كتب واصدارات
د. وميض نظمي وقومية ثورة العشرين
ناقش الدكتور وميض جمال عمر نظمي هذا الموضوع بإسهاب في كتابه: ثورة العشرين / الجذور السياسية والفكرية والإجتماعية للحركة القومية العربية "الإستقلالية" في العراق، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ط4 2020 وهو في الأصل أطروحة تقدّم بها نظمي لنيل الدكتوراه في إنكلترا عام 1974.
أول ما يقفز لذهن القارىء المُطَلّع: ما هي الإضافة التي سيُدلي بها الباحث في هذا المجال؟ فقد أُشبعت "ثورة العشرين" بحثاً من عدد كبير من الكُتّاب كما هو معلوم؟
يُقرّ الباحث ب"خصوصية" حالته:
1- فالعيب الأساسي في أكثر الكتابات عن الثورة أنها كانت "أُحادية النظرة"، تميل لتضخيم دور هذا الفريق أو ذاك من أطراف الحركة الوطنية على حساب باقي العناصر، أو بالأحرى على حساب الحقيقة ص16، وهذا ما يأمل الباحث تجنبه.
2- وبشأن المصادر فهي غزيرة ومتوفرة بالعربية والإنكليزية، لكن ـ كما يبدو للباحث ـ إن أغلب الباحثين العرب لم يتمكّنوا من الإطلاع على المصادر الإنكليزية. في حين إن أغلب الباحثين الإنكليز لم يتيسر لهم الإطلاع على المصادر العربية ص20 .
لن نبالغ إن وصفنا د. نظمي ب"الباحث الألمعي"، فالجدّية والدقة في العرض وإستخدام المصادر، سمة بارزة في عمله. فعندما يُقر ب"قومية" الثورة، فهذا لا يعني الإطلاق أبداً (إن هذا البحث "سيزعم" بأن الثورة كانت قومية حقاً، ولكنها كانت "جنينية" وليست متطورة أو ناضجة بشكل كافٍ) ص18 .
ما هي الأدلة التي قَدّمها الباحث على مُدّعاه "قومية الثورة؟
1- كانت شعارات فصائلها كافة الإستقلال التام والحُكم العربي لكيان عراقي موَحّد مع تَطَلّع الى الوحدة العربية. 2- وحّدَت فصائل كبيرة من الشعب العراقي من طوائف وعناصر مختلفة ضد الإحتلال.
3- كانت إتحاداً بين عشائر مختلفة وتحت شعارات وأهداف جلية.
4- مارست تأثيراً لا يُستهان به في تكوين الكيان العراقي الحديث.
5- أصدرت صُحفاً قومية تُعَبّر عن فكر وطني وقومي واضح.
6- شَكّلت نوعاً من الإدارة الوطنية في المناطق المُحرّرة حيث عُهد إليها بالإدارة وسُلّم إليها أسرى جيش الإحتلال ورُفع فوقها العلم العربي.
7- تفاعلت مع الحركة القومية في الحجاز وسوريا وأحياناً مع مصر.
8- طالبت بملك عربي ورفضت كل المرشحين الأجانب من سواه، ص18 .
الإستنتاج المتوازن سمة بارزة أخرى عند نظمي (لا يجب المبالغة بالقول بأن الثورة كانت قومية محضة، كذلك فإنه من قُبيل التبسيط المفرط الإدعاء المقابل بأنها كانت مجرد إنفجار عشائري فوضوي وعشوائي، أو الزعم بأنها كانت مجرد إستجابة دينية لبعض الفتاوى) ص15 .
يؤمن نظمي ب"المنهج القومي ـ الإجتماعي" أو "القومي ـ الطبقي" في تحليل أحداث التاريخ، وهذا ما يجعل البحث مختلفاً عن كتابات من سبقوه. فالسيدان محمد مهدي البصير وعبد الرزاق الحسني، كانا في تقدير الباحث، أفضل من كتب عن ثورة العشرين ضمن إتجاه قومي عربي. (ولكنهما لم يريا في الثورة سوى العامل القومي والوطني، العامل المثالي والروحي فقط. ولم يتمكنا من أن يريا خلف هذا الشعور القومي، السياسة الإدارية "الوظيفية" والإجتماعية والمالية والضرائبية للإدارة الإنكليزية) ص 23 .
أما "النمط المعرفي" الذي ينهجه الباحث فهو "النسبية والشمولية". فليس هناك ما هو مطلق أو فوق التاريخ في المعرفة الإنسانية، وبشأن الشمولية فهي ليست نقيضاً للنسبية بل مُكملة لها ص25 .
***
بقلم: معاذ محمد رمضان