أقلام فكرية

اسعد الامارة: من بقايا اللاشعور – اللاوعي (سلوكنا)

اهداء إلى الاستاذ هشام حسن

الاخصائي النفسي التحليلي في مصر

 ***

السلوك الذي نتحدث به أمام الآخرين هو اللاشعور – اللاوعي، وما نريد قوله تم صياغته بتحوير مقبول، إذن اللاشعور – اللاوعي يمتلك لغة يعبر بها الفرد عما خزن في تلك القارة الكبيرة التي أحتوت كل ذكرياتنا، وطفولتنا، والحوادث التي تم خزنها والأدهى من ذلك تم التثبيت عليها وأصبحت تمثلات " وكما تقول استاذتنا " نيفين زيور" يشير مفهوم التمثل إلى تصور أو مجموعة التصورات التي تتثبت عليها الرغبة خلال تاريخ الشخص وتدون في النفس بواسطتها، ونقول تعود هذه التمثلات بمختلف الانواع من الأفكار، الصور الطفلية، أو الصور من كل مرحلة من مراحل طفولتنا المبكرة، إنها رحلة الحياة في اللغة المحكية، وكما يقول " جاك لاكان " مجدد أفكار التحليل النفسي الفرويدي طلاقة اللغة المحكية، هي أن يدع طاقات اللاشعور – اللاوعي تتجسد في إيقاع جملة العارض، وأن يمنع القارئ من تشييد كيانات نظرية سابقة لأوانها على النص الذي يقرأه، وأن يجبره على التعاون معه تعاونًا تامًا في عمل اللغة الخلاق " البنيوية وما بعدها، جون ستروك، ترجمة محمد عصفور، عالم المعرفة الكويتية، العدد 206،  شباط 1996، ص 166" ويقول "لاكان " أيضًا نحن مسؤولون عن لا شعورنا – لا وعينا، الذات مسؤولة عن لا وعيها – لا شعورها؟ ونقول أننا كبتناه " الكبت"  هروبًا من عالم الواقع، عالم الحقيقة ولم نجد له منصرفًا مقبول إجتماعيًا بعد أن ضاقت النفس به " يضيف لنا جاك لاكان قوله : ان بعد الحقيقة، غامض وغير قابل للتفسير، ولا شيء يُمكن من ضبط ضرورته، لأن الإنسان يتعايش مع عدم الحقيقة " لاكان، الذهانات، ص 245 " فأرسلناه دون أن ندري إلى خفايا القارة المظلمة، مخزن الذكريات وهو اللاوعي – اللاشعور ويقول سيجموند فرويد : فالمكبوت مجرد جزء من اللاشعور – اللاوعي، ربما يعود بسلوك آخر، بصورة أخرى، بطاقة ربما متجددة بمختلف الأشكال، سلوك التعصب والتدين المفرط، سلوك العدوان، سلوك العنف الموجه للزوجة بعد أن تم تثبيته في مرحلة التعلق بالأم، فكانت الزوجة شبيهة لإمه، فرفضها لاشعوريًا، لا احد يشبه أمي، أو لدى أمرأة تعلقت بابيها فكانت العودة غير موفقة في السلوك، وبالأخص السلوك الجنسي ممن أقترنت به شريكًا لحياتها، فصدرت منها مختلف أنواع من السلوك، الفراش هو الحكم بينهما في الاتفاق، أو الإختلاف، والإختلاف هو سيد الموقف ونقول : لأن الزوج ليس كما هي صورة الأب التي تم تثبيتها، وتمثلها بعد ذلك. ويقول استاذ الاجيال العلامة " مصطفى زيور" التثبيت يضع علامة وقوف للنكوص، وهو يضعف القسم المتطور من الشخصية . ويقول " فرويد " الحق أن الفرد إبتداءًا من سن البلوغ، يتعين عليه أن يكرس نفسه لعمل خطير هو تحرير نفسه من والديه، والمقصود هنا سلطة الآثار التي تركت في أنفسنا وشكلت ما تركه فينا حتى بتنا ننوء بثقل هذه الآثار في تعاملنا مع  أقرب الناس لنا، وممن يشاركوننا في حياتنا اليومية المعاشة،  وكذلك يضيف  " مصطفى صفوان " قوله : الأب هو النقطة التي من خلالها يحكمُ الشخص على نفسه، كي يُقيم الفرد نفسه، يجب أن يبتعد عن نفسه حتى يتمكن من رؤية نفسه.

يقودنا كلام " جاك لاكان " قوله : نحن لا نتعافى لأننا نتذكر، هذا هو الصحيح تمامًا لأنه يؤرقنا في حياتنا ونحن في حالة الوعي، ويرهقنا هذا التذكر لما تم خزنه وكبته  في عالم اللاشعور – اللاوعي، وربما نستدعيه في مواقف الحياة اليومية منها النكتة الجارحة، أو الهفوة المقيتة، أو زلة اللسان، ويضيف لاكان لاستكمال النص قوله : نتذكر لأننا نتعافى، إذن وضعنا يدنا على ما يؤلمنا فالتذكر مرة ثانية هو معرفة ما يؤلمنا، لتبدأ معرفة جديدة وهي معالجة ما كان يؤلمنا وسماها سيجموند فرويد معرفةٌ  بمعرفة، وقالها " مصطفى زيور " إذا عرفت أستطعت .

وفي الختام نؤكد قول "سيجموند فرويد" بأن افتراض اللاشعور – اللاوعي ضروري ومشروع، أنه ضروري لأن معطيات الشعور – الوعي بالغة النقص، فبين الأصحاء وبين المرضى نجد من الأفعال العقلية ما لا يمكن تفسيرها إلا بافتراض وجود أفعال أخرى لا يقدم الشعور – الوعي البرهان على وجودها، ولا تضم فقط هذه الأفعال هفوات الأصحاء وأحلامهم وكل ما ينتمي إلى ما يوصف بالاغراض العقلية، أو الحواز لدى المرضى، بل خبرتنا اليومية الحميمة للغاية تضعنا أمام أفكار مفاجئة نجهل مصدرها، وأمام نتاج نشاطات عقلية لا نعرف كيف تأتت، ان جميع هذه الأفعال الشعورية – الواعية تظل غير مترابطة وغير مفهومة، إذا بقينا على اصرارنا أن كل فعل عقلي مفرد يصدر عنا يجب أن يكون في نطاق الخبرة الشعورية – الواعية، بينما على العكس من ذلك يسهل علينا بيان ترابطها إذا ما قبلنا الأخذ بما يجب استنتاجه من افتراض الأفعال اللاشعورية – اللاواعية " سيجموند فرويد، اللاشعور، ترجمة فرج احمد فرج"

***  

د. اسعد الامارة

في المثقف اليوم