أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: توضيح سقراط للروح الانسانية

يرى سقراط، ان الروح تعيش في العالم المثالي، لأنها أبدية، لا تتغير ولن تتعرض لموت البدن.

افلاطون وهو تلميذ سقراط عرض في حواراته وصفاً شاملا لفلسفة سقراط. في حواراته، يتحدث سقراط مع شخص آخر. طوال تلك الحوارات، يعرض افلاطون فلسفة سقراط. في حوار افلاطون (فيدون)، يقابل سقراط فيدون الذي استمع تواً لحديث أجراه الخطيب ليسياس Lysis. الحوار يجري أثناء جولة عبر ضفة نهر اليسوس خارج جدران أثينا. سقراط وفيدون يجدان مكانا للراحة تحت ظلال شجرة كثيفة الأوراق متشعبة الأغصان.

هناك، يحاول سقراط إقناع فيدون لمناقشة الكلام الذي أدلى به الخطيب الشهير. في الحوار، هو يصف طبيعة الروح الانسانية من خلال اسطورة الروح المجنحة.

سقراط وروح الانسان

اعتقد سقراط ان الواقع ثنائي، مركّب من عالمين مختلفين. عالم متغير، عابر، وغير تام، بينما العالم الآخر لا يتغير وأبدي وغير فان. العالم المادي الذي نعيش به – حيث نرى ونسمع ونتذوق ونشم ونشعر – فهو ينتمي الى العالم الاول، عالم الانسان الذي يتغير باستمرار. بالنسبة لسقراط، هذا العالم تنتمي له الروح الانسانية.

بالمقابل، العالم الآخر، العالم الالهي، هو لا يتغير، أبدي، مثالي  ويتضمن الجواهر الفكرية للكون مثل الحقيقة، الخيرية والجمال. هذه هي الرواح الالهية. وعلى الرغم من وجود علاقة وثيقة بين أرواحنا وأجسامنا، لكنهما وجودان مختلفان راديكاليا. روحنا الانسانية تكافح لأجل الحكمة والكمال، والذي يتطلب عقلا. وطالما ان الروح مرتبطة بالبدن، فان هذا السعي للحكمة يُكبح من قبل نواقص العالم المادي، لأن الروح تُسحب بواسطة الجسم الى المنطقة المتغيرة. حيث "تتجول وهي مرتبكة". اذا كانت الروح قادرة على تحرير نفسها من العيوب الفاسدة للعالم المادي وتنجز "تواصلا مع اللامتغير"، عندئذ هي ستصل الى حالة الالوهية.

عادة يُشار الى أثينا القديمة بمهد الحضارة الغربية، كونها كانت مركزا مزدهرا للنشاط الفلسفي والفكري.

الروح المجنحة ورمزية العربة

طبقا لسقراط وافلاطون، الارواح هي إلهية وانسانية معا، تسافر الى السماء. كل واحدة توصف كعربة مجنحة يجرها حصانان يقودهما سائق العربة. يرمز سائق العربة الى الجزء العقلاني من الروح، الجزء الذي يفكر فيه الانسان ويحكم.

أحد الحصانين يرمز الى الجزء الروحي والذي يرتبط بعواطفنا المؤثرة مثل الغضب والاستياء وما شابه. الحصان الآخر هو الجزء الرغبي، المرتبط باحتياجاتنا الجسمية مثل الجوع والعطش والشهوة. عندما تسافر الروح في العربة، تصل الى نقطة يمكنها فيها رؤية ما وراء السماوات. هنا يكمن الوجود الحقيقي، والحقيقة المطلقة. عند الوصول الى هذه النقطة، يكون الحصانان هادئين وساكنين. هما يتبعان طوعا أوامر سائق العربة. عند هذه النقطة يمكن لأرواح الآلهة ان تتأمل بسلام جوهر وحقيقة الاشياء.

لكن هذا لا ينطبق على الارواح الانسانية. الحصان الذي يرمز الى الجزء الروحاني هو أبيض اللون.  يقف منتصبا بوضعية مثالية. يُبقي رأسه عاليا، ولديه أنف مهيب وعينان سوداوان. ذلك الحصان يقف فخورا ولكن بتواضع وتحكّم في الذات. انه صادق وشريف. هو لا يحتاج الى سوط ليتبع أوامر سائق العربة.

الحصان الآخر الذي يمثل الجزء الرغبي هو أسود اللون وجامح. جسمه يبدو ملتويا، وبديناً وذو مظهر قبيح. لديه رقبة سميكة وقصيرة، وجه عريض رمادي وعينان محتقنتان بالدم.

انه لا يستمع لأوامر سائق العربة ولا يستجيب لجلدة السوط. بدلا من ذلك، انه يميل الى الغطرسة والغرور. يقول سقراط انه في تلك الارواح الانسانية التي تبدو اكثر شبها بالروح الالهية، يرفع سائق العربة رأسه ليرى ماذا يكمن وراء السماوات.

مع ذلك، الحصانان لا يتبعان كل الأوامر. سائق العربة الذي ركز كل انتباهه على التحكم بالعربة، ينصرف ذهنه بعيدا عما يراه. الان هذه الارواح يمكنها ان ترى جزءاً كبيرا، لكنه ليس كل الحقيقة. أحصنة بعض الارواح الانسانية الاخرى هي أكثر جموحا. انها لا تسمع أوامر قادة العربات ولا تنسق حركاتها، بل بدلا من ذلك تجر العربات نحو مواقع متدنية.

يحاول قادة العربات السيطرة على عرباتهم عبر سحب اللجام بقوة. فقط في حالات محدودة هم قادرين على الالتفات برؤوسهم نحو منطقة وراء السماء. وبالنتيجة، هم يستطيعون فقط رؤية جزء صغير من الحقيقة. اخيرا، أحصنة بعض الارواح الانسانية هي شديدة التوحش. انها تصهل وتنتصب على سيقانها، وتركض نحو أحصنة آخرى بينما يحاول قادة العربات البقاء منتصبين. رغم صعوبة ما يقومون به، هم غير قادرين على التحكم بالعربات.

طبقا لسقراط في الحوار، هذه الارواح تُسحق، كل واحدة تسحب الاخرى، أجنحتها تتحطم وهي لن تنجح ابدا في إلقاء لمحة على الحقيقة.

افلاطون والروح

نظرية افلاطون في الروح مشابهة جدا لنظرية سقراط. لكن افلاطون يحلل الروح الى ثلاثة أجزاء وهي: الرغبي، الروحي، العقلاني. الجزء الرغبي يتعامل مع الرغبات الجسدية. الجزء الروحي يتعامل مع العواطف مثل الغضب عند الإهانة او الميل لتمييز المرء، والعقلاني يسعى للحقيقة ويستعمل التفكير المنطقي.

الروح التي يحكمها الجزء الرغبي هي خطيرة وتتغير باستمرار لأن كل رغبة تسيطر على كامل الروح. الجزء الروحي من الروح ليس خطيرا لكنه ليس متماسكا كليا ولا منسجما طالما لايمكنه احيانا التحكم بالعواطف. الروح المحكومة بالعقل هي متناغمة بالكامل وعادلة، انها تمارس رغبات وعواطف لكن فقط بمقدار ملائم ولأجل غايات عقلانية.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم