أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: سقراط وكونفشيوس.. فلسفتان متشابهتان وعالم مختلف

يُعتبر سقراط وكونفوشيوس على التوالي مؤسسان للفلسفة الغربية والفلسفة الشرقية، تعاليمهما تحمل العديد من أوجه التشابه. وبالرغم من ان كلا الفيلسوفين عاش ثمانين عاما وفصلت بينهما مسافة 4300 ميلا، لكن فلسفتهما فيها الكثير من التشابه، أزالتا الحدود الثقافية والإختلافات المتصورة سلفا بين الشرق والغرب. شخصيتهما كانت مذهلة لدرجة انهما اكتسبا لقب "حكيم" sage حتى أثناء حياتهما.

وُلد سقراط في عائلة اثنية من الطبقة الوسطى عام 470 ق.م. أفكاره نُشرت لاحقا من خلال كتابات تلميذه افلاطون، والتي من خلالها اكتسب لقب مؤسس الفلسفة الغربية. كذلك بالنسبة لكونفوشيوس وُلد في عائلة في مقاطعة لو Lu عام 551 ق.م. العائلة لم تكن غنية ولا فقيرة ولكن عندما مات والده اُجبر كونفوشيوس على العمل. وكما في سقراط، بقيت تعاليم كونفوشيوس وفلسفته مؤثرة في كل الصين وشرق اسيا حتى اليوم. كلا الرجلين عاشا في زمن الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي أفرزت تحديا للقيم التقليدية والسلوكية. اثناء حياته في ظل الحرب البيلوبونيسية (431-404 ق.م)،سعى سقراط الى تمكين اليونانيين للتفكير في أنفسهم. وبسبب هذا عرّض نفسه الى عقوبة الموت بتهمة المعصية وإفساد الشباب.

وذات الشيء بالنسبة لكونفوشيوس الذي عاش اثناء فترة الاضطرابات في الايام الاخيرة لسلالة تشو وحاول دون جدوى إقناع اللوردات الاقطاعيين المتحاربين لإحتضان تعاليمه.

كلا المفكرين تلقّى تعليما وكانا مطّلعين على الادب والموسيقى الخاص بثقافتيهما. القليل عُرف عن حياتهما المبكرة، لكن حينما كانا في متوسط العمر، كلاهما كان لديه جماعة من الطلاب المعجبين بحكمتهما حيث اتّبعوا تعاليمهما.

ماهو مؤكد حول الرجلين ان كلاهما وقع له حدثا رئيسيا رسم هدفهما في الحياة. العرّاف في معبد الآلهة (دلفي) أخبر صديق سقراط شيريفون ان "لا أحد أكثر حكمة من سقراط". مع ذلك،ادّعى سقراط "كل ما يعرف هو ان لا يعرف شيئا".

اما بالنسبة لكونفوشيوس، فقد امتلك تجربة هامة مشابهة في عمر الخمسين عاما عندما ادّعى انه عرف رغبة السماء. في كلتا الحالتين، كان شعورا بالرسالة وبمصيرهما الإلهي المحدد.

أهمية الفضيلة لدى سقراط وكونفوشيوس

بالنسبة لهما كان التعلّم والحكمة يجسدان اندماج الفضائل الاخرى ومجالات الدراسة في كُل متماسك. الحكمة اكتُسبت من خلال التعلّم والتحقيق او ما تم الاعتراف به بديهيا. كونفوشيوس اعتبر القلب الطيب صفة فطرية لكل فرد، لكن من النادر بلوغها في صورتها المثلى . هو اعتقد ان الخير هو علاقات المحبة الصحيحة بين الناس وهو مصدر الفضيلة وكل القيم. سقراط اعتقد ان عيش حياة فاضلة كان ضروريا لتحقيق السعادة والانجاز. هو ايضا اعتقد ان الحب هو الطاقة التي تحرّكنا نحو الخير الذي هو الحقيقة الالهية ومركز العالم الروحي. علاقات الانسان الصحيحة هي الصداقة، والخير هو مصدر المُثل التي يجب ان تكون القوة المرشدة في أفعال الناس.كلاهما عاش وعلّم طلابه في روح من الصداقة، مركزين طاقاتهما باستمرار على الإيجابي في كل موقف. هما عملا اولاً علي تطوير نفسيهما ومن ثم جعلا هدفهما مساعدة الآخرين في انجاز حياة افضل.

كلاهما أكد على أهمية التعليم، الذي هدفه الرئيسي يجب ان يكون الفضيلة والتحسين الذاتي. هناك تشابه ملحوظ في تعليم الفيلسوفين في هذه القضية. سقراط، كما كونفوشيوس اعتقد ان نزعة الانسان كانت حب الجمال أكثر من الفضيلة. مع ذلك، هما علّما طلابهما انه عندما يصبح الانسان اكثر فضيلة فان حياته ستتحسن. وبالتالي، تعليمهما كان وسيلة لحياة أفضل. قيل ان الفضيلة الرئيسية التي يمكن تطويرها من خلال التعلّم هي الحكمة. من المهم قبل كل شيء ان يمتلك المرء معرفة ذاتية. انه تضمّن وعيا بما يعرف المرء وما لايعرف. هذا الاعتراف يمكّن المرء من استعمال المعرفة بشكل صحيح وتجنب الأخطاء نتيجة الجهل. الفيلسوفان شجعا الناس للتركيز على انفسهم لكي يتمكنوا من التحول للداخل واختبار شخصيتهم والمفاهيم والاهداف والمواقف بين الاشياء الاخرى.

الفلسفة والممارسة

عرض كونفوشيوس نفسه كـ "ناقل لم يخترع شيئا" وادّعى ان كل ما يعرف، انه تعلّم من الدراسة، وهكذا يؤكد أهميتها. بالنسبة لطلابه، هو اولاً أرشدهم في دراسة واستيعاب الكلاسيكيات القديمة لكي يستطيعون ايجاد ارتباط بين المشاكل الاخلاقية للماضي والحاضر من خلال التفكير العميق والدراسة. في الصين، جرى اتّباع الكونفوشيوسية كدين من جانب البعض، بينما العديد جادل بان التعاليم الكونفوشيوسية تقيّم الأخلاق العلمانية. مؤيدو الكونفوشيوسية الدينية يجادلون انه بالرغم من الطبيعة العلمانية لتعاليمه، الا انها تستند الى رؤية دينية كاساس لها من حيث الجوهر.

القيم الاخلاقية كانت هامة جدا لكليهما. عندما كان سقراط في المحاكمة، في دفاعه قال "طالما اتنفس وقادر،سوف لن امتنع عن ممارسة الفلسفة". هو رفض التخلي عن السعي للحكمة، وهذا قاد في النهاية الى موته. كونفوشيوس كان ايضا ملتزما بقناعاته الاخلاقية ووقف بثبات لما اعتقد به. طبقا لـ "المختارات"، المؤلفان روجر امس و هنري روزمونت أعلنا انه "كان مهتما في كيفية بناء الحياة للمرء، ليس في اكتشاف "الحقيقة" كما في سقراط، بل كان مهتما في الصورة الاكبر للحياة وكان ملتزما بالبحث عن الحكمة بهذا الشأن.

تشابه آخر بين الاثنين هو ان كلاهما لم يميّز بين الناس على اساس المكانة او الثروة. هما كانا مستعدين لتعليم أي شخص قادر وراغب في التعليم. سعت فلسفتهما التعليمية من حيث اهداف التعليم والمنهج والتربية الى تمكين وإضفاء الطابع الانساني للحكم عبر تنمية الحكمة والقادة الفضلاء. في التقاليد اليونانية، الشخص المتعلم جيدا يُعرف بـ النبيل او الشخص الجيد. وفي الصين يسمى jun zi وتعني ابن الامير او السيد.

الميراث

بالاضافة الى تأثيرها المستمر على الفكر الغربي طوال القرون، برز في السنوات الاخيرة اهتماما متزايدا في الافكار التعليمية لسقراط. طريقة سقراط في التعليم وتُعرف بالحوار السقراطي او الطريقة السقراطية، دائما ما جرى تبنّيها في المدارس لتعزيز التفكير النقدي لدى الطلاب. الحوار بين المعلم والطلاب، الذي يتحفز عبر الطرح المستمر للاسئلة ، يستكشف المعتقدات الاساسية التي تشكل رؤى الطالب وافكاره. في هذه الاثناء، انتعشت الكونفوشوسية في الصين واكتسبت حضورا عالميا. هذه النهضة بدأت في الحلقات الأكاديمية وانتشرت تدريجيا لكل من القادة والجمهور العام . منذ عام 2004 أسست الحكومة الصينية أكثر من 300 معهد كونفيوشي في جميع أنحاء العالم.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم