آراء

رشيد الخيّون: إسرائيل الكبرى ستقابلها فلسطين كبرى.. وماذا بعد؟

كان مقتل رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين (1995) نذيراً بشل ما أتُفق عليه بأوسلو (1993)، ومن نتائجه ظهرت السُّلطة الفلسطينيّة، وظهر أفق لحلِّ القضية الفلسطينية، حسب قرار الأمم المتحدة (242) بعد حرب (1967). وكان مقتل رابين مِن نتائج التعصب والتَّشدد الممزوج بين السّياسة والدِّين، بعدم الاعتراف بحلِّ الدّولتين.

أشار الكاتب والإعلامي سليمان الهتلان في مقال نشرته «الاتحاد» (17 أغسطس 2025): «نتنياهو وإسرائيل الكبرى قراءة في دلالات التحول الصّهيوني»، قائلاً عما صرح به نتنياهو «ليس فقط بسبب طابعه الاستفزازيّ، بل لأنه يعكس توجهاً أعمق في الفكر السّياسي الإسرائيليّ نحو ترسيخ رؤية توراتيَّة، تضع اليهود في موقع شعب الله المختار (إلى قوله): محاولة لإعادة صياغة الرواية الصّهيونيّة».

أقول: كان الأخطر في الشّعار (إسرائيل الكبرى) اليوم، أنه يأتي على لسان رئيس وزراء، ولو كان على لسان داعية ديني أو منظمة لهان الأمر، ففي حال طرحه مِن قِبل رئيس حكومة، فإنه لا يُفهم منه غير التنكر لوجود فلسطيني، وكأن فلسطين لا وجود لها في التاريخ والجغرافيا، مع أنَّ الاسم: فلسطين، وبحر فلسطين، وسُكان فلسطين، والفلسطينيّ، والفلسطينيين، وردت في الكتاب المقدس، العهد القديم، في مئتين وأربعة وخمسين نصاً منه.

أما في التّاريخ العربي الإسلاميّ، قبل أنّ تكون فلسطين ضمن الدّولة العثمانيَّة، وقبل الانتداب البريطانيّ بقرون، كانت كياناً سياسيّاً يُعرف بـ«جند فلسطين»، والجند يعني «البلد»، وله أمراء معروفون. قال هَمَّام بن غالب الفَرزدق (ت: 101هج): «سما بالمهاري مِن فلسطين بعد ما/ دنا الفيء مِن شمس النَّهار فولت» (البَلاذُري، جمل مِن أنساب الأشراف).

هذا، وعندما دخل المسلمون بيت المقدس أو إيليا، وجدوا المسيحيين الفلسطينيين، وجرى التفاوض معهم، وتُركت لهم كنيسة القيامة (البَلاذُّريّ، كتاب الفتوح)، مع وجود اليهود كسكان قدماء، كان عددهم حسب «معجم الكتاب المقدس» الصّادر سنة (1894) مادة «فلسطين»: ستمائة ألف أو ستمائة أسرة، وفي العام (1940) كان عدد السّكان جميعاً مليون وأربعمئة وستة وستين ألفاً وخمسمئة وست وثلاثين نسمة، على مساحة قدرها عشرة آلاف وأربعة وعشرون ميلاً.

هذا، كان عدد اليهود داخل فلسطين قبل خروج بريطانيا (1948)، يوم إعلان دولة إسرائيل، ستمئة وتسعة وعشرين ألف يهودي، وعدد الفلسطينيين مليون وثلثمئة وتسعة عشر ألف نسمة، على المساحة نفسها التي ذكرها «قاموس الكتاب المقدس»، بالكيلومترات، سبعة وعشرون ألفاً وأربعة وعشرون كيلومتراً مربعاً (أكرم زُعيتر، المعارف المصريَّة 1955).

ليست المشكلة مع اليهود الأُصلاء بفلسطين، ولكن مع الهجرة بكثافة إليها، على حِساب الفلسطينيين، فيرى الفلسطينيّ ما علاقة اليهودي الرُّوسي والأميركي والأوكراني والإثيوبي وغيرهم مِن مختلف الشّعوب والأمم بفلسطين، وهذا ما تنبّه له وجهاء الطَّائفة اليهوديّة العراقيَّة، عندما عرض عليهم البريطانيون ما جاء في وعد بلفور، فكان جوابهم: «إنَّ فلسطين مركز روحي لنا، ونحن نساعد المعابد ورجال الدِّين فيها مالياً. لكنّ وطننا هذه البلاد، (العِراق) التي عشنا في ربوعها آلاف السِّنين، وعملنا بها، وتمتعنا بخيراتها. فإذا رأيتم أنْ تساعدوا هذه البلاد وتحيوا اقتصادياتها، وتسندوا تجارتها وماليتها، فإننا نشارك في الرَّخاء العام» (مير بصريّ، تاريخ يهود العِراق في القرن العشرين).

فما هو المسوغ لإلغاء هذا الوجود، فمثل تصريح رئيس الوزراء «إسرائيل الكبرى» سيقابل بشعار «فلسطين الكبرى»، وهذا مطروح ممَن لا يرون وجوداً لإسرائيل مِن الأساس، فما هي مصلحة الشَّعب الإسرائيليّ بمثل هذا الشّعار، أليس توطين وجودها إلى جانب دولة فلسطينية يُنهي هذا الصّراع، الذي بُنيت وتراكمت عليه صراعات، والحقّ الذي ينكره عتاة التّشدد بوجود دولة فلسطينية، ومحاصرة السُّلطة الفلسطينَّية بالمستوطنات، لا يعني أنّ الوضع سيستقر بإسرائيل، والحقّ لا يسقط بالتّقادم، فما زال هناك شعار «إسرائيل كبرى» سيوَّرث شعار «فلسطين كبرى»، وماذا بعد؟ أما المختارون مِن الشُّعوب فكلُّ أتباع ديانة يطرحون أنفسهم كأنهم أهل الله وشعبه المختار.

***

رشيد الخيّون كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم