كتب واصدارات
سفيان بامحمد: عرض لكتاب "الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس"
 
			تأليف: أميرة حلمي مطر
يعد كتاب "الفلسفة السياسية من افلاطون الى ماركس" من أبرز الاسهامات العربية في مجال الفلسفة السياسية، حيث قدمت فيه الاستاذة اميرة حلمي مطر عرضا موجزا لتطور هذا الحقل من اصوله اليونانية الى التيارات الاشتراكية الحديثة، صاحبة الكتاب، المولودة بالقاهرة سنة 1930 والمتوفاة صيف سنة 2025، هي أستاذة متخصصة في الفلسفة اليونانية، وخلفت عددا من المؤلفات البارزة التي تشكل مدخلا مهما لفهم الفكر الفلسفي، من بينها:
الفلسفة السياسية: من افلاطون الى ماركس
فلسفة الجمال: اعلامها ومذاهبها
الفلسفة اليونانية: تاريخها ومشكلاتها
مقدمة في علم الجمال وفلسفة الفن
الفكر الاسلامي وتراث اليونان
يحتوي الكتاب على 126 صفحة، ونشر في دار المعارف - القاهرة، الطبعة الخامسة 1995، واعتمدت المؤلفة منهج وصفي لرصد وتلخيص أبرز الافكار المطروحة في الكتاب، مع تقديمها بطريقة مبسطة يمكن لأي قارئ الاطلاع عليها بسهولة، وتهدف هذه الدراسة الى تعريف الباحثين بهذا الكتاب العربي المتميز، ودعوتهم للاطلاع عليه ، وإبراز اهميته كمصدر موثوق لفهم تطور الفلسفة السياسية عبر العصور، مع تقديم محتواه بايجاز واقتضاب وطريقة منهجية وواضحة تساعد على فهم المبادئ والافكار الاساسية للفلاسفة من افلاطون الى ماركس.
افتتحت الكاتبة الكتاب بسؤال جوهري: ما هي الفلسفة السياسية؟ وأوضحت أن وظيفتها هي تنظيم القوة عقلانيا عبر الدولة من اجل تحقيق قيم العدل والحرية، وأكدت أن الفلسفة السياسية نشأت من تفاعل مباشر مع الواقع، وأنها رغم تطورها المعاصر الذي يميل الى تحليل اللغة والنظرية، ما زالت تحتفظ بالطابع المعياري الذي يهدف لتحقيق قيم مثل العدالة والحرية.
قسمت الكاتبة الكتاب إلى جزئين رئيسيين:
الجزء الأول: مع العصر اليوناني والإسلامي
الجزء الثاني: العصر الحديث
الجزء الأول: العصر الكلاسيكي والإسلامي
من خلال هذا الجزء، حاولت الكاتبة رصد أهم الأفكار والمفاهيم السياسية لدى الفلاسفة الكلاسيكيين والإسلاميين، مع تقديم لمحة تاريخية عن سياق كل فكر.
أفلاطون
ركزت الكاتبة على فكرة العدالة باعتبارها انسجاما بين طبقات الدولة الثلاث: الحكام الفلاسفة، الحراس، والمنتجون، وأبرزت أن أفلاطون دعا إلى حكم الفلاسفة لإدراكهم الخير العام، وأن القانون العادل يجب أن يكون فوق الجميع. كما عرضت مساهماته في الجمع بين الملكية والديمقراطية، وأهمية الرقابة على الفضيلة لضمان استمرار العدل في الدولة الفاضلة.
أرسطو
عرضت الكاتبة أفكار أرسطو حول الدولة باعتبارها كيان طبيعي يهدف إلى سعادة المجتمع بأسره، كما أكدت على أهمية التربية منذ الصغر للجسم والعقل والأخلاق والفنون، وضرورة تحقيق الاعتدال في الحكم، مع مراعاة المشاركة الفعالة للمواطنين الصالحين واحترام القانون كضمان للحكم العادل.
الفارابي
تطرقت الكاتبة إلى نظرية الحاكم الفاضل، الذي يسعى لتحقيق السعادة والعدل في المدينة الفاضلة، مع ضرورة الجمع بين العقل والشريعة لتوجيه المجتمع وتحقيق الخير العام.
ابن خلدون
أبرزت الكاتبة أهمية الدين والشريعة كأساس لاستقرار الحكم، مع التمييز بين السياسة الشرعية والسياسة العقلية الدنيوية. كما تناولت تحليل العمران البشري والمجتمع بطريقة علمية، مع دراسة تطور المدن والمجتمعات وفق قوانين موضوعية، مما يجعل أفكاره رائدة في الفهم الواقعي لتطور التاريخ والمجتمع.
الجزء الثاني: العصر الحديث
انتقلت الكاتبة في هذا الجزء لتقديم عرض لأبرز التحولات الفكرية الحديثة، مع التركيز على أفكار هوبز ولوك وتأثيرها على الفكر السياسي اللاحق، كما تناولت الإرهاصات الأولى للاشتراكية قبل ماركس ومعه.
توماس هوبز
ركزت الدراسة من خلال هذا الفصل على العقد الاجتماعي عند هوبز، حيث يتنازل الناس عن سلطتهم لصالح سلطة عليا مطلقة ("الليفياثان") لضمان الأمن والنظام، ورأى أن حكم الفرد المطلق أفضل من الفوضى.
جون لوك
في هذا الفصل تم عرض أفكار لوك حول الحقوق الطبيعية للإنسان والحريات الفردية، مع ضرورة فصل السلطات، وحق الشعب في الثورة إذا انحرفت الحكومة عن خدمة المصلحة العامة، وحماية الملكية باعتبارها حقا طبيعيا.
هيغل
سعت الكاتبة إلى إبراز فلسفة هيغل التي ترى التاريخ حركة عقلية نحو الحرية، وأوضحت أن الدولة عنده أسمى تجليات الروح الإنسانية، وأن القانون شرط للحرية، وأن الدولة تجسد الإرادة العامة. كما تناولت الكاتبة منهجه الجدلي القائم على التناقض والحركة، وفلسفة التاريخ التي تجعل الصراع محركا أساسيا للتقدم نحو وعي الحرية.
ماركس
في هذا الفصل استهلت الكاتبة حديثها بتعريف الاشتراكية ووضع أساس لفهمها كنظام يسعى للعدالة والمساواة عبر الملكية العامة أو الجماعية لوسائل الإنتاج، ثم عرضت تطور الفكر الاشتراكي قبل ماركس من خلال مبشرين مثل توماس مور وروبرت أوين وفورييه، مع توضيح محاولاتهم التطبيقية لتوزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية. بعد ذلك عرجت للحديث عن ماركس، حيث تناولت الماركسية كنظرية ترتكز على المادية التاريخية وصراع الطبقات، وشرحت كيف يعتبر ماركس أن الاقتصاد هو أساس المجتمع، مع التركيز على أهمية نظرية فائض القيمة وثورة البروليتاريا كمرحلة انتقالية نحو المجتمع الشيوعي القائم على المساواة والتعاون، تحت شعار، من كل حسب قدرته، إلى كل حسب حاجته.
خاتمة
ختاما، يمكن اعتبار هذا الكتاب عملا ناجحا في تتبع مسار الفلسفة السياسية بلغة واضحة ومركزة، دون الغوص في التفاصيل التاريخية أو الأحداث، حيث ركزت الكاتبة على أعلام الفلسفة السياسية لتوضيح جذور الأفكار والمبادئ العقلية التي بنيت عليها نظريات الحكم والعدل، ومن هذا المنطلق تم اعتماد مصطلح الفلسفة السياسية لتقديم رؤية عقلية ومنهجية لفهم الأسس النظرية التي قامت عليها الدولة والسلطة عبر العصور. ويشكل هذا العمل مساهمة نوعية في ترسيخ الفهم النظري للفلسفة السياسية، ونقطة انطلاق مناسبة للطلاب والباحثين الراغبين في التعمق في هذا المجال.
***
سفيان بامحمد - باحث في العلوم السياسية والقانون العام.






