آراء
عبد الاميرالركابي: اسرائيل المهزومة لماذا ومتى وكيف؟ (5)
في العصر الحديث ثمة شاهد صارخ على تدني الادراكية العقلية البشرية بازاء الظاهرة المجتمعية، تضاف لتلك التاريخيه الكبرى كما ظلت تتمثل في العجز القصوري عن اماطة اللثام عن الازدواجية المجتمعية البدئية، وبالذات عن "اللاارضوية"، وقد تكون للمسالتين صلة ببعضهما نوعا، لكن الفارق بينهما على مستوى الادراكية مختلف، فنحن اليوم في غمرة الادعائية " العلموية" العقلانيه الغربية، وفي ظل مايعتبر"علم الاجتماع" اخر العلوم، ومع هذا يعجز العقل عن ملاحظة بروز مجتمعية لاعلاقة لها بالمجتمعية بما هي تلك التي ظهرت متبلورة قبل حوالي العشرة الاف سنه، والتي استمرت الى اليوم تتفاعل يدويا انتاجويا حاجاتيا، بينما شبه المجتمع القاري الجديد الامريكي، لم يعرف هذا التاريخ، ولاوجد ضمن آلياته وتفاعليته اطلاقا، بما يجعل هذا الموضع "المكتشف" اليوم، ابعد مايكون عن الاكتشاف الجغرافي المتاخر كما هو شائع، لانه بالاحرى خاصية وجودية مجتمعية غير مكتشفه قصوريا عقليا بعد، بما يضعنا امام حالة مستجده آلية حصرا، وخارج مفاعيل الرحم التاريخي كليا من جهه، مثلما يجعلنا بمواجهة ظاهرة اساسية مغفلة، خارج القدرة الادراكية ذاتيا في الموضع المقصود، كما على المستوى الادراكي البشري، مثلما ظلت المجتمعية الازدواجية الاولى الارضوية اللاارضوية مابين النهرينيه.
وليست القارة الامريكيه بلا تاريخ يدوي سابق كمجتمعية، فهي مجتمعية لادولة "الهندي الاحمر" الاحادية كما تشكلت عبر تاريخ المكان، الالة جائت اليوم لتلغيه وتفني من يمثلونه من اهل المكان، مختارة الانتماء العمومي لمن انحدرت منهم "مهاجرة"، لتظل من دون ادراكيه، لالما قد اجهزت عليه وسحقته من اهل المكان، ولا لما قد ترسمت خطاه كما تعتقد، مع انها وجدت وسط هذا القطع مع الماضي واتباع الحاضر المستعار الجاهز، مرتكزة لقوة مفعول الالة، الوسيلة الاساس للوجود، مقرونه بالمنظور الكوني اللاارضوي الابراهيمي(4)، اي المنظور السماوي الرسالي كحالة مجتمعية هي الاكثر انغماسا بما لايقاس في التعبيرية اللاارضوية ومنظورها الرسالي الايهامي، مايجعل منها كيانيه ( آلة + فكرة لاارضوية غير موعاة) والعنصران مستعاران بظل الخرس الاعقالي الذاتي وتعذر الادراكية بما يخص الهوية.
وهنا في هذا الموضع شبه المجتمعي الالي تتجلى التدرجية الالية في خطةتها الاولى، فامريكا ليست اوربا، وهي لكي تصبح حاضرة وتكتمل وجودا فعالا، لاتاخذ الالة او تخصع لها ولاحكامها كما هي وكما تمثلت ابتداء اوربيا كالة "مصنعية"، محكومة لفعل اشتراطات الموروث المجتمعي اليدوي الطبقي الاوربي، بل تذهب الى تحوير العنصر الفعال المستجد والحديث، ناقلة اياه من "المصنعية" الى "التكنولوجيا الانتاجوية"، ذاهبة في الوقت ذاته بالانتاجية الالية من "الكيانيه المحلوية الوطنيه" الى الامبراطورية المعولمه، التي تحول فعل الالة الى نفي للدولة وسيادتها، الى ان تفقد اوربا المتباهية ب ( الدولة / الامه) والنظم الليبرالية الديمقراطية سيادتها، متحولة لمجالات مستباحة للشركات متعددة الجنسية و"سادة العالم الجدد"، الامر الذي يلغي القاعدة الاساس، تلك التي اقيمت في غمرتها اسرائيل اوربيا ابان صعود النموذجية المصنعية التوهمية، في حين تتداخل ازمة الكيان الصهيوني الراهنه ملحقة بالتازم العولمي الامبراطوري الامريكي، مع بلوغ العتبة العولميه واحتداميتها لحظة التفارقية مع الاله، وتدرجيتها المستمرة وقد صار طورها النهائي مابعد التكنولوجي الانتاجوي ضرورة متزايدة الحاحا، ماخوذة بتسارع غير مسبوق.
تتكاثر التوقعات بخصوص"الامبراطورية" الامريكية وقرب نهايتها(5) من قبيل التحسس وبلا ادراكية للاسس والمكونات المختلفة كما مجسدة في مجتمعية اللامجتمعية النافية لماقبلها عمليا وقائعيا بالسحق والازالة، وبمصادرة الرؤية التوهمية، العنصران الغائيان المبيدان لماقبل اي لحصيلة وخلاصة المجتمعية التاريخيه، فامريكا اللاتاريخانيه، بنت الساعة، المفقسه خارج الرحم التاريخي، نموذج الولادة المجتمعية الثانيه الموافقة للانتقالية من الانتاجوية اليدوية الى الالية، هي حالة اجهاز على ماقبلها كمحرك اساس ضمن اليات تشكلها غير المتحققة بعد، اذا كانت قد بدات ب "سنبني مدينه على جبل" حيث الفكرة قبل المجتمعية، وصولا الى العولمه وبشائر الانتقال لمابعد التكنولوجيا الانتاجيوية الحالية، حيث التناقضية بين وسيلة الانتاج وتدرجها ونوع المجتمعية واشكال تنظيمها، بما في ذلك الامبراطوري الرسالي بعد الوطني القومي الكياني الجغرافي الاوربي، وهو ماصار العالم يعيشه اليوم وقد صارت الكيانوية بكل صنوفها من الماضي مع استمرار القصورية العقلية التاريخيه، والعجز عن رؤية ماهو منطو في المجتمعية بالاصل من ممكنات واحتمالات متجاوزة لاشكال التنظيم الحالي الارضوي.
تندفع الكيانوية الرسالوية لشبه المجتمعية الالية تكرارا، وكما في البدء اليوم الى تسييد نوع من نمطية رؤية حاكمه للمجتمعات البشرية، هي ذات الاولى "سنبني مدينه على جبل" مطورة ومعدله بما يحولها الى اطار مافوق امبراطوري، اساسة "الانجيلية المسيحويهودية" وفي الواقع وتجسدا"الترامبو صهيونيه" التي تلحق الاسلام بالدينين المفبركين، الامريكي الانجيلي والصهيوني الاسرائيلي، حيث يلعب "آل سعود" دور تحويل الاسلام، من القبلية السلفية الريعيه، الى الاندراج تحت خيمة الابراهيمه المزورة " الترامبوصهيونيه"، نتاج التازم الاعظم الارضوي لشبه المجتمعية الالية.
تنتقل شبه المجتمعية الامبراطورية الى العجز التلفيقي عندما لايعود المستعار واخذ الجاهز ممكنا، وبالذات الغرب ومتبقياته الايهامية التي تلبستها شبه المجتمعية باعتبارها هي الغرب، ومع العولمه التي هي خارج ارادة من صنعوها محكومين لاليات وقوانين النفاعليه التاريخيه، ماعادت النموذجية الغربية ممكنه حتى بصيغتها التوهمية المصنعية، ذلك في حين ان الموضع الجاري الحديث عنه، بلا قدرة على انتاج منظوره الكيانوي المجتمعي المتلائم مع التدرجية الالية، خصوصا مع التكنولوجيا الانتاجوية الراهنه، حين تصير في اخر، وعند نهايات حضورها قبل الانتقال الى التشكلية الثالثة اللاارضوية، حيث "التكنولوجيا العليا العقلية" مع بدء التفارق بين وسيلة الانتاج وشروط الانتاج المجتمعية، النافية للمجتمعية بصيغتها الحاجاتيه الجسدوية، وقت يصير العقل بموقع الفعالية المستقلة، بعد ان يتحرر من سطوة وحكم اشتراطات الجسدوية الحاجاتيه الملازمه للطور اليدوي من تاريخ المجتمعات، الامر المنوط بالوثبه العقلية الثانيه الهدف الاساس.
وفي حين تاتي الفبركة الابراهيمه القاضية بمحو الاخر واجباره على الخضوع لمنطق الابراهيمه الانجيلية "اليهو/ مسيحيه" المنتهية الصلاحية هي وعموم الابراهيمه، بما هي صيغة التعبيرية اللاارضوية الاولى ضمن اشتراطات اليدوية والغلبة الارضوية الجسدية مجتمعيا، مع القصورية العقلية، لنقف اليوم على باب الزمن الاخرمابعد النبوية الحدسية الابراهيمه الاولى، بمتبقياتها الايمانيه بعد فقد الفعالية، زمن اللاارضوية "العلّية السببية"، التعبيرية الثانيه التحققية، الانتقالية التحولية العظمى.
ـ يتبع ـ
***
عبد الامير الركابي