دريدا وعدمية فانتيمو. اعقبهم العشرات من الفلاسفة الاميركان امثال ريتشارد رورتي ،جون سيرل، سيلارز، سانتيانا، نعوم جومسكي ، سكينر، وكارناب ، وفينجشتين المحسوب على فلسفة بيرتراند راسل الانجليزي قبل احترابهما الابيض بينهما بعد نيل فينجشتين شهادة الدكتوراه في فلسفة اللغة تحت اشراف راسل واصرار راسل الحفاظ على وصيّة فريجة وجوب عدم تضييع فرصة دمج الايقونات الثلاث الفلسفة واللغة والرياضيات في توليفة واحدة رأى كلا من فينجشتين وجورج مور وفلاسفة امريكان لا حصر لهم ان راسل يهذي بهذا التعجيز الفلسفي ليقابلهم هو بالرد ان الفلسفة الاميريكية البراجماتية نذلة وخسيسة..

الفلاسفة الذين رأوا بعد خلاص الفلسفة من هيمنة الابستمولوجيا (المعرفة) السيدة الاولى بالفلسفة على امتداد تاريخ ثلاثة قرون فلسفية تحت تأثير من ديكارت في القرن السابع عشر. ودخول العالم بعدها في سلسلة من التطورات التاريخية التي بدأت في ايطاليا القرن السادس عشر لتنتشر باشكال علمية ودينية ومعرفية لا سابق لها اوربيا سميت بعصر النهضة الحداثية.

بمجيء عصر ما بعد الحداثة التي تبنت بداياتها الاولى الفلسفة البنيوية التي كانت ثورة هوجاء على كل ما جاءت به الحداثة وعصر الانوار من اعلاء قيمة الذات الانسانية ونيل كرامتها وتنحية تدخلات رجال الدين بالعلم وضرورة افلاس سرديات التاريخ الكبرى في مقدمتها الماركسية وكتاب راس المال.. فكان موت التزام الفلسفة سريريا حقيقة فكرية مجتمعية صادمة لا تقبل المعالجة خاصة في طغيان طروحات فلسفة بنية اللغة هي نسق ذاتي مستقل يوازي الواقع والحياة ولا يقاطعهما ولا يعمد الاسهام بصنعهما ابدا. حتى ذهب بعض الفلاسفة أبعد من ذلك التطرف حين ارادوا اثبات كليّة النسق اللغوي المستقل خارجا عن فهمه الخاص أن اللغة جوهر انساني يمتلك خاصية الانسان التواصلية والحوارية بنوعه في اعتماد  خاصية متفردة أن اللغة  صوت ذو دلالة يحمل معنى.

في عبارة اخرى حين يصار الى تجريد اللغة من معناها الفكري القصدي والمعرفي والتواصلي فماذا يبقى للفلسفة ما تتاجر به أن اللغة فائض معنى نبحث عنه في قراءات متعددة بامكانها تصحيح مسار تاريخ الفلسفة الوهمي التضليلي للعقل وقضاياها الزائفة المتوارثة عبر العصور.

التيه العدمي الذي وضع نيتشة الانسان فيه منذ نهايات القرن السابع عشرفي مقولته الاستفزازية الملغمّة موت الاله أستقبلته البنيوية في أعتمادها مرتكزين الاول أن الانسان كوجود مأزوم قلق ليس من المتاح أنقاذه في المدى المنظور بل ولا أهمية تسترعي الاهتمام به كبؤرة مركزية تدور في فلكها الفلسفة والعلم والمعرفة واللغة والحياة .، والمرتكز الثاني هو تطرف فلسفة علم اللغة كمفهوم مستحدث خارج منظومة الحياة وصناعة التاريخ الحضاري للانسان. البنية اللغوية نسق تنظيمي مستقل لا علاقة تربطه بما أصطلح تسميته السرديات التاريخية الكبرى من ضمنها سردية الدين وايديووجيات السياسة والفلسفات التي انجبتها الحداثة....

كلا المفهومين الانسان كوجود ومنظومة اللغة بنية مستقلة في إنفصالها عن الانسان والواقع جرى أقصائهما العمد على لسان دي سوسير مخترع لعبة اللغة القائمة على إزدواجية المفهوم وليس أزدواجية المعنى التي كانت مفتتح تجربة جديدة في إستقبال الايديولوجيا الفلسفية المستمدة من نيتشة وغادمير في توظيف اللغة كأداة هدم وتقويض زادت عليه البنيوية تطرفا أسلوب (القوة الناعمة) بالفلسفة اللغوية والتاويل وهو مصطلح يعود نحته لأول مرة بضوء هذا الترسيم الفلسفي الذي أرادته البنيوية عسى أن يحظى بمطابقة الإحالة الصحيحة في التقويض البنيوي- التفكيكي لعالم الانسان من دون ارادة الانسان كجوهرفاعل في الطبيعة والحياة.

من الجدير الاشارة الى أن آراء فينجشتين وفريجة في نظرية المعنى وفلسفة اللغة انما جاءتا متأخرتين على بدايات دوسوسير وليفي شتراوس. فريجة اعتبر عدم ربط الفلسفة بالرياضيات وصمة عار مخجلة بحق تاريخ الفلسفة وضعها امانة في عنق بيرتراند راسل ووايتهيد اللذين اقتنعا بالفكرة واشتغلوا على ما اطلقوا عليه الوضعية التجريبية التحليلية قوامها تزاوج اللغة والرياضيات وخالفهما هذا المسعى جورج مور.. وشتراوس استغرق بحثه الفلسفي دراسة اقوام ما قبل التاريخ الذين لا تاريخ لهم كونهم لم يعرفوا معنى التدوين(الرسومات اللغوية والكتابة) وما يطلقونه من اصوات تواصلية دالة اكتشفها شتراوس من دراسة اركيولوجيا الحفريات الاثارية.

وبهذا الترسيم العدمي البعيد جدا عن إعتماد إيديولوجيا السياسة التي إستهلكت نفسها على هامش نقد الفلسفة الفضفاض إذ لم تعد أيديولوجيا السرديات الكبرى وسيلة هدم وبناء كما هو المرجو منها فأستأثرت الفلسفتان البنيوية - التفكيكية تحديدا ملء فراغ الهدم والتقويض اللغوي دونما البناء في إعتمادهما أسلوب قوة اللغة الناعمة في تنفيذهما المطلوب بانقلاب ابيض،وسرعان ما تبنّى أقطاب البنيوية كلا من بارت وفوكو ولاكان والى حد ما على صعيد ما نقصده منطلقات فلسفة اللغة الناعمة في المراجعة والتقويض إنضمام كلا من شتراوس في الانثروبوجيا(اثنولوجيا الاقوام البدائية) تاريخا وكلاما على اعتبار لا اللغة الصوتية الابجدية ولا مدوناتها الاشارية كانت مخترعة قصديا من انسان ذلك العصر السحيق للوصول الى لغة تواصلية تقوم على الصوت بذلك الوقت، وهي حقيقة لا يمكن دحضها.

والتوسير في إستهدافه السردية الماركسية الكبرى الشاخصة في كتاب رأس المال.. ومثله فعل ليفي شتراوس وبفهم سارتر في هجومه على الماركسية في عمودها الفقري كتاب راس المال أيضا. لكنهم جميعا توصلّوا الى اختلاق ماركسية بلا ماركس وبلا راس المال في هالة من التنظير الفارغ المحتوى.

وبارت على صعيد الادب في مقولته موت المؤلف، ولاكان في نقده علم النفس الفرويدي ، وفوكو في أستهدافه كل شيء يطاله بدءا من إلغائه الانسان والعقل وليس انتهاءا بالجنسانية والجنون وسلطة القمع والمنع والسجون..

إذا ما سمحنا لأنفسنا تجاوز المسار الفلسفي المعقد المتشعب لأقطاب البنيوية سنجد أنفسنا نتوقف أمام تداخلاتهم مع أبرز إمتداد فلسفي لتطويرمفهوم علم اللغة واللسانيات في مشروع بول ريكور في فلسفة التاويل الهورمنطيقا الذي يقوم بالاساس الاشتغال على تطوير منحى التاويل البنيوي الذي جاء تتويجه حين وجد ريكور مشروعه التاويلي اللغوي يستثمر أتجاهات الفلسفات الغربية الحديثة جميعا، البنيوية،الوجودية،التاويلية،الماركسية ، العدمية ،ونظرية الثقافة، والتفكيك، والتحليل اللغوي ونظريات علم اللغة، وأخيرا انثروبولوجيا الدين.. يعتبر الآن كلا من ريكور وجاك دريدا رائدا العبث في فلسفة اللغة بتطرف لا معنى له زاد في تجريد الفلسفة تجريدا اضافيا زاد في انغماس الفلسفة باللغة بما هي لغة نحو وصرف وقواعد وليس كما هو المعلن تصحيح تاريخ الفلسفة بوسيلة تصحيح معنى اللغة .

وقد أفاد بول ريكور في منهجه البنيوي التأويلي أيضا من ميراث فلاسفة التاويل غادمير، وشلاير ماخر، وأخيرا دلتاي.. كانت التاويلية لعبة ارادت تاصيل فائض المعنى المدخّر في ايجاد نسق كلي خاص في مجانسة لغوية قائمة لوحدها فقط بعيدا عن التكامل المعرفي مع الواقع بل في التوازي مع كل الموجودات والمفاهيم التي ترافق بنية اللغة ولا تقاطعها بشيء يخدم الحياة.

تاولية بول ريكور في البحث عن فائض المعنى المدّخر في متوالية قرائية مستقلة لا غبار عليها يدينها. اما ان اللغة تجريد يوازي الحياة ولا يقاطعها فهي بذلك حفرت فلسفة اللغة قبرها بيديها. وتفكيكية جاك دريدا التي ارادت بناء امجاد فلسفية لا يمكن تحقيقيها في ابتداعه ان التقويض والهدم استراتيجية تحكم النص اللغوي بما لا نهاية له في الوصول الى معنى يرتبط بمرجعية (ميتافيزيقية) مرفوض سلفا الاحتكام بها.

الإنفصامية المرضية فلسفيا التي وضعت الانسان كوجود مركزي طارد في مأزق الإحتضار السريري التي كانت البنيوية أضطلعت بالمهمّة الكبرى تنفيذه في حقنها ذلك المريض المحتضرالانسان كوجود مركزي بالحياة بمصل الموت الرحيم الذي خرج من محنة الحداثة وما بعدها في تقويضهما كل مكتسباته التي حققها له عصر النهضة والانوار والحداثة، نقول عمدت البنيوية  تشييئها الانسان الإلغائي كوجود محوري تدور في فلكه كل ماسمّي بالمعارف والعلوم والسرديات الكبرى على ما شابها من قصور لم يكن الانسان مرتكز ذلك القصور كسبب ولكن كان المساهم الاكبر الوحيد الذي ناء بحمله عواقب ذلك القصور لزمن طويل وصل الى اليوم في تحميلهم عبء العقل القاصر وخيانة المعنى اللغوي... وكلا الافتراضين لا اساس لهما من الصحة.

هذا الإنفصام المرضي الفلسفي الذي تبنته البنيوية بضراوة كان إعتمادها مفهوم الاكتفاء الذاتي في منظومة اللغة الانفصال التام عن الواقع الانساني بغية الوصول الى معرفة حقيقية للعالم على وفق قراءة لغوية بنيوية نسقية جديدة تنقذ اللغة من إحتكار علاقتها بالواقع وإستئثارها التعبير عنه وحدها.. ..

ولم تعد اللغة مرتهنة وظيفيا وسيليا في تجسير فهم الواقع بتعبير اللغة السطحي المعتاد على حد سوق ذرائع البنيوية كفلسفة حضور لمفاهيم ما بعد الحداثة..وهذا الإنفصام جعل من الأنظمة اللغوية في البنيوية وتأويلية بول ريكور وتفكيكية دريدا أنظمة مغلقة مكتفية ذاتيا تنطوي ضمنا على جميع العلاقات الممكنة بداخلها، وبالتالي لا يبقى من علاقة ضرورية تجمع اللغة بالعالم الخارجي في تمثّلات اللغة له.

واضح المقصود بالخارج اللغوي هو العالم الواقعي الخارجي للانسان بما هو الحياة في تمثّلات اللغة التعبيرية عنه تداوليا كلام تحاوري مجتمعي.. وليس بالمعنى الفلسفي الذي عّبر عنه دي سوسير أن اللغة تمتلك نظامها الداخلي الخاص بها ولا حاجة للواقع الخارجي التعريف بها ،وكذا الحال معكوسا أن الواقع بكل منظوماته التكوينية له يحقق الكفاية الذاتية بمعزل عن أهمية اللغة الاسهام بهذا التوضيح الاسهامي لمعنى الحياة.. وعندما تبطل وسيلية توظيف اللغة ويجري إنسحابها من ميدانها ألمألوف في مهمة التمثلات الواقعية للعالم الخارجي فهي تكون أنساقا لغوية خاصة بما هي منظومة علائقية تجريدية قائمة داخليا بعالمها الخاص بها خارج مهمتها التعبير عن الواقع ما يرتّب ذلك أن الواقع الانساني الحيوي يكون التعبير عنه بالكلام الشفاهي وليس باللغة المكتوبة التي تكون لوحدها خطابا يبحث في العلاقات النسقية للاشياء بما هي صيرورات متداخلة متنوعة داخل بناها اللغوية وليس في عالمها الخارجي المرتبط بالانسان الذي أصبح لا يمتلك سوى اللغة في توكيد وجوده الانساني والتي عمدت فلسفة اللغة ونظرية المعنى والتحول اللغوي مصادرة عائديتها الخصائصية بالانسان كوجود نوعي تنتظمه اللغة..

هذه الواقعة المعتمدة بنيويا بموجبها تعتبر نفسها فلسفة نمطية نسقية كليّة من التفكير الجوّاني الذي يعتمل ويتكوّن داخل السيرورة اللغوية بما هي نسق معرفي مستقل له احكام وضوابط خاصة يهتم بعوالمه المخترعة لغويا ولا قيمة للواقع والانسان في علاقة الربط بينهما وبين اللغة...

هذا النمط النسقي اللغوي ( يكون تفكيرا يتخطى جميع الاشتراطات المنهجية، حينها لم تعد اللغة وسيطا بين العقول والاشياء) على حد تعبير ريكور. فقد تم إغتيال الواقع الحياتي ملاذ الانسان الاخيربأستعداء اللغة عليه وركنه جانبا خارج إهتمامات الفلسفة..بعيدا عن كل إشتراط منهجي عقلي مخالف لهذا التوجه المنحرف..

هناك حقيقة متداولة عمرها عشرات القرون هي أن اللغة تفكير العقل المدرك في معرفة الاشياء والتعريف بها، واللغة هي الوسيط التعريفي بين العقل والاشياء في تعالقهما إدراكا معرفيا.. هذا الفهم إعتبرته البنيوية ومن بعدها التفكيكية في إعتمادهما منظومة علوم اللغة واللسانيات والتاويل والتحليل والإحالة والإرجاء مرتكزا فلسفيا في فهم العالم والانسان في عالمه الخارجي لم يعد له تلك القيمة المطلقة التسليم بصحتها وحقيقة الانسان خارج المنظومة اللغوية لاشيء كما هي اللغة من دون الانسان لا معنى لها لا معرفيا ولا فلسفيا.. هذا التوجه في أخراج الانسان من الحياة والتاريخ قاد مأزق الانسان الوجودي بالحياة الى أكبر منه ، فاللغة هي تجريد علاماتي خطابي في فهم الانسان وعالمه الخارجي، فكيف باللغة عندما تكون في الفلسفة البنيوية والتفكيكية تجريدا مضافا لتفسير تجريد سابق عليه في الإنفصال التام التعبير عن الواقع الانساني والحياة؟ انفصال اللغة عن الحياة كما هو متداول اصبحت نسقا لغويا ادخلت تاريخ الفلسفة في نظرية فائض المعنى وقصور اللغة في متاهة البحث عن معنى كل شيء في وضعه امام علامة استفهام لا تجد اجابة لها.

فنجشتين فيلسوف اللغة المعروف أراد إخراج اللغة من عنق الزجاجة كما يقال الذي هو النفق الذي أدخلته البنيوية ومن بعدها التفكيكية فيه حين أعتبرتا النظام اللغوي المكتفي بصنع عوالمه الذاتية المستقلة كنسق يسير في توازيه مع الواقع المعيش هو منظومة اللغة أو الخطاب الواجب الإهتمام به... وليس من مهمة هذا الخطاب اللغوي المنعزل عن تفسير العالم الخارجي ومركزية الانسان فيه الذي بشّرت به الحداثة لأكثر من قرن...ولا أهمية يمتلكها إنسان ما بعد الحداثة ليحتكر محورية التفكير بالحياة والوجود والتاريخ فلسفيا وعلميا وسياسيا ايضا....لذا نجد الفلسفة التي انتزع الاميركان سيادتها من الفرنسيين طرقوا ابوابا غريبة على تاريخ الفلسفة في محاولة تعويض الضياع الزمني في عقم وعجز التجديد. ونجد هذا في اقتراب الفلسفة من قضايا علم الاجتماع بمثابة النجاة من الغرق.

أمام هذا الفهم الفلسفي البنيوي التهميشي الذي زرع بذرته الاولى فينجشتين في كتيبّه (رسالة منطقية فلسفية) عن قصور فهم وليس عن خطأ متعمّد مقصود حاول تصحيحه لاحقا لكن تلك الأخطاء التي تضمنتها المخطوطة مهدّت لبروز ظاهرة التطرف اللغوي في البنيوية والتفكيكية من بعده، وأستثمرته البنيوية والتفكيكية والعدمية بعد وفاة فينجشتين إستثمارا سلبيا بشعا حتى بعد طرح فينجشتين في كتيبه الاخير(تحقيقات فلسفية) الذي حاول فيه تصحيح أخطائه في رسالته المنطقية... ويبدو بفضل نقودات عديدة وجهت لمخطوطته الفلسفية الاولى في الرسالة المنطقية تراجع فينجشتين عن بعض طروحاته التي وجدها لم تكن ناضجة وأراد التصحيح في كتابه التالي تحقيقات فلسفية قائلا ما معناه أن تمثّلات اللغة للواقع هو تلك الحيوية الخلاقة التي تبعثها اللغة في جسد ذلك الواقع المعيش في الوقت نفسه التي تكتسب هي- اللغة - حيويتها الحضورية في تطوير نظامها اللغوي بتأثير من الواقع الذي تحكمه الصيرورة أيضا كما تحكم الواقع بذات الحين..

وفي حال العجز من تحقيق هذه المهمة فسوف لن يكون للغة معنى يمكن حضوره وعليه يكون صمت اللغة في العجز أجدى وأكثر حيوية من التعبير عن اللامعنى في التشبث بنحو وشكلانية اللغة من حيث هي لغة فقط على حساب إلغاء المضمون الفلسفي المرجو تحقيقه في حل إشكاليات مفاهيم الفلسفة العالقة بوسيلية تعبير اللغة الإلتباسي المعقد وليس حل مشاكل نحو اللغة بما هي تجنيس في الادب على حساب تنحية مفاهيم الفلسفة عن طريق ماسمّي التحول اللغوي كتجديد فلسفي تاريخي .هذا التحذير الذي نادى فينجشتين به أن اللغة لا تستمد فعاليتها القصوى إلا في صيرورة الحياة وجريانها المجتمعي المتدفق والانسان جزء هام من هذه المنظومة التي هي مصنع الحيوية البشرية للحياة والوجود..والذي تبنته الفلسفة التحليلية الانجليزية عّبررفضها والتقاطع مع رائد فلسفة التاويل اللغوي بول ريكورالذي هو أمتداد وتطوير منطلقات البنيوية في اللغة قوله ( لم تعد اللغة بوصفها صورة الحياة كما أراد لها فينجشتين ، بل صارت نظاما مكتفيا بذاته يمتلك علاقاته الخاصة به) . وكان سبق لأقطاب البنيوية أن أخرجوا اللغة بوصفها خطابا لا تتحدد مقاصده في تعابير المفردات اللغوية المنفصلة التي لا ينتظمها سياق الجملة وموقعها في بنية النسق الخطابي داخليا..وعبّر عن هذا المعنى دي سوسير(أرجحية الكلام على اللغة بأعتبار الكلام فردي تعاقبي وعارض، واللغة أو اللسان هو الاجتماعي والتزامني والنسقي لذا يكون الخطاب بدلا من الكلام).

منطق دي سوسير هو تنحية الكلام عن مهمته واسطة التعامل المتحاور مع الواقع الحياتي، في أزاحته التنافسية عن طريق فهم اللغة أنها منظومة خطاب متكامل مكتف ذاتيا في تصنيعه عوالمه اللغوية، ويرى سوسيرالكلام فرديا تعاقبيا عارضا، أي أنه محاورة مجتمعية من الكلام الشفاهي ، تسمه بصمة فردية المتكلم، والتعاقب الحواري في تنوع المصدر الفرد المتكلم وما يحمله من محمولات الحديث العابر، وهو أي الكلام أخيرا عارض مؤقت زائل لإنتهاء دوره الإستعمالي التوظيفي في التواصل الحواري التخاطبي التداولي مع إنتهاء وتفرّق المتحادثين المشاركين في إنتاجية وإستهلاك الكلام الجماعي في التحاوربينهم.

فالكلام يختلف عن اللغة الصوتية أنه لا يصلح لتدوين مكتوب يلازمه ملازمة تدوين الكتابة اللغوية.بينما تكون اللغة حسب فهمنا عن دي سوسير خطابا تدوينيا ثابتا مكتوبا في الغالب حين يكون نصّا لغويا تعبيريا.. يحكم ذلك الخطاب نسق من العلاقات الداخلية التي تجعل منه بؤرة مركزية ثابتة الفهم والقيمة على المدى البعيد على خلاف الكلام الذي يستهلك نفسه في الشفاهية التحاورية في وقتية زمنية زائلة يطالها التزامن العرضي..

نعود الآن الى مبتدءات فهمنا معنى الكلمة أو المفردة هو أنها لفظ صوتي مسموع دال وصوري مكتوب خال من المعنى ما لم يكن متضمّنا دلالته المحمولة بمعناه القصدي سلفا،وفي هذا تجد البنيوية تبسيطا مخّلا عندما لا يكون معنى المفردة مستمدا من سياقها المنتظم في جملة نسقية تشي عن عبارة تحمل معنى متكاملا ونجد تعبير ريكور بهذا المعنى (الجملة وحدة الخطاب الاساسية التي تشمل وحدات أكثر تعقيدا، وتعاقب الكلمات بالجملة لا معنى ينتظمها ما لم تكن ضمن وحدة نسقية تحمل الدلالة بلا قطوعات معاني المفردات المنفردة التي هي الجملة .).

هذه المفارقة التي حاولت البنيوية تكريسها إنما وجدت ضالتها في التماهي الهيدجري معها الذي أيّد منطلق أن تكون اللغة أصبحت فلسفيا حقيقتها مكفولة في إنفصالها عن الواقع وتمّثلاته ويؤثر هيدجر ويفضّل (الشاعر – ويقصد به شاعره الاثير هولدرين الذي يمتلك نفس الحفاوة لدى فوكو – كونه يقول الوجود بلغة الوجود الاصيلة). لنا شرح مفصل في مبحث منفصل لوحده من هذا الخطاب يحتويه الكتاب على هذا االطرح السطحي الغافل..

هنا الوجود الاصيل الذي يقصده هيدجر هو الذي ينفرد التعبير عنه بمكنة خاصيّة لغة الشاعر التعبير عن (اللاوجود)، أي بمعنى الوجود القائم على تصورات التهويم الخيالي في تفكيك نسق اللغة التداولي الذي يقصي سلطة العقل على المعنى تماما في رقابة اللغة الشاعرية، فيكون بهذا تعبيرالشاعر الشعري عن الوجود الاصيل إنما هو تداعيات الخيال في اللاشعور الذي تتفكك اللغة فيه وتخرج عن نظامها الدلالي المألوف الى حد طغيان اللاشعورفي تعبير اللغة.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

حزيران 2022

تحتل الموضوعات الفكرية والثقافية الحيز الأكبر من نتاج العلّامة الشيخ محمد علي التسخيري؛ إذ أثرى المكتبة الإسلامية بعدد كبير من المؤلفات والبحوث والمقالات التي تقارب شتى مجالات الفكر والثقافة والشأن الإسلامي الحركي والدولي، وكان كثير منها إضافات نوعية، عالجت قضايا إشكالية أساسية، وخاصة تلك التي ظهرت بالتزامن مع تجربة التطبيق الإسلامي المعاصرة.

ومما ظل يميز المسيرة الفكرية للعلّامة التسخيري، طوال خمسة عقود، هو إفساحه المجال لزملائه ومساعديه وتلاميذه، بإنتاج بحوث مشتركة معه، أو تحت إشرافه، في إطار تعاون علمي غير متعارف كثيراً في الساحة العلمية، ومن يطّلع على بعض نتاجاته المنشورة؛ سيجد اسم آية الله التسخيري مقرونة بأسماء أُخر، وهو ما كان يعدّه كسباً للساحة الفكرية؛ لأنّ النتاجات المشتركة، كما كان يقول: «تمثل ثمرة تعاون علمي وفكري وثقافي جماعي، يثري البحث ويوسع آفاق المعالجات».

ومما صدر له في هذا المجال: مشروع «تفسير القرآن الكريم» الذي بدأه بمباركة أُستاذه الإمام السيد محمد باقر الصدر، ومشروع «الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة»، و«دراسات فقهية مهمة»، قدم أغلبها إلى مجمع الفقه الإسلامي، وكذا بحوث فكرية وثقافية صدرت في كتب أو في الدوريات العلمية والبحثية. ولعلّي أكثر مستشاريه وتلاميذه استفادة من هذا المبدأ، أي مبدأ كتابة البحوث المشتركة معه؛ بسبب العلاقة القريبة والطويلة زمنياً، وتفرغي للعمل الفكري إلى جانبه فترة من الزمن.4683 مقاربات

وهذا الكتاب الذي يحمل عنوان: «مقاربات في الفكر والثقافة والأدب»، هو جزء من ثمرة علاقتي الفكرية والعملية بالعلّامة التسخيري، وتتلمذي المنهجي والعلمي عنده، خلال ثلاثة عقود. وأقول جزء؛ لأنّ الدراسات والمقالات التي ضمّها الكتاب هي جزء مما كتبناه بشكل مشترك، وليس كل ما كتبناه، وربما سأنشر جزءاً آخر منها مستقبلاً. وقد نُشرت بعض دراسات هذا الكتاب باسم الشيخ التسخيري، وأُخر باسمي، وثالثة باسم بعض المؤسسات، كما أنّ بعضه غير منشور.

والحقيقة أنّ فكرة إصدار هذا الكتاب المشترك هي فكرة قديمة، ربما تعود إلى عشر سنوات سبقت رحيله، وقد فاتحت بها سماحته حينها، لكنّ عامل الوقت كان سبب التأخير والتجميد؛ لأنّ عملية الإعداد تحتاج إلى تفرغ ووقت ليس بالقليل. بيد أنّ رحيل شيخي وأُستاذي التسخيري (في 18 آب/ أغسطس 2020م)؛ حفّزني على الوفاء له بجملة من الأعمال، منها إعداد هذا الكتاب، وكتابين آخرين، الأوّل بعنوان: «التسخيري المواطن الإسلامي العالمي»، والثاني: «ذاكرة التسخيري».

وربما تحتاج مسيرة علاقتي بالعلّامة الشيخ محمد علي التسخيري إلى كتاب لوحدها؛ فهي علاقة لها خصوصية معنوية وعملية. ففي العام 1979، حين سمعت باسمه للمرة الأُولى من مسؤولي الحركي، وأنا في النجف، بات حلمي أن أراه وحسب، وكذا آخرين من روّاد الحركة الإسلامية العراقية، وهو ما حصل بالفعل في العام 1980، حين رأيته للمرة الأُولى، وحتى بداية العلاقة عبر مجلة «التوحيد» في العام 1984، ثم ترؤسي تحرير المجلة، خلفاً له وتحت مسؤوليته المباشرة في العام 1991، وحتى أصبحتُ مستشاره وضمن فريق عمله ومرافقاً إيّاه إلى كثير من دول العالم، بدءاً من العام 1998. وتتوّجت مسيرة تتلمذي له وتعاوني معه خلال مرحلة إشرافه على أُطروحتي الماجستير بعد العام 1999، ثم الدكتوراه بعد العام 2003.

وكنت ولا أزال أقول: إنّ أغلب ما لديّ في حياتي؛ يعود فضله إلى الله (تعالى) أوّلاً، ثم إلى شيخي التسخيري؛ ليس في الجانب العلمي والفكري والثقافي وحسب، بل في الجانب العملي والوظيفي والاجتماعي والعائلي أيضاً؛ لأنّ الشيخ لم ينظر إليَّ يوماً نظرة أُحادية ترتبط بالجانب الوظيفي أو الأُسري أو الفكري؛ بل كنت أحظى بتبنّيه وعنايته الشاملة. ولطالما عبّرت له عن خجلي وشعوري العالي بالمسؤولية تجاه هذه الرعاية، وكان يجيب بأنّ هذا هو منهج أُستاذه الإمام السيد محمد باقر الصدر. ويشهد الله أنّ شيخي التسخيري لم يحسسني لحظةً بالمنِّ أو بأنّي تلميذه أو موظفاً عنده، أو أنّ هناك فارق عشرين عاماً من العمر بيننا، وفارق سنين أكبر في المستوى العلمي والفكري، أو يتشدق بأنّه تلميذ الإمام الصدر والإمام الخميني؛ بل كان يردّد دائماً كلمة (تعاون) و(نتعاون). ويكفيه عظمةً أنّه بذلك يزرع الثقة في نفوس تلاميذه ومقرّبيه، ويعطيهم فرصة النمو الروحي والنفسي والعلمي. وكان جوابه لمن كان يستفهم منه: «كيف تضع علي المؤمن رئيساً لتحرير مجلة التوحيد، أهم مجلة فكرية بحثية، خلفاً لك، وأنت من أنت، وهو لم يبلغ 27 عاماً من عمره؟». فكان جوابه يخجلني كثيراً؛ لأنّه يصفني بما لا أستحقه، تعبيراً عن ثقته ودعمه وتحفيزه. وكنت أدعو الله دائماً أن أكون عند حسن ظنّه، وأن لا أتسبب في إحراجه يوماً، وأحمد الله أنّه ظل يفتخر بثمار هذه الثقة حتى قبل وفاته بأيام معدودات.

وبالنظر لكون مسيرة التبنّي هذه، هي تجربة إنسانية وعلمية مميزة ومفيدة؛ فقد أفردت لها جزءاً من كتاب: «ذاكرة التسخيري»؛ علّها تكون أُنموذجاً يحتذي به رموز العلم والفكر مع المحيطين بهم من الشباب.

لقد تم تقسيم دراسات هذا الكتاب ومقالاته تقسيماً موضوعياً، ثم توزيعها على ستة فصول، وخمسة ملاحق.

حمل الفصل الأول عنوان: (قواعد تجديد الفكر الإسلامي)، واحتوى على مقاربتين، الأُولى: (التجديد في الفكر الإسلامي ومعالم المرونة في التشريع)، تناولت موضوعات مظاهر التجديد والمرونة في الشريعة، ومنافذ الفكر البشري إلى المساحة المشروعة، وقواعد ضبط التجديد، والطريق إلى التجديد للحاضر والمستقبل. أمّا المقاربة الثانية: (تجديد الشريعة الإسلامية واستدعاءات المستقبل)، فهي حوار تداولي مشترك تناول علاقة التراث بالمستقبل، وضرورات تجديد علم الكلام، ومنهجية فلسفة الفقه، وقراءة الشريعة بذهنية المستقبل وتطوير فقه المقاصد.

فيما حمل الفصل الثاني عنوان: (مرجعية أهل البيت الإسلامية)، وضمّ مقاربتين، الأُولى: (المرجعية العلمية والتفسيرية لأهل البيت)، وبحثت في المرجعية العلمية للمسلمين في القرآن والسنّة، والمكانة العلمية لأهل البيت في الواقع الإسلامي، وأُسلوب المناظرة والحوار في حياة أهل البيت العلمية، والإنتاج العلمي لأهل البيت، وتكريس أهل البيت علمهم في خدمة مصالح الأُمّة. وتناولت المقاربة الثانية: (مرجعية رسالة الإمام السجاد في الحقوق)، ولا سيّما الحقوق الإلهیة وحقوق النفس والحقوق العامة.

وتناول الفصل الثالث (الواقع الإسلامي وتحدّيات التنمية المستدامة)، وتم إدراج ثلاث مقاربات، الأُولى: (الإسلام في الألفية الثالثة)، درستُ فيها موقع الإسلام في الثقافة العالمیة ومفهوم الثورة الثقافية الإسلامية. في حين حملت المقاربة الثانية عنوان: (الإسلام وتنمیة المجتمع المعاصر)، والثالثة: (مفهوم العلم من منظار الإسلام)، وتناولت مفهوم العلم بین الفكر الوضعي والفكر الإسلامي، والترابط بین العلوم الشرعیة والعلوم الطبیعیة، ونظرة القرآن الكریم إلى العلم الطبیعي، والعلم الطبیعي في الحدیث الشریف، وموقع العلم في مسیرة الحضارة الإسلامیة.

أمّا الفصل الرابع الذي خصّصناه لموضوعات: (الأقلیات المسلمة في الغرب)؛ فقد احتوى على ثلاث مقاربات، الأُولى: (الأقلیات المسلمة في الغرب وتحدّيات الاغتیال الثقافي)، وعالجت المظاهر المتفرعة عنه، وخاصة التربوية والتعليمية والاجتماعية والحقوقية والثقافية والإعلامية، ثم طرحت معالجات وافية في أغلب المجالات الحياتية. بينما تخصصت المقاربة الثانية في معالجة حقوق الأقليات المسلمة في الغرب في ضوء التشريعات الغربية، والثالثة في واقع ومشاكل الأقليات المسلمة في أُوروبا الشرقية بين العهدين الشيوعي والديمقراطي.

بينما تناول الفصل الخامس (حوار الحضارات والأديان والمذاهب)، وعالجت المقاربة الأُولى منه: (قيم الحوار والتعايش في الرؤية الإسلامية)، وتناولت قيم الحوار ومبادئه وأنواعه وأطرافه وآدابه وأخلاه من وجهة نظر اسلامية، إضافة إلى نماذج من حوارات الرسول والأئمة^. وحملت المقاربة الثانية عنوان: (المسلمون والعلاقة المتوازنة بين الحضارات)، وعالجت موضوعات الحاجة الإنسانية للحوار، وكونه مبدأً إسلامياً، وقدرته على تحقيق هدف الأمن والسلام، وخيارات البشـرية لتحقيق الأمن والسلام، وعالمية الإسلام، ومسؤولية الأُمّة الإسلامية تجاه السلام العالمي والتمهيد لحكومة السلام العالمية. في حين تناولت المقاربة الثالثة: (مستقبل الحوار الإسلامي ـ المسيحي)، ودوافع الحوار بين الأديان والإرهاب، وبيئة ظهور الإرهاب وعوامل اجتثاثه.

وكان الفصل السادس محطة ثقافية أدبية، عنوانها: (أدب أبي فراس الحمداني وسعدي الشيرازي)، ومقاربته الأُولى حول: ( تصالح المتعارضات في شعر الأمير العربي أبي فراس الحمداني)، وتحديداً ثنائيات: الفخر بالعشيرة والشكوى منها، والغرور والتذلل، والعفة والتحلل، وكبرياء الأمير وبكاء الأسير، والتدين والجبروت. أمّا المقاربة الثانية فكانت حول: (التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي)، والتي أخذت أدب الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي أُنموذجاً؛ فقد درست التكامل الثقافي بين العرب والإيرانيين والتفاعل بين الأدبين العربي والفارسي، وشعر سعدي ونثره المعبرين عن هذا التفاعل.

وفي الختام، أتقدم بهذا الجهد إلى روح شيخي وأُستاذي المفكر والفقيه والقائد العلّامة محمد علي التسخيري، عرفاناً مني بفضله الأكبر في حياتي بعد الله (تعالى)، وإحياءً لذكرى رحيله الأُولى. إذ لا يزال الشعور بالألم والغصة برحيله تملآن الروح والعقل، الأمر الذي يدعونا إلى مواصلة منهجه ومسيرته الفكرية والثقافية.

***

علي المؤمن

 

 

رغم تمتع الكثير من مصممي الأغلفة بطاقات ابتكارية مبهرة ورائعة، أنتجت الكثير من الجمال الأخاذ الذي يتوافق عادة مع مضمون الكتاب، وهو ما وجدته لدى أكثر من مصمم تعاملت معهم في عملي على إصدار مؤلفاتي التي فاق عددها السبعين في عدة بلدان عربية فضلا عن العراق، إلا أن القلق يساور روحي كلما نويت أن أصدر كتابا جديدا ولاسيما إذا ما كان الكتاب أدبيا، خوفا من أن لا نوفق في تصميم غلاف يتوافق كليا مع مضمون الكتاب ويدل عليه لنطبق المقولة الدارجة: "الكتاب يقرا من عنوانه" حرفيا.4674 صالح الطائي

من هنا تجدني حينما نويت إصدار مجموعتي الشعرية الجديدة "تنهدات على عتبة السبعين"، كنت في غاية القلق بشأن موضوع تصميم غلاف يتوافق مع المضمون بشكل انسيابي لا أبهام فيه، ولاسيما العثور على لوحة فنية يطابق مضمونها مضمون المجموعة، وبعد جهد جهيد، وبحث شديد، لم أوفق بالعثور على شيء مناسب، وصادف أن اتصل بي أحد أصدقائي؛ الذي لمس عدم تجاوبي معه مثلما أفعل في كل مرة، فسألني عن سبب اضطرابي وقلقي، وحينما أوضحت له الأسباب، بادر بالقول: والله لا أبسط منها، وهناك قامة فنية باسقة بإمكانها أن تترجم كل مضمون المجموعة بلوحة واحدة، قلت: من هذا العملاق الذي لا أعرفه؟ قال: إنه الفنان التشكيلي العراقي الكبير ستار كاووش، وهو فنان من الطراز الأول إبداعا وخلقا وكرما وسخاء، وبالنسبة لي أنا واقعا لم أكن قد سمعت بهذا الاسم من قبل، ربما تقصيرا مني لأني لا أتابع النشاطات الفنية بسبب كثرة انشغالي بالكتابة التي تأخذ جل وقتي، واعترافا مني بهذا التقصير بادرت فورا إلى مراسلة الفنانن مبينا له رغبتي في الحصول على واحدة من لوحاته تحمل نفس رؤى مجموعتي التي تتحدث أغلبها عن مرحلة عمر ما بعد السبعين.

وبيني وبينكم أنا لم أكن واثقا من نوع ردة فعله على طلبي الوقح هذا، ولاسيما وأنه لا يعرفني، وقد يكون لم يسمع بي من قبل، ولا يعرف شيئا عني أصلا، ولذا توقعت أن يهمل رسالتي، ولا يلتفت إليها، وفي أفضل الأحوال أن يعتذر تأدبا، وهذا وذاك من حقه. لكن المفاجأة لم تكن بسرعة رده على رسالتي وحدها فحسب، بل وبالموافقة على اعطائي واحدة من لوحاته بلا مقابل، وأرسل لي فعلا لوحتين جميلتين، ثم أردفهما بثالثة، هذه اللوحات الثلاث لم تجد طريقها إلى قلبي رغم جمالها، ربما لأني لم أفهم مضمونها، أو لأن فيها بعدا عن مضمون المجموعة، فأخبرته بمشاعري، وشرحت له فكرة المجموعة الشعرية، وحينها بادر وأرسل لي لوحة مغرقة بالحركة وكأنها تنبض بالحياة، وجدتها قد دخلت قلبي ما إن رأيتها، بل وجدتها تعج بمضامين المجموعة، ولاسيما وأنه أرفق معها شرحا مبسطا، قال فيه:  "بالنسبة لما يمكن أن أقوله عن هذا العمل إنه يمثل  رجلا وامرأة يحتضنان بعضهما، ويستعيدان ذكريات وتفاصيل ومحبة من أيامهما التي مرت، ولم يتبق منها سوى كم الذكريات الحلوة والمرة. في هذه اللوحة يتداخل الجسدان ببعضهما، وتتحول المرأة الى ملكة؛ وهي في حضن الرجل الذي يشرد بنظراته بعيداً، وكأنه يستعيد في ذاكرته كل تلك الأيام الجميلة التي قضاها مع محبوبته، فيما التمعت نقطة ضوء في العتمة التي على اليسار لتعطي للتكوين بعض التوازن. استخدمت هنا تقنية تقترب من تقنية الحفر على الخشب، لأمنح العمل تعبيرا ووضوحا وتأثيرا أكبر".

هكذا فهم الفنان كاووش مضمون المجموعة ومحتواها، وعبر عنه بلوحة تكوينية فريدة فيها الكثير من الرمزية، تمكنت من الإمساك بكل خيوط المجموعة دفعة واحدة، فتحولت المجموعة بفضلها إلى لوحة فنية، واللوحة بمحتواها تحولت إلى مجموعة شعرية؛ في تجانس لم أعهده من قبل، حيث تتداخل الأبعاد، بعد المجموعة وبعد اللوحة لتتحول إلى بعدٍ يضج بالمعنى، يستنهض الذكريات، يستفزها، يثيرها، يحثها على التفاعل مع الحاضر لتمنحه بعض ألق الأمس الذي مضى مأسوفا عليه. 

إن لوحة الفنان الكبير ستار كاووش أضافت بعدا آخر جديدا للمجموعة، وحفزت موضوعا جماليا أعلن عن ولادة نهج جديد في عملية تصميم الأغلفة التوافقية؛ أي توافق الصورة من خلال أسلوبها الرمزي مع المعنى، لأنها جاءت مفتوحة على عمق اندهاشي يثير التساؤل ويدعو إلى التفكر والبحث عن العلاقة السيميائية التي تذكر بسلفنا الإنسان الأول القديم؛ الذي اعتاد استنطاق العلامات واصطناع الدلالات منذ فجر التاريخ في محاولته للبحث عن المعنى، حيث تترادف العلامة الرمزية مع العلامة اللسانية، وبتقاربهما المدهش تتضح معاني المقاصد الجذرية بين الريشة والقلم، فالريشة والقلم كلاهما كانا من أقدس الأدوات التي رسمت للإنسان طريقه، وفتحت مداركه، ودلته على جذور المعنى، وخلدت مبادراته، وهي بعملها هذا لا تقل عن جميع أساليب التدريب على القتال من أجل الدفاع عن النفس، فالإنسان ما كان ليخلد كل هذه السنين لو لم يوظف السيف والقلم والريشة لتتولى مهمة ترتيب حياته ورسم خطوات مستقبله.

وبرأيي أن رمزية اللوحة المغرقة بالسريالية؛ التي تنماز بفوق واقعيتها؛ والتي تسعى إلى التعبير عن العقل الباطن ومضمراته بصورة يعوزها النظام والمنطق من أجل رسم نظام ومنطق جديدين، هي الخيار الأمثل لترجمة معنى التلقائية النفسية الخالصة، التي يمكن من خلالها التعبير بصدق عن واقع اشتغال الفكر، وهي بهذا المعنى العميق إنما جاءت لتفصح عن رمزية نص لا تتوافق معه الواقعية والطبعانية، لأن الرمزية تعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة تلميحا وإيحاءً تعبيرا غير المباشر، ولكن فيه من العمق ما يوصلك إلى المعنى المباشر دونما عناء

إذن فالأمر يتعلق حقيقة بقواعد فهم الجمال دون حاجة إلى تحكم خارجي، ولا إلى مراقبة تمارس من طرف العقل وخارجه في محاولة استنطاق المعنى تأويليا، لأنها تعمل على الارتقاء بالشكل الطبيعي للنص إلى ما فوق الواقع المرئي من خلال منهج توافقي بين الرقابتين الداخلية والخارجية، وفي ذلك اعلى مراحل تحفيز العقل لإدراك المعنى.

يذكر أن مجموعة تنهدات على عتبة السبعين ستصدر في الأيام الأولى من عام 2023 عن دار المتن البغدادية.

***

الدكتور صالح الطائي

الصفحة 2 من 4

في المثقف اليوم