أقلام فكرية
عبد الحليم لوكيلي: في السؤال الفلسفي (1)

في الفرق بين السؤال العادي والفلسفي
عادة ما يقال إن الفلسفة تتميز بكونها حقلا معرفيا يهتم بالأسئلة المرتبطة بالوجود البشري في تنوعه وتركيبته المعقدة، دون أن يكون له اهتماما واضحا وقصديا بالأجوبة الممكنة عنها. إن هذا الانطباع الذي يصاحب كل ذات تتطلع لمعرفة أولية بالفلسفة، أو حتى عند المشتغلين بها، يحمل بعض الوجاهة التي تقتضي الاهتمام بها وتأملها فلسفيا، في أفق الكشف عن طبيعتها ومدى صحتها الاستدلالية والحجاجية.
لذلك، يمكن القول إن من طبيعة التفكير الفلسفي أنه تفكير يعتمد على نوع من الأسئلة التي تخلق لنا الكثير من المفارقات الفكرية والمعرفية التي لن نجد لها حلولا نهائية، اللهم بعض الأجوبة الممكنة في الزمان والمكان. نعني بذلك، أن التفكير الفلسفي يتقوم على السؤال الفلسفي بوصفه سؤالا يتسم باللاتناهي من حيث الطرح والمعرفة، إذ كل ما حولنا تحديد قضيته إلا وينفلت منا، فيفتحنا على آفاق بحثية أخرى إلى ما لا نهاية.
ولئن كان الأمر بهذه الكيفية، فذاك يعني أن ذلك الانطباع المشاع بين الناس حول الفلسفة في كونها تهتم بالسؤال أكثر من اهتمامها بالجواب، يحمل بعض الصحة من حيث المبدأ، لا من حيث التدليل والحجة، لأن الفلسفة حينما تركز اهتمامها على السؤال، فلكونها تنطلق من فرضية أساسية مفادها أن الإنسان-الفيلسوف بوصفه كائنا يحمل في جوفه النقص والمحدودية، فإنه يعجز عن تحصيل معرفة نهائية لموضوع معقد ومركب هو الإنسان ذاته. وبما أن كل جواب ممكن هو جواب غير مكتمل من حيث المعنى والمعقولية، فإن السؤال يبقى دائم الحضور والاهتمام في أفق الحصول على إجابات أكثر معنى ومعقولية.
وإذا كانت الفلسفة متميزة من هذه الزاوية بحضور السؤال وديمومته، بوصفه أداة لفتح آفاق بحثية حول الإنسان وما يرتبط بكينونته ووجوده، فإن الضرورة المنهجية تستدعي منا الكشف عن طبيعة السؤال الفلسفي، والفرق بينه وبين الأسئلة اليومية المبتذلة التي تخص الحياة الذاتية في أبسط تجلياتها ورتابتها، مع الوقوف عند أهم الخصائص التي تميز كل نمط على حدة.
إن أول ما يمكن أن نبتدئ به في سيرورة بسطنا لطبيعة السؤال الفلسفي وخصائصه، هو الوقوف عند طبيعة السؤال عامة. لذلك، يمكن تحديد السؤال في كونه قضية استفهامية لا تتطلب الإجابة عنها استحضار أطروحة فلسفية أو علمية. مثال ذلك، حينما نتساءل "كم الساعة الأن؟. فالقضية هي الساعة الآن، أما أداة الاستفهام فهي تجمع بين كلمة "كم" والرمز التالي (؟). وبما أن هذا السؤال يخص التوقيت الزمني للحظة الراهنة، ولا يخص الزمن كمفهوم فلسفي أو كقضية إشكالية، فإن الإجابة عنه لا تتطلب استحضار تصورات فلسفية وعلمية، بقدر ما نحتاج في الإجابة عنه النظر إلى الساعة وإخبارنا بذلك.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن للسؤال العام أو العادي جملة من السمات التي ينفرد بها، وهي كالتالي: أولا: يتميز السؤال العادي في كونه قضية استفهامية فقط، وليس قضية إشكالية ضرورة. ثانيا: لا يتطلب هذا النوع من الأسئلة إجابات متعددة، بل إجابة واحدة ممكنة. ثالثا: يتسم السؤال العادي بكونه سؤالا ينتهي بمعرفة الجواب (معرفة التوقيت الزمني اللحظي نموذجا). رابعا: لا يستدعي السؤال العادي في الإجابة عنه مجهودا عقليا وفكريا. خامسا: لا يتميز السؤال العادي بالقصدية المعرفية. سادسا: لا يتسم هذا النوع من السؤال بالكونية، لكونه ليس سؤالا معرفيا محضا.
أما السؤال الفلسفي، فهو ذلك النمط من الأسئلة الذي يتحدد في كونه "قضية استفهامية تتطلب الإجابة عنها استحضار تصور فلسفي أو علمي". مثال ذلك، القول: ما أساس هوية الشخص عند جون لوك؟. فالقضية هي هوية الشخص عند جون لوك، أما أداة الاستفهام فهي كلمة "ما" ورمز أداه الاستفهام (؟). وإذا كان السؤال الفلسفي يتسم بكونه قضية استفهامية تستدعي الإجابة عنها استحضار تصور فلسفي أو علمي، فإن لهذا النوع من القضايا الاستفهامية خصائص وسمات كذلك. يتسم السؤال الفلسفي بكونه قضية استفهامية تتطلب إجابة ممكنة أو إجابات ممكنة، لكونه لا ينتهي بمعرفة جواب محدد بعينه. ثم، إن كل سؤال لا ينتهي بمعرفة الجواب، إلا ويمكن اعتباره سؤالا إشكاليا محضا يتطلب من الباحث عن جواب له جهدا ذهنيا وعقليا. وإذا كان السؤال الفلسفي سؤال يدفع الباحث عن جواب له نحو اشتغال ذهني، فإن ذلك يفيد أن للسؤال الفلسفي قصدية معرفية من ورائه، ولذلك، نعتبره سؤالا كونيا.
***
د. لوكيلي عبد الحليم - المغرب
أستاذ مادة الفلسفة