أقلام فكرية
رائد عبيس: حقوق الطفل بين النظريات الفلسفية والقوانين
في كتاب الجمهورية لأفلاطون كان يدعو الى شيوعية الأطفال أي ان يكون الأطفال تحت رعاية الدولة، وهي التي تتكلف بتربيتهم ونشأتهم حتى يمتلكوا شعور الولاء للدولة، وحتى تتولد عاطفة جماعية اتجاه الأطفال من قبل المجتمع، وكذلك تعامل معهم ارسطو اذ جعل تفكير الأطفال بمستوى تفكير العبيد ؛ لأنه تفكير سطحي ويفتقر للحكمة والمنطق ولا يستحق الاهتمام، وفرق كذلك بين أبناء الطبقة السفلى، والمتوسطة، والعليا، وهي طبقة العبيد، والطبقة البرجوازية، والطبقة الحاكمة النبلاء، وتلقي التربية والتعليم الجيد يجب ان تكون أولويته لأبناء الطبقة الوسطى والعليا للمجتمع.
وفي العصر الوسيط كان التعامل مع الأطفال على أسس دينية واحكام قبلية، تستند بعضها الى المتوارث من الأفكار، والتقاليد الاجتماعية التي تضيع كثير من حقوق الطفل. وفي العصر الحديث بدأت الأفكار التنويرية تلقي بظلالها على طبيعة التفكير في الطفل وتربيته ونشأته ومستقبله، وذكر عن روسو مقولته "يا معشر الفلاسفة اننا نجهل الطفولة" في اشاره الى الإهمال التاريخي في التعامل مع الطفل وحقوقه، وهي بمثابة دعوة الى العناية بالطفل على وفق النظريات الحديثة، والتنويرية الضامنة لحقوق الطفل، ورعايته من قبل أبويه رعاية واعية. وبعدها تطورت النظريات الناظرة في نشأة الطفل وتربيته والعناية به ضمن نظريات سلوكية، ونظريات النمو، ونظريات التربية، وقدمت كل من النظرية الماركسية، والنظرية البركماتية، والنظرية الفرويدية، والنظرية النازية، أفكار عن الطفل وكيفية تربيته بما يتلائم مع التوجهات الفكرية والسياسية والأيديولوجية، اذ انها ابتعدت أيضا عن التعامل مع الطفل على أساس برائته وفطرته، وأدخلته في الحسابات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتجارية. مثل : استغلال النازية لنظريات تطوير النسل لصالح الأيديولوجية الألمانية النازية.
أما المحور الثاني فتحدثنا فيه عن القواعد التأسيسية في تكوين الأطفال، وانجابهم، وتربيتهم، وصولاً الى مرحلة البلوغ، وتطرقنا الى خطورة النظريات البايولوجية المعاصرة التي تتحكم بالجينات والرحم، والنطف، وعقاقير النمو، ومعالجة أمراض الطفولة، وتطوير مهارات الأذكياء منهم، وهي ما كانت محط اهتمام مباحث البيوتيقا ودراساتها المعمقة لكل المشاكل الناتجة عن تطور الأبحاث البايولوجية على حساب كرامة الإنسان ومستقبل الطفل البايولوجية، وبقدر ما قدم العلم والبايولوجيا أفكار وتطبيقات مفيدة في خدمة البشرية وسلامة الطفولة، بقدر ما اضرت به من خلال التوظيف غير الصحيح لكل التفوق البحثي والصناعي والتكنولوجي للتحكم بالبيوض، والنطف، والجينات، والنمو، والوعي عند الأطفال ونشأتهم.
فالقواعد التأسيسية لإنجاب الأطفال وهي مرحلة تأسيسية تنطلق من غريزة الأمومة، أو الأبوة، أو من فكرة انجاب الأطفال لأهداف خاصة لكل فرد من افراد المجتمع، احدهم يريد ان ينجب أطفال بدوافع اقتصادية أي يريد من الطفل ان يساعده في اعماله وكسب رزقه وتشغيله. ومنهم يريده ان يكون امتدادا له لحفظ ثروته من الضياع او التمثيل الاجتماعي امام العشيرة والعائلة والمجتمع، أو ان يكون له مساعد في شؤون الأسرة العامة. فالطفل هنا لا يكون مرغوب في ذاته بل بقصدية هي ادنى من منزلة الطفل وكرامته، فالطفل بعد ما يولد يكون انسان له قيمته المعنوية، وكرامته، وحقوقه وشرفه، وله اعتباره الذي يجب ان يؤخذ بالحسبان من كل خطة يخطوها الوالدين اتجاه الطفل منذ فكرته ونطفته ووجوده في بطن امه بمختلف مراحله.
وهي مرحلة المحاولة لإنجاب الأطفال، سواء كان بالحالة الطبيعية، او بالحالة الصناعية، بين مرحلة تنظيم الإنجاب طبيعيا أو صناعيا، بما فيها محاولات معالجات العقم. واعطت الأبحاث البايولوجية الحق للأفراد بأتباع وسائل بدائية، أو علمية متقدمة في محاولات الحصول على طفل. واعطت التشريعات القانونية للأفراد الحق في الانجاب، أو الحد من الإنجاب، أو المعالجة العقمية لمحاولات الإنجاب. وهذه القواعد تأثرت في وقتنا الراهن بتطور النظريات السياسية والتوجهات الليبرالية الخاضعة لسلطة العلم، ويدخل في ذلك حق المرحلة الجنينية.
اما القواعد التأسيسية لما بعد الإيجاد (الانجاب): مثل : حق مسقط الرأس، وحق الاسم، وحق الحماية، وحق الرعاية، وحق الإمومة، وحق الحياة، وحق الميراث. وتتأثر هذه القواعد كذلك في النظريات الفلسفية، والدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها. مثل : نظرية شيوعية الأطفال عن أفلاطون التي سبق ذكرها والنظرية الشيوعية الماركسية، والنظرية العدمية، والنظرية الأمريكية البركماتية. والنظرية النازية، وهذه المرحلة تخضع لعدة قواعد منها القواعد الاخلاقية، وقواعد قانونية، وقواعد شرعية، وقواعد تربوية، وقواعد سياسية، وقواعد بايولوجية ونفسية.
وفي المحور الثالث تحدثنا فيه عن التشريعات القانونية، وتساءلنا فيه ؛ من الذي يحدد مرحلة الخروج من مرحلة الطفولة ؟ حدد القانون الدولي والقانون العراقي عمر ما ان اتمه الطفل حتى عد رجلاً بالغاً، وهو تمام الثامنة عشرة من العمر.
وتطرقنا إلى تاريخية القوانين التي شرعت لصالح الطفل وحمايته وضمان حقوقه، وبينا فيه طبيعة تعامل الحكومات العراقية منذ تاريخ الدولة العراقية الحديثة مع حقوق الطفل، والتي كانت ليست بمنأى عن الاستغلال السياسي والايديولوجي، فضلا ًعن التناقض بين التشريع وتطبيق ذلك التشريع، اذ سخر الأطفال لصالح أيديولوجيا حزب البعث في زجهم بمعسكرات التدريب في ما يعرف (اشبال صدام) وطالتهم أيضا الاعدامات والمعتقلات والجوع والموت، بفعل سياسة التجويع، والحصار، واليتم، وفقدان المعيل بسبب الهاء الآباء والأمهات في فعاليات الحزب والعسكرة.
فالمشرع العراقي لم يغفل اهم الحقوق للطفل العراقي، وانصفه واولى رعايته بشكل دقيق، ولكن دائما ما نعاني من مشكلة عدم التطبيق والإهمال والتقصير في ذلك، فقد ضمن المشرع حق الطفل في الحياة، والرعاية، والاسم، والنسب، والجنسية وحق رعاية القاصرين والميراث والموهبة، وغيرها من الحقوق الأساسية الضامنة لحقوقه، وهذا على مستوى الحقوق المباشرة، اما الحقوق الملازمة لحقه في الأمومة، والأبوة، والرعاية الأسرية، والتعليم، والتربية، فقد صدرت قوانين تؤكد على هذا الحق وتضمنه، مثل: قانون الزامية التعليم، والزامية الرعاية الصحية والرعاية وغيرها.
وفي الختام بينا قصدية انجاب الأطفال وهدفيتها ورسالتها، كرسالة إلهية عبر قصتين من القرآن الكريم، وهي قصة إسماعيل وقصة عيسى عليها السلام، والذي كان انجابهم لإبراهيم ومريم عليما السلام بقصد ألهي، وعلى ذلك فالبشر يجب ان تكون لهم قصدية، وهدف، ورسالة من انجاب الأطفال، وليس ترك الأمر للفطرة، والغريزة، ورغبة التكاثر.
***
د. رائد عبيس
أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة الكوفة
20/11/2024
......................
* القيت هذه المحاضرة في مركز دراسات الكوفة في ندوة حوارية حول حقوق الطفل بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، وكانت محاضرتنا الموسومة (حقوق الطفل بين النظريات الفلسفية والقوانين) بينا في المحور الأول منها تاريخية التعامل مع الطفولة عبر النظريات الفلسفية التي قدمت رؤية أُحادية الجانب في معالجة مشاكل الطفل، مما جعل الطفل عرضة للتوظيفات السياسية والأيديولوجية ولم تراع فيه براءته ونشأته وتربيته والهدف من إيجاد الأطفال وانجابهم.