مقدمة: بالاضافة الى كتابه (زن وفن صيانة الموتورسايكل)، نشر روبرت بيرسج كتابه عام 1991 (قصة ليلا Lila: تحقيق في الاخلاق). كتابه الاول يُعد من أشهر كتب الفلسفة في الوقت الحالي، حيث بيعت منه ملايين النسخ في 23 لغة. كلا الكتابين يشكلان قصة او لغزا بوذيا صُمم ليعطي فهما للخير(او كما يقول بيرسج، للنوعية) دون وضعها في تعريف جامد. بيرسج فيلسوف وكاتب امريكي، لكنه عاش لعدة سنوات كطفل في انجلترا في بداية الثلاثينات من القرن الماضي ثم عاد لاحقا الى انجلترا في أواخر السبعينات ليعيش في قارب على ساحل كورنويل. هو ايضا كتب الكثير في كتابه الثاني في السويد، مكان ولادة جدته. كان بيرسج منغلقا، على سبيل المثال، لم يرد على أي مكالمة هاتفية. هو أوضح سلوكه هذا: "الكاهن البوذي كانت لديه قاعدة للسلوك ضد الانغماس في المحادثات الكسولة، وهذا هو ما يحفزني".
يمكن تعقّب بدايات ميتافيزيقا النوعية الى عام 1959 عندما كان بيرسج معلما للانجليزية في امريكا. كمحاضر جديد، هو لاحظ في ظل مسؤوليته القانونية تعليم "النوعية لطلابه حتى لو لم يكن واضحا لإدارة الكلية معنى المصطلح". حالا أدرك بيرسج ان المدرسين كانوا يمنحون الطلاب درجة النجاح او الفشل وفق نوعية عملهم لقرون طويلة بدون أي تعريف واضح لـ "النوعية". هذا دفع بيرسج للبدء في التحقيق الفلسفي.
في كتابه زن وفن صيانة الموتورسايكل، استطلع بيرسج تاريخ كلمة "النوعية" او ما أطلق عليه اليونانيون القدماء darete متعقبا المصطلح الى زمان افلاطون (428-348 ق.م). هو استنتج ان الوضع الغريب للنوعية في الغرب اليوم نشأ مع تقسيم افلاطون لروح الانسان الى مظهرين للعقل والعاطفة، في حوار فودو، أعطى افلاطون أولوية كبرى للعقل على العواطف. وبعده حالا كان ارسطو وبنفس الطريقة يؤكد على التحليلات بدلا من البلاغة. بالنهاية تطور هذا التقسيم الى "ذاتي مقابل الموضوعي" كطريقة في التفكير تسيطر حاليا في الغرب. لذا يسود الان في الغرب موضوعية، عقل، منطق وديالكتيك من جهة، وذاتية، عاطفة، خيال، بديهة، وبلاغة من جهة اخرى. العبارات الاولى تقترح الاحترام العلمي، بينما الثانية يُفترض عادة ان تكون عبارات فنية لها حيز ضيق في العلم او العقلانية. هذا التصور الافلاطوني للعقلانية هو الذي سعى بيرسج لتحدّيه من خلال التوفيق بين عوالم الروحي (زن مثلا)، الفني (الفن) والعلمي (صيانة الموتورسايكل) ضمن نموذج موحد من ميتافيزيقا النوعية. توفي بيرسج عام 2017 عن عمر ناهز 88 عاما .
ميتافيزيقا النوعية
يتأمل روبرت بيرسيج بان كل شيء في الوجود يمكن افتراضه كقيمة (مع انه يقسم القيم الى صنفين كما سنرى). وبما ان نظامه يختلف عن الميتافيزيقا الغربية التقليدية بجعله القيم الاساس النهائي للواقع، فلابد من عدم الاستغراب من ان تكون لهذا نتائج راديكالية نسبيا حول وصفه للواقع.
في كتابه ( Lila،تحقيق في الاخلاق الصادر عام 1991) يضيف بيرسيج التالي:
" التجريبية، تدّعي بان كل المعرفة البشرية الشرعية تبرز من الحواس او من التفكير القائم على ما تعرضه الحواس. معظم التجريبيين ينكرون صلاحية أي معرفة مكتسبة من خلال الخيال، السلطة، التقليد، الدين، او الميتافيزيقا باعتبارها غير مثبتة بالدليل. ميتافيزيقا النوعية تختلف عن هذا من خلال القول ان قيم الفن والاخلاق وحتى الصوفية الدينية يمكن إثباتها وانها في الماضي جرى استبعادها لأسباب ميتافيزيقية وليست تجريبية. انها جرى استبعادها بسبب الافتراض الميتافيزيقي بان كل الكون مؤلف من ذاتي وموضوعي وان أي شيء لايمكن تصنيفه كذات او شيء هو غير واقعي. لا وجود لدليل تجريبي لهذا الافتراض أبدا" (ص121).
يجدر التأكيد هنا ان "الذات " و الموضوع subject&object هي مفاهيم فكرية وليست مفاهيم مشتقة من التجربة. لسوء الحظ، هذه المفاهيم زُرعت فينا من عمر مبكر، لذا نحن نقبل عموما صلاحيتها بدون سؤال. لكن هذا في الحقيقة مجرد عُرف ميتافيزيقي. سيقول بريسيج ان الواقع يمكن تقسيمه ميتافيزيقيا بعدد هائل من الطرق: انها فقط مسألة طريقة أفضل من اخرى.
لذا، بدلا من تقسيم كل شيء الى ذوات وأشياء، يقسم بيرسيج الواقع الى نوعية ديناميكية (تُكتب قصدا بحرف كبير) ونوعية ثابتة. "النوعية الديناميكية" هي المصطلح الذي يعطيه للتدفق المتغير باستمرار للواقع المجرب مباشرة، بينما "النوعية الثابتة" تشير الى أي مفهوم تم تجريده من هذا التدفق. مصطلح "داينامك" يشير الى شيء غير ثابت، والذي يعني ان النوعية الديناميكية لايمكن تعريفها، ولذلك فان الفهم الحقيقي لها يمكن ان يحصل فقط مباشرة من خلال تجربة. وكما يقول هربرت غونتر في كتابه (الفلسفة وعلم النفس في الأبيدلارما،1957)، "النهائي، في البوذية، هو شيء ممكن معرفته، مع انه لا يُعرف بواسطة النظرية او الطريقة الاستطرادية، وانما بالتجربة المباشرة (ص235). بكلمة اخرى، البوذي لايستطيع ان يقول لك ما هي النوعية الديناميكية، وانما هو يستطيع الاشارة الى الطريقة لكي تستطيع ممارستها لنفسك، ومن ثم ستفهم ذلك. او كما كتب بيرسج في رسالة الى أنتوني ماكوات Antony Mcwatt في 6 اكتوبر عام 1997:
"من المهم إبقاء جميع المفاهيم خارج النوعية الديناميكية. المفاهيم هي دائما ثابتة . حالما تدخل الى النوعية الديناميكية فهي سوف تتجاوزها وتحاول تجسيدها كنوع من المفهوم ذاته .. فمثلا الزمن هو فقط مشكلة للافلاطونيين لأن الزمن ليس فيه صفات الشيء لذا يجب ان يكون ذاتيا. واذا كان الزمن ذاتيا ذلك يعني ان قوانين نيوتن في التعجيل والعديد من قوانين الفيزياء الاخرى هي ذاتية. لا أحد في العالم العلمي يسمح بذلك. كل هذا يشير الى اختلاف ميتافيزيقي اساسي كبير جدا بين ميتافيزيقا النوعية والعلم الكلاسيكي: ميتافيزيقا النوعية هي في الحقيقة تجريبية. العلم ليس كذلك. العلم الكلاسيكي يبدأ بمفهوم عن العالم الموضوعي – الذرات والجزيئات – كواقع نهائي. هذا المفهوم هو بالتأكيد نال الدعم من الملاحظة التجريبية لكنه ليس الملاحظة التجريبية ذاتها".
في كشفه الميتافيزيقا النوعية للاصول الأسيوية الشرقية، يعلن بيرسج في رسالة اخرى الى انتوني في 17 اغسطس 1997، ان النوعية الديناميكية تشير الى ما يسميه بوذا "الواقع غير المشروط"، اما النوعية الثابتة تشير الى "الواقع المشروط" – يُعرف بشكل شائع لدى البوذيين "العالم اليومي":
"النوعية الديناميكية التي تذهب وراء الكلمات هي التي تركز عليها تعاليم زن باستمرار ..."الغير مختلف" ربما يعمل ايضا ما عدى ان "الغير مختلف" يقترح بان لاشيء هناك وكل شيء هادئ. لاشيء هناك، اي،بمعنى "لا شيء" no object، والبوذيون يستعملون اللاشيء بهذه الطريقة، لكن مصطلح داينمك هو اكثر انسجاما ضمن الاقتباس، "ضمن اللاشيء هناك عمل كبير"، في ضوء تعاليم زن و كاتيجيري روشي ... يمكن القول ان الخطأ الأساسي للوضعيين المنطقيين هو الافتراض بانه بسبب ان الفلسفة هي حول الكلمات لذلك هي حول الكلمات وحدها. هذه هي مغالطة "التهام" قائمة الطعام بدلا من الطعام". جدالهم التكتيكي الشائع هو القول ان أي شيء لا يتغذى من صندوقهم الصغير للتحليلات المنطقية هو ليس فلسفة. لكن اذا كان النقاش حول "الخير"(والذي هو أساسا وراء الكلمات) ليس فلسفة عندئذ فان سقراط ليس فيلسوفا، طالما ذلك هو موضوعه الرئيسي".
لا يشير بيرسج في "النوعية الثابتة" الى شيء يفتقر للحركة بالمعنى النيوتني لـ "الثابت" static (هو يتفق على ان كلمة "مستقر" كانت أفضل بسبب هذا الغموض)، وانما يشير الى أي ترتيب مكرر – اي، الى اي شكل يظهر لفترة طويلة بما يكفي لكي يُلاحظ ضمن تدفق التجربة المباشرة - سواء كانت غير عضوية (على سبيل المثال،القوى الكيميائية) ، او عضوية (نبات، حيوان)، اجتماعية (مدن، أعشاش النمل)، او فكري (افكار، آراء).
التطور الكوني Cosmological Evolution
هذه الأشكال الثابتة للنوعية مشابهة الى كل من الموضوع والشيء، لكنها مشابه فقط. نماذج النوعية الثابتة تتصل مع بعضها بطرق غائبة عن ميتافيزيقا الموضوع والشيء. فمثلا، ميتافيزيقا النوعية تعترف بان الأصناف الأربعة للنماذج الثابتة التي طرحناها أعلاه هي متصلة من خلال التطور الكوني. لو أخذنا الانفجار العظيم Big Bang كنقطة بدء للكون، في تلك النقطة من الزمن كانت هناك فقط نماذج نوعية غير عضوية، أي، قوى فيزيائية. منذ ذلك الحين، وفي مراحل متعاقبة من تاريخ هذا الكون، تطورت النباتات والحيوانات من نماذج غير عضوية، والمجتمعات تطورت من نماذج بايولوجية، اما الفكر فقد تطور من المجتمعات: "الكون يتطور من ظروف نوعية واطئة الى نوعية أعلى وفي المعنى الثابت هذين النوعين هما ليسا ذات الشيء" (رسالة من روبرت بيرسج الى انتوني ماكوات في 23 مارس 1997). وكما كتب الكوني ادوارد كولب مرة، "في التحول الاكثر اسطورية للطبيعة، طوّر الكون مقدرة على تأمل وفهم ذاته". (علم الفلك، شباط، 1998،ص37).
ان التطور الكوني، الذي هو فكرة أوسع من التطور البايولوجي، يُعتبر هاما في ميتافيزيقا النوعية، طالما يمكن انتاج شفرة الاخلاق من مستويات اساسية أربعة لنماذج النوعية.
رغم ان بيرسج يعترف بان كل مستوى من النماذج الثابتة برزت من النموذج الذي هو في الاسفل، فان كل مستوى يتبع قواعده الخاصة. قوانين الفيزياء مثل قوة الجذب الارضية (غير عضوي) تتطور نسبيا ببطء، بينما قوانين الغابة (بايولوجي)، والتعاون بين الحيوانات (مجتمع)، وافكار الحرية والحقوق (فكر) تتطور أسرع نسبيا. من المهم ملاحظة ان قوانين المستويات الاربعة الثابتة احيانا تتصادم: قارن الزنا (الخير البايولوجي) مقابل استقرار العائلة (الخير الاجتماعي). ايضا من المهم ملاحظة ان ميتافيزيقا النوعية لا تقترح ان هذه العمليات التطورية هي بأي حال من الاحوال موجهة نحو هدف او جزء من تصميم عظيم. وكما يذكر ارنست ماير الاستاذ المساعد في دراسة الحيوان في جامعة هارفرد: " المؤيدون للنظريات التيلولوجية (الغائية) في التطور، مع كل الجهود التي بذلوها، كانوا غير قادرين على العثور على أية آلية (ماعدى آلية الخارق للطبيعة) يمكن ان يفسروا بها غائيتهم المفترضة. امكانية وجود أي من هذه الآليات جرى استبعادها حاليا وفق استنتاجات بايولوجيا الجزيئات. (العلمية الامريكية، "طبعة التطور"،سبتمبر 1978).
مع ذلك، ميتافيزيقا النوعية تتبع فعلا شكل من "بقاء الأصلح" الدارونية، حيث "الأصلح" مساوي لـ "الأحسن". وكما يشير بيرسج في ليلا: "بقاء الأصلح" هو احد تلك العبارات المفهومة .. التي تبدو أفضل عندما لا تسأل انت ماذا يعني بالضبط. أصلح لمن؟ أصلح للبقاء؟ هذا يُختزل الى "بقاء الناجين"، والذي لا يقول أي شيء. "بقاء الأصلح" يكون ذا معنى فقط عندما يتساوى "الأصلح" مع "الأحسن"، والذي هو "النوعية" (ص179).
في هذا السياق، يشير "الأحسن" عموما الى الخيار الذي ينتج أعظم حرية بالنسبة لقدرة الوجودات على التكيف مع المواقف الجديدة. هذا ربما يُقال نوعية بيرسج المساوية "للخير" لدى افلاطون. وهي زيادة في الحرية على طول الطريق: مثلا، الذرات يمكن ان تغير مستويات طاقتها عبر اطلاق فوتون، الديدان يمكن ان تسيطر على سرعتها واتجاهها خلال الارض، الطيور قادرة على الطيران في السماء، بينما رواد الفضاء ينجحون في الوصول للقمر.
هذه هي النقطة التي تبدأ عندها ميتافيزيقا النوعية بالابتعاد عن الفكر البوذي التقليدي وتحديثة:
"تقول ميتافيزيقا النوعية، كما تفعل البوذية، ان أحسن مكان على عجلة العربة هو المركز وليس الحافة حيث يغير المرء اتجاهه بفعل دوران الحياة اليومية. لكن ميتافيزيقا النوعية ترى عجلة الكارما مثبتة في العربة التي تذهب الى مكان ما – من قوى الكوانتم عبر قوى لاعضوية ونماذج بايولوجية ونماذج اجتماعية الى نماذج فكرية تتأمل في القوى الكوانتمية. في القرن السادس قبل الميلاد في الهند كان هناك دليل على هذا النوع من التقدم التطوري، والبوذية لم تنتبه له. اليوم من غير الممكن ان تكون هكذا غير واعية. المعاناة التي يعتبرها البوذيون فقط تلك التي يُهرب منها، يُنظر اليها من جانب ميتافيزيقيي النوعية مجرد جانب سلبي للتقدم نحو النوعية ( او التوسّع في النوعية). بدون المعاناة في دفع العربة، فهي سوف لن تتحرك للامام ابدا".
(رسالة من روبرت بيرسج الى انتوني ماكوات ،23 مارس 1997).
أخلاق النوعية
تضم أخلاق النوعية أربعة مستويات من النماذج لتنتج اطارا أخلاقيا شاملا ذو هرم تطوري كوني، تأخذ فيه العملية التي تمتلك مزيد من الحرية في الميزان التطوري – الأكثر ديناميكية – أولوية أخلاقية. لذا على سبيل المثال، الانسان يُنظر اليه ذو أسبقية أخلاقية على الكلب لأن الانسان في مستوى أعلى في التطور الكوني بسبب تفكيره. لذا، مع تحديث بعض الافكار البوذية في ضوء العلم الحديث، فان الفائدة النهائية من ميتافيزيقا النوعية هي انه عبر إزالة الأخلاق من العرف الاجتماعي ووضعها في نظرية للتطور قائمة على العلم، ستزيل الكثير من الذاتية الثقافية المتأصلة في العديد من المعتقدات الأخلاقية (خاصة الدينية). وحول هذا،يعطي بيرسج المثال التالي:
"هل من غير الأخلاقي، تناول اللحوم لدى الهندوس والبوذيين؟ أخلاقنا الحالية ترى انه غير اخلاقي فقط اذا كنت هندوسيا او بوذيا. والاّ فهو جيد طالما ان الاخلاق ليست أكثر من عرف اجتماعي. الاخلاق التطورية، من جهة اخرى، تقول انه من غير الاخلاقي علميا على كل شخص القيام بذلك لأن الحيوان في مستوى أعلى من التطور، أي، اكثر ديناميكية من البذور والفواكه والخضراوات. لكن نضيف ان هذا المبدأ يصح فقط عندما تكون هناك وفرة في الحبوب والفواكه والخضراوات. سيكون غير أخلاقي للهندوس ان لا يأكلوا أبقارهم في وقت المجاعة، طالما هم سيقتلون الانسان مفضلين عليه كائن أدنى" (Lila، ص190/191).
كذلك، عبر استخدام رؤية كلية شاملة منذ بداية الكون، فان ميتافيزيقا النوعية تنتج حلولا جديدة للمشاكل الميتافيزيقية المستعصية السابقة، بما في ذلك العلاقة بين الذهن والمادة ومشكلة السببية ومشكلة الرغبة الحرة مقابل الحتمية. على الأقل اثنان من هذه المشاكل يمكن حلها عندما يتم تطبيق الاتجاه التطوري عليها ( يمكن مراجعة رسالة الدكتوراه للكاتب روبرت بيرسج www.robertpirsig.org/phd.html ). رغم ذلك، هناك من يقول ان الميتافيزيقا التي تنطوي على مصطلح مركزي لم يُعرّف – النوعية الديناميكية – هي ليست ميتافيزيقا حقيقية. وبنفس المقدار يمكن الجدال ان قوة ميتافيزيقا النوعية هي قدرتها على دمج "المطلق الغير محدد" في نموذج متماسك وموجّه علميا.
استنتاج
افلاطون كان واثقا بعض الشيء من مدى الفائدة العملية لنظريته في الأشكال. التساؤل الذي يُطرح هو هل فكّر ان استاذه سقراط ربما كان يلمح له ولعدد آخر من تلامذة الفلسفة في اثينا بان الخير والجمال هما في الحقيقة لا يمكن تعريفهما؟ فكرة الأشكال كانت قد اختُرعت بواسطة افلاطون وليس سقراط. لسوء الحظ، كنتيجة للتفكير الافلاطوني بان الواقع يمكن تعريفه أساسا، اصبحت الفلسفة الغربية في الحالة التي هي عليها اليوم: اكثر دعما للعلم بدلا من سيّده. افتراض ان الكلمات يمكنها فهم كل مظاهر الواقع هو خطأ قابل للفهم لو حصل في بداية التقليد الفلسفي الغربي .. لكن هذا الخطا الميتافيزيقي جرى تجنّبه من جانب فلسفة شرق اسيا.
انظر في مقارنة افلاطون لجهل الكهف والهروب منه ليرى شمس الخير، ثم قارنه مع الاقتباس التالي:
"ليس بشروقها يكون الضوء،
ليس بهبوطها يكون الظلام
لا ينقضي، مستمر
انه لا يمكن تعريفه ...
صورة اللاوجود...
قابلْه سوف لن ترى وجهه
اتبعه فسوف لن ترى ظهره".
(دايو ديجنك، لاوزي، مقتبس في ZMM ص253-54.)
لو فكرت طويلا فسوف لن ترى وجودا لـ "كهف الجهل" حتى وضع افلاطون الثقافة الغربية داخل ظلام ميتافيزيقاه لمدة 2400 سنة. لحسن الحظ، ان روبرت بيرسج في النهاية وجد مصباحا ميتافيزيقيا لجعلنا نحن الغربيين نخرج من هناك ... مع ذلك، لايزال بيرسج يكن احتراما هاما جدا لإفلاطون (على الاقل كان موضوع افلاطون الرئيسي هو الخير). هذا الاحترام اشير اليه في مساهمات بيرسج الاخيرة للفلسفة والتي كانت تقديم لكتاب دونالد مور (قهوة مع افلاطون،2007).
كذلك، وكما أشار جيف شيهان في مقالته المثيرة "سقراط و زن" في الفلسفة الان عدد 113، يجب ملاحظة ان سقراط يشبه زن في اتجاهه في كيفية تعريف الاشياء. شيهان يكتب، "سقراط يبحث عن المعرفة، وربما من الأفضل القول انه يبحث عن الحكمة، ذلك ان القيم في السؤال ليست فقط مسألة فكرية وانما هي قيم يجب ان تُعاش. من وجهة نظر سقراط، الانسان الذي يدّعي معرفة الشجاعة و لا يتصرف بشجاعة سيثبت انه لا يعرف ما هي الشجاعة". أي، فقط القيم المُعاشة هي التي تعطيك الحكمة. جون بلوفيلد John Blofeld المترجم الانجليزي الشاب في الصين في الثلاثينات، قابل طاويا كبير السن يسمى Tseng Lao-weng، الذي كان سريعا في إبلاغه عن هذا الفرق بين الحكمة في شرق اسيا والمعرفة الفلسفية الافلاطونية" : "الحكمة تكاد تكون مُقنعة مثل العصيدة الجيدة، بينما المعرفة لها تأثير أقل من الماء الفاتر المسكوب على أوراق شاي قديمة".(جون بلوفيلد، السر والسمو: اساطير طاوية وسحر،1973،ص208).
بدلا من محاولة تعريف الجمال والخير بكلمات، ربما يجد الافلاطونيون طريقة اكثر انتاجية لإيجاد الحكمة حول هذه "الأشكال المجردة من الشكل" من خلال الرسم، تسلّق الجبال، كتابة قصيدة، حل نظرية رياضية صعبة، خلق اغنية. فوق كل هذا، هذه العملية يجب النظر اليها كمغامرة في خلق واكتشاف أشياء جميلة. النصوص اللاافلاطونية يمكن ان تكون مرشدا مفيدا في هذا السياق. مثال جيد على ذلك يتضمن F.S.C. Northrop، Homer، Nagarjuna،القساوسة الطاويون الذين اقتبس منهم جون بلوفيلد وكذلك روبرت بيرسيج ذاته.
***
حاتم حميد محسن
....................
Quality Metaphysics: Robert Pirsig and his Metaphysics of Quality, Philosophy Now, April/May 2024