أقلام فكرية
شيماء هماوندي: الكتابة الفلسفية وعوائق الإبداع الفلسفي
الكتابة الفلسفیة، هي سرد فلسفي لموضوع فكري، وتشخيص ومعالجة للمشكلات الفكرية، والتحديات التي تواجه الإنسان والمجتمع في كل مكان وزمان، إن الكتابة الفلسفية تُعلِم الإنسان كيف يفكر على الورق، وكيف يحول المعلومات من مجرد أفكار ذهنية، الى كلمات مكتوبة، حيث أن الكتب والمقالات والأبحاث المكتوبة يقرأها العديد من القراء، وباحثي الفلسفة وعشاقها، الكتابة الفلسفية هي ليست مجرد جُمل وعبارات رنانة، ومفردات معقدة وصعبة الفهم، والهدف الأساسي من الكتابة الفلسفية هي نقل أفكار الكاتب، ونظرياته الفلسفية، ومعتقداته وأراءه الى أكبر عدد ممكن من القراء، عن طريق الكتابة، فالكتابة الفلسفية هي الناقل الأساسي لأفكار الفلاسفة والكُتّاب وباحثي الفلسفة على مر العصور، وهي المتنفس الحر للتعبير الفكري الفلسفي، الذي يسمح للكاتب بتفريغ آراءه على شكل محتوى، مكتوب، ومطبوع، يستطيع الناس قراءته، والإطلاع من خلاله على أفكار الكاتب وآراءه، ونظرته للكون والعالم والإنسان والمجتمع، لذلك يجب أن تتسم الكتابات الفلسفية بالدقة والصدق في نقل المعلومات الفلسفية التاريخة على سبيل المثال، ولكنها في الوقت نفسه، هي مساحة يعبر فيها الكاتب والمفكر عن ما يجول في خاطره من هموم فكرية وقضايا فلسفية و وجودية، ومن صفات الكتابة الفلسفية الرصانة العلمية ومراعاة الدقة والأمانة الفكرية في إيصال المعلومات والتعبير الفلسفي النقدي ومناقشة الأفكار، من خلال الكلمات المكتوبة، لذلك يجب دائما العمل على مراعاة شروط الكتابة الفلسفية، ولكن هذا لايعني أبداً ان يفتقر النص الفلسفي الى إسلوب عصري مشوق يتماشى مع متطلبات الواقع الجديد، والذائقة الفلسفية للإنسان المعاصر، إن الكتابة الفلسفية تحول الفكرة من نشاط فكري وحالة ذهنية تدور في رأس الكاتب الى نص فلسفي مكتوب قابل للفهم من قبل كل من يقرأه، ولكن هنالك بعض الفروق البسيطة والعميقة في الوقت نفسه بين الكتابة الفلسفية، وباقي انواع الكتابات الأخرى، فعلى سبيل المثال في الكتابة الأدبية يغلب على النص الأدبي عنصر التعبير الأدبي، والإبهار والتشويق، إضافة الى الكلمات والمصطلحات الأدبية، وتكون المقالة ذات طابع أدبي سردي اكثر منه علمي، كالروايات مثلاُ، وفي الكتابة العاطفية تكون العاطفة هي الصفة الأساسية، والنمط الطاغي على النص الكتابي، بينما في النص الفلسفي، والكتابة الفلسفية فإن السمة الأساسية هي التفكير بصدق.
ويحاول الكاتب في طرحه الفلسفي أن يعبر عن رغبته في الفهم، حيث يحاول ان يفهم النص ويناقشه في الوقت نفسه، ومع ذلك يمكن للعمل الفلسفي ان يجمع بين الطرح الفلسفي في الكتابة، والإسلوب الأدبي ذو الطابع العلمي المشوق في النص، بشرط عدم الإخلال بالرصانة العلمية، والدقة في سرد المعلومات الفلسفية.
شروط الكتابة الفلسفية وتعلم التفكير الفلسفي على الورق:
- الفكرة المركزية: تحتاج الكتابة الفلسفية الى فكرة مركزية واضحة، ويشمل ذلك فهم السؤال الفلسفي الذي يحاول الكاتب الإجابة عنه في الكتاب، او المقال الفلسفي.
- النقد الفلسفي الذاتي أثناء الكتابة: يجب ان يكون الكاتب مُدركاً لضرورة إستخدام التفكير النقدي الإبداعي في كتابة أي مضمون فلسفي، لأن ذلك هو بمثابة دعم للفكرة، وإستكمال لنسيج الفهم الفلسفي الذي يعبر عنه الكاتب، كما ان مراجعة النص وتدقيقة، يزيد من رصانة النص، ويقلل من الأخطاء الفكرية والأدبية التي قد يقع الكاتب فيها من حيث طريقة الطرح، والسياق الفلسفي، والموضوع والمضمون.
- البحث عن الحقيقة: الكتابة الفلسفية هي ليست إستعراض للمعلومات، بل هي مواجهة فلسفية بين الكاتب وذاته، والتفكير بصدق، من أجل الوصول الى الحقيقة، فالكاتب الفلسفي لا يكتب من أجل أن يوافق العالم، أو أن يتوافقع مع واقعه، بل يكتب من أجل ان يختبر صحة الأفكار، ووضوحها المنطقي، وفائدتها النظرية والعملية للإنسان والمجتمع.
طرق كتابة المقال الفلسفي
تتعدد أنواع المقالات التي تصدر حول العالم، ولكن المقالة الفلسفية لازالت تتطلب الكتابة وفق إسلوب محدد، ومنهج محدد لإثبات جدية أفكار الكاتب، وجدواها فلسفياً، وتختلف طريقة الكتابة بإختلاف شخصية الكاتب، وتوجههة الفلسفي، وطريقة تفكيره، ونوع الموضوع الذي يكتب عنه، فمنهم من يستخدم الإسلوب السردي والحواري، من خلال عرض الرأي والرأي الآخر، ودعم هذا الرأي بالأدلة والإثباتات الواقعية والعقلية، وهنالك من الكُتاب من يُفضل الإسلوب الإستقصائي، في التعبير عن كتاباتهم، من خلال طرح الفكرة أو المشكلة، ومن ثم عرض الدلائل والآراء بين مؤيدين ومعارضين، ومن ثم نقدها جميعاً، أو بيان الأصلح منها من وجهة نظر الكاتب، وقد يفضل البعض الآخر منهج (اللامنهج)، أو مايسمى (الطريقة الحرة في الكتابة الفلسفية)، والتي تنطلق من طرح موضوع معين، أو مشكلة فلسفية ما، ومن ثم التحري عن حلول منطقية لها، من وجهة نظر الكاتب بعد خط سير طويل من إستعراض الدلائل والآراء المعارضة والمؤيدة، ولكن رغم تعدد وتنوع الأساليب والطرق في كتابة المقال الفلسفي في عصرنا الحاضر، تبقى منهجية الوضوح والأبداع الفلسفي، سمة ضرورية واساسية لكتابة المقال الفلسفي، تساعد على أن يكون للمقالات الفلسفية جمهور واسع من المتخصصين وغير المتخصصين.
عوائق الإبداع في الكتابة الفلسفية
إن الإسلوب الكلاسيكي التقليدي في الكتابة أصبح يشكل عائقاً أمام الإبداع الفكري الفلسفي في الكتابة وطرح المواضيع الفلسفية والقضايا الوجودية، لأنك حين تريد ان تكتب نصاً فلسفيا، يجب أن تراعي فيه الحقيقة والدقة، والأمانة العلمية، والمعلومات الرصينة، بالإضافة الى الإسلوب السردي المُشوق شرط أن لايفقد النص الفلسفي رصانته، وأصالته الفكرية الفلسفية، بل يضيف إليه عنصر الإبداع والتشويق. وهنا يطرح العقل سؤال وجودي مباشر، ماهو الواقع، وماهو دور الكتابة الفلسفية في الحفاظ على ما تبقى لنا من الواقع الحقيقي في زمن هيمنة الكتابة الرقمية، للأسف المجتمع العلمي والفلسفي ما زال ينساق مع الطرق الكلاسيكية الأكاديمية المتوارثة في الكتابة الفلسفية، من دون إدراك ضرورة أن تكون الكتابة الفلسفية قادرة على الأقل على مجاراة الواقع الرقمي، وإعطاء الأفكار الفلسفية الواقعية الأفضلية على الأفكار الغير قابلة للتطبيق، فكل فكرة فلسفية وكل إسلوب فلسفي غير قادرعلى علاج الأزمات الفكرية والنفسية للإنسان المعاصر سيكون مصيرة الإستبعاد، وعدم التقبل من قبل الإنسان المعاصر ذاته، لذلك يجب عدم الإستهانة بوعي الإنسان المعاصر وقدرته على التمييز بين الأفكار القادرة على مساعدته في حل مشكلاته، من الأفكارة العقيمة الغير قادرة على إرشاده نحو سبيل الخلاص من مشكلات الواقع وتحدياته، وأزماته، لذلك يجب على الكتابة الفلسفية أن تحترم عقل القارىء، وتاخذ في نظر الإعتبار حاجته الى حلول حقيقية، لمشكلاته الفكرية والنفسية والإجتماعية، لذلك كل فكرة أوعمل أو مقال فلسفي لا يراعي حاجة الإنسان والمجتمع الروحية، والإنسانية، والواقعية، والأخلاقية، ولا يقدم له حلول حقيقية، لن يحظى بقبول ومكان حقيقي في عالم الفكر الفلسفي المعاصر.
***
شيماء هماوندي
الإختصاص/ الفلسفة والعلاج الفلسفي






