أقلام حرة
ناجي ظاهر: ثلاث طرائق للتقدم

كيف يكون التقدم، ما هي أهم ركائزه، في عالمنا العربي، مصر مثلا، وعلى أي من القيم يمكن ان يقوم، ما هي المبادئ الرئيسية في انجازه، وما هو دورنا فيها. هل يمكننا أن نستقيد من تجارب أخرى تتشابه أوضاعها مع اوضاعنا في عالمنا العربي، او المشرق العربي؟.. هذه ومثلها كثير من الأسئلة التي يُثيرها الكاتب المثقف المصري طارق حجي في كتاباته عامة وفي كتابه " تأملات في العقل المصري" خاصة. بما أن بعضًا من هذه الركائز او التأملات تتشابه مع ما نعيشه نحن العرب في هذه البلاد، فإنني سأقوم بالتوقف عند ثلاث منها أراها غاية في الأهمية، ويُمكن أن تلفت النظر وتركّزه لإحراز أو التفكير على الأقل، في احراز شيء من التقدم الذي ينشده الكثير من الناس، دون ان يتحقّق على ارض الواقع.
طارق حجي (مواليد عام 1950)، كاتب ومُحاضر قدّم العديد من المحاضرات في العديد من الجامعات العريقة في دول مختلفة، كما عمل في إدارة شركة " شل"، العالمية، مُدة عقد من الزمن، وهو مفكر ليبرالي يؤمن بأن الديمقراطية هي المطلب الهام الذي تحتاج إليه مجتمعاتنا العربية والمجتمعات الشرقية في منطقتنا عامة. عايش طارق حجي العديد من الثقافات واطلع على العديد من المجتمعات، عاداتها وتقاليها، وهو ما أهله لتوسيع دائرة معارفه وبالتالي اداراك السبل الرئيسية للتقدم في منطقتنا.
يؤكد طارق حجي في أكثر من موضع من كتابه المذكور، وفي معظم مؤلفاته، علما ان أولها صدر عام 1987، أن النقد الذاتي هو واحدة من أهم الركائز للتقدم المجتمعي المنشود، ويستشهد على ما يقوله ويذهب إليه، بمقولة للفيلسوف الألماني الشهير عمانوئيل كانط وهي:" ان النقد هو اهم أداة بناء طوّرها العقل الإنساني"، ويذكّر هذا القول بمقولة في أديباتنا الشرقية لعمر بن الخطاب هب:" رحم الله من أهدي الينا عيوبنا"، بمعنى أنه يطلب الجزاء الطيّب من الله لمن يفتح عيوننا على عيوبنا ووسيلة ذلك النقد.
من هذا المنطلق يُثير الكاتب العديد من النقاط والمعائب التي يرى اننا يفترض أن نبتعد عنها ونرفضها تمهيدًا لأي تقدم نريده وننشده، وفي مقدمة هذه النقاط: التعامل مع الوقت، الايمان بالعمل الجماعي والعمل بمبادئه، التي تعاملت بها شعوب أخرى، تتشابه أوضاعها مع اوضاعنا، وتمكّنت بإرادتها وبنيتها في انجاز ما أرادته، من التغلب على نقائصها وبالتالي على الانتقال إلى نقاط متقدمة في نمط حياتها، وإنجاز شيء من التقدم المجتمعي، فيما يلي أقدم قراءة لتلك النقاط او الركائز الثلاث.
*التعامل مع الوقت: يرى الكاتب أن الوقت هو الإطار الهام لأي انجاز نريد أن نحققه، وأن عدم احترامنا للوقت واستهتارنا به، هو إحدى المشاكل الكبيرة التي تتسبب في عدم تقدمنا، فالشخصيات الكبيرة في عالمنا مثلًا، عادة ما تأتي الى هذا المحفل او ذاك، متأخرة وكأنما هي تريد أن توحي إلينا أنها مشغولة، ولا تجد الوقت المناسب للمجيء في الوقت المحدّد، وهي في هذا عادة ما تحضر في الوقت أو قبله بقليل، إذا ما تعلّق الامر باللقاء بشخصية كبيرة، رئيس الدولة مثلًا. ويرى المؤلف أن احترام الوقت ما هو إلا احترام للذات والآخر، مشيرًا إلى أن الكثيرين منّا يمتدحون الآخر، الاجنبي، لالتزامه الشديد بالوقت، كما يتحدّث عن تجربته العملية في الادارة وكيف أمكنها أن تكون واحدة من أبرز ركائز عمله الإداري ذاك.
*الايمان بالعمل الجماعي: يرى المؤلف أن ثقافتنا منذ الاف السنين، عوّدتنا على العمل الفردي، وأننا تعوّدنا على مثل هكذا عمل، وأن الوقت حان لأن ننتفل إلى العمل الجماعي بمفهومه الناضج، ففي حين أن الكثيرين منا، والكاتب لا يُعمم بل يكره التعميم، يقول، لدينا يرفضون العمل الجماعي، فإن أبناء المجتمعات المُتقدمة، يؤمنون تمام الايمان بمثل هذا العمل، وفي حين أن الكلّ لدينا بصورة عامة، يريد أن يكون الإنجاز له وحده فقط، وهذا شبه مستحيل فإن مَن يؤمنون بالعمل الجماعي ينعمون بالنجاح ويرون أنه تمّ نتيجة عمل متضافر يكمل كلٌ من شخوصه الآخر.
*الايمان بالعمل الاداري: يوجّه الكاتب سهام نقده الشديد إلى شخصنة عمل المدير الذي يعمل طوال الوقت على إبقاء كل خيوط العمل بيده، لذا يرهق نفسه ولا يُنجز ما يُطلب منه تمام الإنجاز، ويُقارن بين هذا النوع من المديرين وبين نوع آخر، هو النوع المتقدّم منهم بالطبع، فيرى أن المُتقدم خلافًا للمشار إليه، يُنجز الكثير بإيكاله تنفيذ المطلوب من الاعمال للمناسبين من الموظفين، عملًا بالقول: الانسان المناسب في المكان المناسب، ويتحدّث عن إنجازاته الكبيرة في عمله الإداري المسؤول، وعن نجاحه فيه، كما يتحدث في المقابل عن الإنجاز المتواضع الذي يحققه المدير الشخصاني، الذي يريد اتباعًا لا موظفين.
تتردّد في الكتاب العديد من الأفكار المعروفة لمؤلفه طارق حجي، لعلّ أهمها إيمانه بأن التقدم "ظاهرة إنسانية" قبل أية صفة أخرى. *وأن "التعددية" هي أروع حقائق الحياة..*وأن التعصب الديني والقومي والوطني والعرقي والأيديولوجي كلها ظواهر "ضد التقدم" و"ضد الإنسانية". و" الغيرية" هي من أهم القيم الإنسانية في عصر "ما بعد الأيديولوجيات". *و"عالمية المعرفة" و"عالمية العلم"، هما مِن أهم معالم التطور المعاصر للإنسانية. *وأن الديموقراطية (وما يواكبها مِن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات العامة)، هي من أهم منجزات القرنين الماضيين قبل (وأهم من) كل إنجازات العلوم التطبيقية.. أما الأهم في الكتاب فيما أرى، فهو أن المؤلف يُحمّلنا نحن أبناء الشرق العربي خاصة، جانبًا من المسؤولية عمّا يحيق بنا من نقائص، رغم معرفته بالنوايا السيئة للآخر.
***
ناجي ظاهر