كتب واصدارات
علي علي: حرية المرأة.. عرض لكتاب عدي عدنان البلداوي
صدر في بغداد، كتاب (حرية المرأة.. دراسة في انثروبولوجيا عصر التقنية) للكاتب عدي عدنان البلداوي. يقع الكتاب في 155 صفحة واشتمل على عدة مواضيع منها:
1- مستقبل الحياة في عصر التقنية
2- مفاهيم جديدة للموت والحياة والحرية
3- اعادة برمجة الحياة
4- الحرية الشخصية والتقنية
5- عندما يدعو رجل دين الى خلع حجاب المرأة
6- شخصية الرجل العربي
7- المرأة في الإسلام
8- الحجاب والعدالة الاجتماعية
9- الايمان الفطري والايمان الفكري
وغيرها من العنوانات..
جاء في الكتاب:
في عصر التقنية، لم تعد الحياة طبيعية كالسابق بعد أن فرّط الإنسان في إستغلال الطبيعة ليثبت قدرته على انتاج تقنية متطورة قادرة على إدارة وتنظيم وإعادة برمجة الحياة في مناخ رقمي تكنولوجي أوصله الى إنتاج الآلة المتطورة والحاسوب الذكي والروبوت فائق الدقة في محاكاته للكائن الحي، ترك ذلك آثاره على طبيعة الحياة، ولمّا التقت الإنسان الى ما أحدثه فيها حاول استغلال التقنية المتطورة في ترقيع الحياة وهو ماضي في إثبات قدرة هذه التقنية على فرض قوة الترقيع، واقعاً تحت تأثير عاملين أولهما إن الرجوع إلى الطبيعة لم يعد سهلاً، وثانيهما إن المفاجآت المتوقعة في طريق الذكاء الإصطناعي والتطور التقني العالي تثير فيه رغبة الإستمرار، ولكي يمضي في هذا الطريق كان عليه أن يعالج الأعراض الجانبية التي ظهرت على طبيعة حياة الناس ومنها إرتباك تصورات الشخص عن مفهوم الحياة، ومفهوم الحب، ومفهوم الحرية، فأرتكب خطيئة التعرض لبنية الإنسان الفطرية وهويته التي حدّدها الخالق العظيم سبحانه وتعالى في قوله:(يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية 13 من سورة الحجرات، فدخل من خلال مفهوم الحرية ليثير فكرة استبدال الأدوار البيولوجية بين الذكر والأنثى ليصبح من حق المرأة أن تتحرر من تكوينها الأنثوي إذا وجدت في نفسها الرغبة في ذلك بعد أن طالت الفكرة ذكورة الرجل وصار بمقدوره وبمساعدة التطور العلمي أن يغيّر بعض أعضاء جسمه كي يبدو أقرب إلى الأنثى منه إلى واقعه الذكوري، ثم ظهرت فكرة إكساب الإنحراف الجنسي طابعاً رسمياً أقرّته حكومات بعض دول العالم، فقد صارت المثلية من معطيات الحرية التي يحق للمرء أن يبديها ويصرّح بها ويعلن عنها ويعرّف بها ولم يعد إلتقاء الذكر والأنثى تحت سقف الزوجية الشرعي شرطاً حياتياً، فبعد فرض ترقيع الحياة صار ممكناً لرجلين أن يتزوجا من بعضهما أو إمرأتين ان تتزوجا من بعضهما ويجري العمل على تذليل كل معوقات فشل هذا الزواج المثلي، فالعلم يعمل على تحقيق نتائج الزواج الطبيعي عند المثليين حيث تجري بحوث لتهيئة جوف الرجل ليحاكي في وظيفته رحم المرأة، وتعمل بعض الأنظمة السياسية على إعطاء هذا الترقيع طابعاً رسمياً..
في ظل أجواء الترقيع هذه يدخل مفهوم حرية المرأة مدخلاً حرجاً من شأنه أن يصل بالواقع إلى فهم مغاير لما ينبغي له، فقد توهمت المرأة أن قيادتها للشاحنة وتدخينها الأركيلة في المناطق العامة تعد من علامات تحررها، كما توهم بعضهم حين ظن أن حرية المرأة متعلقة بحجابها وإنها متى ما خلعته بدأت مشوار تحررها، ويتوهم المجتمع حين يظن أن لحرية المرأة محاذير وضوابط لا تنبغي للرجل..
في زمن يُراد فيه اختزال الحياة في برامج الكترونية عالية الدقة والسرعة يُعطى فيها للإنسان رقماً في عالم تظنه التقنية المتطورة آلة ميكانيكية ضخمة يمكن تفكيكها وإعادة تجميع أجزائها بصيغ مختلفة حسب الظروف، والمرأة ذلك المزيج الإنساني العاطفي الذي يمنح الوجود حيويته، ويمتلك وعي الحياة ووعي المصير، تواجه تحدياً قد يصل إلى حدّ تهديد حريتها في عصر تقني يركز اهتمامه على الجسم من بين ثلاثية - الجسم والروح والنفس - التي يقوم عليها وجود الإنسان، ليصل بها حسب دراسات ومشاريع إلى مرحلة الإندماج بالآلة وإنتاج روبوت أنثى يتمتع بنظارة وجهٍ، ونعومة صوتٍ، وعبارات عاطفة ٍ، وحبٍّ وقدرة على المحاكاة حدّ صعوبة التمييز بينها وبين إمرأة حقيقية، عبر معادلات رياضية وبرامج الكترونية تعطي لمفاهيم مهمة مثل الحياة والخلود والحرية معاني جديدة تنحرف عن المألوف في سلم التطور الثقافي والفكري الذي نشأت فيه هذه المفاهيم..
إننا نسعى إلى إقرار نظام عالمي يعتمد لغة إنسانية قواعدها أخلاقية، روحية، نفسية، يبحث في تحرر المرأة من التسلط، وليس نظاماً عولمياً قواعده إعلامية، تقنية، معلوماتية، تبحث في تغيير أنماط سلوك المرأة وملابسها..
إذا كان الإعتقاد في السابق ان كل شيء في الطبيعة آلي عدا الإنسان، فإن الإعتقاد اليوم يمضي بإتجاه مكننة العالم والكون..
طالما تحرك عصر التقنية بعيداً عن الإيمان بخالق الكون الذي عدّه اينشتين " أقوى قوة باعثة ومحركة للبحث العلمي"، فإن إنحرافاً سيمضي بالناس إلى مستقبل مجهول باتت علاماته تظهر، حذر منه كثير من العلماء، وقد يجري اليوم التخلي عن تعريف الإنسان بأنه كائن حي يبني نفسه بنفسه ويبحث عن ذاته بذاته ويكتشف طاقته وقوة وجوده في الحياة بمساعدة محيطه وبيئته، دون الخضوع لتأثير أي شكل من أشكال القوى التي تنتجها ظروف مرحلية في حياته..
في عصر التقنية المتطورة يجري إعطاء مفاهيم جديدة للحياة والموت والحرية والضعف والشيخوخة، فمثلا لا ينبغي فهم الموت على انه نهاية حياة الكائن الحي، بل هو بداية اندماجه بالآلة ودخوله عالم ما بعد الإنسان.. ولا ينبغي تقبل الشيخوخة كأمر طبيعي يقتضيه التقدم بالعمر، بل هي مرض ينبغي إيجاد علاج له بأتمتة الجسم أو بعض أجزاء.. ولا ينبغي للحرية ان تفهم في حدود وعي الوجود والكرامة واكتشاف الذات والقدرات الشخصية، بل هي تمكين الجسم من المتع المتاحة والتفكير بإنتاج متع أخرى يتجاوز بها معاناته التي يفرضها عليه واقع الحال محلياً وعالمياً..
إن عصر التقنية يقوّض بهذا العمل أسساً إنسانية مهمة في المجتمع ويستبدلها بأسس إصطناعية، فهو يعمل على إنتاج روبوتات صغيرة يمكن زرعها داخل دماغ الإنسان لتعمل على توازن منظومته الجسمية ومراقبة نشاطها بشكل يضمن له التخلص من مفاجآت الإصابة بأمراض الجلطة أو السكتة أو ارتفاع ضغط الدم أو مستوى السكر وتبرمج ذاكرته رقمياً بعيداً عن حيوية الشعور والإرتباط بالجذور.. زمننا لم يعد زمن الأسئلة الكبيرة، انه زمن الأسئلة الصغيرة والأجوبة الكثيرة..
لم يعد تعريف التقنية مقتصراً على تعامل الإنسان مع الأجهزة والآلات الضخمة والأدوات والمصنوعات لقد صارت تعنى بمحاولات الإنسان إجراء تعديلات وتغييرات على الأشياء التي يتعامل معها في الطبيعة من أجل الوصول إلى نتائج مفيدة تخدم واقع حياته بظروفها المتقلبة بشكل يضمن حركة بقائه واستمراره في الحياة من خلال المزاوجة بين المعطيات النظرية والتطبيقات العملية للأفكار، فالتقنية كأدوات ووسائل مرتبطة بتاريخ الإنسان وثقافته وتطور حياته بدءاً من اختراع الفأس والمحراث والحرف اليدوية الأخرى وصولاً إلى الصناعة ودورها في تحسين أوضاع معيشته..
تجري اليوم في العالم بوجهيه الواقعي والإفتراضي تغيرات، فيها من الخطورة ما يطال طبيعة التكوين النوعي والنفسي والعقلي للجنس البشري، ويبدو ان مشاريع عالمية كبيرة تقف وراء ذلك فقد وصف مسؤول إحدى دول الغرب الكبرى الأشخاص الذين يعلنون عن رغباتهم في التحول الجنسي أو المثلية بالأبطال، لأنهم تمكنوا من مواجهة مجتمعاتهم وصرّحوا برغباتهم، ويرى بعض أصحاب القرار حول العالمان ما يقومون به من شذوذ يندرج ضمن الحريات الخاصة التي ينبغي إحترامها ودعمها..
إن ما لا يمكن تجاوزه اليوم هو إننا بشكل أو بآخر صرنا ملزمين بالتبعية لحركة العالم في كل المجالات بعد أن أسهمت الماكنة الإقتصادية الصناعية في عصر التقنية ونظام العولمة في معالجة مشاكل كثيرة مثل نضوب المصادر الطبيعية للطاقة، وإرتفاع معدلات الفقر والبطالة، وأزمة الغذاء والماء والتصحر وإحتباس الأمطار وغيرها، كان من أبرز مخاوف المعنيين بدراسة علم الإنسان (الإنثروبولوجيا) هي محاولات تلك المشاريع إعادة برمجة حياة الناس على وفق تقنيات حديثة تخدم عالم الأشياء الذي يندرج فيه الإنسان كرقم الى جانب الكائنات الأخرى..
يرى الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي المتوفى عام 2012م إن كل شيء في نظام العولمة قابل للبيع والشراء وان المفاهيم السلبية كالفساد والشذوذ والإنحراف ستكون من قوانين ذلك النظام..
تحتمل التقنية جانبين. جانب إيجابي، وجانب سلبي.
على الرغم من المخاوف التي أبداها عدد من الباحثين والمفكرين من تداعيات عصر التقنية على إنسانية الإنسان، فإننا نحاول من خلال التقنية التي تمثل روح العصر الذي نعيشه، أن نقف عند مفاهيم مهمة كالحرية، ونبحث فيها من أجل الإنسان العاقل المنتج قبل أن تمضي به التقنية على وفق رؤى مستقبليين ليصبح متحداً بالآلة، وربما متحولاً اليها، أو مندمجاً فيها..
يتهم عصر التقنية بأنه يهيمن على عالمنا بشكل مختلف عن تفكير الإنسان التقليدي القاضي باختراعه الآلة والصناعة لصالح إنسانيته وتحرره وتطوره كمنظومة فكر وقيم وأخلاق، فقد باتت التقنية من خلال ما تقدمه من غزارة الإنتاج وصناعة الخبر وسهولة الوصول إلى المعلومة تهدد الوجود الإنساني وتحيله إلى وجود بشري استهلاكي رقمي يصل بالفرد الى حد فقدان الذات والشعور بالدونية أمام التوقعات المستقبلية في مشاريع الذكاء الإصطناعي الذاهبة باتجاه إنتاج حاسوب شخصي له قدرة ألف دماغ بشري في عام 2029م كما يقول المخترع وعالم الحاسوب الأمريكي" كورزويل"، وترى التقنية إمكانية تحوير الإنسان الحالي أو بعض أعضاء جسمه وإعادة إنتاجها بمواصفات جديدة توفر له فرص البحث في مفاهيم جديدة بشكل مختلف تماماً عن معانيها المعروفة كالوجود والحياة والموت، يقول الدكتور" السكندر لوران " الكاتب في مجال الإنسانية العابرة: " سنملك القدرة التقنية على ترقيع الحياة ولن يمنعنا أي شيء من استخدام هذه القوة "..
بعد النجاح الكبير الذي حققته التقنية المتطورة، ذهبت بعض الأفكار إلى عالم ميكانيكي ضخم يمكن فيه تجميع وتفكيك موجوداته وإعادة تشكيلها وتركيبها وتحويرها حسب الظروف والحاجة.
***
علي علي – كاتب عراقي