أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: أنتوني فلو ونقده اللغة الدينية

هنا ملخص لواحدة من أبرز المحاولات لنقد العقيدة الدينية. يجادل الفيلسوف انتوني فلو(1) بانه اذا كان المتدينون لا يسمحون بأي شيء كدليل ضد ما يؤمنون به، عندئذ هم في الحقيقة لايؤمنون بأي شيء. هم لا يقدّمون ادّعاءات كاذبة، وانما هم لا يعرضون أي ادّعاء ابداً.
أنتوني فلو ومثل البستاني
بعض نقاد العقيدة الدينية يسعون لبيان ان العقيدة زائفة. الانتقاد الأكثر راديكالية هو ان عبارات مثل "الله موجود" تفشل في الزعم بأي شيء. التصريحات الدينية لا تصل حتى الى الادّعاء بان شيئا ما يمكن ان يكون صحيحا او خاطئا. احد أشهر الانتقادات من هذا النوع عرضه الفيلسوف البريطاني انتوني فلو. يوضح فلو موقفه من خلال استعارة وتبنّي مثالاً يعود لفيلسوف آخر هو جون وزدم John wisdom. صيغة فلو للمثل تسير على الشكل التالي:
افرض ان اثنين من المستكشفين يعثرون في غابة على منطقة خالية من الاعشاب والاشجار. هم ذُهلوا بالعدد الكبير من الزهور والأعشاب الخضراء المحيطة بتلك المساحة الخالية. المستكشف الاول يعتقد بانه يجب ان يكون هناك بستاني يعتني بتلك المساحة الخالية. لكن المستكشف الثاني مقتنع بعدم وجود بستاني هناك. لذا، لكي يريا أي منهما صحيح، هما يقرران اقامة معسكر في المساحة الخالية ويضعوها تحت المراقبة. هما لم يريا أي احد هناك. "يقول المستكشف الثاني، ألا ترى لا يوجد بستاني؟"، لكن المستكشف الاول يرد "لا تستعجل، ربما هو غير مرئي".
لذا، قام المستكشفان بوضع سياج من الأسلاك الكهربائية الشائكة حول المساحة الفارغة. هما ايضا قاما بدوريات حول المساحة ليلا ونهارا باستخدام كلاب الصيد. مع ذلك، لا توجد أية علامة لوجود زائر بستاني. هما لم يسمعا أحدا يصرخ من وراء السياج، لا نباح للكلاب، لا حركة او اهتزاز في السياج حتى بأدنى مقدار.
لازال المستكشف الاول مصرا على عقيدته: "هناك بستاني غير مرئي وغير محسوس. لم يتأثر بالصدمات الكهربائية، لايُطلق أي صوت، ولايترك أي أثر، وليس فيه أي رائحة يمكن ان تلتقطها الكلاب. انه يأتي سرا ليعتني بالحديقة التي يحبها".
أخيرا، يصبح المستكشف الثاني غاضبا ويقول: "لكن ماذا يبقى من ادّعائك الأصلي؟". "بماذا يختلف ما تسميه بالبستاني غير المرئي وغير الملموس والمراوغ الى الأبد عن البستاني الخيالي او الغير موجود ابداً ؟
يقترح فلو بانه اذا قام شخص ما وبشكل دائم بتجاهل وتقليل قيمة ما يُعد دليلا ضد عقيدته بحيث لا يُسمح في النهاية لأي شيء بدحضها، فلن تبقى أية عقيدة.
بالطبع، المستكشف الاول لايزال يعتقد انه ملتزم بحقيقة الادّعاء، لكنه مخطيء في هذا الأمر. وكما يذكر فلو " ربما المرء يبدد زعمه تماما بدون ملاحظة انه قام بذلك". اعتقد فلو ان معارضة مماثلة يمكن طرحها ضد اولئك الذين يقولون انهم يؤمنون بإله خيّر، لكنهم لايسمحون بأي شيء يدحض عقيدتهم. بالطبع هم ربما يقولون "الله خلق العالم"، "الله لديه خطة"، و "الله يحبنا". لكن طبقا لفلو، اذا كان هؤلاء المؤمنون غير مستعدين للسماح بأي شيء يُعد ضد ما يقولون، عندئذ في الحقيقة هم لايقدمون أي ادّعاء.
في الحقيقة، كان فلو حذرا. هو لم يلزم نفسه بالرؤية بان الناس المتدينين لا يسمحون بأي شيء يُعد ضد ما يؤمنون به. بدلا من ذلك، هو يقول انه عادة يبدو لغير المؤمنين ان لا وجود لحدث يمكن تصوره ان يقود المؤمن للاستنتاج بان لا وجود هناك لإله او انه غير محب. اذا كان هذا هو الموقف، يستنتج فلو، عندئذ هم حقا لايؤمنون بأي شيء ابدا.
كيف يمكن للمؤمن الديني ان يدافع عن ايمانه مهما كانت الظروف؟ اذا قيل ان المعاناة الهائلة التي نلاحظها في العالم دليلا ضد الإله المحب، يصر المؤمنون بان حب الله يتجاوز فهمنا البشري. في هذه الحالة، المعاناة التي نلاحظها ليست دليلا جيدا ضد الإله المحب. اذا كان، في كل مرة يُعرض عليهم الدليل ضد وجود الههم، وهم يراوغون و يتجنبون ذلك عبر تجاهل الدليل، او اللجوء الى طرق الله الاسطورية، عندئذ فان عقيدتهم تنتهي بالموت. يتوجه فلو بسؤال للمؤمن: "انا، لذلك أطرح السؤال المركزي البسيط، "ما الذي كان يجب ان يحدث او حدث ليشكل بالنسبة لك دحضا لمحبة الله او وجود الله؟" اذا كان الجواب "لاشيء يمكن ان يُبطل وجود الله" عندئذ " فان القول بـ "الله موجود" لم يعد يزعم بأي شيء".
يعرض فلو هذه الحجة في اجتماع يستلزم حضور اثنين آخرين بالاضافة له وهما، الفيلسوف هير والثيولوجي باسل ميتشل. النقاش نُشر بعنوان "الثيولوجيا والتكذيب: الندوة". دعونا ننظر الآن كيف يرد هير وميتشل على فلو.
هير R.M.Hare
يبدأ هير بالاعتراف ان فلو كان صائبا: التصريحات الدينية مثل "الله موجود" و "الله لديه خطة" يمكن جعلها غير قابلة للتكذيب من جانب المتدين، وكنتيجة لذلك تفشل في ادّعاء أي شيء. لكن ذلك لا يعني ان تلك التصريحات غير هامة.
طبقا لهير، هذه المتبنيات الدينية هي مواقف لا واعية bliks "عقيدة لا يمكن تكذيبها". العقيدة التي لا يمكن تكذيبها هي عقيدة يتمسك بها شخص ما ولا يسمح ابدا بدحضها مهما حدث. يوضح هير ذلك من خلال قصة تتضمن طالب جامعة مصاب بالجنون. هذا الطالب مقتنع ان جميع رفاقه في الكلية يريدون قتله. أصدقاء الطالب يحاولون إقناعه بانه مخطيء، ويحاولون إظهار انه من ألطف واكثر الطلاب احتراما. :" هم يقولون "هذا الطالب محبوب ورقيق، انت حتما تستطيع ان ترى الان انهم لايريدون قتلك؟" لكن الطالب يجيب "ذلك ليس الاّ خبث شيطاني. هم يحاولون الايقاع بي سرا، انا أعرف ذلك".
هذا الطالب لديه عقيدة لا يسمح بتكذيبها. أي دليل ضدها يتم التقليل من أهميته او رفضه. لكن مع ذلك تبقى عقيدته تلك هامة. في الحقيقة، انها تؤثر بعمق على حياة الطالب. يقترح هير ان العقيدة الدينية هي مماثلة لتلك – نعم، انها ربما لايمكن تكذيبها ولذا تفشل في الادّعاء بأي شيء. لكنها لاتزال تحظى باهتمام عميق ويمكنها التأثير جدا في حياتنا.
يرى هير ان عقيدة الطالب حول الطلاب الخطرين هي نوع من الجنون. لكن ليس كل عقيدة جنون. يصر هير اننا دائما لدينا عقائد راسخة. وان الاعتقاد بان كل رفاق الدراسة لا ينوون قتل للطالب هي ايضا عقيدة راسخة. طبقا لهير، انها عقيدة جنونية مختلفة عن جنون الطالب. المعتقدات الراسخة الاخرى تتضمن عقيدته الجنونية بان مقود سيارته سيستمر بالعمل بثقة، او عقيدة شخص مختل الذهن بان آلية الستيرن في السيارة لايمكن الوثوق بها وان عناصر الستيل ستنحني وتنكسر. مرة اخرى، هذه العقيدة الراسخة يمكن ان يكون لها تأثير هام على حياتنا (على سبيل المثال، اذا الشخص المختل يرفض ابدا الدخول الى السيارة، هو ربما يشعر بعدم ارتياح كبير).
لذا، باختصار، جواب هير لفلو هو لكي تعترف بانه اذا الشخص المتدين لا يسمح بأي شيء يبطل عبارة "الله موجود"، عندئذ بالنسبة له، عبارة "الله موجود" هي عقيدة راسخة: انها لا تدّعي شيء ابدا. لكن هير لايزال يصر ان التزام ذلك الشخص المتدين بعقيدته الراسخة لايزال مهما.
رد هك Hick على هير
الثيولوجي جون هك يثير معارضة مهمة لإقتراح هير بان الايمان الديني يستلزم عقيدة راسخة: هير لا يوفر اساسا للتمييز بين العقيدة المجنونة وغير المجنونة. بالطبع، اذا تمكنا من تزويد اساس جيد للاعتقاد بان رفاق الكلية غير مؤذين و ان عقيدة الطالب بمحاولة الرفاق قتله هي كاذبة، عندئذ نحن يمكننا بيان ان عقيدة الطالب هي سخيفة. لكن وفق رؤية هير، نحن لا نستطيع عمل ذلك. لأن هير يقبل بان عقيدة الطالب هي راسخة (لايمكن تكذيبها). لذا، بما اننا في موقع نقول فيه ان عقيدة الطالب هي سخيفة، يبدو ان هير يجب ان يكون مخطئا: عقيدة الطالب المجنون هي ليست لايمكن تكذيبها، وبالتالي ليست عقيدة راسخة.
باسل ميتشل Basil Mitchell
دعونا الان نعود الى المساهم الثالث في الندوة: الثيولوجي باسل ميتشيل. ميتشل يرفض انتقاد فلو للعقيدة الدينية. ليوضح موقفه، هو ايضا يحكي قصة. أحد المقاتلين من أفراد المقاومة يلتقي شخصا غريبا في مساء يوم ما. الاثنين يمضيان وقتا طويلا في المحادثة. الشخص الغريب يوضح بانه حقا القائد السري للمقاومة ويطلب من أنصار حزبه ان يكون لديهم ايمان به، رغم حقيقة ان الغريب ربما يبدو احيانا يتصرف كما لو كان حقا في جانب العدو. الشخص المقاتل معجب بشدة بالغريب ولديه ثقة عميقة فيه.
احيانا الغريب بدا كأنه يساعد المقاومة، والمقاتل يقول لرفاقه "انظروا، هو في جانبنا". احيانا هم يطلبون المساعدة من الغريب ويحصلون عليها. ولكن في أوقات اخرى هم يطلبون المساعدة لكن دون جدوى. في الحقيقة، الغريب يظهر مرتديا لباس العدو ويقوم بتسليم أعضاء المقاومة للقوات المحتلة.
لايزال، المقاتل يستمر بوضع ثقته في الغريب. رفاقه يسألونه، غاضبين، "ماذا يحتاج هذا الغريب عمله لإقناعك بانه ليس في جانبنا؟" المقاتل يرفض الجواب.
المقاتل سوف لن يقول ما سيقوم به لتكذيب عقيدته بان الغريب هو في جانبه. لكن، ميتشل يشير، ذلك لا يعني ان المقاتل ليس ملتزما بحقيقة الادّعاء. وفي الحقيقة، نظرا لإجتماعه الاول مع الغريب، الذي تركه مقتنعا بولاء الغريب، من المعقول للمقاتل الاستمرار بالثقة بالغريب رغم الخيانات الظاهرة.
الاخلاق التي يعرضها ميتشل من هذه القصة هي انه، وبشكل مشابه، فقط بسبب ان الفرد المتدين يستمر بالايمان في إله خيّر رغم الدليل المعاكس، ويرفض القول بما يقنعه بطريقة اخرى، لا يعني انه غير ملتزم بحقيقة الادّعاء. ولا حاجىة لتكون عقيدته بخيرية الله غير معقولة.
بالنسبة للعديد من المؤمنين الدينيين، العقيدة هي "مادة مهمة من الايمان" – شيء استثمروا فيه الكثير. هم سوف لن يتنازلوا عنه بسهولة. لكن، يقول ميتشل، ذلك لايعني القول هم سوف لن يتخلوا عنه ابدا بصرف النظر عن كمية الدليل المتراكم ضده. ميتشل يصف هذه المادة من الايمان اولاً هي، من جهة، مجرد "فرضية مؤقتة" نحن ربما نهملها بسرعة لو وُجد الدليل ضدها، ومن جهة اخرى، هناك ما يسميه ميتشل "صيغة فارغة" التي لا تزعم بشيء لأن لا شيء سوف يُسمح ليُحسب ضدها.
ردود ضد فلو
يوضح الكاتب ستيفن ان فلو كان مخطئا. أنتوني فلو يؤمن بشيء يشبه المبدأ التالي:
"اذا لم يتخلّ شخص ما أبداً عن عقيدته مهما كان الدليل ضدها، عندئذ فان عقيدته فارغة تماما".
ما هي حجة هذا المبدأ؟ استدلال فلو يقوم على انه لو ان أي ادّعاء كان غير قابل للتكذيب، ذلك بسبب فشله باستبعاد أي شيء يتعلق بالواقع. المبدأ منسجم مع أي شيء قد يصبح عليه العالم. لكن عندما يفشل التصريح باستبعاد أي شيء حول الواقع، عندئذ سيفشل بزعم أي شيء ايضا. نحن يمكن ان نرى ما الذي يقصده فلو هنا من خلال النظر في تكرار المعنى او التحصيل حاصل tautologies. تكرار المعنى صحيح بمقتضى شكله المنطقي. هنا مثال:
ليس صحيحا ان: باريس في فرنسا وباريس ليست في فرنسا.
من المؤكد منطقيا ان هذا الافتراض صحيح، كما في أي افتراض للشكل. التوتولوجي لايمكن تكذيبه لأنه منسجم مهما كانت الحقيقة. سواء كانت باريس في فرنسا ام لا، التوتولوجي لايزال صحيحا. انه لا يتطلب شيئا من العالم لأجل صحته. او، بطريقة اخرى، انه لايزعم أي شيء حول الواقع(2).
فلو يبدو يفكر بشكل مشابه، اذا كانت عبارة "الله موجود" و "الله له خطة" لا يمكن تكذيبهما، ذلك يجب ان يكون بسبب انهما ايضا لا يتطلبان أي شيء من العالم لصحتهما. هما يفشلان ايضا بزعم أي شيء.
لكن هل هذا صحيح؟ يقول الكاتب ستيفن انه غير مقتنع بهذا. لاحظ، اولا، ان "الله موجود" و "الله لديه خطة" ليسا تكرار في المعنى. الشكل المنطقي للعبارة لا يضمن صحتها. بل الطريقة التي يدافع بها بعض المتدينين – هم وباستمرار يتجاهلون وينكرون أي دليل مضاد.
هل صحيح لو ان شخص ما لايسمح بتكذيب عقيدته، عندئذ هو لا يطرح حقا أي ادّعاء؟ الكاتب لا يظن هكذا.
انه صحيح حتما عندما يستثمر الناس الكثير في الادّعاء، فهم قد يلتصقون به متجاهلين الدليل ضده. بعض العقائد يسهل التخلي عنها. هو يعتقد ان الانفجار الكبير حدث قبل 13 او 14 بليون سنة، لكن لو يقول العلماء تقديرا جديدا 16 بليون سنة هو حالا سيغير عقيدته. ذلك لا يكلفه شيئا.
لكن ماذا لو استثمر الكثير في العقيدة؟ الاستثمار قد يكون، شخصي، اجتماعي، مالي، استثمار في الوقت والجهد. عامل في احدى شركات التبغ، عُرض عليه دليلا على ان التبغ سبب رئيسي للسرطان، ربما يجد كل انواع الطرق لتجاهل او القاء الشك حول مصداقية ذلك الدليل. زوجة رجل متهمة بجريمة قتل ترفض بشدة دليلا قويا لجريمتها مصرة على ان الجريمة يتم فبركتها. شخص ما ذو عقيدة سياسية قوية يجد من الصعب التخلي عن عقيدته امام الدليل. العالِم الذي استثمر كل حياته المهنية في تطوير نظرية قد يستخدم كل براعته لتجاهل الاكتشافات الجديدة التي تهدد نظريته. الاديان والطوائف عادة تدعو الناس لإستثمار الوقت والنقود في عقيدتهم وان إهمال العقيدة ربما يكلف الشخص اشياءً ثمينة من حيث العلاقات الاجتماعية والعائلية. هم عادة يجدون عقيدتهم مريحة للغاية ومن غير المدهش ان العديد من الاشخاص المتدينين من غير المحتمل ان يتخلوا عن عقيدتهم بسهولة حتى لو انهم واجهوا حججا قوية.
ماذا لو كان التزام المتدينين قوي جدا بحيث لا يسمحون بأي شيء يكذّب عقيدتهم؟ اصحاب نظرية خلق الارض الشابة هم انجيليون حرفيون يعتقدون ان الكون خُلق بالضبط كما ورد في سفر التكوين حوالي ستة الاف سنة. بالطبع هناك دليل هائل ضد هذه النظرية. فمثلا هناك المتحجرات والسجلات الجيولوجية التي تكشف ان عمر الارض يعود لبلايين السنين مع تطور الحياة تدريجيا عبر فترات شاسعة من الزمن. كذلك هناك ضوء من المجرات البعيدة مثل مجرة اندروميدا الذي تستغرق 2 مليون سنة ليصلنا. وهناك ايضا نوى الجليد في القارة القطبية الجنوبية يكشف مواسم تاريخية تعود الى مائة الف سنة. كيف يرد اصحاب فرضة الارض الشابة على هذه الادلة؟
عادة هم يطورون توضيحات بارعة لهذا. فمثلا، بعض اصحاب نظرية الخلق يؤكدون ان معظم سجلات المتحجرات اُنتجت اثناء الطوفان الانجيلي الذي طافت فيه سفينة نوح، حيث اُنتجت كميات هائلة من الطين، ودُفنت اشياء حية في الطبقات. اول ما دُفن هو حياة بحرية بسيطة في قعر البحر. مختلف المناطق الايكولوجية غمرتها المياه في اوقات مختلفة، ادى هذا الى النظام الذي نراه اليوم في الطبقات. بالطبع، الانسان كونه ذكي تجنب الغرق حتى وقت متأخر، والذي يفسر لماذا نرى فقط علامات للحياة البشرية في أعلى الطبقات. أصحاب نظرية الخلق ايضا طوروا توضيحاتهم للضوء القادم من النجوم البعيدة وهكذا.
بالطبع هم يشيرون الى ان جميع النظريات العلمية تواجه تحديات وألغاز، لذا حتى عندما يوجد هناك شذوذ لايستطيع توضيحه اصحاب نظرية الخلق، ذلك ليس سببا للتخلي عن العقيدة.
من الواضح ان بعض اصحاب نظرية الخلق مهما كان الدليل ضد عقيدتهم سوف لن يقودهم لإهمالها. بطريقة او باخرى هم يلتصقون بعقيدتهم. لكن فيما بعد، وفق رؤية فلو، هؤلاء الخلقيون غير ملتزمين باي ادّعاء ابدا. نظريتهم في الخلق ليست نظرية سخيفة تناقض تيار العلم السائد، بل انها لا تزعم أي شيء.
لكن هذا يبدو للكاتب ستيفن زائفا. صحيح هناك شيء خاطيء في الطريقة التي يؤمن بها اصحاب نظرية الخلق ويدافعون عنها. لكن ماهو خاطيء هو ليس انهم غير ملتزمين بأي نظرية. احد الاسباب لماذا يبدو واضحا له ان اصحاب نظرية الخلق ملتزمون بنظرية هو انهم يستعملون النظرية لتوضيح اشياء. فمثلا، هم يستعملونها لتوضيح وجود الكون، أصل الحياة وتعقيدات الاشياء الحية. في الحقيقة، هم يعتقدون ان هذه الاشياء توفر دليلا لنظريتهم، لأنها توضح ما لا يستطيع تيار العلم السائد توضيحه.
ويضيف الكاتب، ان فلو ربما صائبا بان هناك أشياء خاطئة بالطريقة التي يدافع بها بعض المتدينين عن عقيدتهم. لكن تشخيصه لما هو خاطيء يبدو غير صحيح. حتى عندما لايسمح اولئك الذين يقولون "الله موجود" بأي شيء مخالف لدليلهم، يبدو له انهم لايزالون ينجحون في الزعم بشيء.
***
حاتم حميد محسن
......................
المصدر:
Antony Flew on Religious Language،
منشورات جامعة كامبردج في 8 سبتمبر2023
الهوامش
(1) أنتوني فلو فيلسوف بريطاني (1923-2010)، كان ملحدا لسنوات طويلة لكنه في عام 2004 إنتقل فجأة الى الايمان بالله معلناً ان الدليل من العلم أقنعه بوجود الله. للاطلاع على افكار هذا الفيلسوف يمكن الرجوع الى المقال الذي نُشر في صحيفة المثقف بتاريخ 3 حزيران 2021 بعنوان: حوار حول الطاولة بين الدين والفلسفة.
(2) مثال آخر يستخدمه أصحاب نظرية الخلق ضد نظرية التطور ويعتبرونها نوع من التوتولوجي حيث ان نظرية الاختيار الطبيعي تؤكد ان البقاء للاصلح: منْ الناجون؟ الأصلح. منْ هم الأصلح؟ اولئك الذين نجوا.