حوارات عامة

حوارات عامة

- للشّعر ملائكة كما أنَّ له شياطين حسب تُقى الشاعر ودرجة صلاحه ومضامين أناشيده وقصائده

- الملاحم الشعرية تهَب السامعَ متعة لا توجد في القصيدة

- أسماء الله الحسنى ومعانيها العظيمة هي أساس التوحيد والتوكّل على الله

- التذوّقَ الأدبي في تاريخنا الحالي أصابه التقزّم!

- لا أرى شيئاً يفوق القصيدة الخليلية

***

بينما تقول العرب: أَعذبُ الشّعر أكْذَبه. ما أرى الطبيب والشاعر مروان عرنوس إلّا قائلا: أعذب الشعر أصدقه، وأبقاه ما كان للروح مخاطِبًا وللإيمان داعِما. أو هذا على الأقلّ ما أوحت به إليّ عناوينُ دواوينه الناطقة بتوجُّه شِعره الرقيق والكاشفة عن فحوى أدبه الراقي، ومنها: مصاحف تمشي، ولكنّ الله رمى، وللسماء صهيل، رواح الأرواح. وُلد في مدينة حمص بوسط سورية عام 1955م، وتخرّج في كلية الطب جامعة حلب، ثم حصل على شهادة الماجستير في تخصص الأمراض الباطنية، وظل وفيا للمعطف الأبيض لا يغادره، دون أن يَحول ذلك بينه وبين الشِّعر الذي عشقه واجْترحه منذ الصغر، فركب موْجَه وسبح بمهارة في بحوره، بل اختار الصعب حين نظم المسرحية الشِّعرية وكاد يتخصّص في الملاحم الشعرية التي تتطلّب حِسّا قصصيا ونفَسا طويلا وثقافة لغوية وتاريخية واسعة. هذا إلى جانب المقامة الأدبية والرواية اللتيْن خاض غمارهما وترك فيهما بصمة غائرة. وكالعادة، تعرّفْت عليه عبر الكوكب الأزرق، وبدماثة خلُق وهدوء طبع ورصانة قول كان على موعد لم يخلفه وهذا الحوار:

* ما قولكم في أن (عرنوس) ليس مجرّد لقب لعائلة ولا عنوانا لحارة، ولكنه تاريخ عابر للقرون؟

- في أحداث دواويني (قيودٌ أزهرتْ حُبّا)، إجابة على سؤالك.. وهو أن ابنة أمير طرابلس الصليبي وقعت أسيرة في أيدي رجال إسماعيل أبي السباع، وذلك في عهد نجم الدين الأيوبي بعد معركة حطين، فأحسن معاملتها. وبعد ذلك بشهور، وأثناء جولة على الأسرى، طلبَتْ منه فكَّ أسرها، فوافق، ثم أعلنتْ إسلامها، وأبت أن ترجع إلى أهلها، بعدما أحبّت العرب المسلمين. وما كان منه إلّا أن تزوّجها وأهداها أيقونة ذهبية ليلةَ عرسهما وأنشد:

قيودٌ أزهرَتْ حُبّا

تسرّ القلبَ واللبَّا

لقد كانت أسيرتَنا

فصارتْ من ذوي القُربَى1

ومرّت الأسابيع وحملَت، ثم أبدت رغبتَها بزيارة أهلها، فسمح لها، وهناك غضب أبوها وأُمّها منها لأنّها تزوجّت من عربي مسلمٍ، ونفوها إلى روما حيث جدّها وجدّتها، وانقطعَت أخبار زوجها عنها، وأنجبت ابناً سمته عرنوس، وبثّتْه ذكريات أبيه، لكن جدّه كان ينشئه على الحقدِ والانتقام من العرب، ثم شبَّ وأُرسل في حملة صليبية، وعند وداعها ابنها الزاحف إلى قتال أهلها وضعت الأيقونة في عنقه، وقالت له: هذه من والدك إسماعيل أبي السباع أهداني إياها، وأَعلمتْه أنه سيقاتل أهلَه وأعمامَه العرب، وهذا ذنب عظيم، لكن الابن ظنَّ كما قال له جدّه أنَّ بها مسّاً من الجنون.

وجرت معركة بين جيش عرنوس والجيش العربي المسلم عند مشارف حلب، وقَتل فيها عرنوس عدداً من أبطال الخصم بشجاعة أثارت الانتباه وبثّت الخوف في قلوب العرب، ثمَّ تصدّى له قائدٌ كبير العمر يريد أسْر هذا الفتى الشجاع، وبعدما انهزم عرنوس، وهمَّ البطل المسلمُ أن يشدَّ وثاقه، فوجئ بالأيقونة في صدره، ودار بينهما حوار ذو شجون، تعرّفا من خلاله على بعضهما، قبل أن يتعانقا ويتبادلا القبلات، ويعلم الابن أنّ جده زوّر الحقائق، وينضم إلى جيش أبيه ويعلن إسلامه، لينشد والده:

قيودٌ أزهرتْ حُبّا  

   تسرُّ القلبَ واللبا

أتى خصماً يبارزني

   فكان ابني وكنتُ أبا

ثمّ دارت الأيام دورتها، وقُتل والدُه في إحدى المعارك، بنما كبر هو وسكن دمشق ومات بها ودفن في ساحة سُميت باسمه وهي ساحة عرنوس الشهيرة الآن في دمشق.

* باعتقادكم؛ لماذا يَكثُر الشعراءُ في الشام مقارَنة بغيره من البلاد العربية؟

- يجيبك على سؤالك العلّامة الدكتور الأستاذ عبد الكريم اليافي رحمه الله في تقديمه ديواني (مصاحف تمشي) الطبعة الثانية. حيث قال: ربوع الشام من أجمل بلاد العالم وأعرقها وأعرفها قاطبة. وذلك بماضيها الحافل بالمجد والسؤدد والبطولات والمآثر الإنسانية. أرضها متنوّعة بين السهل والجبل والروابي والأنهار والجداول والإشراف على البحر وعلى الصحراء. وكثيرة هي خيراتها و خضراواتها وأشجارها وفواكهها العسلية المذاق وأعنابها الفائقة الطعوم. آرامها وغزلانها كانت وحشية تسرح في المروج والسهول وعلى الروابي وأصبحت إنسية تقطن البيوت الأنيقة وتسحر بألحاظها القلوب والألباب. فراشاتها الطائرة كأوراق الورد تحوم دائما فوق شجيرات الورد وبراعم النَّور وأكمام الأزهار. سماؤها بديعة تزدان بأنصع النجوم وأشهر الكواكب وأهم المجرّات. وأخيراً، شعبها ملتئم مُجدٌّ دؤوب محبّ للسلام والتعارف والتعاون مُتيَّمٌ أبداً بالقيم الإنسانية الرفيعة.. كلُّ هذه الملامح تُفتِّحُ الفِكْر والمواهب والقلوب للعلوم والفنون، ولاسيما فن الشعر الذي امتاز العرب فيه وتفوَّقوا في قريضه باعتماد الإيقاع المناسب البارع واختيار الكلمة الطيّبة واصطفاء الصور الرائعة واصطياد الخاطر المُلهَم، وكم من شاعر عاش وأنشد وغنّى تلك المحاسن الطبيعية والمفاتن الإنسانية.

وربوع الشام نريد بها المعنى الجغرافي التراثي الواسع على الرغم من تقاسيمها المصطَنعة في العصر الحاضر. وكل شامي شاعر بالفطرة وبالقوّة أو بالفعل حسب تعابير أرسطو الفلسفية. لذلك كثر الشعراء عندنا قديماً وحديثاً. منهم من اشتُهر بالشِّعر وغدا مُخلَّداً به. ومنهم من يغازل الشِّعر ويغازله ملَكُ الشِّعر أو شيطانه، ذلك أن للشّعر ملائكة كما أنَّ له شياطين حسب تُقى الشاعر ودرجة صلاحه ومضامين أناشيده وقصائده.

* إلام تُعزَى ندرة المسرح الشِّعري؟ وما الذي أغراك بخوض غمار الملاحم الشعرية؟

- المسرح الشِّعري يحتاج إلى موهبة قوية، وفيضٍ في العطاء، ولا أقلّل من قيمة الشعراء الآخَرين بذلك، لكنها الحقيقة، وفي الشعراء العرب عدد كبير من الفطاحل، لكنهم ربما رأوا ذلك الطريق وعرا.

والملاحم الشعرية تروي وقائع تاريخية أو خيالية في أزمنة متباعدة وفي بلدان عديدة، وربما تهَب السامعَ متعة لا توجد في القصيدة، ناهيك عن كتابة التاريخ شعرا، وفي هذا متعة للشاعر والقارئ.

والحمد لله لديّ ملاحم شعرية ثمانية مطبوعة:

1- (مصاحف تمشي) تتحدث عن الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي مع ملك الروم عندما كان أسيرا عنده.

2- (حوارٌ...لا خناجر) تتحدث عن هجرة المسلمين إلى الحبشة، وحوار الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع النجاشي.

3- (ولكنَّ الله رمى) تتحدث عن معركة القادسية.

4- (وللسماء صهيل) تتحدث عن غزوة بدر الكبرى.

5- (وللرماح دموع) تتحدث عن الصحاب الثلاثة الذين تخلّفوا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك.

6- (قيودٌ أزهرت حُبّا) ذكرتُ عمّ تتحدث في جواب السؤال الأوّل آنفا.

7- (نزف الأقصى لهيبا) تتحدث عن معركة حطين المظفرة.

8- (وترنّحتِ الأسوار) تتحدث عن فتح القسطنطينية والسلطان محمد الفاتح.

وتبقى ملحمة مخطوطة أرجو الله أن ييسر طبعها وهي (كأنّها كوكبٌ دري).

* من وحي ديوانك (رواح الأرواح) الذي قبس من أسماء الله الحسنى، ما الخلفية الإيمانية التي أنجبت هكذا شعرا يبدو وكأنه في المحراب يسجد وبالمسبحة يسبّح؟

- على كلّ إنسان أن يتقن فهمه الصحيح للدين، وأسماء الله الحسنى ومعانيها العظيمة هي أساس التوحيد والتوكّل على الله، فمَن لا يفقه معاني الأسماء الحسنى ولا يعمل بما توحي وتأمر ولا يعتبرها لبُّ الدين؛ فعليه مراجعة فهمه وحساباته. وهل هناك من تجليات للروح، ومن داعٍ إلى سكب الدموع أكثر من الخضوع أمام عظمة معانيها، ومناجاة العظيم الذي قال في كتابه الكريم: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" .(الأعراف: 180)

* برأيكم، لماذا انقرض أدب المقامات الذي يفوح عطره من سنّ قلمكم بين حين وآخَر؟

أدبُ المقامات سهلٌ ممتنعٌ، وفنٌّ عظيم كجبلٍ مرتفع، يتقنه مَن أحبّه وكان مبدعا، وقد أصاب التذوّقَ الأدبي في تاريخنا الحالي تقزّمٌ، وسيّر الاستمتاع باللغة وجمالها وسحرها قصورٌ، لذلك نراه قليلا، لضعف الرصيد اللغوي، ووقرٌ أصاب الآذان،، فلا نرى إلّا عند القليل أذنا مرهفة الشعور.

وفي الحقيقة كانت مقاماتي في كتابي(نفوسٌ ملوّنة) فنّا فريدا، حيث أذكرُ القصة نثرا، ثم شعرا، وأظنَّ أنَّ هذا الفنَّ نادر، بل ربما لم يسبقني إليه أحد. وعندي مخطوطة كتبتُها ولمّا أطبعها (عقولٌ مجنّحة)، وهي مثل كتابي (نفوسٌ ملوّنة) تروي قصص طبيب حمصيٍّ مع مرضاه، وتغوص في تحليلات نفسية لهم، وتروم استخلاص العبر، طبعا دون ذكر أسماء المرضى- فسرُّ المرضى سرٌّ دفين- وربما تغلبُ عليها حيناً روحُ الفكاهة، والقصص حقيقية، وليست من نسج الخيال.

وما كتبتُه يحدث مع الأطباء عادة، لكن الشاعر والأديب يرى لِما يحدث مغزى كبيرا، وهذا هو الفرق بين ما يراه الطبيب الشاعر وما يراه الطبيب الذي ليس بكاتب ولا شاعر.

* الملاحَظ أن دواوينكم المطبوعة تكاد تحتكرها دار الفكر؟

- دارَ الفكر، دارٌ عريقة متقنة الإنتاج، وتتميز بدقة المواعيد، والوجه البسّام، ولكن طبعْتُ في دار الإرشاد أيضا كتابيْن: ملحمة وترنّحت الأسوار، وكتاب نفوسٌ ملوّنة وهو كتا ب نثري شعري يتحدث عن مكابدة الطبيب وما يحدث بينه وبين المرضى من قصص نادرة.

* مَن الطبيب الشاعر الذي تستحضره في ذهنك حين تمزج بين الطبّ والشّعر؟

- الشاعر الدكتور عبد المعطي الدالاتي الحمصي، والشاعر الدكتور وجيه البارودي الحمَوي.

* في مرآتك الداخلية، هل تراك طبيبا شاعرا أم شاعرا طبيبا؟

- أعتبر كلَّ طبيب شاعرا؛ فالطبيب الذي يصغي بمِسماعه إلى تغيراتٍ في جسم الإنسان، ويجس بيده آلام المريض، عليه أن يكون ذا نفس مرهَفة تقاسي مع المريض آلامه، وتصغي إليه وإلى أنّاته بأذن المُواسِي والآسي، فهل يوجد فرق بين الطبيب الذي يسمع الأنين وبين الشاعر الذي يتلوّى من فرط الشوق والحنين؟ وهل هنالك فرق بين مريض فقد جزءاً من أعضائه وبين شاعر محِبّ يتلظّى لفقد حبيبه ولبعْده عنه؟..فأنا طبيبٌ حلَّ في عقله الطب وفي قلبه الحب فأنشدُ وأُعالج، واعتبرني كما شئت، فقد بيّنتُ لك حالي.

* هل صحيح أن القصيدة غير الخليلية لا توافق مَعِدتك الشِّعرية؟

- المعاني الشعرية والتخيلات والإبداعات وإصابة الحقيقة وإظهار المراد أساس في الكلام، فإذا فقدنا ذلك فالكلام ليس إلى القلبِ بسالك، والموسيقا الشعرية الجميلة هي التي تضفي على الأقوال السحر، وأقول السحر لأن البيان سحرٌ لا يستطيعه أحدٌ إلّا مَن حباه اللهُ نعمة القريض. وأنا أحبُّ أيّ شعر دُمغ بهذه الصفات، ولا أرى شيئاً يفوق القصيدة الخليلية .

* كثير من الشعراء اتجهوا إلى كتابة الرواية التي طغت حديثا على سماء الأدب، أين أنتم من هذا الطوفان؟

- الرواية فنّ يحتاج إلى خيالٍ واسع، وموهبة كبيرة، وربما لا يحتاج إلى رصيد لغوي كالشِّعر، لكنْ لابدَّ من بعض ذلك، وقد كتبتُ روايتين لمّا أطبعهما وهما: سيوفٌ تسلُّ ورودا، ومآذن العاشقين.

* ما الحكمة التي أسرّت إليك السنون بها وتودّ تمريرها إلى من يلتمسونها بصدق من شباب الأطباء والشعراء؟

- الطبيب والشاعر والأديب عليهم أن يقولوا ما يفيد ولوكان طُرفة، فعلى الأطباء الشعراء الشباب أن يلتزموا بأهداف يسيّرون أدبهم إليها، فإذا نطقْتُ بكلمة فعليَّ أن أراعي أن كلامي يجب أن يكون كعلاجي للمرضى فعّالا. وأنْ أبني بكلامي أخلاقا كريمة عند الجيل الكبير والشاب، فليس المهم أنْ أنشر، لكن المهم أن أكتب وأنشر ما يفيد، والكلام جيّده يسيّر إلى الفلاح، وربما يقول أحدُنا كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم كما ورد، والدنيا دار عمل، والآخرة دار الجزاء وهناك إما خلودٌ أبدي في النعيم، وإما جحيم وندم.. فلنقلْ خيراً أو لنصمتْ

***

حاوره: د. منير لطفي    

17 فبراير 2023م

................

1- الأبيات من نظم الطبيب والشاعر مروان عرنوس

* ففي كثير من الأحيان كل ما نريده هو أن نُسمع فقط.

أخيرا وبَعد بُعد المسافات والمرض، وفي هذا الصباح المشتاة يُتاح اللقاء لنفتح بابا مع أيقونة محبة وعنوان إنساني صاحب "رذاذ بقاع المدينة، و"إلى حين تمطر" و"كأن لا أحد" وهو الذي كان يكتشف نفسه في الشَّارِع الطويل الذي أخذَ ينسَحِبُ من تحتِ قدميه، شهادات قصصية فنّية تلميحية، شحنة مركزة وجرعات مكثفة من المشاعر الرقيقة والقيم الانسانية، لفظاعة ما يعرفه الواقع الإنساني، وهي بمجموع نصوصها النّابضة بالحياة، وبحُرقة الواقع المعيش، وما يَعتريه، تشي بقلم متجدد لمحمد آيت علو، الذواق للإبداع، والمؤمن بقوته لتجاوز اللَّحظة الآن، البارع الماهر في اقتناص اللّحظة و تشكيلها… و الذي تَعِدُ مجموعته هذه، بعطاءٍ كثير على درب الإبداع الجميل السحري الرائق، كما عوَّدَنا دوما. وهو الذي يعتزُّ ويحترمُ قراءهُ كثيراً، ويستفيدُ من طرق مقارباتهم وإبداعهم في تصور المعاني وفي التعبير عنها، ويبقى من حق المتلقي لأي نص أن يبني أفق انتظاره بالطريقة الممكنة والمناسبة له.

إلتقيناه بعد طول غياب محمّلاً بجماليات السرد وسحره وعذوبته، مضمّنا بعطر الطفولة، موشّى بالحب والفرح، مفعما بشذى البراءة والأمل والصفاء، يمتطي صهوة الكتابة في رحلة تجاوز التفاهات والانهيارات والخيبات والإحباط والرتابة والوحشة والوحشية واللامعنى وقبح العالم، وإعادة بناء الذات والحياة، والانتصار لكل ما هو جميل، والخروج لعالم أرحب لمواجهة قسوة العالم، وقد كان لنا معه هذا الحوار لإلقاء الظلال على كتاباته القصصية الناجحة ونشاطه الثقافي عموما.

* فحين تتشظى العلاقات تتحول المسافات انفلاتا، ويصير الاقتراب احتراقا...جاءت نصوص مسافات منفلتة من بؤس الواقع، متداخلة بين ما هو سردي وشعري...كما يمتزج فيها الواقعي بالمتخيل... حيث ذات السارد تسافر إلى الداخل لاكتناه انفعالاتها وعقدها ممتطيا لغة شاعرية منتقاة بحرفية مخترقة ذاكرتنا. في هذا الحوار سنحاول طرح بعض الأسئلة على كاتبنا محمد آيت علو وهي كالتالي:

حول تجربته الإبداعية عامة والمزاوجة بين السردي والشعري خاصة. وحول عنوان آخر إصداراته. فالثيمات المهيمنة فيها، ثم خصوصية المجموعة القصصية الأخيرة.

- السؤال الأول: لاحظ أن المجموعة القصصية الأخيرة " كأن لا أحد" - والمترجمة حاليا ضمن دور النشر الأوروبية وبطبعة أنيقة - بالمقارنة وإبداعاتكم السابقة عرفت طفرة جد مهمة، تكمن في طريقة تعاملكم مع اللغة، التي كانت محبوكة بحرفية نادرة. هل لكم أن تحدثنا عن كيفية تعاملكم مع اللغة؟

الجواب: بداية أشكركم على أسئلتكم الجميلة وأتمنى أن تكون الإجابة إثراء للحوار الممتع معكم كمبدع ومثقف مواكب ومتتبع، الواقع أن هذا المؤلف ليس آخر الإصدارات، حيث جاءت من بعده إصدارات شعرية منها"أنفاس تحت كمامة" ومؤلف إلكتروني"أشرعة لمباهج وبركات من نور"، واليوم نصوص مترجمة عن هذا الكتاب الذي ذكرت، فضلا عن نصوص موازية له في إصدار جديد بعنوان" خفيف الظل" وهي كلها تسير وفق المشروع الذي بدأناه "نصوص منفلتة ومسافات" ، وجملة ما فيها أنها نصوص انفلتت من عقال التجنيس المقيد لكل نفس إبداعي أحيانا، ويأخذ مشروعيته ويمتلكها من الدلالة اللغوية نفسها، وها هو الحنين يتجدد إليها كتجربة انمازت بتفردها وخصوصيتها، ثم من منظور المشهد والفضاء الثقافي الذي يتسم بالتعدد ويعج بالتجارب المتفردة، ومعناه فأنت مطالب بالبحث وتقديم تجربة توفر الجديد والمتفرد، وبالتالي التحليق خارج المألوف والرتابة، والإنطلاق إلى كافة العوالم بأجنحة فنية لاحدود لها، والمعول عليه هو الإبداع، وبخصوص سؤالكم عن التعامل مع اللغة أقول إن الحروف تموت إن لم تكن مسكونة بهاجس روعة اللغة، فهي رهان متجدد باستمرار، علاوة على أنها جوهر الكتابة القصصية ولحمتها، عبر لغة راقية تسمو بالذوق، وحبك اللغة في مثل هذه النصوص يستدعي التكثيف والاختزال، فضلا عن الإيحاء الذي يضفي جمالية للكتابة وبأسلوب سهل ممتنع، مع ضرورة توفير متعة القراءة للمتلقي، أما بخصوص المزاوجة بين ما هو شعري وسردي قصصي، فلكل رونقه وجماليته، كمن يحمل ريشة يلوّن بها مساحات الفرح حينًا، أو يغيّرفاللغة الشاعرية كما لايخفى عن نباهتكم تعطينا حياة، أقلّ قبحًا من الحقيقة؛ فقد جاءت المقاطع الشذرية والشعرية لتجمّل الحقيقة، ولتعطي جمالا وبدلالات عميقة مُضمَّنَة في سواد الكتابة، وبدلالات مغيبة في بياضها، لأنها مسافات نصية، يتداخل فيها الشعري والصوفي، ويمتزج فيها الخيالي بالواقعي، وتتعرى فيها الذات من عقدها، وكبريائها لتفصح عن صراعاتها، ومشاعرها وانفعالاتها، إنها مسافات ملغومة حقا بتشكيلها، ولغتها وشرعيتها وواقعيتها وخيالها وصوفيتها، وما يميز هذا العمل هو مدى التلاحم بين ما هو إبداعي فني، شعري وتخييلي، وما هو معيشي واقعي وجودي، فهي تؤشر على حقيقة بادية ولكنها غير عادية، تتمثل في التكثيف و التنوع والغزارة في التجربة، والتعبير عن التفاصيل من على شاشة الإرسال النفسي، مع إشراك المتلقي في عملية الإضافة والتأويل أيضا ضمن بياضات الكتابة والحذف المعتمد.

- السؤال الثاني: ألا يمكن اعتبار" كأن لا أحد " امتدادا لإبداعات سابقة ك " مسافات منفلتة.." ما دامت تشترك في طرح نفس الثيمات ك: الوحدة- الضياع- الغربة- التيه- الفقد- الموت- قليل من الأمل..؟ وما هي حدود الشعري والسردي في المجموعة القصصية الأخيرة خاصة، و في تجربتكم عامة؟

- الجواب: أجل، فمؤلف"كأن لا أحد" هو استمرار وامتداد للتجربة نفسها مع "باب لقلب الريح" كما أسلفنا ضمن مشروع "نصوص منفلتة ومسافات" والتي لقيت استحسانا وإقبالا كبيرا في ساحة التلقي، لكن ليس من باب الاشتراك في التيمات نفسها، بل من منظور آخر يقوم على التباين والحداثة، فكلها نصوص سردية و تمثيلية، هاجسها المشترك هو الدعوة إلى التغيير وإعادة بناء الذات والحياة بتحد وجرأة كبيرين، مع التزام الجدة والطرافة وشرعية الوجود، على أن هذه العودة أملتها بواعث عدة، ومنها الإقبال الكبير والاستحسان للتجربة، فضلا عن الإشادة لثلة من الكتاب والنقاد والأصدقاء، وهو مشروع وجد له موقعا وصدى في سوق التلقي الأدبي عموما، جعلنا نواصل الحفر في التجربة وبثقة كبيرة...

السؤال الثالث: ورد العنوان مثيرا وجذابا "كأن لا أحد"، يحتمل أكثر من جواب...كأن لا أحد يحس بوجودك في عالم منشغل ومشتغل بنفسه ولنفسه. لا أحد يحس بوحدتك. لا أحد يسمعك. لا أحد يشاركك أفراحك أو أحزانك. لا يستطيع التحرر من هذا العمى المسيطر. لا أحد قادر على الوقوف ضد النفاق الاجتماعي المهيمن. لا أحد يتخلص من أنانيته ويتحرر من قبح العالم...و الآن ماذا تريدون أن تقولوا من خلال العنوان؟ وما العلاقة بينه وبين اللوحة التشكيلية التجريدية والنصوص الواردة بين دفتي المجموعة القصصية؟

- الجواب: سؤال وجيه، إن التعالق الموجود بين العنوان وغيره، تعالق نصي يكثف التجربة الإبداعية و يلخصها، فالعنوان عتبة مركزية، وهو يشكل بؤرة ملهمة، ومن تم ضرورة أن يحضى بانشغال كبير، على أن يكون مشهيا ومثيرا وجذابا، فقد شغل بالي كثيرا، فالعنوان كما لا يخفى على نباهتكم إن لم يحط بالكتاب إحاطة سوار بمعصم، وإن لم يبد مرتاحا على غلافه كاطمئنان وليد في حضن أمه، فإن وهج الكتاب سينقص، هذا إن لم يضلل القارئ العجول، وفي غمرة حيرة تطل وتختفي وأمام عشرات العناوين وبين عناوين شتى تشع ثم تنطفيء، استقر الأمر على هذا العنوان المثير" كأن لا أحد"، والذي يثيرٌ حبا وشجنا وريبة وألما وغبنا وتشويقا وشكا ودلالات عميقة لاحصر لها، مما يجعل مقارباته عديدة ومن تم درجات إبداعيته بامتياز، على الرغم من الدلالة الواضحة والمتاحة للجميع على مختلف مستوياتهم، والتي لن تلتبس على أي أحد، فهذا العنوان يحيلك إلى التيقن بأن الإنسان وحيد من البداية حتى النهاية فما بعدها، فهو وحيدٌ من المهد حتى اللحد، الدنيا تبدلت ومعها أهلها، وفي ظل الخداع والمكر والخيانة والغدر والأنانية والإنتهازية، والتبدل والقلق والتشتت والضياع، وتوالي الخيبات وغياب الوفاء، ولن تعتمد على أحد، "لقد كان قومي مثل رمال الشواطئ، وأنا الآن أناديهم فلا تجيبني سوى الرياح"، فضلا عن ذلك فكلنا نشتهي سفراً ورحيلا نعود بعده لا نعرف أحدا، وعالمنا إذن هو ما فلت، وما يفلت، وما سيفلت منا، ماذا يريد الإنسان من هذا الوجود إذن…؟ يقينا وجوده، فعلى الرغم مما قد يصطنعه المرء في محيطه وحياته من أواصر وقرابات باعتباره كائنا إجتماعيا بطبعه، ويصيريشعرُ بالاحتماء والانتصار المزيَّف، لكن سرعان ما يجد نفسه في وحدة قاتلة، خصوصا عند أحلك الأحوال، يغيبون بل يندرون، ، يبقى عزاءه الوحيد رحمة الله التي وسعت كلَّ شيء..."فنسأل الله ألايكلنا إلى أحد، ولايحوجنا إلى أحد، وأن يغنينا عن أي أحد، فهو وحده نعم المستند والمعتمد، الفرد الصمد، الواحد الأحد.

* وفي السياق ذاته شق آخر من السؤال: ما العلاقة بينه وبين اللوحة التشكيلية التجريدية والنصوص الواردة بين دفتي المجموعة القصصية؟

- أما بخصوص لوحة الغلاف فهي جد مُعْتَبَرة ومُعَبّرة في الآن نفسه بل وتتناغم وتنسجم وتأتي وفق قصة السيناريو أو ضمن السكريبت ، وللإشارة فاللوحة هي للفنان التشكيلي خالد عروب، وسواء تعلق الأمر بالتشكيل أو الألوان فهي ذات دلالات مرتبطة بطبيعة التجربة والمنفتحة على فنون موازية، مثل اللقطة السينمائية أو السكريبت و السيناريو"نص يحدد البناء العام للفيلم أو المسرحية..."..التكثيف والاختزال والانزياح، واقتناص الدهشة في غابات الحياة بجمالها وأسرارها وأسئلتها وغموضها، والمزج بين ما هو خيالي وواقعي، والمنطق والحلم. وهي نصوص تتميز ببعدها الإنساني، وعمق معانيها ورمزيتها ودلالاتها في الأغلب الأعم، كما أنَّها تمتحُّ من صور واقعية لترتقي بالمتلقي إلى رحابة القيم الانسانية، وبخاصة لما يدرك الواحدُ منَّا حقيقة وحدته الملازمة له في الأول والأخير، فيضطرُّ إلى أن ينعش ويطهر بالحب ساعات لقائه ووداعه لمن حوله.

- السؤال الرابع: هل يمكن اعتبار المؤلف صرخة في وجه العمى المنتشر، الذي يأخذ مظاهر عدة منها: الوحدة والتيه وانعدام الثقة بين الناس واستفحال الأنانية...فجل الشخصيات الواردة ترتد إلى الذات، إلى الداخل. أليس هذا نوعا من الانتكاسة بدل التمرد على هذا الوضع الكسيح؟ لماذا نجد مساحة الأمل أقل من مساحة قبح العالم؟ وهل الإبداع هو الخلاص من هذه الآفات المبثوثة بين ثنايا النصوص؟

- الجواب: ذكرني هذا بصديق كاتب حينما تناول الكتاب لأول مرة وتصفح بعض صفحاته، همس لي قائلا: ما هذه السحابة الداكنة؟ ابتسمت له، وقلت: أترى غيرها؟ فلعلها تمطر، وأنت على حق وبمثل براعة استهلالكم، فالإبداع لا يولد إلا من رحم المعاناة، فبقدر ما يكون الألم، بقدر ما يصبح الوعي، إن ما يجعل الإنسان وهو يحمل صخرته إلى أعلى الجبل لتتدحرج، فيعيد الكرة مرات ومرات، هو قدرته على أن يحيا هذه الحياة بالرغم كل ما يعرفه عنها وعن ماله فيها، الحياة كلها مسافات بحلوها ومرها، العسر مع اليسر، ولن يغلب عسر يسرين، الوحدة والصبر والأمل وزرع الفرح في قلوب الناس ولو من خلال"كوة للفرح"، فالحياة لا تدرك إلا بالإبداع، والإبداع عموما هو إدراك ورؤية للواقع من خلال ارتسامات الفكر، وهو الحافز لحياة ممكنة ومرضية وتلك الفسحة لنشدان الجميل والمشرق الكامن في الذات وهي تكابد اليومي المعيش وتحلم، وليس هروبا من الحياة، بل العيش في عمقها ومحاولة إنقاذ الإنسان من حصار ذاته والساعي نحو الخروج لعالم أرحب، وهو أيضا حين نحتسي قهوتنا بمرارة الألم والوحدة، فضلا على أنه الملاذ والتجاوز والخلاص، تجاوز التفاهات والانهيارات والخيبات والإحباط والرتابة والوحشة والوحشية واللامعنى وقبح العالم ، إنه صرخاتنا ونبضنا ووجودنا على أننا لازلنا نتشبث ونصارع وننتصر لكل ما هو جميل، ومواجهة قسوة العالم، ونشرالفرح الإنساني، ثم لإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية، وكل ذلك من أجل إنسانية الإنسان. انتصار لما هو إنساني.

- بعد هذه الإصدارات ما هي مشاريعك المستقبلية؟

- العمل كثير، والعمر قصير والوقت بخيل، وطموحات الكاتب لا حدود لها، حاليا أعمل جاهدًا وبعد تفكير ملي، أنا الآن بصدد إعداد سيرة ذاتية على اعتبار أنها تحتل مكانة مرموقة في تاريخ آداب كثيرة، حيث تقدم دليلا حيا على أن هذا الجنس الأدبي يلامس عمق الإنسان، ويجسد تجربته الذاتية في الحياة، وتعبير عن الإنسانية بصورة عامة وعن وجودهم ومصيرهم، من خلال إمكانية البوح والاعتراف عبر هذا الوسيط. وكحصيلة تجربة حياتيّة تجسّد مسار الذّات في جميع أبعادها، كما أن هناك إصدارات جديدة في الأفق مع بعض الترجمات في السياق ذاته.

- كلمة أخيرة ؟

- شكرا لشخصك الكريم على هذه الأسئلة القيمة، ففي كثير من الأحيان كل ما نريده هو أن نُسمع فقط، فكل الامتنان على هذه المساحة لنقل أفكارنا وتجربتنا الإبداعية ومشروعنا في الكتابة، الحقيقة أنا ممتن لك، فكم شرفتني كلماتك وأسئلتك في هذا اللقاء الماتع والشائق، حيث فتحت لي المجال للتحدث بإسهاب عن هذه التجربة الإبداعية وعن قضايا هامة جدا ثقافية وأدبية.

- في الختام لايسعنا إلا أن نشكر الكاتب محمد آيت علو على سعة صدره . واسمحوا لي أن أشكركم على هذه المحادثة الشيقة للغاية، ونتمنى له طول العمر والمزيد من العطاء والابداع مع أجزل آيات التقدير والاحترام .

***

أجرى الحوار المبدع عبد الرحيم بيضون

...............

* الصورة للأديب محمد آيت علو

آمنة محمود، شاعرة رصينة وخلاقة، ولدت في اعظمية بغداد لكنها تنتمي الى كركوك قلبا وجسدا، وهي تتخطى الجغرافيتين لتنتقل كفراشة ملونة تمتص رحيق زهور مدن العراق شمالا وجنوبا، تمتلك شخصية آسرة، ولها اسلوب شعري فريد وقدرة فذة على استنباط معان موحية وسخية من مفردات لغوية تقليدية، تقرأ شعرها في الغالب بصوت خفيض وهادئ، لكنها تهيمن على الأسماع وتفرض علي المتلقي سطوة الكلمة المعبرة ذات الحضور والتفاعل.. نقية.. تلقائية. ضاجة بالاحاسيس الرفيعة ومتلفعة بالاناقة والسكينة، وخلال سنوات ابداعها المفعمة بالمشاعر والأحاسيس الرقيقة، رفدت قراءها بحصيلة تنبض بالود والوجع معا.. فلها ثلاث مجاميع شعرية مدهشة وهي (فراشات آمنة) و(كتاب الحب) و(ممتلكات لا تخصني).

كتبتُ ونشرتُ عن أمنة مرتين. الأولى عندما كانت لا تزال في بداية درب الشعر الشائك، وبالتحديد في اذار من العام ٢٠٠٠ وكنت مأخوذا بنصوصها وكانت مقالتي المعنونة (الدهشة مخاض الكلمة العسير) قد تناولت بعض نصوصها التي تستحق الوقوف عندها ومنها:

حين طعنتني في فؤادي

أقسم إنني أعلم

لم تكن تعنيها في الفؤاد

لولا انني إلتفت فجأة إليك

تلك اللحظة.

وفي الثانية صدمتني إحدى قصائدها الطويلة التي شكلت برأيي آنذاك انعطافة نوعية نحو التخلص من التقريرية والمباشرة والانعطاف نحو الرمز، وكانت مقالتي بعنوان (تحولات آمنة محمود الصادمة)، لذا ولكي اتخطى تلك الانطباعات المسبقة التي كونتها عنها آثرت أن أوفر لها فضاء رحبا (وهذا استحقاقها بإمتياز) لكي تتحدث هي عن نفسها بدون رتوش ونكون نحن على تماس بهواجسها وإنطباعاتها عبر هذا الحوار التلقائي..

س: طلبت منك التحدث عن نفسك بدون قيود، فماذا تقولين عن آمنة محمود بحيادية تامة؟

ج: بحيادية تامة: آمنة محمود: نرجسية، قلقة، هشّة أمام المواقف الإنسانية، صلبة ومقائلة فيما يخص المبادئ والقيم والبنتين(بنتيها).، تتنفس الحياة شعرا وامومة، مخذولة دوماً لكنها شجاعة.!

س: إبتداء لنتحدث عن الينابيع. ما هي المؤثرات التي دفعتك الى عالم الشعر؟

ج: بدايةً الشعر ليس عالماً بالنسبة لآمنة بل هو كيان داخل هذا العالم، هذا الكيان كان مؤثراً الى زمن قريب، لكنه ولأسباب عدة أصبح قليل التأثير وتقريبا بلا جمهور. أما البداية فكانت الالتفات لأي قصيدة مغناة والتأثر الشديد بها ثم البحث عن الشعر في كل مكان ومن ثم الإصغاء.. تعلمت فن الإصغاء وأصبحت كالإسفنجة التي تشرب السوائل، فكان الشعر ينبوعي والموسيقى والسينما، وكل القصص والدراما التي تدور حولي وأدور في افلاكها، كلها كانت ينابيعي.

س: في رأيك.. ما وظيفة الشعر.. هل هو في حقيقته بوح آني يعكس المشاعر الذاتية للشاعرفحسب، ام انه اداة سحرية وسرية للتغيير والتواصل مع الآخر. ام انه الاثنان معا؟

ج: أعتقد بأن الشعر أصبح بلا وظيفة (بشكل عام) نحن سرب تشرد وأصبح يغني على أبواب مبان دينية، القصيدة صارت تكتب لمهرجان أو مناسبة، والكثير من هذه المناسبات خاضعة لسياسات معينة أو اشتراطات خاصة. أما عن المفاضلة بين أن كان الشعر بوحاً ذاتياً وانفعالا آنيا، أم هو أداة سحرية وسرية للتغيير والتواصل؟ فحسب تصوري فأن لكل شاعر طريقاً خاصا، وطريقة مختلفة تشترك في تغذية تلك الخلفيات الثقافية والمرجعيات الفكرية بل وحتى المعتقدات والقيم، ويختلف الأمر باختلاف كل شاعر وطريقته واسلوبه في التعبير بل وحتى كل شاعر ستختلف بداياته عن مراحله المتقدمة.

وبالنسبة لي فأنا أنطلق من الشخصي العام فالمرأة أصبحت قضيتي التي احمل همومها على عاتق القصيدة وكل ما يعنيها هو بالنهاية متصل بي فقد يرى البعض في النص الذي اكتبه ملمحاً شخصياً لكن بالنهاية تجد أنه يعالج همّا مشتركاً تعيشه معظم النساء ٠‏

س: كيف تكتبين نصوصك.. هل تستنزفك معاناة ووقتا. ام انها تنهمر دفعة واحدة ثم تولد القصيدة؟

ج: كل نص يختلف عما سواه فبعض النصوص اكتبها في جلسةٍ واحدة ولا تحتاج بعدها الاّ الى بعض المعالجات الصغيرة وبعض النصوص يحتاج نموه الى مدة اطول وانفعال اشد وأقسى.

س: حزنك الآسر يطغى على نصوصك ويغمر مساحة واسعة في براري الشعر.. اصرارك على عودة الغائب الحاضر يشي بالكثير. هل حزنك مرده هو ام انه لغة العصر السائدة وربما المآسي المحيطة بكل ما في حولك؟

ج: في جلسة شعرية نسوية خاصة قرأتْ الشاعرات قصائد حب وشوق وعَشقٌ وغرام.، وحين جاء دوري لم أجد قصيدة حب كاملة فكل نص كتبته يغيم الحزن سمائه وإن فتحث باباً مغلقاً وجدثٌ الخيانة خلفه فكيف سأحتفل بالحب وهوغير حاضر أو حقيقي؟ ومن أين تاتي السعادة ونحن نعيش في بلاد يتيمة الفرح؟

س: اذا طلبت منك ذكر اربعة ابيات من أقرب النصوص الى نفسك من شعرك، فماهي الابيات التي تختارينها؟

رَمَدٌ على عينيك يا بنت ُ

أم غيمةٌ هطلت ولا نبت ُ

أهلي غيابٌ والحضور عدا

والقاتلان الليلْ والصمت ُ!

س: كركوك: ضاجة بأصوات الشعراء.. كيف تقيمين هذا السيل من الدفق الشعري؟

ج: لم أطلع على النتاج الشعري كي استطيع التقييم بشكل موضوعي لكنني كنت استمع الى قصائد جيدة من شعراء شباب في بعض الجلسات الشعرية. اتمنى الموفقية للجميع.

س: لو منحتك نافذة تطلين منها الى خارج ذاتك. ماذا تقولين بحرية تامة؟

ج: ما سأقوله لها بحرية تامة لن يكون، لكنني سأهمس لها: كوني بخير!!

هنا أتوقف عن إلقاء الاسئلة، لكن آمنة محمود لن تتوقف عن مشوارها الطويل، فهي ستواصل رحلتها مع الحرف، تنسج لنفسها عوالم متداخلة تشع بدفء العنفوان ونبض الوداد، والتوق الى الفرح الضنين !

***

حاورها: محمد حسين الداغستاني

 

الخوف عدونا الرئيس، يجب كَسرُه

[أدوارد غاليانو المولود في مونتيفديو( أوروغواي) عام 1940، وغادر عالمنا في 2015، يُعتبر واحداً من ألمع الكتاب والأدباء اليساريين في أمريكا اللاتينية، ترأسُ تحرير مجلتين لليسار المستقل في أوروغواي. يقول غاليانو عن نفسه: "لفترة طويلة كنتُ أكتب ما يمليه عليَّ ضميري، وعندما لم تطاوعني يدي، كنتُ أُجبرها على الكتابة. لكن منذ فترة غير قصيرة، صرتُ لا أَكتبُ، إلاّ ما يسرُّ يدي."]

س: "الكرة مدورة" عنوان أحد كتبك الصادرة بالألمانية، وهو إستعارة تبعث على الإرتخاء: كل شيءٍ ممكن، وقابل للتغيير بشكل سريع.. وكل الإتجاهات مفتوحة. عندما تنظر إلى العالم من ملعب كرة القدم ستلاحظ أنه /العالم/ مرعبٌ، لكنه دائري. إلى أيِّ مدى يمكن القول أنك إنسانٌ متفائل، يؤمن بخاتمة جيدة للأشياء؟

ج: أنا إنسانٌ لديه أمل. لكنني لا أؤمن بالأمل الخامل، الذي يبقى دون مساس، ولا يجري عليه أيَّ تغيير. فكل شيءٍ موجود لأنه يحمل نقيضه معه. حتى الحقيقة لا توجد إلاّ مع نقيضها. كذلك الأمل لا يوجد إلاّ مع اليأس... وكل شيءٍ يحدث في آنٍ واحد..

س: سابقاً إستطاعت طاقة الجماهير المُسيّسة أن تُحدث بعض التغيير حقاً، إذ إنخرطت كُتَل بشرية في أحزابٍ وحركات سياسية. أما اليوم فأن الفردانية تتغلغل في كل شيء، العزلة والشك يتسعان، ذلك أنه في ظل هيمنة السوق، غدا كل فرد ضد الآخر.الأحزاب تضمحل وتتراجع بأضطراد نسبة المشاركة في الإنتخابات. كيف ترى مستقبل الحركات السياسية؟

ج: يتراءى لي أنَّ العالم يمرُّ اليوم في زمن فقدان الذاكرة. لذلك يتعين علينا أنْ نقوم بشيءٍ يسترجع شيئاً جوهرياً بالنسبة لنا – أي ذاكرتنا الجمعية – التي يبدو أننا نسيناها: درس الحس المشترك، وهذا ما تفتقدونه في بلدكم – العراق - الآن كما ألاحظ وأسمع. فالحس المشترك هو مصدر حياتنا، الذي يمكنه أنْ يمنحنا الحرية. وإلاّ لماذا إستطاع أسلافنا البقاء على قيد الحياة رغم العصر الجليدي الذي مرّوا به؟فالكائن البشري لم يكن قوي البنية وسريع الحركة، لم يمتلك أنياباً كالفيل أو الماموث، أو فرواً طبيعياً. عليه كيف إستطاع هذا الكائن الضعيف أن يصمد ويقوى على البقاء؟ إنَّ ما أَنقذهم هو الحس المشترك: فقد دافعوا عن بعضهم بصورة مشتركة وتقاسموا الغذاءَ والخبرة والذكاء. فلو كانوا مثلما نحن عليه الآن لما أمكنهم البقاء على الأرض إلاّ فترة قصيرة.

س: هل يعني أنَّ الكارثةَ مُعلِّمتنا؟

ج: الخبرة تُرينا أنَّ الناسَ تستطيع الصمودَ إذا ما تكاتفت سوية. وهذا ما ينطبقُ سواء على العائلة أم على أرقى أشكال التنظيم الإجتماعي. لكن من ناحية أُخرى أننا مؤهلون للتمايز عن بعضنا البعض. وهذا هو التناقض الذي تشتغل عليه كل سلطة. وإلاّ لماذا يسود الكذّابون؟لأنهم بأكاذيبهم قادرون في كل مرة على حرف الناس عن مصالحهم المشتركة.

س: ذات مرة قُلتَ: "أنَ كل ثقافة سائدة هي ثقافة تبضيع، تريد أنْ توحي لنا بأمكانية فصل العام عن الخاص والماضي عن الحاضر..إلخ "

ج: لنأخذ بوليفيا مثلاً. القوى السياسية هناك منقسمة، وتوجد بينها ما لا يُحصى من خطوط التعارض والمصالح المتناقضة. ورغم ذلك تمكنت مختلف التجمعات، قبل فترة وجيزة، من توحيد نفسها في النضال من أجل هدف واحد.فقد سال الدم حين إغتالت الحكومة 80 شخصاً. لكن الحكومة سقطت! كان الأمر يتعلق بالدفاع الوطني عن غاز النفط. فيما مضى، أيام الحكم الإستعماري، كانت بوليفيا غنية بالفضة. ماتت أعدادٌ كبيرة من الناس عبيداً.بعدها جاء القرن العشرون، عصر الإغتراب، وجاء معه الإنتاج الهائل والعملاق للزنك. فماذا جلب إنتاج الفضة والزنك لشغيلة البلاد؟ أرامل وأيتام! لذلك دافع الناس عن الغاز. ونتيجة لتلك الهبّة تطوّرَ العزم على أنْ لا يجري السماح بأنْ يظل التأريخ يعيد المأساة بصورة لا نهائية!

س: هل كان ذلك عملاً للحفاظ على الذاكرة الجمعية؟

ج: هذا أولاً. وثانياً أنَّ الناس، ومن مختلف المشارب، إلتقت في لحظة مثلما تلتقي خمسة أصابع في يدٍ فاعلة، رغم علمهم أنم سيفترقون غداً، لأن هناك ما يميزهم عن بعض، ونظراً لأختلاف رؤاهم..

س: لكن إحترام الذات لدى عدد غير قليل من الناس، راح يتضاءل: فأصبحوا قابلين للأبتزاز بفعل عوامل إجتماعية وإقتصادية. هل خابَ أملُكَ في الناس كقوة تأريخية؟

ج: الأنسان بالنسبة لي مقولةٌ مجردة جداً! الأمر يتعلق، كما يبدو لي، أيَّ إنسان؟ متى؟ أين؟ ولماذا يتصرف بهذا الشكل دون غيره؟! أُفضّلُ التعامل مع الملموس على المجرد. فمثلاً أرى أن الرأسمالية ليست قَدَراً لا رادَّ له بالنسبة للأنسانية، يتحتمُ الإنصياع له بقنوطٍ إغريقي!كذلك الحال بالنسبة للزمن الحاضر فهو الآخر ليس مصيراً محتوماً، بل يجب إعتباره تحدياً يستلزم إنتاجَ معرفةٍ تؤمن بضرورة بناء عالم آخر. فغالبية سكان العالم اليوم ترى كوكبنا بأعتباره جحيماً بالنسبة لكواكب وعوالم أخرى. على المرء أنْ يتعامل بوعي مع الواقع، بأعتباره تحدياً، دون الخوف من الشك المشروع في إمكانية قيام مثل هذا العالم البديل. ومهما بدا مُخالفاً للرأي السائد، فأن هذا الشك ضروريٌ. لأنه يشكل حماية ضد التسطيح، تسطيح المقولات والأفكار.اليقينية الوحيدة التي أؤمن بقيمتها، هي يقينية الشك، بهذا المعنى يمكنك أنْ تقول عني أنني إمرؤٌ شكّاك! فالشك يناكدني ويلاحقني منذ الساعات الأولى لأستيقاضي. فهذا الشك أهم أداةٍ ضد روتين فكرٍ يؤمن بأنه يتخذ مساراً مستقيماً على الدوام.

س: تقصد أنَّ الشك لديك قيمة ومقولة فلسفية؟

ج: بالضبط! هذا ما أردتُ قوله، ولا أدري لماذا فاتني ذلك. شكراً لك على الأستدراك.

س: هل أنَ التأقلُمَ مع المُعطى (ولا نقول الإنتهازية) حق من حقوق الإنسان؟

ج: كلنا ضحايا الخوف. إنه سجن كبير ونحن سجناؤه. لقد صنع الحكام ماكنة خوف تُنتج "غازات" تُشِلُّ قدراتنا، كي لا يقوى الناس على الفعل والتصرف، فيظلون أسرى الخوف من الحياة. ما زلتُ أتذكّر إجتماعاً جرى قبل بضعة عقود لعمال المناجم في بوليفيا. كانت النساء أيضاً تلعب دوراً شجاعاً في المقاومة. وقفت واحدة من النسوة وقالت :"نحن نناقش طويلاً وبحماسة شديدة عمن يكون عدونا الرئيس، البرجوازية؟ الرأسمالية؟ دولة تابعة للأجنبي؟ أريدُ أنْ أقول شيئاً كي لا تُصدعوا رؤوسكم بمزيد من النقاشات، التي لا طائل منها. عدونا الرئيس هو الخوف، يجب كَسرُه..". سأحكي لك مثلاً من كرة القدم...

س: ها قد عُدنا إلى مبتدأ الحديث. مرة أخرى إقتباسٌ من غاليانو:"لن أستجدي مباراةً جيدة في كرة القدم.لن أجولَ العالم وملاعبه، قُبّعتي بيدي وأنادي.. حَسَنةٌ يُعوِّضها الرب!لعبة جميلة جزاكم الله..!"

ج: كذلك هي الحال! في نهاية السبعينات من القرن المنصرم جرت مباراة نهائية هامة لكأس بطولة بوغوتا بين فريقي "سانتا فَيْهْ" و"المليونيريون". وكان كل فريقٍ منهما منهمكاً في كره الفريق الآخر، وقد أهملا كرة القدم!عليكَ أنْ تتصور جاراً يكره جاره ولا شيء غير الكراهية! في تلك المباراة كان الملعب مرجلاً هائلاً يغلي بسائل شيطاني! وهو أمرٌ طبيعي في الملاعب! وقبل أنْ يُصفر الحكم بقليل إيذاناً بضربة جزاء لصالح "سانتا فَيهْ"، حيث كان اللاعب عمر لورنسو، هو الذي يتوجب عليه القيام بضربة الجزاء لأن الفاول جرى ضده.. تقدم عمر من الحكم وقال له أنَّ الخطأ (الفاول) ضده لم يكن مقصوداً، إنما تعثَّرَ هو بقدمه.. الحَكَم من جانبه أشار إلى الجمهور المستشيط حماسةً في الملعب، وأنه ضمن هكذا ظرفٍ لا يمكنه التراجع عن قراره!فماذا كان على اللاعب عمر لورنسو أنْ يفعل؟ هيأ الكرة كي يركلها. وفعل ذلك حقاً... ولكن ليس بأتجاه الهدف، بل بعيداً كل البعد عنه. كانت تلك اللحظة نهايةَ مسيرته الكروية! لكنه تفوق على خوفه وإنتصر عليه، رغم غضب الجمهور وأقرانه في الفريق، الذين شعروا بالعار.. ورغم معرفته ما سيحلُّ بمستقبله. من المؤكد أنه تحاور مع نفسه. لقد إتخذ قرارا مناسباً ومهماً له شخصياً. مثل هذا القرار نواجهه في الحياة دوماً.

س: كرة القدم عمل تجاري قاسٍ، ذلك أنَّ الأمر يتعلَّقُ بمبالغ ضخمة. لذلك فأن كل مباراة تستدعي أقصى درجات الحذر وإجراءات أمنية.. المشاهدون والمشجعون يكونون ضحايا للمضاربات وعمليات الخدعة عدة مرات. لكن رغم كل ذلك يظل ملايين الناس أُمناء لكرة القدم. وهكذا ينتصر النظام.

ج: نعم! لعبة كرة القدم، في العالم كله، قضية مثيرة للعواطف، لا نحتاج لمناقشتها، وهي من بين أكثر الألعاب قسوةً، وفي الوقت عينه لعبةٌ مُدرّةٌ لربح وفير جداً. وهذا ليس بسر، بل يعرفه كل متحمِّسٍ لها.لكن مهرجان اللعبة نفسه يظلُّ "مقدساً وطاهراً "! وفي الموقف من كرة القدم، يتبيّن أنَّ المثقفين، لاسيما اليساريين منهم، يحبّون الأنسانية بشكل عام، وليس الأنسان الملموس وسلوكه الفعلي والواقعي. لا يُنكر أنه في عصر ما يسمى بالعولمة الحالية، تغدو كرة القدم واحدة من فروع الصناعة المزدهرة جداً. لذلك فأن السرعة ورشاقة الحركة وجمالية الفعل تجري التضحية بها لصالح "عامل الأمن"!لكن إزاء هذه الممارسة يغدو المرء جزءأً من تناقض، لأنَّ الجمال والأبداع يظل رغم ذلك جزءاً من الصفقة. فكما أنَّ الناسَ لا تريد الموتَ من الجوع، كذلك لا يريدون الموت بسبب لعبة أو ممارسة مُملّة. فالأنضباط(ديسبلين) وما هو غير مُتوقّع يتقابلان مع بعض. لذلك يتعيَن على المرء أن يكون حذراً كي لا يختزل كرة القدم إلى شيءٍ متناقض. فعلى الرغم من أنَّ الربح يقتل الفرحة في اللعبة وتُقزَّمُ المخيلة وتُحرم الأقدامُ من المجازفة، مقابل ذلك يوجد دوماً لاعبون يخرقون قواعد أمن اللعبة! إذ ينتزعون حريتهم في ممارسة المغامرة الممنوعة لينطلقوا نحو هدف لا رجاء فيه!

س: هل حقاً أنَّ كلمة ثورة ما عادت أكثر من ذكرى؟ وهل أنَّ الأجيال القادمة ستقولها مصحوبة بالغَرابة؟

ج: يتراءى لي أنْ ثمة طاقة للتحول موجودة، دون أنْ تمرَّ بمرحلة الإنفجار. نحن نحيا ونتحرك، لكن لا يمكننا في الوقت عينه أنْ نحظى بنظرة شاملة ذات طابعٍ إستخلاصي لهذه الحركة. لذلك فأن الثورة لا يمكن تصورها فقط على أنها فعل عنفي "يحرث"الواقع، إنما أعتقد، بل أُؤمن بأنها تحوّل جوهري، يجري بهدوءٍ دون أَنْ يُلحَظْ. فدروس الوقائع الأخيرة صلدة. إنها دروسٌ متواضعة، تدعونا إلى الخطوة، دون القفزة!!

س: ماذا يمكنك أنْ تنصح فيديل كاسترو، لو إلتقيته فجأة؟

ج: لا شيء. لا يمكنني أنْ أكونَ معلماً لشخص آخر.

س: ليس تعليماً، بل إسداء نصيحة.

ج: إني أُحب، بل مغرم بكوبا منذ الثورة. إنها رمزٌ للكرامة في عالم تعوزه الكرامة. كوبا أكثر بلد في العالم يمتلك طاقة التضامن، التي هي أحوج ما نكون إليه الآن. كنتُ أقول دوماً أنَّ التضامن الأصيل ينبع من حرية الضمير، لا من شعور بالإلزام أو كبت الحرية. في ولائي لكوبا أرفض فكرة أنَّ كليانية الدولة نقيضٌ لكليانية السوق. لا أثقُ بأحزاب وحدة (أو مُوَحدة) ولا بأجهزة تُراقبُ كل شيء وكل فرد. لا يصمدُ أيَّ نظام يقوم على أنَّ الولاء يعني طاعةً عمياء لكل الناس إزاءَ نظامٍ، حتى لو كان أحسن النظم. فمثل هكذا نظام يجب أن يقبل بأن يكون مكروها ومرفوضاً بعض الشيء، من قبل بعض الناس. فما جدوى أنْ تُردِّدَ تراتيلَ الأحد عن الجنة، في الوقت، الذي تدري فيه أنَّ الأثنين سيكون جحيماً! لذلك فأنَّ كوبا ليست الجنةَ الموعودة. إنما هي مغامرة أرضيةٌ رائعة، وكل شيءٍ أرضي ليس طاهراً، بل مُلطّخاً بوحل الحياة!!

***

حاوره: يحيى علوان

.....................

حاورته عام 2014 في مدينة فوبرتال، حيث صدرت نسخة من أعماله الكاملة عن دار بيتر هامر المتخصصة بترجمة ونشر آداب أمريكا اللاتينية باللغة الألمانية. كانت مسودة الحوار قد ضاعت مني مع كثير غيرها من النصوص في فوضايَ مع ورقياتي، التي لم أُحسن يوماً ترتيبها.. وقد وجدتها مؤخراً بالصدفة في صندوق مركون في الزاوية، وأنا أبحثُ عن شيءٍ آخر!

- ليس أقرب إلي روح الإنسان من الطبيب والأديب

- القرآن الكريم دستور العربية وكتابها الخالد ومعجمها علي مرّ القرون

- محمد عبد الحليم عبد الله هو روائي هذا العصر

- الأدب في أزمة والثقافة في محنة والكِتاب في مأساة

- الكتابة أوّلا وأخيرا انعكاس لشخصية الكاتب

طبيب وروائي، أَحبّ العربيّة من خلال القرآن، وعشق الطبَّ من خلال الأدب؛ إذ شبّ في أحضان أسرة عامرة برجالات القرآن فكان ذاك الشبل من ذاك الأسد، وبينما يتحسّس موضع قدميْه في الثقافة إذ به يقرأ رواية (اللقيطة) للروائي محمد عبد الحليم عبد الله ويقع في غرام الطب من خلال بطل الرواية د. جمال. وُلد عقب انقلاب يوليو 1952 بعاميْن، ونشأ بين الخضرة والماء والوجه الحسن في إحدى قرى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية ذات السبعة ملايين نسمة، وتخرّج في كلية طب المنصورة زمن اتفاقية السلام المزعوم بين مصر والكيان الصهيوني عام 1978، ثم تخصّص في طب الأطفال واعتركه في قارات ثلاث حيث مصر والخليج وألمانيا. أخلص للرواية دون غيرها من الأجناس الأدبية، فصدر له روايات (وزير في الجحيم) و(الانتقام المشروع) و (الندم)، وفي الجعبة حزمة أخرى تنتظر دورها في الطبع والنشر. ورغم أننا لم نلتقِ وجها لوجه، إلّا أن شعورا تولّد لديّ بأننا أصدقاء طفولة، ولهذا كان التواصل سهلا ميسورا عبر وسائل التواصل الحديثة. وببديهة حاضرة وسجيّة فيها من النّدَى كثير شبه؛ ما إن تلقَّى الأسئلة حتى شرع يدوّن إجاباته بلغة سلسلة متدفّقة وكأننا في حوار تليفزيوني مباشر على الهواء.

- برأيكم، هل غرّر بنا تشيكوف عندما أشار إلى إمكانية الجمع بين الطب والأدب في مقولته الشهيرة؟

* تظل كلمة تشيكوف الشهيرة بخصوص الجمع بين الطب والأدب أصدق كلماته، فليس أقرب الي روح الإنسان من الطبيب والأديب؛  الأديب يسبر أغوار النفس البشرية من خلال تجاربه وقراءاته، والطبيب يسبر النفس البشرية من خلال انشغاله بآلام مرضاه ومعاناتهم فتتجلّي له الحياة بحلوها ومرّها، ولا تنْسَ أنّ الغالبية العظمي من الأطباء ذوو  روح شفّافة وقلب رحيم ووجدان حيّ متدفّق بكل المعاني الروحانية.

- ما الذي تركه القرآن من أثر في كتاباتك؟

* القرآن الكريم دستور العربية وكتابها الخالد ومعجمها علي مرّ القرون، ولا يمكن لأديب أن يتذوّق العربية دون أن يمرّ عليه، فهو الكتاب الذي يُصلح ما اعوجّ من ألسنة الأدباء والشعراء. ونحمد الله سبحانه أن أنزل كتابه بالعربية، فهذه أعظم نعمة منحها الله سبحانه للعرب، وبذلك لا يمكن للعربية أن تندثر على كرّ الدهور لأنّ الله قد تعهّد بحفظ كتابه (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، وطالما بقي كتاب الله سبحانه فقد اطمأننا إلى بقاء لغتنا وثقافتنا وتاريخنا.

- لِمَ جذبتْك الرواية إلى عالمها، ألم يكن لك في بقية الأجناس الأدبية غناء؟

* الرواية أجمل فنون الأدب العربية، فهي تسمح لنا بمرافقة أبطال الرواية عبر سنين، فنأخذ من حياتهم وتأخذ من رهافة إحساسنا ونعيش معا في كهف واحد نتبادل خبرة الأيام والسنين. أما القصة القصيرة فتتحدّث عن موقف واحد فقط وليس بها حبكة درامية من عقدة يتم حلّها بتوافُق الكاتب والقارئ.

- مَن الروائي الذي استحوذ على اهتمامك وقرأْتَ كامل أعماله؟

* أعتقد أن الأديب العظيم محمد عبد الحليم عبد الله هو روائي هذا العصر برهافة حسّه ورقّة مشاعره التي فاض بها علي أبطاله وبطلاته، وقد شاءت الأقدار أن تجني عليه رقّة طبعه حين تطاول عليه أحد الأوغاد وكان سائقا لسيارة حقيرة يركبها الكاتب الكبير مع بقية الركّاب، ولم يستطع الكاتب الكبير أن يجاري هذا الوغد في حماقته ووضاعته وكتم غيظه وذهب الي منزله، فأُصيب بنوبة قلبية وصعدت روحه الي بارئها! وانظر كيف كان لا يركب سيارة خاصة، بل يُحشر مع بقية الناس في مركبة وضيعة يملكها أحد الرعاع! صحيح أن الدولة أعطته جائزة الدولة التقديرية عن رواياته، وتحوّلت بعض أعماله مثل لقيطة وشجرة اللبلاب وغصن الزيتون إلي أعمال سينمائية، ولكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن المكانة الاجتماعية التي حصل عليها لا تتناسب أبدا مع موهبته ومكانته الأدبية التي تصل الي عنان السماء.

- باعتقادكم، كيف نحلّ معضلة القراءة في عالمنا العربي؟

* مجتمعاتنا مجتمعات متخلّفة، وشأنها شأن كل المجتمعات المتخلفة لا تهمها الثقافة في شيء، ولا يحقّ لنا أن ننسب قلّة القراءة للتطوّر التكنولوجي وانتشار الفيس وجوجل ويوتيوب؛ لأن الذين اخترعوا هذه الاختراعات هم أكثر الناس إقبالا علي الكتب، وبعض الروايات الأمريكية يتم طبع الملايين منها. ولا شك أن الأدب في أزمة والثقافة في محنة والكِتاب في مأساة بعد انصراف معظم الناس عن القراءة وانشغالهم بالوجبات المعرفية السريعة التي تصلهم من وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يعُد للكاتب دور في الارتقاء بذوق الناس والحضّ علي القيم والمثل العليا، ولم يعُد للشخص العادي مورد لإنعاش روحه وتزويدها بما يروي ظمأها للخُلق القويم و الطابع النبيل.

- كيف تلخّص تجربتك مع النشر؟

* أغلب دور النشر تخلّت عن مسئولياتها في دعم الكتاب ونشر الثقافة، وراحت تجري وراء الأعمال التافهة المثيرة التي تحقّق ربحا مضمونا، ولا تبذل جهدا يُذكر للترويج للقراءة كنموذج حياة.

- بعدما كادت الكتابة الروائية تصبح مهنة مَن لا مهنة له، ما المعايير التي يمكن الاحتكام إليها للتمييز بين رواية غثة وأخرى سمينة؟

* المعايير التي يمكن الاحتكام إليها لتقييم العمل الروائي هي: موهبة الكاتب الأدبية، وامتلاكه لناصية اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة، وقدرته علي النفاذ لأغوار النفس البشرية وتشريحها وعرضها علي القارئ في بلاغة وعذوبة.

- هنا لك مدارس في النحو وأخرى في الشعر والرسم، فكيف انسحب ذلك على الرواية؟

* لا شك أن للرواية مدارس واتجاهات عديدة تختلف حسب شخصية الكاتب وثقافته ونشأته، لأن الكتابة أوّلا وأخيرا انعكاس لشخصية الكاتب المتفاعلة مع قضايا الرواية، هناك المدرسة الرومانسية الرقيقة ورائدها الروائي العظيم محمد عبد الحليم عبد الله، وهناك مدرسة الحدَث أو الأكْشن ورائدها نجيب محفوظ، ومدرسة الخوض في نفوس الأبطال ورائدها إحسان عبد القدوس، وغيرها مثل الروايات البوليسية. وإن شئت قمّة الرومانسية وجدتها في رواية (شمس الخريف) لمحمد عبد الحليم عبد الله، أما قمّة الاستغراق في بحر الشخصية المريضة فمثالها (شيء في صدري) لإحسان عبد القدوس.

- ما الوصية التي تُسديها للأمهات من أجل صحة أفضل لأطفالهم؟

* أُوصي الأمّهات بالحفاظ على صحة أبنائهنّ النفسية وقراءة نفس الطفل من خلال وجهه، فاذا فعلَت الأمّ ذلك، تكون قد حقّقت الركن الركين في تربية أولادها.

- بالإشارة إلى روايتكم (وزير في الجحيم)، كيف رصدتَ علاقة المثقَّف بالسلطة؟

* روايتي (وزير في الجحيم) تتحدّث عن خيانة المثقّفين الذين نالوا حظًّا كبيرا من العلم والثقافة والشهرة ثم وظّفوها لأغراض حقيرة مثل البحث عن المال أو السلطة، وفي الرواية لم يَنعم بطلها الدكتور حمدي حسين بعلمه ولا مكانته كأستاذ جامعي، وظلّ في عذاب أليم طيلة حياته يبحث عن منصب الوزير ويرتع في أحضان النساء، وانتهت حياته بفاجعة مأساوية بعد إصابته بالإيدز وخوف مَن حوله مِن الاقتراب منه، ومات وحيدا لم يصلِّ عليه أحد ولم يشيّعه أحد الي مثواه الأخير!

- ما قولكم في اتهام الروائي ذي الحسّ الإسلامي بأنه يغلّب الوعظ على الفنّ؟

* الرواية كما قلنا تنطبع بروح الكاتب، وإذا كان الكاتب ذا حسّ اسلامي فإن ذلك يصبغ الرواية بطابع أخلاقي، فهو لا يرفع العصاة والزناة والأفّاقين، واذا كان موهوبا فإن ذلك يتسلّل إلى القارئ دون أن يشعر. أما إذا كان كاتبا ساذجا فانه يلجأ الي الوعظ وهذا يفقد الرواية قيمتها ويفقد شغف القارئ بالعمل الأدبي فينصرف عنه ويشيّعه باللعنات. ولابد أن نعرف أن الأدب له مهمّة مقدَّسة في الحياة، ولا ينبغي أن تكون الرواية مجموعة حكايات الهدف منها جذب القارئ بخسّة. وصحيح أنّ الأعمال المنحطّة التي تغرق في الجنس والمِثلية تحقّق أكبر المبيعات وتصل الي القارئ بسرعة مذهلة، ولكن مع نجاحها يكون الكاتب قد باع شرفه بعرَض دنيء، ولعلنا نتذكّر أعظم الروايات علي مرّ التاريخ وهي رواية (آنا كارنينا) للكاتب العظيم تولستوي التي تطرّقت الي الخيانة الزوجية ولكن الكاتب أفصح عن اتجاهه لرفض هذا السلوك المشين حين جعل بطلة القصة تُسلم عنقَها الي عجلات القطار.

- في عصر وسائل التواصل الحديثة التي محت المسافات، هل لا زالت الإقامة في العواصم تلعب دورها في شهرة الكاتب من عدمه؟

* انتشار الكاتب لم يعد معبّرا عن موهبة الكاتب بقدر ما يعبّر عن قدرته علي التواصل مع دور النشر ووسائل الإعلام وأبواق الدعاية، وذلك لم يكن ممكنا في القرون الماضية، بل كانت موهبة الكاتب هي المعيار الوحيد لنجاحه.

***

حاوره: د. منير لطفي

- القراءة الموسوعية تدفع المرء لكي يساهم في مجالات أخرى غير اختصاصه

- لا أجد تناقضاً بين التخصصين الأدب والسينما فأحدهما يكمل الآخر ويثريه

- ولد د. جواد بشارة في بابل ـ العراق ـ 1955، - بكالوريا علمي من الثانوية المركزية في بابل سنة 1973.

- غادر الى باريس منتصف السبعينيات، وحصل في البداية على ليسانس علوم سينمائية وإعلامية من جامعة باريس 1977، - ماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة باريس 1978، - دبلوم دراسات معمقة من جامعة باريس الأولى السوربون في النشاطات الإعلامية والسمعية البصرية 1980، دكتوراة الحلقة الثالثة في السينما من جامعة باريس الأولى سنة 1982 عنوان الأطروحة « نحو نظرية جديدة في اللغة السينمائية من منظور السيميولوجيا ـ نظرية الإشارات والرموز أو النظرية الدلالية ـ «، - دكتوراه دولة في الأدب الفرنسي وعلاقته بوسائل التعبير السمعية البصرية من جامعة باريس الأولى 1984 عنوان الأطروحة « البنى السردية في روايات وأفلام مارغريت دوراس

- أسس شركة للإنتاج السينمائي والنشاطات الإعلامية بإسم « أفلام عشتار ASHTAR FILMS " انتجت بعض الأفلام القصيرة ونظمت دورات سينمائية للشباب. كما أسس دار للنشر بإسم بابلونيا EDITIONSBABYLONIA" ساهمت في نشر وإخراج وطباعة العديد من الكتب الفرنسية.

له خبرة عملية وتقنية في الطباعة والعمل على الكومبيوتر MAC ماكنتوش وPC منذ سنة 1988 على مختلف البرامج العربية والأجنبية.

مارس العمل الصحفي والإعلامي والنقد السينمائي وكتابة الأبحاث والدراسات السينمائية والفنية المنشورة في مختلف المجلات المتخصصة بالفن السينمائي والمسرحي منذ سنة 1967 بصفة محلل وصحافي وإعلامي سياسي واقتصادي واستراتيجي وثقافي في العديد من الصحف الفرنسية ومحرر لدى مجلة دراسات شرقية الصادرة في باريس منذ عام 1986 إلى الآن. لديه خبرة واسعة في الإعلام الفرنسي والدولي والعلاقات العامة في المؤسسات الإعلامية الفرنسية

عمل مراسل في باريس لإذاعة أوروبا الحرة 2000-2001، و- نشر مايزيد عن خمسة آلاف دراسة وبحث ومقالة بين تأليف وترجمة في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية في مختلف الصحف والمجلات العربية والأجنبية

كما عمل في الدائرة الصحفية للسفارة اليمنية من سنة 1980 إلى سنة 1992 في ترجمة وإعداد ودراسة وتحليل النشاطات الإعلامية على الساحة الفرنسية والعالمية وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي وكتابة التقارير الدبلوماسية التحليلية في كل أسبوع مع ترجمات مختصرة أو كاملة لما يكتب في الصحافة الفرنسية والعالمية.

وعمل مراسلا في فرنسا لعدة مجلات وصحف عربية مثل "المدى" و"النهج" و"لنور" و"الدفاع الخليجي" و"الموقف" و"الحياة السينمائية" و" نزوى" و"الدفاع الخليجي"، و"مجلة المجلة" الخ... وتعاون مع بعض المجلات والصحف الفرنسية في الكتابة والترجمة مثل مجلة " مشرق ـ مغرب الصادرة عن مركز الوثائق الفرنسي " ولوموند دبلوماتيك " وكورييه انترناسيونال " ومساهمات في ترجمة النص العربي لصحيفة لوموند ديبلوماتيك.

أجرى المئات من المقابلات مع مختلف الشخصيات العالمية وفي مختلف الاختصاصات التي نشرت في مختلف وسائل الإعلام

- عرض وقراءة ونقد وتعليق على مئات الكتب الصادرة باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية. تعاون مع مركز الدراسات العربي الأوروبي بباريس منذ تأسيسه سنة 1992 من خلال الترجمات والكتابة في مجلته " الملف العربي ـ الأوروبي " ومن ثم العمل فيه كموظف منذ سنة 1997 إلى 2001، وكتابة العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير للمركز والإشراف الفني من ترجمة وإعادة صياغة وطباعة وإخراج وتحرير لجميع المداخلات التي ألقيت في مؤتمرات مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي التسعة منذ سنة 1992 وصدرت في كتب عن منشورات المركز.

نظم وأدار أربع دورات تدريبية سينمائية للأطفال والشباب بين 8 إلى 18 عاماً تمخضت عن إخراج وتنفيذ أربعة أفلام سينمائية روائية قصيرة مقاس 8 مللم و16 مللم و35 مللم عرضت في التلفزيون الفرنسي وفي بعض دور العرض والنوادي السينمائية.

القى العديد من المحاضرات الفنية والفكرية والعلمية في العراق وأوروبا. وعمل رئيس لمؤسسة العراق والعالم للدراسات السياسية والإستراتيجية، مديراً عاماً للعلاقات الدولية في مؤسسة معهد المدينة الفرنسية للشرق الأوسط.. ومديرأً عاماً للإعلام في وزارة الثقافة العراقية 2003-2005، ومستشارأ لوزير الثقافة للشؤون الفنية

كما عمل مراسلا لصحيفة المدى العراقية في باريس ومستشارأ إعلاميا في عدد من الصحف والمواقع الإعلامية المكتوبة والمرئية والانترنيت مثل إيلاف والحوار المتمدن والأخبار وغيرها وقناة فرنسا 24 الفرنسية الفضائية باللغتين الفرنسية والعربية وإذاعة فرنسا الدولية وإذاعة مونت كارلو وإذاعة الشمس وغيرها 2005-2010.

له العديد من المؤلفات منها:- كتاب " نقد العقل اليهودي الغربي " باللغة الفرنسية، - كتاب " إيران تحديات العقيدة والثورة " صدر عن مركز الدراسات العربية الأوروبي سنة 1999، - كتاب" السياسة السينمائية في العراق من سنة 1940 إلى 1990" دارالمدى سنة 2000، -الكون أصله ومصيره 2011، -الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء 2012، الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبير 2013، جذور الفوضى في خمس دول عربية العراق سوريا لبنان اليمن وليبيا 2023، - السنة والشيعة الفتنة الكبرى في مائة سؤال وجواب 2023، الإسلام المتشظي الجذور التاريخية للانقسام الشيعي والسني 2023

ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما.2023

كما أن له كتب مترجمة عن الفرنسية منها: المحرقة تحت المجهر ليورغن غراف " نشر في دار المدى 1994، - الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلة لروجيه غارودي دار عطية 1997، - محاكمة الحرية لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002

- المستقبل برنامج عمل لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002، - مذكرات روجيه غارودي دار نشر البراق 2002

- العنصرية كما شرحتها لإبنتي للطاهر بن جلون 2001، - دروس في الإخراج السينمائي سيرغي آيزنشتين وزارة الثقافة سوريا2002

4825 جواد بشارة

* حدثنا عن نشاتك وطفولتك، وماهي المراجع التأثيرات في طفولتك التي جعلتك بهذه الاهتمامات الفنية والأدبية؟

ج: ولدت في بيئة فقيرة وشبه معدمة مادياً في محلة تعيسة تسمى محلة التعيس في الحلة في خمسينات القرن الماضي في أواخر العهد الملكي حيث تسود الأمية والجهل والفاقة والعوز والحرمان من أبوين أميّين متدينين وفق الأعراف الدينية السائدة وكان والدي يتمنى أن يراني، عندما أبلغ سن الرشد، من طلبة الحوزة العلمية لابساً للعمامة على نهج جد والدتي المرجع الديني العلامة آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي المعاصر لأبي الحسن الأصفهاني في عشرينات القرن الماضي. رغم فقر العائلة واصلت دراستي بالضد من رغبة والدي الذي يريدني أن أتعلم مهنة البقالة وبيع الخضروات في دكانه في السوق الكبير وأخذ مكانه فهو لايؤمن بأهمية المدرسة والدراسة والشهادة الدراسية على العكس من والدتي التي كانت ترغب أن تراني معلماً وكان هذا أقصى طموحها. كنت شغوفاً بالقراءة ومصاباً بالفضول المعرفي وعاشقاً للسينما منذ نعومة أظفاري ومن ثم عاشقاً للفيزياء في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية. في سنة 1963 كنت أتردد على مسجد المحلة وأقيم أذان الفجر أحياناً فالتقيت في أحد الأيام بشاب شيوعي مختبئاً في سطح المسجد لأنه كان مطارداً من قبل الحرس القومي البعثي الذي يريدون اعتقاله وتعذيبه وقتله فدار بيني وبينه حديث إذ سألته يقال عنكم أنتم الشيوعيين بأنكم ملحدين ولاتؤمنون بالله وها أنت تختبيء في أحد بيوت الله، فرد علي بأني مازلت صغير السن لمعرفة تفاصيل الموقف الشيوعي من الدين لكن مايشاع مغرض هدفه التسقيط وتشويه سمعة الشيوعيين. وكان خائفاً أن أشي به للسلطات وقبل أن يغادر ترك لي كتاب « الكون الأحدب» لعبد الرحيم بدر. لم أفهم من الكتاب شيئاً رغم قراءتي له عدة مرات لكنه خلق في داخلي رغبة عارمة في فك طلاسمه، وبعد ذلك وجدت كتاب آخر عن نظرية النسبية لعبد الرحمن مرحبا. وبعد أشهر وقع بين يدي كتاب عن نظرية التطور لسلامة موسى فزاد فضولي المعرفي وعثرت على التناقضات بين الخطاب الديني التقليدي الذي تربيت عليه والخطاب العلمي عن موضوع الخلق والعقاب والثواب والخطيئة الأولى وخرافة آدم وحواء. كانت اللحظة الفاصلة في حياتي قد حدثت سنة 1969 عند صدور كتاب نقد الفكر الديني للراحل الكبير الدكتور صادق جلال العظم الذي صقل رؤيتي ومفاهيمي وقلبها رأساً على عقب. وباعتباره فيلسوفاً ماركسياً فقد حثني على قراءة الكتب الماركسية الصادرة عن دار التقدم في موسكو رغم حداثة سني. كنت أقرأ كل مايتوفر في السوق عن السينما وكانت لغتي الانجليزية جيدة جداً فكنت اقرأ بها بعض المقالات والمجلات عن السينما وكافة الكتب المترجمة عن السينما في ذلك الوقت ولم تكن كثيرة. بين الخامسة عشر والتاسعة عشر من عمري شعرت إني نضجت كثيراً وازداد وعيّي ومعارفي المتنوعة وكنت مصراً على دراسة السينما في أحد المعاهد العليا المشهورة إما في موسكو في « الفغيك» أو في باريس في « الإيديك». كما كنت مغرماً بالثقافة الفرنسية والفكر الفلسفي الفرنسي لاسيما الوجودية حتى كانوا يطلقون علي لقب « جودي الوجودي» ولقد وثّق الصديق المبدع نوفل الجنابي ذلك في كتابه (الحلة الساخرة) من منشورات المدى. كنت منعزلاً عن محيطي ووسطي الشبابي لاختلاف نمط تفكيري عن باقي شباب المحافظة. كانوا ينظرون لي بسخرية لأني لا أمتلك مقومات السفر للخارج فليس لدي بعثة أو زمالة حكومية ولا أهل أغنياء يتكفلون بمصاريف دراستي في أوروبا ولم أكن أتحدث الفرنسية ورغم ذلك سافرت وبجيبي مائة دولار فقط. وبالمثابرة والإصرار والتحمل والمغامرة وصلت لباريس في بداية السبعينات ونجحت في دراستي للسينما وحصلت على الدكتوراه من السوربون كما تخصصت بالفيزياء الكونية الكوزمولوجيا كما كنت مخططاً لذلك. كنت مطارداً من قبل أزلام البعث وهيئتي الخارجية الرثة الهيبية تجذب الأنظار والاشمئزاز في نفس الوقت مع شعري الطويل الأصفر وملابسي غير المألوفة. رفضني الجميع المجتمع والأهل والأقارب وحتى الأصدقاءوزملاء الدراسة عدا قليلين منهم.

* في رحلتك الأولى الى باريس كانت السينما هو إنحيازك الأول وحصلت على شهادة علمية بذلك.. ما الذي جعلك إذن تتجه الى الادب والترجمة والاهتمامات العلمية؟

- في باريس تتوفر للشخص الراغب كل سبل التعلم والعلم والمعرفة والمصادر الأكاديمية الجادة ومن الغباء عدم استغلال هذه الفرص المتاحة، فلا يجب أن نكتفي بالاختصاص الضيق، بينما الأفق واسع ومفتوح على مصراعيه لننهل من هذا المعين المعرفي الرائع فالقراءاة الموسوعية تدفع المرء لكي يساهم في مجالات أخرى غير اختصاصه، والأدب والترجمة والبحث العلمي جزء من هذا الحيز المعرفي والابداعي المتوفر فكتبت في مختلف المجالات في النقد الأدبي والفني والبحث التاريخي والتنظير والنقد السينمائي، وبالطبع في المجال العلمي الكوسمولوجي حيث نشرت عدة كتب رصينة في هذا المجال مثلما نشرت في مجال السينما والفلسفة ونقد الفكر الديني كجزء من دوري كمثقف في عملية التنويروالتوعية ومحاربة الخرافة والشعوذة.4825 جواد بشارة

* حصلت على شهادتين علميتين من جامعة باريس الأولى عن السينما عام 1982 والثانية عن الأدب عام 1984.. الا ترى ان ذلك تشتتا بوسائل الوصول الى هدفك، ام أنك كنت متقصد دراسة هذين التخصصين من منطلق كونهما متكاملين.

- بالفعل لا أجد تناقضاً بين التخصصين فأحدهما يكمل الآخر ويثريه. فالسينما عبارة عن نافذة على العالم تضم كافة العلوم والفنون ولايمكنك أن تصنع فناً سينمائياً عميقاً بدون معرفة وخلفية ثقافية موسوعية متنوعة، أدبية وفنية وجمالية وفلسفية وتاريخية واقتصادية وتكنولوجية الخ.. كما يمكن للمبدع في أي فن الاستلهام من السينما عناصر التعبير الفني المتطورة. وهذا لايحدث أي تشتت بل بالعكس تكامل وتدعيم أحدهما للآخر، لذا كنت متقصد للتعمق في المجالين بنفس المستوى خاصة وأطروحتي الثانية كانت عن مبدعة روائية ومخرجة سينمائية طليعية هي مرغريت دوراس وعن البنى السردية في رواياتها وأفلامها، أما الأطروحة الأولى فكانت تحت عنوان» بحثاً عن لغة سينمائية جديدة على ضوء نظرية السيميولوجيا، أي نظرية الدلالات والإشارات والرموز.

* ماذا ترى إذن في هذه الاهتمامات المتعددة سينما صحافة إعلام أدب علم..؟ هل هناك ما تود ان تشرحه للقارئ في ذلك؟

- هناك ممارسات فرضتها ظروف المعيشة في الغرب ولذلك اخترت المهن الأقرب للتخصص كالإعلام والصحافة، وإلى حد ما الترجمة، لأن ممارسة السينما كمهنة ليست بالأمر الهين خاصة إذا كنت تنوي صنع أفلام من نوع أفلام تاركوفيسكي وبيرغمان وبازوليني فلن تجد منتجاً أو موزعاً يقبل بك. ثم بالنظر إلى الوعي المتدني والمتقهقر لدى المتلقي في العقود القليلة الماضية، كان لابد من فعل شيء يعالج هذا التردي من خلال التأليف والكتابة الجادة في مختلف الفروع والاختصاصات والخوض في مواضيع كانت ومازالت تعتبر من الممنوعات والمحرمات ويمنع الاقتراب منها كالسياسة والدين والعلم. أسست دار نشر بإسم منشورات بابيلونيا ونشرت كتابين الأول باللغة الفرنسية بعنوان» نقد العقل اليهودي الغربي» والثاني مترجم عن الفرنسية بعنوان» الهولوكوست تحت المجهر» لكن اللوبي الصهيوني الفرنسي حطم مشروعي وحاربني واتهمني بتهمة ناكري المحرقة.

* رغم غنى معرفتك في السينما التي توجتها بشهادة متخصصة وقربك من اعظم إنجازاتها اعني في باريس لكنك لم تخرج منجز فيلمي عدا بعض الأفلام القصيرة.. ما سبب ذلك؟

- لقد أسست شركة للانتاج السينمائي في باريس تحت إسم أفلام عشتار وانتجت بعض الأفلام الوثائقية وكتبت ست سيناريوهات لأفلام طويلة حاولت إنتاجها مع ممثلين نجوم معروفين كنت قد حصلت على موافقتهم بعد قراءتهم للسيناريوهات لكن العقبة كانت تمويلية فلم أنجح في تأمين ميزانياتها كاملة ولم أنجح في إيجاد موزع يقبل بتوزيعها وعرضها على الصالات وهذا يعني الحكم عليها بالاعدام والموت قبل خروجها للعرض فالفشل التجاري والافلاس كان محتوماً لو غامرت أكثر وانتجتها بالامكانيات الضعيفة التي توفرت لها وهي كما قلت أفلام ذات رسائل فكرية وفلسفية عميقة ومعقدة في نهجها ولغتها السينمائية غير الجاذبة للجمهور.

يفتقد تخصص السينما في العالم العربي للتنظير فهو خالٍ من الدراسات النظرية.. هل تعتقد انك في الكثير من مؤلفاتك تتجه لهكذا مشروع.

حاولت وأحاول دوماً سد الفراغ في هذا المجال فلدي الكثير من الكتابات التنظيرية الجمالية والأكاديمية التي يحتاجها طلاب ومدرسي مادة السينما فهي وفيرة في اللغات الأجنبية وشبه مفقودة أو نادرة في اللغة العربية فلدي كتاب في جزئين سيصدر قريباً جداً عن دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة تحت عنوان» ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما: كما صدر لي كتاب « النظريات الكبرى في لغة الفيلم وجماليات السينما « عن دار أهوار في العراق في شارع المتنبي وهناك كتاب تحت الإعداد بعنوان: وتريات سينمائية» وآخر ترجمة عن الأدب والسينما وكتاب عالم الاجتماع والمنظر الفرنسي إدغار موران « السينما والإنسان الخيالي» الذي انتهيت من ترجمته للتو وسينشر في دار أهوار أيضاً، وكتاب آخر عن غودار وعالمه السينمائي.

* عملت في كتابة النقد السينمائي في أكثر من منبر اعلامي. ما هي قراءتك للحركة النقدية في العراق... وما سبب تأخر تطورها؟

- النقد السينمائي مجال رائع ومهم ويحتاج لتخصص وقلم متمكن ومحيط سينمائي مزدهر سواء في مجال الانتاج أو العرض، والحال إن النقد السينمائي بمعناه الحرفي في العراق ليس منظماً ومحبوكاً مثلما هي حال السينما في العراق عدا بعض الاستثناءات التي تعد على أصابع اليدين، وأغلب النقد عن أفلام لم تكن متاحة للجمهور إلا في الآونة الأخيرة بفضل منصات العرض المتخصصة كنتفليكس ويوتيوب وغيرها وغالبًاً ما يكون المقال النقدي مقتضباً بسبب شروط النشر المجحفة في الصحف اليومية، لذلك لاتتاح للناقد أن يطور أدواته ويكتب أبحاثاً مطولة وعميقة عن مخرج بعينه وسينماه أو عن مدرسة سينمائية ما، فعبر هذا الطريق تحول نقاد متمرسين إلى مخرجين عظام أسسوا مدارس سينمائية مهمة كالموجة الجديدة الفرنسية التي تخرّج معظم كادرها من بين صفحات مجلة كاييه دي سينما أي كراسات السينماعلى سبيل المثال لا الحصر .

* ما الذي يجعل للمثقف دورا مفصليا في شؤون بلده اعني في العراق.. وانت احد المثقفين؟

- قبل كل شيء يجدر بنا التساؤل أولاً ما هو المثقف ومن هو المثقف وما هو تعريف المثقف ومن الذي يقرر ما إذا كان هذا أو ذاك الشخص مثقفاً؟ وعلى افتراض وجود إجابة ناجعة مقبولة فهل هناك ما يميز من نسميه المثقف عن باقي أفراد مجتمعه، من النخبة إلى قاع المجتمع؟ الدور الذي يجب أن يقوم به كل فرد، وعلى نحو الخصوص، من نسميه المثقف، هو العمل على تنوير المجتمع وتوعية فئاته المتعلمة والجاهلة ووضع الحقائق التي يتوصل إليها بين يدي أبناء مجتمعه ويمنحهم عصارة خبرته وتجاربه وما توصل إليه من معرفة ومعلومات وحقائق لكي ينير الطريق أمام كافة فئات المجتمع وأن يتصدر النشاطات التي تطالب بتحرير المجتمع من الجهل والخرافة والتغييب المتعمد ويساهم بحركة التنوير والتوعية والارتقاء بالتفكير الجمعي وأن يكون ملتزماً بقضاياً شعبه من خلال عطائه وإبداعه وهو الذي يسميه سارتر بالمثقف الملتزم. ينبغي أن يكون المثقف الحقيقي قدوة لغيره ومتجرد من انانيته ومصالحه الشخصية الضيقة. وهذا النموذج من المثقفين نادر. لم نكن مثقفين فحسب، بل كنّا منخرطين بالعمل السياسي المعارض للفاشية والديكتاتورية ونعمل بجد ونشاط لفضح النظام السابق وإدانته في المحافل الثقافية والإعلامية. شاركت في تأسيس رابطة الكتاب والصحفيين العراقيين الديموقراطيين في المنفى وحضرت مؤتمراتها وساهمت في مجلتها " البديل" كما كتبت ونشرت في مجلات معارضة مثل النهج والمدى.4826 جواد بشارة

* ماهي أهم الأحداث التي واجهتك منذ لحظة وصولك إلى باريس؟

- لقائي بالفيلسوف والأديب والمعلم الكبير جان بول سارتر. فقد كان حدثاً زلزل كياني ومنحنى قوة وسعادة لا توصف. كان حلماً يستحيل التحقيق وأصبح حقيقة واقعة لا يمكنك أن تتخيل مدى أهمية ذلك وقيمته في نفسي كان اللقاء يفوق الوصف مع إنه حدث هكذا وبكل بساطة ولم يكن معجزة.الحدث الثاني كان لقائي بأستاذي ومعلمي وأبي الروحي جان ميتري الكاتب والمؤرخ والمنظر والأستاذ في الفن السينمائي. كان قامة عملاقة وغاية في اللطف والتواضع احتضنني بلا قيد أو شرط سوى تعلمي وبسرعة للغة الفرنسية ومواكبته الأبوية لي ولتطوري الدراسي والمهني الذي انتهى بإشرافه على أطروحتي للدكتوراه. إنه مثقف موسوعي وشاعر مرهف وناقد ومنظّر فريد من نوعه وكنت محظوظاً بقربي منه. كما كان لتعرفي على فريق عمل مجلة كاييه دي سينما ومجلة بوزتيف عميق الأثر في ثقافتي وتطور ذائقتي الجمالية خاصة وإن أغلبهم كانوا من أساتذتي كسيرج توبيانا وسيرج داني وميشيل ماري وإريك رومير وغودار ودومنيك نوغيز وغيرهم كثيرون. تعلمت منهم الكثير ولهم فضل كبير على تكويني وثقافتي السينمائية. كذلك تعرفي بميشيل فوكو وجيل دولوز وجاك دريدا وإدغار موران وكريستيان ميتز وميشيل أونفراي ومتابعتي لنشاطهم وكتبهم وأبحاثهم ودروسهم ومحاضراتهم وندواتهم.

* ماهو أهم شيء تعلمته في غربتك ومنفاك الباريسي؟

- تعلمت أن أكون حراً ولا أخاف من أحد أو أخضع لأحد أو لأي ابتزاز وتهديد. تعلمت أن أكون صادقاً ووفياً لمبادئي وانحيازي للفقراء والضعفاء ومقاومة الظلم والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة المحتاجين. وتعلمت ألا أضيّع وقتي لأن الزمن محدود وثمين والعمر قصير وله نهاية فعلينا أن نحقق وننجز كل مالدينا من مشاريع وطموحات قبل فوات الأوان.

* ماهي الكتب الفكرية التي تركت أثراً عميقاً في نفسك عدا كتب السينما ؟

- الوجود والعدم لجان بول سارتر والكينونة والزمن لهيدغر وأصل الأنواع لداروين ورأس المال لماركس، تاريخ القرآن لنولدكه ونقد الفكر الديني لصادق جلال العظم وبالطبع مؤلفات سيغموند فرويد ونيتشة لا سيما هكذا تكلم زرادشت.

* ركزت في كتاباتك ومؤلفاتك وكتبك في الآونة الأخيرة على موضوع مناقشة الفكر الديني وبجرأة مثل الإسلام السياسي من المنبع إلى المصب والثالوث المحيّر فما هو فحوى هذا الكتاب الأخير على سبيل المثال لا الحصر؟

- كتاب الثالوث المحيّر يتناول ثلاث محاور أساسية في حياة البشر وهي الله، والدين، والعلم، بثلاثة أجزاء. العنوان الفرعي للجزء الأول هو" لغز الألوهية" أما الجزء الثاني فهو تحت عنوان فرعي" الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي" فيما حمل الجزء الثالث عنوان فرعي " المواجهة بين العلم والدين"

وهذه محاولة للغوص في هذه المفاهيم الجوهرية الوجودية الثلاثة التي حكمت حياة البشر عبر آلاف السنين. ناقشت هذه الدراسة البحثية المستفيضة مفهوم الله أو الإله وكيف نشأ في التاريخ القديم والحديث وخاصة الصورة التي قدمته بها الأديان السماوية ونصوصها المقدسة كما ناقشت موضوع الدين وكيفية نشوء الأديان بمنطق تفكيكي وتحليلي نقدي بعيداً عن القدسية وتطرق الكتاب إلى التساؤلات الوجودية الكبرى عن الأصل والمصير ومحاولة سبر أغوار الجانب الخفي من الحقيقة الكونية وأصل الحياة ومصيرها وذلك خارج مملكة الله السماوية وفي أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي فالكون في حقيقته متسامي ومطلق والإنسان فيه ضئيل وأقل من لاشيء فالكون لا يهتم بالانسان وليس موجوداً من أجله وقد عرض الكتاب لمسألة وحدة الوجود الصوفية وحقيقة الكون المتسامي كما تناول موضوع الكائنات التي تملأ الكون وهي كائنات غير بشرية وقدم رؤية مغايرة لقصة الكون المرئي وناقش موضوع الصراع بين العلم والدين وكسر مسلمة تقديس السماوات من خلال عرض مفهوم الله بين العلم والفلسفة والدين وعرض بعض المطارحات الفلسفية والعلمية عن الكون والله وتناول مسألة التعاطي مع العقل عند الأديان ومن وجهة نظر العلم وهل العقل قادر وحده على اكتشاف الحقيقة وإثبات وجود أو عدم وجود الخالق؟ من خلال دحض الأوهام والخرافات التي لعبت دوراً في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات ودحض الرؤية الغيبية والماورائية عبر مناقشة إشكالية الخلق والأزلية ولم يتردد في نقد الآيديولجية الدينية وحقيقة الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان وكشف معضلة الوجود بين العلم والخرافة في الكون المرئي. تناول الجزء الأول من الكتاب موضوع في غاية الحساسية ويتعلق بلغز الألوهية وماهية الله من الناحية الفلسفية والثيولوجية الدينية أو اللاهوتية والعلمية تحت عناوين مثل الله ذلك المجهول هل هو فرضية زائدة في العلم؟ و" العلم والفلسفة يستجوبان الإله. ومن ثم التعمق في مسألة الألوهية من تساؤل " هل الله من اختراع البشر؟" والمضي أبعد من ذلك في البحث واستقراء" هل نستطيع إثبات وجود أو عدم وجود الله؟ كما عالجت في كتابي ثيمة فلسفية ودينية بعنوان " الله والشيطان ومعضلة الشر" التي أرقت البشر ونخبهم المثقفة ناهيك عن بسطاء الناس. وواصلت بحثي في تناول الموضوعات المتعلقة بلغز الألوهية و" نشوء الإلحاد والملحدين" ومناقشة مفهومي"الطبيعي والخارق للطبيعة، وقدمت عرضاً موجزاً لــ " علم الكونيات الملحد" والتعمق في " إشكالية الآلهة والألوهية والله الواحد" ووكرست الاستنتاج لــ" بحث في الإلحاد".فـــ " الله"، من حيث المبدأ، كان وما يزال وسيظل لغزاً يصعب سبر أغواره من قبل البشر، في الوقت الحاضر على الأقل. ولقد تبارى الفلاسفة وعلماء الدين وعلماء الطبيعة كل من زاوية اختصاصه للتعاطي مع هذا الموضوع الشائك كل ما لدينا لحد الآن مجرد إنشاء ومسلمات مفروضة وغير مثبتة وفرضيات لا حد لها حاولت وتحاول رسم صورة بورتريه لهذا " الله" الغامض المجهول والمعلوم في آن واحد والذي يحير ذوي العقول الواعية والعاقلة الذكية والمفكرة التي تتأمل في سره وماهيته وحقيقة وجوده أو عدم وجوده. كما تطرقت في كتابي لــ" الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي. وعادة ما يذهب بنا التفكير إلى أن العقل الثيولوجي هو العقل الديني الذي تهيمن عليه الخرافة والأساطير وبالتالي فهو عقل خرافي عموماً يؤمن بالخرافات والمعجزات وانتهاك أو خرق القوانين الطبيعية. والتعاطي مع مفهوم مع الحتمية والإرادة الحرة بين العلم والدين، وتطرقت إلى موضوع " التطور والداروينية مقابل الإله التوراتي الخالق وتخريجة التصميم الذكي. وهناك " تساؤلات وجودية كبيرة" حاولت الإجابة عليها ولو على نحو نسبي متواضع.

4827 جواد بشارة

حاوره: علاء المفرجي

- أميل في كتاباتي الى لشعر الذي يعبر عن الشجن الروحي ويميل الي الانطباعية في رسم الحلم والواقع..

- كان لي الشرف ان كنت من بين الشاعرات والشعراء الذين مروا من التجربة الشعرية الي التجربة القصصية والروائية وقد نجحت في ذلك..

- الشعر قادر على رصد الانفاعالات اللامتناهية وهو المدرسة الأولى التي يقف أمامها النقد صغيرا لاهثا وراء مراكماته.

- لحظة الكتابة تبقى لحظة فارقة وخارجية عن النص والزمان والمكان..

- كتبت في عدة أغراض شعرية.. في الشعر الغناىي والملحون والقصائد الموزونة وبين العمودي والحر والقصيدة النثرية..

- شاركت في عدة منتديات ومهرجانات عربية في تونس وخارجها كمصر وسوريا والعراق من خلال جوائز أدبية او تكريم لمسيرتي الابداعية..

الأديبة فتحية نصري متحصلة على الأستاذة في اللغة والحضارة العربية مربية اصيلة مدينة القصرين بدأت بكتابة الشعر والقصة القصيرة متحصلة على عدة جواىز وطنية في القصة القصيرة والشعر صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان "مدينة اغتيال الأحلام" عن دار سحر للنشر ورواية بعنوان "امرأة الليل" عن دار كنعان للنشر بدمشق وطبعة ثانية للرواية عن دار بيبلومانيا للنشر سنة 2021 تحصلت علي جائزة عربية في مصر عن رواية "امرأة الليل " من قبل المركز العربي للدراسات وللدقيق اللغوي وخدمات ما قبل الطباعة بإشراف الاستاذ فايز ابو جيش وعن منتدى غادة صلاح ولها قيد النشر مجموعة شعرية عن دار بيبلومانيا للنشر ورواية تتحدث عن زمن الكوفيد.. اختارت العمل الحقوقي أيام الثورة وبعدها وهي رئيسة منظمة نسوية تدافع عن حقوق النساء وترافق النساء ضحايا العنف وعضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وناشطة حقوقية.. بدأت بالشعر الذي تتقول عنه ".. وكلما اشتد الوضع قسوة اعتبر الشعر ملاذي وراحتي الأبدية وبيتي السري.. ".

هنا حوار معها عن الكتابة والتجربة والمسار الأدبي:

1/ كيف تتحدث الشاعرة والكاتبة فتحية النصري عن تجربة البدايات مع القصيدة.. مع الشعر.. والسرد.. ومع أرض السباسب.. الذات والمكان؟

- تجربة البدايات: اعتبرها تجربة العنوان والاندفاع الثوري والتمرد واكتشاف العالم.. كانت تجربة البدايات تتشكل وتنغمس في سجايا الروح وتبحث عن النقاء الثوري الذي نصبو اليه فكان من الطبيعي أن أميل الى الشعر الذي بيعبر عن الشجن الروحي ويميل الي الانطباعية في رسم الحلم والواقع وكذلك لانه قادر على رصد الانفاعالات اللامتناهية للحظة الشعرية التي تبحث دائما على أشكال تعبيرية آنية وانفعالية كانت أيضا متعلقة بالمزاج العام الذي كانت فيه القضية الفلسطينية هي البوصلة لتشكل وعيي الثوري كاغلب أبناء وبنات جيلي الى جانب التعلق بالمكان والوجه الحبيبة التي تدفعك للكتابة وفك شيفرتها حقيقة للمكان بلدتي التي اعشق تأثير كبير في مسيرتي الإبداعية والشرعية أين يتماهى الذاتي بالموضوعي فتربة الشعانبي الندية تلك المحمية الطبيعية العالمية والقمة الشماء والاابات الوارفة الظلال تاتير ارتبط بمخيلتي جعلت من وعيي يتفتح مبكرا وينتصر فيه للحب والجمال المحطة القديمة والَمقطورات المعملة والبيوت ذات الطابع الفرنسي القديم التي هجرها اصحابها جعلت من خيالي ينفلت بلا حدود حكايات تحفر في الروح وانا أمر في شوارعها التي احتضنها أشجار الكلبتوس والصفصاف تلك السواقي التي تشق البساتين والممرات.. كانت توشوشني بمالاف الحكايات بساتين العريش رىة القصرين التي تلطف الأجواء بغاباتها واشحارها المثمرة كجنة حان قطافها لتهدي العابرين ثمارها.. وادي الدرب الذي يتفتح على المسرح الروماني والمدينة الأثرية بسيليوم هي وسفيطلة بوابات النصر التي تذكر بأمجاد هذه الربوع المنسيك لتحدث العالم انها كانت عاصمة أفريقية لمىات السنين.. الوجو المتعبة للامهات والجدات المنحوتة بيد ريشة فنان فلورنسي فتواري أسرارها بالرسم الامازيغي الذي بخلتل الزمان ويعبر الحضارات محتفضا بالأصل محافظا على لغة الأجداد في الوجة الوشم الذي بحدث الدنيا عن اصولنا للرجال الاحرار الامازيغي مايدة يوغرطا والجبال التي كانت حصنا للوطن وللفلاقة ايام الاستعمار فعاقبونا لأننا ثرنا فزرعوا فيها الارهاب العيون الخضر والأزرق والشهلاء تحدث التاريخ عن المال في هذه الربوع رغم القبح الذي يحاصرنا ورغم الإهمال والنسيان تجعل مني شاعرة فلا خيار لي في ظل بيئة حاضنة للعشق والعرفان كل هذا الحب والجمال الطبيعي والطقس البارد الشتوي القاسي والصيف الحار الذي يتحفك لنسمات جبلية لا مثيل لها تسكن روحي فكلما ارتحت عنها عدت العاشقةالتي يدميها الهجران معهد الشهابي ابطي درست فيه اتاح لي المرور اليومي أمام معلمها البسيطة فتحفر في الروح آلاف القصص والحكايا التي لا تموت ومنه كانت بدايتي بالخاطر والمحاولات العربية في سن الثالثة عشر..

2/ الشعر والنقد.. ماذا تقولين عن العلاقة بينهما؟

- أعتبر الشعر المدرسة الأولى التي يقف أمامها النقد صغيرا لاهثا وراء مراكماته باحثا عن تجلياته بلا جدوى محاولا سبر أغواره فيعود متعبا مهزوما منكسرا أمام قوة حصونه المحكمة البناء لان الشعر وليد اللحظة الشعرية الفارقة والاحساس الروحي الصادق الذي لا يخضع للقواعد والقوالب والاملاءات متجاوز المنطق الذي يرغب النقد في اخضاعه له فلا ينجح وان ربح المعارك فهو الذي يخسر الحرب داىما مهما اجتهد في تفسير هذه الظاهرة الإنسانية الراقية يظل طفلا غريرا يعوزه الاحساس الصادق باللحظة الشعرية فيفسر مالا يفسر لذلك يظل الشعر أرقى انواع التعبيرات الفنية في نظري ويظل النقد بوابة منطقية تحاول توجيه الشاعر الي بوصلة لا يقصدها في أحيانا كثيرة على أهميته وبروز العديد من المدارس النقدية الحديثة موفقيالشخصي اعتبر الفنان كلما تخلص من سيف النقد والايدبولوحيا ظل قادرا على الإبداع اكثر حرا طليقا ثاىرا على على كل القوالب والقيود أما السرد فلي معه قصة عشق لا تنتهي بدأت منذ طفولتي سن الثامنة اوالتاسعة تقريبا إذ يعطي للمبدع مساحة للتداعي والتفسير والحكي بعيدا عن الترميز والابهام والغموض تاركا مساحة للتاريخ مراحل طويلة باسهاب فيه مكان للانفعال والخيال اكثر اتساعا وطلت تجربتي مراوحة بين الكتابة والسعر ولم أجد صعوبة في ذلك فالشعر يعطي مساحات اكثرا للأنثى ان تعبر عن عفويتها وميرلاتها في زمن ذكوري جارح هو بيتي السري وصندوق القديم وهو البوابة التي تترك لي مساحة للتعبير عن أحلامي وارهاصاتي وانتكاساتي التي تختزلني في عالم موجع للنساء في زمن التسليع لهذا الكاىن المفعم احساسا وشاعرية هذا المخلوق الذي قمعه التاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد والدين. لذلك أجد في قلمي سلاحي وبيتي السري الذي يلهمني التحدي ومواصلة المشوار الطويل والمنضني

3/ كتبت القصيدة.. هل ترين أنك أضفت لها.

- بدات بكتابة القصيدة الموزونة في البدايات وتأثرت بالمخزون الشعري العربي القديم شعراء المعلقات وشعراء القرن الرابع كالمجتون وبن ابي ربيعة وقيس وليلى وشعراء الخمري لأبي نواس وبشار بن برد.. وانتقلت الس الشعر الحديث شعراء مطلع القرن العشرين شعراء رابطة القلم العربي والمدرسة الرومنطيقية وتأثرت بالنجددين في السعر كنازك الملاىكة والشباب والجواهر ثم ادوتيس وأنسي الحاج وعشقت تجربة نزار قباني لكن كان ميلي اكثر لشعر محمود درويش نهبت من كل هذه الشارب لكن ام أكن من هواة التقليد واومن بالطابع الخاص وخصوصي كل تجربة شعرية وحقيقة اميل الى الشعر الثوري عموما ولا اميل الي القيود والتفعيلة والقيود في الشعر فكتبت تأثرت لكل المدارس الشعرية واخترت قصيدة النثر وبدأت تجربتي الشعرية تتشكل بعيدا عن التقليد والقوالب الجاهزة اما عن اضافتي للشعر او القصيدة اترك ذلك للتاريخ والقارىء لكن لدي ايمان راسخ ان لكل شاعر خصوصياته الإبداعية وعليه ان يدافع عنها حتى تتشكل تجارب متنوعة وللنقاد والتاريخ قولهم الفصل

4/ ماذا عن أحوال القصيدة العربية؟ وما هي القضايا الشعرية التي شغلتك مع جيلك؟

- القصيدة العربية الثورية عانقت الروعة بعد خمسينات القرن الماضي واتسمت بالجمالية والتمرد على الساىد وتماهت مع هموم الشعوب ضمن مدارس راىدة متنوعة المشارب لذلك أعتبر أنه من الطبيعي أن يبحث الشعراء عن التجديد والتمرد عن القوالب (القصيدة الموزونة...) وكان من الطبيعي أن يبحث الشاعر عن طرق أخرى للتعبير ويعود سبب ذلك الى الانتسكاسات والارهاصات التي مرت بها شعوب المنطقة وفشل شعارات أمن بها المبدع ودافع عنها في تجربته الشعرية أو الانسانية والايديولوجية والفكرية جعلت من الواقع لحظة اقتراف للذنوب او خداع تلك الطوباوية الثورية لشعراء أصابهم ما حدث من خراب بون وتشاؤم في مصر النكسة او ما حدث للقضية الفلسطينية من تخل عن الأرض والدخول في المفاوضات او الحرب على العراق وربيع الخراب الذي قضى على بقية الحلم رغم انه كان كل الحلم وليبيا وسوريا واليمن صور مؤلمة وصراع مع رجعيات عانينا تديرها المنهج للوعي الجمعي في العشرية السوداء في تونس.احدث كل ذلكر.تاثير فارق فالحروب والوهن والخراب جعل من الشعر في حيرة بين الساىد والحلم لذلك اعتبر ان من الضروري ان يبحث الشعر عن صورا جديدة تتناسب مع حجم ما وصلنا اليه من تغييرات ليفتح متافذا أخرى للحلم والأمل حتى اكون اكثر وضوحا كل ما حدث من خساىر علينا أن نتجاوزه بثورة فكربة وابداعية تجعلنا نعبر الراهن بسلام وأكبر دليل على أن القادم أجمل وجود أقلام واعدة ومبدعة وملهمة لنا حتى نستمر لأن جل ما شغل جيلنا قضايا مفصلية كتحرر شعوبنا من نبر الاستعمار المباشر او الغير مباشر فتوحش الرأسمالية الغربية والأمريكية أعاد هذه الشعوب الى البدايات كل هذه الانتكاسات أنجبت جيلا هاربا من واقعه متاثرا بجنة الغرب التي احرقتنا في ظل تعقيدات ومؤامرات تشهدها المنطقة لم يكن االفنان والمبدع في مستوى تحديات الراهن وانخرط في معارك جانبية اما مع الربيع اوضده متناسيا ان الثورات أساسها فكري وفلسفي وثقافي حتى تنجح. في ركام ولجج هذه التغييرات المذهلة والمتتالية يبقى (الشاعر الكاتب المبدع المسرحي الرواىي الرسام..) مشتتا بين مرارة الواقع وقسوته وكثرةالتحديات المطروحة عليه ما شغلني كجل أبناء وبنات جيلي القضايا العادلة مسألة الحرية وانتكاسة أحلامي بمستقبل يسود فيه العدل والحرية والمساواةالتامة والفعلية والقضاء على الظلم وقد ذكرت فيما سبق تأثري بقضايا التحرر العادلة في أمريكا اللا تينية وجنوب افريقيا وخاصة بالقضية الفلسطينية كانت لي رؤية كونية وانسانية للعالم كنت حالمةرو تاىقة للعدل والحب والجمال وقد راكمت تجاربا ايديولوجبة وسياسية أثناء الدراسة وفي النقابات وتأثرت بالفكر التقدمي ودافعت عن موقفي من الوطن والكون والحياة

5/ ماذا عن لحظة الكتابة لديك.. وهل نال شعرك ما يستحقه نقديا؟

- لحظة الكتابة تبقى لحظة فارقة وخارجية عن النص والزمان والمكان في الحقيقة حافظت دوما على عفويتها ومزاجيتها التي تبقى رهينة الإلهام والصفاء الروحي وتوفر شروط ذاتية وموضوعية للكتابة ظلت تراودني داىما فكرة اخضاعها للحرفية لكن فشلت ولم افلح في ذلك وتبقى طفلتي الحالمة التي تشبعت بقيم النقاء وجمال روح البدايات تغلب على طبعي وهذا ما يجعلني مقلة في النشر رغم أنني لم انقطع عن الكتابة نظرا لايماني باللحظة الإبداعية الفارقة والجمالية والكمال (الحق والحب والجمال...) لا -أنكر مزاجيتي واتمنى أن أصل الى الحرفية وأتمنى ان أتجاوز ذلك.. انا ابنة السباسب وحبي لمنطقتي وبقاىي فيها لم يتح لتجربتي الإبداعية الشعرية والرواىية ان تأخذ حظها كما أرى أن ذلك يعود لعدة أسباب اهمها تمركز الحركة الأدبية في العاصمة او المركز وعدم تفتحها على الداخل او الهامش وعدم أطلاعه وتعرفه على تجارب إبداعية واعدة رغم ان كتاباتي وجدت احتفاء عربيا في الجراىد والمجلات الخليجية والمشرقية كروايية وشاعرة نالت جوايز عربية لافتة معلي المستوى المحلي اسم فتحية نصري المربية والشاعرة والرواىية والمتاضلة الحقوقية والنسوية يعرفه الصغير قبل الكبير وايضا على مستوى العربي في دمشق والقاهرة عترف اهم النقادلعرب والمبدعين بجودة قلمي لكن اتمنى ان يتم تثمين تجربتي في وطني والتعريف بها وهذا ليس مقتصرا علي انا فقط فقد تم تهميش العديد من الأقلام المتميزة والمتمكنة من الفعل الإبداعي في تونس فقط لأننا لسنا في المركز لذلك لم تحضى تجربتي الشعرية والرواىية بحضها من النقد والتعريف

6/ بعض الشعراء مروا إلى الرواية وأبدعوا فيها.. كيف ترين ذلك؟

- كان لي الشرف ان كنت من بين الشاعرات والشعراء اللذين مروا من التجربة الشعرية الي التجربة القصصية والروائية وقد نجحت في ذلك فمجموعتي القصصية الأولى مدينة اغتيال الاحلام عن دار سحر للنشر تحصلت أقصوصاتها على جواىز وطنية كذاك روايتي امرأة الليل في طبعة أولى عن دار كنعان للنشر بدمشق والطلعة الثانية عن دار بيبلومانيا للنشر بالقاهرة تحصلت على جاىزة عربية سنة 2021 عن المركز العربي للدراسات والمراجعات الأدبية الذي يشرف علبه الاستاذ فاىز ابو جيش وعن منتدى حسام عقل وغادة صلاح وقد لاقت صدى طيبا فقد كنت فخورة ان قلمي مثل المرأة المبدعة التونسية أرقى تمثيل

لاننا جيل قد راكم تجربته الثقافية بشكل متنوع المشارب وكان لنا اهتمام خاص بالكتاب وتربينا على عشق المطالعة فكنا نحتفي بالكتاب فنطالع الشعر والرواية والنقد والمقالة الأدبية والكتب السياسية.. وقد بدأت تجربتي الشعرية وتجربة الكتابة القصصية في نفس الفترة ونلت عن ذلك العديد من الجواىز الوطنية مع انني اؤمن بأهمية الموهبة التى لا غنى عنها حتى أن جل النقاد الذين اطلعوا على كتاباتي القصصية أجمعوا على شعريتها في نظري لا حدود للشعر والقصة والرواية في الإبداع مادام القلم قادر على خط ملامحه الإبداعية بحرفية شرط الاقدار والتمكين والموهبة حتى لا نشرع لتداخل التخصصات الابداعية.

7/ هل ترين للشعر من جدوى في الزمن الراهـن؟

- للشعر في كل الأزمنة والأمكنة ضرورة واضحة فاضحة للرداءة والظلم والقهر معليا بذلك راية احق والحب والجمال سيبقى الشعر ما بقى الإنسان أداة جمالية راقية تكشف مكامن الروح ورقي الوجدان تكشف انحطاط الإنسان وتعري حيوانيته وتدعوه الي خوض التجارب المجهولة ذلك الكاىن المحب للطبيعة والقادر فجأة على حرق كل إنجازاته.. سيبقى الشعر ما بقى الانسان حرا من كل القيود.. تايقا للابهي والاجمل الشعر نبض حي ضمير الشعوب وموقف من الحياة بل هو الحياة نفسها وهو تشريع للحلم وبعد جمالي نابض باللمل والديناميكية أحمد فؤاد نجم بابلو نيرودا درويش نزار.. منهم تعلمنا أن الشعر هو الإنسان يتجل بهيا فيرسم بالكلمات ما تعجز عنه ريشة الرسام يؤرخ للحظات الإبداع الفارقة منه فقط راكمنا تجارب الشعوب وتعلمنا ان الافق كوني أرحب وأن الجمال هو غاية انسانية يمارسها الشعر ويقترفها كل بوم فكلما ضاقت بي السبل التعبيرية انحاز حتما للشعر والشعربة.

8/ هل كتبت شعرا وقع التغني به.. وكيف تقيمين حال العلاقة بين القصيدة والأغنية التي تمر الآن بأزمة إبداع وطرب؟

- كتبت في عدة أغراض شعرية كتبت الشعر الغناىي والملحون والقصايدة الموزونة وبين العمودي والحر والقصيدة النثرية. اذكر انني كتبت قصيدا غناىيا اثر وفاة شكري بلعيد لاحد الفنانين الهواة لتبقى العلاقة بين الشعر والغناء علاقة روحية متلازمة فمتى كانت الكلمة راقية وصادقة ومرهفة وفيها مجال للإبداع والجمالية تضمن للفنان الانتشار وللاغنية الخلود. هذا لا يجعلنا نغفل عن أزمة الأغنية في الفترة الأخيرة وتعمد الكلمات السطحية مع الإيقاع السريع وجنوح الفنانين لاختيار أغاني تجارية تخضع لمتطلبات السوق التي تفرض سطحية المفردات وسوقيتها وتعمق أزمة الأغنية اليوم كذلك بروز فن الراب او فن الشارع وميل الذوق العام نحو هذا النوع من الغناء هو ظاهرة تستحق من المبدعين النزول الى الواقع وفهم مشاكل ومشاغل الشباب إضافة إلى تردي الذوق العام وفشل المشاريع الفكرية الثقافية والتربوية لبلداننا خاصة في تونس كأزمة الكتاب او نفور هذه الأجيال من المطالعة ف دورنا اليوم هو كيف نعيد الثقة في الكتاب بكل مضاربه وكيف يستعيد المبدع دوره في مجتمعه ويتماهى وواقعه الثقافي بعيدا عن التقوقع والعنجهية والتعالي باعتباري ناشطة في المجتمع المدني لا القي بالمسؤولية على هذه الاجيال بقدر ما هو تحميل الدولة والمثقف ما وصلنا اليه من ترد ثقافي الحل في مشروع فكري وثوري متكامل تتبناه الدولة بكل تعبيراتها مع إعطاء المبدع دوره الحقيقي وتشجيعه. حقيقة في وطني لا نقدر كفاءاتنا ولا نحترم مبدعينا إضافة إلى انتشار وساىل التواصل الاجتماعي التي خلفت لنا مبدعين من وهم ومن ورق وادمان الانترنيت جعل من هذه الاجيال تنفر من الكتاب وتبحث عن الاستسهال وادمان الألعاب الاكترونية والتقوقع هذا الوهم الافتراضي جعل من الجميع يستسهل الشعر والكتابة الي جانب نفور المبدع من واقعه وتهربه من الفعل الثقافي الحقيقي في واقعه والتهرب من أهمية التجديد في واقع متغير بشكل مذهل ويومي وضرورة الوقوف على أهمية التغيير والتجديد في الأساليب الإبداعية المعتمدة والتي قد لا تناسب هذه الاجيال حتى نقلل من الفجوة بين الفنان المبدع وواقعه.

9/ هل يمكن أن نتحدث اليوم عن جماليات أخرى جديدة ومغايرة تتطلبها القصيدة العربية؟.

 - ان التغيير المذهل الذي يمر به العالم وبروز وساىل التواصل الاجتماعي كطرق حديثة للتعبير والتواصل يجعل من الضروري ان نفكر في طرق جمالية وابداعية متطورة تتناسب وهذه الفجوة الرقمية التي تفصلنا عن الكون والحياة حتى لا نكون خارج التاريخ ولا نتعامل مع الأحداث بحرفية وحضور يشكل لدينا وعي حقيقي بالتغيير لنقترب اكثر من القارىء والمستهلك الأساسي للمادة الإبداعية بشتى انواعها حتى لا نبني فجوة بيننا وبين الواقع باعتبار ان المثقف العضوي هو الفاعل وليس كيانا منفعلا يسلب نفسه الموقف من الكون والحياة بعيدا عن الشعبوية والشعارات الزاىفة للسياسيين وللأسف سقط في ذلك المثقف وأصبح حبيس التصنيف الأيديولوجي حقيقة علبنا ان نفكر في طرق إبداعية وجمالية قريبة من الواقع الإنساني والمجتمعي الذي يجبرنا على خوض الكثير من التحديات.. ان التوحش الامبريالي والعولمة المتسارعة جعل من المثقف او المبدع حبيس الروتين اليومي والضغط الاقتصادي داخل داىرة مغلفة تجبره على الاستسلام او الاكتىاب يجعلنا نفكر بكل جدية في مشاريع ثقافية وفكرية تتبناها الدولة وبكون المثقف شريكا فاعبا فيها حتى نتقذ الإبداع من هذا الانحطاط والرداءة اللتان تحاصرانه ونبني جسرا من الثقة والود بيننا وبين المتلقي هذا الزمن الذي توحش فيه الإنسان وداي على كل القيم الإنسانية من أجل متافعه وصالحه اما كدول او كأشخاص غزل الأمل وبناء الثقة بيننا وبين القاريء او المستهلك للثقافة امر ضروري فالمصالحة لا تنبني على التعالي الغطرسة فكلما اقتربنا من هموم الناس كلما ضاقت داىرة الخوف وأسعدنا دور المثقف الفاعل في واقعه مثلا الأغراض في استعمال لغة أكاديمية لن يفهمها هذا الجيل ولن تعبر عن مشاغلةه ومشاكله صناعة حقل لغوي يناسب الواقع وطموحات هذا الجيل هو مشروع على المبدع والدولة تبنيه من خلال مشاريع ثورية متطورة في النهاية نحن نرنو الي يلاية التعبير والواقعية والاقتراب من روح المستهلك للفن والابداع بكل أنواعه وتجلياته ولسنا دعاة للاستسهال او للرداءة

10/ هل ترجمت أشعارك لغات أخرى؟.

 - لم تترجم كتاباتي الشعرية او الروائية الى أي لغة وأتمنى ذلك لانه سيمنحني فرصة التواصل الإنساني مع ثقافات أخرى وبلدان أخرى للأسف اتمنى ذلك وهو حلم كل مبدع ان تترجم كتاباته الي لغات أخرى وبالتالي سيمنحه حياة أخرى امل ذلك في أقرب فرصة

11/ ما هي أهم مشاركاتك الشعرية العربية والدولية إلى حد الآن؟

- شاركت في عدة منتديات ومهرحانات عربية في تونس وخارجها كمصر الشقيقة وسوريا والعراق من خلال جوائز أدبية او تكريم لمسيرتي الابداعية في الشعر وقد نلت التكريم في الشعر في أكثر المهرجانات ذات الطابع الدولي مثلا من قبل رابطة جمال الدين والعنقاء الأدبي بالعراق الشقيق في تونس وتحصلت روايتي امرأة الليل عن دار بيبلومانيا للنشر على جاىزة عربية وتم تكريمي في القاهرة من قبل المركز العربي للمراجعات وللدراسات الأدبية الذي يشرف عليه الاستاذ فاىز ابو جيش وومنتدى غادة صلاح والدكتور حسام عقل الى جانب استقبالي والاحتفاء بي من قبل اتحاد الكتاب العرب بإشراف الدكتور علاء عبد الهادي الى جانب السفارة التونسية في القاهرة وهذا يجعلني على ثقة تامة بأهمية التعريف بتجاربنا الإبداعية خارج حدود الوطن لأنها أينما حلت تترك أجمل الانطباعات كذلك لنتعرف على التجارب الإبداعية العربية او الإنسانية لنثري تجاربنا ونستمر في الفعل الثقافي والتميز والابداع

12/ وأنت في أوج هذه المسيرة الشعرية والسردية.. ماذا تقول الأديبة فتحية النصري؟

- مازلت أخوض تجاربي الشعرية والرواىية بشغف وأحلم بربيع اللوز يحف الخطى على هذه الأرض الخضراء الندية والحبيبة أنا هناك من جبال السباسب الشامخة ومن سفوح الشعانبي الذي مر بمحن كثيرة راكمتها كشاعرة وكرواىية وابنة هذه الربوع المناضلة ضد النسيان والتخلي أنتصر للحب وللحياة اقول لك صديقي مازلت طفلة تقترف ذنب الكتابة وتتعامل مع الكون بوجدان الثاىرة على النمطية والرتابة في الكتابة وفي الشعر سعدت كثيرا بهذه المصافحة الراىعة وهذه الصدفة التي جمعتني بك صديقا أكن له كل الاحترام والتقدير شكرا للعاصمة الخضراء التي جمعتنا والف شكر لك مبدعا أصيلا وصديقا وفيا تحياتي لك لأنك فسحتم لي المجال من خلال منبركم الاعلامي الراقي لشخصي المتواضع فتزدحم الأفكار وتتردد الكلمات فأقول في حبك يا بلدي /مازلت ليك نغني ومازلت نزرع دروب الورد بعزفي وفني / سنبقى الأقرب رغم المسافات وسيخط قلمي آيات العشق والعرفان لهذا الوطن الجميل الذي عشقنا رغم المركزية الضيقة والنسيان من جبال الشعانبي الشماء سنظل أوفياء للحب والجمال من ربيع الزعتر ومن نسماتها البهية وغاباتها سنحضن عشقنا لخضراء العيون سأبقى طفلة عاشقة للوطن بوصلتي الإبداع والكتابةضد الرداءة والنسيان نابضة بالحياة لأن في الكتابة حياة سأكتب حتى ينصفنا التاريخ على العهد دوما وان باعدت بيننا المسافات سنكتب عن تونس التنوع والمحبة سأكتب عن السباسب التي عشقنا خراىط وجع ووشمات امازيغية تحدث العابرين عن الثورة والحب والحياة سنكتب ضد الرداءة سنتغنى بالشعر ضد القبح وسنعلي رايات التمرد والحق والجمال.. اذا دجن المبدع وتخل عن التمرد عن الساىد سيظل الطريق لذلك سأحافظ على روح الثورة والتمرد في داخلي

13/ بماذا تحلمين ككاتبة.. الشاعرة والانسانة؟

 - أحلم كإنسانة وكشاعرة أن تلغى الموانع الحدود وتبقى غايتنا الأساسية الإنسان سنشرع سفينتنا للريح ونترك للحلم فسحة أخرى ونبحر مهما اشتدت العواصف كل ما اتمناه أن لا نذبح أماني أبناءنا ونقاوم بكل عنفوان المركزية الضيقة وان يفسح المجال للجميع حتى لا نكون على الهامش ونقاوم العنصربة والجهوية المقيتة وأنا ن تبقى تونس اما لنا تحضن إبداعات ابناىها ولا تتركهم فريسة للتخلي والنسيان والتطرف أرفض التقسيم والتسطيح الذي جعل منا غرباء داخل هذا الوطن العزيز اكتب اكثر من ثلاثين عام كنت المتمردة التي ترفض التاطير انتميت اخيرا الي اتحاد الكتاب أحمل خلفي ارثا لسفيطلة وسيليوم عاصفة أفريقية لمىات السنين أحلم بتونس الممكنة أحمل خلفي وزر سنوات من النضال الحقوقي والنسوي ضد التهميش على أساس النوع والجنس والعرق واللون ما أعد به =الكتابة ثم الكتابة ضد الرداءة وانتصارا للحياة

14/  وأخيرا..

.. واخيرا تركت لي فسحة حرة من الانفلات الفكري فمارست كعادتي طقوس اقتراف الكتابة دون قيود او تابوهات.. كل الشكر والتقدير على هذا المتنفس الاعلامي الذي فسح لي المجال كي اعبر عن كل اختلاجات وثورتي وحبي للإبداع ولهذا الوطن الحبيب والجميل.. فقط سأقول لك عشت فترات كانت فيه المنتديات الأدبية والمهرجات الشعرية من شمال البلاد حتى جنوبها تدفعنا للمنافسة والكتابة.. هذا يجعلني متأكدة ان على هذه الأرض الخضراء الندية من أقلام متمكنة ومبدعة ما يترك لنا مساحات للحلم والفعل الثقافي ما يستحق عناء الكتابة والابداع والحياة فتحية نصري الشاعرة والرواىية والقاصة ستواصل الكتابة ضد القبح واعلاء قيم الحق والحب والجمال والتمرد على السائد والتأسيس ضمن جيل من الشعراء والكتاب كان وفيا ومنحازا للإبداع والجمال.

***

حاورها: شمس الدين العوني - تونس

- الشِّعر إذ مُنح الطبيبُ موهبتَه مبكّرا، فإنه سيكون أكثر عمقا وإبداعا وتألُّقا عمّا سواه.

- المِحَن قد لا تقدح شرارة الشِّعر إلّا متأخّرة بعضا من الوقت.

- للأطباء في العصر الحديث حضور متميز في الإبداع الشعري.

- الهايكو؛  نثر جميل وأحاسيس عميقة  تتناسق وتتهادى على ضفاف بحور اليابان  لا على بحور شعرنا العربي الأصيل.

-النظر بالعين، أما البصر فهو بالمراكز الحسّيّة للإبصار في الدماغ، وتحديدا في المنطقة القذاليّة منه.

- الأنانية وحبّ الذات حقّ لكل البشر، ولكن بنسبة لا تؤثّر على مصالح الآخرين.

***

لا زال العراق يذكّرنا جيلًا بعد جيل أنه مهبط المتنبّي والفرزدق وجرير؛ إذ راح ينساب الشعر فيه انسياب دجلة والفرات، وشرع يثمر الشعراء تلو الشعراء كما يثمر نخيلُه التمر، وهكذا كان الطبيب والشاعر عبد الودود القيسي، الذي وُلد بين جنباته عام 1946، وتخرّج في كلية الطب بالعاصمة بغداد عام 1969، ثم تحصّل على شهادة التخصّص في طب وجراحة العيون من لندن عام 1976. شارك في عدّة مهرجانات شعرية عراقية وعربية، ونظم ثلاثة دواوين تَعانق فيها الطب والشعر حين احتلّت العيون صدارة عناوينها: (همس الأحداق) و(أوتار الأحداق) و(فاء الأحداق)،  كما صدر له مؤلّف عن الإعجاز القرآني في طب العيون.

ومن نافلة القول، أننا تواعدْنا لتناول وجبة فكرية وأدبية على مائدة هذا الحوار، ولمّا حان الموعد لم يغفله متعلّلا بالانشغال كمَن يظنون أنهم يحكمون العالم ويديرون دفّة الكون بينما هم أفرغ من شاشة التلفاز بعد انتهاء الإرسال، كما لم يسوّف كعادة أكثر القوم اليوم حين يَعِدون ويخلفون ثمّ يَعِدون ويخلفون وهم في ذلك أكذب الناس وأشرّهم ولا ريب، بل طلب إمهاله لبعض يوم مقدِّما عذره، ولمّا أجبْتُه إلى طلبه، ارتجل هذين البيتيْن الرقيقيْن:

"يا لطيفا يا كريما يا منيرا

سيكون العسر في صبحٍ يسيرا

أنــــــــــا للعهدِ قمينٌ قـــلبُه

ولـــــــــه أبقى بلا قيدٍ أسيرا"

ويبدو أنه ما زال وفيًّا للقلم والقرطاس، إذ وافاني بأجوبته مكتوبة على غير عادة القوم في هذا الزمان الإلكتروني، وأظنّها كانت تجربة استثنائية شاقّة بعض الشيء بالنسبة لي، ولكن أمام الإبداع يهون كل شيء.

الحوار

* ماذا لو خلَت الأرض من الشِّعر والشعراء؟

- الشعر ليس شهدًا للُّباب والقلب فحسب، إنما هو أنوار تنير جوانح النفس التي ران عليها ظلام الحياة، وخاصة في عالمنا الحالي الذي يكاد أن يكون مجرَّدا من الإنسانية! لقد كان الشعر ديوانا للعرب، ومتنَفَّسا للمنشِد والمنشود، ووجود الشعر في الأمّة لا يمكن أن يكون إلّا ضرورة وحاجة إذ فُقدت فقد المجتمع أواصر روحية وعاش في حيرة التعبير عن كوامنه سعادةً وألما.

* ما مدى مصداقية قولنا: الشعر أقرب إلى أطباء القلب والنفس منه إلى الجرّاحين؟

- لا أرى للمهنة علاقة في القرب أو البعد من الشعر، وقد يكون الجرّاح أقرب مِن سواه في الأطباء بكافة تخصصاتهم، فالشِّعر تعليم ربّانيّ، وهذا الكلام استنتجتُه من قول الباري عزّ وجل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له" ، أي أنه منْحة من الله وهبة، قد تُصقَل وتنمو وتُثمر بالاطلاع على ما قاله الشعراء السابقون، وبتثقيف اللباب بلغة الضاد. وإذا ابتعدْنا عن الأطباء، فإنني رأيت أساتذة كبارا يحملون درجة الدكتوراه في اللغة العربية ولا يستطيعون نظم بيت واحد من الشعر، فمعرفة اللغة والتعمّق فيها لا تعطيك الموهبة الشعريّة. وللأمانة أقول، إن الشِّعر إذ مُنح الطبيبُ موهبتَه مبكّرا، فإنه سيكون أكثر عمقا وإبداعا وتألُّقا عمّا سواه، لأنه وبحكم تفوّقه الدراسي، أكثر قابلية للحفظ والتصوّر والفهم.

* ماذا وجدتَ في العيون من سحر فَتَنَت به الشعراء وسجّلَت حضورَها الأخّاذ في قصيدهم؟

- الأعين –وليس العيون- منحة الباري عزّ وجلّ لكل إنسان، فبها يرى ومن خلالها يبصر. وقد كتب الشعراء عن الأعين الكثير؛ لأن العين هي الباب الأوّل والناصع الألوان لكل المشاعر الإنسانية: شوقا وحنانا،  حبًّا وهياما، أو بغضا وتألما، هلعا وخوفا..وقد كتبْت عدّة قصائد تغزُّلا وهياما بالوطن والأمّة، فضّلْت افتتاحها  غزلا وتشبيبا بعين الحبيبة التي قد يظنّ البعض أنها المرأة، ولكنها أرض الوطن وترابه ونخيله، فقلْت:

هي المكاحل من عينيكِ تكتحلُ

وفوق خدّيْكِ لون الورد يكتملُ

*

لا تُوصَفينَ بأشعارٍ منمَّقةٍ

فأجمل الشعر بالمحبوب  يُرتجَلُ

أَسْدلْتِ شَعركِ فوق الوجه مُطرِقةً

كأنما الصبح تحت الليل ينسدل

* أعلن الشاعر أحمد مطر كفره بالشّعر الذي لا يُوقف الظلم ولا  يحرّك الضمائر، فبأيّ الشعر تؤمن وبأيّه تكفر؟

- كل جميل في الشعر أحبه، ولا أميل إلى كلمة الكفر فيه، من أيّ وعاء وإنسان خرج. سُئلْت في مقابلة صحفيّة عن رأيي في أحد الشعراء العراقيين الكبار، فقلت: أُكبره وأحب شعره ولكن أبغضه فكرا وخُلُقا. لقد كان شاعرا جميلا جدا ولكنه شعوبيّ ملحد وفاسد مفسِد، لا يحب وطنه ولا عروبته ولا دينه،  ويميل قلبا وعملا إلى الذين يبغضون العرب والمسلمين، ولهذا السبب أو ذاك، فإني أحب الشّعر بالشاعر وأحب الشاعر بالشّعر. الشاعر الذي يدافع عن أمّته وقيمها وتاريخها في شعره هو الأهم، وهو الذي يجب أن يُحَبّ ويُقيَّم، مع تألّقه شعرا.

* العراق ليس بخير الآن على أكثر من صعيد، هل انعكس ذلك على الشعر أيضا، أم أن المحن تقدح شرارة الشعر وتحفّز قرائح الشعراء؟

- عندما أذكر الشعر، أتذكّر بفخر أيام المِرْبِد الجامع لشعراء العرب من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي وأحيانا الشعراء الأجانب، وعندما احتلّ المجرمون العراق العربي الأصيل، صوّبوا سهام أحقادهم إلى قلب الضاد ونبضه، وإلى قلوب كل العاشقين المغرَمين به، لأنه لم يكن احتلالا فحسب، وإنما تخريبا وذبحا لكل وريدِ نقاءٍ وشريانِ ارتقاء.  والواقع أن المحن قد لا تقدح شرارة الشعر إلّا متأخرّة بعضا من الوقت، ويبقى هول المعاناة من الغادرين العملاء أكثر من المحتل، لا سيّما لقلوبٍ اعتادت على الطِّيبة والنيات الحسنة والصدق.

* حسب إحدى بحوثكم الصادرة حديثا، ما أبرز ملامح الإعجاز القرآني في طب العيون؟

- أوّل بحث ألقيتُه كان في مؤتمر دولي للعيون أُقيم في العاصمة الأردنية عمّان،  وقلت في بدايته إنّ أوّل ما جلب انتباهي للسبق والإعجاز القرآني في طب الأعين، هي الآية الكريمة من سورة البقرة: "يكاد البرق يخطف أبصارهم كلّما أضاء لهم مشَوْا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنّ الله على كل شيء قدير"،  ونحن نعلم اليوم أن البرق عبارة عن أشعة تحت الحمراء، وعندما تخترق العين مباشرة فإنها تصيب البقعة المبصِرة للعين وهي مركز النظر في الشبكية، فتكون النتيجة إمّا حرقها  أو تلفها أو حصول وذْمة فيها، وبعد أيام أو علاج تعود إلى حالتها الطبيعية عقب امتصاص الوذْمة، ولذلك فإنّ كلمة (يكاد) في الآية الكريمة مفتاحا للدلالة على الإعجاز والسبق القرآني. وكذلك الآية الكريمة "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" ، تقرّر أن النظر بالعين، أمّا البصر فهو في المراكز الحسّيّة للإبصار في الدماغ، وتحديدًا في المنطقة القذاليّة منه. وهناك إشارات أخرى كثيرة على هذا الإعجاز يضيق الحوار بسردها.

* كيف رصدتم إسهام الأطباء الشعراء في فضاء الشعر العربي على امتداده زمانا ومكانا؟

- للأطباء في العصر الحديث حضور متميز في الإبداع الشعري، وقد واجهْت في حياتي كثيرا من المضايقات والاستهجان عندما أشترك في مهرجانات شعرية أو عند  نشر بعض قصائدي، وأتذكّر أنني في ستّينات القرن  العشرين وقتما كنت أدرس الطب، كتبْت قصيدة بعنوان (الأمة الحَيْرى)، وأرسلتُها إلى مجلة أدبية متميزة في العراق والعالم العربي وهي (الأقلام)، ونُشرت بعد مقابلة لا أنساها مع مدير تحريرها حينذاك الأديب المعروف خالد الشواف، إذ كان لا يصدّق أنني كاتب القصيدة، خاصة حين علم أنني طالب في كلية الطب!

* على أيّ وجه تتعاطى مع ما يُعرف بقصيدة النثر وقصيدة الهايكو وغيرها من أنماط حديثة؟

- لقد جُبل الإنسان على حبّ السماع إلى نغمات تحرّك شغاف القلب طربا، وتتمايل من بعده الأجساد بحركات متناغمة قد لا تكون إرادية. والشعر العربي مثل أعلى في الألحان والنغمات ولا يُتقبَّل منه سوى ذلك، وهو الشعر الذي نسجه شعراء العرب ببحور (نغمات) وقوافي على سليقتهم وفطرتهم، ولذا فإنني أرى ما يُكتب الآن بدون وزن ولا قافية ما هو إلّا نثر وسجع لا يمكن أن يُسمَّى شعرا. فالشعر الحرّ، لماذا يسمّى حُرّا؟ هل الحرية انفلات من الحقّ والحقيقة! هذا لا ينفي أنني وجدت في بعضه نصوصا جميلة فيها مشاعر عميقة، ولكنها تبقى سردا ولا يحقّ لها أن تكون شعرا، وأكثر من ينسج من هذا النسج الجديد يريد أن ينال لقب شاعر وما هو بشاعر، بل هو ناثر مجيد أو ساجع عتيد. أمّا الهايكو؛  فهو نوع من السرد الأدبي يلائم مؤسّسَه الياباني القديم، وهو نثر جميل وأحاسيس عميقة  تتناسق وتتهادى أمواجا هادئة على ضفاف بحور اليابان  لا على بحور شعرنا العربي الأصيل. وهنا أوجّه سلامي وتحياتي لكل عربي يكتب الهايكو وأقول لهم: رفقا بحرف الضاد والشعر الأصيل.

* هل ترى أن ثلاثة دواوين كافية لتلخيص مشوارك الشعري؟

مَردّ ذلك إلى الواجبات التي تحمّلْت ثقلها وأوزارها أثناء حياتي الطبية في المحيط العسكري الذي تطلّب منّي جهودا مضنية لا أظنّ أقراني في المحيط الطبي المدني عانوها، وخصوصا الأحداث التي تعرّض لها بلدكم وبلدي العراق في تاريخه الحديث والقريب. ومع ذلك، فالدواوين الثلاثة أراها نعمة من الله ومنّة منه، وأرجو الباري عزّ وجلّ أن يمكّنني من إصدار الديوان الثالث وهو أكبر وأكثر غزارة من الديوانيْن السابقيْن. 

* بلغة الكيمياء –والشعر كيمياء من نوع خاص- ما هو أوكسجين شِعرك؟ وما ثاني أُكسيده؟

- إنّ حبّي لشعبي العربي ولبلدي العراق، وحبّي لضاد العروبة ولديني الحنيف، جعلنّي محبًّا لشعر أنسجه بمعاني هذا الحبّ. وأنا مؤمن أن حبّ الأمّة يبدأ بضمير حيّ محِبّ لأهله وعائلته، ومنه ينطلق لحبّ الأقربين ثمّ للأمّة ومُثلها العليا، وأعتقد أن البداية السليمة تكون على هذا السياق، ولا أتصوّر فردا يدّعي احترام الأمّة والمبادئ السامية وهو لا يحترم أبويه وأهله. وأرى أننّي أتنفّس بشعري -وكما نسمّيه الأوكسجين- إن انطلق بهذه المعاني التي سطّرتُها. أما الزفير في شعري -وكما نسميه ثاني أوكسيد الكربون- فهو التعبير عن رفضي وبغضي -شعرا- لكل غريبٍ معتدٍ آثمٍ على أمّتي ومبادئ ديننا الحنيف. إذن، أوكسجيني: هو ما أتنفّسه حبا، وثاني أوكسيدي: هو  ما أرفضه وأبغضه بغضا.

* في اعتقادكم، لمَن تذهب إمارة الشعر العربي اليوم؟

- أظنها ستذهب كما تذهب جائزة نوبل إلى الفائزين بها..

ليس للشِّعر إمارهْ      ضادُنا يعرف دارَه

إنه أمرٌ سِجالٌ     سِرُّهُ أضحى جَهارَه

والشِّعر كما تعلّمت من خبرته بي وخبرتي به، سهل النسج لمَن تعلّم تفعيلات بحوره، ولكن الشّعر حقيقة هو شعور دقيق من قلب رقيق ولبّ عميق، يسافر بصاحبه إلى آفاق رحبة ومعان جميلة أخّاذة مؤثّرة في قلب المتلقّي. وأرى أن معاني الشعر بدأت تُعاد في الغالب، ولكن ببحور وتفعيلات شتى، والذي يأتي بمعنى جديد لم يقله شاعر قبله هو صاحب سبق جديد مبارك. ومن هذا الشعر الجديد المعنى قلت:

أعداؤنا والخائنون ديارَهم

وجهان، صارا واحدا فتكشّفا

إن هم يديرون الظهور تستُّرا

فلقد عرفنا الوجه من ذاك القفا

* هل من وصية جامعة تهديها إلى الأطباء ومِثْلها إلى الشعراء؟

- الإنسانية والأخلاق الحميدة قاسم مشترك بين جميع الخلق ولا فرق بين الأطباء والشعراء في هذا، والتذوّق السليم للفعل والكلام ميزانه واضح جليّ. فعلى الطبيب أن يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه، وتبقى الأنانية وحبّ الذات حقا لكل البشر، ولكن بنسبة لا تؤثّر على مصالح الآخرين وتؤرجح  حقوقهم في الصدق والخير. أما الشعراء الأطباء أو غيرهم، فهم في فضل من الله، إذ وهبهم هذه المنحة الراقية، وعليهم مراقبة المانح البارئ المصوِّر في كل ما يقولون وينشدون، فلا يكون شعرهم سلعة بيد الشاري ممّن يتقربون إليه به، لأن الشعر رقيّ وارتقاء ولا يُباع ولا يُشترى. موهبة الشعر عطاء رباني، وعلينا أن نكون بها أمناء أوفياء لأمتنا ولعروبة ضادها ولمُثلها العليا وتاريخها المجيد.

***

أُجري الحوار: د. منير لطفي

في  18 ديسمبر 2022م

 

- رجاء بكرية، أديبة، وفنانّة تشكيلية، ناقدة في مجال الفنّ المرئي.

- أستاذة محاضِرة في موضوع التعدّديّة المجاليّة، والكتابة الإبداعيةّ، في المراكز الثّقافيّة والكليّات الأكاديميّة تعيش في حيفا منذ 1996

صدر لها:

- عواء ذاكرة رواية، النّاصرة 1995 .

الصّندوقة (مجموعة قصصيّة). المؤسّسة العربيّة، بيروت 2003

- امرأة الرّسالة (رواية)، دار الآداب، بيروت 2007 سبتمبر

امرأة الرّسالة (الطبعة الثانية)، دار الجندي، فلسطين 2014

- امرأة الرّسالة، رواية (ترجمه للكرديّه)، وزارة الثّقافه، أربيل، 010

- باهرة، مجموعة قصصيّة ( ترجمة للكرديّة)، مؤسّسة نما، أربيل، 2009

- الباهرة، مجموعة قصصيّة، دار الجندي- القدس، 2015

- عَيْن خَفشة، رواية، الأهليّة – عمّان، يناير، 2017

- نمِرُ الثّلوج، (رواية للفتيان). عمّان، يناير يناير 2022

جوائز

حصلت على عدة جوائز:

- جائزة القصة القصيرة النسائية لنساء حوض المتوسط لعام 1997، عن قصّة "الصندوقة"، مارسيليا، فرنسا.

- جائزة، فنان مبدع، قسم الفن التشكيلي، وزارة المعارف.

 - جائزة فناّن مبدع بين السّنوات 2001 \2002، 02 \03.

- جائزة الإبداع الأدبي 06 عن روايتها "امرأة الرّسالة"، وزارة الثّقافة- القدس.   

- جائزة الإبداع الأدبي 09، عن ترجمة روايتها "امرأة الرّسالة" للكرديّة، وزارة الثّقافة، أربيل.

- جائزة الإبداع الأدبي 018، عن مجمل إنتاجها الأدبي، وزارة الثّقافة – القدس.

- درع مؤسّسة نما الكرديّة لشخصيّة العام الأدبيّة في التّرجمه.

4678 رجاء بكرية

* ما هي أهم التحديات التي تواجه الرواية العربية؟

- كيف تكسر منطق السّرد الرّوائي بالجذب الفنّي الحرّ، ولو كان من ثوابت المكان مكانك. وأعني التّأسيس لعالم سردي يزخم المتلقي بجماليّات العالم على تفاوت مستوياته. فما لا يتنبّه اليهِ صُنّاع الرّواية أنفسهم أنّ روتين العوالم المزدحمة بالوجوه مثلا قد يُفسدُ ايقاعَ جماليّاتها وأدوات سفرها الحسيّ الى المتلقّي. على اعتبار أنّ المنطق الحسيّ هو منطق اخر يقابل إيقاع المنطق السّرديّ ويؤسّس لعناصره الجماليّة. أذكر رواية اشتغلت على تكرير البطل على طول الحدث وأفسدت متعة دهشتها تماما. أسميتها رواية مأزومة ورغم ذلك حازت على جائزة لضيق الخيارات في حينه. الرّواية عموما مطالبة بتوفير رصيد يكفي الرّوح كي تُخَض بِها المخيّلة لتتوهّج. هكذا تستفزّ المتلقّي حسيّا، وما لم تفِ بشرطِ وصولها اليه ستظلّ تجربة مارقة، ونحن نريد التّجربة الّتي تدعم ثباتها فينا بدون ثرثرة لا طائل منها، نقديّة كانت أم تنظيريّة لأنّ لحظة الكتابة لا تحتمل الثّقل، بل تحتاج أن تتجرّد ممّا هو أرضي وتسمو خفيفة في رهف السّماء.لا بدّ من الإشارة هنا أنّ المدرستين عموما لا تعنيان القارىء كثيرا حين يملّ ما يقرأه، يرميه وينام.

* إلى أي حد تضر الأدلجة بالنص؟

- الأدلجة بعينيّ فنٌّ وليس توثيقا، يتعلّق بالزّاوية الّتي يرى منها الرّوائي نصّه. هي تقنيّة ليست سهلة ويمكن للكاتب أن يخطىء مسار قلمه وهو ينسحب خلف تيّارها، السرّ في الحنكة الحسيّة الّتي سيعتمدها. الحسيّة حتما قبل الفِكريّة لأنّها منجى التشوّش السّردي، والكاتب منجاهُ الحقيقي تيّارهُ الشّعوري، حين يمتطيهِ يزخمهُ فكرهُ. روايتي "عَين خَفشَة" اشتغلت على هذا الموضوع بفيض ذاكرة وقلب وعلى حذر. عبر مسارها المتداخل استطعتُ أن أستعيد ذاكرة النّكبة الفلسطينيّة في حرّ تفاصيلها ومواقعها.

* ما ضرورة أن يبحث الروائي عمّا لا يقال ويقوُله بطريقته؟

- الضّروري في الرّوائي ألّا يشبه أحدا الا ذاتهُ وحين يضع بصمتهُ فأن تنتقل بالعدوى الى سواه كعدوى شافية تأخذ كلّ من يُلامِسُهُ الى الرّغبة في احداث تغيير. سؤالكَ جميل ويصبُّ في باب الاختلاف، وبعينيّ مُهمّةُ الرّوائي أن يتجاوزَ رتلا طويلا من الممنوعات كي يُعلنَ ما يعجز عنه سواه في الحياة بالمجمل. ثمّة أشياء لا يمكن لأيّ أحد حتّى أن يقولها ما عداه. هذا هو فنّ الكينونة، اذ لا يكفي أن تكون كائنا تحت سماء اللّه، بل أن يكون لك دور لا يجيدهُ سواك. مهمّة الرّوائي أن يًدهِشَ الحياة بما لم تصادفهُ ولم تره. يثوّر اللّغة، يختطف لغة السّرد مثلا الى غابات لا يعرفها الاّه، ومدن تعيش تحت بحار لم يسمع بها غيره، وربّما يعثر على مسبّبات منطقيّة لأن يعيش الحبّ في مناطق أخرى من العالم لا تعرفها الحياة ذاتها. فتغيير مفاهيم التّواصل مع الرّوح كما الشّخوص المتخيّلة والأمكنة تقع على عاتق الرّوائي، هو ناسجها وهو الحاكم بأمر غاباتها أو حدّة صخورها. ومن هذا المفترق يأتي السّؤال ماذا نكتب؟ نكتب أنفسنا أوّلا خارج ذاتنا في خضّة عنيفة للثّابت في مدلولاتها. نثير الشّك في عوالم لم يجرؤ عليها غيرنا، فنغسلها من المرايا العابرة كي تحدّد وجهها الأوّل بتفاصيله العذبة، أليست العذوبة جلّ ما نطمح اليه في مذاق الحرف حين نضع لبنة الدّهشة الأولى في رواياتنا؟4679 رجاء بكرية

* كيف ترين الرواية خلال العقد الاخير؟

- ما يثير استغرابي الاقبال الكمّي على كتابة الرّواية، حتّى أنّ رتلا طويلا من الشّعراء خاصموا قصائدهم وانشغلوا بالسّرد وعوالمه الدّخيلة. وبقدر ما يثير الأمر السّعادة لاحياء هذا الفنّ العميق بقدر ما يدفع لتساؤل لحوح، هل انتشار الجوائز حول المشاريع الرّوائيّة سببا فيما يحدث؟ وللاجابة على سؤال شائك كهذا سوف نتجنّب الخوص في الأسماء ومناحي وهجها، والنّبش في معاني قصائدها وتخصّصات رُصاصِها أو حبرها الحيّ الّذي أفرغتهُ من مادّتهِ أو أطلقتهُ على رؤوس العصافير المارقة وطارت.

وفق ما تابعته، فانّ التّجارب الرّوائيّة الحديثة مسلك فرعيّ في صرح الرّواية العربيّة الواسع. يزخر بالمغامرات لهدف واضح، انجاز نصّ يستحقّ أن تحتفي به الجوائز. وهو ما يضيّق على خناق جماليّات الهجس الفنّي في الكتابة الرّوائيّة، لأنّ الحقيقة الّتي تسعى اليها الرّواية على اختلاط مذاهبها وأدواتها وأساليبها غير ذلك. من يخوض غمار هذا الفنّ النّوعي يدرك جيّدا أنّه يؤسّس لتجربة ذاتيّة ثرّة، تراكميّة جدّا، كثيفة الفصول شتائيّة المواسم. تفيضُ ولا تشتّي، تزخّ ولا تكزّ، تخبىْ في صدور النّساء الفاتنات حكايا عشق لا أسماء لها. تُشرعَ أعراش المخيّلة على كنوز رجال تجاوزت مُغُر علي بابا بأميال، فتجاوزت الدّهشة الّتي نستحق. وأريد هنا أنّنا كقرّاء وكتّاب على حدّ سواء نستحقّ أبوابا أشدّ ثراء من تفاصيل الحاصل كي نطلق أسماءنا على عمل روائيّ. فالرّواية فتح جديد للقلب أوّلا وللفرادة ثانيا، ولدهشة النّوعي في التّجربة ثالثا، لذلك تظلّ كرَزا نادرا مُشتَهى، وربّما هذا ما لا يفهمه من يطلقُ رصاصهُ مكانَ وَردِهِ على الفضاء فيصيب العصافير على خطأ، ويُسقِطُ دهشةَ سماءٍ تلزَمُهُ، وهوَ يخوضُ أدغال الكتابة.

* ماذا تغيّر في شكل الرّواية؟

- ذات يوم شكّل صدور رواية عيدا للأدب. وتسألني ماذا تغيّر؟ قبل الآن كانت للرّواية قيمة أشدّ بهجة ومتعة وجمال، تتقاسم ظهورها الحالة الثّقافيّة من أقصاها الى أقصاها، على غير ما يجري الآن حيث أخذت مسلكا فرديّا بحتا. ما يحدث الآن أنّ معايير الفكر، تغيّرت، وشروط الدّهشة والمتعة والمشاركة تغيّرت أيضا. جنون الشّهرة السّريع أخذ من جماليّات الكتابة رحلتها الماتعة إلى الحُلُم والسّفر والاكتشاف، وكلّ ما يحدث اليوم أنّنا نتابع أقلام مهرولة نحو أبطالها. سريعة العبور بين محطّات الحدث. وأنت لا تعثر تماما على جماليّات المشروع بقدر ما يلازمك جماليّات التّجربة، تجربة غالبا ما تكون لمعة لمرّة واحدة تريد أن تستنفذ طاقتها في عمل واحد تصل به لأبعد مكان وتختفي. واذا كانت ستتابع فسوف تفعل لكنّها لن تكون بنفس الجودة. جيل الحبق الّذي ننتمي اليه في التّسعينيّات جيل رعى الفكرة في أُصص الخلّ الفارغة وأنبتها كَما يُنبِتُ نرجِسة في عمق صخرة. على مهل وبكامل شغف الأصابعَ والرّوح لصناعة حياة على الورق. تأخذ من الواقعِ شيئا يجذّرها في قلب الحكاية ثمّ تعلو في غاباتها البعيدة حيث لا يعثر عليها أحد حتّى تقبض على عوالمها الدّافقة غبطة وحياة.

* وما ينقصك كروائية؟

- سؤال جميل، والاجابة عليه أبسط ممّا تتوقّع. لا ينقصني شيئا غير أن ترفل مدينة روحي بسكينتها. ما أفعلهُ للرّواية مصدره ايماني بضرورة تغيير النّهج في الكتابة، أسلوبها، أفكارها، خطّتها، مصادر ثرائهاـ واضافتها لمحيط الكتابة العام. أهجس بلا آخر بفكرة لم يغامر بها أحد، لم يستيقظ على مساكبِ اخضرارها سواي، لأنّها من خصوصيّات أفكاري ومرجعيّاتي العقائديّة، السيّاسيّة، الحسيّة وأبعادها الجماليّة. الحسيّة تحديدا الّتي ترهَف كلّما عثرت على قوقعة بحريّة خالية من كائنها الجميل الّذي غادر وتركَ مكانا فارغا للنّبوءة. على صعيد العلاقة بيننا كفلسطينيين يعيشون في مناطق ال 48 والعالم العربي، ينقصنا الاعتراف بجهادنا الطّويل في حفظ هويّتنا وحقّنا أن تتعامل المرجعيّات الثّقافيّة بمادّتنا الأدبيّة كما تفعل مع أيّ كاتب في العالم. يرهقني مثلا فكرة تهميش رواياتنا في المسابقات الأدبيّة لمجرّد أنّنا نعيش داخل الخطّ الأخضر. فرواية الفتيان الأخيرة والوحيدة الّتي كتبتها في الآونة الأخيرة "نمر الثّلوج" هُمّشت في عديد المسابقات الأدبيّة وحرمت من التّوازي مع شبيهاتها من العالم العربي. وفكرة اعتبارنا عرب ال 48 مرفوضة تماما. فصِبغةُ الهويّة الّتي نتوفّر عليها تصنّفنا دون حق في خانة الغرباء، ما لا نقبل فكرة تأثيثِهِ المغلوطة وغير المتوازنة مع خطوط الكتابة الصّفراء والحمراء. لسنا يهودا ولسنا جزءا من عالم عربي واسع يتعثّر في تحديد انتماءاتهِ، ماذا نكون إذن؟ على المنظومة الثّقافيّة العربيّة أن تفيق من نومتها الطّويلة بشأن لوننا. العالم تغيّر وانقلبت معاييره، وعلى ضيوف الحالة الثّقافيّة أن يعتبروا معايير الاختلاف في مُنجز الحالة الأدبيّة منوطة بكمّ الاختلاف الثّقافي النّوعي لمشروع الفردانيّة لكلّ أديب على حدة. أن تفتّح عيون الابداع على استثناءاتهِ هو من يحكم في السّبق على مستوى الإنجاز والحضور معا.4680 رجاء بكرية

* مدى قبولك لآراء النقاد بشكل نهائي؟

- لاخلاف لي مع النّقاد، مهمّتهم أن يصدّروا انطباعات عن المُتَع الفكريّة والرّوحيّة الّتي ترافق رحلة سفرهم في العمل الأدبي. تعجبني صحوة حبرهم حين يندهشون. المنظومة السّليمة مطالبة أن توفّر للنقّاد منبرا يوزّعون منهُ أوراقهم النّقديّة، وأعني يصدّرون فكرهم الانتِقائي عن الأعمال الأدبيّة، فالسّاحة الأدبيّة بحاجة ماسّة للفكر. لا يمكنها العيش بعلا من أدبها الجميل؟ كيف سينشأ حِراكا نوعيّا اذا اقتصر الأدب على اجترار نصوصه وسط غيابِ زجاجة مكبّرة ترى الى التّجديدات الخارقة للعادة فيه. لكنّ الحقيقة أنّ حضورهم لن يكون سببا في تبنّي رُؤاهُم. سيرمي فكرهُ ويترك لي حريّة التأمّل. لن يكون الاجتهاد النّوعي في النّقد عبر اقناعك بجدوى التّغييرات المفترضة في بصمتك، بل بتلميع ما تُستَثنى فيهِ وتختلف فيهِ عن سواك، لذلك أنا أعتبر النّقد بصمة من بصمات الجمال النّوعي في الكتابة أكثر ممّا أعتبره بوصلة. حتما هو لا يوجّهنا بقدر ما يمنحنا مسافة لتأمّل ما أنجزناهُ. ويبدو لي أنّنا نختلف في تعاملنا مع هذا اللّون النّوعي في الكتابة حتما كمُتلقّين سواء كنّا كُتّابا أم رُواة كلّ وفق حاجتهِ الشّخصيّة لمرايا يرى منها ذاتهُ دون حاجة أن يفسّر لهُ سواهُ ذاتهُ.

* الطموح لتحقيق أسلوب جديد؟

- أسلوب الرّوائي هي بصمتهُ، ولونه. السرّ الحقيقي في مشروعهِ هي بصمته. البصمة هي الكتابة بمُتَعِها واشكالاتها، بازدحاماتها وزحمِ هواجسها، بازدهار خِطابِها. كلّها معا تشكّلُ طبعة لخطوط الفِكر الأدبيّ الخاص بكاتبها. أمّا عن طموحي، فأنا لا أطمح بل أفعل. ومنذ الحرف الأوّل الّذي سجّلتُهُ في روايتي الأولى الّتي توجّس النّقد في الاقترابِ منها خالَفتُ السّائد، واعتليتُ صهوَ المُغامَرة. هناكَ اقتطعتُ لنفسي مسارا فرديّا مشيتُ فيهِ بثقة بالغة لكن بحذر شديد. مشروع التّجريب الذّاتي هو من يفتح دروب جديدة لبصمات الأصابع والقلب. علينا كروائيّين اختاروا مسار الفِتنة والادهاش أن نطمح بتجديد مشاريعنا الرّوائيّة قلبا لثورات المياة الرّاكدة في بحار الأدب. هاجس التّجديد حالة وجوديّة من حقّ الرّوائي أن يقلب نظامها حدّ ارباكِ القارىء الّذي يجرُؤ على اللّحاقِ بقِطارِ عَوالِمِه. هكذا أرى رحلة الكتابة قطار يتجاوز خطوط العالم كي يثأر من الغائب في الرّواية الجيّدة. بصمة لا يُساوَمُ على جودةِ الرّيش الّذي تحاكُ منهُ حكايتها ولا فنيّة الارتطام الّذي سيلفّ بمخيّلةِ قارئها عالما يصيرُ ملكُ . الجديد يعني أنّك تلجأ لشكل جديد يخ في الكتابة الرّوائيّة لم يلجأ اليهِ أحد. في كلّ مرّة يخوض كاتب رواية يدخل من باب لم يطرقه

* ما رأيك بمستوى الرواية بعد نجيب محفوظ؟

- أعتقد أنّ المقارنة غير عادلة. نجيب محفوظ حالة كلاسيكيّة على مقاس عالم يجنح الى الواقعيّة بتحيّز واضح حتّى على مستوى رسم الصّورة فنيّا. هو من أسّس لمدرسة الحياة الّتي لاطَمَهُ مِخرَزها. بعينيّ مقارنتها بسواها تجَنٍّ على مشروع الرّواية العربيّة عموما لأنّ من كتبَ بعد محفوظ امتطى صهوة تيّارات تجريبيّة أخرى منطلقات عوالهما المغامرة والابتكار. غَسلُ الرّؤياا بزيتِ القلبِ والمخيّلة سفرٌ ملوّن بينَ مطبّات الهواء، وهو سفِر أسلوبيّ يتبعُ جسور الدّفق، ولا علاقة لهُ بمتون الرّواية التّقليدي مثلا الّا فيما ندر، حتّى أنّنا لا نتبيّن الشّخوص ولا أبعادها في أحايين كثيرة. الجهات اليوم مفتوحة على عصف التّجريب، بتطرّف طروحاتهِ أحيانا. محفوظ سفينة محمّلة بالغرائب، وما بعدهُ مراكبَ تمخرُ عبابَ الموج.

* من أين تخلق الشخصيّة الروائيّة في أعمالكِ؟

- تقصد البطل حتما. لا بطولة في غياب الشّغف. من الممرّ الخلفيّ للشّوق والهجس والانفعال تشتعلُ أنفاس البطل. لكنّ الهجس ليس جسرا حتميّا اليه، ولا تزاحم الانفعالات واقتتالِها عليه، لكن حتما هوَ كمُّ الاثارة الّتي يخلقها مرورهُ غيبا أو حضورا في النَّفَس والمُخيّلة معا. سيمتلكُ من الغرائبيّات والوضوح ما يؤدّي بكَ لملاحقتِهِ أكثر ممّا يُلاحِقُكَ، والنّبش في خصوصيّاتهِ حدّ ابتكارِ ما يُجنِّبُكَ التّصادمِ بهِ عينيّا. حتّى مشاريع السّفر اليه طيرانٌ بلا هدف غالبا على درجِ الرّوحِ. كلّ دهشةٍ في حضورِهِ ممكنة، وكلّ تطوير لأبعادِهِ اتّساع نحو ازدحام القلب بالصّور لأنّه لا يظلّ على صورة واحدة. هو التّداخل في الأمزجة ومصادرها، متعُها وخَرابُها، عَتمُها ووهجُها وانفلاتاتها. تأتي من حالات التّناغمِ في شفافيّة روحِكَ كصانِعٍ للحالة أوّلا ثمّ تتجاوزُها لتفاصيلِ الاختلاف، من هناك تتشابكُ الصّور وتُمطُرُ الحياةُ من نوافِذِ جسَدِكَ عليها. البطل لا بدّ أن يدَوِّخَ عالمَكَ أنت ويصارعَكَ قبل أن تُرسِلَهُ الى قارئكَ، هو اختبارٌ لنضج مشروعِكَ في أوّلهِ وآخرهِ.

* إذا ما فكرت يوما في كتابة سيرتك الذاتية هل ستكتبين كل شئ عنك (المحرج والصعب والحساس و و الخ) أم انك ستقدمين شئ وتستنين أشياء ..؟

- بعينيّ السّيرة الذّاتيّة لا تُكتَب بأيّ حال! بل تُعاش، وحين تُكتب فلأنّ مادّتها تطاولت عليك ولم تعد قادرا على التّنفّس معها، لكنّك حتما ستجدُ لها مسارات في عملك الرّوائي، ومساراتها وشوشة قد لا يسمع بها سواك. ولا يصغي الى موجها غيرك. هي مطالبة أن تبقى لك وما تحرّرهُ من تفاصيلها سيغني مادّتك الرّوائيّة بنُسغِ حكاية لن يسمع بها قارئُكَ الّا معَك. هكذا أرى الى مشروع السّيرة الذّاتيّة حصرا. أحببتُ بعض ما سُجّل في فنّ السّيرة الذّاتيّة، لكنّ ما خلبني بِحَق هو ما خُيِّلَ أليّ أنّهُ سيرة ذاتيّة. قد أكون تمازجتُ مع مقتطفات من حياتي في رواياتي، لكنّي حتما لم أسجّل فصولا طويلة تحكي عنّي واذا حَكَت فبضمير لا يعود اليّ، وعبر تقنيّة سرديّة جماليّة تقود لفنيّة الكتابة أكثر ممّا تقود للحقيقة لأنّنا حتما نبحث عن المستوى الجمالي وتشظّياته الفكريّة الحسيّة أوّلا، والغزارة في منجم الحكايا الّتي ادّخرناها لرحلة بهاء سريّة في الرّوح؟ أنا على اعتقاد أنّ جماليّات سيرتِكَ تكمن في أسلوب تقنينها وتفنينها كجزء لا ينفصل عن جسد الرّواية. تداخل غير مباشر يثري العمل الّذي تعالجه. كلّ هذا يسمّونهُ ابتكار لسيرورة الحالة الابداعيّة، لا تهمّ فيها المُسمّيات بقدر ما تهمّ فنيّة المضامين.

* هاجس البحث عن هوية للرواية العربية أو التي يكتبها كُتاب عرب كيف ترينه؟

- الهويّة هذه الأيّام مسمّى لم يعد متداولا بقدر ما نُصِرّ على تقنيّة الكتابة وجماليّات مناحيها. هما سرّ الحالة الّتي تخرج بها. ويضاف أنّ الرّوية هي مشروع شخصيّ بحت ينقص أو يزيد بقدر ما يُضاف اليهِ من لون. واللّون هو المفردة والفكرة والهجس، وشكل الحوار، ومسافة العُبور، وعدد بطاقات الدّهشة الّتي تفعِم المخيّلة والقلب وتحرّض النّشوة على الاستشراء في منطقة المتعة المّتاحة، للكاتب والقارئ معا. فالمُتَع لا تأتي من الصُّدَف في رواياتنا، بل من ملاحقة متبادلة بين الرّوائي وشُخوصِهِ والإصرار على تبادل أدوارها.

* كيف تنظرين للعالمية وما يقولونه عنها؟ وما ينتج عن الجوائز العالمية المعروفة ضرورتها للكاتب، والسعي إليها؟

- العالميّة بعينيّ تخضع لفضفاضيّة بالغة، وأكثر ممّا ينبغي، وقد يحدث أن نتصرّف بها خارج سياقاتها. الحالة العربيّة الرّاهنة تعوّل على العالميّة كثيرا. وكل رواية تصدر تريد أن تصل لأبعد ما يمكن في محيطها الابداعيّ، لكنّ ما لا ينتبه اليه كُثُر أنّ العالميّة لا تُصَنَّع بقدر ما تخلقها شروط المكان والزّمان الانيّين والمحليّين لكاتبها وأنّ اختراقها مسافة عوالم كاتبها الفيزيائيّة الى بلاد بعيدة لا يقلدّها نيشان الانتشار العشوائيّ. فقد تكتب رواية عن الحيّ الّذي تعيش فيه وتصل أصداؤها لاخر العالم، وقد تكتب عن اخر العالم ولا يقرأكَ غير محيطكَ الضيّق. هذا يعني أنّنا سنجاوِر حقيقتنا وذاتنا القريبة ما أمكن حين نشعلُ نار الحكاية كي تصلَ ذواتا غريبة لا نعرفها. هذا هو منطق التّجاوز، فالدّفء الحسّي ولغة القلب هي من يوقد وليمة الحكاية. وليمة من نوع لم يجرّبه القلم العربيّ الّا على صُدف. قلّة يفهمون معنى أن تولم حكايتك وتملأها بحضوركَ كاملا كأنّ قبيلة كاملة تشغل أماكن حولك. هذه هي أبعاد التّواصل الحسّي مع شرارة الفكرة الرّوائيّة حين تتّسع وتغرف من نشوة التّواصل معها، وشروط تحقّقها أقلّ ممّا نتخيّل.

* أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟

- ليس من وظيفة الرّواية أن تأتي بأبطال تتوّجُ أمجادهم وتطلقهم الى العالم، كما أنّ البطل ليس العنوان الصّحيح لصناعة البِشارة. وهم الخلاص عبر بطل أسطوريّ بعينيّ هو من يبقينا في أماكننا. الوهم يصنع رواية بامتياز لكنّه لا يصنعُ أبطالا لأنّ الوهم سهم قاتلة للواقع، فالرّواية تتغذّى من تفاصيل الكينونة الواقعة أيضا. لم يهزمنا غياب الابطال انّما تعلّقنا المرضي بنجمِها الرّخو وبأيّ ثمن. كلّ بطل يسعى لروايتهِ الفرديّة حين تُناديهِ دعساتُ أصابِعِها خلف أذنهِ، يأتي اليها محمّلا بعُروشِهِ ولا يتركها قبل أن يتأكّد أنّها أكملت دورة انفعالاتها.

***

حوار / محمد القذافي مسعود

كاتب وصحفي مستقل من ليبيا

الكاتب والمترجم العراقي بنيامين يوخنا دانيال اسم لامع وكبير في عالم ترجمة الهايكو من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية والكردية. هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى في مجال الأدب الكردي والعربي ومجال السياحة والفندقة.بلغت اصدارته أكثر من أربعين كتابا في مختلف المجالات انفة الذكر. العلاقة الخفية بين علم الاقتصاد - اختصاصه الدقيق - والهايكو، قادته إلى اكتشاف الهايكو والوقوع في شغفه وترجمته. كان لنا معه هذا الحوار لتسليط الضوء على تجربته في ترجمة الهايكو:

١ – لنبدأ بالسؤال التقليدي، متى كانت البداية والخوض في ميدان ترجمة الهايكو الى اللغة العربية ولماذا اخترت الهايكو بالذات؟

ج١– في الحقيقة كانت تجربتي في الترجمة لشعر الهايكو من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية متأخرة نسبيا إذا ما قورنت بتجربة الترجمة للأشكال الشعرية الأخرى من الإنكليزية والكردية إلى العربية، والتي بدأت منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي . إذ لم أقم بترجمة الهايكو العالمي إلا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، ونشرت معظمه في العام الماضي . وقد اخترت ترجمة الهايكو أخيرا لما له من سحر خاص وفتنة الادهاش ومقومات جمالية، و لنكهته المتميزة . ومن أجل فهم أعمق وأشمل لهذا الشكل الشعري الذي صار مقروءا ومكتوبا في شتى أصقاع المعمورة، وأصبح يشكل مكونا فنيا في مختلف الشعريات.

٢– حدثنا عن الانعطاف في مسيرتك الإبداعية من الاقتصاد إلى الهايكو وترجمته؟ وهل هنالك علاقة غير مرئية بين الهايكو وعلم الاقتصاد؟

ج٢– لم أزل أنشر بعض المقالات في اقتصاد السياحة والفندقة بين حين وآخر، غير أن جل جهودي منصبة الآن على قراءة وترجمة الهايكو العالمي . أما حول العلاقة بين الهايكو والاقتصاد، فقد عبر عنها الشاعرالدكتور (ستيف زيلياك) أستاذ الاقتصاد في جامعة جورجيا الامريكية بقوله (بعد سنوات طويلة من تدريس الاقتصاد وكتابة الهايكو، أرى أن الهايكو والاقتصاد يتقاربان أكثر مما يصطدمان على مستوى المبادئ .. يمكن للهايكو أن يكون أكثر من مجرد مخفف للألم الاقتصادي)

٣- لقد ترجمت قصائد هايكو لشعراء أجانب من مختلف البلدان وقد كنت مبدعا، ما هي الاعمال التي ترجمتها؟

ج٣– نعم، لقد ترجمت قصائد هايكو لعدد كبير من الشعراء ومن مختلف البلدان، وبخاصة للشعراء الذين لم يسبق وأن ترجمت أعمالهم الشعرية إلى اللغة العربية، أو ترجمت بعض أعمالهم، وهذه خطة أتبعها منذ البداية . أما القصائد التي ترجمتها من الإنكليزية إلى العربية فهي إما منشورة رقميا ضمن إضمامات في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية مثل (حانة الشعراء، المثقف، الانطولوجيا، رابطة أدباء الشام، واحة الفكر، الفكر، بصرياثا، الناقد العراقي، مجلة اتحاد كتاب الانترنت المغاربة تللسقف) وغيرها، وإما منشورة ورقيا ضمن سبعة كتب مستقلة في العام الماضي 2022 وتضمنت معظم القصائد المترجمة المنشورة رقميا . وقد حملت العناوين التالية: على عتبة الباب – قصائد هايكو عالمية، في مهب الريح - قصائد هايكو عالمية . قبلة أخيرة قبل الذهاب إلى الحرب – مختارات من شعر الحرب العالمي، رياح الهرمتان – هايكو معاصر من غانا، أشجار الكرز المزهرة – مختارات من شعر الهايكو الياباني، وتحت قسطل الحصان – مختارات من شعر الهايكو الكرواتي . قفزة الضفدع .. نقيق العلجوم – إضمامات من شعر الهايكو العالمي .

٤– نلاحظ اهتمام على ترجمة الهايكو الكرواتي إلى اللغة العربية ولك في ذلك كتاب؟

ج٤– لقد أنتشر الهايكو في كرواتيا ترجمة ومحاكاة وكتابة وقراءة في وقت مبكر نسبيا، ومنذ عام 1953 على وجه التحديد، ليبلغ عدد شعراء الهايكو فيها في عام 2004 نحو (400) شاعر وشاعرة وفقا ل (دجورجا فوكيليتش روزيتش)، وهو عدد كبير نظرا لعدد سكان كرواتيا في العام المذكور والبالغ (4،2) مليون نسمة . وبحسب (دجوردجا) فإن التشابه القليل الموجود بين اليابانية والكرواتية من حيث الهيكل ربما ساعد على تأليف الهايكو على نحو سلس وموفق، إذ أن عدد المقاطع في كلماتهما متشابهة تقريبا . وقد جاء كتابي الموسوم (تحت قسطل الحصان: مختارات من شعر الهايكو الكرواتي) ليضم بين صفحاته مقدمة مطولة وقصائد هايكو لعدد كبير من هؤلاء الشعراء . وما زلت أترجم وأنشر لغيرهم من الشعراء الكروات .

٥– أكثر أعمالك المترجمة كانت من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية؟ لم لا يكون العكس؟

ج٥– ربما مستقبلا، فلدي في الوقت الحاضر خطة واسعة لترجمة الهايكو العالمي، ويتطلب ذلك بذل المزيد من الجهد، وسوف تأخذ الكثير من الوقت .

٦- ما هي أصعب التحديات التي تواجه مترجم الهايكو من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية؟

ج٦– يحضرني هنا قول القاص والمترجم الليبي (عمر أبو القاسم الككلي) (تواجه الترجمة عموما صعوبات تتعلق باختلاف المعطيات اللسانية بين لسان وآخر، وكذلك في العناصر الثقافية غير المنظورة المضمرة في مفردات وتعابير كل لسان .. وتزداد هذه الصعوبة وتأخذ بعدا خاصا فيما يتعلق بترجمة الهايكو، ربما بسبب من بساطته الخادعة) .

٧– هل تختلف خصائص الهايكو باللغة الإنكليزية عن نظيره العربي، وذلك من خلال النصوص التي ترجمتها؟

ج٧- يحضرني هنا قول الشاعر والكاتب المغربي سامح درويش (تتمثل أهم خصوصيات الهايكو العربي في وجود نفحة غنائية وجرعة من المجاز وحضور ذات الشاعر بشكل أقوى من باقي تجارب الهايكو عبر العالم، يضاف إلى ذلك الخروج على التوزيع الايقاعي المعروف في اللغة اليابانية – 5 / 7 / 5 – نظرا لخصوصية اللغة العربية) .

٨– تقييمك لتجارب ترجمة الهايكو إلى العربية؟

ج٨– إنها تجارب ترجمة رائعة وقيمة ولكنها غير كافية البتة إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى انتشار الهايكو عالميا وحجم الهايكو المنتج في مختلف أصقاع العالم، فهذا النوع من الشعر ذا المنشأ الياباني أضحى يكتب اليوم بكل لغات العالم تقريبا بعد أن استهوى ذائقة الشعراء والقراء .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر الترجمات المنجزة بأقلام الأساتذة (سلام دواي، آزاد اسكندر، محمد عضيمة، عبدالكريم كاصد، جمال مصطفى، محمد الاسعد، عبدالقادر الجموسي، رأفت خليل، محمد حلمي الريشة، ونور الدين ضرار) . وهي ترجمات محصورة في الجهد الشخصي .

٩– كيف ترى الهايكو الناطق بالعربية والكردية؟

ج٩- هنالك نجوم لامعة ومتميزة في سماء الهايكو العربي والكردي . وأتمنى أن تترجم أعمالهم إلى اللغات العالمية، وأن تخضع للنقد والتقييم على نحو واف . ومن شعراء الهايكو العربي على سبيل المثال لا الحصر (الدكتورمحمد حلمي الريشة، الدكتور محمد الاسعد، سامح درويش، هدى حاجي، عاشور فني، محمود عبدالرحيم الرجبي، الدكتور جمال محمد الجزيري، والدكتور عبدالستار البدراني) . ومن شعراء الهايكو الكردي (لطيف هلمت، قوبادي جليزادة، ملكو أحمد كريم، وشمال آكري) .

١٠– كيف تختار القصائد بهدف الترجمة؟

ج١٠– أختار الموضوع أولا في معظم الحالات ثم أختار القصائد المطلوبة لترجمتها ومن مصادر عديدة . مثلا (53 قصيدة تحت عنوان الغربان، 40 اليراع، 90 أوراق الشجر، 319 الورود والزهور، 25 الأسماك، 25 العصافير، 30 الفراشات، 41 المرجوحة، 393 الباب، 268 الرياح، ندف الثلج 21) .

١١– مشاريعك القادمة في الترجمة؟

ج١١– أنا بصدد نشر البقية الباقية من قصائد الهايكو المترجمة التي سبق لي وأن نشرتها رقميا في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية بالإضافة إلى إضمامة لم تنشر بعد، وضمن كتاب مستقل لم أعنونه بعد . كما لدي خطة لترجمة قصائد هايكو لكوكبة أخرى من الشعراء والشاعرات من بلدان أخرى مع التركيز على الافارقة منهم في الوقت الحاضر، مثل السنغال وكينيا ومدعشقر وجنوب افريقيا وزامبيا، كما فعلت سابقا بالنسبة لشعراء كثر من غانا ونيجيريا وكرواتيا واليابان، مع دراسة ظاهرة الهايكو وكيفية انتشارها وتطورها في بلدان باتت حاضرة وبقوة على خارطة الهايكو العالمية إن جاز التعبير. كما ستصدر لي قريبا الطبعة الثانية من كتاب (من مشكاة الشعر: قصائد مختارة) في طبعة جديدة ومزيدة ويضم بين صفحاته ترجمات لقصائد من تأليف شعراء أكراد وأجانب، وهو مترجم عن الكردية، وقد صدرت طبعته الأولى في عام 2002 . كما انني بصدد ترجمة مجموعة قصائد تانكا من مختلف البلدان .

قصائد هايكو من ترجمات الأستاذ بنيامين يوخنا دانيال:

١- الرسم بالاسود والأبيض

غابة

في الثلج

فلاديمير ديفيدي

كرواتيا

**

٢- في لمعة

التفاح الأحمر

شمس متأرجحة

دجوردجا فوكيليتش روزيتش

كرواتيا

**

٣- قطرة ماء

لا أكثر

هذه حياتي

انتو جارداس

كرواتيا

**

٤- عن طريق قطعة سكر

احتفال في مستعمرة النمل

ائتلاف أثير

شتيفانيجا لودفيج

كرواتيا

**

٥- احتساء الشاي

تنعش رائحة البابونج

وجه أمي

بوريس فيرغا

كرواتيا

**

٦- العودة للوطن

يلوح لي كلبي

بذيله

كواكو فيني أدو

غانا

**

٧- دمية خشبية -

ضحكة باهتة

لطفل أفريقي

أدجيي أجيي باه

غانا

**

٨- تظهر المسارات الجديدة

بعيد العاصفة الثلجية -

السماء المنقشعة

جين ريتشولد

الولايات المتحدة الأمريكية

**

٩- الياسمين

على عتبة بابي

نفحة المساء

دانييلا ميسو

إيطاليا

**

١٠- فصل ذاتي

بصمات أصابع محيت

من على جرس بابي

حفصة اشرف

باكستان

**

١١- يوم الأم

ثمة اضمامة من الخزامى

موضوعة على مقبض الباب

إليسا ألو

سويسرا

**

١٢- يقبل الأحفاد

ويجرونني خارج الفراش -

نهاية العالم

كاواي شيغيتسو

اليابان

**

١٣- أشاهد وجه أبي

في المرآة التي أحدق فيها

في أول صباح خريفي

موراكامي كيجو

اليابان

**

١٤- محطة خالية

تعج بزقزقات

العصافير

فيدا جليلي

ايران

**

١٥- عشب ذابل

يصبح لونه ذهبيا

عندما أفكر بحبيبي

ماساجو سوزوكي

اليابان

**

١٦- اليراعات

حفنة من الزمردات

في شجرة نخيل

ليودميلا سكريبنيفا

روسيا

**

١٧- نعيق طائر النورس –

شكل الموجة

قبل أن تتجعد

مايكل ديلان ولش

المملكة المتحدة

**

١٨- القزحية الأولى

بيضتان

تحت ريش اللقلق

فرانسوا موريس

فرنسا

**

١٩- فقاقيع الصابون …

كسرت الوهم

الى الابد

تيجي سيثي

الهند

**

٢٠- خطوات الام

ثمة سلحفاة يافعة

قد بلغت الساحل

أجوس مولانا سونجايا

اندونيسيا

**

٢١- رحل والدي

خفه في فم

الكلب

فلاديمير خريستوف

بلغاريا

**

٢٢- الحنفية تنقط –

يقول السمكري

انه الخريف

فاندر جراو

السويد

***

أدار الحوار: عباس محمد عمارة

بغداد - أربيل

......................

* الصورة للاديب بنايمين يوخنا دانيال

د. ماجد رمضان، قلم ٌجمع بين جَماليْن؛ جمال التعبير وجمال التفكير؛ إذ يكتب بحرف سلس يخلو من الزخرفة اللغوية، وبحماس ولكن دون صخب، وبمسئولية قِيَميّة مستمَدّة من نبعنا الإسلامي الثريّ. عبر أكثر من دار نشر أطلّ علينا بتسعة عشر مؤلَّفا طرقت محاور مهمّة وميادين متعدّدة، منها في تطوير الذات وإصلاح المجتمع، ومنها في الإيمانيات والثقافة الصحية، مدلّلا بذلك على ثقافة واسعة  لا شك أنها محصلة اطّلاع أفقي ورأسي. وُلد قبل نحو ستين عاما (1963م) في ريف محافظة المنوفية بالشَّمال المصري، وتخرّج في كلية طب القصر العيني عام 1987م، ثم تخصّص في جراحة الأنف والأذن والحنجرة وجمع إليه تخصصا ثانيا في الإدارة الطبيّة التي سلك طريقها مبكّرا ولا زال. بتواضع جمّ حاول الاعتذار عن الحوار بدعوى محدودية تجربته! ولكن لا يصحّ إلا الصحيح، والصحيح أن تجربته ثرية للغاية كما سيتبيّن في ثنايا حوارنا التالي:

* الطلب على الخدمة الصحية يبقى دائما أكثر من المعروض أو في الغالب طارئ وملحّ ولا يمكن تأجيله.

* الكتابة ذاتها مغامرة بما تعنيه الكلمة من مدلول لفظي ومعنوي.

* لكونك طبيبا، قد تتفهّم معنى المرض، لكنك لن تدركه بحق إلا إذا أصابك.

* من يدّعون أنهم يملكون أسرار النجاح ويستطيعون تقديمها لزبائنهم عبر كبسولات سريعة، فهذا وهم كبير وأمل زائف.

* استطاع قلم الأطباء أن يتبوّأ مكانه متقدّمة في مسيرة الأدب والفكر والثقافة.

*الاستسلام لوميض الشاشات أفقَد القراءة الشيءَ الكثير.

***

١.هل من مقوّمات خاصة تتفرّد بها الإدارة الصحية عن غيرها من الإدارات؟

- النظام الصحي من أعقد الأنظمة الإدارية بسبب تعدد الخبرات والمهارات وعدم تجانسها، ورغم وجود أشياء مشتركة بينه وبين الأنظمة الإدارية الأخرى، إلا أنه يوجد اختلافات أساسية وجوهرية في النظام الصحي، لا نظير لها في بقية الأنظمة مثل: محدودية الموارد المتاحة وكلفتها العالية وبالمقابل الطلب الكبير على هذه الموارد والتوقعات العالية لمستهلكي الخدمات الصحية، وعدم خضوع الخدمة الصحية لقانون العرض والطلب - الطلب على الخدمة الصحية يبقى دائما أكثر من المعروض أو في الغالب طارئ وملح ولا يمكن تأجيله – وكذلك الطبيعة الفردية للخدمة الصحية، والتي تجعل العمل اليومي للمؤسسة الصحية مختلفا ومتشعبا وغير خاضع إلا للقليل من التنميط والقياس. ويأتي على قمة هذه الخصائص الاعتبارات الإنسانية والأخلاقيات الاجتماعية والمهنية والتي تضع قيودا وتحديات أمام الإدارة الصحية. وهذه الخصائص المميزة للنظام الصحي تتطلب عناصر قيادية مؤهلة ذات مواصفات عالية تستطيع التعامل مع خصوصيات هذا النظام وتعقيداته وحل المشاكل والقضايا التي تواجهه.

٢. ألا ترى أنك ظلمْت الابن حين خاطبْت الابنة في كتابيْن ولم تفرد له أيًّا من كتبك؟

- كتابة الآباء للأبناء، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم في نصيحة لقمان لابنه، وكثيرا ما كتب الكتاب لأبنائهم، مثل "ولدي" لأحمد أمين، و"رسائل إلى ابنتي " لنعمات أحمد فؤاد، و "إلى ولدي " و "الي ابنتي" للأديب على طنطاوي، فآثرت أن أجري مجراهم مراعيا اختلاف البيئة واختلاف العصر، وان كان الكتاب موجه لأبنتي فغيرها أيضا مقصودات، وكان الداعي للكتابين خصوصية لها وهي تعبر مرحلة سنية يخشى فيها عليها.  وليس في ذلك ظلما للأبن، فجل ما كتبت صالح له .

٣. السرايا الصفراء! ما الذي جرّ قلمك إلى هذا العالم المثير والخطِر في آن واحد؟

- هي فرصة أُتيحت ليً على حين غرة، فاحتفيت بها، والكتابة ذاتها مغامرة بما تعنيه الكلمة من مدلول لفظي ومعنوي، فقد تدخل في تجربة تحفها المخاطر، من أجل الاستكشاف والبحث والتعرف على ما تحويه الحياة والواقع وسلوكيات البشر من حقائق وأسرار، وهذا ما كان في هذه المغامرة، بكتابة ما شاهدته وعايشته من حكايات عن المرضى والأطباء والمكان.

٤. ما خلاصة تجربتك العميقة مع مرض باركنسون؟

- أنه ليس من رأى كمن سمع، وليس من سمع كمن عايش وجرب، فلكونك طبيبا، قد تتفهم معنى المرض، لكنك لن تدركه بحق إلا إذا أصابك.

من جرّبَ الكيَّ لا ينسى مواجعهُ

 ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا

وقد كان أفلاطون محقا عندما قال: إنه من أجل أن يصبح المرء طبيبا حقيقيا، لابد أن يكون قد اختبر جميع الأمراض التي يأمل أن يعالجها وجميع الحوادث والحالات التي سيشخصها. عرفت أنه هناك فارقا بين أن تكون طبيبا أو أن تكون مريضا، فعندما يمرض الطبيب، فكثيرا ما يكون المرض أشد وطأة عليه، فهو أعلم بمصائر الأمراض، وما تؤول إليه الأمور، فتساوره الهواجس والشكوك. وأدركت بأن بعض البوح قوة لا ضعف، وأنه لابُدَّ من التفريج عن الصدر والترويح عن النفس بالبوح والشكوى لذي مروءة وحكمة، وصداقة ومودة، كما يقول بشار بن برد:

ولابُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة

يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع

ورغبت بأن تكون تجربتي سلوى لغيري من المرضى، و عبرة وفائدة لمن يحملون تاج الصحة فوق رؤوسهم. فسردت حكايتي مع المرض وسقت تفاصيلها بلا مواربة ولا خجل، في كتاب "مسني الضر – تجربتي مع مرض باركنسون " غير مبالي بما قد يجره عليً ذلك البوح من سمعة سيئة أو وصمة معيبة، فما من مرض عورة، ومما لا يُخجل منه الدين لا خجل منه في المرض.

٥. برأيك، هل تثمر كتب تطوير الذات عن تغيير حقيقي أم أنها نوع من الوهم والسراب؟

- دعني أطرح سؤالك بطريقة أخرى، هل أحدثت كتب تطوير الذات، فارقا حقيقيا وملموسا في حياة من قرأوها، كثيرون سيقولون نعم، وآخرون سينفون ذلك، ولكن الحقيقة هي أن التغيير والتحفيز لم يكن بسبب كتب تطوير الذات نفسها، بل بسبب عدة عوامل أولها وأهمها، أن من تغيروا كانوا مهيئين لكي يتقبلوا هذا الكلام ولديهم القابلية للاستهواء فيما قرأوه، فذلك الأثر من دواخلهم واستقبالهم لما يقرأون ويقتنعون به، وهذا ما تفعله كتب تطوير الذات بدون مبالغة، تستغل بعض النقاط التي يحتاجها أشخاص لا يعرفون ماذا يفعلون أو كيف يجتهدون في اكتشاف مغزى لحياتهم، عن طريق قول بعض النصائح والارشادات التي قد يحتاجوها بالفعل في حياتهم . أما من يدعون أنهم يملكون أسرار النجاح ويستطيعون تقديمها لزبائنهم عبر كبسولات سريعة، فهذا وهم كبير وأمل زائف، ومطاردة السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده ووجد هلاكه عنده.

٦.بالإشارة إلى عنوان أحد كتبك، لو وُضع مصباح علاء الدين بين يديك، ما الذي ستطلبه لعلاج أوطاننا المنكوبة على أكثر من صعيد؟

- أن تتحرر الأوطان من حكم الفرد الذي يقيد الحريات ويخنق المبادرة وروح الإبداع، وأن يُعلىَ شأن المؤسسية والحوكمة، وأن تعود شخصية المواطن العربي إلى سابق مجدها وحضارتها، تثق بنفسها وتؤمن بقدراتها وتمتلك إرادتها وتتخلص من التبعية للغرب فننتج غذائها ودوائها وسلاحها.

٧.ما الركائز العلمية والأخلاقية التي تراها ضرورية للطبيب المسلم؟

- فيما يخص الركائز العلمية: أن يكون قمة في تخصصه المهني، متقنا له، يستزيد دائما من العلم، مطلعا على الجديد فيه، عنده قدر من الدراية بالفقه وأحكام العبادات والاجتهادات الفقهية لما استحدث في حياتنا الحديثة والمعاصرة من أقضية في عالم الطب والمرض. أما الركائز الأخلاقية: أن يكون حسن الهيئة، مخلصا في عمله، صادقا في قوله، مجندا لاستكمال الصحة مادامت الحياة، حريصا على نفع الناس، متواضعا رقيقا رحيما، حييا ستيرا يحفظ الأسرار، لا يغالي في أتعابه وينفس عن المعسر.

٨.على صعيد الأدب والفكر والثقافة، كيف تقيّم قلم الطبيب وسط أقلام تنتمي إلى مهن أخرى كثر؟

- أعتقد أنه لا علاقة وظيفية أو نفسية للطب مع الأدب والفكر والثقافة، فالطبيب الأديب كالمهندس الأديب، والتاجر المثقف كالمحاسب المثقف، والمحامي المفكر كالمدرس المفكر. نعم قد يمتلك الطبيب تجربة إنسانية شاملة وأوسع من غيره باعتباره يتعامل مع المرضى بمختلف أعمارهم وثقافتهم ولغتهم ومفرداتهم مما يزيد من توسع قاموسه الحسي الشعوري والإبداعي، لكن ليس ذلك وحده كافيا لولادة أديب أو مفكر أو مثقف، والفيصل يرجع إلى من يمتلك موهبة حقيقية ونزعة صادقة وعارمة نحو الأدب أو الفكر والثقافة.

ومع ذلك فقد استطاع قلم الأطباء أن يتبوأ مكانه متقدمة في مسيرة الأدب والفكر والثقافة، وحقق بعضهم شهرة ونجاحا ساحقا، وكثير منهم تجاوزوا الأدباء والمفكرين والمثقفين المتخصصين، بدأ من أنطون تشيكوف. ومرورا بميخائيل بولغاكوف، ووليام سومرست موم، ومايكل كاريتون، وآرثر كونان دويل، وإبراهيم ناجي، ومصطفى محمود وعلاء الأسواني ويوسف أدريس ونجيب الكيلاني ومحمد المخزنجي، وأحمد خالد توفيق وغيرهم الكثير.

٩. ما الذي وقفْت عليه من عجائب وغرائب الأنف والأذن والحنجرة، وتغيب عن معرفة غير المتخصّصين؟

- ليس من باب الغرائب ولكنه مفهوما شائعا عند الكثير، وهو أن الطبيب الذي لا يستخدم سماعة وجهاز ضغط هو أقل شأنا من تخصصات الطب الأخرى كالطب الباطني وطب الأطفال، و لا يعلم أكثر الناس بل أكثر المرضى أنه تخصص من التخصصات الجراحية التي يقوم فيها الطبيب بفحص المرضى أكلينيكا وإجراء الجراحات المختلفة.

١٠. بعد آلاف الصفحات التي ضمها نحو عشرين مؤلَّف لكم، ما شاء الله، هل وجدت الكتابة ضربا من الوجع أم نوعا من الفرح؟

- الكتابة كما وصفها جبرا إبراهيم جبرا في معايشة النمرة "هي تلك الحورية الرائعة، الذاهبة بالنفس في طرقات الجنة ودركات الجحيم، متعة ولا كأية متعة أخرى يعرفها الجسد: فهي وجد صوفي، وهي عذاب عذب ".

فهي نوع من الفرح عندما تستطيع تشكيل صوتك الداخلي العميق على الورق، بحيث تطلق فرسك البرية في سهوبك الواسعة. فما أعظم الفرح، إذا انتهيت من كتابك، فرح الحس والعقل، وسعادة الوحي والنشوة.

وهي ضرب من الوجع وجزء من الجحيم كما وصفها ماركيز: إن تأليف الكتب مهمة انتحارية. والمبتلى بعشق الكتابة كمن ابتلي بجوع جحيمي، وبشبق لاهث وراء سراب. مثل الطاقة المشتعلة الكامنة الجبارة، ان لم تجد مساربها دمرت مكانها، واشعلت نيرانها جدرانها، وأبقت الدخان وبقايا الحرائق على هياكلها الخارجية بقايا نار، وحزن وكأبة .

١١. بحساب المكسب والخسارة، ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القراءة كفعل ثقافي وعلى الكتابة كعمل إبداعي؟

- من المؤكد أن الاستسلام لوميض الشاشات أفقد القراءة الشيء الكثير، فمواقع التواصل الاجتماعي بصفحاتها اللانهائية التي تغرينا بالاستمرار بالتقليب فيها تُصبح بمنزلة ثُقب أسود يبتلع الساعات والأيام، ولكن هذا لا يعني موت القراءة وضعف الكتاب. فعلى الجانب الآخر، أتاحت هذه المواقع روافد جديدة للقراءة والكتابة، فتقنية الكتابة في هذه المواقع من شأنها أن تشجع على التركيز المتناهي في أسلوب الكتابة، على اعتبار محدودية الحيز المتاح للكتابة. وهناك محاولات إبداعية لم يكن يكتب لها الظهور والانتشار إلا بفضل هذه المواقع، كما أن هذه المواقع جعلت الكتب متاحة إلكترونيا، فأصبحت النصوص الجيدة والرائدة في متناول الجميع، وتعددت الخيارات المطروحة للمفاضلة بين أكثر من كتاب وآخر، كما تنتقل النحلة البرية بين زهر وأخرى، تتغذي على رحيق هذه وتلك، وتنتج في النهاية شرابا مختلفا ألوانه سائغا للشاربين .

ولعل المستقبل كفيل بكشف ما سينتج عن هذه المؤثرات من ظواهر أدبية مختلفة.

12. هل من رسائل قصيرة توجهّها إلى الناقد، والناشر، والقارئ، والكاتب، كلّ على حِدة؟

- أقول للناقد: كن موضوعيا ومنصفا، بعيدًا عن المجاملة والمداهنة، لا تلعب دور الشرطيّ الباحث عن الأخطاء، ابحث عن المواهب وشجعها.

أقول للناشر: لا تنظر إلى الكتّاب والمؤلفين كمشاريع ربح فقط، انشر العمل المتميز، وادعم الكاتب الجيد.

أقول للقارئ: لتكن لك رؤية واضحة في تكوينك المعرفي والعلمي، وكن منهجيا في قراءتك وحدد الغرض منها، وإلا فلن تكون شيئا مذكورا .

أقول للكاتب: اقرأ.. ثم اقرأ.. ثم اقرأ، فمن لم يقرأ طويلا ويجدً في قراءته، فلن يكتب نصا متميزا، فجودة الكتابة بمقدار جودة القراءة، والكتابة تحتاج إلى جسارة وإرادة جادة، وعزم لا يكل ولا يمل، وإذا لم يكن دافعها نابعا من الأعماق، لن يكتب لك التوفيق والاستمرار في طريقها، ولا تتعجل النشر والشهرة، ولا تتأخر كثيرا.

***

حاوره: د. لطفي منير

16 نوفمبر 2022

 

دكتور صالح الطائي قامة عراقية وطنية، حارب من أجل وطنه بما تيسر له من السلاح، بالقلم والخطابة والموقف الصلب.. له أكثر من مشروع وطني، وألف العديد من الكتب، بلغت بحدود 78 كتابا، ويقف اليوم خلف مشروع وطني جديد آخر، يتمثل في حشد كل ما تيسر له من الشعر في ساتر الدفاع عن العراق من خلال ثقافة وإسهام الشعراء العراقيين والعرب، ولنا معه هذه الدردشة حول المشروع الأدبي الجديد..

- لماذا العراق؟

ج: العراق جرح نازف في ضمير كل عربي وكل إنساني شريف لأنه صاحب فضل كبير على الإنسانية جمعاء، ومن واجب الإنسانية أن ترد له جميله عليها. أليس هو الذي علمها الكتابة والحضارة والتمدن؟ أليس هو من صنع لها العجلة، وعلمها علم الفلك والحساب؟ أليس هو الذي شرع لها القوانين؟ فهل من المعقول والإنصاف ان تتنكر لكل هذا الجميل؟

العراقُ عريقٌ منذ أن خلق، وفجر الحضارة من أرجائه انـبثق، وأعظم عجائب العالم وجدت على أرضه، ومن سماء حضاراته القديمة والحديثة شعت الحضارة على الكون، فصار الإنسان إنسانا.

وحينما نراه اليوم يتألم، ينتقل الألم إلى قلوبنا فيوجعنا بعنف، ولأننا تعلمنا الكرامة منه فقد انتفضنا حينما تأوه لنعلن للعالم كله أنه (هذا العراق) الأب الذي عقه الجميع، والذي سننتصر له من خلال الشعر ليعود أبا للجميع، ولو كنا نملك غير الشعر لنصرناه به.

ولأني أعشق العراق إلى حد الوله، وأعلم أن هناك من يشاركني هذا العشق، لا بين العراقيين والعرب وحدهم وإنما في العالم كله، استنهضت همم الشعراء منهم ليكتبوا للعراق، وهو مشروعي الجديد.

- من هو العدو، وكيف يُوظَفُ الشعر؟

ج: سؤال بمفصلين مهمين، الأول عن العدو، والعدو مثلما هو معروف مصطلح نسبي، تنطبق عليه كل مواصفات النسبية، فمن هو عدو لي قد يكون صديقا لك، وهو يمثل في معناه حالة ما تشكل خطرا جسديا أو فكريا على الواحد فيكون عدوا شخصيا له، أو على المجموع فيكون عدوا للجميع، يسهم تعريفه اللغوي والاصطلاحي في تعريف الهوية الفردية والجمعية، فهو يسهم في بلورة الهويات، وهذا الإسهام يؤدي إلى الفصل بين (عدوي/ عدونا) و(صديقي/ صديقنا) ويحدد مواقفنا منهم، مثلما يوضح جوهر الصراع التاريخي بين الجماعات والأفراد، وسببه الاختلاف في الرؤى والعقائد وأشياء كثيرة أخرى، وتلعب السياسات دورا فاعلا في تأجيجه أو كبته تبعا لرغباتها ومصلحتها، مما يتسبب في تبدل الفهم الشامل لمعناه، إذ تلعب السياسة أحيانا أدوارا خبيثة تتسبب في تأجيج روح العداوة داخل المجموعة ذاتها والهوية المشتركة الواحدة، لذا تعتبر السياسة برأيي أحد أخطر دوافع انبثاق العداوات بين البشر.

أما المفصل الثاني من السؤال فهو عن توظيف الشعر، وأجد في ربط المفصلين داخل سؤال واحد التفاتة رائعة من السيد المُحاوِر، فالعداء يستوجب دائما أن تكون هناك مصدات له، تُوظَفُ لها كافة الإمكانيات المتوفرة لتمكينها من تحقيق النتائج، ولما كان الشعر أحد أهم أسلحة التصدي التاريخية، فإن توظيف الشعر في مجابهة العدو لا يقل أثرا عن توظيف جميع الأسلحة الأخرى. لكن كيف يوظف الشعر؟ هذا هو السؤال المهم، فقد عانينا من مغبة التوظيف السيء لمصادر الدعم ومنها الشعر عبر الأجيال، وأغلب هذا التوظيف كان عدوانيا يؤجج روح البغضاء بين الأفراد والجماعات، فيسلب الشعر نقاءه وبنائيته، ويحوله إلى أداة تخريب ممنهج.

من هنا جاءت محاولاتنا المتكررة لاستخدام الشعر سلاحا في البناء ولم الشمل من خلال المشروعين السابقين (قصيدة وطن رائية العرب) و(جرح وطن عينية الوجع العربي) اللذين اشترك ببناء قصيدتيهما نخبة من أفضل شعراء الوطن العربي من أكثر من سبع عشرة دولة عربية. ولأن العراق يمر اليوم بأزمة خانقة ويحتاج إلى النصرة أردت من مشروعي الثالث الذي أطلقت عليه اسم (هذا العراق) تذكير العرب والعالم بفضل العراق على الإنسانية، وهو فضل يعترف به الجميع ولا ينكره أحد، بدليل أن المشاركات الكثيرة التي وصتنا لم تقتصر على العراقيين وحدهم وإنما أشترك ببنائها شعراء من أغلب بلداننا العربية.

- هل يكتفي مشروعك بجمع أبيات الشعر في ديوان وينتهي الأمر؟ وهل في نيتك يطبع الديوان؟ وكيف سيتم توزيعه؟

ج: لا أبدا. فالتوقف في هذه المرحلة لا يخلف أي أثر نافع، ولا يخدم القضية، ولذا أخذنا على عاتقنا مهمة جمع المشاركات وطبعها بكتاب وتوزيعه على الوزارات والجامعات والمدارس والمؤسسات الثقافية والسياسية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني في الداخل والخارج، وسنعمل على الاتصال بالفنانين والتشكيليين لتوظيف العمل في مشاريعهم، حتى يصل صوت شعراء الأمة إلى مداه الأقصى. فضلا عن ذلك سوف نرسل نسخا من الكتاب لجميع الذين شاركوا بكتابة قصيدته ليروجوا له ولفكرته. ثم لا تنسى صديقي أن مجرد الحديث عن الموضوع بحد ذاته في وقت تسلطت فيه قوى الفرقة والجهالة على مجتمعنا مما زاد حياتنا قرفا، وزاد التناحر والتباغض بين بلداننا، وتفككت روابط الفة شعوبنا يعتبر انتصارا نحن بحاجة إليه، يعد بحد ذاته انتصارا رائعا.

- من هم الشعراء الذين وجهت لهم الدعوة؟

ج: مثل المشروعين السابقين، وضعت أنا أساس المشروع الجديد من خلال خمسة أبيات قلت فيها:

هذا العراق منيعٌ ليس يُقْتَحَمُ

له كما الريحُ في عليائها شممُ

*

ويستخفّ إذا ما الحتف صادفهُ

ويستزيرُ المنايا وهو يبتسمُ

*

في أرضه وسماه دائما القٌ

ومن ضياء علاه تُطردُ الظلمُ

*

هو العراق كبير في مواقفه

فأينما دار؛ دار العز والكرمُ

*

حياك يا موطنا رفت بوارقه

فليس يحدوه إلا السامق العلمُ

ثم كتبت إعلانا ونشرته على صفحتي في الفيسبوك؛ التي تضم عددا كبيرا من الشعراء وطلبت منهم المشاركة في المشروع، وحث أصدقائهم ليشاركوا معهم، ثم تبنت المشروع مواقع أدبية رصينة جدا منها منتدى هاملت للأدب العربي المعاصر، ومجموعة شعراء المتنبي، ومنتدى مملكة الحب، ونفائس واحة التصحيح والتجديد والابتكار، ورابطة الشعراء العرب، وبيت الشعراء العرب، والأدب العربي الرفيع وغيرها، فضلا عن تطوع شعراء كبار آخرين لدعم المشروع. كل هؤلاء، بعضهم وجهت له الدعوة مباشرة أو من خلال الإعلان، وبعضهم تطوع من تلقاء نفسه بسبب حبه للعراق وللأدب، وبدعم ومشاركة كل هؤلاء انتشر المشروع في الوطن العربي، ووجد صداه لديهم.

- هل تقف معك جهة سياسية أو دينية أو سلطوية، أو أفرادا معينين في مسعاك هذا؟

ج: أعتقد، بل أنا على ثقة بأنك تعرف موقفي من السلطة ورجالها، فأنا لا أثق بها ولا أثق بهم، ولا أعتقد أن فيهم من يمكن أن يُسهم بتذكير الناس بـ(هذا العراق)، ولاسيما وأن أغلبهم بكل توجهاتهم واعتقاداتهم ومناطقهم الجغرافية آذوا العراق بأساليب وطرق لا تحصى، وهم بذلك لا يمكن أن يكونوا صادقين في دعمهم لمثل هذه المشاريع، لأن مجرد دعمهم لها يكشف زيفهم ونفاقهم.

أما على مستوى الأفراد المستقلين المحبين للعراق فالدعم كان كبيرا، ففضلا عن الشعراء الكرام الذين اشتركوا في الكتابة، هناك أساتذة أجلاء أسهموا في تقديم الدعم اللوجستي منهم الدكتور علي الطائي والدكتور لؤي شرع الإسلام الإمارة والدكتور محمد تقي جون والدكتور رحيم الغرباوي، وجنودا مجهولين آخرين مثل الدكتورة ملاك السامرائي، والأستاذة فاتن الجبوري وآخرين. ومن خلالكم أتقدم بالشكر الجزيل لهم كلهم.

- من تتوقع أن يستجيب لدعوتك؟

ج: كل عمل مستقبلي قابل للتأويل واختلاف الرأي والرؤى، ينضوي عادة على مجازفة ومخاطرة، ونسب النجاح والفشل فيه تتساوى، بل ربما يتقدم الفشل وتقل نسبة النجاح حتى تكاد تتلاشى، لكن المراهنة على الطيبة المغروسة في نفوس البشر الأنقياء هي التي تحفز الإنسان ليكون جريئا ويخاطر وينفذ ويصر على النجاح. وهذا المشروع مثل المشاريع الأخرى، حينما طرحته توجست الخوف من عدم الاستجابة أو عدم التجاوب، بل كان لقلة عدد من استجاب في اليوم الأول دافعا لإثارة الرعب في نفسي، لكني تعودت المراهنة طوال عمري، وقد راهنت بعمري أكثر من مرة، والمدهش أني ربحت فيها كلها، وهذا كان حافزا لأراهن مرة أخرى.

جدير بالذكر أن عدد المشاركات التي وصلتنا لحد الآن زاد على المائة وخمسين مشاركة، واعتقد أن عدد المستجيبين يزداد يوميا، وقد تبلغ المشاركات عددا لا يستوعبها الكتاب.

ـ وهل ستراهن مرة أخرى؟

ج: تسألني: وهل سأراهن من جديد؟ أقول لك: نعم بكل تأكيد، فالرهان جزء من عقيدتي في الحياة، وهو الذي يصنع حياة أجمل ويرفع نسب الادرنالين عند الإنسان، فيسهم في تحريك سبات خلايا دماغه وينشطها، وأنا بعد السبعين أحتاج لمثل هذه المنشطات ولذا سأراهن وأراهن دونما انقطاع، ثم لا تنسى أني في هذا العمر لم يعد لدي ما أخاف أن أخسره.!

- يضع المؤلفون عادة أسماءهم على أغلفة كتبهم، فمن سيضع اسمه على غلاف هذا الكتاب؟

ج: ينماز هذا العمل بكونه من الأعمال المشتركة، ولذا لا يحق لأي شخص أن ينسبه لنفسه، بما فيهم أنا الذي وضع الفكرة وأنهك نفسه في جمع المشاركات من خلال مواقع التراسل الاجتماعي الخاصة ومواقع التواصل العامة والمواقع الأدبية العامة وغيرها، ومن ثم تنظيمها وتوحيدها وترتيبها في الكتاب وكتابة المقدمة له. لهذا السبب اتبعت أسلوبا خاصة لا يغمط حق أحد فيه، يتبين من خلاله جهد كل الذين اشتركوا بالعمل ابتداء من وضع الفكرة ولحين صدور الكتاب، وقد اتبعت هذا الأسلوب في الأعمال السابقة، إذ ذكرت تصدرت غلاف المشروع الأول المعلومات أدناه:

فكرة القصيدة ومطلعها والعمل على الكتاب: الدكتور صالح الطائي

تأليف ونظم: مجموعة من شعراء الأمة

إشراف وتدقيق وربط المشاركات: الشاعر المهندس ضياء تريكو صكر

وأرى ان المعلومات نفسها سوف تذكر على غلاف الكتاب الجديد ليأخذ كل ذي حق حقه، ويكون العمل مفخرة للجميع.

- هل تقبل أبيات الشعراء المخالفين لك بالرأي لكنهم يتفقون معك على حب العراق؟

ج: الهوية مفهوم يستخدم في علم النفس والعلوم الاجتماعية والسياسية والدينية والفلسفية، وتعرف الهوية بأنها مجموع السمات التي ينماز بها شخص ما أو شيئا ما أو مجموعة ما، أي هي مجموع الصفات والمقومات التي تجعل الشخص مطابقا لذاته ومتميزا عن الآخرين، وتجعل المجموعة صغيرة كانت أم كبيرة مطابقة لذاتها ومتميزة عن غيرها، وقد أسهب صموئيل هنتنغتن في كتابه "من نحن" في الحديث عن الهوية اتضح من خلاله أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن لها أن تجمع شخصين أو مائتين أو مليونين داخل إطار هوية رغم اختلافهم الفكري والعقدي والديني، مثال ذلك هوية مشجعي فريق برشلونا أو هواة صيد السمك.

وفق هذه الأطر أرى أن هناك هوية أسمها (حب العراق) تجمع بيني وبين من يتفق معي على حب العراق سواء كان متوافقا أو متخالفا مع رأيي ورؤاي الأخرى. بل إن هؤلاء أحب إليَّ من غيرهم، فغيرهم قد يجامل أو قد يشعر أن ذلك من سمات المشاركة التكوينية، أما هؤلاء فهم يقولون الحقيقة، وهم أصدق من غيرهم بالتأكيد.

- ماهي المدة المحددة للمشروع؟

ج: الشعر ليس مهنة لها قواعد يمكن للمرء فهمها ليمارسها يوميا مثل مهنة المهندس والطبيب والخلفة والسائق وغيرهم، فالشعر فضلا عن متطلباته المعروفة مثل الثقافة، الدراسة، التخصص، معرفة الأوزان والبحور، الملكة، الاستعداد، الخزين الفكري والغنى اللغوي، ولذا لا يمارس مهنيا وإنما ينتظر الشاعر الفرصة المناسبة ليقتنص الصورة ويرسمها بالكلمات، ومقولة "لم يأتيني شيطان الشعر لحد الآن" التي سمعتها من أكثر من شاعر ممن تأخر وصول مشاركاتهم، كانت دارجة منذ القدم حتى قيل إن لافظ بن لاحظ هو شيطان الشاعر امرؤ القيس الذي يُملي عليه الشعر، وأن امرؤ القيس ما كان يقول ذلك الشعر الرائع الخالد إلا بعد ان يلهمه له شيطانه.

يعني هذا أن العجلة في ختم الكتاب ستؤدي إلى فقدان مشاركات كبيرة وفي منتهى الروعة، لأن الشعر الذي توحيه شياطين الشعر هو الأجمل، ولذا سيبقى باب المشاركة مفتوحا لأكثر من شهر.

- هل تحب العراق فعلا، وهل أن حبك هذا هو الذي دفع لتطلق هذا المشروع، وقد لا يعتبر مشروعك دليل حب؟

ج: لا يوجد حب أصدق من أن يحن عليك شيء ما كل يوم أكثر من محنَّة وحب والديك، ولا يوجد كرم أكثر من كرم شيء يحتويك ويمدك بسبل الحياة منذ أولى لحظات ولادتك، ثم يحتويك بعد موتك، ولا يوجد شيء أعظم من شيء يجعلك تفخر على باقي الأشياء طوال عمرك مثل بلدك، والعراق؛ رغم الذي عانيته فيه، قدم لي كل هذا وأكثر، ولذا رفضت مفارقته وهجرانه رغم الفرص العديدة التي أتيحت لي، فانا سمكة تعيش في بحر حب العراق، متى خرجت منه اختنقت وماتت. ثق أنى لا أعرف السبيل إلى ترجمة حقيقة حبي للعراق وأهله كلهم، فذلك فوق طاقتي وتعجز عنه قدراتي، وعقيدتي أن الله والعراق هما المقدسان المطلقان في حياتي.

كما الحب شيء روحاني غير ملموس، هو علاقة بين الحبيبين لا يقدر عمقها إلا صاحبها، وبالتالي تخفى ملامحه عن الآخرين تماما مثل الصيام، فأنت قد تدعي بأنك صائم ولكن الله وحده يعرف حقيقتك، من هنا لا يهمني رأي الآخرين في حبي للعراق، يكفيني أنه يعرف مقدار حبي له.

أما المشروع فهو بكل تأكيد يأتي ليترجم حبي للعراق وليكون دليلا عليه، طالما أن غيري لم يتبرع بتقديم مشروع مثله يسبقه.

- ماذا تقول في النهاية؟

ج: أقول: إن الوجع الذي يشعر به العراق اليوم تسبب لي بحزن لا حدود له، وأني والله لو تمكنت من أن أحمل عنه حزنه حتى لو أدى بي إلى الفناء لحملته بكل فرح وسرور، وأنا لست وحدي، فهناك ملايين البشر يحبون العراق مثلي وهم على استعداد للتضحية من أجله، وما دام مثل هؤلاء موجودين فالعراق رغم ما يعانيه سوف يشفى من جراحه ويعود عراقا تتغنى به الإنسانية.

***

حاوره: راضي المترفي

 

 

هدلا القصار:

المرأة الكاتبة بين فكي الاحساس بالدونية والخروج إلى الذات الثقافية والفكرية.

. العمل الأدبي والثقافي هو تاريخ ذكوري

- الكشف عن (الانا) عند المرأة مرتبط بالغواية واغراء الرجل. ظهرت مي زيادة كأول كاتبة بعد معاناة مريرة مع العقيدة. يكون الجمال سبة إذا حاولت المرأة استغلال أنوثتها من أجل الشهرة. اميل بشكل جنوني إلى الدبكة اللبنانية. الرجل هو من جعل المرأة لا تعترف بعمرها هي امرأة بصلابة قلب ناقد وخيال شاعر وجرأة كاتب ورقة الأنثى وصباحة وجوه البيروتيات وثبات الواثق وضحكة المنتصر ولوعة الطاعن في الحنين، درست في بداياتها الإعلام وبعد أن اشتد عودها وقويت شوكتها ومن دون ان علم العائلة دخلت الجامعة مرة اخرى ودرست الادب وتخصصت بالنقد وبعد نجاحها شعرت ان لديها ميول فطرية بعلم النفس، وعادت ودخلت الجامعة ودرست علم النفس ونحن اليوم أمام فارسة تمتطي صهوة الإعلام وتمارس النقد وسلاحها معرفة النفس البشرية وتقرض الشعر فتعالوا إلى دردشة جميلة جريئة مع تلك الناقدة والشاعرة واختصاص علم النفس الإعلامية اللبنانية الحسناء هدلا القصار..

- ما قصة مهرة الحكاية؟

* اولا هو عنوان ديواني الثالث الذي يحمل قصيدة بنفس الاسم وهي تحكي ملخص او اهم حكاية في حياة مهرة الحكاية، التي تمثلني لهذا اطلق علي لقب مهرة الحكاية.

وكما اطلق علي القاب عديدة منها "صنوبرة الارز" و"نبتة برية" وهو عنوان ديواني الثاني، المنسوب لقصيدة " نبتة برية" وهي كذلك امثل فيها غربتي بين اشجار النخيل والبعد عن الوطن.

- ما معني أسم (هدلا) في اللغة؟

* أولا أصل الاسم "هدلاء" ومعناه الدقيق هو (همسة حمامة) وهناك بيت شعر قديم يقول: (وهدلت الْحَمَامَة هَدْلاَء وَاحِدَةٍ عَلَى الْجَبِين) وبما ان الحمام لا يطلق نقرة صوت بل صوت متكرر فعلى ما يبدو كانت الحمامة في تلك اللحظة التي شاهدها الشاعر على جبين احدا ما فاجأها فقطعت الصوت وطارت، وهنا أصبح الهديل غير مكتمل ليصبح همسة الحمامة وان كان احدا لديه تفسير اقرب فليتفضل ويعلمنا وبالنسبة لي هو اسم موروث عن جدتي من والدي وبما ان قديما لم يكن يهتم باللغة العربية فيكتب الاسم كما يلفظ.

ثانيا اسم هدلاء هو أسم قبيلة في الأردن، عرفت بالشهامة وحسن الخلق والمبادئ الطيبة وكان كل من يظلم يذهب لهذه القبيلة ويصرخ بطلب النجدة ويقول: يا اخوة هدلا...

- النقد الأدبي كان حكرا على الرجال.. كيف ولجته الحسان؟

* نعم لأنه كان يعتبر العمل الأدبي أو الثقافي تاريخ ثقافي ذكوري، كان الرجل يستولي على جميع المجالات الثقافية والمعرفية... المحتكرة له مستبعدين المراة عن الفضاء الخارجي الذي هيمن عليه الرجل وحصرها بالفضاء الداخلي، كامرأة مرتبطة بصورة الحريم ليظل الرجل هو المتكلم باسمها...والمعبر عن كينونتها وشأنها وغيره من العوامل المحتكرة له.

وبالرغم من ذلك أن لم تكن الساحة الادبية خالية كليا من وجوه نسائية في الشعر، واخص بالذكر "الخنساء" و"رابعة العدوية" من المشرق و"ليلى الأخيلية"....

إلى أن شعرت المرأة الكاتبة بأنها أصبحت بين فكي الإحساس بالدونية والتفكير بالخروج الى الذات الثقافية والفكرية..

ومن هنا بدأت تبرز أقلام نساء عربيات كما في مجالات الشعر والقصة والرواية.

ومنذ أن بدأ هذا النزاع والتحدي والمناقشات حول هذه الظاهرة الإبداعية المكبوتة... والتي لم تخلوا من مغالطات الرجل ليثبت للعالم عدم تكافؤ إبداعات المرأة مع الرجل، وخاصة من سيطرت العقيدة الإسلامية الدينية، التي تعتبر أن الكشف عن "الأنا " المرأة مرتبط بـغواية واغراء الرجل...

وهكذا كان يحارب الرجل فكر المرأة غير المألوف، لارضاء القيود السائدة على حرية إبداعاتها.

إلى أن تضاعفت هذه القيود حولها بشكل خاص، مما جعل المرأة تشعر بأن عليها الاختيار بين نهوضها او الاستسلام التام لرغبة العقيدة...، الى ان اختارت أن تبرمج نفسها كما تريد هي لا كما يفرض عليها المجتمع الاسلامي الديني المهيمن....

ومن هنا بدأت المرأة الكاتبة بإحايلها الإبداعية الأنثوية تمارس مهنة الابداع بأسماء مستعارة من خارج الوطن كمرحلة أولى لتنجو بنفسها من التصادم مع المجتمع الذكوري الذي يحاول ترصد وصف الكاتبة أو الشاعرة بعلاقاتها الحميمية مع الرجل الشاعر وتجاوزها للقيم... ووضعها تحت المساءلة والقيود الأخلاقية...

بإختصار من هنا قفزت المرأة الكاتبة عما كان يسيطر عليه الرجل.

الى ان ظهرت الاديبة "مي زيادة " كأول كاتبة بعد معاناة مريرة مع سوق العقائد الاسلامية المتزمتة، ومن ثم ظهرت "ليلى بعلبكي" التي وضعت بتساؤل عن مفهوم الرجل للمرأة، وأيضا الكاتبة "كوليت خوري" التي أصدرت أول رواية بعنوان (أيام معه) سنة 1959 وهناك العديد من الاسماء لم يحضرنا الان ممن عملن على إلغاء الصورة النمطية للنساء.

الى ان سجلن في تاريخ الثقافة العربية صفحات مضيئة لأبداع المرأة من المحيط الى الخليج وهكذا حققت المرأة المبدعة إنجازات أدبية يشار إليها بالبنان كنوع من الخروج عن كونها سيدة الصالونات، الى كاتبة تفوقت في إبداعها المتنوع كنوع من التحدي والخروج من الدونية.

- جمال الأنثى متى يكون سبة ومتى يكون ميزة؟

* هناك معايير لجمال الانثى بشكل عام هو الجمال الحقيقي /جمال الروح/ ثقافتها/ كرزيمه الاطلالة /الجمال الداخلي/ الابتسامة الخفيفة/ البشوشة المبتسمة/ اخلاقها _ادبها تصرفاتها/ صوتها الهامس_ طريقة التصرف اللطيف/ المشي المتناسق وعدم التصنع /طيبة الخلق/ والتحدث بثقة ولطف، بما ان التواصل مع الآخرين له أهمية كبيرة، والتحدث عند الضرورة،/ وتجنب استخدام الأسلوب العدائي، وحسن الاستماع/ واحترام الرأي الآخر/ الثقة بالنفس الاهتمام بشكلها الخارجية بطريقة لبقة /والتفكير الايجابي وهناك عوامل لا تعد ولا تحصى.

وهذه القوالب قد تكون فطرية عند الاثنى وقد يكون وراثي ومن ثم يعود للتربية المنزلية والبيئة ومن ثم المدرسة وجميع هذه العوامل هي من تمنحها ميزة الاثتى.

أما متى تكون سبة أو نقمة؟ حين تخرج عما ذكر لجمال الانوثة إذ استغلت انوثتها خارج الأخلاق والأدب أو إذا لاحقت الأضواء من خلال استعلال أنوثتها للحصول على السعادة والشهرة للفت الأنظار من خلال توظيف انوثتها للإغراءات...

- ما أهم نشطاتك التي تفتخرين بها أو تركت بصمة لديك؟

* حين اقمت في شتاء عام 2016 دورات تقوية لمواهب ابداعية فذة رايتها داخل كل فرد من الجيل الصاعد الذي يحمل روح الابداع الفذ لكنهم بحاجة الى ترسيخ المعرفة والتوعية.... للفوز بقصائد خالية من العيوب لذا كان هذا للبرنامج من أن أهم وأجمل نشطاتي التي تركت بصمة جميلة في حياتي الادبية والابداعية والتي كانت تعني لي الكثير لمن شاركتهم نغمة الكلمات ولمن شاركوني تصميمي على النجاح كما منحتني تجربة صعبة خضتها ونجحت بها بعد أن تعرض برنامجي منذ بدايته لمضايقات من اعداء النجاح بسبب غيرتهم... مما لم يخطر على بالهم أن يكونوا أشخاص يسعون الى مساعدة الجيل الناشئ بدل تعبئة كراسي امسياتهم الفارغة

واذ بي اجد حولي كل من يمكنه الدعم من للوقوف بجانبي بطريق لم اتوقعها من اعلاميين وصحفيين وكتاب وادباء ومعلمين لغة عربية.... الذين قدموا تعاونهم والوقوف بجانبي دون أي مقابل بل كانت مواقفهم تنبع من دوافعهم لما اقدم عليه من اجل الجيل الصاعد ودعه كانت دهشة فرحتي اكبر من ان اتوقعه (يقال من احبه الله احب عباده فيه)

ومن بزرة هذه الفكرة التي كبرت وتطورت ونجحت بابنائي المواهب الصاعدة الذين تجاوزوا الصعاب لنشرب من انهار حروف كتاباتهم الشابة والمبدعة بكل ما تحمل من بيوض المجتمع والعوامل المعيقة والمعبرة في حروفهم....

الى ان حصلوا على شهادات موثقة ومعترف بتوقيها من قبلي ضمن عرس احتفالي لم تشهده مدينة غزة كما قيل والى الي اليوم ما زلت اتلقى طلبات لاعادة تكرار هذآ البرنامج لكن الوقت لم يسعفني.

(ومن خلالكم اوجه لهم كلمة لا تفي حقهم وكرمهم ووقوفهم بجاني طالمة هناك دم بجري في عروقي وان بصمتهم ما زلت افتخر بوجودهم بحانيى ومعي حتى الان.)

- هل حاولت اقتحام الفن من باب التمثيل؟

* لا أبدأ ولم يغريني بالشكل الصحيح لكن أذكر حين كنت في الصفوف الابتدائي أمثل في مسرحيات تخص حفلات او مناسبات تابعة لمدرستي.

بينما كنت أميل بشكل جنوني للدبكة اللبنانية، ولا اذكر مر احتفالا في مدرستي إلا واستدعوني للتدريب والمشاركة... وكنت دائما أخرج عن صف الدبيكة واقف في وجههم لادير الدبكة من تلقاء نفسي، ولأنني كنت أشعر أنني اتميز بطول قامتي التي لم تتناسب مع طول بنات صفي او جيلي.

- ما لذي يدفع المرأة لكتابة الشعر.. الترف.. الحاجة.. أو التشبه بالرجال؟

* أولا أريد أن أنفي كلمة التشبيه بالرجل، وقد أقول أن الإلهام الشعري قدري.. لان ملكة الشعر لا تصنف لمن لا يملك ملكة الشعر، والشعر لا يفرق بين شاب وشايب وبين امرأة ورجل.

الشعر أولا وأخيرا هو شعور لمن لديه قريحة الشعر أو الإلهام.....

فالشعر الحقيقي كثير ما يأتي من حالة غضب، أو ألم /صدمة او حالات اجتماعية مؤلمة او إنساني / ووجدانية... أو حرمان....على خلاف شعراء تكنولوجيا الحاسوب.

- لماذا تخفي الأنثى عمرها الحقيقي وهل لديك القدرة على أخبارنا بعمرك؟

* صدق أو لا تصدق أن من جعل المرأة لا تعترف بعمرها! هو الرجل، ولو كان الرجل يصدق ما تقوله المراة عن عمرها، تأكد لقالت، لكن مهما صدقت المرأة ستظل بعين الرجل انها تخبئ عمرها وانا منهن.

وممكن الآن أن اختلف عن اسلوبهن: واقول لك عمري مائة عام، بالطبع انت كذلك لن تصدق، لكني اوجزت عمر المعرفة وليس عمر السنين. وهنا اغاير قاعدة النساء بالهروب العملاق والمشرف..

- اعترف الشعراء الرجل أن المرأة من تستكبهم بوجودها الملهم، فهل النساء كذلك؟

* لا يمكن ان نجزم أو نجمع الشعراء الرجال عامة كي لا يصبح تعسف، هناك شعراء تنوعت قصائدهم، وسبق وكتبت دراسات عن عشرة عن شعراء عالجوا قضايا المجتمع عامة وكتبوا عن عن المجتمع والسياسة... عن السجن وعن الجامعة والحياة والطبيعة والمال وغيره من العوامل البيئية، ولم تكن المرأة لديهم هي المتلسط على المشهد الشعري في قلم الشاعر ورؤيته

اما اذ اردنا عن نتكلم بشكل عام، في معمعة التكنولوجيا الحديثة نتكلم عن نسبة ستون بالمائة يكتبون عن المرأة ويبتدعون ويتنوعون في علاقاتهم بالنساء من أجل أن يكتبوا الشعر ويتغزلون ويستباحون جسد المرأة وتفاصيلها بحروفهم التي لا تجدي معناها إلى أن يشعر المتلقي او الناقد انه يشاهد فيديو كليب، معتقدين انهم سيصلون الى الشاعر نزار قباني (كما قال لي احد الشعراء الذي صنف نفسه بشاعر المراة بكتباته المفبركة او لنقل المصنعة وحتى الشاعر نزار لم يستبيح جسد المرأة بأقلامه كما يفعلون، علما أنه غير مستحب عامة عند الرجل او المرأة استباحة جسد المراة باللفظ الحرفي... هذه قاعدة اساسية.

أما النساء او المرأة الشاعرة لم يسيطر عليها أو عليهن إلا بحالات نسبية لا تذكر بالنسبة للرجل الشاعر.

فالمرأة الشاعرة او الكاتبة لديها أشياء كثيرة تدفعها للكتابة ومن بينهم الرجل الذي يدخل في نبض حياتها، ومنها حالة الكبت والاعاقات المجتمعية، والظروف النفسية، ومشكلاتها مع الزوج، وهناك ظروف وعوامل الابناء وما يلحق بهم، وقد تكتب عن الحرمان، والغيرة، والشعور بالنقص عن بنات جنسها... والدوانية والقبلية... وتعسف الاب او الشقيق....

لذا لم يستولي الرجل بشكل على اقلامها بشكل منفرد كما تسيطر المرأة على قلم الرجل الشاعر.

- من هم قرائك؟

* لا ادري لكن حسب اعتقادي انه من الطبيعي ان يبحث الرجل عن المرأة من خلال كتابات المراة الكاتبة.. وهو عامل بديهي لأن الرجل دائما يبحث عما ينقصه لمعرفة المراة ولم يدركه، او كنوع من الفضول لمعرفة المرأة والتعمق بتفاصيل حياة الشاعرة، وهناك عوامل عديدة تدفعه للفضول... ولو أردنا ان نشرح أكثر سنحتاج فصولا منفردة.

فمن وجهة نظري ورؤيتي، لا أنكر أيضا أن المراء في بعض الاحيان تنظر الى قلم الشاعر الذي قد تجد من يحك انسانيتها ووجدانها... او قد تجد ما لم تدركه من اشياء لم لم تكتشفها فيما سبق في عاطفتها او ميولها ووجدانها بقلم الرجل الشاعر كنوع من تفكيك حبال الممنوعات بتعاملها مع الرجل عامة ولو من باب الفضول... وأنا أقول هذة هي المعرفة التي أتت بادم وحواء.

- انت على ذمة الشعر وذمة النقد، من هو الأقرب إلى قلبك فيهم؟

* لا يمكنني أن أفصل ما بين الشعر والنقد، فالشعر يفرغ ما في داخلي من شعور جميل ليخرج من روحي ويمنحني عظمة العطاء واكتشاف دواخل الذات المكتومة من خلال قريحة الشعور بالرؤية الشعورية التي تندلق باللاوعي لتلوك خصوبة الشعور او المواقع المسيطرة على مخيلة الشاعر عامة.

اما النقد نحن من نخرج ما في جعبة كلمات الكاتب او الشاعر وهي التي تستولي على رؤيتنا التي تسجل هالات واكتشاف الجمال في الرؤية والكلمة والتكنيك المصاغ بفطرة الشعر الملهم لتسجيل حالات الشاعر في اللحظة..

وبالنسبة لي النقد لم يبتعد كثير عن تلبس الشعر هذا اذا امتلأت او عبقت من نصوص الشاعر فتتحول المشاعر الى مخيلة تستحضر ملكة الشعر لدي الشاعر نفسه بما ان النقد ليس بالنسبة لي مهنة اصيغه وأضع النقطة اخر السطر بل هو تلبس حسي بمشاعر الناقد الذي لم يصيغ نقده من أجل الحصول على ثمن او مكافئة نقدي من مجلة او صحيفة ما، هناك فرق.

- ماهو حال الإعلام العربي حاليا؟

* مع أني لا أفضل الحديث عن سياسية الاعلام، لكن يمكنني أن اقول لم يعد هناك أفق سياسي في الإعلام العربي الذي يعمل لنقل الخبر او الحدث والتقييم المنطقي او تصور واضح عما سيحدث من تغيرات درماتيكية او تقلبات سياسية....

فالاعلام اصبح تعبوي بمعني تابع لتنظيم حركة او جه تدفع ثمن توجه الاعلام المسيطر...

ليصبح بعيدا عن التحليل المنطقي.. وهذا ما تسبب بعدم تثبيت أي قرارات توجه....

ولأن سيأتي من يعارضها.... فبأي أفق يمكن للإعلام الحقيقي ان يتعاطى مع الوضع السياسي الإعلامي المتقلب

- هل لك مؤلفات مطبوعة؟

* نعم لي ثلاثة مطبوعات الاول "تأملات امرا"ة والثاني بعنوان "نبتة برية والثالث " مهرة الحكاية"

ولدي دوانين جاهزين للطباعة انتظر فرصة لكي اطبعهم في بيروت.

كما لدي كتاب في النقد الأدبي المعاصر وتقنباته تهجين لغة الشعر تقريبا جاهز.

كما استكمل بحثي حول موضوع اتحفظ على فكرته سبق وبدات به ومن ثم هجرت أوراقه._ اي من الدول العربية أقرب إلى قلبك بعد لبنان؟ اعتقد جزيرة قبرص ربما لأني أقمت فيها لسنوات عديدة، وربما لأن معالمها وجبالها وما حولها كمعالم لبنان....وحتى شعبها بسبط طيب الخلق وهو المكان المريح والهادئ الذي يحتاجه المرء للتخلص من ضجيج الحياة....

- ماهو رأيك بالشعراء والنقاد العرب المعاصرين؟

* أحيانا تكون الصراحة جارجة، لكن لا بد من الحقيقة المرئية، فاذ كان لا بد من الإجابة أقول لك ان هناك نوعان من الشعراء والنقاد اذ لم نقل أكثر.

هناك شعراء يشار اليهم بالبنان ولا يمكن ان تضعهم بين شعراء اليوم فما بالك بمقولة (ما اكثر الشعراء وما اقل الشعر) فالمستشعرين يملكون الاعجاب بالكلمات لكن لا يملكن قريح الشعر ومن عرفته الامس لا تعرفه اليوم.

بينما كانوا يأتون إلى الندوات والامسيات فقط لتمضية الوقت او للتعارف الاجتماعي او قد يستدعوا لتعبئة الكراسي....

والان اصبحوا شعراء الاستنساخات من هنا وهناك الى ان خلت كلمات الشعر من الروح الشاعرية وتحولت الى رسائل فيسبوكية، وأصبحت مجرد كلمات..... او حكايات لمبتدئين يضعونها بشكل عامودي ثم يقولون "بقلمي".

الى ان وصلت بهم الوقاحة ان يستسنخوا الدراسات النقدية والمقالات العلمية لكتاب.... من صفحات السيد جوجل ويضعونها باسمائهم اما النقد الاصيل لم نعد تراه الا باقلام قليلة او قديمة طالمة أصبح قلم بعض الناقد يوظف للمجاملات والمحاباة.... واستنساخ رأي الاخرين، وكذلك سبق وكتبت عن هذا الموضوع مرارا وتكرارا الى أن أصبحنا نبحث عن الناقد المهني لنقرأ له بتجلي ومتعة تامة.

للأسف فكل هذا التشوش وانحلال المشاعر والرؤية بسبب التكنولوجيا الحديثة التي اسيئ استعمالها مما جعلت المرء يفكر بعينيه وليس بفكره او قريحته.

أحيانا او كثيرا ما احزن على تعب نقاد يبذلون مجهودات كبيرة لإيصال مفهوم النقد والفكرة والمعني للمتلقي على صفحات الفيسبوك للاسف دون جدوة..

- كيف توفقين بين متطلبات البيت وانشغالاتك الأدبية؟

* بالنسبة لي اهم شيئ لدي هو تنظيم الوقت واومن ثم عملي الالتزامي هز من البديهي منظم اما مشاركاتي في الندوات او الأمسيات والمرتمرات فجميعها اتكيف معها جسب الوقت المقرر لها اما انشغالاتي الادبية في المنزل يمكنني ان ارتبها حسب الظرف والوقت دون ان تؤثر سلبا على اسرتي.

اما بالنسبة لملكة الشعر حين تستدرجني القصيدة فاترك كل ما بيدي لاسجل الوميض وبكل زواية من المنزل ستجد دفتر وقلم.

واسرتي الصغيرة اعتادوا على ذلك ويقدرون هذه اللحظات ولان الجميع في المنزل لديه قريحة القلم الزوج كاتب والابناء لديهم ما يشغلهم واحدهم يحمل قريحة القلم فالجميع يحترم مزاجية وانشغالات الاخر وبهذه المناسبة قبل سنوات كتبت قصيدة بعنوان "متطلبات الصباح ذكرت مثل هذه الاجابات اقول:

أفتحُ بابَ الصباح على رائحةِ القهوة

أُحصي حباتَ النومِ من ليلي

بينما أعلن العبث بنعاسِ صحوي

يباغتُني حضورُ اليومِ ومتطلباتِهِ

قبلَ أنْ تتسللَ صورُ أجنحتي

ويسيلُ انزلاقُ نَزفي

أُدوِّنُ لحظاتِ نهاري الأولى

وأسألُ نفسي ما هو المطلوبُ من مُخيلتي

مطلوبٌ: أنْ ألتقِطَ لحظةَ الانبثاقِ

أتمسَّكُ بالومضةِ الأولى

وأثبتُ اللحظةَ الثانيةَ

الاحق تسابقَ نشوةَ القصيدةِ حين يلتهم قلمي الحروفَ أسعى لتوظيفِ مفرداتي أُخَوْضِرُ عيناي لأزفَّ الوَلَهَ في شِعْريتي وأُحركُ زجاجَ الواقعِ المفترض ان ترتجفَ مكوناتُ الجسدِ في سريرتي

مطلوبٌ: أن تتدلى أنوثةُ الموقفِ على السطورِ

ومرافقةُ النصّ حتى الوريدْ

استفحالُ الشوقُ

رذاذُ الحروف اللولبية

إقراء شغف الهذيان

ثم أبوحُ بسرِّ الوميضِ

لأصِلَ إلى التأويلِ

مطلوبٌ: أنْ ألبسَ الشُرفاتِ العاريةِ

وأُطمئنَ عَتمةَ الليلَ بوجودي

أُسجلُ هالاتِ النجومِ في السماءِ

لأنحنيَ أمامَ القصيدةِ كالسنبلةِ ببذورِها اجمعُ طرقاتِ القلبِ أُعَنونُ أسماءَ الكواكبِ أُصفِفُ أكوابَ الرؤيةِ وأصِفُ اغتصابَ مُخيلَتي لتشرقَ القناديلُ في أناملي وأُسرِجُ خيولَ توهجِ النرجسِ قبلَ السقوطِ

مطلوبٌ: أنْ أكتبَ على الورقِ الأبيضِ

قصةً بألوانِ الطباشيرِ

وأهمسُ لهُتافاتِ هواجسي

أطيرُ بفضاءِ رأسي

لأرى بعينِ أفكاري

ثم أُمَحورُ مُخيلتي كما تشتهي

وطفلٌ أبيضُ: يطلبُ أنْ أهدبَ صلاتي في محرابِ تهجدِهِ

والثاني: يطلبُ احترامَ طقوسِهِ وقراءةِ نَملِ أفكارِهِ

والثالثُ: يطلبُ إعادةَ تكويني كما يريدُ

وآآآخرٌ يطلبُ أنْ أجاريَ أفكارَهُ

أسرحُ في ملكوتِ خيالِهِ......

اللهو الوله على......

أبتسمُ متى يريدُ.....

أتكلمُ بما يشاءُ.....

دونَ أنْ أذهبَ بإلهامي إلى مُخيلتي الشِّعريةِ

وأنا أطلبُ: الوقتَ لأتفقدَ وِلاداتي الهاربةَ لاختراقِ دهاليزي المخبأة وأدخلُ ومضاتِ الخواطرِ......

والقلمُ يطلبُ خِصبي

الورقُ ينتظرُ حِبرَ نهري

ونفسي تطلبُ البوحَ كمرارةِ حنظلةٍ بريةٍ

أهربُ من عنكبوتِ النهارِ

لأمسكَ مساحاتِ صوتي

و أَحْبِكُ خيوطَ القصيدةِ

وسحرِها الذي يشبهُ لحظاتِ صَحْوتي

وما تبقى مني لأحيا بمتعةِ الكتابةِ

- آخر ما كتبتي شعرا؟

* لا اذكر تماما لانني حين اكتب قصيدة لا اراها الا بعد تركها والعودة اليها لتهذيب اللغة او تعديل او اضافة وقد تكون كاملة الخلق والتكوين فانقلها الى ملف النصوص الحديثة لكن بإمكاني ان اشرح هذا النص الذي استئذان احدهم ان يترجمه لاعجابه به. يقول:

"عِنْدَمَا أَسْمَح"

عِنْدَمَا أَسْمَح لكِ "بالتجوال فِي رَأْسِي"

أَرْجُوك لَا تَلَمَّس صَمْتِيّ !

أَخَافُ عَلَيْك مِنْ قَهْرً يُؤْلِمْك

لَا تَلَمَّس مَنْ أَحَبَّ..

أَخَافُ أَنْ يرعدني الْحُنَيْن

أَرْجُوك لَا تَقْتَرِب مِمَّن يَسْكُن الرُّوح..

أَخَافُ أَنْ تزعج سَاكِنَها...

لَا تَقْتَرِبْ مِنَ الْجَسَدِ....

أَخَافُ أَنْ تُكْسَرَ ضِلَع أَدَمْته السِّنِين ولَو تجولت بِالْخَاطِر تَأَمَّل وُرُود افكاري...

وَكَلِمَات خواطري

وَلَو تَبَعْثَرَت بِقَسْوَة أَحْبَابِي..

أَتْرُك مِسَاحَة لأوردة اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ افكاري...

لَا تَنْسَى أَنْ تَمْسَحَ حُزْنًا خَبَّأْتَه مِن السَّاقِي وَأَنْ لَا تُنْسَخُ رَسَائِل احباري...

وَقبل أَن تُودَع الْمَكَان...

اتْرُك السِّرّ بَيْن رَسَائِل اسراري.

إلى هنا وأدركت هدلا الصباح فسكتت عن الكلام المباح واكتفيت انا من طرح الأسئلة بعد بدأت العصافير زقزقتها فرحلت مع تباشير الصباح.

* * *

حاورها: راضي المترفي

 

ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

أندريا مورو: مرحبا نعوم. من الرائع رؤيتك أخيرًا. كان من المفترض أن نكون قد اجتمعنا منذ عدة أشهر: لقد منع الوباء ذلك، لكن على الأقل نحن قادرون على الاجتماع الآن، حتى لو عن بعد. إذا كان الأمر جيدًا معك، أود أن أبدأ حديثنا بشيء أدهشني حقًا عندما كنت طالبا عندك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1988. في الفصل، اقتبست من يهوشوا بار هيلل عن العلاقة بين التكنولوجيا واللغة كما هي كان من ذوي الخبرة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي؛ كان شيئًا كتبه بعد حوالي عشرين عامًا من الواقعة. في ذلك الوقت، كان ما قاله صادمًا بالنسبة لي، وأعتقد أنه لا يزال يتعلق بطريقة مثيرة للاهتمام بالعالم المعاصر. إذا كنت لا تمانع، سأقرأها بصوت عالٍ قبل أن أطلب رأيك فيها اليوم.

كان بار هيلل، بشكل أكثر تحديدًا، يتحدث عن الغلاف الجوي والأفكار المتداولة في مختبر أبحاث الإلكترونيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج، ماساتشوستس. هذا هو المقطع الرئيسي: " كان هناك شعور واسع الانتشار حول المختبر أنه مع الرؤى الجديدة لعلم التحكم الآلي والتقنيات المطورة حديثًا لنظرية المعلومات، فإن الاختراق النهائي نحو فهم كامل لتعقيدات الاتصال " في الحيوان والحيوان. الجهاز " قد تم تحقيقه. أشاد اللغويون وعلماء النفس والفلاسفة وعلماء الاجتماع على حد سواء بدخول المهندس الكهربائي وعالم الرياضيات الاحتمالي في مجال الاتصالات. 1 أود أن أسألك عما إذا كان بإمكانك، بعد سنوات عديدة، إبداء رأيك في هذا الأمر مرة أخرى؟.

نعوم تشومسكي: حسنًا، كما تتذكر، كان بار هيلل يقول إن النشوة كانت في غير محلها - وأن ما كان متوقعًا بثقة لم يحدث.

كان يشير إلى الوضع في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. كان ذلك عندما كنت أنا وموريس هالي وإريك لينبيرج نجتمع للتو ونلتقي كطلاب دراسات عليا في جامعة هارفارد. وكان هذا في الواقع هو الجو في هارفارد، وفي بيئة كامبريدج. كان هناك الكثير من الإثارة. كان على خلفية اجتماعية وسياسية. من المهم أن نتذكر أنه قبل الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة تعاني نوعًا من الركود الفكري. إذا كنت ترغب في دراسة الفيزياء، ستذهب إلى ألمانيا؛ وإذا أردت دراسة الفلسفة، ستذهب إلى إنجلترا أو فيينا؛ وإذا أردت أن تكون كاتبًا، فستذهب إلى فرنسا. كانت الولايات المتحدة نوعًا ما يشبه بلدة صغيرة، بعيدة في الأطراف. أعني، كانت هناك أشياء تحدث أيها العلماء العظماء. لكنها كانت على الهامش.

غيرت الحرب كل ذلك تماما. كانت أوروبا، بالطبع، مدمرة. حققت الولايات المتحدة مكاسب هائلة من خلال الحرب. تضاعف الإنتاج الصناعي أربع مرات. تم إجراء الكثير من الاكتشافات العلمية والتقدم التكنولوجي خلال الحرب. بعد الحرب، امتلكت الولايات المتحدة العالم بشكل أساسي. تسرب هذا إلى الوعي العام: لقد انتهى الأوروبيون، ونحن نتولى زمام الأمور. وفي ظل هذه الخلفية، ظهرت التطورات الجديدة التي كان يصفها بار هيلل في المقدمة وأصبحت جزءًا من الشعور بأننا " نتقدم حقًا، ونترك العالم القديم وراءنا؛ نحن الآن نبدأ في طريق جديد، يتجاوز بكثير ما تصوره أي شخص آخر. ظهر هذا في جميع أنواع المجالات، بما في ذلك هذا المجال. الآن أنا موجود في كامبريدج - هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. تم تطوير نظرية المعلومات لكلود شانون من أبحاث زمن الحرب إلى جانب علم التحكم الآلي لنوربرت وينر، بدا الأمر وكأن حقبة جديدة قادمة. يمكننا الآن أن ننتقل إلى دراسة ما كان يُطلق عليه في الأيام القديمة "دراسة العقل" ولكننا الآن سنتعامل معها بأساليب العلم. وكان هناك حماسة هائلة.

يجب أن أقول إنه مشابه جدًا لما يجري اليوم، مع الحماس والإثارة حول الذكاء الاصطناعي، والتعلم العميق: بطريقة ما سيحل كل المشاكل. وهي أكثر إشكالية. فهو لا يحقق نتائج علمية في مجالاتنا على الأقل. لكن الجو مشابه جدا.

ويجب أن أذكر أنه في ذلك الوقت، حوالي عام 1950، كان هناك مصدر آخر، مصدر مستقل، للحماس والنشوة: كان هذا هو علم اللغة البنيوي الأمريكي - والذي لم يتم تمثيله في الواقع في كامبريدج. لم يكن هناك لغويون أمريكيون. أعتقد أنني كنت الوحيد على الأرجح، بفضل خلفيتي الجامعية. كان رومان جاكوبسون موجودًا من التقاليد البنيوية الأوروبية، لكن لم يكن هناك بنيويون أمريكيون. لكن في أماكن أخرى من البلاد، كانت هناك مجموعة متماسكة إلى حد ما من اللغويين البنيويين الذين أنجزوا قدرًا جيدًا، و شعروا أنه إذا قرأت على المادة في ذلك الوقت، فقد تمكنوا أخيرًا من تأسيس علم اللغة كعلم - " علم التصنيف " تم تسميته - لأول مرة. كان لديهم إجراءات وتحليلات محددة جيدًا: يمكنك تطبيقها على أي لغة، وأي مواد، وتحصل على تحليل الصوت، والصرف، وكلمتين حول بناء الجملة، لكن الحقل تم بشكل أساسي. وفي الحقيقة، أذكر، كنت طالبًا في ذلك الوقت، وكان الشعور السائد بين الطلاب: هذا كثير من المرح، لكن ما الذي سنفعله و متى نطبق الإجراءات على كل لغة؟ وكيف سينتهي بنا الأمر؟ وكان هذا هو الافتراض العام.

لذلك، كان هناك نوعان منفصلان من الإجماع، كل منهما متحمس، ولكل منهما إحساس بوجود إنجازات عظيمة. في إحدى الحالات، كان الحقل قد اكتمل إلى حد كبير؛ في الجانب الآخر، كنا نواصل إنشاء عالم جديد. انهار في الخمسينيات. لا شيء يعمل. مع الإجماع في كامبريدج، كان من الممكن، عندما كانت المقترحات واضحة بما فيه الكفاية، للتحقيق فيها. على سبيل المثال، كانت الفكرة السائدة هي أن اللغة كانت نظام إنتاج ماركوفي. كان ذلك دقيقا: يمكنك إثبات أنه خاطئ. كان البعض الآخر أكثر إبهامًا. لديك المزيد من الحجج غير المباشرة بأنها كانت على المسار الخطأ. الإجماع البنيوي للتو لم ينجح. كان هناك صدام حاد، أصبح أكثر وضوحا، بين إجراءات التحليل، وهو ما يدور حوله الميدان، والنظريات التفسيرية. اتضح أنك إذا حاولت تطوير نظرية تفسيرية - وهي ما هي القواعد التوليدية - إذا حاولت بناء قواعد توليدية، نظرية تفسيرية، فإن العناصر الموجودة فيها لا يمكن الوصول إليها من خلال الإجراءات. لذلك، كانت هناك فجوة بين محاولة تطوير تفسير لظواهر اللغة وتطبيق إجراءات التحليل. كانت المشاريع غير متسقة. وما ساد أخيرًا بمرور الوقت هو الجهد المبذول لإيجاد نظريات تفسيرية.

من اللافت للنظر أننا في وضع مشابه جدًا اليوم. الإثارة القادمة من وادي السيليكون، بشكل أساسي - الكثير من الضجيج والدعاية حول مدى روعة الإنجازات - لها تشابه معين مع النشوة التكنولوجية التي كان يصفها بار هيلل.

وهذا، مرة أخرى، في الوقت الذي وصفه فيه، أعتقد أنه قد تم تقويضه، وكان خطأ.

أندريا مورو: على ذلك المقطع الذي أشار إلى أجواء الخمسينيات، والذي لا يزال مهمًا، يحذرنا من النشوة السائدة اليوم. ولكن هناك تفصيل واحد محدد أود أن أطلب منك التفكير فيه، فيما يتعلق بشيء آخر قدمته إلينا في الفصل: يتعلق بالعمل الأساسي الذي جاء من مجال مختلف تمامًا، أي دراسات الدماغ، وبشكل أكثر تحديدًا، علم الحبسات. لقد فعلت ذلك من خلال تعريفنا بعمل إريك لينبيرج، مع كتابه الأسس البيولوجية للغة. 2

هل تعتقد أنه كان هناك أي تغيير جوهري في دراسات الدماغ منذ الخمسينيات؟

نعوم تشومسكي: أوه، الأمر مختلف تمامًا. في الواقع، كان هناك عمل مثير للاهتمام في مجال علوم الدماغ في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. لكن من المثير للاهتمام أنه لم يكن معروفًا بشكل أساسي في مجالات علم النفس والعلوم المعرفية وما إلى ذلك. سأعطيكم مثالاً صارخًا جدًا على ذلك. ألقى كارل لاشلي، أحد علماء الأعصاب العظماء، في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي محاضرة مهمة جدًا، محاضرة ندوة هيكسون، صدرت مطبوعة في عام 1951. أظهرت، ليس من خلال دراسات الدماغ، ولكن فقط من خلال النظر في طبيعة سلوك الكائنات الحية - الخيول التي تجري، والناس يعزفون الموسيقى، وما إلى ذلك - أن الهيكل السلوكي بأكمله كان ميؤوسًا منه. لقد أظهر أنه لا يمكن أن يعمل حتى في الأشياء البسيطة، مثل حساب كيف يمكن للحصان أن يركض وما مقدار سرعته. قدم حججا قوية جدا. عليك أن تتذكر أنه في ذلك الوقت، كانت السلوكية الراديكالية مركزية في الأساليب المبهجة.

تم تداول محاضرات ويليام جيمس حول بافلوف وسكينر في عام 1948 وفيما بعد ظهرت في كتاب السلوك اللفظي. اختارها دبليو في أو كوين، الفيلسوف الأكثر نفوذاً في ذلك الوقت، وصارت جوهر عمله. صارت في المركز: ما كان محوريًا للشعور بأننا نستطيع فهم كل شيء هو السلوكية الراديكالية. قام لاشلي في عام 1951 بإخراج الدعائم من تحتها. 3 لا أحد يعرف ذلك. لقد اكتشفته كطالب لأنه أوصى به مؤرخ الفن، ماير شابيرو، الذي كان نوعًا ما متعدد المواهب؛ لقد ذكر لي ذات مرة أنني يجب أن أنظر إلى هذه المقالة. كان يعتقد أنها مثير للاهتمام. وحوالي عام 1955، على ما أعتقد. نظرت إليها: استطعت أن أرى على الفور أنها حطمت كل شيء. لم يعرف ذلك أي من علماء النفس في جامعة هارفارد. لم يتم ذكره في الأدبيات - ولكن في الأدبيات العصبية ذكرته بشكل متكرر. هناك تمت ملاحظتها.

ولم تدخل الفكرة علم النفس أو العلوم المعرفية. أعتقد أن أول ذكر لها في هذه المجالات كان على الأرجح في مراجعتي لسكينر في عام 1959. 4 ولاحقًا أصبحت معروفة على نطاق واسع. كان لاشلي شخصية رئيسية في علوم الدماغ، لكن عمله المهم لم يدخل في علم النفس أو فلسفة اللغة، أو العلوم المعرفية الناشئة. بالطبع، كان هناك عمل آخر، مثل دراسات وايلدر بينفيلد، والدراسات الغازية للدماغ. بالإضافة إلى دراسات لا يمكن إجراؤها الآن لأسباب أخلاقية. لكن المعايير كانت أقل بكثير في تلك الأيام: كانت هناك قيود قليلة [ يضحك ]. ثم جاء كتاب إيريك لينبيرج عام 1967. لقد كان ثوريًا حقًا. لقد أسس علم بيولوجيا اللغة الحديث.

وكان لديه دراسات شيقة للغاية حول العديد من الموضوعات المختلفة، بما في ذلك فصل مثير للاهتمام حول تطور اللغة، والذي لا يزال حتى يومنا هذا أساسًا كلاسيكيًا للعمل الجاد في هذا المجال. كما درس حالات الإعاقة اللغوية. لذلك، الأشخاص الذين ليس لديهم قشرة مخية تقريبًا، قشرة مخ غير قابلة للاكتشاف تقريبًا، ولديهم معرفة لغوية ممتازة. كيف يمكن لذلك أن يحدث وكيف يمكن تفسير ذلك؟

لقد قام في وقت سابق ببعض الاكتشافات المثيرة للاهتمام، والتي اعتبرت مستحيلة لدرجة أنه لم يقم حتى بنشرها. كنا أصدقاء شخصيين مقربين، طلابًا معًا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. كان مهتمًا بالفعل بكيفية تطور اللغة مع الإعاقات. لذلك، كان من بين الأشياء التي كان مهتمًا بها لغة الصم. في ذلك الوقت كان هناك تقليد شفهي صارم للغاية. لم يُسمح للصم بتعلم الإشارة. كان عليهم تعلم قراءة الشفاه. لذلك، تم توجيه الوالدين بعدم الإيماء إذا كان لديك طفل أصم. كانت المدارس تدرس قراءة الشفاه فقط. ذهب إريك للمراقبة في أكثر المدارس تقدمًا للصم في منطقة بوسطن. وقد لاحظ شيئًا مثيرًا للاهتمام. كان المعلم يعلم الأطفال قراءة الشفاه، ولكن بمجرد أن استدار المعلم إلى السبورة، بدأ الأطفال في التحرك على هذا النحو [ يلوحون بأيديهم]. وأدرك أنه لا بد أن يكونوا قد اخترعوا لغة الإشارة الخاصة بهم. لكن هذه الفكرة اعتبرت غريبة لدرجة أنه لم ينشرها أبدًا. في السنوات اللاحقة، تم اكتشاف أن الأطفال يخترعون بالفعل لغة الإشارة الخاصة بهم، دون مدخلات، ولكن هذا كان مبكرًا بستين عامًا. لم يستطع حتى نشرها في ذلك الوقت.

كان الكتاب حقًا تقدمًا كبيرًا. ومع ذلك، لم تكن التقنيات متاحة بعد للقيام بعمل فعال حقًا في علوم الأعصاب من شأنه أن يحمل أسئلة جادة حول كيفية عمل اللغة. كان أول اختراق كبير في ورقة بحثية في عام 2003، التجارب التي صممتها والتي أجريت في ميلانو. كان هؤلاء هم الأوائل، وحتى يومنا هذا كانوا الوحيدين تقريبًا، الذين وجدوا أساسًا مهمًا حقًا في وظيفة الدماغ لخاصية أساسية للغة: الخاصية التي تسمى اعتماد البنيوية. من السمات المثيرة للفضول للغة هي أن الأطفال الصغار، الأطفال بعمر عامين، عندما يطبقون قواعد لغوية لإنشاء جمل وتفسيرها، يتجاهلون 100٪ مما يسمعونه، ولا ينتبهون إلا إلى شيء لم يسمعه أبدًا. ما يتجاهله هو الترتيب الخطي للكلمات. هذا ما تسمعه. مثل، إذا استمعت إلينا الآن تسمع كلمات تأتي مثل خرز على خيط، واحدة تلو الأخرى. يتجاهل الأطفال هذا تمامًا في تطبيق قواعد لغتهم الداخلية. ما ينتبهون إليه هو الهياكل التي يصنعونها في أذهانهم، والتي بالطبع لا تسمعها أبدًا. أنت لا تسمع تراكيب وهيكل لغوية. إنها مجرد شيء ينشئه عقلك تلقائيًا على أساس سلسلة كلمات مرتبة خطيًا. يوجد الآن دليل لغوي كبير حول هذه الخاصية الغريبة والأساسية للغة، وتجاربك، التي سأدعك تتحدث عنها الآن، تُظهر أنه يمكنك في الواقع العثور على ما يحدث في الدماغ والذي يرتبط بهذا. لماذا لا تتولى [يضحك]؟

أندريا مورو: أشكرك على إعطائي هذه الفرصة لوصف هذه التجارب وعلاقتها بفرضياتك. في الواقع، كما قلت، تم تصميم التجربة في ميلانو. في الواقع، تم استغلال نموذج البحث مرتين في تجربتين منفصلتين مع فريقين مختلفين تم إجراؤهما في ألمانيا وسويسرا. كانت الفكرة الأساسية والمشتركة هي الاعتماد على ما قلته للتو، أي أن الأطفال يهتمون فقط بالهياكل الهرمية بدلاً من الترتيب الخطي. بافتراض ذلك، اخترعت نوعين من اللغات: أحدهما يعتمد على التسلسل الهرمي (أطلق عليه " لغة محتملة ") والثاني على أساس الترتيب الخطي (أطلق عليه " لغة مستحيلة "). هناك عدد لا حصر له من القواعد التي يمكن للمرء أن يخترعها على أساس الترتيب الخطي. استخدمنا أساسًا ثلاثة أنواع من القواعد: القواعد المستندة إلى الموضع الصارم لكلمة معينة في التسلسل الخطي للكلمات في الجملة (على سبيل المثال، يحدث النفي دائمًا مثل الكلمة الثالثة على سبيل المثال)؛ القواعد المستندة إلى إعادة ترتيب الكلمات (على سبيل المثال، القاعدة التي يشكل جملة استفهام عن طريق تكوين صورة معكوسة لتسلسل كلمات الجملة الإيجابية المقابلة)؛ والقواعد المستندة إلى الاتفاق بين كلمتين في أقصى سلسلة (على سبيل المثال، توافق المقالة الأولى مع الاسم الأخير لجملة معينة).

وتجدر الإشارة إلى أن القاعدة القائمة على إعادة ترتيب الكلمات نفسها ليست سوى امتداد لقدرة تُستخدم عادةً في العديد من اللغات: خذ جملة إيجابية مثل أمريكا جميلة؛ جملة الاستفهام المقابلة لها هل أمريكا جميلة؟ في لغتنا المستحيلة، ستعطي القاعدة المقابلة " الجميل" أمريكا لها نفس المعنى مثل جملة الاستفهام السابقة ولكن كما تم حسابها على هيكل مسطح بدلاً من الهيكل الهرمي الذي نجده في اللغة الإنجليزية الفعلية.

استندت كلتا التجربتين أساسًا إلى هذه الفكرة البسيطة لقياس رد فعل الدماغ عند الحكم على القواعد النحوية للجمل بناءً على القواعد الممكنة مقابل القواعد المستحيلة، ولكن كان هناك أيضًا عامل آخر يميزهما. في إحدى الحالات، قمنا بمقارنة اللغات الحقيقية وذات المعنى الكامل من خلال تعليم نسخة مصغرة من اللغة الإيطالية تحتوي على كل من القواعد الممكنة والمستحيلة لمجموعة من المتحدثين الألمان الذين يتحدثون لغة واحدة. 5 في الجانب الآخر، ندع الناس بدلاً من ذلك يكتشفون قواعد مماثلة من الجمل التي تم إنشاؤها من مفردات محدودة من الكلمات المبتكرة، رغم أنها معقولة صوتيًا، نسميها " الكلمات الزائفة "، مع الاحتفاظ فقط بما يسمى بالكلمات الوظيفية، مثل الاثبات، والنفي، والأفعال المساعدة. بدت جمل هذه التجربة الثانية مثل jabberwocky وكان من المستحيل حساب المعنى الكامل؛ على سبيل المثال، بشيء مثل gulks janidged brals The. 6 ومع ذلك، تعلم المتحدثون هذه القواعد وكانت النتائج قابلة للمقارنة والقياس إلى حد كبير مع تلك الموجودة في التجربة الأولى. كان السبب في أننا استغلنا أيضًا الكلمات الزائفة جنبًا إلى جنب مع الكلمات العادية هو استبعاد احتمال أنه لم يكن بناء الجملة بل الدلالات التي مكنت الأشخاص من تعلم القواعد وإدارتها باللغات المستحيلة.

علاوة على ذلك، لتحسين التجربة الأولى، قمنا بتعليم اللغة اليابانية المصغرة جنبًا إلى جنب مع الإيطالية الدقيقة من أجل استبعاد احتمال أن يكون التشابه بين اللغة الأخيرة واللغة الأصلية للمواضيع (كل من الألمانية والإيطالية تنتمي إلى الهندو أوروبية) اللغات، في حين أن اليابانية لا) يمكن أن تقدم أي ميزة للمتحدثين. وفي الحقيقة، لم يكن هناك شيء. حتى أن عدد الأخطاء التي ارتكبها الأشخاص أثناء الاختبارات النحوية كان متشابهًا، بغض النظر عما إذا كانت اللغة إيطالية أو يابانية. عندما قمنا بقياس رد فعل أدمغتهم، كانت النتائج قوية وحادة.

كان الاستنتاج أنه حتى بدون تعليمات، فإن الدماغ قادر على التعرف على القواعد الممكنة مقابل القواعد المستحيلة - أي القواعد القائمة على التسلسل الهرمي مقابل القواعد القائمة على الترتيب الخطي. وبشكل أكثر تحديدًا، توصلنا إلى هذا الاستنتاج من خلال مقاييس بيولوجية عصبية: الشبكة التي ينشطها الدماغ عندما يستخدم قواعد مستحيلة لم تكن هي نفسها التي استخدمتها للقواعد الممكنة. في الواقع، ولذلك فإن الدوائر الدماغية التي تشارك عادة في المهام اللغوية، والتي تتضمن أساسًا جزءًا فرعيًا من منطقة بروكا، تم تثبيطها تدريجياً عندما زادت دقة الأشخاص أثناء قيامهم بحساب القواعد المستحيلة؛ من ناحية أخرى، زاد نشاط هذه الدوائر نفسها تدريجياً عندما زادت دقة الأشخاص أثناء قيامهم بحساب القواعد الممكنة. في الواقع، يتم التعامل مع القواعد المستحيلة، أي القواعد الخطية أو " المسطحة "، من قبل الدماغ على أنها أحجية، تتضمن استراتيجيات حل المشكلات - أي كشيء يختلف اختلافًا جذريًا عن التراكيب النحوية. في الختام، " الألسنة المسطحة " ليست ألسنة بشرية: لا يمكن التحدث بها إلا في " الأراضي المسطحة". "

بالطبع، هذه التجارب والعديد من التجارب اللاحقة في هذا المجال، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، تلك التي أجرتها أنجيلا فريدريسي، وديفيد بوبل، وأليك مارانتز، ودانييل أوشيرسون، وستانيسلاس ديهاين، كان من غير الممكن تصوره إذا لم يتم قبول اقتراحك بأن بنية اللغة مقيدة بقيود بيولوجية عصبية، وبدلاً من ذلك ظلت قواعد اللغة تعتبر " تقاليد ثقافية تعسفية. " هذه الكلمات الأخيرة مأخوذة من مقدمة لينبرغ، وأجد أنه من المفيد الاستشهاد بتحذيره بالكامل: " يجب أن يبدو التحقيق البيولوجي في اللغة متناقضًا حيث يُفترض على نطاق واسع أن اللغات تتكون من تقاليد ثقافية تعسفية [التشديد مضاف]. فتغنشتاين وأتباعه تحدثوا عن لعبة الكلمات، وبالتالي تشبيه اللغات بمجموعة عشوائية من القواعد المصادفة في ألعاب الصالون والرياضة. من المقبول التحدث عن سيكولوجية لعبة الجسر أو البوكر، ولكن لا يبدو أن البحث عن الأساس البيولوجي لجسر العقد موضوع مثير للاهتمام.

تحمل قواعد اللغات الطبيعية بعض التشابه السطحي مع قواعد اللعبة، لكنني آمل أن أوضح في الفصول التالية أن هناك اختلافات رئيسية وأساسية بين قواعد اللغات وقواعد الألعاب. يتم تحديد السابق بيولوجيًا؛ بينما الأخيرة تعسفية. 7 إن " الدليل " التجريبي على صحة هذه الفرضية كان ممكنًا فقط بمجرد قبول المجتمع العلمي للقواعد التوليدية وعواقبها على اكتساب اللغة كنطاق في الخلفية.

بشكل أكثر تحديدًا، يمكن تصور التجارب على اللغات المستحيلة التي وصفتها سابقًا من خلال الاعتماد الصارم على أوراقك الأولى في الخمسينيات، حيث كان واضحًا، باستخدام النظريات الرياضية - على عكس الحدس التقريبي والذاتي والقصصي - يمكن للإحصاءات أن لا تكون كافية لالتقاط الانتظامات الأساسية في كل مكان للبنى النحوية، مثل التبعيات المتداخلة على سبيل المثال. من الناحية الرياضية، لقد أثبتت أن سلاسل ماركوفيان التي اعتمدها شانون لم تكن كافية. تقدم هذه التجارب أدلة بيولوجية عصبية على أن تلك الانتظامات تستند إلى قدرة تسبق التجربة.

نعوم تشومسكي: بالنسبة لي، بدا أن الأهمية الرئيسية لتجربتك هي العثور على ارتباطات عصبية للتمييز بين اللغات الممكنة والمستحيلة، مع التركيز على خاصية حاسمة هي دور النظام الخطي والهياكل التي أنشأها العقل. هناك أدلة دامغة على أن الخطية يتم تجاهل النظام من قبل اللغة الداخلية التي تحسب الهياكل التي تدخل في الفكر ولديها تفسيرات دلالية، ما قد نعتبره لغة نقية مستخرجة من الأنظمة الحسية الحركية المستخدمة للمظاهر الخارجية، والتي لا علاقة لها باللغة. بالطبع، أنواع الحسابات التي يتم تجاهلها يتم تجاهلها بسهولة ضمن القدرات الحسابية العادية، لكن لا يتم تنشيطها للغة.

لنأخذ مثالًا بسيطًا جدًا، في " [قصف المدن] جريمة جماعية "، فإن الكوبولا هي المفرد، وليس الجمع. 8 بدلاً من استخدام الخاصية الحسابية التافهة للتجاور، تعتمد اللغة الداخلية على البنية الذهنية المجردة التي تشير إليها الأقواس، والعملية غير البديهية لتحديد موقع رأس البناء اللغوي، والتي تحدد دورها النحوي / الدلالي. لنأخذ حالة أخرى، في الجملة " هل يمكن [النسور التي تطير ] السباحة "، لا نربط العلبة المشروطة بأقرب فعل خطي، وهو حساب بسيط على ما نسمعه بالفعل (ترتيب خطي)، ولكن مع السباحة، أقرب فعل هيكليًا، كما تشير الأقواس. ينطبق الشيء نفسه على القواعد لجميع التركيبات في جميع اللغات.

تُظهر دراسات اكتساب اللغة أن هذه الخصائص تُفهم في أقرب وقت ممكن عندما يكون الاختبار ذا الصلة ممكنًا. لقد أظهرت الدراسات أن الرضيع بشكل انعكاسي، بدون خبرة، يتجاهل 100 في المائة مما يسمعه ويتجنب الحسابات البسيطة على هذه البيانات، ولكنه يهتم فقط بما يخلقه عقله، ويتبنى بدون دليل مبدأ الاعتماد على البنية.

أظهرت تجاربك على مجموعة متنوعة من المواد بناءً على الترتيب الخطي أن هذه الخاصية الغريبة لحياتنا العقلية تظهر في عمليات الدماغ. يوفر ذلك أساسًا عصبيًا للتمييز بين اللغات الممكنة والمستحيلة التي تمت مناقشتها على نطاق أوسع في كتابك اللغات المستحيلة. في تقديري على الأقل، هذه هي الرؤى الأكثر كشفًا عن علم اللغة العصبي حتى الآن.

وتجدر الإشارة إلى أنه كان هناك قدر كبير من العمل الذي يسعى لإظهار أنه سيكون من الممكن تعلم مبدأ الاعتماد على الهيكل من خلال تحليل البيانات الهائل، أو أن الهياكل الهرمية توجد في مكان آخر في الأعمال العقلية الأخرى أو في الطبيعة. تنهار المقترحات عند الفحص، ولكن أكثر من ذلك، فهي غير ذات صلة. إنها تتجنب السؤال الحاسم: لماذا، منذ الطفولة، نتجاهل 100 في المائة من البيانات المتاحة لنا وكذلك الحسابات البسيطة بسهولة داخل الذخيرة المعرفية، وبدلاً من ذلك نلاحظ فقط ما تخلقه عقولنا ولا نسمع أبدًا؟

من منظور تجاربك، لماذا لا يقوم الدماغ بتنشيط الدوائر الهرمية للغة عند مواجهة لغات مستحيلة بخصائص يمكن اكتشافها بواسطة حسابات بسيطة؟

يجب أن نضيف أنه يوجد الآن تفسير قوي لهذه الاكتشافات حول اللغة. يتبع الاعتماد على البنية في الحال من الفرضية الصفرية: بمجرد أن أصبح مبدأ التوليد المتكرر لما لا نهاية منفصل من الكائنات متاحًا في التاريخ التطوري، من المحتمل جدًا جنبًا إلى جنب مع الإنسان العاقل، لقد اختارت الطبيعة كالمعتاد أبسط إجراء ممكن من هذا القبيل. وبالتالي، لا يوجد تعلم.

هذه المجموعة من الحجج التجريبية والمفاهيمية لا تثبت، بالطبع، بشكل قاطع أن الترتيب الخطي لا يظهر في أي مكان في طريقة عمل اللغة الداخلية. سيكون من المستحيل إثبات ذلك. لكن هذا يعني أن الادعاءات القائلة بأن الأمر يبدو بالفعل يواجه عبئًا ثقيلًا من الإثبات، تجريبيًا ولكن أيضًا من الناحية المفاهيمية: لشرح كيف ولماذا كان من الممكن حدوث مثل هذا الانحراف الجاد عن العملية المثلى.

نادرًا ما ظهرت أسئلة من هذا النوع في البحث اللغوي، أو في العلوم المعرفية بشكل عام. أعتقد أننا وصلنا، مع ذلك، إلى النقطة التي أصبحت فيها مناسبة.

أندريا مورو: في الوقت الحاضر، كما ناقشنا عدة مرات معًا، يتمثل التحدي الجديد في التحول لما اعتدت أن أسميه مشكلة " المكان " - أي حيث تكون شبكة معينة نشطة في الدماغ، على سبيل المثال، الدائرة التي تتعلق اللغة مقابل القدرات المعرفية الأخرى - لمشكلة " ماذا " - أي، ما هي المعلومات الفعلية التي تمررها خلية عصبية إلى أخرى. لكن مرة أخرى، بدون نظرية رسمية وصريحة - باختصار، بدون نظرية لغوية " توليد " كخلفية، لا يمكنك حتى البدء في التفكير في هذا الأمر. في هذه الحالة، فإن التعبير الشهير " البيانات الضخمة " في كل مكان لا يهم حقًا.

إن الحصول على بناء جملة اللغات البشرية بالكامل من خلال تحليل عدد هائل من الجمل سيكون بمثابة التقاط حقيقة أن الشمس ثابتة ونحن ندور حولها من خلال التقاط آلاف التريليونات من صور الشمس من خلال النافذة. إن البحث العلمي ببساطة لا يتطور بهذه الطريقة، على الرغم من أنه يمكن من حيث المبدأ؛ علاوة على ذلك، حتى لو كان من الممكن أن تعطينا أبحاث البيانات الضخمة تقريبيًا لبنية اللغة، فإن احتمال أن تتمكن الإحصائيات من التقاط الآليات الفعلية للدماغ بشكل كامل، بدلاً من محاكاتها ببساطة، سيكون منخفضًا للغاية، ناهيك عن إمكانية تقليد الأنواع. من الأخطاء التي يرتكبها الأطفال عندما يكتسبون قواعدهم الخاصة. الكل في الكل، في تجربتي الخاصة المحدودة، أعتقد أن التجارب التي يمكن تصورها في هذا المجال،

خاصةً تلك التي تتضمن بناء الجملة - جوهر اللغة البشرية - لا يمكن القيام بها إلا إذا اتخذنا الإجراءات التوليدية والقوة التفسيرية المقابلة التي تصورتها وصممتها مرة أخرى في الخمسينيات كمبدأ توجيهي.

ولكن متابعة لتأملك لنوع جديد من خطر الاختزالية، أود أن تشاركنا بأفكارك حول ملاحظة ذات صلة قمت بها ذات مرة. أتذكر أنك تحدثت في الفصل عن فكرة الجاذبية.

خلال العصر الديكارتي، اعتقد الفلاسفة الأرثوذكس أنه، بما أنه لا يوجد أحد يفترض بشكل معقول أي عمل عن بعد، فقد تم شرح مسار القمر بافتراض أنه محاصر في دوامة أثيرية متمركزة على الأرض ومن ثم يدور حولها؛ وهذا يعني أنه كان يُعتقد أنه يتم التواصل بشكل كامل من خلال سلسلة من الاتصالات المحلية المباشرة. ولكن بعد ذلك بدأت استنتاجات نيوتن حول الجاذبية في الانتشار، والتي قدمت نهجًا مختلفًا جذريًا، حيث تبنت مؤقتًا الفعل عن بعد لأسباب وصفية. أود أن أطلب منكم التوسع في تأملاتكم حول هذا الظرف التاريخي المحدد ومجموعة من الأفكار. لأنها بالنسبة لي تحدد التحدي الأساسي الذي يواجهه علم الأعصاب اليوم، على غرار الجاذبية التي كانت تفرضها تلك الأوقات.

نعوم تشومسكي: حسنا، إذا عدنا قليلا نحو الخلف، من القرون السابقة. كما ذكرت، هناك تشابه معين بين نوع النشوة التي كان بار هيليل يصفها ونشوة " البيانات الضخمة" اليوم: الإحساس بأن لدينا إجابة لكل شيء. هذه ليست المرة الأولى. كان شيء مشابه ودقيق من القرن السادس عشر، وهي الفترة المدرسية الجديدة. كان للفيزياء المدرسية الجديدة الكثير من النتائج. وصفت الكثير من الأشياء بشكل جيد للغاية. وكانت هناك إجابات واضحة لكل شيء تقريبًا. افترض أنني أمسك كوبًا في يدي، وفيه ماء مغلي، وتركته ينفلت ويسقط. الكأس يسقط على الأرض، والبخار يرتفع إلى السماء. لماذا؟ كان لديهم ما مر معنا للحصول على إجابة. إنهم ينتقلون إلى المكان الطبيعي.

يتحرك الكأس إلى الأرض، وهو المكان الطبيعي للأجسام الصلبة؛ و يذهب البخار إلى السماء، وهو المكان الطبيعي للغاز. إذا كان هناك جسمان ينجذبان ويتنافران، فذلك بسبب تعاطفهما وكراهيتهما. إذا نظرت إلى شكل مثلث ورأيت مثلثًا، فإن السبب هو أن شكل المثلث يتحرك في الهواء، ويدخل في عينك، ويزرع نفسه في الدماغ. لذا، لديك إجابة لهذه المشكلة. وفي الواقع، كانت هناك أنواع من الإجابات لكل شيء تقريبًا. يشبه إلى حد كبير الفترة البنيوية، وفترة نظرية المعلومات الماركوفية، وما إلى ذلك.

حقق جاليليو ومعاصروه شيئًا بالغ الأهمية. سمحوا لأنفسهم بالحيرة. فكروا: " انتظر لحظة. تستند هذه الأوصاف إلى ما أطلقوا عليه اسم " أفكار غامضة ": أفكار ليس لها جوهر حقًا. مثل الفكرة التي كانت قريبة من الأرثوذكسية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أن " اللغة هي مسألة تدريب وعادات وسلوك "، من صياغة ليونارد بلومفيلد، عالم اللغة الأمريكي العظيم. يعتقد البعض الآخر نفس الشيء: يتم تدريب الأطفال مع آلاف الأمثلة، وملايين الأمثلة، وبطريقة ما تتشكل العادة وهم يعرفون ماذا يقولون بعد ذلك. إذا كانوا ينتجون أو يفهمون شيئًا جديدًا، يكون ذلك عن طريق " القياس هو عندما تبدأ في التفكير في الأمر، فهذا أمر لا يمكن تصوره على الإطلاق، لدرجة أن شككوا في وجود أي مادة على الإطلاق.

حسنًا، اتخذ جاليليو ومعاصروه نفس الموقف تجاه العلوم المدرسية الجديدة. قالوا، لا شيء من هذا القبيل منطقي. وبدأوا في فعل ما كان في الواقع تجارب فكرية. لم يجرِ جاليليو معظم تجاربه مطلقًا. وإذا كان قد فعل ذلك، فلن يعملوا، لأن المعدات كانت بدائية للغاية. لقد توصل إلى ما " يجب " أن يحدث. لذلك، لم يسقط الكرات من برج بيزا. لقد طور تجارب فكرية ذكية للغاية، والتي أظهرت أنه إذا كان لديك كرة رصاص ثقيلة وكرة صغيرة، فيجب أن تسقط بنفس السرعة. هذه الحجة جيدة.

هذا لم يبدد الكثير من العقبات مع الممولين في ذلك الوقت من الأرستقراطيين، "مؤسسة العلوم الوطنية " في ذلك الوقت. لم يتمكنوا من فهم لماذا يدرس أي شخص كرة تتدحرج مثل طائرة منزلقة، وهو شيء غير موجود حتى الآن، في حين أنه يمكن أن يدرس شيئًا مثيرًا للاهتمام، مثل نمو الزهور، أو غروب الشمس، أو شيء من هذا القبيل. لذا، كان من الصعب محاولة إقناعهم، انظروا، أنه يستحق فهم هذه الأشياء البسيطة جدًا. إذا كانت لديك كرة أعلى سارية المراكب الشراعية، وكان المراكب الشراعية يتحرك على طول، فلماذا تسقط الكرة إلى أسفل الصاري، فلماذا لا تتخلف عن الركب، لأن المراكب الشراعية يتحرك للأمام؟ لاحظ أن هذه تجربة لا يمكنك إجراؤها أبدًا، لأنك إذا حاولت القيام بها، فسوف تسقط الكرة في أي مكان. لكنه أظهر فقط من خلال التجارب الفكرية أنه، نعم، هناك سبب لسقوطه في القاعدة. وهكذا تطور العلم الحديث.

لكنها تطورت بطريقة مثيرة للاهتمام. أراد العلماء الجدد، جاليليو والبقية، الحصول على تفسير جاد. وتوصلوا إلى ما يسمى بالفلسفة الميكانيكية. الآن تم تحفيز هذا جزئيًا من خلال شيء كان يحدث في أوروبا في ذلك الوقت. كان الحرفيون المهرة في ذلك الوقت يصنعون مشغولات معقدة للغاية - ساعات معقدة تقوم بكل أنواع الأشياء؛ إنشاءات تمثل مسرحيات بأشكال اصطناعية لكنها بدت حقيقية تقريبًا؛ الحدائق في فرساي، حيث تمشي عبر الحدائق وكانت الأشياء تقوم بجميع أنواع الأعمال؛ وهلم جرا. كانت أوروبا مليئة بمثل هذه القطع الأثرية المعقدة. في وقت لاحق أنموذج البطة، أحد نماذج جاك دي فوكانسون. كل هذا يشير إلى أن العالم ربما كان مجرد مثال كبير للآلة.

تمامًا كما يستطيع الحرفي إنشاء هذه الآلات المذهلة، والتي تخدعنا بالاعتقاد بأنها على قيد الحياة، كذلك صنع الحرفي الماهر العالم بأسره كآلة فائقة التعقيد.

الآن، أعتقد أن هناك سؤال مفتوح يمكن دراسته اليوم.

أظن أن هذا أمر بديهي - فهمنا الفطري البديهي للعالم. لذلك، على سبيل المثال، كانت هناك تجربة مشهورة قام بها ميشوت مرة أخرى، على ما أعتقد، في الأربعينيات من القرن الماضي، حيث أظهر أنه إذا قدمت قضيبين لطفل، وهما لا يلامسان تمامًا، ويتحرك أحدهما ثم يتحرك الآخر، سيفترض الطفل تلقائيًا أن هناك اتصالًا خفيًا بينهما. بشكل عام، يخلق العقل نوعًا ما تفسيرًا ميكانيكيًا لكل ما يراه يحدث، بشكل حدسي. وأظن أن الاستقصاء قد يثبت أن الفلسفة الميكانيكية، كما كان يُطلق عليها، هي مجرد إحساسنا الحدسي بالعالم، مدعومًا بما كان يحدث مع تطور الأعمال الفنية المعقدة. " الفلسفة " بالطبع كانت تعني " العلم " في ذلك الوقت. لقد كانت علما ميكانيكيا.

التقط هذا ديكارت، كما ذكرت، وهو عالم عظيم اعتقد أنه يستطيع إثبات أن العالم كان بالفعل آلة.

من الممتع أنه وجد أحد المظاهر التي تقول أن العالم لن يعمل مثل الآلة: اللغة. قال إنه من المستحيل بناء آلة تنتج التعبيرات، بالطريقة التي نقوم بها عادة، والتي تكون مناسبة للمواقف ولكنها ليست ناجمة عنها؛ كما قال الديكارتيون، نحن متحمسون ونميل للتحدث بالطريقة التي نتحدث بها، لكننا غير مجبرين على فعل ذلك. يمكننا أن نتصرف بطريقة إبداعية وفي سلوكنا الطبيعي نخلق أفكارًا جديدة وتعبيرات جديدة يمكن للآخرين فهمها. جزئيًا لاستيعاب هذه الحقائق عن الطبيعة، افترض ديكارت مبدأ جديدًا - في الميتافيزيقيا، مادة جديدة، res cogitans، مادة تفكير تقوم على الاستخدام العادي للغة لبناء الفكر.

في الواقع، لاحظ جاليليو وعلماء اللغة والمنطقون في بورت رويال نفس الشيء بطريقة مختلفة. لقد عبروا عن دهشتهم وخشيتهم من حقيقة أنه - بدا معجزة، وفي بعض النواحي لا يزال كذلك - أنه من خلال عدد قليل من الرموز يمكنك بناء عدد لا نهائي من الأفكار، ويمكنك أن تنقل للآخرين، الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى عقلك، أعماله الأعمق. كيف تكون هذه المعجزة ممكنة؟ إنها مشكلة أساسية في دراسة اللغة.

لذلك، أدرك ديكارت وجاليليو وأرنولد وآخرون أن اللغة والفكر لا يقعان ضمن الفلسفة الميكانيكية، لكن بقية العالم عبارة عن آلة. ثم جاء إسحاق نيوتن. لقد حيرته نظرية دوامة ديكارت عن كيفية تفاعل الأشياء. المجلد الثاني من كتاب المبادىء مكرس لإثبات أنها لا تعمل. ماذا لدينا إذن؟ الأشياء تجذب بعضها البعض وتتنافر؛ لكن لا يوجد اتصال. اعتبر نيوتن هذا ما أسماه " سخافة " لا يمكن لأي شخص لديه أي معرفة علمية أن يفكر فيها. العلماء العظماء الآخرون اليوم رفضوا ذلك للتو. قال ليبنيز، هذا سخيف: كيف يمكن أن يكون هذا هو الحال؟ قال كريستيان هويجنز، المجرب العظيم، إن هذا مجرد هراء. إنها إعادة ابتكار أفكار غامضة. ووافق نيوتن بالفعل على ذلك. قال، نعم، إنها مثل الأفكار الغامضة، لكن هناك اختلاف واحد. لدي نظرية تشرح الأشياء باستخدام هذه الأفكار.

الآن، لم يطلق على عمله اسم فلسفة الفيزياء، أو أي شيء من هذا القبيل. الفلسفة تعني العلم. لقد أطلق عليها فقط اسم نظرية رياضية. كان السبب، على حد تعبيره، "ليس لدي تفسيرات. كان تعليقه الشهير، " أنا لا أطرح أية فرضيات "، في هذا السياق. قال: ليس عندي تفسير مادي. لن أقوم بعمل فرضية. وهذا هو المكان الذي ترك فيه نيوتن. في الواقع، قدم النموذج الميكانيكي معيار الوضوح لجاليليو وليبنيز ونيوتن وآخرين من مؤسسي العلم الحديث. إذا لم يكن لديك نموذج ميكانيكي، فلن يكون ذلك مفهومًا. لذلك، كان جاليليو غير راضٍ عن أي نظرية تتعرض للمد والجزر لأنك لم تستطع بناء نموذج ميكانيكي لها.

حسنًا، ما حدث بعد نيوتن مثير للاهتمام نوعًا ما. لقد تخلى العلم للتو عن الأمل في عالم واضح. النظريات مفهومة، لكن ما تصفه أو تتحدث عنه ليس مفهومًا. لذا، كانت نظرية نيوتن مفهومة.

لم يفهم ليبنيز ذلك. لم يستطع فهم ما وصفته النظرية.

كان ذلك غير مفهوم للجميع. استغرق الأمر وقتًا طويلاً، لكن علم ما بعد نيوتن تخلى ببطء عن البحث عن عالم واضح. العالم مهما كان. أكثر ما يمكن أن نأمله هو النظريات المعقولة. لقد اتخذ شكلاً جديدًا مختلفًا مع كانط ومع الآخرين. لكن في الأساس، خفض العلم أهدافه. لذا، إذا تمكنا من الحصول على نظرية معقولة، فهذا أبعد ما يمكن أن تذهب إليه. لن نحاول اختراق المزيد. لقد تم التخلي عن أهداف مؤسسي العلم الحديث العظماء.

لقد استغرق الأمر وقتًا. لذلك، على سبيل المثال، في كامبريدج، جامعة نيوتن، بعد وفاته - أعتقد أنه قد مضى نصف قرن تقريبًا قبل أن يبدأوا حتى في تدريس نظرياته. لأنها لم تكن علمًا حقيقيًا، كانت مجرد حسابات رياضية. الآن هذا يستمر حتى نهاية القرن العشرين، بطرق مثيرة للاهتمام. خذ الكيمياء والفيزياء. منذ قرن من الزمان، الكيمياء لم تكن قابلة للاختزال في الفيزياء. كانت تعتبر مجرد طريقة لحساب نتائج التجارب. في عشرينيات القرن الماضي، كان الحائزون على جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء يصفون الكيمياء بأنها طريقة حسابية وأنه ليس علمًا حقيقيًا، لأنه لا يمكنك اختزاله في الفيزياء. خذ برتراند راسل، الذي كان يعرف العلوم جيدًا. في عام 1928، كتب إن الكيمياء لم تتحول بعد إلى الفيزياء. ربما سيكون يومًا ما، لكننا لم نصل إلى هذا الحد بعد. شيء من هذا القبيل عندما يقول الناس اليوم: لم يتم اختزال العمليات العقلية بعد إلى العمليات العصبية. لكننا سنصل إلى هناك.

حسنًا، ماذا حدث للكيمياء والفيزياء؟ اتضح أن الكيمياء لا يمكن اختزالها في الفيزياء، لأنه بينما كانت الكيمياء صحيحة في الأساس، كانت الفيزياء خاطئة. أتى العلماء بفيزياء جديدة، ومن ثم يمكنك توحيد كيمياء غير متغيرة إلى حد كبير مع الفيزياء، مع الفيزياء الجديدة مباشرة، تم الحساب النظري الكمومي للخصائص الكيميائية. قدم لينوس بولينج حسابًا نظريًا كميًا للرابطة الكيميائية ومن ثم كان لديه نظام موحد - لكن بدون اختزال. في الواقع، لا يمكن اختزال الكيمياء في فيزياء القرن الماضي.

حسنا، دعنا نأتي إلى اليوم. لقد أحرزت علوم الأعصاب تقدمًا، لكنها ليست قريبة من التقدم الذي كانت عليه الفيزياء في عشرينيات القرن الماضي. هذا ليس انتقاد. إنه معقد للغاية. قد يتضح أن البحث عن التخفيض هو طريقة خاطئة للمضي قدمًا، تمامًا كما لا يمكنك تقليله العالم إلى نماذج ميكانيكية، ولا يمكنك اختزال الكيمياء في الفيزياء، لأن أساس الاختزال كان خاطئًا، فقد يتضح أن علوم الأعصاب، وعلوم الدماغ، هي التي يجب إعادة بنائها بطرق مختلفة إذا سنكون قادرين على توحيدهم مع ما نكتشفه حول طبيعة اللغة والفكر والإدراك وما إلى ذلك. أعتقد أن هناك بعض الدلائل على أن ذلك قد يكون صحيحًا. أفكر بشكل خاص في عمل راندي جاليستل وهو صديق لنا وهو عالم أعصاب معرفي كبير وكان يجادل منذ عدة سنوات، مع زيادة الرنين في هذا المجال، أن الشبكات العصبية هي ببساطة المكان الخطأ للبحث عن الحوسبة العصبية. في الواقع، هيلمهولتز، في القرن التاسع عشر، كان لديه بالفعل سبب ما للاعتقاد بذلك.

الشبكات العصبية بطيئة. بالطبع، يكون الانتقال العصبي سريعًا وفقًا لمعاييري، ولكنها بطيئة وفقًا لمعايير ما يجب على الدماغ إنجازه. والأهم من ذلك، كما أظهر جاليستل جيدًا، أعتقد أنه باستخدام الشبكات العصبية، لا يمكنك بناء الحد الأدنى من العناصر الحسابية اللازمة للنظرية الأساسية للحساب: حوسبة تورينج.

الطريقة التي يعمل بها جهاز الكمبيوتر بشكل أساسي: لا يمكن إنشاء الوحدة الأساسية التي تشارك في الحساب من الشبكات العصبية؛ لذلك، يجب أن يكون هناك شيء آخر. ربما على المستوى الخلوي، حيث توجد قوة حوسبة أكبر بكثير، ربما داخل الخلية، ربما الأنابيب الدقيقة أو أي شيء آخر.

وبالمناسبة، الشبكات العصبية هي الأساس لأنظمة التعلم العميق.

تم تصميمها على غرار الشبكات العصبية. ربما كانوا يبحثون فقط في المكان الخطأ، وهذا هو السبب في أن كل شيء يتم بشكل أساسي بواسطة القوة الغاشمة، والتحليلات السريعة جدًا لكميات هائلة من البيانات لتمييز الانتظام والأنماط. يمكن أن يكون ذلك مفيدًا جدًا، ولكن مع مراعاة حالة اللغة، ما الذي يتم تعلمه؟ خذ لغاتك الممكنة والمستحيلة. تعمل الأنظمة أيضًا في كلتا الحالتين، مما يعني أنها لا تخبرنا شيئًا عن اللغة. إن مقياس المحتوى التجريبي لنظرية ما هو ما تستبعده، كما لاحظ كارل بوبر.

لذا، تحصل على أشياء تبدو مثيرة، تمامًا كما كانت القطع الأثرية التي شيدها الحرفيون في القرنين السادس عشر والسابع عشر مثيرة، لكنها لا تقدم نموذجًا لفهم كيفية عمل العالم. من المحتمل جدًا أن يكون هذا صحيحًا، في رأيي، في المجالات التي نناقشها. قد يكون عدم اختزال الحياة العقلية في علوم الأعصاب اليوم بسبب عدم تطوير النظام الأساسي بشكل صحيح.

عندما يكون الأمر كذلك، قد نجد توحيدًا حقيقيًا.

***

أندريا مورو: المثير للتفكير الكثير مما يجب التفكير فيه فيما يتعلق ببنية اللغة والطبيعة البشرية بشكل عام، ويدعو إلى دراسات دقيقة ومواجهات مع العلماء من جميع التخصصات والفلاسفة التي ينبغي أن تميز النقاش في السنوات القادمة. في الوقت الحالي، أود فقط إضافة ملاحظتين وسؤال واحد. الملاحظات مقيدة للغاية. أتذكر تأثيرها عليّ في تحديد المنهج العلمي عندما قدمتها في الفصل.

الأول يتعلق بفكرة ذكرتها للتو دون التأكيد عليها. هذا شيء كتبته، عندما ألقيت "محاضرات ماناغوا "، وفي الواقع أعدت صياغتك بطريقة واضحة للغاية في حديثك الذي ألقيته في الفاتيكان. 9 إنه تعبير حقيقي عنك يمثل نقطة تحول أساسية في حياتي الشخصية، ولكن - أنا متأكد – أن التحول حدث لجميع الطلاب الذين سمعوا ذلك. لقد قلت ذات مرة: " من المهم أن تتعلم أن تفاجأ بالحقائق البسيطة. " وعند النظر إليها بعناية وتحليلها كلمة بكلمة، تجد أن هذه الجملة تحتوي على أربع بؤر مختلفة على الأقل، إذا جاز التعبير: أولاً، تشير إلى أهمية الفكر المعبر عنه (" من المهم ")؛ ثانيًا، يشير إلى عملية التعلم، وهو جهد وليس إلى موهبة شخصية موروثة (" أن تتعلم ")، وبذلك فإنه يؤكد على أهمية مسؤولية التدريس؛ ثالثًا، يشير إلى الشعور بالدهشة والفضول على أنهما المحرك الأساسي للاكتشاف، وإلى إدراك مدى تعقيد العالم، وهي ملاحظة تعود إلى أفلاطون وأصل الفلسفة (" تندهش ")؛ أخيرًا، رابعًا، يمكن القول أنه الملاحظة الأكثر لفتًا وإبداعًا، تنص على أن الحقائق البسيطة تحدث فرقًا (" بالحقائق البسيطة "). يبدو أن الإدراك المفاجئ لشيء يدعو إلى تفسير، بمجرد زوال ضباب العادة، وهو الأشياء الحقيقية التي تتكون منها الثورات: من تفاحة نيوتن الأسطورية المتساقطة إلى مصعد أينشتاين، ومن الأسود بلانك. ومشكلة الجسم بالنسبة لنباتات البازلاء التي تحدث عنها مندل، والقوة الحقيقية تأتي من طرح أسئلة حول ما يبدو فجأة أنه غير واضح. بالطبع، يمكن أن يتعرض المرء لحقيقة معينة عن طريق الصدفة، ولكن، كما قال باستير ذات مرة، " في مجالات الملاحظة تفضل فقط العقل الجاهز "، ولهذا السبب نحتاج إلى تعلم كيف نكون مندهشين.

في الواقع، بعض الحقائق البسيطة يمكن أن تكون مرئية للعقل بدلاً من رؤيتنا المباشرة. جعلني أوين جينجيرش أدرك ذات مرة كيف توصل جاليليو إلى استنتاج مفاده أن جميع الأجسام تسقط على الأرض بنفس السرعة حتى لو كان لها وزن مختلف، إلى جانب القيود الواضحة بسبب شكلها: لم يتسلى غاليليو أبدًا برمي الأشياء من برج بيزا. بدلاً من ذلك، قال إنه إذا سقط جسم ثقيل أسرع من جسم خفيف، فعندما يتم ربط الجسمين معًا، سنواجه مفارقة: يجب أن يبطئ الجسم الأخف وزن الجسم الأثقل، لكنهما معًا يجب أن يسقطان بشكل أسرع بسبب وزنهما الإجمالي. أكبر من الجسم الأثقل بمفرده. تفاجأ جاليليو بهذه الحقيقة الذهنية البسيطة، وتوصل إلى استنتاج أساسي مفاده أن الاحتمال الوحيد هو أن هذين الجسمين يجب أن يسقطوا بنفس السرعة، وبعد ذلك، بتعميم ذلك، أن جميع الأجسام تسقط بنفس السرعة (بغض النظر عن الاحتكاك مع الهواء بسبب شكلها). وهذا يتم دون الحاجة إلى تسلق البرج أكثر من الاستمتاع بالبانوراما.

والشيء الثاني الذي أود تسليط الضوء عليه من تجميعك: في نقطة معينة قلت إنه من المستحيل بناء آلة تتحدث.

من الواضح، لا يسعني إلا أن أوافق، ولكن هناك شيء واحد مهم أود التأكيد عليه: هناك تمييز أساسي بين محاكاة وفهم وظيفة (الدماغ ولكن أيضًا أي عضو أو قدرة أخرى). من المفيد بالطبع أن يكون لديك أدوات، يمكننا التفاعل معها من خلال " التحدث "، ولكن من الواضح بالتأكيد أن هذه المحاكاة لا يمكن استخدامها لفهم ما يحدث بالفعل في دماغ الطفل عندما يكبر ويكتسب قواعدهم. بالطبع، يمكننا دائمًا توسيع الكلمات بحيث تصبح من دواعي سروري أن تعني شيئًا مختلفًا عما اعتادوا أن يقصدوه. هذا يذكرني بالإجابة التي قدمها آلان تورينج لأولئك الذين سألوه مرارًا وتكرارًا عما إذا كان بإمكان الآلات يومًا ما التفكير. يمكننا أن نقرأ كلماته ونستبدلها بالكلام، وهو ما أعتقد أنه يترك جوهر فكرة تورينج صحيحًا: " أقترح النظر في السؤال، " هل الآلات تفكر؟ يجب أن يبدأ هذا بتعريفات لمصطلحي " آلة " و " يفكر ". قد يتم تأطير التعريفات بحيث تعكس قدر الإمكان الاستخدام العادي للكلمات، لكن هذا الموقف خطير. إذا تم العثور على معنى الكلمتين " آلة " و " يفكر " من خلال فحص كيفية استخدامهما بشكل شائع، فمن الصعب الهروب من الاستنتاج القائل بأن المعنى والإجابة على السؤال، " هل يمكن للآلات أن تفكر؟ يتم البحث عنه في استطلاع إحصائي مثل استطلاع غالوب. لكن هذا سخيف.... السؤال الأصلي، هل يمكن للآلات أن تفكر؟ أعتقد أنه لا معنى له لدرجة أنه لا يستحق المناقشة. ومع ذلك، أعتقد أنه في نهاية القرن، سيكون استخدام الكلمات والرأي العام المثقف قد تغير كثيرًا بحيث يكون المرء قادرًا على التحدث عن تفكير الآلات دون توقع حدوث تناقض. 10 ولكن إلى جانب هاتين الملاحظتين، هناك سؤال واحد أود أن أطرحه عليك بخصوص هذه الأفكار. الطريقة التي صورت بها العلاقة بين الكيمياء والفيزياء في تاريخ العلم تسمح لنا بالتفكير في العلاقة بين علم اللغة وعلم الأعصاب. وجهة نظري الشخصية، التي لا تهم، [ يضحك ]، ولهذا السبب أريد أن أسألك، هي أن علم اللغة لا يمكن أن يكون، ويجب ألا يكون تابعًا لما نعرفه حاليًا عن دماغنا؛ ولكن إذا كان هناك أي شيء، علينا أن نتغير وننمو، ربما، نحو التوحيد - بشرط أن نجرؤ على استخدام مصطلح "الغموض" بالطريقة التي استخدمتها بها. بعبارة أخرى، ليس من المستبعد أن ينتهي الأمر بالبشر إلى فهم الإبداع في اللغة، أي القدرة على التعبير عن الفكر اللفظي بشكل مستقل عن البيئة المادية للفرد. " حدود بابل "، أي حدود التنوعات التي قد تؤثر على اللغات البشرية كما تُعطى بشكل مستقل عن التجربة. بالتساوي، يمكن للمرء أن يعتبر حدود بابل على أنها الرضع _ " العقل الجذعي " أو " الدماغ الجذعي "، أي إمكانية اكتساب أي لغة خلال فترة زمنية معينة منذ الولادة. يعد اكتشاف هذا الرابط المذهل بين بنية اللغة والدماغ ثوريًا للغاية بحيث يمكن التعبير عنه من خلال عكس ألفي عام-

المنظور التقليدي القديم والتوصل إلى الاستنتاج المدهش أن الجسد هو الذي أصبح شعارات وليس العكس. 11 أود منك التعليق قليلاً على هذا.

نعوم تشومسكي: أنا نوع من الأقليات. كلانا أقلية. [ مورو يضحك.]

قد يكون هناك بالفعل لغز. دعونا نلقي نظرة، على سبيل المثال، على الفئران، أو بعض الكائنات الحية الأخرى. يمكنك تدريب فأر لتشغيل متاهات معقدة للغاية.

تقوم لا تقوم أبدًا بتدريب فأر على إدارة متاهة عدد أولي - متاهة تقول، " انعطف يمينًا عند كل عدد أولي. السبب هو أن الجرذ ليس لديه هذا المفهوم. وليس هناك طريقة لمنحها هذا المفهوم. إنه خارج النطاق المفاهيمي للفأر. هذا صحيح لكل كائن حي. لماذا لا يكون هذا صحيحا بالنسبة لنا؟ أعني، هل نحن نوع من الملائكة؟ لماذا لا يجب أن تكون لدينا نفس الطبيعة الأساسية مثل الكائنات الحية الأخرى؟ في الواقع، من الصعب جدًا التفكير كيف لا يمكننا أن نكون مثلهم. خذ قدراتنا الجسدية. أعني، خذ قدرتنا على الجري 100 متر. لدينا هذه القدرة لأننا لا نستطيع الطيران. تستلزم القدرة على فعل شيء ما عدم القدرة على فعل شيء آخر. أعني، لدينا القدرة لأننا نشيد بطريقة ما بحيث يمكننا القيام بذلك. لكن نفس التصميم الذي يمكّننا من القيام بشيء واحد يمنعنا من القيام بشيء آخر. هذا صحيح في كل مجال من مجالات الوجود. لماذا لا يكون هذا صحيحا بالنسبة للإدراك؟ نحن قادرون على تطوير - البشر، وليس أنا - البشر قادرون على تطوير، على سبيل المثال، نظرية الكم المتقدمة، بناءً على خصائص معينة لعقلهم، وهذه الخصائص نفسها قد تمنعهم من فعل شيء آخر. في الواقع، أعتقد أن لدينا أمثلة على ذلك؛ أمثلة معقولة. خذ اللحظة الحاسمة في العلم عندما تخلى العلماء عن الأمل في الوصول إلى عالم واضح. نوقش ذلك في ذلك الوقت. كتب ديفيد هيوم، الفيلسوف العظيم، في كتابه تاريخ إنجلترا - تاريخًا ضخمًا لإنجلترا - هناك فصل مخصص لإسحاق نيوتن، فصل كامل. يصف نيوتن، كما تعلمون، بأنه أعظم عقل موجود على الإطلاق، وهكذا دواليك. قال إن الإنجاز العظيم لنيوتن هو إبعاد الحجاب عن بعض ألغاز الطبيعة - أي نظريته في الجاذبية الكونية وما إلى ذلك – ولكن اترك ألغازًا أخرى مخفية بطرق لن نفهمها أبدًا. بالإشارة إلى: كيف يبدو العالم؟ لن نفهمه أبدًا. لقد ترك هذا الأمر على أنه لغز دائم. حسنًا، على حد علمنا، كان على حق.

وربما تكون هناك ألغاز أخرى دائمة. لذلك، على سبيل المثال، ديكارت، وآخرون، عندما كانوا يفكرون في أن العقل منفصل عن الجسد - لاحظ أن هذه النظرية انهارت لأن نظرية الجسد كانت خاطئة؛ لكن ربما كانت نظرية العقل صحيحة. لكن أحد الأشياء التي كانوا مهتمين بها كان العمل التطوعي. قررت أن ترفع إصبعك. لا أحد يعرف كيف يكون ذلك ممكنا. حتى يومنا هذا ليس لدينا دليل. العلماء الذين يعملون في الحركة الطوعية - أحدهم إميليو بيززي، وهو أحد أعظم علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد العلماء الرائدين الذين يعملون في الحركة الإرادية - كتب هو وشريكه روبرت أجميان مؤخرًا حالة من مقال فني لمجلة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم يصفون فيه ما تم اكتشافه حول الحركة التطوعية. يقولون إنهم سيضعون النتيجة " بشكل خيالي. يبدو الأمر كما لو أننا جئنا لفهم الدمية والخيوط، لكننا لا نعرف شيئًا عن محرك الدمى. هذا لا يزال لغزا بقدر ما كان منذ اليونان الكلاسيكية. لا شبر من التقدم. ولا شيء. حسنًا، ربما يكون هذا لغزًا دائمًا آخر.

هناك الكثير من الحجج التي تقول، " أوه، لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. كل شيء حتمي، " وما إلى ذلك. كل أنواع المطالبات. لا أحد يصدق ذلك حقًا، بما في ذلك أولئك الذين يقدمون أسبابًا (قد يتم توصيل منظمتي حرارة للتفاعل، لكنهم لا يتحملون عناء تحديد الأسباب). العلم لا يخبرنا بأي شيء عنها. يخبرنا العلم أنه لا يقع ضمن العلم، كما هو مفهوم حاليًا. يتعامل العلم مع الأشياء المحددة أو العشوائية. كان هذا مفهوماً في القرن السابع عشر.

لا يزال هذا صحيحًا اليوم. لديك علم الأحداث العشوائية والأشياء التي يتم تحديدها؛ ليس لديك علم للعمل التطوعي. تمامًا كما لا يوجد لديك علم عن إبداع اللغة. شيء مشابه. هل هي ألغاز دائمة؟ قد تكون. و يمكن أن يكون هذا مجرد شيء لن نفهمه أبدًا.

قد ينطبق شيء مشابه على بعض جوانب الوعي. ماذا يعني أن أنظر إلى الخلفية التي أراها هنا وأرى شيئًا أحمر؟ ما هو شعوري باللون الأحمر؟ يمكنك وصف ما تفعله الأعضاء الحسية، وما الذي يحدث في الدماغ، لكنه لا يفعل ذلك بالتقاط جوهر رؤية شيء أحمر. هل سنلتقطها؟

ربما لا. إنه مجرد شيء يتجاوز قدراتنا المعرفية. لكن هذا لا ينبغي أن يفاجئنا حقًا؛ نحن كائنات عضوية. إنه احتمال.

لذلك ربما يكون أفضل ما يمكننا فعله هو ما فعله العلم بعد نيوتن: بناء نظريات واضحة. حاول بناء أفضل نظرية ممكنة حول الوعي أو العمل التطوعي أو الاستخدام الإبداعي للغة، أو أي شيء نتحدث عنه. المعجزة التي أدهشت جاليليو وأرنولد - وما زلت تذهلني، لا أستطيع أن أفهمها - كيف يمكننا، مع بعض الرموز، أن ننقل للآخرين الأعمال الداخلية لأذهاننا؟ هذا شيء يجب أن يفاجأ به حقًا ويحتار به. ولدينا بعض الفهم عنها، لكن ليس كثيرًا.

عندما بدأت العمل على تاريخ اللسانيات - الذي كان قد نسي تمامًا؛ لم يعرف أحد عن ذلك - لقد اكتشفت كل أنواع الأشياء.

أحد الأشياء التي صادفتها كان عمل فيلهلم فون همبولت المثير للاهتمام. أحد الأجزاء التي اشتهرت منذ ذلك الحين هو تصريحه بأن اللغة " تستخدم وسائل محدودة بلا حدود. غالبًا ما يُعتقد أننا قد أجبنا على هذا السؤال بحوسبة تورينج والقواعد التوليدية، لكننا لم نفعل ذلك. كان يتحدث عن الاستخدام اللامحدود، وليس القدرة التوليدية. نعم، يمكننا فهم جيل التعبيرات التي نستخدمها، لكننا لا نفهم كيف نستخدمها.

لماذا نقرر أن نقول هذا وليس شيئًا آخر؟ في تفاعلاتنا الطبيعية، لماذا ننقل الأعمال الداخلية لعقولنا للآخرين بطريقة معينة؟ لا أحد يفهم ذلك. لذلك، يبقى الاستخدام اللامحدود للغة لغزا، كما هو الحال دائما. يتم اقتباس حكمة هومبولت باستمرار، لكن عمق المشكلة التي تصوغها لا يتم التعرف عليه دائمًا.

أندريا مورو: على الأقل بصفتنا لغويين يمكننا الاستمرار في فعل ما قلته لنا ذات مرة، لاستخدام شعار جان بابتيست بيرين، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء الفرنسية، هو الاستراتيجية الأساسية للعلم: أي تقليص ما هو مرئي ومعقد إلى ما غير مرئي وبسيط. وبشكل أكثر تحديدًا، في علم اللغة، نحتاج إلى البحث عن مجموعة بدائية محدودة من العناصر المنفصلة التي تدخل في الحساب والعمليات الأساسية التي تجمعها لتوليد مجموعة لا نهائية محتملة من التعبيرات اللغوية. في مقدمة منشورك البارز " محاضرات حول الحكومة والالتزام " في عام 1981، اقترحت أن يكون جدول الأعمال النحوي مشابهًا لجدول الأصوات. كانت الفكرة هي التخلي عن التصنيف الكلاسيكي للقواعد اللغوية بما في ذلك، على سبيل المثال، تكوين الأسئلة، والتخمين، وما إلى ذلك، والنظر إليها كنتيجة لتفاعل كيانات أكثر تجريدًا. على سبيل المثال، أصوات اللغة عبارة عن حزم من المزيد من الميزات المجردة - وهذا يعني الفرق بين الأصوات إليها بالحرفين " f " و " v " في حالة الأحرف الصفيرية وغير الصفيرية، وهي تشبه جزئيًا الاختلاف بين أصوات " s " و " z " في " see and zee "، والتي تُسمى تقليديًا " غير صوتية " مقابل الأصوات " الصوتية ". لذا، فإن الأصوات " f " و " s " ليست كائنات متجانسة ولكنها نتيجة لتجميع ميزات مشتركة أصغر، ومن حيث المبدأ، يتم إنشاء جميع أصوات اللغة من خلال تجميع ميزات متقابلة مثل هذه. مع بناء الجملة، فإن هذا " البحث البسيط "، كما أطلقت عليه في منتصف التسعينيات، هو في الواقع أكثر تعقيدًا وطموحًا: من الواضح أن العثور على العناصر البدائية والعملية التجميعية للقواعد النحوية أو المبادئ أكثر صعوبة من الأصوات، نظرًا لأننا لا نستطيع حتى الاعتماد على الحقائق المادية أو المفصلية (وفي الواقع فإن الحقيقة الفيزيائية والتعبير الوحيدة غير المتنازع عليها فيما يتعلق باللغة، أي خطية الإشارة، لا علاقة لها تمامًا بالصياغة). تم تجميع جوهر هذا النهج الثوري في بناء الجملة بأناقة في اقتباسك: " هذه " القواعد " (السلبية، النسبية، تكوين السؤال، إلخ) تتحلل إلى عناصر أكثر جوهرية من الأنظمة الفرعية للقواعد والمبادئ. يمثل هذا التطور انفصالًا كبيرًا عن القواعد النحوية السابقة أو من القواعد التقليدية التي تم تصميمها جزئيًا عليها. إنه يذكرنا بالانتقال من الصوتيات إلى الميزات في علم الأصوات في مدرسة براغ. " 12

غالبًا ما تصف هذا التغيير الحاسم في النموذج بأنه يأتي من نوعين أساسيين من الحقائق: التشابه الكبير للقيود النحوية عبر اللغات، على الرغم من تنوعها الظاهر، والتشابه الكبير في عملية اكتساب اللغة من قبل الأطفال في جميع اللغات، على الرغم من الشخصية الذاتية. قد يتطور إدراك التعقيد المختلف المزعوم بين اللغات. الحل الوحيد الذي يمكن أن يأمل في التقاط هاتين الحقيقتين بطريقة موحدة هو ذلك الذي اقترحته: أولاً، هناك مجموعة فريدة من العناصر البدائية (إلى جانب التعسف السوسوري) (فيردناند دو سوسور) وعمليات اندماج أساسية بسيطة؛ ثانيًا، ينتج عن تفاعل هذه العناصر البدائية والمبادئ نظامًا معقدًا للغاية يسمح بدرجات معينة من الحرية المقيدة، والتي ربما تكون مرتبطة فقط بالعناصر البدائية نفسها، والتي يشار إليها تقنيًا باسم " المعلمات". " التنوع المذهل الذي ندركه كبالغين بين اللغات هو تأثير الاختلافات الصغيرة في مثل هذا النظام المعقد الفريد، ولكن لا ينبغي أن يكون مفاجئًا تمامًا، طالما يتم النظر إلى اللغة من منظور بيولوجي. في الواقع، يجب أن يذكرنا بالأحرى بتلك التي لوحظت عبر مجالات الكائنات الحية، حيث تكون الأنواع المختلفة من الحيوانات، على سبيل المثال، نتيجة للترتيب والكمية المتنوعين لعدد قليل من " الأحرف " في تسلسل نفس جزيء البوليمر (DNA). يولد جميع الأطفال مجهزين بنفس المجموعة الأساسية من العناصر البدائية والعمليات التي يمكن أن تنتج أي لغة؛ شاهد حقيقة أن لغة الوالدين لا تؤثر على الطفل إذا نشأ الطفل في مجتمع يتحدث لغة مختلفة. هذا هو التوصيف الرسمي " للعقل الجذعي " عند الرضيع عندما يتعلق الأمر باكتساب اللغة ويختزلها إلى مجموعة من المتغيرات المختارة من قبل البيئة التي تصبح ثابتة باعتبارها القواعد النحوية النهائية للطفل. بمعنى آخر، يمكن اعتبار القواعد التوليدية هي الحد من تأثير التجربة على بنية اللغة.

جنبًا إلى جنب مع هذا النوع من الأدلة، لدعم " وجهة النظر المندلية " للغة، ربما يمكنني إضافة خبرتي الخاصة في المجال التجريبي. بدون هذا النهج الجديد في علم اللغة، لن يكون هناك أمل في استكشاف الارتباطات العصبية الحيوية في بناء الجملة ثم الوصول إلى توصيف " العقل الجذعي". إن التصنيف التقليدي بعيد جدًا عما نعرفه عن آليات الدماغ الفعلية لاستخدامه كدليل لفحص الشبكات العصبية الحيوية الفعلية. من ناحية أخرى، لم نصل إلى مستوى مُرضٍ من التجريد (حتى الآن)، لكن هذا هو نفس الموقف الذي يواجهه كل علم تجريبي، نموذجيًا في الفيزياء. ومع ذلك، يبدو الآن أن بعض الخصائص الحاسمة لهذه العمليات قد تم تحديدها بشكل معقول، مثل قدرتها على التطبيق لعدد غير محدد من المرات (ما نشير إليه، من الناحية الفنية، " العودة ")، و " العمياء "، أي أو غير مألوف أو شخصية أو دور عدم الاستقرار باعتباره الإنزيم الأساسي لازدهار " رقاقات الثلج من الكلمات " التي نسميها الجمل، لتوظيف استعارة جميلة استخدمتها لوصف اللغة ككل. على وجه الخصوص، فإن دور الهياكل " غير المستقرة " في مشروع الحد الأدنى المرتبط بمفهوم التناظر يذكرني بكلمات آلان تورينج.

في سياق مختلف، أثناء محاولته تقليل أنواع التشكل في علم الأحياء إلى تفاعل عناصر بسيطة قليلة، اعتبر عدم الاستقرار محركًا أساسيًا: " يُقترح أن يكون هناك نظام... على الرغم من أنه قد يكون متجانسًا تمامًا في الأصل، إلا أنه قد يطور لاحقًا نمطًا أو هيكلًا بسبب عدم استقرار التوازن المتجانس، والذي يتم تشغيله عن طريق الاضطرابات العشوائية.... لقد وجد أن هناك ستة أشكال مختلفة بشكل أساسي يمكن أن يتخذها هذا. وبالمثل، قد تكون بعض الجوانب الأساسية لمجموعة متنوعة من الهياكل النحوية نتيجة لعدم الاستقرار النسبي الناجم عن توليد بعض الأنماط الأساسية التي تنطوي على التناظر. 14

يذكرني هذا التشريح الرائع للغات البشرية أحيانًا بإحساس عايشته في طفولتي، عندما كنت أتحدى كل المحظورات، نظرت سرًا إلى الجانب الخفي من المفروشات في المتاحف. لقد أسعدني أن أدرك أن بقع اللون التي تظهر على الجانب المرئي، وتشكل مثل هذه الصور المتقنة، لم تكن سوى خيوط داخل القماش وخارجه بطريقة تشكل روابط غير متوقعة بين أجزاء مختلفة من التصميم. إن كشف الهياكل النحوية الشجرية المضغوطة في التسلسلات الخطية الأبسط المخادعة للكلمات، مع ملاحظة الالتواء واللحمة المخفية، يعطيني الإحساس نفسه ويقودني إلى استنتاج مفاده أن ما يلعب دورًا فقط في التفسير يمكن القول إنه موجود.

سؤالي الآن هو: ماذا تتوقع أن تكون الخطوات التالية نحو هذا البحث عن الحد الأدنى من مكونات اللغة ومن أجل منظور أفضل لهذا الجانب الخفي من اللغة؟

نعوم تشومسكي: إن توقع مستقبل البحث العلمي هو المغامرة في مياه مجهولة، وربما حتى مهمة حمقاء. ربما ستأتي بعض الأفكار الجديدة الرائعة، وتفاجئنا جميعًا. ولكن مع مراعاة ما نفهمه الآن بشكل أو بآخر، تتبادر إلى الذهن بعض الاحتمالات الصعبة.

الأولى هو توسيع النموذج اللغوي العصبي الذي طورته إلى مجالات جديدة. إن الاعتماد على البنية، وهو خاصية أساسية لها عواقب بعيدة المدى، و راسخة جيدًا على أسس مفاهيمية وتجريبية، وقد امتد الآن إلى علم اللغة العصبي. هناك مطالبون آخرون في وضع مماثل. لقد تحدثت عن قيود المنطقة، الموجودة في العديد من المناطق.

من المفترض أن يكون لديهم أصل مشترك، ربما في بعض المفاهيم الخاصة بالحد الأدنى من البحث. إذا نظرنا إلى أبعد من ذلك، فإن تقييد البحث يتم تعليقه خارج المنطقة المحلية، كما أظهرت التحقيقات الأخيرة. ويثير تقييد البحث في مجال التهجير، وهو المجال الرئيسي للتحقيق في تطبيقه، التساؤل عن سبب حدوث النزوح على الإطلاق - ليس فقط التهجير ولكن أيضًا "إعادة البناء" التلقائي، حقيقة أنه في جمل مثل " ماذا هل رأى يوحنا " نحن نفهم " ماذا " كهدف " يرى ". هل هناك ارتباطات عصبية يمكن أن تلقي بعض الضوء عليها مواضيع حية جدا؟

و بمجرد طرح الأسئلة، يتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة الأخرى على الفور. على سبيل المثال، هل يمكن لاستقصاء علم اللغة العصبي أن يلقي الضوء على العديد من الأسئلة التي تنشأ حول الإنشاءات في الموقع مع تفسيرات وخصائص متشابهة ولكن بدون إزاحة (أو إزاحة جزئية)، أو حول البقايا التي خلفتها الإزاحة الدورية المتعاقبة؟

يطرح السؤال الأعمق حول سبب حدوث الإزاحة موضوع التناظر الديناميكي المضاد الذي قمت باستكشافه بعمق، على وجه الخصوص، كعامل يحفز النزوح. هنا تنشأ أسئلة كثيرة جدا. لماذا تعتبر هذه الهياكل " غير مستقرة " وتتطلب الإزاحة؟ كيف يتفاعل عامل الإزاحة مع اعتبارات أخرى تم اقتراحها، من بينها نظرية الحالة المجردة لفيرغنو وتحديد الفئات (وضع العلامات)؟ هل يمكن إلقاء الضوء على بعض المعضلات العديدة التي تنشأ من خلال الاستقصاء اللغوي العصبي؟

حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى الخاصية في كل مكان لعملية الإزاحة وإعادة الاعمار على أنها تعقيد إشكالي للغة الطبيعية، على عكس العملية المتوقعة لضم عنصرين معًا - غالبًا ما يشكل عدم استقرار يجب التغلب عليه عن طريق الإزاحة. لدينا الآن سبب وجيه للاعتقاد بأن العكس هو الصحيح، لأسباب تتعلق بالحد الأدنى من شروط البحث التي تظهر بشكل بارز في المنطقة. الاعتبارات التي تنشأ تشبه إلى حد كبير تلك التي ذكرتها فيما يتعلق بالمعلمات والسمات المميزة لعلم الأصوات في براغ.

وفي العلم عمومًا، حيث إنه يسعى إلى تحقيق الأهداف الواردة في عبارة بيرين الحادة التي نقلتها. لماذا، على سبيل المثال، توجد هذه العناصر الكيميائية، وليس غيرها، وما هي المكونات الخفية التي تتكون منها؟

طوال الوقت، هل يمكن تصميم الاستفسارات اللغوية العصبية لتقديم رؤى حول الألغاز العديدة التي تظهر بمجرد أن نحاول تجاوز الوصف إلى التفسير الحقيقي؟

نادرًا ما تبدأ هذه التأملات في تتبع خيط واحد من تعقيدات اللغة. تكثر الألغاز والتحديات، وربما حتى الألغاز التي تتجاوز نطاق إدراكنا المعرفي. لقد سافرنا بعيدًا عن الأيام التي كان يبدو فيها أن هناك إجابات لكل شيء تقريبًا. وهي علامة جيدة.

يذكرني الوضع الحالي بعنوان مجموعة من المقالات تكريما لأحد أبرز الفلاسفة المعاصرين، وصديق مقرب حتى أيامه الأخيرة، سيدني مورجنبيسر: كم عدد الاستشارات التي قدمها؟ 15

أندريا مورو: حان وقتنا الآن. اسمحوا لي أن أشكركم على هذه المحادثة الشيقة للغاية. أشعر ببعض الحنين إلى الماضي عندما كان بإمكاننا القيام بذلك شخصيًا، ولكن باسم منظمي المهرجان ليتاتورا دي مانتوفا والجمهور، دعني أشكرك على كل ما قلته والوقت الذي كرسته لنا. كانت هذه محادثة رائعة، بالنسبة لي، لنا جميعًا.

شكراً جزيلاً.

نعوم تشومسكي: من دواعي سروري: من الرائع التحدث إليكم.

***

توكسون وبافيا، يوليو 2021

...................

المصدر

The Secrets of Words Noam Chomsky and Andrea Moro The MIT Press Cambridge, Massachusetts London, England © 2022 Valeria Chomsky and Andrea Moro

Notes

The Secrets of Words

1. Logic Methodology and Philosophy of Science: Proceedings of the 1964 International

Congress, ed.Yehoshua Bar-Hillel (Amsterdam: North-Holland, 1965).

2. Eric Lennenberg, Biological Foundations of Language (New York: Wiley, 1967).

3. Karl S. Lashley, “The Problem of Serial Order in Behavior,” in Cerebral Mechanisms in

Behavior, ed. L. A. Jeffress, 112–146 (New York: Wiley).

4. B. F. Skinner, Verbal Behavior (New York: Prentice Hall, 1957); Noam Chomsky, “A Review

of B. F. Skinner’s Verbal Behavior,” Language 35 (1959): 26–57.

5. M. Musso, A. Moro, V. Glauche, M. Rijntjes, J. Reichenbach, C. Büchel, and C. Weiller,

Broca’s Area and the Language Instinct,” Nature Neuroscience 6 (2003): 774–781.

6. M. Tettamanti, H. Alkadhi, A. Moro, D. Perani, S. Kollias, and D. Weniger, “Neural Correlates

for the Acquisition of Natural Language Syntax,” NeuroImage 17 (2002): 700–709.

7. Lenneberg, Biological Foundations of Language, 2.

8. Andrea Moro, The Raising of Predicates (Cambridge: Cambridge University Press, 1997);

Andrea Moro, A Brief History of the Verb To Be (Cambridge, MA: MIT Press, 2018).

9. Noam Chomsky, Il mistero del linguaggio: Nuove prospettive (Milan: Raffaello Cortina

Editore, 2018).

10. Alan M. Turing, “Computing Machinery and Intelligence,” Mind 59 (1950): 433–460, 442.

11. John 1:14. See Joseph Ratzinger, Introduction to Christianity, 2nd ed., trans. J. R. Foster

(San Francisco: Ignatius Press, 2004), 176.

12. Noam Chomsky, Lectures on Government and Binding (Dordrecht: Foris, 1981), 7.

13. Alan Turing, “The Chemical Basis of Morphogenesis,” Philosophical Transactions of the

Royal Society of London, Series G: Biological Sciences 237, no. 641 (1952): 37–72.

14. Andrea Moro, Dynamic Antisymmetry (Cambridge, MA: MIT Press, 2000); Noam Chomsky,

Problems of Projection,” Lingua 130 (2013): 33–49.

15. How Many Questions? Essays in Honor of Sidney Morgenbesser, ed. Leigh S. Cauman,

Isaac Levi, Charles D. Parsons, and Robert Schwartz (Indianapolis: Hackett, 1983).

 

 

س1. حدثنا عن رواد الشعر العربي (الذين ينظمون القصيدة العمودية) الفصيحة بالمملكة العربية السعودية؟

ج1. بداية لا بُدَّ من إيضاحٍ يتعلَّق بمصطلح (العَموديَّة). فلقد درجَ عامَّة المثقَّفين المعاصرين على اختزال مفهوم العَموديَّة الشِّعريَّة في(الوزن والقافية)، حين ينعتون قصيدةً بـ"العَموديَّة". بل كثيرًا ما نجد هذا لدَى متعاطي النقد. وهو خطأٌ اصطلاحي؛ فالمصطلح يشمل في النقد العَرَبيِّ احتذاء تقاليد القصيدة الجاهليَّة عمومًا، ممَّا حدَّده (أبو علي المرزوقي، -421هـ= 1030م)، في كتابه "شرح ديوان الحماسة"، في سبعة أبواب: شَرف المعنى وصحَّته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف، والمقاربة في التشبيه، والتحام النَّظم على وزنٍ ملائم، والتناسب في الاستعارة، ومشاكلة اللفظ للمعنى واقتضاؤهما للقافية. ولم يكن من معايير القصيدة العَموديَّة الالتزام بالوزن والقافية؛ من حيث كان ذلك مسلَّمًا، لا محلَّ خلافٍ أصلًا بين المقلِّدين والمجدِّدين. أمَّا السؤال عن رُوَّاد الشِّعر (الموزون المقفَّى) في المملكة العَرَبيَّة السُّعوديَّة، فيقتضي كذلك القول إن الشِّعر العَرَبيَّ قد بقي في الجزيرة العَرَبيَّة منذ أن كان، وإنْ انحرفت لُغته في القرون المتأخِّرة إلى العاميَّة. ولمَّا كانت النهضة الحديثة، كان من رُوَّاد الشِّعر الفصيح، المشار إليهم إبَّان بداية العهد السُّعودي، أعلام كُثر. ولقد راوح شِعر الرعيل الأوَّل، في النِّصف الأوَّل من القرن العشرين، بين محيٍ لديباجة الشِّعر التقليديَّة، المتعلِّقة بمفهوم عَمود الشِّعر، وآخَر حاول إدخالَ بعضِ قضايا العصر المستجدة. كان من أعلام الطائفة الأُولى: (عبَّاس الغزاوي)، و(محمَّد بن عثيمين). ومن الطائفة الأخرى، شعراء أمثال: (حمزة شحاتة)، و(حسين سرحان)، و(طاهر زمخشري)، و(حسين عَرَب)، و(خالد الفرج)، و(عبدالله بن خميس)، و(محمَّد بن علي السنوسي). ويدخل في هذا التيَّار من حيث بناءُ القصيدة أولئك الشعراء المتأثِّرون بالشِّعر الحديث في مصر والشام والمهجر، تأثُّرًا إيجابيًّا، ولا سيما بمدرستَي (أبولو) و(الديوان) في مصر، مثل (محمَّد حسن فقي)، و(عبدالله الفيصل)، و(مقبل العيسى)، وأضرابِهم. مع بعض ظواهر تجديديةٍ طفيفةٍ في الإيقاع، كانت تأتي عفويَّةً من خلال النظام الخليلي التناظري: كأنْ تجد في قصيدة لطاهر زمخشري، في ديوانه "ألحان مغترب"، عنوانها "صورة" استعماله: علَّةَ (التسبيغ)، وهو زيادة حرفٍ ساكنٍ على ما آخره سببٌ خفيف، في وزن الطويل، قائلًا:

فلمَّا تدانتْ من وسادي ترنَّحتْ     فطوَّقتُها خوفًا عليها بساعدَينْ = مفاعلان

ثمَّ جاءت بعدئذٍ موجة التجديد، وشِعر التفعيلة، لدى: (محمَّد حسن عواد)، و(حسن عبدالله القرشي)، ومن تلاهم حتى وقتنا الراهن.4431 عبد الله الفيفي

س2. ما أهم الأغراض التي تطرق لها الشعراء؟ وكيف تلقاها الجمهور السعودي والعربي؟

ج2. في المرحلة التأسيسيَّة لم تَعْدُ تلك الأغراض التقليديَّة في الشِّعر القديم، من مديح، ورثاء وغزل. على أنَّ الشِّعر الحديث لم يَعُد يدور في فلك الأغراض، بل تتخذ القصيدة بناءً شبكيًّا، تتواشج فيه الموضوعات. وليس الشِّعر في المملكة ببِدْع من الشِّعر الحديث في ذلك.  

س3. هل نظام القصيدة العمودية العربية يواكب نمط الشعر العالمي المعاصر؟

ج3. إذا اتفقنا على مفهوم القصيدة العَموديَّة، كما أوضحناه في إجابة السؤال الأوَّل، فليس ثمَّة شِعر عَمودي في العصر الحديث غالبًا. وإنما المقصود: الشِّعر الموزون المُقَفَّى. وهذا الضرب قد تقرأ منه ما هو أكثر حداثة من شِعر التفعيلة، فضلًا عن قصيدة النثر. بل قد تقف على ذلك في بعض الشِّعر في العصر العبَّاسي. وإذا سُلِّم بقول القائلين إنَّ الشِّعر ليس بكلامٍ موزونٍ مقفًّى فقط، كما كان يُعرِّفه بعض القدماء، وأنَّ الوزن والقافية لا يعدوان مكونَين فنيِّين في القصيدة؛ فما الذي يمنع من أن تواكب القصيدة العَرَبيَّة، بشخصيَّتها النوعيَّة المائزة، الشِّعر العالمي المعاصر؟! وإنَّما الاستلاب هو الذي يخيِّل إلى أهله أنَّ نمط الشِّعر العالمي المعاصر لا يكون إلَّا وَفق النمط الغربي فقط! ليس هذا في الشِّعر وحده، بل في كل شأن. كأنَّنا نقول: هل الزِّيُّ العَرَبيُّ يواكب نمط الزِّيِّ العالمي المعاصر؟ ما يعني أنَّ على العَرَبي، لكي يكون عالميًّا ومعاصِرًا، أن يخلع ثيابه، ويلبس بذلة الغربي، وإلَّا فليس عالميًّا، وليس معاصرًا، وربما ليس إنسانًا! وهكذا فليس لدى الأُمم المتخلِّفة من حلولٍ، سِوَى التجرُّد من الشخصيَّة المستقلَّة والمحاكاة الاتباعيَّة للغالب. هل نظام القصيدة اليابانيَّة (الهايكو) يواكب نمط الشِّعر العالميِّ المعاصر؟ نعم، يواكب، بإنجاز الثقافة اليابانيَّة، التي لم تنشغل بمثل هذا السؤال، ولم تبدِّل ثقافتها، ولا شِعرها، وإنْ أضافت إليهما. بخلاف العَرَب، الذين يودُّ أحدهم، لو استطاع، أن يخرج من جِلده، ليقترب من صورة الغربي، بأي ثَمن! الهايكو، مثلًا، لم يواكب نمط الشِّعر العالميِّ المعاصر فحسب، بل غزا العالم، بما في ذلك العالم العَرَبي. مع أنه بناءٌ متقزِّمٌ جِدًّا، تتألَّف القصيدة فيه من بِضع كلماتٍ بسيطة، وبعضه أشبه بأرانين ترقيص الأطفال قديمًا، ولا مقارنة بين إبداعيَّته والقصيدة العَرَبيَّة، بناءً، وتاريخًا، وتنوُّعًا. تخيَّل معي لو كان من ضروب الشِّعر الياباني معمار قصيدةٍ على غرار القصيدة العَرَبيَّة، ماذا كانوا سيفعلون به في العصر الحديث؟! أكانوا سينادون برميه في مزبلة التاريخ، كما يفعل بعض العُربان؟! التحضُّر، كالتخلُّف: بنيةٌ واحدةٌ متكاملة، هنا وهناك!

س4. كيف يتبلور الحب في قصائدك وما الغاية من توظيفه؟

ج4. ليس بمقدور شاعرٍ صادقٍ أن يجيب عن هذا السؤال. فهذه وظيفة الناقد، الآخَر. وما من شاعرٍ يرَى نفسه حقَّ الرؤية، وإنْ كان ناقدًا. غير أنَّني سأجيب عن السؤال بما أجاب به الشِّعر:

ولَـولا الحُـبُّ ما كُـتِـبَتْ حُـرُوْفٌ

ولا سُـئِـلَ الرُّسُـوْمُ  ولا الطُّـلُوْلُ

ولا هَـتَـفَــتْ بِـفَـوْدَيَّ اللَّـيالِـــيْ

كأنِّــيْ فَــوْقَ  عاصِفَــةٍ  نَـزِيْـــلُ

ولا قُـلْـتُ وقـد حَـنَّـتْ رِكـابِـيْ

وقـد أَزِفَ التَّـشَـمُّـرُ  والرَّحِـيْــلُ:

على قَلَــقٍ فإِنَّ الـمَوْتَ  سَـرْجِـيْ

وحَـادِيْـنَـا على المَسْـرَى مَـلُــوْلُ!

ثُمَّ يقول في المقابل:

أَنا لا قَلْـبَ لِــيْ لِلْحُـبِّ حتَّـى

أُعِـيْـدَ قُـلُـوْبَ أُمـَّـاتٍ ثَـكالَـى

وما لِـيْ فـي الهَوَى كَأْسٌ ونَفْسٌ

إِذا لَمْ أَمْحُ عَنْ جَسَدِيْ احـتِلالا!

دَعِيْـنِـيْ كَيْ أُحَرِّرَ قُدْسَ عَقْلِـي

ورُوْحِـيْ مِنْ جُـنُونٍ بِـيْ تَوالَـى

فمِنْ (قَيْسٍ) أُحَرِّرُ جِيْدَ (لَـيْـلَى)

ومِنْ (لَيْلَـى) أُحَـرِّرُهُ اخـتِـبـالا

(جَمِيْلٌ)، (عُرْوَةٌ)، (مَجْنُونُ لُبْنَى)،

قَبِيْلَةُ (عُذْرَةٍ) «صاعتْ» عِيالا!

دَعِـيْـنِـيْ أَقْـرَأُ الدُّنـيا ، حُقُولًا

تَضِجُّ ضُحًى عَصافيرًا/ سُؤالا:

مَـتَى الإِنـسـانُ يَـرْقَـى في رُؤاهُ

إلى (حَيِّ بْنِ يَـقْظانَ) اكـتمالا!

دَعِيْـنِـيْ أَهْتَدِيْ ، والدَّرْبُ لَيْلٌ

كـ«لَيْلِ الصَّبِّ»، (بِالحُصْرِيِّ)، طالا

دَعِيْها، تَعْشَقُ المَجْهُوْلَ، مِثْلِـيْ،

فَـتـاةٌ تَـشْتَـهِـيْ الإِثْمَ الـحَلالا

ويَومَئذٍ، تَـعالَـيْ لِـيْ بِـقَـلْبٍ،

خَلِـيِّ القَلْبِ، يَشْتَعِلُ اشتِـعالا

لِـتَـعْـرِفَ ما سَماءُ الحُبِّ أَرْضٌ

لِيَحْمِلَ قَرْنُ (سِيْزِيْفَ) الجَـمالا

بِـأَرْضٍ لا تَـمِيْـدُ بِـنا سُهُـوْلًا

ولا تَـهْـتَـزُّ مِنْ رِيْـحٍ جِـبـالا!

هُـنا، والآنَ، نُسقاها قَـصِيْـدًا،

بِعِـطْـرِ الحُـبِّ، وهَّـاجًـا زُلالا

**

فقالتْ: «إِنْ تُعَمَّرْ عُمْرَ (نُـوْحٍ)

وإنْ بَـلَّـتْ ثُـمالَـتُــنـا ذُبــالا!

فسَلِّمْ لِيْ عَلَى (الأَقْصَى)! وسَلِّمْ

عَلَى الحُبِّ المُؤَجَّلِ!».. قُلْتُ: «حالا!»4432 عبد الله الفيفي

س5. عندما ترى دراساتك الأكاديمية والنقدية في مجلات علمية محكمة ما الإحساس الذي ينتابك؟

ج5. لا شكَّ أنَّ الدارس يسعَد بتتويج عمله أكاديميًّا؛ غير أنَّ السعادة الكُبرَى: أن يرى عينَي قارئٍ بسيطٍ، من جمهرة الناسِ، تلتهمان عمله بحُبٍّ.

س6. ما غاية الشعر اليوم وهل يخدم القضايا الإنسانية العالمية؟

ج6. الشِّعر هو نبض اللغات في الإنسان، اليوم، وأمس، وغدًا. وخدمته للقضايا الإنسانيَّة هي بإعادة الإنسان إلى إنسانيته.

فلولا الشِّعْـرُ ما كـانـتْ لُغـاتٌ

ولا اقْـتَرَحَ الخَـيَالُ مَدَى الطُّمُوحِ

ولولا الشِّعْرُ ما سارتْ سَحابُ الـ

ــمَشاعِـرِ، جَـيْشَ هَطَّـالٍ دَلُـوْحِ

يُـرَوِّيْ خَـابِـيَ الـتَّاريـخِ فِـيْـنـا

ويَـغْـشَانـا بِشُـؤْبُـوْبٍ سَـحُـوْحِ

يُـعِـيْدُ بِـنـاءَ أَوْجُـهِـنا، ويَـرْنُـو

لِوَجْـهِ الحـُـسْنِ فـي وَجْـهٍ قَـبِيْـحِ

هَلِ الشِّعْـرُ- وقد تَعِبَتْ نِصَالُ الـ

ـقصائدِ- غَـيْرُ  إِنسـانٍ ورُوْحِ؟!

فَـرُبَّ قَـصـيـدةٍ قَـصَدَتْ لِـواءً،

ورُبَّ قَـصـيدةٍ فَـتْـحُ الـفُـتُـوْحِ!

س7. هل النقاد العرب يستطيعون تقييم الشعر العربي بنظام القصيدة العمودية في وسائل التواصل الاجتماعي؟

ج7. تلك وظيفة الناقد الحقيقي، أن يتابع كلَّ جديد. ولا أدري لماذا التركيز على "القصيدة العَمودية" في الأسئلة؟ ولماذا التساؤل حولها وكأنها باتت من عمل الماضي، وأثرًا بعد عَيْن. عِلمًا بأن القصيدة التناظريَّة، في ما أزعم، من أكثر ضروب البناء الشِّعري مناسبةً لوسائل التواصل الحديثة. فبيتٌ شِعريٌّ واحدٌ قد يختزل لك قصيدة. وهو ما يتعذَّر كثيرًا على قصيدة التفعيلة؛ لأن قصيدة التفعيلة جسدٌ مترهِّلٌ طويل، قائمٌ على وحدة النص، إذا اجتزأتَه أفسدتَه. لهذا سترى أنَّ أبيات الشِّعر العَرَبي هي أصلح من غيرها للنشر عبر وسائل التواصل الحديثة. غير أنَّ ثمَّة ضربًا من الأدب المعاصر وهو (الأدب الإلكتروني التفاعلي)، والسؤال حوله سؤالٌ آخَر. وتاريخ علاقتي بهذا الضرب قديم، فأبحاثي فيه انطلقت منذ عام 2008، حينما نشرتُ دراسةً محكَّمةً، عنوانها «نحو نقدٍ إلِكترونيٍّ تفاعليٍّ»، في «مجلَّة آداب المستنصريَّة»، (كليَّة الآداب، الجامعة المستنصريَّة، العراق). ويُعَدُّ من أوائل البحوث التأصيليَّة في الأدب الإلِكترونيِّ عَرَبيًّا. ثمَّ تضمَّن تلك الدراسة كتابي «شِعر التفعيلات وقضايا أخرى»، الصادر 2011، عن (دار الفراهيدي ببغداد). كما قدَّمتُ خلال العقدين الماضيين محاضرات وأوراق بحثٍ متعدِّدة حول هذا الموضوع في مناسبات مختلفة. وأقصد بـ(الأدب الإلِكتروني التفاعلي) ما يُعرَف بـ(النص المترابط Hypertext)، تحديدًا، لا ما دُوِّن من الأدب إلِكترونيًّا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فهٰذا الأخير لا يعدو نصًّا أدبيًّا دُوِّن بالتقنية الحديثة، أو نُقِل إلى هذه التقنية، ولا فرق بينه والنصِّ التقليدي، مخطوطًا أو مطبوعًا، إلَّا في الوسيط بين الكاتب والمتلقِّي: من الورقة إلى الشاشة.

س8. العالم العربي اليوم أصبح الكل فيه يكتب الشعر والرواية والمسرح. كيف تقيم هذه الوضعية؟ وما الضوابط العلمية للإبداع والمبدعين؟

ج8. يبدو الكُتَّاب أحيانًا أكثر من القراء! "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ." الزمن كفيلٌ بالغربلة، لا الضوابط العِلميَّة، وحدها. الضوابط موجودة، لكنها غير مطبَّقة، حتى من بعض النقَّاد. فمن النقَّاد من يُروِّج لأعمال هابطة، لا لجهلٍ أو لانحطاط ذوقٍ بالضرورة، ولكن لمصالح متبادلة. وليس هذا في عصرنا فقط، بل في عصور سالفة كان يحدث مثل ذلك، غير أن سهولة النشر في عصرنا قد جعلت الظاهرة تبدو أكثر فجاجة. ولهذا قد تجِد من الأعلام من لم يكن لهم ذِكرٌ لائقٌ في أزمانهم، وإنَّما اكتُشِفوا لاحقًا. وآخرون كانوا في أزمانهم ملء السمع والبصر، ثمَّ لم يبق منهم أثرٌ بعد انتهاء الحفلات التي لعبوا فيها أدوار المُعْرِسِين!

س9. أكيد بأن دول خليجية كانت رائدة في احتضان مسابقات عالمية للشعر العربي الفصيح. لماذا لا نرى نفس البادرة في المملكة العربية السعودية؟

ج9. ثمَّة مبادرات كثيرة في المملكة، وكثيرٌ منها محكَّم ورصين، بعيدًا عن الإعلام الدعائي، والمتاجرة بالمواهب، وتنجيم أنصاف المواهب، وإنْ عَبر التعصُّب القَبَلي أو الجماهيري، الذي يُقَدِّم ويؤخِّر، لا لجودة المنتَج، بل عصبيَّةً لهذا أو ذاك. ومنها، مثلًا، جوائز سوق عكاظ السنويَّة المتنوِّعة، والمحكَّمة عِلميًّا، ومسابقات الأندية الأدبيَّة. وهذه ممارساتٌ ثقافيةٌ قديمةٌ وعريقةٌ في هذه البلاد. غير أنَّ لتسليع الأدب، وتحويله إلى منافسات، كالمنافسات الرياضيَّة، حكاية أخرى. وليست في صالح الأدب دائمًا، وإنْ أعجبتْ جماهير المباريات، الذين لا يستقطبهم من الأمر سِوَى الفُرجة والتصفيق والتصويت.4433 عبد الله الفيفي

س10. ما سبب عزوف العديد من الشعراء عن القصيدة العربية؟

ج10. العازفون عاجزون غالبًا، آخذون بما تيسَّر، وكل مُيَسَّرٌ لما خُلِق له. غير أنَّ هذا العزوف كان أكثر قبل عقود. بل السَّاحة الشِّعريَّة تشهد اليوم أوبةً ملحوظةً إلى القصيدة العَرَبيَّة، بنظامها الأصيل، حتى ممَّن كانوا عنها عازفين. ولستُ- على كلِّ حالٍ- مع الانغلاق على قالبٍ واحد؛ فالتنوُّع إثراءٌ حيوي، ولكلِّ نمطٍ جمهوره ومتذوِّقوه. إلَّا أنه من الخطأ الحضاري الفادح إقصاء المختلِف، من قديم أو حديث، والتلاعب بالمصطلحات، وإهمال الرصيد التراثي، للقصور عن استيعابه، وعِوَض تطويره، نقفز عليه لاستيراد جاهز، يبدو أسهلَ مركبًا، وأقلَّ مؤونةً على هواة الشَّعرنة والأضواء.

س11. هل الترجمة اليوم كفيلة بنقل أفكارنا وهمومنا ومصاعبنا للآخر الغربي؟

ج11. قبل الغربي، ينبغي أن نُعْنَى بنقل أفكارنا إلى العَرَبي، وأن نعالج همومه، سواء وصلنا إلى الغربيِّ أو إلى الشرقيِّ أم لم نصل. الأُمم المتحضِّرة هي تلك التي تسعى إلى امتصاص حضارات الآخَرين، وتمثُّلها عبر الترجمة. ولا يظهر الهوس المَرضي بترجمة النتاج إلى الآخَر إلَّا لعُقدة نقصٍ طفوليَّة، كي يكبر العبد في عينَي سيِّده. وإلَّا فالآخَر، الغربي، ليس في حاجتنا، ولا شأن له بمترجماتنا وأفكارنا وهمومنا، اللَّهم إلَّا إنْ وجد فيها سلاحًا يوجهه ضدَّنا، بصورةٍ أو بأخرى. أمَّا العمل القَيِّم، فيفرض نفسه غالبًا، ويستدعي الترجمة كثيرًا. غير أنَّ مترجم أعمالنا يُفترض أن يكون المستفيد، أي الآخَر، لا العكس. ثمَّةَ فرقٌ بَيِّنٌ، إذن، بين الترجمة التجاريَّة، أو الترويجيَّة الفارغة، والترجمة لأهداف عِلميَّة أو معرفيَّة أو فنِّـيَّة.

س12. كيف تقيم إبداع الشباب السعودي في كتابة القصيدة؟

ج12. منذ بداية القرن الحادي والعشرين والعالم العَرَبي عمومًا يشهد ملامح أنضج من ذي قبل في التجارب الشِّعريَّة، تشي بآفاق مستقبليَّة أكثر تخلُّصًا من عثرات المراحل الانتقاليَّة التي مرَّت بها القصيدة الحديثة، في القرن الماضي، كما توقَّفتُ عند هذا في كتابي "حداثة النصِّ الشِّعري"، المنشور 2005، وهو حصيلة دراسات أنجزتُها سابقًا عن تاريخ نشره. فلقد كان الصراع، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، يدور بين تيارٍ تقليديٍّ، ظلَّ مسيطرًا، وبين تجارب جديدة، كانت تتلمَّس طُرق التجديد، دون تأسيسٍ رصينٍ يؤهِّلها جِدِّيًّا لذاك. وبينهما فريقٌ ثالثٌ لم يكن يعنيه من الأمر- فيما يبدو- أكثر من أضواء الثورة والشهرة الآنيَّة. وقد قاربتُ مرارًا تحوُّلات في المشهد الإبداعيِّ، مرَّت بها التجربة الشِّعريَّة الحداثيَّة في السُّعوديَّة، وبعض التجارب خارجها، مثل الأردن، ومصر، والعراق، والمغرب، والسودان، وسوريا. على أنه من الحقِّ الاعتراف بأنَّ تلك التحوُّلات ظلَّت، بالقياس الزمنيِّ، وئيدةً؛ لا بسبب المستوى التأهيليِّ، لغويًّا وإبداعيًّا لدى الشعراء، فحسب، ولكن أيضًا لظروف اجتماعيَّة وثقافيَّة، ما برحت ترفض الجديد والتجديد وتُحبِط التجريب. وهذا ما كان يدفع أحيانًا إلى التمرُّد، والتطرُّف، ردَّة فعلٍ على تطرُّفٍ سابق، كما هو الحال في شؤوننا العَربيَّة عمومًا. وبالرغم من هذا، فإن الاستقراء كان يشير، خلال العِقدَين الأوَّلين من القرن الحادي والعشرين، إلى أنَّ القصيدة الحديثة قد أفضت إلى عهدٍ جديد، يُنبئ عن انصهار التيارات السابقة في تيارٍ جديد، سبق أن أطلقتُ عليه (الحداثة الأصيلة، أو الأصالة الحداثيَّة)، أو سمِّه، إنْ شئت: (ما بعد حداثة)، تقوده شبيبةٌ، جمعتْ إلى المواهب تعليمًا أغنَى، وفِكرًا أرحب، قمينَين بأن يبعثا وعيًا بالتراث، وإدراكًا أعلى بمسؤوليَّات التحديث. هذه شهادة، قديمة وراهنة، أُراهن على ما جاء فيها. وهي تؤكِّد ما قلتُ في إجابة سابقة: إنَّ المخاض، مهما طال، كفيلٌ بأن يُسفِر عن مولودٍ ما، والبقاء لن يكون إلَّا للأصلح، بمعايير الفنِّ والحياة معًا.

***

حاوره: الأستاذ فيصل رشدي

- الشعر شعران؛ شعر يكتب الحدَث، وشعر يكتبه الحدَث.

- كلما كان تأثر الشاعر بالحدَث أو المناسبة كبيرا كلما قل التكلّف في الألفاظ وقلّ وضوح الصنعة في القصيدة.

- الشعر يخلّص الإنسان من جفاء المشاعر الذي يخلّفه انخراطه في عالم المادة وطغيانها.

- إذا تحدّث الطب إلى الكتابة، فهو حديث ثناء عليها، وإذا تحدّثَت الكتابة إلى الطب فهو حديث فيه بعض العتاب.

- على الأدباء ألّا يتعجّلوا النشر، فلكل شيء وقته.

محمود الفخراني

د. محمود الفخراني؛ طبيب من فئة المخضرمين، وشاعر من أبناء الخليل البررة، وكاتب ذو رسالة جادة تلامس سقف قضايانا العربية والإسلامية. وُلد عام 1955 في قرية تمي الأمديد بمحافظة الدقهلية التي ارتقت اليوم إلى مدينة ومركز، وتخرّج في كلية طب المنصورة عام 1981، ثم اختار تخصصا لطيفا ضرب به عصفورين، وهو تخصص التحاليل الطبية والباثولوجيا الإكلينيكية؛ إذ منحه أولوية السفر والعمل بالمملكة العربية السعودية لربع قرن (1992-2016)، كما منحه فسحة كافية لمواصلة قرض الشعر الذي بدأه في سنّ العشرين. صدر له حتى الآن ثلاثة دواوين، ودراسة أدبية بعنوان (الارتقاء في فن الغناء)، إضافة إلى إبحار مطوّل في الشوقيّات من ثلاثة أجزاء يصدر قريبا، عدا عن مؤلَّفات إسلامية قرآنية بعضها صدر وبعضها على قوائم الانتظار. ورغم أن أرحاما عدّة تجمع بيننا من حيث المولد والنشأة في المركز والمحافظة ذاتها، وكذلك من حيث الجامعة والكليّة والمهنة؛ إلا أنني تعرّفت عليه مؤخّرا عبر الكوكب الأزرق واستضفتُه في صفحة أقلام بيضاء ضمن مجلة الديوان الأدبية الشهرية، ومن خلالها نبتَت بذرة هذا الحوار المنفتح على الطب والأدب والحياة..

***

* في محاولة مضنية لتعريف الشعر، هل تراه مشاعر تخلق اللغة اللائقة بها، أم على قول إمبرتو إيكو: لغة تخلق المشاعر؟

- الشعر شعران؛ شعر يكتب الحدث، وشعر يكتبه الحدث. أما الشعر الذي يكتب الحدث؛ فهو الشعر الذي يحاول به الشاعر أن يترجم الحدث ساعة وقوعه، أو يحيي به مناسبة أو يعرض من خلاله لفكرة مرت بخاطره أو اقتنع بها، والحدث قد يكون حدثا عاما يؤثر في المجتمع من حوله ويتأثر الشاعربه بالقدر الذي يتأثر به الآخرون، وقد يكون حدثا خاصا بالشاعر، وكذلك المناسبة، قد تكون مناسبة عامة أو خاصة، وفي كل الحالات يحاول الشاعر أن يعبّر عما يشعر به نحو هذا الحدث أو تلك المناسبة، وكثيرا ما يجد صعوبة في العثور على استهلال للقصيدة المزمع تأليفها، حتى إنه يكتب ويمحو ما كتبه عدة مرات حتى يعثر على البيت الذي يرضيه، ثم يواصل تأليف القصيدة بالصعوبة نفسها، لذلك تظهر الصنعة الأدبية في القصيدة جلية، فبعض الكلمات يفرضها الوزن وبعضها تفرضه القافية، وكلما كان تأثر الشاعر بالحدث أو المناسبة كبيرا كلما قل التكلف في الألفاظ، وقل وضوح الصنعة في القصيدة، وهذا ما نسميه بشعر المناسبات. أما الفكرة التي يحاول الشاعر أن يصوغها شعرا، فغالبا ما يكون تأثره بها كبيرا، حتى إنه في ساعة صفاء يجد نفسه يتحدث عن هذه الفكرة شعرا، فتخرج القصيدة مترابطة الأفكارعميقة المعاني، وإن لم تبرأ تماما من التكلف اللفظي والصنعة الأدبية، وهو ما نسمّيه بالشعر الفكري، أي أننا نستطيع القول بأن الشعر الذي يكتب الحدث هو ما ينطبق عليه قول من قال إن الشعر هو مشاعر تخلق اللغة اللائقة بها، أما الشعر الذي يكتبه الحدث فهو ما نسميه بالشعر الوجداني وفيه تتضح التجربة الشعرية، وتتضح في كل بيت بل في كل كلمة من كلمات القصيدة، فالتجربة تشترك مع الشاعر بقسط كبير في عملية الإبداع الذي هو سمة ظاهرة في الشعر الوجداني، يتضح ذلك في جزالة اللفظ وتسلسل الأفكاروتدفق المشاعر، فالشاعر يعيش التجربة بكل كيانه، حتى أنها تلح عليه في صحوه وفي نومه فتنصهر بداخله في بوتقة الإبداع لتخرج في صورة قصيدة تؤثر في نفس سامعها أو قارئها بمجرد تلقيها، هذا الشعر لا تكلُّف فيه ولا ركاكة، ولا تتضح فيه الصنعة الأدبية، ولكن الألفاظ تتجاور في سلاسة وتدب فيها روح الإبداع، وهذا هو الشعر الذي ربما ينطبق عليه قول إمبرتو إيكو: إن الشعر لغة تخلق المشاعر.

* برأيك، ما الذي يمكن أن يقدّمه الشعر لإنسان العصر المفتون بالعلم والهائم في بحر التكنولوجيا؟

- الشعر يمثل عاملا رئيسا في حدوث التوازن النفسي الذي هو مطلب كل إنسان لكي تسير حياته دون منغصات فكرية أو انحرافات نفسية، بما يبعثه في النفس من سكينة، وبما يثري به خياله، وما يتركه من أثر في وجدان المتلقّي وفي فكره وخواطره، هذا لمن يهوون قراءة الشعر أو سماعه، ذلك لأن هناك من لا يتقبلون لغة الشعر ولا يقبلون على قراءته لأسباب كثيرة أهمها أن لغة الشعر أصبحت غريبة على الأسماع في هذه الأيام، ومما لا شك فيه أن لافتتان إنسان العصر بالعلم وانخراطه في عالم المادة تأثير كبير على مشاعره، واعتقادي أن الشعر يخلص الإنسان من جفاء المشاعر والأحاسيس الذي يخلفه انخراطه في عالم المادة وطغيانها، ويعطي الروح مساحة أكبرللانطلاق في عالمها من السمو والارتقاء.

* كيف تصف اللحظة الزمانية والمكانية والنفسية التي تهجم فيها على أوراقك البيضاء بغْية تحويلها إلى قصائد؟

- هي لحظة الإبداع التي لا توصف بالكلمات، فالشاعر يتحوّل فيها إلى كائن أكثر شفافية ويحلّق في سماوات الإبداع التي تأخذه بعيدا عن معطيات الواقع، ولا يشعر الشاعر بروعة هذه اللحظة إلا حينما يعود إلى واقعه، ولكن عزاءه في فقدها، ما يلتقطه من آيات إبداعه التي تتمثل في الأبيات التي يجدها بين يديه.

* في ضوء ديوانك الأوّل (أوهام مسافرة)، والذي تمحْور حول الاغتراب، بم أفادتك غربة ربع قرن عن الوطن والأهل؟

- لا شك أن اغترابي عن الوطن قرابة ربع قرن أفادني من الناحيتين المادية و الفكرية، فاستطعت ترتيب أفكاري أو قل إعادة ترتيبها بما يتلاءم مع معطيات الواقع وما تفرضه ظروف العيش، وكان من نتاج ذلك، البدء في تأليف عدة كتب في مجالات مختلفة أقوم الآن بوضع اللمسات الأخيرة عليها تمهيدا لطباعتها، أمّا ديواني (أوهام مسافرة) فإليه يرجع الفضل في محاولاتي تجنب الآثار السيئة للغربة ما استطعت إلى ذلك من سبيل.

* في حوارك الداخلي المتشظِّي بين الطبّ والكتابة، ماذا يقول كلاهما للآخَر؟

- إذا تحدّث الطبّ إلى الكتابة، فهو حديث ثناء عليها، إذ أنقذته من تقوقعه داخل نفسه فانطلق في عالم أرحب ووجد فيها متنفسه الحقيقي. وإذا تحدّثَت الكتابة إلى الطب فهو حديث فيه بعض العتاب من الظلم الذي وقع عليها منه، إذ لم يترك وقتا للانطلاق إلا نادرا.

* من خلال نشاطك كمقرر للجنة الشعر بالنادي الأدبي في قصر ثقافة المنصورة أثناء مرحلة الشباب، ما الذي ينقص المؤسسات الثقافية الرسمية للقيام بدورها الفاعل؟

- ينقصها التنظيم وتوفير وسائل مواصلات خاصة بكل قصر من قصور الثقافة لتسهيل تبادل الزيارات بين أعضاء النوادي الأدبية، ومساعدة الأعضاء على نشر إبداعاتهم.

* كثيرا ما يتحوّل الشعراء إلى كتابة الرواية، ولكنك اتجهت مؤخَّرا إلى الكتابة والنشر في الدراسات القرآنية، فما الذي جرى للشامي حتى صار مغربيا؟!

- الحقيقة أن وجودي بالسعودية بمفردي مدة طويلة، أتاح لي فرصة قراءة القرآن وختمه مرات عديدة، فأُخذت بأسلوبه البديع وشدّتني لغته الراقية التي لا ترقى إليها لغة أخرى، فبدأت في تسجيل أفكار كانت تدور بعقلي وأنا أتابع القراءة، وكثيرا ما كنت أقصر الختمة على فكرة معينة، وكنت أسمّي هذه الختمة: «ختمة تأملية»، وبالطبع ساعدني الحاسوب والباحث الأليكتروني في القرآن على ذلك كثيرا، فجمعْت هذه الأفكار في مواضيع تضمّنتْها الكتب التي انتهيت هذا العام بفضل الله وتوفيقه من كتابتها ومراجعتها، وبقي أن تجد طريقها للنشر، وبالفعل قمت بطبع كتاب «أنبياء الله ورسله .. رؤية قرآنية»، في إحدى دور النشر قبل عامين تقريبا، والله أسأل أن يتم طبع هذه الكتب في أقرب وقت وأن ينفع بها الإسلام والمسلمين.

* بين 1955 وهو تاريخ مولدك، وبين 2022م وهو العام الذي يظلّل الحوار بسمائه، ما أبرز المتغيرات التي عايشتها وتودّ رصدها على صعيدَي الطبّ والشّعر؟

- على صعيد الطب لا نستطيع أن ننكر التطوّر الهائل الذي حدث في مجاليْ التشخيص والعلاج وخصوصا جراحة المناظير، وغيرها من الجراحات الأخرى، أما في مجال تخصصي؛ «تحاليل طبية» فالتطور سريع جدا لا نستطيع رصده في هذه العجالة، ويكفي أن نقول إن الاختبار الذي كان يستغرق عمله حوالي ساعة أصبح الآن يتم عمله في عدة دقائق، بل إن هناك أجهزة تقوم بعمل عدة اختبارت مجتمعة تصل إلى ثلاثين اختبارا في أقل من ساعة. أما على صعيد الشعر فقد اتسعت رقعته اتساعا ملحوظا وكثرت النوادي الأدبية التي يرتادها الشعراء بصفة يومية، وقد التقيت بشعراء كثيرين في هذه النوادي ولكن قليلين منهم من اقتنعت بشاعريته، المشكلة أنّي لا أتذوق بل لا أقرأ إلا الشعر الذي يأخذ الشكل المتوارَث للشعر أما ما يسمّونه بالشعر الحر أو قصيدة النثر أو ما إلى ذلك فلا أجدني مرتاحا إليه. أيضا لاحظت طغيان العامية على الفصحى، فبين كل عشرة شعراء، شاعر واحد يكتب بالفصحى أو اثنان وعلى الأكثر ثلاثة!

*بالعودة إلى تخصصّك الدقيق في الطب وهو التحاليل الطبية، هل كان اختياره ضرورة شعرية تتيح المزيد من التفرّغ للأدب والكتابة؟

- لا .. لم تكن رغبتي في التفرغ للأدب والكتابة سببا لاختيار التحاليل الطبية لتخصصي، فقد اخترت هذا التخصص بعدما عرفت أن أطباء التحاليل مطلوبون للعمل بالسعودية أكثر من غيرهم، وقد كان كل همّي وقتئذ تحسين وضعي المادي، وقد أتاح لي هذا التخصص الانطلاق في عالم الأدب والشعر وإشباع رغبتي في الكتابة.

* أفردْتم للشوقيات ثلاث مؤلّفات قيد الطبع، أما كان الأطباء الشعراء أوْلى بهذا الانتقاء، وذلك على قاعدة الأقربون أوْلى بالمعروف؟ أم للإمارة حُكم نافذ لا يُردّ؟

- أحمد شوقي شاعر العصر الحديث، نهل من معين شعره أكثر الشعراء الذين جاؤوا من بعده، بل من الشعراء الذين عاصروه أيضا، ولقد قرأت ديوان شوقي المسمَّى بالشوقيات في سنّ مبكرة، وحينما أخذني الشعر في عالمه في ثمانينيات القرن الماضي وددْت لو قدّمت بعض قصائد شوقي بشكل يلائم العصر الحديث بعدما أصبحت لغة الشعر غريبة على الأسماع،  وفي مطلع العقد الأول من القرن الحالي وضعت هذه الفكرة موضع التنفيذ، والحمد لله انتهيت الآن من كتابة ثلاثة أجزاء من كتاب عنوانه «النسائم العطرات في شرح صفوة الشوقيات»، وآمل أن أكتب أجزاءً أخرى إذا أتيحت لي الفرصة، أما من الشعراء الأطباء فقد قرأت ديوان إبراهيم ناجي وقدمت قصيدة الأطلال وقصيدة القيثارة ضمن كتابي « الارتقاء في فن الغناء»، وسوف تكون لي دراسة في شعره في الأعوام القادمة إن شاء الله.

* يشكو الكُتّاب مرّ الشكوى من سوق النشر ومتاعبه، ما تجربتكم بهذا الخصوص؟

- سوق النشر أصابه الكساد نتيجة لعزوف الناس عن القراءة بصفة عامة وقراءة الشعر بصفة خاصة، وزاد من هذا الكساد وجود بدائل كثيرة للتسلية واكتساب المعارف، وباستثناء ديوان (أوهام مسافرة) الذي تم طبعه ونشره في الهيئة المصرية العامة للكتاب، قمت بطبع ديوان (اغتراب وارتقاب) وديوان (انطلاق وقيود) على نفقتي الخاصة، وأعدت طباعة ديوان أوهام مسافرة) على نفقتي الخاصة أيضا، أمّا كتاب (أنبياء الله ورسله .. رؤية قرآنية) فقد تم طبعه في إحدى دور النشر، ولكن على نفقتي أيضا، وقد كلفني ذلك الكثير لعدم درايتي بالتعامل مع أصحاب دور النشر، فلم أنج من استغلالهم ولا أبالغ إذا قلت جشعهم.

* بالتفاتة إلى ما يقرب من سبعين عاما مضت، ما وصيتك لأولادك وأحفادك من الأطباء والكُتّاب منهم على وجه الخصوص؟

- وصيتي للأطباء منهم أن يختاروا التخصص المناسب لقدراتهم، ولا يمارسوا المهنة إلا بعد أن يتمكنوا من ممارستها ويعرفوا أسرارها ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل، أما الأدباء فعليهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم في كل ما يكتبونه، مع الإلمام بكل قواعد اللغة العربية إلماما تاما، ولا يتعجلوا النشر، فلكل شيء وقته.

**

أجرِي الحوار: د. منير لطفي

في 22-10-2022

حامد عبد الحسين:

* العمارة قلبُ المملكة السومرية التي نبضت بدفء الهور والبردي والمشحوف

 * غنيت فعلا عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي

 * أفزع، فيها مشاكسة للذات الجنوبية محفزة وحاملة لما في دواخله

 * مؤلم أن نرى الوطن يسرق ونحن نعرف السارق ولا ننتفض

.......................

صوت شعري من ميسان ترأس اتحاد أدباء وكتاب ميسان في الدورة السابقة، وهاهم يعقدون له لواء القيادة في هذه الدورة وحامد عبد الحسين حميدي المطيري مثل أغلب (أولاد الملحة) غيرة ونخوة وطيبة قلب ومحبة للناس، مضياف تتناثر بشاشته فوق خطوات الزائرين مرحباًومحيياً يعامل الجميع بمحبة الأخ العائد من غياب طويل يستقبل الجميع بالقُبَل والأحضان ويلحّ بالسؤال عن الأحوال، إضافة إلى ذلك هو تربوي نشيط تشهد له الثانويات التي تولّى ادارتها من حسن تنظيم إلى قوة إدارة وصولاً إلى حصاد نجاحات طلبته في الامتحانات. عندما يضحك فرحاًبوصولك، تشعر بمحبته وطيبة قلبه وعندما يبكي مواساة لك أو تأثراً من حالة ما ترى نبله وصدق مشاعره، فلا تستطيع صبراً من دون أن تشاركه البكاء.. هذا الحامد الذي يقف على رأس الاتحاد في ميسان وفيها ما فيها من أساطين الأدب والثقافة الكثير، قرّرت تقديم تهنئتي له بمناسبة تجديد الثقة به ومحاورته قريباً من الكميت الشاعر وبين دروب (عواشة) وعلى ضفاف المشرح والكحلاء وعلى مسمع من (تسواهن) وعند (كسور) مضايف العمارة في المدينة أو في الأرياف.

* مبارك لك تجديد الثقة لولاية أدبية أخرى وكلّ دورة وأنت بألق

 * شكراً جزيلاً لك صديقي العزيز أيها الفارع بالجمال والمحبة والنبل، وشكراً كبيرة لأدباء ميسان على ثقتهم المطلقة بنا وبفريقنا الذي يضمّ نخبة من الأدباء المبدعين الجادّين في عطائهم وتفانيهم (د. علي كاظم داود / د. مولود محمد زايد / علي حبيب الشابي) الحظوة بتجديد الثقة حينما تضع بصمة لدى الجميع وتترك أثراً طيباً حافلاً بالكثير من العطاء والمنجز المتحقق على أرض الواقع الثقافي، حينما تتخلى عن الأنانية المفرطة التي أرهقتنا كثيراً وتهزمها بعملك المتعب لتبصر أن روحك حملت بريق الأمل للآخرين، لتغرس أنت ثقتك الذاتية وتبثها بقلب يتسع للأفق وجماله الواسع.

* كلنا يعرف أن اسم الوالد (عبد الحسين)، هل يمكن لنا معرفة اسم أمك؟

* طبعاً، لأنها محط اعتزازي دائماً اسمها رحيمة حميد التي كان لها الفضل الكبير في حياتي.

* ميسان يحرس أعاليها علي الغربي والشرقي والكميت وجنوبها العزير.. مَن يتربع وسطها؟

* مدينة الشعر والسرد والنقد، المدينة الولادة بالمبدعين في مختلف المجالات، إنها العمارة قلبُ المملكة السومرية التي نبضت بدفء الهور والبردي والمشحوف، فكلّ ما فيها هو امتداد طبيعي لإنسان يشعر بالانتماء الحقيقي.

* لماذا أعاد انتخابك أدباء وكتاب ميسان يعني، ماهي الميزة؟

* أكثر الأدباء لديهم حسّ قوي في اختيار مَن يرونه مناسباً لقيادة اتحادهم والمحافظة عليه، ولعل ّالنهضة التي ظهرت في دورتنا المنصرمة كان لها الوجه الثقافي المعروف بالاجتهاد والمثابرة من خلال طبع الكتب والمجلات المختلفة والجلسات الثقافية الرصينة وتعزيز العلاقات مع الكليات وجامعة ميسان والجامعات في العراق وخارجه، ووضع الخطة السنوية المدروسة من الهيأة الادارية... أضف إلى ذلك طيبة حامد وروحه المتفانية وتجرّده من الأنا وغلوائها، وإيمانه بأن يكون اتحاده وأدباء ميسان يحظون بكل اهتمام، فهم يستحقون لأن نتعب من أجلهم، وامتلاكهالجرأة في كل القرارات التي تصب في خدمة المصلحة العامة للاتحاد وبما ينسجم ورؤية اتحادنا.

* هل تجيد الغناء وأيّ الاطوار يغنيها ابن حميدي؟

* أكثرنا يطرب ويحب أن يستمع له ويردّد ما يسمعه من المطربين العراقيين، نغني وان خانتنا نبرة الصوت وأوتاره ولعل الطور المحمداوي الذي انتمي إليه عشيرة، هو الصوت الجنوبي الغاصّ بكل همومنا وأوجاعنا الحالمة وحززنا العميق، غنيت فعلا عندما انخرط في صفوف الطلائع في الثمانينات حينما كنت في الصف الرابع الابتدائي في مركز الشباب في وسط العمارة ضمن فرقة خاصة بأعمارنا، وحصلت على بعض الجوائز وقتها، لكن تركت ذلك بسبب انشغالي وحبي الكبير بالدراسة.

* ابن العمارة.. نخوته سريعة.. دمعته رخيصة.. هوسته حاضرة.. ضربته موجعة.. عناده يصل عنان السماء.. مضياف.. طيب.. لمن تفزع؟ وعلى من تبكي؟ ولمن تهوس؟ وتعاند من؟ ومن هم ضيوفك؟ وهل للطيبة حدود؟

* كلمة أفزع، فيها مشاكسة للذات الجنوبية محفزة وحاملة لما في دواخله من صرخة حقيقية للإفصاح عم مكنوناته وطبيعته المتجذرة، إنها تثير فينا مشاعر جمّة، أفزع للمظلوم وأحاول أن أنتصر له حتى وإن كلفني ذلك بعض الشيء، وأبكي بحرقة على نفسي حينما يخذلني بعض الذين أثق بهم، أبكي على فقدِ حبيبٍ وإنسانٍ عزيزٍ على قلبي، وأهوّس للوطن الذي ربما تتلاشى صورته الناصعة أمام عيوننا ولا نستطيع أن نلمّ شتاته، أهوس وبقلب صارخٍ ووجعٍ مؤلمٍ حتى يبحَّ صوتي، وقد جربتها مراراً في أكثر التظاهرات الشعبية والنقابية، مؤلم أن نرى الوطن يسرق ونحن نعرف السارق ولا ننتفض حتى وان انتفضنا عدنا بخفي حنين، كما لا أتصور أني في داخلي روح العناد، فالطيبة المفرطة أحياناً تصقل النفس بالجمال لتبعد العناد ومفرداته مني، أما ضيوفي فكلّ الناس أعرفهم أم لا أعرفهم، العراقي مضياف بطبيعته وبابه مفتوح والتاريخ يشهد لهم بذلك، العراقي لا يعرف البخل أمام ضيفه، وأما الطيبة هو آخر ما تبقى لدينا من أهلنا الراحلين يسمّونها طيبة أهل الجنوب وحنيتهم، وهذه مدافة في دواخلنا.

* كيف تجمع بين العمل الوظيفي وإدارة الاتحاد؟

 * هذا الأمر أحياناً تكون فيه صعوبة كبيرة فالجمع بين العمل الوظيفي وادارة الاتحاد يحددهما عامل الوقت، لأننا نحتاج الى تنظيم وقت، والوقت أحياناً يخوننا شئنا أم أبينا، لكن الطابع الذي استطعت أن أحققه هو محاولة السيطرة على أغلب الوقت وأكثره لهذين الشيئين العمل والاتحاد وعدم زجّ نفسي في تفرعات أخرى إلا ما ندر، حينما أجد وقتاً وفسحة تولد من جديد استغلها واطوعها لما في بالي.

* من هو عبد الله بن علي؟ وهل زرت مقامه يوماً؟

* عبيد الله بن علي (عليه السلام) بالقرب من قضاء قلعة صالح على بُعد أربعين كيلو متراً تقريباً من مركز محافظة ميسان، ويُعتبر من أقدم وأكبر المراقد التاريخية في المحافظة، وله مكانة كبيرة عند الناس في داخل وخارج المحافظة، وتقصده الناس للزيارة والتبرُّك وطلب الحاجات والدعاء عند قبره، وله كرامات معروفة ومتحققة لدى أهلنا، أما بالنسبة لزيارتنا له فكانت ضمن سفرة مدرسية عندما كنت مدرساً في متوسطة آمنة بنت وهب للبنات فترة التسعينات.

* ماهي اصداراتك؟

* ما صدر لي تراوح بين الشعر والنقد وهي: هجيرُ الهواجس - شعر، دار أوراق للطباعة والنشر – بغداد، المتنبي، ط 1 سنة 2017، ط 2 اتحاد أدباء ميسان 2021 / رحمُ الخواطر - شعر، دار أوراق للطباعة والنشر – بغداد، المتنبي ، ط 1 سنة 2017 / قرابين أنثى، سيكولوجية المكوّن الثقافي في الرواية والقصّة العراقية المعاصرة، نقد، / دار أوراق للطباعة والنشر – بغداد / المتنبي، ط 1 سنة 2018. / ما وراءَ الأفق.. رؤية أكثر اتساعاً في رواية قنزة ونزة، نقد / مطبعة اشرف وخلدون ط 2 / 2019./ تشظّيات الإرهاب والبُعْد الثّقافي، دراسة نقدية في رواية سبايا دولة الخلافة، نقد / 2018 / مُحلّقاً بلا أجنحةٍ، حداثوية البُعد الدالّ في شعر حبيب السامر، نقد / اتحاد الأدباء والكتاب في ميسان ط 1 / 2020. / خَارجاً من الشّرنقة، التشفير الدلاليّ في قصورة علي الإمارة، نقد / مطبعة أشرف وخلدون ط 1 / 2020. / توهّم الشعر وخانته الهزائم، ثيمة الحضور الدال في اللغة الشعرية المعاصرة، / مطبعة زاكي – بغداد ط 1 / 2019 / سأنتظر خروج الحروف الصامتة / شعر – مطبعة زاكي ط 1 / 2019 / (تغريدة الأربعاء) مقالات للشاعر ابراهيم الخياط، اعداد مشترك حامد عبدالحسين حميدي وأحمد شمس، مطبعة أشرف وخلدون - العمارة ط 1 سنة 2020. / (نوادر جحا / حكايات أيسوب / كرم حاتم الطائي) سلسلة قصص أطفال، إعداد حامد عبدالحسين حميدي، اصدار اتحاد أدباء ميسان 2020./رصاصة في عقل مجنون شعر، اصدار اتحاد أدباء ميسان، مطبعة أشرف وخلدون – العمارة. ط 1 سنة 2021. / أحلام الذبول - شعر، اصدار اتحاد أدباء ميسان ، مطبعة أشرف وخلدون – العمارة. ط 1 سنة 2021. / لن اترك طفولتي في الخزانة - قصص أطفال، إعداد مشترك، حامد عبدالحسين حميدي / فائدة حنون مجيد / علي سلمان الموسوي، اصدار اتحاد أدباء ميسان 2021. / طبق أنثى تقنية الدلالة في النص الأنثوي - دراسات نقدية، اصدار اتحاد أدباء ميسان ، مطبعة أشرف وخلدون – العمارة. ط 1 سنة 2022، ولدي مخطوطات أخرى تصل تقريبا 12 مخطوطة لم تر النور لحد الآن.

* كم مطبوعاً صدر خلال دورتكم الأولى من الكتب والمجلات؟

* من الكتب اصدرنا 125 كتاباً بين الشعر والسرد والنقد والاجتماع والدين وغيرها، أما بالنسبة للمجلات فقد اصدرنا 47 مجلة منها 30 مجلة ميشا التي تعنى بثقافة الطفل و3 مجلة ميشانيون الفصلية للشباب و2 مجلة انخيدوانا التي تعنى بالفكر النسوي و 12 مجلة أطفال بين القصص والشعر والمسرح لأدباء عدّة.

* من هم أصدقاؤك في ميسان؟

* كثيرون هم الأصدقاء الذين أعتز بهم، ليس في ميسان وإنما في محافظات العراق والوطن العربي، فهو يشكلون ديمومة الحياة الحقيقة التي أعمل على تعزيزها وتقوية رابطها من خلال السؤال المستمر عنهم، ولا يمكنني أن أحدّد واحداً منهم، لأنهم يتربعون على القلب في كل الأوقات.

* هل تأخذك أحياناً الأمور العشائرية وتشارك بها أحياناً؟

* رغم الانتماء العشائري وما يمثله من ارتباط صميمي مع أبناء جلدتك وعمومتك، إلا أنني أميل الى تغليب روح المدنية، وهذا لا يعني أنني ألغي العشيرة، لا... ابداً، فالعشيرة لها روح الماضي ونكهتها التي لا يمكن أن ننسلخ منها لاعتبارات قيميّة ففيها تقاليد متوارثة عن الآباء والأجداد وهي ما تزل تمنحنا العطاء والتسامح والكرم والأخلاق الحميدة.

* هل تذكر الحبّ الأول؟ وكم كان عمرك؟

* نعم، مازلت أتذكر ذلك جيداً عندما كنت في المتوسطة وحاولت ان أحظى بعطف ابنة الجيران حينما كتبت رسالة ورقية وسلمتها اليها باليد وأنا أرتجف من الخوف حتى ضربات قلبي كانت متسارعة جداً لدرجة لم أستطع السيطرة على نفسي سلمتها وهربت، لكن لم تفت سوى نصف ساعة لتخبر أختي بما فعلته، لأدرك أن تصرفي في عمر 13 سنة كان خطأً وفيه طيش ومراهقة.

* ماهو الفرق بين الطابك والسياح؟ ولماذا يفضل أهل العمارة (البني) على غيره من السمك؟

* الطابك نوع من الخبز، ومشهور لدينا في الجنوب، يؤكل مع السمك المشوي، وعجينته من طحين التمن، ويكون أكثر سمكاً وأقل تماسكاً من عجينة الخبز العادي، يوضع الطابك على مساند طينية تسمى مناصب، بينما خبز السيّاح أيضاً يستخدم فيه طحين التمن لكنه يكون رقيقاً ومتماسكاً ويحضّر مع أكلة السمك أو البيض أو القيمر.

أما بالنسبة لسمك البني فهو الأكثر عيشاً في الأهوار ونهر دجلة رغم قلته في الفترة الأخيرة بسبب تعرض الأهوار والأنهر الى الجفاف وانحسار المياه إلا أنه ما زال حاضراً في موائد مضايف وبيوت الجنوب لما يمثله من نكهة خاصة وطعم متفرّد.

* من هي ملهمتك؟ وكم قصيدة كتبت لها؟ وأهم ما قلت فيها؟

* والله لو أعفيتني من هذا السؤال لكان أفضل لي لما فيه من احراج في الوقت الحاضر، لكن عندما نلتقي سيطول الحديث طبعا أمامك..

* هل في اتحاد أدباء ميسان مَن هو أحق منك بتولي القيادة؟

* نعم، هناك رعد زامل وأحمد شمس ود.علي كاظم داود و د. مولود محمد زايد وصادق الدراجي والوليد خالد وعلي حبيب الشابي والقائمة تطول بأدباء مخلصين لاتحادهم طامحين لتحقيق الكثير من العمل النقابي والثقافي، لما يمتلكونه من خبرة ادارية تؤهلهم للعمل في هذا المجال المهم، وسترى بأمّ عينك واحداً من هذه الأسماء الرصينة يقود إدارة الاتحاد.

* ماهو أجمل نصّ كتبته في هذا العام؟

قصيدة (حُسَـــينٌ سَـــيّدي لا مَجْــدَ يَبْقى) التي أقول فيها :

وَيدعُـــــوْنِي للقيَاكَ اشـــــتـيـاق ٌ

لِتُرْبِكَ ينتـَـــمِي كُـــلُّ اشْـــتـيَاقي

وَمِن ذَهَــبِ القِبَابِ رَأيـتُ نُــوْراً

تفجّرَ حَامِــــلاً ضَــــــوْءَ انبِثـاقِ

وَمِنْ دَمِكَ المُخَضّبِ فيْضُ رُوْحٍ

تُعــــاقِرُها الأســـــــنّةُ بِالـــعِنَاقِ

فمَا زَالَتْ سِــــــــيُوفُهُم خَــرَابـاً

وَمَـــوتــاً صَـــــارِخاً لا حَقَّ باقِ

وَمَا زِلْــتَ الحُسَـــــيْنُ لِكـلِّ بيتٍ

تُعَانِــقُـــــه اليَتَامَــــــى باسْتـباقِ

وَقـَـد لَاذُوا صِــغَــاراً أوْ كِــــبَاراً

عَلى ضَــوْءٍ يشــعُّ مِنَ المُــحَاقِ

وَإنْ جَاعُــــوا فَـفِــي كَفِّ العَرَاءِ

رَغِيْفٌ سَـــــاكِـــنَاً وِسْــعَ المَآقي

أرادُوا مِنْ نبــِـــيٍّ ذبـْحَ فِكْـــــــرٍ

وفِكْرُك سَـــــيّدي دَرْبُ انْطِــلاقِ

صَـــهيلُ الرّيحِ تُوْشِــــمُها دِمَاءٌ

عَلَى سَـــيْفٍ تَهــجَّى باحْــتِـرَاقِ

فيَا رُوحَ الإبا مَــا زِلْـتَ نَصْـــرَاً

يشقْشِــــقُ ضَــارِباً ليلَ انْفِــلاقِ

نُجـَــــــدّدُ عَهْــدَنا فِي كُــلِّ عَـامٍ

وَنُســـقِــيه بنَبـْـضٍ مِــنْ وِفَــاقِ

عَلى ثقْلِ السّــيوفِ المَوتُ يعْلُو

قـِتـالاً يَنْبـــــشُ الوَجَعَ العرَاقي

وَهَذا الفَــجـْرُ يُوْلَـــــدُ مِنْ مَنايا

عَلى أفْـــقٍ تــمَــــدَّدَ فِي الحِدَاقِ

وَإنّ الحَامِــلينَ العَـــدْلَ لــبُّـــوا

ألا مِنْ نَاصِرٍ؟ صَـــوْتَ اللِـحَـاقِ

وَمَا حـَفَّــتْ مَــنَايا الكَــــوْنِ إلا

لِتحفرَ قبـْـــرَها وَالمَــجـْــدُ بـاقِ

وَرُمـــحُك رَاكِـــزٌ فِي بطْنِ ظُلمٍ

   تجَـــرَّعَ بالأسَــى وَالصَّبرُ سَاقِ حتُــُـوْفٌ حَـــاولتْ لَكـِـنْ تشَـــظَّتْ

   بخَـــيْلٍ ألْجَـمتْ جَيــشَ النِّــفَـاقِ حُسَـــينٌ سَـــيّدي لا مَجْــدَ يَبْقى

  سِــوَى مَجْــدِ الشّــهَادَةِ والعراقِ.

* ماذا تعني لك المرأة؟ وكيف تردّ في شعرك؟

* المرأة تعني الكثير للرجل فكيف بك إن كنت شاعراً أو فناناً، إنها الجمال الذي يكمّل ما في داخلك ويحرضك على الكتابة لتمنحك جناحين تحلّق بهما الى سماوات ولحظات التعبّد الشعري، إنها الوحي المرسل الذي يغذّيك بكلّ هدوء وضجيج وسكينة وصخب، والراحة النفسية والقلق المستمر.

* متى كتبت الشعر؟ وكيف تعلمته؟

* منذ كنت في الصف الخامس الابتدائي وأنا أحفظ للشاعرين الكبيرين عبدالرزاق عبدالواحد ومحمد حسين آل ياسين، كنت أقتطع قصائدهما من الجريدة وأحتفظ بهما في دفتر خاص وكنت أقرأ لهما خلال مراسيم رفع العلم العراقي يوم الخميس، وكان لأستاذي الفاضل صبيح زهراو الموسوي الفضل الكبير، لأنه كان يحرضني على الحفظ والقراءة، أضف الى أن والدي "رحمه الله" كان لا يبخل عليّ بأيّ مبلغ مالي كي أشتري الكتب، أما بداياتي فكانت في الصف الرابع الإعدادي في إعدادية الثورة للبنين، وتطوّر لدي من خلال نصائح ابن العم القاص والروائي عبدالكريم حميدي "رحمه الله" لطالما شجعني على الكتابة والاطلاع على أشعار المجيدين، لتزهر بداياتي الحقيقية وتأخذ مسارها في الصف الخامس الأدبي من خلال النشر في بعض الصحف العراقية منها الجمهورية والقادسية والعراق آنذاك.

* سأعرض لك خمسة أسماء اذكر أجمل ما في كلّ شخص منهم بجملة..

١. محمد رشيد: انسان مثقف وحريص على اسمه حقق لنفسه حضوراً كبيراً في العراق والوطن العربي.

٢. صباح السيلاوي: صحفي كبير وبارع في الاقناع وله يد الفضل في مساعدة أدباء والأخذ بأيديهم الى دكة الأدب.

٣. عبد الحسين بريسم: الشاعر الجميل والأنيق بحضوره وبما يمتلكه من أسلوب شعري جعله حاضراً أمام الجميع.

٤. جبار البيضاني: قاص وروائي واسم كبير وكارزما قويّة عُرف بسرده الكوميدي الساخر ونقده اللاذع لما يدور حوله بطريقة متفرّدة.

٥. جمعة الدراجي: شاعر له حضوره الابداع متمكن من أدواته اللغوية والفنية بارع في تشكيل صورته الشعرية بكلّ انسيابية.

* متى تعود لبيتك كلّ يوم؟

* يعود ذلك حسبما دوّنت له من توقيتات في برنامج عملي اليومي، لكن في الأغلب عودتي تتراوح بين الثامنة الى الحادية عشرة ليلاً.

* هل تلتزم دائما بالمواعيد؟

* نعم، معروف بأني ملتزم بالوقت حدّ السيف، لأنني احترم الوقت والموعد المحدّد، وانزعج في حالة عدم التزامي إن حدث عائق أمامي لدرجة الاعتذار للجيمع.

* هل تتفهم أم البيت انشغالاتك وتعذر اهمالك لها ولبيتها؟

* شيء أكيد، وهي تراعي ظرف وارتباطاتي بمهام إدارة الاتحاد غالباً، لكن يبقى قلق العائلة مستمر في حالة التأخر الشديد، بسبب ما يمرّ به العراق من وضع أمني حرج.

* لماذا لم يكن ضمن الفائزين امرأة؟

* نحن ندعم المرأة في علمنا وبكل قوّة، لكن لم يك من المرشحين امرأة بسبب عدم توفر الرغبة الكاملة لدى أديبات ميسان وهنّ من القلة جداً، فهذا العمل يحتاج الى وقت وجهد وتواجد وحضور كبير.

* هل تفكّر بالرحيل؟

* في داخلي، نعم لي رغبة ملحّة بمغادرة وطني بسبب الضياع والشتات ومجهولية الغد وما يمرّ به العراق حالياً من فوضى ومشكلات كبيرة، العراقي يرغب بالهدوء والاستقرار وراحة البال، لأننا خضنا تجارب سياسة قاسية وصعبة استنزفت كل طاقة الشعب ومقدراته.

* هل أثقلت عليك؟

* لا، لقد كنت خفيف الظل جميل الطرح مشاكساً نوعاً ما لكنها مشاكسة تحفّز الكاتب على اخراج ما في داخله من جماليات، أنت رائع لكلّ سؤال تطرحه، لما تمتلكه من قدرة وبراعة دالة على ماهية السؤال المحرض على الإجابة، شكراً لك من القلب ولجمال محبتكم لنا.

* ودعته وهو مشغول بسيل التهاني عبر الرسائل والاتصالات وهو يرد عليها بكل ماخزنت ذاكرته من شكر وكلمات جميلة تقال في هذه المناسبات وكان من حقه ان يكون فخورا بنفسه حيث تم اختياره رئيسا لاتحاد كتاب وادباء ميسان وسط اسماء معروفة من الشعراء والكتاب اصحاب البصمة المؤثرة على الحياة الادبية في ميسان وعموم العراق خصوصا وان الدورة حملت اسم الراحل الكبير الشاعر حسب الشيخ جعفر.

***

حاوره : راضي المترفي

.....................

* الصورة للشاعر حامد عبد الحسين

 

* المؤسسة الدينية الفقهية ترى في نفسها مؤسسة مصدرة للحقيقة.

* العالم العربي يعيش على وقع مأزق خانق وعلى وقع هزيمة شعواء

باحثة وأكاديمية تونسية متخصصة في اللغة والحضارة العربية (أديان مقارنة)، مهتمة بالنصوص المقدسة. تشغل منصب أستاذة التعليم الثانوي المميز. لها مجموعة من المنشورات، من بينها: "داود في الثقافة العربية: الثوابت والتحولات" سنة 2008 و"العشق في النصوص المقدسة" سنة 2018 و "اللذة في النص الديني المقدس".

نناقش معها علاقتها بتخصصها "علم الاديان المقارن" ومستقبل البحث العلمي في تونس وتأثير الايدولوجيا على عمل الباحث..

* لنبدأ من تخصصك في علم الاديان المقارن واختيارك لهذا الموضوع دون غيره؟

- تخيرت علم الأديان المقارن لثلاثة أسباب أجملها في النقاط التالية

أولها..ندرة هذا التخصص خصوصا في جامعاتنا التونسية إذ تكاد تكون كلية الآداب بالقيروان المؤسسة الجامعية الفريدة التي احتضنت هذا الاختصاص بعد كلية الآداب والإنسانيات بمنوبة.

ثانيها..الرغبة الملحة في كنه جوهر معتقد الآخر المغاير دينيا لتبين معاقد النسب ومواطن الاختلاف بين الديانات والمعتقدات.

ثالثها..أنه علم الإنسان، إذ هو العلم الذي يعرف المرء على قيمة الدين في حياته ومرتكزاته. وما أحوج المرء إلى معرفة ذلك في عالم متناحر، خصوصا وقد فاته أن يؤمن أن الدين يوحد أبناء الأمة ولا يفرقها.  4522 زهرة الثابت

* قراءة النص الديني هل مازالت قاصرة عن ايصال المفهوم الحقيقي للمعنى الكامن في النص؟

- لا.. قراءة النص وخصوصا من وجهة نظر مقارنة إنما تجاوزت هذا الإطار إلى أفق أرحب فجعلت النص الديني نصا يحتمل التأويل ونصا ينفتح على القراءات المتعددة للنص الديني، إيمانا بأن الحقيقة مفهوم صلف لا يمكن محاصرته خصوصا في نصنا القرآن الكريم لسر إعجازي في النص ذاته. لقد باتت قراءة النص الديني وسيلة لكنه فكر الآخر المغاير دينيا.

* علي أي أساس تتم قراءة النص وتفسيره؟

- قديما كان الفقهاء لا يفسرون النص إلا بتنزيله في سياقه التاريخي والتفسير إما أن يكون بظاهر النص أو بباطنه، حتى بتنا نميز بين تفسير نقلي وآخر عقلي وقد أتاح التفسير النقلي للمفسر الفرصة للاستنارة بالإسرائيليات والأساطير والأخبار والأحاديث بصحيحها وربما موضوعها لأن النص التأسيسي كان نصا ملغزا صامتا في العديد من المواضع فكان لا بد من سد هذا الفراغ في نص القرآن الكريم بالاستعانة بمثل هذه النصوص الروافد حتى باتت هذه التفاسير بحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر. بل بات من الضروري توسل مناهج علمية حديثة في مقاربة النص الديني كالمنهج التحليلي والمنهج التفكيكي والمنهج السيميائي والمنهج المقارني وغيرها من المناهج الحديثة.

* هل يستوجب على المثقفين في هذه المرحلة تغيير أدواتهم أو استعادتها من جديد وإعادة بنائها نقديا؟

 - نعم صار من الأهمية بمكان أن يغير المثقفون أدوات التعامل مع النص الديني خصوصا في هذا الزمن الذي نخر الإرهاب فيه جسم الأمة العربية باسم الدين لسوء فهم للنص ثبتت معالمه المؤسسة الدينية الفقهية التي ترى في نفسها مؤسسة مصدرة للحقيقة.

* كل بيئة تخلق فكرًا يناسبها أم انها تتبنى فكرا من خارجها ما هو الممكن وغير الممكن في هذا الموضوع؟

- الفكر بنظرنا هو وليد البيئة الحاضنة له ولكن لا نرى ضيرا في الانفتاح على الفكر المغاير لأن الآخر قدرنا ولا مهرب لنا منه ولا ضير أيضا أن نستفيد من هذا الفكر المغاير بما يتماشى وهويتنا العربية الإسلامية. وبما يخدم مصالح الأمة.

* ما مستقبل البحث العلمي في تونس سواء كان عن طريق ما تقدمه المؤسسات والمراكز او البحاثة كأفراد؟

- يبدو لي أن البحاثة التونسيين يخطون خطوات جادة في مجال البحث ودليلي على ذلك بعض العناوين المنجزة واللافتة سواء في مجال الأدب أو الحضارة أو حتى العلوم والجوائز التي أحرز عليها بعض التونسيين المبدعين (جائزة كاتار للرواية الأزهر الزناد مثلا..). مما يشي بأن مستقبل البحث العلمي واعد رغم عديد العقبات التي تواجه الباحث من نحو ندرة بعض المراجع وخصوصا باللسان الأجنبي أو قلة الموارد المرصودة لنشر الأبحاث أو تجهيز بعض مراكز البحث خصوصا بالمؤسسات الجامعية.

* ماهو مصدر التابوهات وهل للمجتمع التونسي تابوهات خاصة به؟

- التابو أوالمحرم إنما يتخلق داخل النص الديني المؤسس أي داخل نص القرآن فأنت لو تقفيت أثر الآيات القرآنية لوجدت أن المحرم ظل ملازم للحلال، وأن عبارة "حرمت عليكم" قد تواتر حضورها في النص بصورة كثيفة لأن الحلال لا يستقيم إلا بإزاحة الحرام. ثم صارت المؤسسة الدينية الفقهية هي المسؤولة عن التحريم ليصبح بعد ذلك القانون هو مصدر التحريم. والمجتمع التونسي له تابوهاته التي أقرها القرآن أولا وعززها التشريع القانوني ثانيا.4521 زهرة الثابت

* التحرر من الايدولوجيا لدى الباحث إلى اي حد يكون مهما وأساسيا؟

- الإيديولوجيا هي الأفق الذهني الذي "يجد الفرد فيه كل العناصر التي يركب منها أفكاره في صور متنوعة .. هي مرتعه الذهني والمنظار الذي يرى به ذاته ومجتمعه والكون كله" كما يقول عبد الله العروي، والإيديولوجيا اخترقت كل مجالات الحياة حتى صرنا نتحدث عن إيديولوجيا سياسية وإيديولوجيا ثقافية وإيديولوجيا دينية وإيديولوجيا اقتصادية وغيرها. وعليه إذن فهي الظل الملازم للمرء وقدر المفكر. ولكن التحرر من الإيديولوجيا ضروري في البحث العلمي حتى نأمن دراسة علمية موضوعية، ولن يكون ذلك يسيرا ما لم يتخلص الباحث من انطباعاته الذاتية وما لم يختبر معارفه بتوسل منهج من المناهج العلمية الحديثة.

* الثقافة العربية دائما ما تصنع أصنامها ليتحول باقي من يعملون في الحقل الثقافي إلى عبيد لهذه الأصنام هل تحررت الساحة التونسية من هذه الأصنام أم أنها مازلت تدور في فلكها؟

- الإنسان هو الذي يصنع الصنم إما لانبهار بكاريزما شخص ما أو لإحساس بضعف يخفيه بين جوانحه فيرغب رغبة ملحة في طلب الأمان الذي لا يجده بنظره إلا في هذا الصنم الذي يخلقه، وصناعة الصنم هو مأزق كل الشعوب العربية وهو ليس صنم ثقافي بالأساس فلكل مجال صنمه الخاص به غير أننا نزعم أن حرية التعبير التي أقرها الدستور في تونس بعد ثورة الربيع العربي قد أسهمت إلى حد ما في التحرر من سلطة هذا الصنم.

"فلا يوجد برأينا "صراطات مُستقيمة"، ولكن توجد تأويلات مُتنوعة لفهم النص الديني المُقدس تفرضها معطيات الواقع السياسي والبيئي والاقتصادي والثقافي " علي المرهج

* علي أي أساس تتم قراءة النص وتفسيره؟

- نصنا القرآني نص صالح لكل زمان ومكان، وديننا الحنيف دين يسر وليس دين عسر، وأعتقد أن قراءة النص وتفسيره وفهمه ينبغي أن تراعى فيه مصالح الأمة، فيكون التفسير يسيرا واضحا خادما للإنسان في حياته الدنيا لا سيفا مسلولا على الرقاب.   

* راهن الهزيمة العربي الذي نعيشه في كل مجالات النهضة ومنذ سنوات الا من حل لتجاوزه؟

- العالم العربي بأسره يعيش على وقع مأزق خانق وعلى وقع هزيمة شعواء تفاقمت وطأتها خاصة بعد ثورة الربيع العربي المزعوم وراحت ضحيتها الأوطان والشعوب التي تراجعت القهقرى جراء تكلس في العقل العربي وعجز في القدرة على التفكير فضاعت قيمة الإنسان وبتنا نعيش التناحر والفتن والتكفير والتقتيل جراء سوء فهم للنص والحل لتجاوز وضع الهزيمة هذا بنظري إنما رهين مصالحة للإنسان مع ذاته ورهين إعادة الاعتبار إلى إنسانية الإنسان ولن يتسنى لنا ذلك إلا بالتعامل المرن مع النص وتوظيفه لخدمة الإنسان. لا بد من فتح عقلي جديد يؤمن بالإنسان أولا وأخيرا ويؤمن بقيم التسامح والتحابب وقبول الآخر المغاير دينيا حتى نأمن غائلة العدوانية. إضافة إلى أن الحاجة إلى بناء فكر منفتح على تجارب الآخر والإفادة من سر تقدمه تغدو حاجة أكيدة لا شك للأخذ بأسباب الحضارة.

***

حاورها: محمد القذافي مسعود / كاتب وصحفي مستقل من ليبيا

الإبداع هو الشيء الذي يولد من انين المعاناة، نتيجة الظروف القاهرة، بالرغم من الخراب والاذى الذي حل به وبمدينته سنجار الواقعة غرب محافظة نينوى، استطاع الكاتب عماد علي السنجاري، من إصدار كتابه "سنجار بين الطفولة والجبل"، يتناول الكتاب مذكرات وقصص عن مدينة سنجار وما جرت فيها من أحداث، وكيف كانت هذه المدينة قبل الأحداث مدينة كل الاطياف والقوميات، تحمل هوية عراقية واحدة.

*عن بداياتك بمن تأثرت من الأدباء وكانوا يعيشون في مكتبك؟

-"عمو علي" والدي الأديبُ بالفطرة، الذي بفضله خُصب خيالي وتوسعت دائرة تفكيري، فهو يحمل إرثاً عظيماً عن تاريخ مدينتنا وكذلك يحفظ كل الحكايا الشعبية تلك الحكايات الفتنازية التي لا تسمعها إلا في سنجار،أما الأدباء اصحاب الكتب والمؤلفات فهم كثر وتأثرت بالكثيرين منهم ومكتبتي تحتضن أعظم الأدباء ولا نذكر الأسماء حتى لا نغبن حق أحد.

*احد الأدباء "إن الأدب هو أفضل ما تم اختراعه للوقاية من التعاسة" هل نستطيع الجزم بأن الأدب لايزال يكتسب نفس الدور في التأثير على المجتمع؟.

- لعلي أختلف مع الأديب حين قال اتهم الأدب على أنه شيء، تم إختراعه فالأدب غريزة إنسانية أزلية خُلقت بتلك اللحظة التي خُلق فيها الإنسان، شخصياً أجزم بأن الأدب له دور مؤثر ثابت على المجتمع.

* لكل شيء دافع، من الذي دفعك على الخوض في عالم الكتابة ؟.

-هم أشخاص وأحداث وظروف كثيرة. كنت دائما اجد ان الكتابة هي الخلاص من كل الخراب حولنا، لكن الذي أعطاني القارب والمجاديف ودفعني لأبحر في مشوار الكتابة هو الأستاذ أضحوي الصعيب له الفضل من قبل ومن بعد.

* المرأة قيثارة لا تبوح إلا لمن يحسن مناجاتها، ماذا تقول للمرأة في كتاباتك؟

- المرأة هي مداد القلم ومادة الحرف وأصل تكوينه وإنني لأعجب كيف يمكن أن يُكتب نصٌ جميل دون ان تتبختر المرأة بين حروفه.

* "سنجار بين الطفولة والجبل "، كم هائل من الذكريات والاوجاع، ما الرسائل او القضية أردت تتبناها عبر مشروعك الأدبي؟

- جميع القصص المكتوبة في هذا الكتاب وحتى قصص المشاغبات مع النساء وقصص الحب لها هدف واحد وهو ان يطلع الناس على المجتمع السنجاري وان يتعرفوا عليه وان يعرفوا ان سنجار مدينة جامعة لكل القوميات والاديان والمذاهب وليست مدينة لطائفة معينة دون غيرها.

* شهدت نينوى بعد تحريرها حراكا ادبياً وثقافياً، هل أسهم هذا الحراك في ولادة جيل جديد من الكتّاب والأدباء؟، ماذا تقول ملتقى الكتاب الثقافي؟

- نعم. نينوى رحمٌ خصب دائم الولادة، لكن بعد التحرير توجهت أنظار العالم كله عليها، بعد ان كانت في سُبات قسري فُرض عليها سواء بسبب الأرهاب أم لأسباب أخرى.

 بالنسبة لي ملتقى الكتاب الثقافي هو الملاذ الذي يلوذ به كل من راودته نفسه على الخوض في المجال الأدبي والثقافي،ولهذا الملتقى بصمة بل بصمات كثيرة بنشر الثقافة في نينوى وتصدير ثقافتها للخارج.

* الكاتب او الشاعر مترجم الكلمات، ماذا تترجم هذه الكلمات (الايام، الام، الجبل، الحرب، الفراق، الكتابة)

- أما الأيام.

فهي تُلون على حسب طموح الشخص وعزيمته على الإنجاز فإذا كان الشخص ذو همة وصاحب طموح تخضع له الأيام وتهيء له أسباب النجاح. لكنها تغدر أحيانا وعلى المرء ان يكون حذراً معها.

وأما الأم..

فحسبي من الكلام أن أقول إنها أساس البيت وقاعدته.

وأما الجبل.

الجبل ذلك الشيء العظيم الذي سلب فؤادي منذ طفولتي.. لونه الأزرق، تضاريسه الغريبة، ثباته، هيبته، اسمه المحفور بوجداني، لا أبالغ ان قلت كانت زيارة الجبل ورؤيته من قريب اول امنياتي الجبل بالنسبة لي إلهام.

الحرب.

في المعادلة الحياتية كل شيء بين طرفين يعتمد على الربح والخسارة الا في الحرب (المنتصر خاسر والمهزوم خاسر).

الفراق.

يقينٌ لا مناص منه مثله مثل الموت وشخصياً جربت كل أنواع الفراق.

الكتابة.

مخاض عسير جدا لا يشعر به القارئ، القارئ له الجاهز، بينما الكاتب اذاب روحه في حروفه وجمع وضرب كل اوجاعه ببعضها ليكتب نصاً يفرغ فيه ما تكابده نفسه، لأن الكتابة لا تخرج الا من رحم الألم.

***

حاوره :عمر الصالح

أجرى الحوار: ديفيد بارسامين

ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

***

بينما كنت أقرأ مقابلة اليوم بين ديفيد بارسامين من راديو ألترنتيف و نعوم تشومسكي الرائع، الذي يبلغ الآن 93 عامًا ولا يزال كثيرًا في عالمنا، كان لدي نوع من وميض "الذاكرة". تساءلت عما كان سيفكر فيه توم إنجلهارت في العشرينات من عمره في هذا الكوكب الأكثر تطرفًا إذا صح التعبير، كما هو الحال في إحدى روايات الخيال العلمي التي قرأها بشغف، قد تم نقله لأكثر من نصف قرن في المستقبل لهذا الكوكب الأمريكي جدا. وأنت تعرف بالضبط البلد الذي أعنيه.

من المسلم به أن توم لم يفكر في أمريكا في الستينيات - وقبل كل شيء حرب بلاده المروعة في فيتنام - أي شيء يتباهى به. ومع ذلك، كيف سيشعر ليجد نفسه في أرض يعتقد معظم أعضاء حزب رئيسي واحد، على أساس لا شيء، أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت "مسروقة" بكل معنى الكلمة ؛ بلد مليء بشكل متزايد بالميليشيات المتطرفة ؛ شخص قضى أربع سنوات مع رئيس مجنون ومهووس وينوي على ما يبدو خوض مواجهة مرة أخرى ضد جو بايدن الذي سيبلغ 82 عامًا في عام 2024. نحن نتحدث عن مرشح يمكن أن يحول الولايات المتحدة إلى دولة فاشية في حال فوزه - أو حتى ادعى بطريقة ما خسارته في الانتخابات. (بصراحة، عند الحديث عن الماضي، لماذا لم تفعل كل تلك بيج ماك وبرغر ويند؟)

وهذا، بالطبع، سيكون مجرد مقدمة لكوكب - ننسى الحرب التي لا تزال مستمرة في أوكرانيا وسط مخاوف متزايدة من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يفكر في استخدام الأسلحة النووية لأول مرة منذ إخراج هيروشيما وناغازاكي في عام 1945 أسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بشهر، الأخبار تزداد سوءًا. لا يهم كثيرًا ما إذا كنت تتحدث عن موجات الجفاف والحرائق والفيضانات والعواصف وذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحر، سمها ما شئت، لأنه في هذه الأيام يبدو أنه لا يوجد رعب قد نحلم به لا يمكن أن يصبح حقيقة.

في مثل هذا السياق، اسمحوا لي أن أقدم الشاب توم إنجلهارت إلى الفرسان الأربعة في نهاية العالم في القرن الحادي والعشرين، وأترك الأمر لنعوم تشومسكي، الذي قابله ديفيد بارسامين الرائع في كتابه الجديد، ملاحظات حول المقاومة، ليخبرنا أين، في مثل هذا العالم، قد لا يزال الأمل يكمن.

 ديفيد بارسامين: غالبًا ما يوصف ما نواجهه بأنه غير مسبوق - وباء، وكارثة مناخية، ودائمًا ما يكمن في مركز الصدارة، الإبادة النووية. ثلاثة من الفرسان الأربعة في سفر الرؤيا.

نعوم تشومسكي: يمكنني أن أضيف أمرًا رابعًا: التدمير الوشيك لما تبقى من الديمقراطية الأمريكية وتحول الولايات المتحدة نحو دولة استبدادية للغاية، وفاشية أيضًا، عندما يعود الجمهوريون إلى مناصبهم، وهو ما يبدو مرجحًا . هذه أربعة خيول يمكن أن يمتطيها أي مجنون.

وتذكر أن الجمهوريين هم حزب الرفض، الملتزم بالسباق إلى تدمير المناخ مع التخلي عن يد كبير المدمرين الذين يعبدونهم الآن مثل نصف الآلهة. إنها أخبار سيئة للولايات المتحدة والعالم، بالنظر إلى قوة هذا البلد.

 ديفيد بارسامين: أصدر المعهد الدولي للديمقراطية والانتخابات للتو تقرير حالة الديمقراطية العالمية لعام 2021 . ويقول إن الولايات المتحدة بلد "تتراجع فيه الديمقراطية".

نعوم تشومسكي: هذا الأمر شديد الخطورة. إن الحزب الجمهوري يكرس نفسه علانية - حتى أنه لم يتم إخفاء رغبته في تقويض ما تبقى من الديمقراطية الأمريكية. إنهم يعملون بجد على ذلك. منذ أيام ريتشارد نيكسون، أدرك الجمهوريون منذ فترة طويلة أنهم حزب أقلية في الأساس ولن يحصلوا على أصوات من خلال الإعلان عن التزامهم المنفتح على نحو متزايد برفاهية المتعصبين وقطاع الشركات. لذلك فقد قاموا منذ فترة طويلة بتحويل الانتباه إلى ما يسمى بالقضايا الثقافية.

بدأ الأمر بإستراتيجية نيكسون الجنوبية. لقد أدرك أن دعم الحزب الديمقراطي لتشريعات الحقوق المدنية، مهما كان محدودًا، سيفقدهم الديمقراطيين الجنوبيين، الذين كانوا عنصريين متطرفين بشكل علني وصريح. استفادت إدارة نيكسون من ذلك من خلال إستراتيجيتها الجنوبية ملمحة  بمهارة، إلى أن الجمهوريين سيصبحون حزب التفوق الأبيض.

في السنوات اللاحقة، تناولوا قضايا أخرى. إنه الآن التعريف الافتراضي للحزب: لذلك دعونا نجري على مهاجمة "نظرية العرق الحرجة" - ما يعني ذلك! إنه مصطلح تغطية، كما أوضح المتحدثون باسمهم، لكل شيء يمكنهم حشد الجمهور عليه: تفوق البيض، والعنصرية، وكراهية النساء، والمسيحية، وحقوق مناهضة الإجهاض.

في غضون ذلك، تعمل القيادة، بمساعدة المجتمع الفيدرالي اليميني، على تطوير الوسائل القانونية - إذا كنت تريد أن تسميها كذلك - لكي يضمن الجمهوريون، حتى بوصفهم حزبًا أقلية، أنهم سيكونون قادرين على السيطرة على جهاز التصويت ونتائج الانتخابات. إنهم يستغلون السمات غير الديمقراطية جذريًا المبنية في النظام الدستوري والمزايا الهيكلية التي يتمتع بها الجمهوريون كحزب يمثل المزيد من السكان الريفيين المتناثرين والسكان القوميين البيض المسيحيين تقليديًا. باستخدام مثل هذه المزايا، حتى مع وجود أقلية من الأصوات، يجب أن يكونوا قادرين على الحفاظ على شيء مثل القوة شبه الدائمة.

في الواقع، قد لا يدوم هذا طويلاً إذا تولى دونالد ترامب، أو أحد نسخه، الرئاسة في عام 2024. ليس من المحتمل إذن أن الولايات المتحدة، ناهيك عن العالم، ستكون قادرة على الهروب من تأثير المناخ و التدمير البيئي هم ملتزمون بالتسريع.

 ديفيد بارسامين: لقد رأينا جميعًا ما حدث في واشنطن يوم 6 يناير. هل ترى احتمال انتشار الاضطرابات المدنية؟ هناك العديد من الميليشيات في جميع أنحاء البلاد. أدلى النائب بول جوسار، عن ولاية أريزونا العظيمة، والنائبة لورين بويبرت، من ولاية كولورادو العظيمة، من بين آخرين، بتصريحات تهديد تحرض على العنف والكراهية. الإنترنت مليء بنظريات المؤامرة. ماذا يجب أن نفعل؟

نعوم تشومسكي: إنه أمر خطير للغاية. في الواقع، ربما يعتقد ثلث الجمهوريين أو نحو ذلك أنه قد يكون من الضروري استخدام القوة "لإنقاذ بلدنا"، على حد تعبيرهم. "أنقذ بلدنا" له معنى واضح. إذا لم يفهم أحد ذلك، فقد أصدر ترامب دعوة للناس للتعبئة لمنع الديمقراطيين من إغراق هذا البلد بإطلاق سراح المجرمين من السجون في أراض أخرى، خشية أن "يستبدلوا" الأمريكيين البيض وينفذون تدمير أمريكا. نظرية "الاستبدال العظيم" - هذا ما تعنيه عبارة "يسلب بلدنا" ويتم استخدامها بشكل فعال من قبل العناصر الفاشية البدائية، وترامب هو الأكثر تطرفاً والأكثر نجاحاً.

ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟ الأدوات الوحيدة المتاحة، شئنا أم أبينا، هي التعليم والتنظيم. لا توجد طريقة أخرى. إنه يعني محاولة إحياء حركة عمالية أصيلة من النوع الذي كان، في الماضي، في طليعة التحركات نحو العدالة الاجتماعية. كما يعني تنظيم حركات شعبية أخرى، والقيام بجهود تثقيفية لمكافحة الحملات القاتلة المضادة للقاحات الجارية الآن، والتأكد من وجود جهود جادة للتعامل مع أزمة المناخ، والتعبئة ضد التزام الحزبين بزيادة الإنفاق العسكري الخطير والاستفزازي. الإجراءات ضد الصين، والتي يمكن أن تؤدي إلى صراع لا يريده أحد وينتهي به المطاف في حرب نهائية.

عليك فقط الاستمرار في العمل على هذا. لا توجد وسيلة أخرى.

 ديفيد بارسامين: يوجد في الخلفية التفاوت الشديد، وهو خارج المخططات. لماذا الولايات المتحدة غير متكافئة إلى هذا الحد ؟

نعوم تشومسكي: حدث الكثير من هذا في السنوات الأربعين الماضية كجزء من الهجوم النيوليبرالي على أمريكا والذي شارك فيه الديمقراطيون أيضًا، ولكن ليس بالقدر الذي شارك فيه الجمهوريون.

هناك تقدير دقيق إلى حد ما لما يسمى نقل الثروة من أقل 90٪ من السكان إلى أعلى 1٪ (في الواقع، جزء منهم) خلال العقود الأربعة من هذا الهجوم. وقدرت دراسة أجرتها مؤسسة راند أنها تقترب من خمسين تريليون دولار. وهذا المبلغ ليس بنسات - وهو مستمر.

خلال الوباء، أدت الإجراءات التي تم اتخاذها لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار إلى زيادة إثراء قلة قليلة. لقد حافظوا أيضًا على الحياة لكثير من الآخرين، لكن الجمهوريين مشغولون بمحاولة تفكيك هذا الجزء من الصفقة، تاركين فقط الجزء الذي يثري القليل جدًا. هذا ما يكرسونه من أجله.

خذ على سبيل المثال، مجلس التبادل التشريعي الأمريكي. هذا يعود لسنوات. إنها منظمة يمولها قطاع الشركات بأكمله تقريبًا، مكرسة لضرب الدول في نقطة الضعف في النظام الدستوري. انه سهل جدا. لا يتطلب الأمر الكثير لشراء أو دفع الممثلين التشريعيين على مستوى الولاية، لذلك عملت مجلس التبادل التشريعي الأمريكي هناك لفرض تشريعات من شأنها تعزيز الجهود طويلة المدى لأولئك الذين يسعون إلى تدمير الديمقراطية، وزيادة عدم المساواة الجذرية، وتدمير البيئة.

وأحد أهم هذه الجهود هو حمل الولايات على إصدار تشريعات لا يمكنها حتى تحقيقها - وبالتأكيد ليس معاقبة - سرقة الأجور، التي تسرق مليارات الدولارات من العمال كل عام من خلال رفض دفع أجور العمل الإضافي وكذلك من خلال أجهزة أخرى. كانت هناك جهود للتحقيق في الأمر، لكن قطاع الأعمال يريد إيقافها.

النظير على المستوى الوطني هو محاولة التأكد من أن مصلحة الضرائب لا تلاحق غش ضرائب الشركات الثرية. في كل مستوى يمكنك التفكير فيه، هذه الحرب الطبقية من جانب السادة، وقطاع الطرق أصحاب الشركات، والأثرياء للغاية تحتدم بشدة. وسيستخدمون كل الوسائل الممكنة لضمان استمرارها حتى ينجحوا في تدمير ليس الديمقراطية الأمريكية فحسب، بل إمكانية البقاء كمجتمع منظم.

 ديفيد بارسامين: يبدو أن قوة الشركة لا يمكن إيقافها. طبقة من الأثرياء - جيف بيزوس، وريتشارد برانسون، وإيلون ماسك - يطيرون الآن إلى الفضاء الخارجي. لكنني أتذكر شيئًا قالته الروائية أورسولا ك. لو جوين قبل بضع سنوات: "نحن نعيش في الرأسمالية، ويبدو أن قوتها لا مفر منها". ثم أضافت: "وكذلك حق الملوك الإلهي".

نعوم تشومسكي: وكذلك العبودية. وكذلك الأمر بالنسبة لمبدأ أن المرأة ملكية، والذي استمر في الولايات المتحدة حتى السبعينيات. وكذلك فعلت القوانين المناهضة للتأليف بشدة لدرجة أن النازيين لن يقبلوها، والتي استمرت في الولايات المتحدة حتى الستينيات.

كل أنواع الرعب موجودة. بمرور الوقت، تآكلت قوتهم ولكن لم يتم القضاء عليها تمامًا. ألغيت العبودية، لكن بقيت مخلفاتها في أشكال جديدة وشريرة. إنها ليست عبودية، لكنها مرعبة بما فيه الكفاية. إن فكرة أن النساء لسن أشخاصًا لم يتم التغلب عليها رسميًا فحسب، بل تم التغلب عليها أيضًا إلى حد كبير في الممارسة العملية. لا يزال، هناك الكثير لتفعله. كان النظام الدستوري خطوة إلى الأمام في القرن الثامن عشر. حتى عبارة "نحن الشعب" أرعبت حكام أوروبا الاستبداديين، حيث كانوا قلقين للغاية من أن شرور الديمقراطية (التي كانت تسمى آنذاك بالجمهورية) يمكن أن تنتشر وتقوض الحياة المتحضرة. حسنًا، لقد انتشرت بالفعل - واستمرت الحياة المتحضرة، بل تحسنت.

لذا، نعم، هناك فترات من التراجع والتقدم، لكن الحرب الطبقية لا تنتهي أبدًا، ولا يلين السادة أبدًا. إنهم يبحثون دائمًا عن كل فرصة، وإذا كانوا هم المشاركون الوحيدون في الصراع الطبقي، فسنشهد بالفعل تراجعًا. لكن ليس عليهم أن يكونوا كذلك، أكثر مما كان عليه الحال في الماضي.

 ديفيد بارسامين: في كتاب الماجستير في البشرية، لديك مقال، "هل تستطيع الحضارة البقاء على قيد الحياة بفعل الرأسمالية القائمة؟" تكتب، "الديمقراطية الرأسمالية القائمة بالفعل -  باختصار (تُلفظ" محطمة ")" غير متوافقة جذريًا "مع الديمقراطية وتضيف أنه" يبدو لي أنه من غير المحتمل أن تنجو الحضارة من الرأسمالية القائمة بالفعل والديمقراطية الضعيفة بشدة التي تستمر معها. هل يمكن للديمقراطية الفاعلة أن تحدث فرقا؟ إن البحث في الأنظمة غير الموجودة يمكن أن يكون مجرد تخمين، ولكن أعتقد أن هناك سببًا للاعتقاد بذلك ". قل لي أسبابك.

نعوم تشومسكي: بادئ ذي بدء، نحن نعيش في هذا العالم، وليس في عالم ما نود تخيله. وفي هذا العالم، إذا فكرت ببساطة في الجدول الزمني للتعامل مع التدمير البيئي، فهو أقصر بكثير من الوقت الذي يكون ضروريًا لإجراء إعادة تشكيل مهمة لمؤسساتنا الأساسية. هذا لا يعني أن عليك التخلي عن محاولة القيام بذلك. يجب أن تفعل ذلك طوال الوقت - العمل على طرق لرفع مستوى الوعي، وزيادة التفاهم، وبناء أساسيات المؤسسات المستقبلية في المجتمع الحالي.

في الوقت نفسه، يجب أن تتم الإجراءات لإنقاذنا من التدمير الذاتي في الإطار الأساسي للمؤسسات القائمة - بعض التعديلات عليها دون تغيير جوهري. ويمكن القيام بذلك. نحن نعلم كيف يمكن القيام بذلك.

في غضون ذلك، يجب أن يستمر العمل على التغلب على مشكلة  الديمقراطية الرأسمالية القائمة بالفعل، والتي في طبيعتها الأساسية هي عقوبة الإعدام وأيضًا هي غير إنسانية للغاية في خصائصها الأساسية. لذا، دعونا نعمل على ذلك، وفي نفس الوقت، نتأكد من أننا نوفر إمكانية تحقيقه من خلال التغلب على الأزمة العاجلة التي نواجهها.

 ديفيد بارسامين: تحدث عن أهمية وسائل الإعلام التقدمية المستقلة مثل الديمقراطية الآن! والإنصاف والدقة في إعداد التقارير . واسمحوا لي أن أقول، راديو الترناتيف ؟ الناشرون مثل فيرسو و هيماركت و الشهريين و ريفيو و  سيتي لايتس و ذا نيو بريس . و مجلات مثل جاكوبين و ذا نيشن و ذا بروغريسف و إن ذس تايميز المجلات عبر الإنترنت مثل ذا توم ديسباتش و  ذا انترسيبت و شير بوست. محطات الراديو المجتمعية مثل كيجنو و دبايو ام ان اف و كي بي اف كي. ما مدى أهميتها في مواجهة الرواية المؤسسية المهيمنة؟

نعوم تشومسكي: ما الذي سيواجهونه أيضًا؟ إنهم هم الذين يعلقون الأمل في أننا سنكون قادرين على إيجاد طرق لمواجهة هذه التطورات الضارة والمدمرة التي نناقشها.

الطريقة الأساسية، بالطبع، هي التعليم. يجب أن يفهم الناس  ما يحدث في العالم. يتطلب ذلك أن تقوم  وسائل بنشر المعلومات والتحليلات، وفتح فرص للنقاش، والتي لن تجدها، في الغالب، في الاتجاه السائد. ربما في بعض الأحيان على الهامش. لم تتم مناقشة الكثير مما كنا نتحدث عنه على الإطلاق، أو بشكل هامشي فقط في وسائل الإعلام الرئيسية. لذلك، يجب تقديم هذه المحادثات للجمهور من خلال هذه القنوات. لا توجد وسيلة أخرى.

في الواقع، هناك طريقة أخرى: التنظيم. من الممكن، وفي الواقع، من السهل إجراء برامج تعليمية وثقافية داخل المنظمات. كان هذا أحد المساهمات الرئيسية للحركة العمالية عندما كانت مؤسسة نابضة بالحياة وحيوية، وأحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الرئيس رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر مصممين على تدمير العمالة، كما فعل كلاهما. كانت تحركاتهم الأولى هي شن الهجمات على الحركة العمالية.

كانت هناك برامج تعليمية وثقافية جمعت الناس معًا للتفكير في العالم وفهمه وتطوير الأفكار. يتطلب الأمر تنظيمًا للقيام بذلك. القيام بذلك بمفردك، كشخص منعزل،  أمر صعب للغاية.

على الرغم من جهود الشركات لهزيمة النقابات، كانت هناك صحافة عمالية نشطة ومستقلة في الولايات المتحدة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وصلت إلى الكثير من الناس، وأدانت "الكهنوت المشترى"، كما أطلقوا عليه، لدى الصحافة السائدة. استغرق الأمر وقتًا طويلاً لتدمير ذلك.

هناك تاريخ في الولايات المتحدة لصحافة عمالية تقدمية نابضة بالحياة تعود إلى القرن التاسع عشر، عندما كانت ظاهرة رئيسية. يمكن ويجب إحياء ذلك كجزء من إحياء حركة عمالية فاعلة ومتشددة في طليعة التقدم نحو العدالة الاجتماعية. لقد حدث من قبل ويمكن أن يحدث مرة أخرى. ووسائل الإعلام المستقلة هي عنصر حاسم في ذلك.

عندما كنت طفلاً في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الماضي، كنت أقرأ إيزي ستون في فيلادلفيا ريكورد . لم تكن الجريدة الرئيسية في فيلادلفيا، لكنها كانت موجودة. في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، كان بإمكاني قراءته في صحيفة نيويورك تايمز، التي كانت مجلة مستقلة. إن ذلك يحدث فرقا كبيرا.

في وقت لاحق، كانت الطريقة الوحيدة لقراءة ستون هي الاشتراك في رسالته الإخبارية. كانت تلك هي وسائل الإعلام المستقلة في الخمسينيات من القرن الماضي. في الستينيات، بدأت تلتقط بعض الشيء مع مجلة  رامبارتس، والبرامج الإذاعية مثل داني شيشتر على WBCN في بوسطن، وغيرها من البرامج المشابهة.

واليوم، يستمر هذا في جميع أنحاء البلاد. تلك التي ذكرتها هي قوى من أجل الاستقلال والتفكير.

 ديفيد بارسامين: هناك عدة إشارات إلى أنطونيو جرامشي في اثنين من أحدث كتبك، عواقب الرأسمالية وأزمة المناخ والصفقة الخضراء العالمية الجديدة - على وجه التحديد، في تعليقه، "تتمثل الأزمة بالتحديد في حقيقة أن القديم يحتضر والجديد لا يمكن أن يولد. في هذا الفاصل تظهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المرضية ". في الوقت الحالي، على الرغم من ذلك، فإن اقتباسه الذي أود أن تخاطبه هو: "تشاؤم الفكر، وتفاؤل الإرادة." تحدث عن أهميته اليوم ومعنى ذلك الاقتباس.

نعوم تشومسكي: كان جرامشي ناشطًا عماليًا يساريًا بارزًا في إيطاليا في أواخر سن المراهقة، أوائل عشرينيات القرن الماضي. كان نشيطًا جدًا في تنظيم مجموعات العمال اليساريين. في إيطاليا، تولت الحكومة الفاشية زمام الأمور في أوائل العشرينات من القرن الماضي. كان من أولى أعمالها إرسال جرامشي إلى السجن. وقال المدعي العام أثناء محاكمته: علينا إسكات هذا الصوت. (هذا يعيدنا بالطبع إلى أهمية الإعلام المستقل). لذا، تم إرساله إلى السجن.

أثناء وجوده هناك، كتب دفاتر السجن الخاصة به . لم يتم إسكاته، رغم أن الجمهور لم يتمكن من قراءته. واصل العمل الذي بدأه، وفي تلك الكتابة كانت الاقتباسات التي استشهدت بها.

في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، كتب أن العالم القديم ينهار، بينما العالم الجديد لم يقم بعد وأنهم، في غضون ذلك، يواجهون أعراضًا مرضية. كان موسوليني أحدهم، وهتلر آخر. احتلت ألمانيا النازية تقريبًا أجزاء كبيرة من العالم. لقد اقتربنا من ذلك. هزم الروس هتلر. ولو لم يحدث ذلك، من المحتمل أن يكون نصف العالم تحت إدارة ألمانيا النازية. لكنها كانت قريبة جدا. كانت الأعراض المرضية واضحة في كل مكان.

إن القول المأثور الذي نقلته "تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة" الذي اشتهر، جاء من الفترة التي كان لا يزال قادرًا على نشرها. في روحه، يجب أن ننظر إلى العالم بشكل معقول، دون أوهام، وأن نفهمه، ونقرر كيف نتصرف، ونعترف بأن هناك نذرًا قاتمة. تحدث أشياء خطيرة للغاية. هذا هو تشاؤم الفكر. في الوقت نفسه، علينا أن ندرك أن هناك طرقًا للخروج، وفرصًا حقيقية. لذلك، لدينا تفاؤل بالإرادة، بمعنى أننا نكرس أنفسنا لاستخدام جميع الفرص المتاحة - وهي موجودة بالفعل - أثناء العمل للتغلب على الأعراض المرضية والانتقال نحو عالم أكثر عدلاً ولائقًا.

 ديفيد بارسامين: في هذه الأوقات المظلمة، يصعب على الكثيرين الشعور بأن هناك مستقبلًا مشرقًا في المستقبل. تسأل دائما، ما الذي يمنحك الأمل؟ وعلي أن أسألك نفس السؤال.

نعوم تشومسكي: الشيء الوحيد الذي يمنحني الأمل هو أن الناس يكافحون بشدة في ظل ظروف قاسية للغاية، أشد بكثير مما نتخيل، في جميع أنحاء العالم لتحقيق الحقوق والعدالة. إنهم لا يفقدون الأمل، لذلك نحن بالتأكيد لا نستطيع ذلك.

والآخر هو أنه ببساطة لا يوجد خيار أخر. البديل هو القول، حسنًا، سأساعد في حدوث الأسوأ. هذا خيار واحد. والآخر هو أن أقول، سأحاول أن أبذل قصارى جهدي، ما يفعله المزارعون في الهند، وما يفعله الفلاحون الفقراء والبؤساء في هندوراس، والعديد من الآخرين مثلهم في جميع أنحاء العالم. سأفعل ذلك بأفضل ما أستطيع. وربما يمكننا الوصول إلى عالم لائق يشعر فيه الناس أنه يمكنهم العيش بدون خجل. عالم أفضل.

هذا ليس خيارًا كبيرًا، لذلك يجب أن نكون قادرين على القيام به بسهولة.

***

.........................

* ديفيد بارسامين: هو مدير راديو أولترنانيف في بولدر، كولورادو

 (www.alternativeradio.org).

* نعوم تشومسكي: أستاذ علم اللغة في جامعة أريزونا وأستاذ فخري بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بتأليف العديد من الكتب والمقالات حول الشؤون الدولية، ولا سيما حول إسرائيل وفلسطين.

* محمد عبد الكريم يوسف: كاتب ومترجم سوري، ألف ٤٠ كتابا في المجالات التقنية في النفط والغاز والإدارة وترجم عشرات المقابلات لنعوم تشومسكي وجوزيف ناي وهنري كيسنجر ونعوم شهاب ناي. له أيضا مايقارب من ثلاثة الاف مقال منشور في الصحافة العالمية بالعربية والانكليزية والفرنسية.

 

روج غلاس روائي اسكوتلاندي معاصر يكتب النقد الأدبي والقصة والرواية.  يعمل بتدريس فنون الكتابة في جامعة ستراثكلايد في غلاسكو. كانت له علاقة قوية مع كاتب اسكوتلاندا الوطني ألاسدير غراي مؤلف "لارناك". وهي سلسلة روائية تذكرنا بعمل دوس باسوس المعروف "الولايات المتحدة الأمريكية". وأثمرت هذه العلاقة عن كتابة سيرة غراي بعنوان "مذكرات مدير أعمال غراي" الذي فاز بجائزة سومرست موم. يتناول غلاس في رواياته نماذج من البسطاء و يستعمل ألسنتهم ويبتعد عن البلاغة المركبة والمعقدة. ليتمكن من تصوير معاناتهم وغضبهم اللامحدود من الظروف. أول روايته كانت بعنوان "بدون ألعاب نارية" وظهرت عام 2005. وتبعها مجموعة قصص تجريبية بعنوان "أمل المولودين حديثا" عام  2008. ثم "حب وجنس وترحال وموسيقا" 2014. وهي قصص من أدب الرحلات وتطوف كل قصة بلدا برفقة امرأة مختلفة. ويسجل غلاس في هذا الكتاب خلاصة آراءهه عن شرق أوروبا وتحولات الدول الغربية ومعناة جنوب أمريكا وجنوب شرق آسيا. وذلك بلغة شاعرية وجريئة محشوة بالديناميت، كما ورد في تعريف رواية "العراب" لماريو بوزو يوم صدورها. ويخيم على القصص أفكار غريبة تردم الحفرة التي تتوسع بين الإنسان الغربي المثقف وأحلامه. ولد روج غلاس لأبوين يهوديبن في مانشستر. أقام فترة في القدس وتل أبيب. عمل في الكيبوتزات لتوفير لقمة العيش وسداد تكاليف الدراسة. ثم أغرم بمدينة غلاسكو واختار الإقامة فيها. يشعر بالانتماء للإنسان العادي البسيط وللطبقة العاملة. وينأى بنفسه عن تفكير وأجندا العقل الإنكليزي المحافظ. شارك في عدة دورات من مهرجان الكتاب الدولي في إدنبرة. وأدار ندوة علاء عبد الفتاح بالاشتراك مع الروائية المعروفة أهداف سويف. ولنكون فكرة عن موقفه من قضايا المجتمع المدني والعلاقة المحرجة بين أسكوتلاندا وإنكلترا وبقية أوروبا أج ينا معه اللقاء التالي. النص العربي منشور في صحيفة العالم)

***

حاوره: صالح الرزوق

4326 روج كلاس

The Scottish Novelist Rodge Glass: I Am a Jewish, but I Believe in Human Rights For Everyone Including the Palestinians

Rodge Glass is a contemporary Scottish critic and fiction writer. He teaches creative writing at Strathclyde University. He maintained a close relationship with Alasdair Gray, producing a comprehensive book on his work and career. His fiction follows the people of the bottom, portraying the working class, when in agony and troubled, where knowledge and culture are not of an important value. Apart from the poetic flow adopted in his narrative, he used spoken language or the original tongue of real life. His debut was No Fireworks, 2005, followed by many experimental long and short narratives like Hope For Newborns, 2008, Love Sex Travel Musik, 2014; etc. To understand his motives and attitudes we had this interview with him.

- Do you think Scottish fiction is different from the English and the European narratives?

Answer: I think all nations produce a huge variety of valuable stories, and that those stories are not always seen or read. I was born in England and chose to live my adult life mostly in Scotland. The societies have a lot in common – but Scotland certainly has a hugely rich tradition in fiction that I fell in love with when I moved to Glasgow in 1997. Alasdair Gray, Agnes Owens, Jackie Kay, Kathleen Jamie, James Kelman, so many more. It’s a wonderful tradition. As Scotland is a small country sometimes dominated by England, not all the great writing sees the light. Europe has so many diverse nations in it, again I think it’s hard to generalize. But some of my very favourite writers come from these traditions too.

- Had devolution reshaped Scottish literature. I mean did it bring Scottish literature into a new era with new literary elements other than the plot. I mean literally the discourse itself?

Answer: Yes, certainly the discourse changed. Not all Scottish writers were pro-independence for Scotland but many were and still are, and many campaigned for independence in the 2014 referendum. The nation has produced much debate and writing since then that has sought to explore what modern Scotland is like, partly connected to England, but also feeling disconnected from it. As I type today, we have yet another Conservative Prime Minister the UK did not vote for. In Scotland, there are very few Conservative voters. You see that disconnect in all sorts of ways across the culture.

- Who are the most influential figures in modern Scottish fiction?

Answer: Scotland has a ‘Makar’, which is an ancient tradition, of having a kind of National Poet. A bit like the Poet Laureate in the UK but with no connection to the Royal Family. The last two, Jackie Kay and Kathleen Jamie, are wonderful poets but also prose writers of nonfiction especially. Kathleen Jamie’s essays are all about how we notice the world around us, how we engage with the world. The work is wonderfully generous in spirit. I like that. Also, I am bound to say it, but Alasdair Gray is the major 20th Century figure across so many forms – fiction, visual art, murals, portraits, polemics, plays – just everything. He was a giant. And such a wonderfully kind and giving man.

- What do you think of using spoken language in official literature?Do not you fear chaos in interpretation. Or even causing detachment in future among the people of one nation.

Answer: Yes, there’s always a chance of some kind of chaos in interpretation, but I simply believe that anywhere in the world, writers should be able to use their own voices, whatever those voices are, using the language in their mouths. In Scotland sometimes publishers think Scots cannot or should not be written, but there have been some incredibly successful books, such as Trainspotting by Irvine Welsh, which are written in a dialect of a small part of Edinburgh, and readers all over the world love that book. It is possible. I think that if we welcome those voices, nations become stronger, not weaker.

-What about realism?Do you really believe one can copy from reality without personal allusion and interpretation?Can realism be innocent and not subjective?

Answer: This one is easy for me! I don’t feel writers know better about anything that engineers or builders or drivers – but I can say that for me all writing contains some subjectivity. Every time you select a word, you reject another possible word. This is subjectivity for me.

-what do you think of Salman Rushdie . If he is a literary Problem why we did not hear much about other writers in danger like Taslima Nasreen (Bangladesh) and Nasr Hamid Abu Zaid (Egypt)??.

Answer: I'm not a big fan of Rushdie's work though I have read and enjoyed several of his books over the years. Naturally the attack on him recently has had huge news coverage - at the Edinburgh Book Festival this year, every event started with a single line from Rushdie, as an act of solidarity with him. Yes, there are many others suffering persecution we have not heard of, as there are murder victims who get lots of attention and many others (sometimes non-white victims) in the UK who do not get the same attention. And yes, there are so many silent voices, and silenced voices. Rushdie should have the same rights as all writers: to respond to the world as their conscience sees fit.

-The real turn in world literature started from Ireland with James Joyce and Samuel Becket, yet it was in English.  Do you think it has a political value?. The Irish ego wanted to challenge the English ideals established by the classic norms in narratives. And why Scotland did not take a similar step to break away from the English space?Do you think Scotland is a hostage to the English experience?.

Answer: Ah, Saleh, this is the beginning of a much longer conversation, haha! Certainly Irish literature has political value, and plenty of value in literary terms. Some Irish writers, yes, wished to challenge elements of English dominance, and some still do. Others write with confidence about Ireland without even considering the English! I'm thinking of Kevin Barry or Claire Keegan, but there are many other major ones. My suggestion to you is that Scottish literature has in many ways sought to break away from the English space. But it is a more subtle step, partly as Scotland does not have independence and is a small part of the UK book market where Scottish fiction is usually popular when it is Scottish Crime Noir, which is very popular in England. Though Booker winner Douglas Stuart is an exception to this!

- How do you look at the Man Booker Prize?Original or only complementary - maybe with a political hidden agenda like Nobel prizes in certain occasions?Do you agree with its decisions when celebrating the experimental works of Olga Tokarczuk?. What do you think of Tokarczuk, Beckett and Proust?Fiction or general prose writers?Does modernity mean creating different styles recalling the acrobat in a circus or the work of a stuntman?..

Answer: I don't believe there's a big Booker conspiracy. I do think publishers push for their writers to be acknowledged by Prizes (we have SO MANY in the UK now!) as there are so few ways for writers to break through and find an audience if they do not win a major prize. Some people get very upset about these things. I don't. Some years I like the Booker shortlist, some years less so - but it is one of few places where genuinely literary fiction can be helped to find a big audience. I haven't read Tokaczuk or Proust, though I'm a fan of Beckett. I think of myself as a cheerleader for literatures of past and present, near and far. I don't mind that competitions exist, and certainly winning a Somerset Maugham Award helped me keep going as a writer. Even my nominations for prizes I did not ultimately win helped me as my books do not sell in large numbers. It's part of a highly imperfect industry - but one I am part of, regardless.

- In your novels and stories you mentioned a handful Arabic names such as Bin Laden, Palestine, etc.. do you have any thing to say on the modern Arabs, in politics, culture or  religion??

Answer: I have a great deal of respect for Arabic cultures and on my courses I work with Arab students and teach Arab writers alongside Western ones. I was at the event celebrating Arabic work at the Edinburgh Book Festival only last week. I try not to make generalizations but I think that as a Jewish person it is important for me to say that I believe Palestine has a right to exist and that all peoples should work together with equal rights. Many Jewish people in the UK share this view, and often support Palestinian causes. I cannot tell anyone else what to think. I can only give my own view.

-what was the event in Edinburgh about?.

Answer: I acted as Host, or Chair, the event discussed "You Have Not Yet Been Defeated" by the blogger Alaa Abd el-Fattah, who is currently in prison.

- What does Palestine mean to you?. Do you think it exists or the case is just like East Germany. A state from past days. Only a history??.

Answer: As I say above, I think it is a real place, and that the people in that place deserve to be treated with humanity and respect, and that this is currently not the case. I have very little hope of things change or improving, and I do not want to speak for Palestinian people, that is not my place. But this is my view.

- Your books spin around individuals. You do not pay too much attention to the places. That is true when you wrote on Arizona. You mentioned Arizona but only like a  stage hosting events and humans. Do you have any comment.

Answer: Yes, for me place is moveable, my interest is in the subjectivity of complicated, frail and compromised human lives. This is what tragedy is. Sometimes environments can be crucial in writing I love – I just finished a book about the great Dutch-Australian-Scottish writer Michel Faber, whose works are all about our interaction with the environment. But I am different, I think. In the Arizona story, Arizona could be anywhere. It represents escape. Many people need a fantasy or dream of another place in order to be able to cope with their mundane daily lives.

- Compared with James Kelman, Alasdair Gray and Alexander Trocchi you concentrate in your fiction on the inter relations between the characters and their preoccupations, their general trends while ascending on the ladder of life. Others preferred to explore the internal life of their heroes. I.e. you touch emotions but do not turn it into internal struggle. why is that?

Answer: Ah! Yes! This is a big difference in my work, I think, I agree with you! I often discuss this with my students – I prefer to show less of the internal world. Characters reveal themselves in what they do, what they see, what they notice, through the five senses. I never have several pages of a character thinking about things! Though I do love writers that do that, my of my favourites understate.

- Do you have a plan for a change in your approach in future novels?

Answer: Yes, I’ve just finished a big political novel about a Chilean immigrant to Scotland who leaves Pinochet’s Chile in 1974 and rises to become Britain’s first immigrant Prime Minister. It mixes fact and fiction, like some of my previous work, but is overtly political for the first time.

- You do not repeat Alasdair Gray's fiction. What you borrowed from him after years of close friendship.

Answer: My approach to how I try to treat other human beings in the main thing I took from him, and I take still every day. Compassion. Generosity. Understanding. Imagining the other. This is the magic of fiction for me, and Alasdair taught me that. He was my writer’s education.

- Heavy British critics like Terry Egalton, Patrick Parrinder did not shed a light on your work. Only the younger generation praised your books. Why is that prejudice?Is it a constant and repeated  conflict between the generations. Does it reflect an Oedipus complex.

Answer: No, none of that worries me – I don’t need that praise and understand that only a handful of writers can be recognised at any one time. I write because writing and reading helps me make sense of the world around me. I am not a great mind. I do not want to tell other people how they should live or how they should write. And I love writers of all generations. I have been very lucky!

- Does your academic life interfere with writing fiction?Does it make the process slower? What do you say about other novelists who held academic positions such as David Lodge, etc.

Answer: Certainly, this life makes your own writing process slower – but it also provides a great sense of belonging, clarity, and it makes me part of something I love. I enjoy reading the work of my students and trying my best to support them. Of course I am slowed by this choice of mine but I am very lucky. Many writers have nothing. I have a good job in a lovely University, where I get to write sometimes. This world of ours is filled with horror and suffering. I am extremely lucky, and don’t want to forget that.

 

- Any prospect you see for Scottish fiction in future?Do you think Gallic would revive or dialects would lead the way for a different path securing a separate space for Scottish literature among other European literary spaces, French, Italian, Russian, Italian, etc...

Answer: I think Scottish writing will simply keep on opening up to new voices, traditions, immigrant communities and to dialects, languages etc. I think there will be less control of old traditions. But who knows, haha! Not me! Like you, like everyone, I can only guess.

***

*Interviewed by Saleh Razzouk

 

لقاء مع الشاعرة الأمريكية من أصل فلسطيني نعومي شهاب ناي

ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

***

28 يوليو 2016

نعومي شهاب ناي: نادرًا ما تسمع أي شخص يقول إنه يكتب الشعر ويشعر بالسوء أو الملل. الكتابة فعل يساعدك، ويحفظك، وينشطك، في فعل ذلك.

***

كريستا تيبيت: "أنت تعيش في قصيدة." هكذا ترى الشاعرة نعومي شهاب ناي العالم، وتعلّمت أن طريقة الوجود والكتابة هذه ممكنة. لقد تعاملت مع قوة الكلمات في العالم الحقيقي منذ نشأتها بين وطن والدها الفلسطيني وفيرغسون، ميسوري، بالقرب من المكان الذي نشأت فيه والدتها الأمريكية. كان والدها صحفيًا لاجئًا، وهي تواصل شغفه المأمول، وإصراره، يجب أن تكون هذه اللغة وسيلة للخروج من دورات العداء. إن قصيدة كتبتها بعنوان "اللطف" تُحمل في جيوب وذكريات القراء في جميع أنحاء العالم.

نعومي شهاب ناي: "قبل أن تعرف أن اللطف هو أعمق شيء في داخل الإنسان، يجب أن تعرف الحزن باعتباره الشيء الأعمق الآخر. يجب أن تستيقظ بحزن. يجب أن تتحدث إليه حتى يلتقط صوتك خيط كل الأحزان وترى حجم القماش، ثم إن اللطف فقط هو الذي أصبح منطقيًا بعد الآن، فقط اللطف هو الذي يربط حذاءك ويرسلك إلى النهار لتنظر إلى الخبز، فقط اللطف هو الذي يرفع رأسه من حشد العالم ليقول إنه أنا الذي كنت تبحث عنه، ثم يذهب معك في كل مكان مثل الظل أو الأصدقاء ".

كريستا تيبيت: أنا كريستا تيبيت، الحقيقة هي أن نعومي شهاب ناي تسمي نفسها شاعرة متجولة. نشأت وعاشت في فيرغسون وعلى الطريق بين رام الله والقدس. والآن، تعيش في سان أنطونيو، تكساس.

أبدأ مقابلاتي دائمًا بالاستفسار عن الخلفية الدينية أو الروحية لطفولة شخص ما. وأتساءل فقط من أين ستبدأ في التفكير فيما كان ذلك في حياتك.

نعومي شهاب ناي: حسنًا، لقد شعرت أنني محظوظة جدًا عندما كنت طفلة لأن والديّ منفتحين. وكنت أعلم أنهما منفتحان لأنهم لم يكونوا مثل أي آباء آخرين قابلتهم، والدي أصدقائي. علمت أيضًا أنهم لم يمارسوا الديانات في تربيتهم، أيًا منهما. لذلك، فتنني هذا حتى عندما كنت طفلة صغيرة. وأود أن أطرح الكثير من الأسئلة. لم يكن هناك معنى لموضوع محظور. لم يواجه والدي وقتًا عصيبًا في إخبار أسرته بأنه لا يريد ممارسة طقوس الإسلام.

قال، "أحترم طقوس الإسلام، لكنني لا أريد أن أمارسها." وقد قبلوا ذلك. من ناحية أخرى، كانت عائلة والدتي أكثر حزنًا بشأن رفضها لخلفية المجمع الكنسي اللوثري الألماني في ميسوري. ولكن كان هذا شيئًا يمكن أن يتحدث عنه والداي مع بعضهما البعض ومع أطفالهما، وأن الناس تربوا بشتى أنواع الطرق المختلفة، وإذا لم يكن ذلك مفيدًا بالنسبة لك، فربما يتعين عليك البحث أكثر. عليك أن تستمر في البحث. وكنت متخصصًا في الدين في الكلية لمجرد ...

كريستا تيبيت: [تضحك] بالطبع كنت كذلك.

نعومي شهاب ناي: أجل. بسبب شهيتي لهذا الموضوع.

كريستا تيبيت: هذا صحيح.

نعومي شهاب ناي: لقد كنت منبهرًا بدراسة المزيد عن زن البوذية، والتي جذبتني كثيرًا منذ البداية.

كريستا تيبيت: ويبدو أنك أصبحت كاتبًا في سن مبكرة جدًا، أليس كذلك؟ كنت مثل 7، 6، 5 - 6، 7؟

نعومي شهاب ناي: كنت في السادسة من عمري عندما بدأت في كتابة قصائدي الخاصة و 7 عندما بدأت في إرسالها. واليوم فقط، بعض الطلاب الذين كنت أتحدث معهم في فصل دراسي عبر سكايبي في الكويت - كم أحب العالم الحديث حيث يمكننا القيام بهذه الأشياء. كنت مع هؤلاء الطلاب لمدة ساعتين، وأشعر أنني سأفكر فيهم لبقية حياتي. لكن سألني شاب، "كيف كنت شجاعة بما يكفي للقيام بذلك؟ ما الذي أعطاك الثقة؟ " قال: "كنت أحاول إصدار مطبوعة هنا في حرم جامعتنا، ولا يمكنني إقناع أصدقائي بإعطائي كتاباتهم. إنهم ليسوا شجعانًا بما فيه الكفاية. ما الذي أعطاك الثقة؟ "

وأعتقد أن مجرد امتلاك هذا الإحساس بالصوت. حسنًا، لقد فعلها أشخاص آخرون. هذا ما نفعله نحن. إذا كنت تعرف الكلمات، إذا قمت بتأليفها، فقد ترغب في مشاركتها لأنك ستعيش حياة أكبر إذا فعلت ذلك. لذلك، بالتأكيد لم أكن أفكر في مهنة. أنا فقط فكرت في نفسي على أنها ممارسة، هل تعلم؟ إذا كانت لديك ممارسة للكتابة، فلديك الكثير من الأوراق على مكتبك، ويمكنك مشاركتها إذا اخترت ذلك. وبدا الأمر أكثر إثارة أو منارة لمشاركتها ومعرفة ما حدث بعد ذلك بدلاً من الاحتفاظ بها لنفسي.

كريستا تيبيت: حسنًا، أنا مهتمة جدًا بشكل عام بهذا السؤال حول ماهية الشعر الذي يتفاعل فينا. لكني أعتقد أنه حتى هذا السؤال نفسه يحمل ضمنيًا أن الشعر شيء منفصل، شيء متميز. لكن يبدو أنك، من وجهة نظرك، ترى أنه عضوي للغاية. أعني، هناك - أعتقد أنه كان في بعض كتاباتك لقصائد الأطفال، قلت، "أعتقد أننا جميعًا نفكر في القصائد."

نعومي شهاب ناي: أفعل. أعتقد ذلك. وأعتقد أن هذا مهم جدًا، ألا تشعر بالانفصال عن النص، والشعور بنوع من أفكارك كنص أو العالم كما يمر عبرك كنوع من النص. القصة التي كنت سترويها لنفسك عن الشارع، حتى أثناء السير فيه، أو أثناء قيادتك له، وأنت تنظر من النافذة، القصة التي كنت سترويها - بدت لي دائمًا كثيرًا، مثل طفل، كنت أعيش في قصيدة، وأن حياتي كانت القصيدة. وفي الواقع، في هذا التاريخ المتأخر، بدأت في وضع ذلك على السبورة في أي غرفة أدخلها بها لوحة.

لقد عدت لتوي من اليابان قبل شهر، وفي كل فصل دراسي، كنت أكتب فقط على السبورة، "أنت تعيش في قصيدة." وبعد ذلك كنت أكتب أشياء أخرى تتعلق فقط بما كنا نفعله في ذلك الفصل. لكنني وجدت الطلاب مفتونين جدًا بمناقشة ذلك. "ماذا تقصد، نحن نعيش في قصيدة؟" أو "متى؟ طوال الوقت، أو فقط عندما يتحدث شخص ما عن الشعر؟ " وأنا أقول، "لا، عندما تفكر، عندما تكون في مكان هادئ جدًا، عندما تتذكر، عندما تتذوق صورة، عندما تسمح لعقلك بهدوء للقفز من فكرة واحدة لآخرى، هذه قصيدة. هذا ما تفعله القصيدة ". وقد أحبوا ذلك.

وفتاة، في الواقع، كتبت لي ملاحظة في يوكوهاما في اليوم الذي كنت أغادر فيه مدرستها والتي أصبحت أهم ملاحظة كتبها لي أي طالب منذ سنوات. قالت، "حسنًا، هنا في اليابان، لدينا مفهوم يسمى" يوتوري ". وهي الرحابة. إنه نوع من العيش مع الرحابة. على سبيل المثال، إنه يغادر مبكرًا بما يكفي للوصول إلى مكان ما حتى تعرف أنك ستصل مبكرًا، لذلك عندما تصل إلى هناك، يكون لديك وقت للنظر حولك. أو - ثم أعطت كل هذه التعريفات المختلفة لما كان يوتوري بالنسبة لها.

لكن أحدهم كان - وبعد أن قرأت قصيدة وأنت تعلم أنه يمكنك الاحتفاظ بها، يمكنك أن تكون في تلك المساحة من القصيدة. ويمكنه أن يحملك في فضائه. وليس عليك شرح ذلك. ليس عليك إعادة صياغته. أنت فقط تمسك بها، وتتيح لك الرؤية بشكل مختلف. وأنا فقط أحب ذلك. أعني، أعتقد أن هذا ما كنت أحاول قوله كل هذه السنوات. كان يجب أن أدرس اليابانية. [تضحك] ربما هذا هو المكان الذي توجد فيه جميع إجاباتنا في اليابانية.

كريستا تيبيت: حسنًا، أفكر أيضًا في أسلافك العرب وتوقير الشعر في تلك الثقافات.

نعومي شهاب ناي: نعم.

كريستا تيبيت: وتتحدث كثيرًا عن والدك وتبجيله لقوة الكلمات واللغة فقط. وإليك طريقة، كما أشعر، لتلائم ذلك: تقول إن الشعر هو شكل من أشكال المحادثة. ويبدو لي أن الكثير من قصائدك - هل يمكنني القول - هي إجراء محادثة، أو فتح محادثات لا تحدث بالفعل هناك في الثقافة أو في سرد نوع كيف نروي قصة وقتنا.

نعومي شهاب ناي: أتمنى ذلك، كريستا. آمل حقا أن يكون هذا صحيحا. وأعتقد أن جوهر نوع من التبادل هو ما يهتم به الشعر أيضًا. أعني، الشعور بأنك لست منزعجًا من الفكر في قصيدة، لكنك نوعًا ما كما لو كنت تركب موجة الفكر، كما لو كنت تسمح للفكر بالدخول. أنت تتحول. أنت تتغير. كنت أبحث. أنت في حالة حساسية تسمح لك بهذا النوع من التفاعل العقلي والعاطفي والروحي مع كل شيء من حولك.

أعتقد أنه مفيد جدًا جدًا للصحة العقلية، في الواقع. أعني، أتساءل حقًا في بعض الأحيان كيف سيكون شكل العيش بدون هذا التخوف - أنه يمكن أن يكون لديك فكرة، وتشكيل فكرة، وتغيير فكرة، وإلقاء نظرة على الكلمات في فكرة. يمكنك أن تأخذ كلمة وتستخدمها نوعًا ما - أعتقد أنني قلت هذا قبل 40 عامًا في قصيدة - استخدم كلمة واحدة كمجداف يمكن أن يمضي الأيام فقط من خلال الإمساك بكلمة، والتفكير حول هذا الموضوع بشكل مختلف، ورؤية كيفية احتكاك هذه الكلمة بالكلمات الأخرى، وكيف تتفاعل مع الكلمات الأخرى. هناك رفاهية في هذا النوع من التفكير في اللغة والنص، لكنها أساسية جدًا أيضًا. أعني، إنه بسيط، إنه غير مرئي، لا يكلف شيئًا.

كريستا تيبيت: نعم. إذاً، هناك 19 نوعاً من الغزال . هل تم نشر هذا بعد ...

نعومي شهاب ناي: تم نشره بعد 11 أيلول، لكن بعض القصائد فيه سبقت 11 أيلول. لكن القصائد التي تتعلق بالشرق الأوسط كانت متناثرة نوعًا ما في جميع أنحاء عملي. كان بعضها في مجلات، ولم يكن موجودًا في كتاب من قبل. لكنني شعرت، في تلك اللحظة، أنه ربما كان من المهم جمعهم معًا.

كريستا تيبيت: أعني، فقط الأخير - أعتقد أن هذه هي السطور النهائية أو تقريبًا - لا - نعم، قبل التذييل، المقطع الأخير من القصيدة الأخيرة.

"أتصل بوالدي، نتحدث حول الأخبار، إنه كثير جدًا بالنسبة له، ولا يمكن لأي من لغتيه الوصول إليها، أقود سيارتي إلى البلاد لأجد الخراف والأبقار، وأتوسل بالهواء: من يدعو أي شخص متحضر؟ أين؟ هل يرعى القلب الباكي .. وماذا يفعل العربي الحقيقي الآن؟ "

نعومي شهاب ناي: حسنًا.

كريستا تيبيت: أتخيل هذا السؤال، من خلال الشعر، "ماذا يفعل العربي الحقيقي الآن؟" - هذا سؤال مطروح، كما أتخيل، في ثقافتنا للأمريكيين العرب. هذا هو السؤال الذي نتعامل معه، نحن جميعًا بشكل جماعي، ولكن بشكل خاص الأشخاص من تلك الهوية.

نعومي شهاب ناي: وخاصة الأشخاص الذين يعتزون بالوعي بثقافة أخرى، أياً كانوا. وأعتقد أن هذا - إنه أمر جذاب للغاية هذه الأيام لأعداد كبيرة من الناس - لا أعرف من هم، ولا أفهم من أين أتوا - لعدم احترام ثقافة شخص آخر إذا لم يحدث ذلك تبدو تماما مثل لك. وهذا بالضبط عكس الطريقة التي نشأت بها والطريقة التي أحب أن أفكر بها في العالم والطريقة التي أشعر بها أن غالبية الناس يفضلون التفكير في العالم.

كريستا تيبيت: نعم.

نعومي شهاب ناي: في اللحظة التي تضع فيها نفسك في الأعلى، ماذا يفعل ذلك للآخرين؟ لذا نعم، أشعر بالرعب من السهولة التي قد يقلل بها الناس من شأن بعضهم البعض هذه الأيام، كما لو كان ذلك أمرًا معقولاً.

كريستا تيبيت: أنا كريستا تيبيت. اليوم أنا مع الشاعرة نعومي شهاب ناي. لديك أيضًا هذا المنظور الرائع المتمثل في - حسنًا، دعني أفهم هذا بشكل صحيح. والدك - لقد نشأت في الغالب في فيرجسون بولاية ميسوري، حيث والدك ...

نعومي شهاب ناي: نعم، لقد فعلت ذلك. إنه مجنون، أليس كذلك؟ لم يسمع بها أحد من قبل.

كريستا تيبيت: هاجرت عائلته في النهاية.

نعومي شهاب ناي: أجل.

كريستا تيبيت: إذن، منذ متى وأنت هناك؟ حتى كان عمرك 12 أو...؟

نعومي شهاب ناي: حسنًا، لقد عشت في فيرغسون حتى كان عمري 14 عامًا.

كريستا تيبيت: 14؟.

نعومي شهاب ناي: نعم. وقد ولدت في مدينة سانت لويس الكبرى، منزل والدتي. التقى والداي في كانساس، لكنهما انتقلا إلى فيرغسون لأنه كان نوعًا من مجتمع غرفة نوم صغير إلى وسط مدينة سانت لويس حيث نشأت والدتي. وكانت بها أشجار كبيرة، ويمكن للأطفال ركوب دراجاتهم وركوبها طوال اليوم، وكان هناك المزيد من الجودة الريفية لفيرغسون.

إنه مجتمع صغير رائع، ولكن كان هناك شعور بالانفصال، بالطبع، في الخمسينيات وأوائل الستينيات، وهذا ما رأيناه ثمار ذلك على مر السنين. والاعتقاد بأن فيرغسون الآن كلمة مألوفة تمثل الظلم هو أمر صادم حقًا لأولئك منا الذين نشأوا هناك.

كريستا تيبيت: لكن عندما كتبت هذه المقالة الرائعة عن نشأتك في فيرجسون، ثم عادت عائلتك إلى فلسطين في عام 1966 لفترة قصيرة.

نعومي شهاب ناي: حسنًا.

كريستا تيبيت: والصدى بين هذين المكانين اللذين أطلقت عليهما اسم الوطن، أصداء بين هذين المكانين والمجتمعات المنفصلة.

نعومي شهاب ناي: حسنًا. كان ذلك تشابهًا رائعًا. ولذا لم أستطع مقاومة كتابة تلك القطعة، مجرد التأمل في كلا المكانين عندما اشتعلت فيهما النيران في نفس الصيف. وكان حزن الظلم حيا جدا في كليهما.

كريستا تيبيت: في عام 2014. نعم.

نعومي شهاب ناي: والصراع على السلطة في كلا المكانين. وظللت أتمنى لو كان والدي على قيد الحياة لأنني اعتقدت أنه لن يصدق أبدًا أن فيرغسون قد دخل إلى العين الدولية بهذه الطريقة. في نفس الوقت الذي يواصل فيه الشعب الفلسطيني النضال.

لذا، من الغامض كيف تتكشف هياكل القوة هذه، أليس كذلك؟ وكيف نحن على استعداد لقبولهم والسماح لهم بالانتصار دون استجوابهم. والشيء الذي بدأت بقوله خلال السنوات القليلة الماضية ساعدني هذا النوع على التفكير فيه هو - لدي الكثير من الأصدقاء اليهود في كل من الولايات المتحدة والدول الأخرى الذين يتفقون مع هذا - ولكن فكرة أنه لا يمكن أن يكون هناك نوع من التحالف بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل / فلسطين كان أكثر تكافؤًا. لماذا لا يكون لديك سوى صديق واحد في المنطقة؟ هذا مثل الجانب المظلم من المرحلة الإعدادية.

كريستا تيبيت: [تضحك]

نعومي شهاب ناي: في المرحلة الإعدادية، تعلمت أنه من المحتمل أن يكون لديك أصدقاء ليسوا متشابهين تمامًا، وقد تنجح. وفي الحقيقة، ستكون شخصًا أكثر إثارة للاهتمام. لماذا لا يمكن أن يكون للولايات المتحدة أصدقاء؟ لماذا لا يمكنهم طرح أسئلة أفضل؟ كان والدي يحزن دائمًا بسبب عدم التوازن. وكصحفي، كان عليه أن يكتب عنها عدة مرات.

كريستا تيبيت: نعم. ومع ذلك، فأنت تكتب دائمًا عن إصرار والدك على الأمل حتى النهاية.

نعومي شهاب ناي: أجل.

كريستا تيبيت: متفائلة بشدة.

نعومي شهاب ناي: نعم، لأنه قال، "ماذا لدينا أيضًا؟" أعني، إذا كنا سنستسلم ونقول، "حسنًا، نحن ننهار. ليس لدينا المزيد من الأمل. نحن ضحايا. نحن نشعر بالمرارة ". ما مدى متعة الحياة التي ستكون لأي شخص؟ بالنسبة لأطفالنا، لا يمكنك تمرير ذلك. حافظ على بهجة رغم ذلك.

كريستا تيبيت: ولكن إليك طريقة أخرى تكتب بها عما أشعر أنه نوع من الفلسفة وراء شعرك. وقد كتبت هذا، مرة أخرى، في أعقاب أحداث 11 أيلول، لكنه ينطبق على كل هذه الأنواع من الأمثلة التي تحدثنا عنها. لقد قلت هذا الإحساس الكثير من الناس أن "كل شيء قد تغير". وكتبت عن ضرورة التشكيك والتساؤل حقًا عن هذا الشعور. وقد كتبت، "يمكننا الاستمرار في تذكير أنفسنا بما هو مهم ومحاولة العيش بطرق تغذي البشر والاستمرار في تغذية قدرتنا على النمو في تصوراتنا إلى أكثر مما كنا نعرفه، والتعاطف مع المواقف البعيدة و أحزان وأفراح ". هذا لا يجب أن يتغير.

نعومي شهاب ناي: حسنًا.

كريستا تيبيت: لقد شعرت كثيرًا أن تلك كانت الفرصة العظيمة الضائعة في عام 2001، في 11 أيلول، بالنسبة للأمريكيين الذين مروا للحظات بتجربة ما يعيشه الكثير من الأشخاص حول العالم طوال الوقت ...

نعومي شهاب ناي: حسنًا. هناك الكثير من الألغاز حول الأشخاص الذين يريدون افتراض أن آلامهم حقيقة أكثر من ألم شخص آخر. كما تعلمون، أعتقد أن جميع الأشخاص المقدسين من جميع الخلفيات والأديان قد دعونا دائمًا للتعاطف بطريقة أكثر عمقًا، لتوسيع خيالنا لتشمل ما قد يختبره هذا الشخص الآخر. ويبدو الأمر أساسيًا جدًا، ولكن في هذه الأيام، عندما تستمع إلى الأصوات العالية تتساءل، "ما الذي حدث لذلك؟ ماذا حدث للوعي بأنه لا يتعين علينا أن نكون انتقائيين وأن نستمر في دائرة الانتقام والعنف؟ " وفي كل مرة يدفع فيها يوكو أونو للحصول على تلك الصفحة الكاملة في نيويورك تايمز، صفحة "انتهت الحرب"، أنا مفتون بذلك.

كريستا تيبيت: [تضحك] أعرف.

نعومي شهاب ناي: أعني، أود أن أسمع حديثها عن سبب استمرارها في القيام بذلك لأننا نتمنى بشدة أن يكون الأمر صحيحًا. نود أن نكون قادرين على أن نقول، "نعم، هذا صحيح." لقد احتفظت بالفعل بالبطاقة البريدية التي تقول "انتهت الحرب" بنفس الخط على الحائط لسنوات لأنني أردت بشدة تصديق ذلك. ومع ذلك، تنظر إلى العالم، وهذا ليس صحيحًا. وأنت تعتقد، "هل هذا مجرد تعبير إيجابي عن التفكير؟"

كريستا تيبيت: حسنًا، حسنًا. لكن هذا ما أعتقده هو مساهمتك. أعني، أنتم تنظرون إلى العالم من حيث العناوين الرئيسية، وهي - تنظرون إلى العالم بطريقة معينة، وهذا ليس صحيحًا من زاوية معينة، ومن اتجاه معين. يبدو لي وكأنه أحد الأشياء - مرة أخرى، مثل، ما هو الشعر؟ ما هو مكان الشعر؟ أعني، يبدو أن أحد الأشياء التي ترسمها هو مجرد الملاحظة.

نعومي شهاب ناي: أجل.

كريستا تيبيت: إيلاء نوع مختلف من الاهتمام للأشياء التي لا تظهر للعين تمامًا. أعني، بدءاً من - أحب هذا - القصيدة - وما هو الكتاب الذي كانت فيه؟ "من فضلك صِفي كيف أصبحت كاتبة." أوه.

نعومي شهاب ناي: حسنًا. نعم.

كريستا تيبيت: هل تعرفين ذلك؟ هل تحفظيها عن ظهر قلب؟

نعومي شهاب ناي: لدي هنا. نعم. هل تريد مني قراءته؟

كريستا تيبيت: نعم.

نعومي شهاب ناي: إنها قصيرة جدًا. "من فضلك صِفي كيف أصبحت كاتبة"ربما بدأت الكتابة كملاذ من كتابنا المدرسي المهين للصف الأول. تعالي، جين، تعالي. انظر، ديك، انظر. هل كان هناك أناس أكثر بليدًا في أي وقت مضى؟ كان عليك أن تخبريهم أن ينظروا إلى الأشياء؟ لماذا لم يبحثوا عن البداية؟ "

تمت كتابة هذا في الواقع بعد أن كتب لي بعض الطلاب استبيانًا حول كوني كاتبة، وكان هذا هو السؤال الأول في الاستبيان. وهكذا كتبت لهم ذلك للتو، وفكرت، "أنا أحب هذا في حد ذاته. هذا جيد." أعني، هذا صحيح أيضًا. نعم.

كريستا تيبيت: وهكذا، أعتقد أنك تكشفين عن ذلك على مستويات مختلفة. أعني، في مكان ما تتحدث عن كونك شاعرة في السابعة من عمرها تقوم باكتشافات صغيرة. أحب هذه العبارة.

نعومي شهاب ناي: أجل. شكرا.

كريستا تيبيت: ومرة أخرى، مثل، ملاحظة، أليس كذلك؟

نعومي شهاب ناي: حسنًا. أحب كلمة "صغيرتي".

كريستا تيبيت: أوه، إنها - وهناك قصيدة كتبتها عن بصلة.

"يمكنني الركوع والثناء على

كل المعجزات الصغيرة المنسية، وتقشير الورق المتكسر على لوح الصرف، وطبقات لؤلؤية في اتفاق سلس، والطريقة التي يدخل بها السكين البصل ويتفكك البصل على كتلة التقطيع، كما كشف التاريخ."

أعني، هذه طريقة - مرة أخرى، نتحدث عن الشعر، لكننا نتحدث أيضًا عن طريقة للتحرك عبر العالم.

نعومي شهاب ناي: مم. شكرا لملاحظة ذلك. لكني أفكر في شيء ما في مقال من ويليام ميروين . وقد عاش في أماكن كثيرة في حياته. عاش في فرنسا وإنجلترا والمكسيك وبنسلفانيا عندما كان طفلاً. لكن لديه سطر يقول: "لقد تعلمت من جيراني كل شيء سيقولونه لي". وأعتقد أن هذا النوع من الشهية للمعرفة، ذلك الفضول - "ما الذي ينمو هنا؟ ماذا علينا أن نفعل؟ كيف يمكننا تحسين هذه التربة؟ " هذه هي الطريقة التي عاش بها حياته كلها. لكنني أعتقد أن هذا ما يفعله الشعر في أماكننا أينما كنا. إنه يسمح لنا بالاعتزاز بما قدمناه لنا.

نعومي شهاب ناي: "بلدان".

"يتذكر الجلد طول السنوات التي ينمو فيها الجلد عندما لا يتم لمسه، نفقًا رماديًا من العزلة، ريشة مفقودة من ذيل طائر، تحوم على خطوة، جرفها شخص لم يره قط ريشة. أكل الجلد، مشى، نام من تلقاء نفسه، عرف كيف يرفع يدك. لكن شعرت بالجلد لم يسبق له مثيل، ولم يُعرف أبدًا بأرض على الخريطة، وأنف كمدينة، وورك مثل مدينة، وقبة البعوض اللامعة ومئات ممر من القرفة والحبال.

كان لدى الجلد أمل، هذا ما يفعله الجلد. يداوي المكان الذي به ندوب، يشق طريقًا، الحب يعني أنك تتنفس في بلدين، والجلد يتذكر - حرير، عشب شوكي، عميق في الجيب الذي هو سر الجلد. حتى الآن، عندما لا يكون الجلد وحده، فإنه يتذكر كونه وحيدًا وشكرا لشيء أكبر أن هناك مسافرين، وأن يذهب الناس إلى أماكن أكبر من أنفسهم ".

كريستا تيبيت: يمكنك الاستماع مرة أخرى ومشاركة هذه المحادثة مع نعومي شهاب ناي من خلال موقعنا على الإنترنت onbeing.org.

أنا كريستا تيبيت . على الهواء نتابع بعد لحظة.

أنا كريستا تيبيت، نحن على الهواء . اليوم، أنا مع "الشاعرة المتجولة" نعومي شهاب ناي.

كريستا تيبيت: أعلم أن قصيدتك "اللطف" كانت مهمة حقًا لكثير من الناس. من المثير للاهتمام - هل ستخبرنا بذلك نوعًا ما؟ لأن الخلفية الدرامية لتلك القصيدة لا تبدو مثل الظروف التي ستكتب فيها قصيدة عن اللطف.

نعومي شهاب ناي: حسنًا.

كريستا تيبيت: لذا، أود أن تروي تلك القصة فقط، ثم ربما تقرأها أيضًا.

نعومي شهاب ناي: حسنًا، أشعر حقًا، من بين كل قصائدي، أن هذه كانت قصيدة أُعطيت لي. كنت ببساطة سكرتيرة القصيدة. لقد كتبتها، لكنني شعرت بصدق أنه صوت أنثوي يتحدث في الهواء عبر ساحة في بوبايان، كولومبيا. وكنت أنا وزوجي في شهر العسل. لقد تزوجنا للتو قبل أسبوع واحد هنا في تكساس.

وكانت لدينا هذه الخطة للسفر في أمريكا الجنوبية لمدة ثلاثة أشهر. وفي نهاية أسبوعنا الأول، سلبنا كل شيء. وقُتل شخص آخر كان معنا في الحافلة، وهو الهندي في القصيدة. وكان ذلك بمثابة تغيير كبير في التجربة. وماذا تفعل الأن؟ لم يكن لدينا جوازات سفر. لم يكن لدينا المال. لم يكن لدينا أي شيء. ماذا نفعل أولا؟ أين سنذهب؟ مع من نتحدث؟ وصعد إلينا رجل في الشارع وكان لطيفًا وبكل بساطة نظر إلينا، أعتقد أنه كان بإمكانه رؤية الفوضى على وجوهنا.

وسألنا باللغة الإسبانية، "ماذا حدث لكم؟" وحاولنا إخباره. واستمع إلينا وبدا حزينًا جدًا. فقال: "أنا آسف جدًا. أنا آسف جدًا جدًا لما حدث "بالإسبانية. ومضى. ثم ذهبنا إلى هذه الساحة الصغيرة، وجلست، وكل ما كان لدي هو دفتر الملاحظات في جيبي الخلفي وقلم الرصاص. وكان زوجي ذاهبًا إلى كالي، وهي مدينة أكبر، ليرى كيفية إعادة شيكات المسافرين. أتذكر تلك الأشياء القديمة؟

كريستا تيبيت: [تضحك] نعم، أفعل.

نعومي شهاب ناي: الشيكات السياحية.

كريستا تيبيت: غريب . نعم.

نعومي شهاب ناي: لم أر إحداها منذ سنوات.

كريستا تيبيت: لا.

نعومي شهاب ناي: وكان هذا أيضًا مصدر قلق لنا بعض الشيء لأنه، فجأة، كنا سننفصل. كنت سأبقى هنا، وكان سيذهب إلى هناك. وبينما جلست هناك وحدي، في حالة من الذعر، الليل قادم، محاولًا معرفة ما سأفعله بعد ذلك، جاء هذا الصوت عبر الساحة وتحدث إلي هذه القصيدة، وتحدث بها. وقمت بتدوينها.

كريستا تيبيت: [تضحك] واو.

نعومي شهاب ناي: كنت الكاتبة فقط. لذا، هل تريدني أن أقرأها؟

كريستا تيبيت: نعم، أحب أن تقرأئيها.

نعومي شهاب ناي: " قبل أن تعرف ما هو اللطف حقًا،

يجب أن تخسر الأشياء،

وتشعر بالمستقبل يذوب في لحظة مثل الملح في مرق ضعيف.

ما تحمله في يدك،

وما احتسبته وحفظته بعناية،

كل هذا يجب أن يذهب حتى تعرف كيف تقفر المناظر الطبيعية يمكن أن تكون بين مناطق اللطف. كيف تركب الحافلة وتتخلص من التفكير فيها لن تتوقف أبدًا، الركاب الذين يأكلون الذرة والدجاج سوف يحدقون من النافذة إلى الأبد.

قبل أن تتعلم جاذبية اللطف الرقيقة، يجب أن تسافر إلى حيث يموت الهندي في معابد بيضاء ميتة على جانب الطريق. يجب أن ترى كيف يمكن أن يكون هذا أنت، كيف كان هو أيضًا شخصًا سافر طوال الليل مع الخطط والنفس البسيط الذي أبقاه على قيد الحياة.

قبل أن تعرف أن اللطف هو أعمق شيء في الداخل، يجب أن تعرف الحزن على أنه أعمق شيء آخر، يجب أن تستيقظ بحزن، يجب أن تتحدث معه حتى يلتقط صوتك خيط كل الأحزان وترى حجم القماش، ثم هو فقط اللطف الذي يبدو منطقيًا بعد الآن، فقط اللطف الذي يربط حذائك ويرسلك إلى النهار لتتأمل الخبز، فقط اللطف الذي يرفع رأسه من حشد العالم ليقول إنه أنا الذي كنت تبحث عنه، ثم يذهب مع أنت في كل مكان مثل الظل أو الأصدقاء ".

شيء واحد حاولت قوله للمجموعات على مر السنين، المجموعات من جميع الأعمار، هو أن تدوين الأشياء، مهما كان ما تكتبه، حتى لو كنت تكتب شيئًا حزينًا أو صعبًا، عادة ما تشعر بتحسن بعد ذلك هو - هي. بطريقة ما، يتم منحك إحساسًا، "حسنًا، هذا المزاج، هذا الحزن الذي أشعر به، هذه المشكلة التي أعاني منها، لقد أعطيتها الشكل. لقد حصلت على شكل على الصفحة الآن. لذا يمكنني أن أتراجع، ويمكنني أن أنظر إليها، وأفكر فيها بشكل مختلف قليلاً. ماذا أفعل الآن؟" ونادرًا ما تسمع أي شخص يقول إنه يكتب الأشياء ويشعر بالسوء.

يقولون دائمًا، "لقد كتبت الأشياء. هذا لم ينته تماما. أحتاج إلى العمل عليها ". لكنهم يتفقون على أن ذلك ساعدهم نوعًا ما على رؤية تجربتهم، ومعرفة ما كانوا يعيشونه. وهذه بالتأكيد موهبة الكتابة التي تفوق وتتجاوز أي نوع من أنواع التدريب المهني - مقدار ما ينشره شخص ما. إنه فعل يساعدك، ويحفظك، وينشطك في فعل ذلك.

كريستا تيبيت: وفي الواقع، أجريت مقابلة مع ماري أوليفر العام الماضي. وقالت - وبالمناسبة، وصفت أيضًا قصيدة "الأوز البرية"، ليس كصوت يأتي إليها، ولكن بشكل أساسي كشيء تم إعطاؤه للتو. قالت إنه ربما يوجد اثنان أو ثلاثة، لكن هذا واحد، لم تكن تفكر فيه.

نعومي شهاب ناي: أجل. هذا جميل. وهذه القصيدة مهمة جدًا لكثير من الناس.

كريستا تيبيت: حسنًا، مثل "اللطف"، إنها قصيدة تنقذ الأرواح.

نعومي شهاب ناي: حسنًا.

كريستا تيبيت: إنها قصيدة تنقذ الأرواح.

نعومي شهاب ناي: إنها قصيدة تصبح بمثابة شعار للناس. الصحيح. إنها. نعم.

كريستا تيبيت: و - لكنها دائمًا ما تحمل دفتر ملاحظات، أليس كذلك؟ أعني، هذه إحدى علاماتها التجارية. فقالت لي، "إذا لم يكن لديك دفتر ملاحظات، فلن تحصل عليه مرة أخرى. عليك أن تكتب الأشياء فور وصولها إليك ".

نعومي شهاب ناي: هذا صحيح. قطعاً.

كريستا تيبيت: وهكذا بدأت في حمل جهاز كمبيوتر محمول مرة أخرى بعد 20 عامًا.

نعومي شهاب ناي: حسنًا، أعتقد أن هذا رائع. ويمكنك حمل إحداها في أي عمر، ولن تكون أكبر من أن تبدأ.

كريستا تيبيت: لبدء حمل جهاز كمبيوتر محمول.

نعومي شهاب ناي: أجل. في الأسبوع الماضي، كنت في فصل دراسي في أوستن، تكساس، حيث كتبت فتاة، على ما يبدو كانت تمر بنوبة قاسية حقًا في المنزل، قصيدة كانت بالتأكيد مأساوية ومضحكة، كلاهما، حول نوع - كان الجميع يصرخون عليها في القصيدة مثلها من كل الجهات. كانت مجرد نوع من المعاناة في منزلها وتحاول أن تجد السلام، وتحاول إيجاد مكان لأداء واجبها المنزلي.

لكنها كتبت هذا بطريقة مقنعة لدرجة أنها عندما قرأته، وقرأته بحماس وفرح - كان هناك مثل هذا الفرح في صوتها على الرغم من أنها كانت تصف شيئًا يبدو فظيعًا. عندما انتهت، تصفيق حار من الفتيات في فصلها، ورأيت وجهها. لقد أضاءت. وقالت، "يا رجل، أشعر بتحسن."

كريستا تيبيت: [تضحك]

نعومي شهاب ناي: [تضحك] وفكرت، نعم، هذا مثال بياني لوضع الكلمات على الصفحة. هذا الشعور بالتواصل مع شخص آخر عندما تسمح لنفسك بأن تكون مميزًا للغاية هو لغز آخر للكتابة.

كريستا تيبيت: أنا كريستا تيبيت، نحن على الهواء . اليوم أنا مع الشاعرة نعومي شهاب ناي. هذا شيء ما كنت أنظر للتو إلى كتابك " حيرى أنا "، هذا الكتاب الذي كتبته، قصائد للفتيات، والذي يردد في الواقع ما قلته للتو. أنت تقول، "إذا كان لديك العديد من الأصوات دعها تتحدث مع بعضها البعض بطريقة ودية، وإذا لم تكن فخوراً بالتحدث مع نفسك بصوت عالٍ، إذا كنت ستطرح الأسئلة التي تضغط على جبهتك من الداخل، ستكون بخير. إذا كنت تكتب ثلاثة أسطر في دفتر كل يوم، "ثم بين قوسين،" (ليس من الضروري أن تكون رائعة أو مهمة، ولا يجب أن ترتبط ببعضها البعض، ولا يتعين عليك إظهارها لأي شخص) ستجد ما تلاحظه. ستكون الاتصالات غير المرئية مرئية لك. هذا ما بدأت أتعلمه عندما كان عمري 12 عامًا، ولم أتوقف أبدًا عن تعلمه ".

نعومي شهاب ناي: حسنًا. وأعتقد أن الكثير من الناس متشجعون على التفكير في أنه يمكنك كتابة هذا القليل والاستفادة منه. أنك لست مضطرًا إلى قضاء ساعة ونصف إلى ثلاث ساعات إلى خمس ساعات يوميًا في الكتابة للحصول على تجربة مفيدة معها. إنها تجربة فورية للغاية. يمكنك الجلوس وكتابة ثلاث جمل. كم يستغرق من الوقت؟ ثلاث دقائق. خمس دقائق. وامنح نفسك هدية نادرة جدًا تتمثل في الاستماع إلى نفسك، فقط اكتشف متى تعود وتنظر إلى ما كتبته. وكم مرة نفكر فيها، "أوه، لم أكن لأتذكر ذلك أبدًا لو لم أكتبه."

كريستا تيبيت: نعم، هذا صحيح.

نعومي شهاب ناي: "متى وكيف حدث ذلك لي حتى؟ لقد أعجبتني نوعًا ما هذا الأسبوع ".

كريستا تيبيت: [تضحك] هذا صحيح.

نعومي شهاب ناي: "ويمكن أن يساعدني ذلك. والآن أريد توصيله بشيء آخر ". يكتشف الجميع ذلك، ويشجعون الآخرين على القيام بذلك دون هدف كبير كبير أمامهم في جميع الأوقات.

كريستا تيبيت: لقد قلت إنك تقرأ ابنك لينام، وأنت أيضًا تقرأه مستيقظًا.

نعومي شهاب ناي: فعلت ذلك. نعم.

كريستا تيبيت: إذن ماذا ستفعلين؟ ستدخلين وتجلسين بجوار سريره ...

نعومي شهاب ناي: حسنًا، عندما كان يبلغ من العمر 13 عامًا، قال، "أمي، ليس عليك أن تقرأي لي بعد الآن. أستطيع أن أقرأ لنفسي ". وقلت، "نعم، أعرف. توقف جميع الآباء الآخرين الذين أعرفهم عندما كان أطفالهم في الثامنة من العمر "

كريستا تيبيت: [تضحك] أجل.

نعومي شهاب ناي: "أو 9. وما زلت أقرأ لك." لكنه كان لطيفًا وكريمًا حيال ذلك. وقد أحببنا وقت القراءة هذا في وقت النوم. وهكذا توقفت لبعض الوقت، ربما لمدة عام لم أكن أقرأ له. ثم ظهر هذا المزارع في أوكلاهوما في ورشة عمل وأخبرنا جميعًا أنه جاء فقط للاستماع. لقد أراد فقط أن يسمع الجميع يقرأون أعمالهم. وفكرنا، "واو. انظر إلى هذا. الجمهور المتجول. إنه لا يريد حتى المشاركة. يريد فقط أن يستمع ".

وقال: "لا، الاستماع مشاركة. انه مهم جدا." وتحدث عن كونه طفلًا واستيقظه كل يوم على يد جده الذي يقرأ للأطفال في المنزل كنداء للاستيقاظ كل صباح، ويقف في الردهة الرنانة خارج غرف نومهم، ويقرأ القصائد. وخطر ببالي. فكرت، "هذا ما سأفعله لبقية الوقت الذي يبقى فيه ابننا في المنزل. سأوقظه كل يوم بقراءة القصائد".

لذلك فعلنا ذلك لسنوات، وأعتقد أنه أحب ذلك حقًا. وأنا أقرأ كثيرًا، أناس مثل روبرت بليث، ولوسيل كليفتون، وفرانك أوهارا، لسبب ما، قصائد صينية، قصائد يابانية. وكنا نتحدث من حين لآخر عن القصائد. في وقت لاحق من اليوم، سيطرح شيئًا عن إحدى القصائد التي قرأتها.

لكنني لم أفعل ذلك أبدًا حتى نتمكن من إجراء محادثة معينة. لقد فعلت ذلك للتو لأن جميع الآباء لديهم لحظة في اليوم تحتاج فيها إلى تربية طفلك إذا لم ينهضوا بالفعل. ويحب معظم الأطفال التسكع في السرير هناك. لذلك، كان من دواعي سروري أن أسمع القصائد في الهواء الطلق أول شيء في الصباح، أن أقولها لابننا الحبيب. وآمل أن يفعل ذلك لابنه الذي سيبلغ شهرًا من عمره غدًا.

كريستا تيبيت: رائع.

نعومي شهاب ناي: أجل.

كريستا تيبيت: أنا أحب ذلك أيضًا لأنه بقدر - أطفالي أيضًا كبيرون الآن - ولكن العديد من الذكريات الجميلة التي أقرأها في نهاية اليوم، فأنت متعب جدًا في نهاية اليوم. ومن الجيد التفكير في القراءة والشعر بدءًا من اليوم الذي تكون فيه جديدًا ومتى تأخذه معك.

نعومي شهاب ناي: إنه جميل. إنه شعور جميل. وتشعر بتحسن. أنت، القارئ، تشعر بتحسن. وهناك أيضًا العديد من الأماكن الأخرى التي قد يكون هذا مناسبًا فيها. التقيت بمدير مدرسة منذ بضع سنوات، وقال لي، "أوه، لقد أحببت الشعر دائمًا، لكن لا يمكنني استخدامه حقًا لأنني مجرد مدير." قلت، "ما الذي تتحدث عنه؟ أين جهاز الاتصال الداخلي في مدرستك؟ " قال، "إنه في مكتبي." قلت، "حسنًا، هل لديك إعلانات؟"

"نعم. كل صباح." "حسنًا، لماذا لا تقرأ قصيدة لبدء يوم المدرسة بأكملها؟" وقد نسيت نوعًا ما هذا اللقاء معه، وبعد عامين، ذهبت إلى تلك المدرسة، وفكرت، "واو، لا أعرف ما الذي يحدث في هذه المدرسة." لقد نسيت أن هذا هو المكان الذي كان فيه. لكن هؤلاء الأطفال أحبوا الشعر. وأخيراً قال لي أحدهم، "حسنًا، الإعلانات، كل يوم. يقرأ لنا مديرنا قصيدة، لذلك نحمل معنا القصائد كل يوم. نحن نضعهم في رؤوسنا ". والشيء المثير للاهتمام هو أنه بدا أنه احتاج إلى دفعة قليلة لأنه لم ير نفسه شاعرًا، وأنه سيكون من المقبول له قراءة قصيدة. حسنا لما لا؟ وأيضًا، كان بحاجة إلى دفعة صغيرة حتى لا يضطر إلى قراءة القصيدة بأكملها. مثل، إذا أراد قراءة مقطع قصير فقط من رالف والدو إمرسون أو فقط - هذا مقطع من والت ويتمان - كان ذلك جيدًا. لم يكن عليك قراءة القصيدة بأكملها إذا لم يكن لديك الوقت. لقد أحب ذلك، لكنني أعتقد أنه احتاج فقط إلى التشجيع.

كريستا تيبيت: قبل أن نختتم ونسمع أيضًا المزيد من قصائدك، أود أن أتطرق قليلاً إلى والدك مرة أخرى. فقط حول مسألة اللاجئين هذه، والتي يتردد صداها الآن في العالم بطريقة جديدة يائسة.

نعومي شهاب ناي: إنه كذلك.

كريستا تيبيت: هناك شيء بداخلي يبدو وكأننا نوعًا ما - إنه يحدث - خاصة إذا كنت في أمريكا، إنه يحدث هناك، نوعًا ما. لكني أتساءل عما إذا كان الناس عندما ينظرون إلى الوراء بعد 100 عام من الآن - إذا كنا لا نزال موجودين - في عام 2016، إذا لم يكن هذا هو الشيء الذي سيغير العالم والذي سيشكل بقية القرن.

نعومي شهاب ناي: توقفي لحظة.

كريستا تيبيت: حسنًا، أولاً وقبل كل شيء، هناك الصفحة الافتتاحية من "ترحيل" حيث تقوم نوعًا ما بتخصيص الكتاب لوالدك، المقطع الذي يبدأ "لاجئ، ليس دائمًا".

نعومي شهاب ناي: نعم.

"اللاجئ

ليس دائمًا تلميذ واثق من المدرسة يتجول في شوارع القدس

كان يعرف الأزقة

يتحدث إلى الأحجار، فطوال حياته كان يلتقط الحجارة ويضعها في الجيب، في بعض واجهاته، ماذا نقول في أعقاب من كان دائمًا بالحنين إلى الوطن؟ العرب يتقاسمون المائدة .. هل هو مقدس في الوسط؟ "

وأنا أفكر في كثير من الأحيان بالطريقة التي ينظر بها المهاجرون - ينظر الناس إلى المهاجرين بمثل هذا الشعور بالضعف، كما لو أن هذا الشخص أقل مني لأنهم غادروا بلدهم. حسنًا، أعتقد في الواقع أنهم أكثر مما نحن عليه لأنهم أكثر شجاعة. لقد ذهبوا إلى مكان آخر. عليهم العمل بلغة أخرى. ما مدى سهولة ذلك؟

إذا اضطررت للذهاب إلى الصين اليوم والبدء في العيش في الصين والقيام بكل شيء باللغة الصينية، فسيكون ذلك صعبًا للغاية. لذلك، تفكر في شجاعة هؤلاء الأشخاص واليأس الذي يحاولون به إيجاد عالم من الأمان لعائلاتهم وفقط السلامة الأساسية التي نأخذها كأمر مسلم به كل يوم ننهض فيه.

وأنا لا أعرف كيف أن هذا العالم به الكثير من الموارد والعديد من التقاليد الدينية والآمال الطيبة، كيف يمكننا الاستمرار في فعل هذه الأشياء لبعضنا البعض في العالم والتي تخلق تجمعات لاجئين؟ أعني، يبدو الأمر شائنًا. لماذا يحدث هذا كثيرًا؟

كريستا تيبيت: نعم. أعتقد أن هذا سؤال آخر من تلك الأسئلة التي يجب أن نواجهها إذا استطعنا.

نعومي شهاب ناي: أجل. الصحيح.

كريستا تيبيت: أعني، هذه فقط بعض الأسطر من أخرى - قصيدة "التاريخ" في ذلك الكتاب نقل . "لقد ولدنا للتجول، والحزن، وفقدان النسب. ما فعلناه لبعضنا البعض على كوكب مفتوح على مصراعيه".

نعومي شهاب ناي: مفتوح على مصراعيه. الكثير يمكننا القيام به. دائماً. الكثير من التحركات المفاجئة لشخص ما، يمكن لدولة أن تفعل ذلك قد يكون خياليًا، قد يشجع السلوك الإيجابي بدلاً من السلبي. نعم.

كريستا تيبيت: وأنا لا أعرف. ربما يجبرنا حجم هذه اللحظة على الارتقاء إلى مستوى المناسبة. سوف نرى. يقوم البشر بذلك من حين لآخر أيضًا .

نعومي شهاب ناي: أتمنى ذلك. أتمنى ذلك. وآمل أن يرتقي الغموض إلى الذات الأفضل، والذي كان مفهومًا حيرني حقًا عندما كنت طفلاً. كانت والدتي تقول، خاصة إذا كنت قد تعرضت لنوع من الأذى في المدرسة، والذي حدث في بعض الأحيان لأنني لم أكن أركز دائمًا على جاك و- أياً كان هؤلاء الأشخاص- ديك وجين.

كريستا تيبيت: [تضحك] أولئك المملان ديك وجين.

نعومي شهاب ناي: نعم، ديك وجين المملان. كنت أحاول الابتعاد عنهما طوال الوقت. ولذا كنت سأقع في مشكلة صغيرة، وكانت والدتي تقول لي - مسؤوليتها لي - "كن أفضل ما لديك." وأعتقد، "واو، ما هذه الذات؟ أين هي؟ أين هو مطوي بعيدا؟ أين أحتفظ به عندما لا أكون عليه؟ وهل أنت أفضل ما لديك؟ هل معلمتي أفضل ما لديها؟ "

كان هذا مجرد شيء مثير للاهتمام بالنسبة لي حيث كان لدينا أكثر من ذات يمكننا العمل بها. وأعتقد أن أحد الأشياء اللطيفة في الكتابة هو أنك ستقابل، وتلتقي بهذه الذات الأخرى، والتي تستمر في داخلك: ذاتك، نفسك الأكبر سنًا، نفسك المرتبكة، نفسك التي ترتكب الكثير من الأخطاء. ثم ابحث عن طريقة كريمة ليكون لديك مجتمع بالداخل يساعدك على البقاء على قيد الحياة.

كريستا تيبيت: نعم، هذا الشعر كمحادثة. هذا صحيح. الكتابة هي طريقة لإجراء محادثة بين هؤلاء الأشخاص المختلفين بداخلك.

نعومي شهاب ناي: نعم. هذا جيد. أعتقد ذلك. وهذا شيء مهم. أعني، لا ينبغي الاستهانة بهذا، من المهم القيام بذلك.

كريستا تيبيت: أنت تكتب عن العديد من الأماكن التي تذهب إليها، وأن كلمة "الجاذبية" مهمة بالنسبة لك.

نعومي شهاب ناي: إنه كذلك.

كريستا تيبيت: ويبدو لي - إنها كلمة كبيرة بالنسبة لك. ويبدو لي أنه غالبًا ما يتعلق بالشعور بالمكان. أعني، لا أعتقد أن الأمر يتعلق دائمًا بالمكان فقط. لكن كيف - ماذا يعني ذلك في خيالك؟

نعومي شهاب ناي: حسنًا، شعر والدي وكأنه هائم، كما لو كان يتجول دائمًا. وشعرت دائمًا بأنني متجول، ولدينا العديد من الأماكن التي يمكننا استكشافها والتعرف عليها. لكن أعتقد أنه يمكنك أن تشعر بكل أنواع الجاذبية أينما كنت كل يوم بطرق مختلفة. وغالبًا، من خلال الاتصال البشري، تجد أفضل جاذبية لديك. محادثة حقيقية مع شخص ما، مجرد تبادل بسيط وبسيط للكلمات يمكن أن يمنحك إحساسًا بالجاذبية. أخذ وقت طويل - لقد أحببت دائمًا تعريف التأمل، "نظرة طويلة ومحبة." وعندما تلقي نظرة طويلة ومحبة في أي مكان، ستشعر نوعًا ما بالارتباط مع كل ما نظرت إليه. تشعر وكأنك تتعرف عليه. انت ترى ذلك. ربما يراك مرة أخرى. وأنت تشارك في عالم حيث يوجد. لذا فإن الشعور بالجاذبية والانتماء في كل مكان مهم جدًا بالنسبة لي.

كريستا تيبيت: مثل المطالبة بها، أليس كذلك؟ هذا ما تفعله. أعتقد أنك تدعي ذلك.

نعومي شهاب ناي: يطالب به. نعم، نوع من جواز السفر العالمي أعتقد أنه قد يكون. وهذه الشابة في الكويت هذا الصباح في صف سكايب الذي قمت به - كانت تقول إنها فلسطينية ولم تذهب إلى فلسطين قط ؛ ولد في الأردن، ولم ير الأردن قط؛ تم اصطحابه إلى الكويت وهو طفل، ونشأ في الكويت. الآن كانت طالبة جامعية، وقالت، "وأنا لا أنتمي إلى أي من هذه الأماكن. وأشعر بأنني على غير هدى. وأنا غير مقبول في أي من هذه الأماكن ".

وقلت، "أتمنى أن تجد طريقة للعيش، وطريقة لتكون، وصوتًا تستخدمه، حيث تشعر وكأنك في بيتك فيها جميعًا." وأعتقد أن هناك طريقة للقيام بذلك. كقراء وكتاب، نجد موطنًا معينًا في الكتب واللغة والأدب، وهذا - مثل، أسمع قصيدة ماري أوليفر، ويبدو الأمر كما لو كنت جارة لها لأنني قرأت الكثير من قصائدها، حتى على الرغم من أنني لم أقض يومًا في بلدتها.

ربما يوما ما، بعض الوقت. لكننا إذن نلتزم ببعضنا البعض. نجد من خلال الصور طرقًا لنكون معًا. لذلك لم يكن أملي لتلك الفتاة أنها ستشعر بالغربة إلى الأبد من جميع أماكنها، ولكن يمكنها أن تجد طريقة لتكون على طبيعتها كثيرًا وتدع تلك الأجزاء من نفسها تواصل الحوار من خلال الكتابة أو من خلال أي شيء تختاره. لكنني أعتقد أن الكتابة ستساعد حقًا في حالتها. سيساعدها على الشعور بالهوية.

كريستا تيبيت: إذن، والدك اللاجئ الفلسطيني، تقول - وهذا يأتي مرارًا وتكرارًا - ولكن كما كتبت عنه، في نهاية حياته، بعد وفاته، تقول، "لقد أحب العالم. لقد أحبطه العالم إلى ما لا نهاية، لكنه أحبه وكان يأمل في ذلك ".

نعومي شهاب ناي: أجل.

كريستا تيبيت: هناك جملة جميلة، "لم يفقد الأمل أبدًا. كل شيء يعتمد على الاحترام المتبادل. كان حزن والدي عبارة عن كتلة أرض مغمورة بالمياه ". أردت أن أسألك عن جوهر الأمل بالنسبة لك.

نعومي شهاب ناي: أوه. شكرا لسؤالك ذلك. الآن، العيش في تكساس، إنه فصل الربيع، وكل شيء ينفجر. أعني، الأشياء التي نسيناها حتى أننا زرعناها، أشياء لا نتذكر اشتقاقها - من أين أتى ذلك؟ كل هذه الأشياء تنبثق وتنفتح، والهواء تنبعث منه رائحة حلوة للغاية مع هذه الشجرة الرائعة التي لدينا هنا والتي تسمى جبل لوريل.

وهناك نوع من الشعور المسكر بالربيع ينفتح، مثل، كل هذه الزهور تفتح وجوهها على السماء. ومن ثم لدينا الحقول والحقول المذهلة والأميال والأميال من الزهور البرية في تكساس. وفقط هذا الشعور بالعودة والاستعادة والطاقة العائدة من التربة. ولذا أعتقد أن هبة الحياة اليومية، التي هي كنزنا طالما أننا نعيش، آمل أن تكون هناك أيام بكل مهامهم ومهماتهم البسيطة، ولكن أيضًا لحظات من التخوف أكبر من تلك المهام والمهمات، أو لحظات القلق التي تأتي من خلال تلك المهام.

وكان الناس يسألونني كثيرًا عندما كنت أصغر سناً، "لماذا تكتب عن الأشياء الشائعة؟ عادي، مثل الأشياء الصغيرة العادية؟ " وقلت، "حسنًا، ماذا لديك في حياتك؟ أعني، أنا لا أعيش كما في ستار تريك. لدي أشياء مشتركة في حياتي. ماذا لدي أيضا؟ " لكنني لا أعتقد أن الأشياء نفسها مشتركة. أعتقد أنها معجزة أن أي شيء يعمل.

كنت أفكر في فلينت بولاية ميشيغان كثيرًا هذه الأيام. أفكر كثيرًا في معجزة السباكة وكل الألغاز التي لا نراها تحت التربة. الأنابيب والأسلاك والتوصيلات اللاسلكية الآن.

أعني، مجرد التفكير في كل ما يحدث، يشبه نوعًا ما عندما تكون طفلًا مفتونًا بكل الأشياء التي تحدث داخل جسمك، ولم يكن عليك إخباره بفعل ذلك. مثل، اعتدت أن أعتقد أن معدتي - أنا أستوعب الآن. لم يكن علي أن أخبرها أن تفعل ذلك. لقد فعلت ذلك للتو. هذا غير معقول أو القلب ينبض، أو الدم يتدفق عبر الأوردة.

وأنت تعتقد، واو كل هذه الأشياء تستمر. هذا ليس مألوفًا بالنسبة لي. هذا معجزة. شيء مذهل. وهكذا فإن الكتابة هي طريقة نستعيدها باستمرار - باستمرار. وقراءة أعمال الآخرين، واستعادتها إلى ذلك. كيف يمكن أن تشعر بأنك عجوز جدًا أو ممل جدًا في عالم كهذا؟

كريستا تيبيت: تشمل كتب نعومي شهاب ناي 19 نوعاً من الغزال، أنت ولكم، كلمات تحت الكلمات، حيرى أنا: قصائد للبنات، و" ترحيل" . في onbeing.org، يمكنكم الاستماع مرة أخرى وقراءة وتنزيل جميع القصائد التي ألقتها نعومي شهاب ناي هذه الساعة، بالإضافة إلى العديد من القصص الأخرى المرفقة.

نعومي شهاب ناي: "عبور هذا الخط" هي قصيدة مهمة بالنسبة لي لأنني أحببت بول روبسون كثيرًا عندما كنت طفلاً. أحببت صوته. كان لدينا سجل له وهو يغني. ولن أقرأ سيرته الذاتية حتى أصبحت بالغًا وأعرف ما عانى منه باعتباره شيوعيًا، وكيف تم سحب جواز سفره منه. ولم يُسمح له بمغادرة البلاد، رغم أنه كان لديه نادٍ ضخم من المعجبين في أوروبا وأماكن أخرى. لذلك اعتقدت أن هذا كان مضحكًا جدًا عندما فعل هذا. وأنا الآن أمتلك قرصًا مضغوطًا لهذه الحفلة الموسيقية.

كريستا تيبيت: أوه، حقًا؟

نعومي شهاب ناي: أجل. أرسلها لي شخص ما. لا أعرف، بعض التسجيلات الأرشيفية. مذهل جدا.

كريستا تيبيت: رائع.

نعومي شهاب ناي: "عبور هذا الخط."

"وقف بول روبسون

على الحدود الشمالية للولايات المتحدة الأمريكية وغنى في كندا وهناك جمهور واسع على كراسي قابلة للطي في انتظار سماعه.

غنى في كندا.

غادر صوته الولايات المتحدة عندما لم يُسمح لجسده بتخطي هذا الخط.

مرة أخرى،

أيها الصديق الشجاع. ما هي الدول التي قد نندمج فيها؟ ما هي الخطوط التي يجب أن نعبرها جميعًا؟ ما الأغاني التي تسافر نحونا من بعيد لتعميق أيامنا؟ "

العاملون على الهواء هم ترينت جيليس، كريس هيجل، ليلي بيرسي، ماريا هيلجسون، مايا تاريل، آني بارسونز، ماري سامبيلي، أصيل زهران، بيثاني كلويكر وسيلينا كارلسون ودوب أويبولو وأريانا نيدلمان .

كريستا تيبيت: تم إنشاء On Being في American Public Media. وشركاء التمويل لدينا هم:

مؤسسة فورد، التي تعمل مع أصحاب الرؤى على الخطوط الأمامية للتغيير الاجتماعي في جميع أنحاء العالم على fordfoundation.org.

معهد Fetzer في بناء أساس روحي لعالم محب. يمكنك العثور عليها على موقع fetzer.org.

Kalliopeia، التي تعمل على خلق مستقبل حيث تشكل القيم الروحية العالمية الأساس لكيفية رعايتنا للوطن المشترك.

مؤسسة هنري لوس، لدعم اللاهوت العام وإعادة صياغته.

ومؤسسة Osprey، الحافز لحياة ممكّنة وصحية ومرضية..

***

.....................

المصدر

https://onbeing.org/programs/naomi-shihab-nye-before-you-know-kindness-as-the-deepest-thing-inside/

 

د. بن عبد الله الحفياني باحث أكاديمي وشاعر سامق في لغته وهادئ في لغته ينظر بشموخ إلى العبارة التي التي يقدمها كما يقدم ثمرة باذخة من ثمار النخل الذي تعلم منه السمو في كل شيء يمزج في كتاباته بين ماهو شعري أكاديمي في الكتابة يجمع بينهما الإنشغال باللغة التي تشكل بالنسبة إليه ملاذا ويبتا ليشكل فيه أسئلته وأفكاره كان لنا هذا اللقاء للإقتراب أكثر من عوالمه منا السؤال ومنه الجواب وتشكل هذا الحوار الذي نأمل أن يكون صورة أكثر وضوحا عن عوالمه وانشغالاته وندع سيرته الذاتية أسفل الحوار للتعرف على جوانب أخرى فيه .

***

س: كانطلاق وتمهيد لهذا الحوار أين يجد بن عبدالله الحفياني نفسه هل في الشعر كسكنى يؤسسها الشاعر في اللغة وبنى استعارية تؤسس وجودها على اشتباك الذات مع اللغة أم في التفكير في اللغة وتفكيك آليات اشتغالها وهو ما يتحدد في مهمة الباحث إلى أي الضفتين تميل أكثر الشعر أو البحث اللغوي؟

ج: بداية، تقبل خالص شكري سيدي محمد الأديب الألمعي على هذه الدعوة الكريمة، وهذه المبادرات التي تستحق كل التنويه والتشجيع، وبعد

يمكن القول إن التعلق بالشعر والكتابة الإبداعية عموما كان إحساسا طفوليا روادني منذ الصغر، وقد بدأت محاولاتي في الكتابة في مستوى التعليم الأساسي الابتدائي، واستمر الحال إلى السنة الأولى من التعليم الجامعي، لكن بمجرد دخولي سلك التبريز، أصبت بما يسمى بالسكتة الإبداعية أو الحبسة النفسية، حينما أدركت أن واقع البحث ومتطلباته في سلك التبريز الذي يعتبر من أصعب التكوينات العلمية في النظام التعليمي المغربي أكبر من النص الجمالي الذي يمكن أن أنتجه، بل إنه أكبر من أن يدع النفس تنضج ذلك الفضول الإبداعي الطفولي الذي راودها قديما على حين غرة ودون سابق إنذار، فتحولت بشكل قسري بناء على ذلك من الكتابة الإبداعية المسكونة بالذاتي الجمالي والمتخيل والإيحائي إلى مستوى الكتابة في الميتالغة أو اللغة الواصفة، سواء في النقد أو اللغة أو اللسانيات، وتكرس هذا الأمر ضمن مساري الأكاديمي قبل الدكتوراه وبعدها أيضا، وصار أكثر ارتباطا بالبحوث اللغوية سواء في النحو أو اللسانيات أو علم المصطلح. طبعا النفَس الإبداعي بداخلي لا يستسلم ولن يفعل بسهولة، وهو ما جعلني أؤوب إلى ضفته بين فينة وأخرى بحثا عن السلام الداخلي والمصالحة مع هذه الذات الجامحة التي أرهقها السؤال والإشكال، لكن الإكراهات الأكاديمية مع ذلك، تجعلني أميل للبحث اللغوي أكثر من الإبداع الأدبي في معظم الأوقات .

س: يلاحظ على كتابتكم الشعرية هيمنة المنحى اللغوي بالمقارنة بالمناحي والأبعاد الأخرى فلسفية.. وغيرها لماذا هذا الاهتمام الكبير بالعوالم اللغوية هل هي اقتضاءات وشروط شعرية يفرضها العروض وتوابعه على آليات اشتغالكم أم قصدية منكم لنحت تجربة ومسار خاصين بكم؟

ج: لا شك أن الشعر فن لغوي بامتياز، وكل الرؤى والعوالم التي تشكله تدين للغة بمهمة التعبير والتشكيل، دون الحديث عن وظيفة التأسيس والتعريف، إذ لا حياة لها دون اللغة ومقتضياتها من المعجم والتركيب وغيرها.

طبعا عندما نتكلم عن الشعر العمودي، فلا يمكن أن نتجاهل قيود القافية والبحر والروي وغيرها من لوازم عمود الشعر كما وضعه المرزوقي (ت 421هـ)، وهو ما يدعوني للبحث عن وحدات معجمية عربية لم تعد متداولة بالقدر الكافي في المشهد اللغوي الحديث أو المعاصر، وكل ذلك من أجل الحصول على التناغم الإيقاعي المطلوب، وهذا يعطي انطباعا للملاحظ أن سؤال اللغة يتعالى عما سواه في تجربتي الشعرية المتواضعة، رغم أنني أكتب أيضا شعر التفعيلة، وأنفتح أحيانا على كتابة قصيدة النثر.

والحال أن هذا المنحى اللغوي الذي يحاول أن يكون مخلصا للغة ما أمكنه في جوانب المعجم والتركيب والدلالة هو خيار شخصي، قد لا يوافقني عليه الكثيرون، لكني أراه مجديا في وقت تعرف فيه الكتابة الشعرية نمطا واحدا سائدا هو قصيدة النثر التي يحج إليها الكثير من الشعراء عن وعي أو من دونه حتى لدى البعض ممن يستسهلون الكتابة الشعرية، لذلك رأيت أن أجد لنفسي هذا المسار الذي ليس بدعا من القول في الحقيقة، لأنه امتداد للتراث الشعري العربي القديم، وهو امتداد أيضا لتجارب شعرية مغربية حديثة ومعاصرة كما هو الحال عند محمد علي الرباوي وحسن الأمراني وغيرهما، وأن أنأى بنفسي عن السائد الشائع الذي يقصده الناس بهوادة وبلا هوادة أيضا.

وصدقني قد لا يبدو هذا المسار المسكون باللغة مجديا عند الكثيرين، لكن ذاتي الشعرية تجد سكينتها الإبداعية فيه، في انتظار أن تجد ذلك التألق والألق المنشودين

س: يمتد اشتغالكم على اللغة إلى مجال الدراسة الأكاديمية كيف ترى واقع البحث في اللغة العربية على المستوى الأكاديمي؟ هل استطاع البحث اللغوي العربي إنجاز شيء مختلف ونوعي مقارنة بما أنجز في الماضي أم أن الأمر ماهو إلا اجترار وتكرار لما أنجز في الماضي أو نقل لما لأنجز بالغرب من علوم ومناهج لدراسة اللغة؟

ج: أولا أنا لست مؤهلا، ولست في موقع يمكنني من الحكم على واقع البحث اللساني في المغرب؛ لأنني أعتبر نفسي لا زلت أمشي على وجهي حسيرا في هذا الميدان، ومازلت في حاجة إلى ثني الركب أمام شيوخه وعلمائه وجهابذته، حتى أتعلم منهم ما لم أكن أعلم، وأتقن ما لا أعرف، لكني أقول مع ذلك أنه رغم التقهقر الذي يعيشه البحث العلمي في الجامعات المغربية كافة، والدليل غياب جامعاتنا في أحدث تصنيف عن نادي الألف لأحسن الجامعات في العالم، إلا أن البحث اللغوي واللساني بمختلف مستوياته ومرجعياته يمكن أن يكون نقطة الضوء الوحيدة التي تميز الجامعات المغربية عن نظيراتها العربية؛ وذلك يعود في تقديري لسببين رئيسيين: الأول هو تمكن المغاربة من التراث اللغوي نحوا وصرفا وبلاغة تمكنا رصينا، دون أن يكون هذا الضبط مدعاة للتقوقع على هذا التراث والانغلاق عليه، بل إنهم أخذوا مسافة منه، وحاولوا أن يسائلوه مبرزين جوانب قوته ومظاهر قصوره في الآن ذاته. أما السبب الثاني، فهو التمكن من اللغات الأجنبية والانفتاح على المدارس اللسانية في وقت مبكر، وهو ما مكن اللسانيين المغاربة من مواكبة التطور الطبيعي لهذه المناهج اللسانية، مع كيفية تبييئها، والاستفادة منها في خدمة العربية، طبعا اللسانيات لا تهتم بهذا الفارق بين اللغات ولا تمنح الأفضلية لإحداها على حساب الأخرى؛ لأن موضوعها هو اللغة الطبيعية، لكن هذا لم يمنع الباحثين اللسانيين من أن يكونوا برغماتيين في التعامل مع اللسانيات خدمة للقضية اللغوية في مواضيع مثل السياسة اللغوية، التوليد المصطلحي، تعليم العربية لغير الناطقين بها، وقضايا المعجم وغيرها.

وهذا ما جعل البحث اللغوي عموما، والبحث اللساني المغربي على وجه الخصوص رائدا على المستوى العربي، بل ان صيته بدا صداه واضحا حتى في الأوساط اللسانية الدولية، وأصبح للسانيين واللغويين المغاربة إشعاع كبير ومكانة محترمة، ومن أمثلة ذلك: عبد القادر الفاسي الفهري رائد اللسانيات التوليدية عربيا، وأحمد المتوكل رائد اللسانيات التداولية، والشاهد البوشيخي مؤسس منهج الدراسات المصطلحية، ومحمد الحناش في النحو التأليفي، ومولاي أحمد العلوي في الدراسات التأثيلية، وعز الدين البوشيخي في العمل المعجمي، وسعيد بنكراد في السيميائيات، ومحمد أمين في التركيب وعبد المنعم حرفان في الصرافة، ومحمد غاليم في الترجمة اللسانية، وعبد المجيد جحفة في البحث المعجمي، ومبارك حنون في الصواتة، ومحمد شحلان، ومحمد التاقي، ومحمد السيدي وعبد العلي الودغيري، وموسى الشامي، وفؤاد بوعلي وآخرون كثر لا يسمح المقام بذكرهم جميعا في سياق هذا الحوار من الذين وضعوا بصماتهم في البحث اللغوي محليا وعربيا ودوليا، وينبني على هذه السردية النظر بإيجابية إلى البحث اللغوي المغربي على مستوى الرواد الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، في أفق أن يسير الخلف على نفس المنوال، مع ضرورة استدعاء النفس التجديدي الطبيعي الذي يميز مرحلة عن أخرى، لمواصلة المسير، أقول هذا الكلام وأنا متيقن أن حكمي يبقى قاصرا، كما قلت آنفا؛ لأنني لا أمتلك كل الأدوات الإجرائية المناسبة التي تخول لي تقييما شاملا وشموليا للمنجز اللساني المغربي أو للمتن اللغوي من البحوت والدراسات في هذا السياق.

س: علاقة باللغة وباهتمامكم بالحقل المعجمي الذي اقتربتم منه كثيرا أكاديميا وشعريا كيف ترى المعجم اللغوي العربي الذي يتميز بميزة خاصة تميزه على اللغات الأخرى وهي الترادف الذي يجعل من اللغة العربية كميا من أكثر اللغات اتساعا معجميا هل يمكن اعتبار الترادف غنى للغة أو عبئا عليها خصوصا أن التواصل الإنساني الفعال والإيجابي يمكن أن تحققه لغة ليست بهذا الاتساع والشساعة المعجمية التي توجد في اللغة العربية؟

ج: أولا هناك اختلاف كبير بين المدارس اللسانية في مسألة ربط اللغة بوظيفة التواصل، ففي الوقت الذي يركز فيه الوظيفيون على التواصل، واعتباره عنصرا أساسيا في دراسة اللغة وفهمها وتفسير بنياتها، فإن التوليديين، يرون أن منزلة التواصل من اللغة ثانوية جدا، وهي بنفس منزلة ضرب كرة القدم من الرِجْل التي لها وظائف أساسية غير لعب كرة القدم، لذلك تجدهم يركزون على جوانب أخرى كالإنتاج والاكتساب وغيرها انطلاقا من فرضية فطرية اللغة مع وجود نحو كلي جامع للغات، ويفسرون كل ذلك ضمن نماذج كالنموذج التوليدي التحويلي / النموذج التركيبي والنموذج العاملي، ونظرية الحواجز، والنموذج الدلالي مع اعتبار الدلالة مكونا تأويليا ثم مكونا توليديا فيما بعد، والبرنامج الأدنوي، إضافة إلى المقاربات الصواتية والصرافية والمعجمية التي تلتئم لتقديم تفسير علمي للغة وفقا للفرضيات المنطلق منها.

وبالعودة إلى قضية الترادف في اللغة، فالأكيد اليوم، بحسب الدراسات اللسانية الحديثة، أن ليس هناك ترادف في اللغة العربية، وفي أية لغة من اللغات الطبيعية، لأن ما نعتبره نحن ترادفا، هو في الحقيقة عبارة عن وحدة معجمية، تشترك في النواة الدلالية مع وحدة معجمية أو وحدات معجمية أخرى، في حين أن المعاني المعبر عنها بينهما تختلف بحسب درجات الاتساع والضيق كمّا ونوعا وشكلا وسياقا، ولذلك فالشك والريب والجرم مثلا، لا تمتلك نفس المعنى، وكذلك أسماء الحب والسيف والأسد، فلكل مفردة معنى مخصوص، يختلف بالضرورة عن سابقه أو لاحقه، وعليه فإن ما يصلح له السابق ويعبر عنه، لا يمكن أن يكون هو نفس ما يلتئم مع اللاحق وينسجم معه.

وينبني على ذلك القول: إن ما يميز العربية هو كثرة جذورها المعجمية وقابليتها للنمو بالاشتقاق وليس بالإلصاق، وهو معطى غاية في الأهمية، لأنه يسهل عمليات التوليد المصطلحي من اقتراض وتدخيل وتعريب وترجمة واشتقاق، وهو ما يضع العربية في صلب الحضارة الإنسانية.

أما مسألة التواصل فالأكيد، كما تفضلتم، أنه قد يكون فعالا حتى في اللغات التي يشح معجمها، وذلك لسبب بسيط هو أن التواصل ظاهرة إنسانية ثقافية قبل أن يكون ظاهرة لغوية، لذلك فالإنسان يمكنه الاستغناء عن الملفوظ (الألفاظ) في التواصل، ويكتفي بالتواصل الإشاري عبر حركات الجسد وتعبيراته، أو التواصل النسقي الثقافي عبر مكونات هويته المختلفة، أو التواصل الوظيفي، كما هو الحال في لوائح التشوير الطرقي واللافتات والملصقات والإشهارات وغيرها، بل إن هذا النوع من التواصل، أقصد غير اللفظي، يكون ضروريا في بعض السياقات والمقامات، وبالتالي فإن غنى المعجم أو افتقاره في علاقته بالتواصل، لا يمكن أن يكون ميزة إلا في الشيء اليسير، كما لا يمكنه أن يكون آفة في اللغة الموسومة به أو عبئا عليها؛ لأن آثار المعجم تبدو واضحة أكثر عندما يتعلق الأمر بالوظيفة الحضارية للغة في استنبات العلوم أو نقلها أو وصفها أو تفسيرها، أما في التواصل الإنساني العادي اليومي، فإن هذا الأثر يكون أقل وضوحا وأقل طلبا.

س: في علاقة بالمعجم باللغة لكن هذه المرة في ما يخص علاقة المعجم بالشعرية خصوصا أن الشعرية العربية عرفت تطورات مهمة وتحولات منحت اللغة طاقات وآليات جديدة بظهور أشكال شعرية جديدة من قبيل قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر وقصيدة النثر هل استطاع المعجم الشعري العربي مواكبة هذه التحولات والتعاطي إيجابيا أم أن هيمنة المعجم الشعري الجاهلي والأموي والعباسي سيبقى هو المهمين على الشعرية العربية أم أن اللغة العربية بالوضع الحالي ليس بمستطاعها مجاراة هذه التطورات؟ كيف ترى هذه التطورات وهل بالإمكان تشكيل معجم لغوي بعيدا عن المعجم السالف ذكره؟

ج: التطورات في اعتقادي المتواضع هي تطورات طبيعية، بالنظر إلى كثرة الزخم الذي صاحب الشعرية العربية منذ مراحلها الأولى وحتى اليوم، سواء من حيث المنجز الشعري أو آليات قراءته أو الخلفيات والمناهج النقدية الموازية. ولا شك أن المتابع لصيرورة الشعر العربي يستطيع أن يلمح بسهولة مجمل التحولات الطارئة على الكائن الشعري الذي تمثله القصيدة، إن على مستوى الشكل المورفولوجي أو الإيقاعي أو البلاغي، أو المعجمي وهو الذي يعنينا في هذا المقام، تبعا لسؤالك، حول ماهية التحول في المعجم. وهنا لابد من إبداء ملاحظة تبدو لي أساسية في هذا السياق، وهي أن معجم القصيدة العربية تدرَّج من "التعقيد" نحو البساطة بشكل مرحلي ومدروس أملته شروط ثقافية وظروف سياسية اجتماعية معلومة، فالمعجم في الشعر الجاهلي ليس هو نفسه في الشعر الإسلامي أو الأموي أو العباسي أو المغربي والأندلسي أو الرومانسي أو شعر التفعيلة، وهكذا الأمر مع جميع المحطات الشعرية العربية. وإذا كان معلوما، أنه كلما تقدم الزمن، إلا وتخلص المعجم الشعري من طابع التعقيد، إلا أن الملاحظة التي أريد التعبير عنها في هذا السياق، ولو على عجل، أنه كلما ضاقت بيئة إنتاج الشعر، وتقلصت مساحة متلقيه والمعنيين به أساسا، إلا وكان المعجم ضاربا في التعقيد وغارقا في الغرابة، لذلك وجدنا أن الشعر الجاهلي كان أغرب مما سواه من أشعار في المفردات المستعملة؛ لأنه كان شعرا "قبليا" بامتياز، من حيث قصدية رسالة الشاعر، أو من حيث طبيعة المتلقي المعني بفهم القصد من الرسالة، وبناء عليه فشعر "عنترة بن شداد" مثلا هو موجه للمتلقين من قبيلة بني عبس بالأصالة وما سواهم بالتبع، ولذلك من الطبيعي أن يتضمن شعره بعض المفردات التي لا تتداول إلا في هذه القبيلة والتي قد لا تفهمها القبائل الأخرى، وهكذا الأمر مع كل شعراء تلك الفترة، وهو ما جعل أشعارهم مليئة بالألفاظ غير الشائعة، لكن عند الانتقال إلى الشعر الإسلامي، اتسعت رقعة القصد والتلقي أيضا لتشمل الجزيرة العربية وغيرها من البقاع، ولذلك تخلص الشعر من بعض التعقيد قياسا إلى المرحلة الجاهلية؛ لأن وظيفة الإبلاغ لم تعد متقوقعة في بيئة منغلقة على ذاتها، بل صارت تشمل عددا كبيرا ممن يجب أن يفهموا المقصود من الرسالة دون غبش، وهكذا الحال مع الفترتين الأموية والعباسية، إلى أن وصل الشعر إلى شعر التفعيلة وقصيدة النثر، وفي هذين النظامين صار المعجم أكثر وضوحا وبساطة، وتوجهت الغرابة إلى التركيب عوضا عن الكلمة الواحدة، وذلك عبر تقنية الانزياح واستعمال الرمز والأسطورة والانفتاح على التمثلات الفلسفية والدلالات الفكرية العميقة، لقد تخلص الشعر من الطابع القبلي والطابع القومي ليكون عبارة عن رؤية للعالم مشكلة من رؤيا حالمة بانصهار الذات الشاعرة فيما هو إنساني شمولي كوني، وهنا خلاصة الملاحظة التي عبرنا عنها آنفا، والتي يمكن اختزالها في المفارقة التالية: كلما غرق الشعر في التعبير عن الذات بالمعنى الاجتماعي والجغرافي والثقافي وانغلق عليها من حيث القصدية الأولى، كلما كان المعجم معقدا معبرا عن طبيعة المفردات السائدة في ذلك السياق. وكلما انطلق الشعر نحو العالم ليعبر عن إنسانية الإنسان، كلما كلف نفسه البحث عن المشترك إنسانيا على كل المستويات، ومن ضمن ذلك اللغة والمعجم اللذين صارا واضحين مألوفين؛ ولذلك يمكن أن نقول إن الشعر الحديث والمعاصر، لا شيء فيهما عربي غير اللغة وبعض من المعيش اليومي اجتماعيا وسياسيا الذي يطفو هنا وهناك؛ لأن الرؤية الكونية طغت على ما سواها، فسار الفرق بين الشعراء على اختلاف جنسياتهم كامنا في اللغة وما يتبعها من الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية، دون وجود فروق كثيرة في مستويات أخرى.

أما عما إذا كان معجم اللغة العربية قادرا على رصد التحولات الممكنة، فأقول باختصار شديد إن التحولات الراهنة لا تشكل عبئا على المعجم العربي الذي يمتلك من المرونة الصرفية، ما يجعله قابلا للتشكل في صيغ صرفية متعددة، كما أنه يمتلك بهذه الخصيصة طاقة توليدية هائلة تربو عن أربعة وعشرين مشتقا للجذر الواحد باعتبار نظام التقليبات وما ينتج عنه من المستعمل والمهمل، وبناء عليه فإني أعتقد أن أي معجم لغوي جديد يمكن أن يُشكَّل، سيكون بمثابة الوريث الشرعي للمعجم السابق عليه؛ لأنه لا ينفك عن قوانينه الصوتية أو الصرفية ولا يخلو من مقتضياتها، وسيكون في أحسن أحوال تحرره وتصرفه تحت وصاية اللغة ومشمولا برعايتها ومحكوما بتوجيهاتها وقوانينها.

س: لنعرج قليلا بعيدا عن اللغة المعجم وندخل في الاشتباكات التي تؤسسها اللغة مع الثقافة حيث إن اللغة والثقافة وجهان لعملة واحدة رغم استقلال كل واحدة منهما على الأخرى، كيف ترى واقع العلاقة بين الثقافة واللغة على مستوى اللغة العربية؟ وهل باستطاعة اللغة العربية أن ترقى بواقع الثقافة العربية؟

ج: الثقافة في أوسع مفاهيمها هي كل ما يُثْقِفُ العقل فيسهم في تقييد انطباعاته الذوقية بقيود معلومة وقابلة للتحكم فيها، حتى لا يزيغ عن المقصود من حيث يُظَن أنه بهذه الحرية الانطباعية يمكن أن يفضي إلى المقصود، فيحقق بعضا من مراميه ومقاصده، لكننا إذا شئنا أن نحد من فوضوية دلالة الثقافة، يمكن أن نقول إنها تقع في منطقة وسطى بين الهوية والحضارة، فالأولى خاصة بطبيعة الانتماء، والثانية خاصة بمكونات هذا الانتماء وتجلياته المختلفة، والثقافة بينهما لأنها عنوان بارز لهذا الانتماء، إذ إن طبيعة ثقافتي تعكس هويتي، والثقافة تعكس هوية جنس الإنسان عموما تمييزا له عن سائر الحيوان، لأنها مؤشر قوي على الكائن العاقل، والطبيعة في مقابل ذلك تعبر عن الطابع الغريزي الشهواني الذي قوامه المطعوم والمشروب والمنكوح بحسب عبارة ابن سينا، والثقافة في المقابل جزء لا يتجزأ من الحضارة التي تشكَّل من الإنسان والعرفان واللسان والأديان والعمران، وبهذا المعنى فهي تجمع الطرفين الحضارة والهوية، لكن هذا الجمع لا يكون إلا فيما كان إنتاجا بشريا خالصا، ولا دخل للمرجعيات الميتافزيقية أو اللاهوتية فيه بحسب وجهة نظري المتواضعة.

وتبقى علاقة اللغة بالثقافة مشْكلة بالنظر إلى أن أغلب من تطرقوا للموضوع لم يميزوا بين الفكر في ارتباطه باللوغوس (Logos)وتلويناته الدلالية المختلفة، والثقافة في ارتباطها بالمنجز المادي المعلوم من اللغة والفن والعلوم وغيرها، فجعلوا، وفقا لهذا الفهم المغلوط، اللغة قرينة الثقافة ووجها من وجوهها، والحال أن اللغة ملازمة للفكر، لأنه لا يتصور وجود لغة من دون فكر يسندها، كما لا يوجد فكر من دون إواليات اللغة ومبادئها المنطقية والنحوية التي يمكنها التعبير عن الفكر في قوالب صورية تمكن من إنتاج دلالات معقولة ومقبولة تركيبيا، ولذلك قالوا: (إن الفكر لغة مهموسة، واللغة تفكير بصوت مسموع) للدلالة على طبيعة هذه العلاقة الاستلزامية بينهما وشدة اقتضاء أحدهما للآخر .

أما العلاقة بين اللغة والثقافة، فتختلف عن علاقة الاستلزام الآنفة الذكر؛ لأن اللغة جزء من الثقافة، كما أنها جزء من الحضارة والهوية أيضآ، أما الثقافة فجزء من الهوية من جهة، ومن الحضارة من جهة أخرى كما أسلفنا .

طيب إذا كان الأمر على هذه الشاكلة، فما علاقة اللغة بالثقافة؟؟ لقد سبقت الإشارة إلى أن اللغة جزء لا يتجزأ من الثقافة، فالكائن الثقافي هو الكائن الناطق، والنطق هنا لغة ومنطق في الآن ذاته، بمعنى أنه كائن لغوي وكائن عاقل بالتبع، والدليل على أن اللغة جزء من الثقافة، أن محددات تمييز الذات عن الآخر ثقافيا، يكون رائزها ومعيارها الأول هو اللغة، فاختلاف العربي عن الفرنسي مثلا، له مؤشرات منظورة ومسطورة، وأولها اللغة، فأنا مختلف عنه لأنني لا أشاركه اللغة نفسها، ثم يأتي بعد ذلك الجنس والقيم وغيرها... ولكن اللغة بهذا المعنى ليست جزءا سلبيا تابعا للثقافة بلا أثر عليها؛ لأنها ظاهرة قابلة للاكتساب، ولأنها الأداة الحاملة والوعاء الذي تُصْرَف فيه المضامين الثقافية على قَدَر وعلى فترات، فالثقافة من دون اللغة المعبرة والأداة الحاضنة تبقى في حالة كمون إذا شئنا استعارة المصطلحات الطبية، ولن تنشط وتفعل إلا باللغة، كما أنها تبقى موجودة بالقوة في غياب اللغة إذا شئنا استعارة العبارات الفلسفية، ولن يكون لها الوجود الفعلي إلا باللغة التي تحققها وتمنحها وجودها المادي المعلوم، ثم إنها تبقى داخل البنية العميقة مالم تُصَوْرِنْها اللغة إذا شئنا استعارة اصطلاحات اللسانيين، ولن يكون لها تمظهر في البنية السطحية إلا بمباركة اللغة، فاللغة بهذا المعنى هي الجزء الذي يتوقف عليه تفعيل الكل الذي هو الثقافة، إن العلاقة بينهما معقدة نوعا ما، لكن الحاجة إلى طبيعة التمفصلات القائمة بينهما تبرر هذا التعقيد وتقعد له القواعد التي تضمن استمراريته ونجاعته في الآن نفسه.

ووفقا للسالف يمكن القول إن حدود مسؤولية اللغة العربية أو أية لغة أخرى في الرقي بالثقافة تبقى محدودة، بالنظر إلى أن الوعاء الذي هو اللغة هنا، يفترض فيه أن يكون شكلا ثابتا، وأن المحتوى المفرغ فيه الذي هو الثقافة هنا، يجب عليه أن يأخذ شكل الوعاء ومقاساته، هذا إذا كنا نعتبر أن العلاقة تتخذ طابعا ميكانيكا طبقا لعلاقة الوعاء والمحتوى السالفة الذكر، لكن مهلا، فالأمر ليس بهذه التبسيطية، مادامت اللغة كما سبق ليست جزءا سلبيا، فهي ليست شكلا ثابتا، بل هي كائن متطور ينمو ويكبر وقد يموت، وهذه الحالات التي تعتري كل لسان، تؤثر على الثقافة وتعتريها، فاللغة الميتة تعني ثقافة لا وجود لها، وعليه فاللغة يمكن أن ترتقي بالثقافة إذا كان المتكلم بها منخرطا في المشاريع الثقافية الصغرى والكبرى على السواء، بشرط أن يتعالى إنتاجه الثقافي عن الذاتي ومقتضياته، وأن يكون مخلصا للثقافة في ذاتها ومن أجل ذاتها لا لشيء آخر سواها، وهكذا يمكن أن نقول إن المسؤول عن رقي الثقافة أو تقهقرها هو الإنسان بالأصالة وليس اللغة؛ لأن تأثيرها يكون بالتبع لمن تكلم بها وحملها ما شاء مما عنَّ له من المعاني والدلالات والأفكار والقيم.

كلمة أخيرة؟

ج: أود في الختام أن أشكرك سيدي محمد على الاستضافة الكريمة، وعلى إدارتك المتميزة لهذا الحوار من خلال أسئلتك الدقيقة العميقة، وأرجو أن تتكرر مثل هذه المبادرات النبيلة التي تعرف بثقافة الهامش، هذه الثقافة التي تتناصر عليها عوامل متعددة في مقدمتها الهامش نفسه الذي يبعدها عن الأضواء ودوائر الاهتمام والمواكبة، ثم التهميش وغياب التحفيز والتشجيع، ومن شأن مثل هذه المبادرات الإعلامية وغيرها من مبادرات المجتمع المدني والفاعلين الثقافيين أن ترتقي بالممارسة الثقافية خدمة للإبداع والمبدعين في أفق التصدي للعبث والتفاهة المتفشيين في مجتمعنا اليوم بفعل الانتشار الواسع للثقافة الرقمية التي لا تعرف قيودا ولا حدودا تمنعها من التفشي والانتشار بين فئة واسعة من الناس، وعلى حساب الثقافة الجادة للأسف. مرة أخرى شكرا لك، ودام لك التوفيق والتألق .

***

حاوره محمد العزوزي

4300 اللغوي

د. بن عبد الله الحفياني.. سيرة ذاتية موجزة

- أستاذ مبرز بمركز تحضير شهادة التقني العالي (BTS) بتاونات

- حاصل على شهادة الدكتوراه، تخصص الدراسات اللغوية والمصطلحية، من كلية الآداب ظهر المهراز بفاس، يونيو 2018

- حاصل على شهادة التبريز في اللغة العربية، من المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، يوليوز 2006

- عضو متعاون مع فريق البحث النص والفكر والنموذج التفسيري (نفس) بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، جامعة المولى إسماعيل مكناس.

- عضو الهيئة العالمية للعلماء والباحثين

-عضو اللجنة العلمية الاستشارية لمجلة التحبير الدورية للدراسات اللغوية والأدبية والنقدية التي تصدرها كلية الآداب والفنون، جامعة حسيبة بن بوعلي، مدينة الشلف، بالجزائر.

- عضو باحث في المعجم التاريخي للمصطلحات اللغوية المعرفة الذي تنجزه مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) بفاس،

- عضو باحث في مشروع المعجم المفهومي لمصطلحات القرآن الكريم الذي تنجزه مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) بفاس

-عضو اللجنة العلمية لتحكيم بحوث الكتاب الجماعي التلقي العربي للمصطلحات اللسانية والأدبية الحديثة، سلسلة استكتابات جماعية4، 2021

- عضو اللجنة العلمية للندوة الدولية الأمن اللغوي في البلدان العربية من تشخيص الواقع إلى استشراف المستقبل الذي نظمه مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات 1

-عضو اللجنة العلمية لتحكيم البحوث المعدة للنشر من مجموع البحوث المشاركة في الندوة الدولية اللسان العربي بين الخصوصية والكونية، دراسات في الخصائص والتحديات والآفاق، التي نظمها مختبر الأدب والبناء الحضاري بكلية الآداب- وجدة

- عضو اللجنة العلمية والاستشارية وتحكيم بحوث الندوة الدولية: اللسان العربي والاحتلال الأوروبي في الدول المغاربية، دراسات في العلاقة والنتائج والآفاق التي نظمها مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)

-عضو اللجنة العلمية والاستشارية، وتحكيم بحوث الندوة الدولية: النص القرآني والعلوم اللغوية، دراسات في ضوء تكامل المعارف الذي عقدته مؤسسة باحثون للدراسات والأبحاث والنشر والاستراتيجيات الثقافية- المغرب، بالاشتراك مع الجمعية الليبية الدولية لعلوم اللغة العربية- ليبيا.

- عضو اللجنة العلمية والاستشارية، وتحكيم بحوث الكتاب الجماعي الأسس المعرفية والمرجعيات الفلسفية للدراسات اللغوية العربية، تنسيق مصطفى العادل وسلام أورحمة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول وجدة.

- عضو اللجنة العلمية والاستشارية، وتحكيم بحوث الكتاب الجماعي الموسوم باللغة واللهجة قضايا وإشكالات الذي أصدره مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد).

- عضو اللجنة العلمية والاستشارية وتحكيم بحوث الكتاب الجماعي قضايا في اللسانيات وتحليل الخطاب، أبحاث لغوية ولسانية، وهو في جزأين، والصادر عن عالم الكتب الحديث إربد، الأردن.

- عضواللجنة العلمية والاستشارية، وتحكيم الكتاب الجماعي بــأبحاث لغوية وأدبية في كتابات الشيخ علي الطنطاوي: قضايا نحوية ولغوية، وهو كتاب في جزأين، عالم الكتب الحديث، ط1، 2021، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن.

- مشارك في العديد من المؤتمرات الدولية والوطنية والجهوية والمحلية ذات الصلة بالفكر اللغوي واللسانيات والمصطلح

- أصدر مجموعة من المقالات العلمية المحكمة دوليا في كتب جماعية ومجلات متخصصة

- وله كتابان فرديان وديوان شعري تحت الطبع

 

هو كاتب سارد حقيقي، أبدع في مختلف الأنواع الأدبية. كتب المقالة الثقافية والنقدية إضافة إلى الشعر، القصة القصيرة والرواية القصيرة/ النوفيللا. عمل في الصحافة الأدبية خاصة ردحًا مديدًا من الزمن. كما عمل في تعليم الكتابة الابداعية في العديد من المدارس والمؤسسات في طول البلاد وعرضها. ناف عدد مؤلفاته على الستين. تُرجم العديد من أعماله الابداعية إلى العديد من اللغات في مقدمتها الإنجليزية. كُتب عن إنتاجه الادبي العديد من الدراسات والابحاث الجامعية. حاصل على جائزة الابداع الادبي. يَعتبر نفسه قارئًا أولًا وكاتبًا ثانيًا. فيما يلي مقابلة مع الكاتب ناجي ظاهر إبن مدينة الناصرة الضاربة جذوره في قرية سيرين المهجرة منذ عام النكبة.

* ما مدى أهمية القراءة بالنسبة للكاتب والأديب..؟ انت كقارئ نهم، ماذا تقرأ؟

- اكتسبت القراءة لدى من أرادوا أن يكونوا كتابًا ومبدعين في العالم كله، وعالمنا ليس استثناءً في هذا، أهمية خاصة، كون عالم الكتابة والادب على حد تعبيرك، ليس نسيجًا وحيدًا في كينونته ووجوده وإنما هو حلقة في سلسلة متواصلة من الكتابات والابداعات الأدبية.. وُجدت منذ وُجدت الكتابة، يعزّز هذا أنه وُجد هناك من نقاد وأدباء عاشوا في فترات سابقة وفي زمننا هذا، أكدوا أن كل نص حديث هو جُماع لنصوص متعاقبة ومتراكمة عبر الزمن، وأن النص الجيّد إنما يتكئ على نصوص سابقة تدعمه وتؤكد وجوده المتميّز. ولعلّ هذه يدفعنا للإشارة إلى ما أسماه نقادُنا العرب القدماء بالإشارات والتضمينات الأدبية، وبما ذهب إليه نقاد حداثيون، وقفت في مقدمتهم المنظّرة الأدبية البلغارية/ الفرنسية جوليا كريستيفا، حول التناص في العمل الإبداعي الجدير، وهو ما يعني في بعض ما يعنيه  تضمين الكتابة الإبداعية قولًا أو مثلًا سائرًا حديثًا أو قديمًا وربطه بصورة محكمة بما يود أن يقوله الكاتب صاحب النص الحديث بصورة مناسبة وسلسة، الامر الذي يؤكد أن النص الحالي لا يوجد في فراغ وإنما هو يوجد في عالم عامر وبِناءٍ شاهق، هو بناء الابداع الإنساني بكل ما يشمله ويحفل به من آفاقٍ، ثراء وأبعاد.

إجابة عن الشق الثاني من سؤالك أقول، أنت تعرف ولا يغيب عنك، أنني كاتب سردي كتبت طوال عمري الادبي القصة القصيرة والرواية/ النوفيللا وهي الرواية القصيرة ذات المواصفات الخاصة والمحدّدة، كما أنني كتبت الشعر والمقالة الأدبية وأختها النقدية. كتابتي في هذه الأنواع الأدبية دفعتني طوال الوقت للقراءة فيها وعنها، وحفزتني في الوقت ذاته على القراءة في مواضيع أخرى ذات صلة، لعلّ أبرزها علم النفس والفلسفة وغيرها من المواضيع العلمية التي لا يمكن لقارئ مثقف في عصرنا أن يكون غيرَ عالمٍ وجاهلًا بها.

* أشرت إلى مواصفات النوفيللا/ الرواية القصيرة.. هلا ذكرت أبرزها لإثراء من يريد ويود من الاخوة القرّاء؟

- نعم. من أبرز هذه المواصفات أن النوفيللا محدودة المساحة، الكلمات والشخصيات، وتمتاز بالتكثيف والتركيز، ممثلة في حبكة مبأرة (من بؤرة)، وغير متشعبة إلا بقدر. زيادة في التوضيح أشير هنا إلى كاتب أبدع في مجال هذا النوع السردي ويمكن أن يقدم مثالًا جيدًا لمن يريد، هو الكاتب النمساوي ستيفان تسفايج، وهو للدقة يهودي الأصل، ومن نوفيللاته أشير إلى الرائعة "فوضى الاحاسيس". و"رسالة إلى امرأة مجهولة" التي تأسس عليها فيلم عربي قام بدور البطولة فيه الفنان المبدع فريد الأطرش وقدّمته السينما العربية المصرية قبل سنوات بعيدة. وهنا أذكر أمرًا أعتقد أنه يحتوي شيئًا من الطرافة هو أنني كنت أشعر بنوع من الفرادة في كتابة هذا النوع الادبي، بكل ما يستوجبه من تركيز وتكثيف، إلى أن قرأت مذكرات تسفايج " عالم الامس"، ورأيت إلى التماهي العميق في الرأي والرؤية الأدبية فيما بيني وبينه.

* هل كل من حمل القلم أو فتح صفحة على مواقع التواصل هو كاتب وأديب؟.. كيف يفرّق القارئ بين الغث والسمين؟

- (يبتسم)، لنتفق أولًا على أن كلمة كاتب تُطلق في العادة على كل مَن يكتب، غير أن هناك فرقًا شاسعًا بين كاتب وكاتب، فهناك مَن يشهد له الجميع ويُقرّ بوجوده الذوق العام، وهناك مَن لا يقرّ به إلا ثلة من أصدقائه وأصفيائة فقط. وهنا أستذكر طُرفة طيّبة المعنى والمذاق، أوردها الكاتب الفلسطيني محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه المعبّر والمؤثّر " نُقل الاديب"، تقول هذه الطرفة إن حكيمًا سُئل مَن هو أشعرُ الناس؟، فردّ قائلًا كلٌّ في نظر نفسه إلا هوميروس فانه الشاعر في نظر كل الناس. وأذكر في هذا المجال أن معرفةً جمعنا به أحد المجالس أعرب حين إشارتنا إلى نجيب محفوظ وابداعه، أعرب عن رأي مُخالف لمعظم ما قيل عنه/ محفوظ من آراء، موضّحًا أنه كاتبٌ مملٌّ وثرثار وما إلى هذه من الكلمات. فقُلنا له إنه يوجد هناك في عالم الابداع الادبي، ذوق خاص وآخر عام، بمعنى أن الانسان الواحد منا يُمكنه أن يتخذ أي موقف يراه مناسبًا له، غير أن الذوق العام هو مَن يقرّر في النهاية وقبل كل شيء. وهنا أشير إلى ما قاله المفكّر الادبي الإيطالي اومبيرتو إيكو صاحب "إسم الوردة"، حول القارئ العادي والقارئ النموذجي، موضّحًا أن رأي القارئ النموذجي/ العارف، يساوي في قيمته آلاف وملايين آراء مَن لا يعلمون من القرّاء العاديين. هنا أعتقد أنني وصلت للإجابة عن الشق الثاني من السؤال حول التفريق بين الغث والسمين. وأقول في الإجابة عن هذا السؤال إن العالم احتكم فيما يتعلّق بهذا الشأن حتى فترة قريبة الى النقاد. أما اليوم، فقد ابتدأ بالانتقال إلى اللايك، كما رأى الناقد البريطاني في رونان ماكدونالد في كتابه" موت الناقد" الذي ترجمه إلى العربية الكاتب فخري صالح.

* ما رأيك في ظاهرة الكتّاب والأدباء والمحللين الذين يولدون بين ليلةٍ وضحاها دون رصيد سابق؟

- كما المحت ضمن إجابة سابقة لا يوجد هناك كاتبٌ يستحق هذه الصفة دون أن يكون مثقفًا مُطّلعًا وذا مستوى عالٍ من الوعي المتوهج. ونحن إذا ما عُدنا إلى التاريخ وإلى عمق حاضرنا في أبعد أغواره لرأينا أن مَن يكتب ويبدع ويقدّم ما يفيد الناس إنما يحتاج إلى رصيد ثقافي وفير. إن العابر يبقى عابرًا، أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض حتى لو لم يره ويلمسه الكثيرون.

* ما الفرق بين الكاتب والمبدع؟ وهل كل مَن كتب أبدع؟

- أعتقد أنني أجبت بهذا الشكل أو ذاك عن هذا السؤال فيما سبق من إجابات، إجابة مباشرة أقول إن هناك فرقًا كبيرًا، والتاريخ المُعلّم مُدرّس الإنسانية يوضح لنا هذا افضل توضيح، ففي كل عصر يوجد الكثير من الزبد والقليل مما ينفع الناس، ولنا في كل مَن عُرف من المبدعين في كل لغات الأرض عبرة، ففي زمن شكسبير كان الآلاف والملايين، ممن ولّوا وذهبوا.. وبقي شكسبير وهذا ينطبق على كل المبدعين الحقيقيين أمثال المتنبي، الجاحظ وأبي حيّان التوحيدي من اعلام ادبنا العربي الخالد. واضح أن المبدع الحقيقي هو مَن يكتب بعمق ثقافي وصدق إبداعي. وأن الفرق كبير جدًا بين المبدع الحقيقي والكاتب العابر، وما أقل الأول وما أكثر الثاني وأمثاله.

* لماذا نجد أن الكاتب المحلي أقل شأنًا من الكُتّاب في العالم العربي؟ وهل لدينا مِن الكتّاب مَن هم في مستوى الكتاب والأدباء في العالم العربي؟

- ابدأ في الإجابة عن هذا السؤال الصعب والمُركّب في الآن ذاته من شقه الثاني فأقول إنه يوجد لدينا كتاب مبدعون لا يقلون أهمية عن كتّاب في العالم والعالم العربي المحيط بنا تحديدًا. أنطلق في ردّي هذا من أمرين أحدهما أنه لا يوجد هناك كاتب ونصف كاتب، وإنما يوجد هناك في الواقع كاتب مبدع وآخر غير مبدع. أما فيما يتعلّق بالشق الأول من السؤال فإنني أقول، إن أمر الكتابة في عصرنا الراهن اتصف بالمزيد من التعقيدات. فالكاتب الحقيقي في عالمنا يحتاج إلى الكثير مما يوصل ابداعه إلى عناوينه، مثل الدولة التي تدعمه، ودار النشر المشهود لها وقدرتها المشهود لها في توصيله إلى القراء، وقبل هذا وذاك إلى اللغة الحية القوية التي توصله إلى القرّاء في انحاء العالم المختلفة. وربما كان من الضروري أن أشير هنا إلى ما سبق وأشار إليه العديدون وهو أن الشهرة لا تعني الأهمية والعكس صحيح. فهناك كتاب مشهورون في جميع انحاء العالم وليسوا مبدعين في صُلب أعمالهم الأدبية وهناك في المقابل كتاب مهمون إبداعيًا ولا يعرفهم الكثيرون.. جرّاء عدم توفر الطرف الداعم والموصل محليًا وعالميًا كما سلفت الإشارة.

* انت كأديب وكاتب وقارئ ولديك عشرات الكتب، مِن أين تستوحي كتاباتك؟ وهل هي من واقعك؟

- تَعلم أن كل الكُتّاب وكل المبدعين في العالم الماضي والحاضر، إنما استوحوا أعمالهم الأدبية من واقعهم اليومي المعيش، وانه لا يوجد هناك أي من هؤلاء استوحى ابداعه إلا مِن واقعه، وهنا أشير إلى الكاتب الاسباني الخالد ميجيل ثربانتس، صاحب الرواية الرائدة "دون كيخوته"، فقد استوحاها من واقعه المتّسم بالانتقال من فترة تاريخية الى أخرى وهي الفترة المودعة لزمن الفروسية، هذه الفترة التي جعلت بطله الهُمام دون كيخوته يحارب طواحين الهواء بدلًا من الفرسان الذين عزّ وجودهم. إن الكاتب والانسان العادي بصورة عامة، يستوحي ما يُبدعه ويقوله من واقعه، بدليل أن الغربيين يشبّهون المرأة الجميلة بالشمس في حين أننا نحن الشرقيين نشبّه المرة النظيرة بالقمر. بمعنى أن كل من هؤلاء يشبّه المشبه بما يحتاج إليه، وهنا أشير إلى رأي لناقد روسي هام يقول إن المبدع عندما يرسم نصف يد أو نصف حصان إنما يقترب من واقعه وينطلق منه.

*هلا ذكرت المصدر.

- نعم. المقصود بهذا الناقد بوريس سوتشكوف وقد ورد رأيه هذا في كتابه الهام " المصائر التاريخية للواقعية"، وقد ترجم  نصفه الأول الكاتب محمد عيتاني وترجم نصفه الثاني الكاتب أكرم الرافعي.

* ما أهمية المكان والزمان بالنسبة للكاتب؟

- الكاتب الفنان المبدع هو ابن مُخلص لمكان وزمان، وهو لا يعيش في فراغ، لذا هو يعيش قضايا مكانه وزمانه، بتأثر بها ويحاول باذلًا جُلّ جُهده أن يؤثر فيها، ملتزمًا بها وليس مُلزمًا كما يريد الكثيرون.

*هلّا أوضحت؟

- في التوضيح أقول. إن الابداع الحقيقي إنما يأتي من دوافع داخلية عميقة، لا تتجاهل الواقع بقدر ما تؤكده وتجزم بوجوده. بمعنى أن المبدع الحقيقي الجدير بصفته هذه يلتزم بطبيعته بمكانه وزمانه منطلقًا ومتمحورًا فيهما لكنه لا يمكن ولا يحق لاحد أن يُلزمه قاسرًا إياه ومنتهكا ملكوته المقدس.

***

مقابلة أجراها زكريا حسن

د. هشام الحمامي، قلم يغرّد في صمت، وحرف متفرّد ينشد الفكر وينشر الوعي، تشمّ فيه رائحة البِشري والمسيري، وتعتز به ككاتب أصيل يقف على أرضية صلبة من تاريخنا وحضارتنا الإسلامية.. وُلد في دمنهور عاصمة محافظة البحيرة عام 1963، وتخرج في كلية الطب جامعة الإسكندرية، ثم التحق بالإدارة الطبية في إحدى شركات البترول قبل ثلاثين عاما. يدير المركز الثقافي باتحاد الأطباء العرب، ويتمتع بعضوية المؤتمر القومي العربي بسيدة العواصم العربية بيروت، وعضوية تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وكذلك منظمة (ثينكينج فوروارد) بالمملكة المتحدة. يكتب المقالة الأدبية والسياسية والاجتماعية، وله فيها نتاج وافر تعج به الصحف والمجلات العربية مثل العربي الناصري والشروق والمجتمع الكويتية، وموقعَي عربي 21 والمصريون وغيرهما. له موقع الكتروني خاص بمثابة البنك المركزي لحصيلة قلمه، عنوانه (حكايات الدنيا والناس). وعمّا قريب تتمخّض المطبعة عن كتابيْن هما باكورة مؤلفاته: "مصر/ الثلاثون المجيدة (1920- 1950)، "ماذا فعل الإصلاحيون بالإصلاح". ورغم معرفتي القريبة به من خلال صفحته على الكوكب الأزرق، إلّا أنه بدا كريما وحميما عبر تواصل سمح يسير أثمر هذا الحوار المكثَّف الكاشف عما يدور برأسه ويختلج به صدره..

* الدكتور محمد كامل حسين هو نموذجي للطبيب الكاتب المفكر

* حريص على أن تكون كتاباتى تثقيفيه وليست انطباعية فقط

* دورنا هو المستقبل

* ثورة 1919 لم تكن ثورة استقلال فقط

* أزمتنا أزمة(إنسان) لا أزمة إدارة ولا أزمة موارد

***

1- ما الذي بقي في الذاكرة عن البدايات الأولى مع الكِتاب والقلم؟

* البراءة والبساطة في التعبير، والحماس الشديد المصحوب بكل الانفعالات الوجدانية والعقلية.. دائما البدايات لها ذكرياتها الحنونة المشاغبة.. أما الكتاب فقل إن المذاكرة والتحصيل والحفظ والتسميع كان لهم دور كبير في فكرة أهمية أن تقرأ.. والتي تحوّلت بعد سنين الى ما أمتع أن تقرأ.

2- ما ملامح الجنين الذي يُنتجه زواج السمّاعة باليراعة، وأيّ الأطباء الكتّاب تشير إليهم بالبنان؟

* دائما الطبيب له رؤية وقدرة على الاستنتاج والتتبع وترافق المتشابهات والمتباينات.. وضرورى أن يؤثر كل ذلك على من يكتب ويهتم بالثقافة والتثقيف... د /محمد كامل حسين عندى نموذج للطبيب الكاتب المفكر..

3- رغم مقالاتك التي تغزو الفضاء الالكتروني بكثافة، أراك حتى الساعة عازف عن طباعتها في مؤلّفات، هل هو احتجاج صامت على سوق النشر؟ أم وجهة نظر خاصة آن الأوان للإفصاح عنها؟

* لم أفكر حقيقة في النشر.. وان كنت سأبدأ سواء بترتيب المقالات أو في فكرة واحدة كبيرة أتوسع في طرحها.

4- مَن يطالع خريطة مقالاتك، يراك تنصف الفكر والتاريخ والأدب والدين والسياسة، ولكنك تظلم الطب حتى لا تكاد تطرقه إلّا لماما؟

* هذه هي مكونات الحياة ودثارها الثمين.. والطب التثقيفى نادرا ما أتعرض له إلا في نطاق الأهل والأصدقاء.

5- وسط صخب يفتعله الإعلام الرقمي حتى كادت بوصلتنا تتيه وتضيع، برأيكم، ما أبرز القضايا الفكرية التي ينبغي التركيز عليها قراءة وكتابة ونقدا؟

* ربط الإنسان بالمجتمع وربط المجتمع بالإنسان.. وهذا لا يكون إلا بفكرة أفقية عريضة تظلل الوطن كله.. وتكون هذه الفكرة متصلة بوجدان الأمة تاريخا وحضارة وواقعا وحياة.

6- من أين تستمدّ حماستك البادية للكتابة، والقرّاء كما نرى تتخطّفهم وسائل التواصل الاجتماعي حتى انتكست القراءة وتراكمت الكتب فوق رفوف دور النشر والمكتبات كالتلال؟

* الكتابه بالنسبة لي حياة.. وهى الوجه الآخر للقراءة، ليس قراءة المكتوب فقط، ولكن قراءة المنظور والمعاش بينك وحولك.. ولابد أن يترجَم ذلك في موقف ورأى وتصوّر ورؤية..فليس أمامنا الا الكتابة التي ستٌقرأ اليوم وغدا..و وأنا حريص على أن تكون كتاباتي تثقيفيه وليست انطباعية فقط.. وحريص على أن يجد ما يقرأها ما يفيده فعلا في نطاق الفكرة والرأى والمعلومة أيضا..

7- بوصفكم عضوا نشطا في اتحاد الأطباء العرب، كيف رصدتم هذا النزوح شبه الجماعي للأطباء المصريين تجاه العمل في الغرب؟ وما الدور الذي يلعبه الاتحاد في الارتقاء بالمنظومة الطبية العربية؟

* النزوح العلمي بوجه عام الى الغرب، بدأ بعد هزيمة 1967م، فقد تبين لهذه الفئه من الناس – وأقصد أهل العلم والوعى- أن هناك خطأ عميقا قد حدث في البلاد وإصلاحه سيحتاج وقتا طويلا ومراحل لا قبل لهم بها كعلماء.. وما توقعوه حدث وأصبحت المنظومة العلمية بكل هيئاتها بدءا من الجامعة وانتهاء بمراكز الأبحاث وحتى المستويات الفرعية أصابها خطل كبير..

8- هل توافقني على أن ثمّة رابطة خاصة بينكم وبين قافلة البشري والمسيري وفهمي هويدي وابن خلدون؟

* هؤلاء أساتذة بالمعنى التام للكلمة.. ليس لي فقط ولكن لجيلين على الأقل.. تجاربهم وأفكارهم وآثارهم ستظل تقرأ قراءة مرجعية لزمن طويل وستكون جذورا لباسقات الشجر الفكري والإصلاحي لقرن قادم على الأقل.. ونحاول ما استطعنا أن نقتفى آثارهم ونمدد خطوط أفكارهم في كل اتجاه..

9- من خلال عضويتكم في منظّمتَي التفكير للمستقبل البريطانية وتحالف الحضارات الأممية، ما الدور المتوقَّع لحضارتنا الإسلامية ضمن هذا الإطار الاستشرافي؟

* المستقبل.. كلمة وحيدة للإجابة على هذ السؤال.. دورنا هو المستقبل.. الغرب الحضاري انطفأت أنواره ولم تعد تلبى حاجات (الإنسان)، القصور الذاتي فقط والتقدم التكنولوجي هو ما يجعل الغرب الآن فيما هو فيه.. وقصة الإرهاب التي بدأت وتستمر بتنويعات مختلفة ما هي إلا لحصر الإسلام في صورة اللحية والقنبلة والنقاب..

10- هل ترى في الانتماء إلى الأحزاب والجماعات قيدا أم التزاما، وهل يخسر المثقّف بهكذا انتماء أم يكسب؟

* الانتماء الحزبي التزام شرطي وضروري وهو ما قد يحاصر المثقف الذى يستشرف القادم ويغرد به مبكرا..الحزب سياسة يومية واشتباك إجرائي في المشكلات وهو ما يستنزف طاقة المثقف ووقته..

11- لماذا تضع الفترة من 1920 إلى 1950 ضمن سياق المجد في تاريخ مصر، وذلك حسب عنوان كتابكم المزمَع طبعه عمّا قريب ؟ وفي أي سياق تضع ما تلا هذه الحقبة؟

* هي الفترة التي لازلت مصر تعيش على ثمارها الى الآن.. وانظر الى كل ما يخطر بخيالك من مجالات التقدم الفكري والثقافي والعلمي والتعليمي والفني..وحتى الإداري والحزبي كل ذلك غُرست جذوره في هذه الفترة المجيدة.. ثورة 1919م لم تكن ثورة استقلال فقط.. كانت ثورة نهوض وإصلاح واستعادة قامة مصر التي أضاء حولها محمد على أنوار الإصلاح وأتت ثمارها في قفزة حضارية واسعة.. الى أن انتبه الغرب الى نواياه فاجتمع عليه سنة 1840م وحاصره وبدأ خط الصعود في الانكسار.. والباقي معروف.. ثم أتت ثورة 1919م لتستعيد هذه الأنوار ثانية، لكن سرعان ما تحايل عليها الإنجليز وبعض الأحزاب السياسية وحاصروها لكنهم لم يستطيعوا قتلها.. فأثمرت ما أثمرت في العلم والفكر والفن والثقافة...وهو ما تراه حتى الآن.

12- بعد خبرة طويلة في الإدارة الطبية، ومن منظور أشمل، هل حقا نعاني من أزمة إدارة أم أزمة موارد، وما ملامح الإدارة الناجحة التي نفتقدها وبشدّة؟

* أزمتنا أزمة(إنسان) لا إدارة ولا موارد.. الإدارة إجراءات والموارد خامات.. ولا مشكلة في الاثنين.. المشكلة في الإنسان تكوينا وتربية واعدادا.. عقلا وروحا وجسدا..

* * *

أجرى الحوار: د. منير لطفي

طبيب وكاتب

حضوري كاديبة تونسية كان بارزا لأني امثل فكرا منفتحا على كل الثقافات

حبيبة المحرزي عربية من تونس تمارس كتابة القصة القصيرة بمسحة إجتماعية محببة للنفس تتعرض فيها لظلم الإنسان لأخيه الإنسان ولا يهم إن كان الظلم يصدر من الزوج او الزوجة أو الاخ أو الاب أو الأم أو حتى المجتمع وتمارس النقد الحديث بطريقة مقاربة للنقاد المعاصرين من خلال ما يصل إليها من نتاجات أدبية كان تكون لزملاء أو أصدقاء ولم نرى لها بحثا لاديب راحل أو لا تعرفه ولا يهم إن كان عربيا أو أجنبيا ومحرزي معروفة جيدا في بعض الأوساط الأدبية العراقية من خلال قصصها المنشورة هنا أو دراساتها النقدية ولربما كان آخرها عن كتاب لصالح الطائي وهي اليوم تشارك في مؤتمر (نور تونس) وبهذه المناسبة كانت لنا معها هذه الدردشة..

- كيف ولدت إقامة مهرجان النور في تونس؟. ولماذا تم اختيار (الحمامات) وماذا فيها؟.

* تم اختيار الحمامات لأنها مدينة سياحية وبها اكبر عدد من الفنادق الشاسعة والتي تحتوي على قاعات معدة لعقد الندوات والمهرجانات.إضافة إلى كونها قريبة من العاصمة ومن الساحل مثل سوسة والمنستير والقيروان...

- من خلال المتابعة وجدنا أن المهرجان اختصر على الشعر والنقد.. لماذا غابت ضروب الأدب الأخرى؟.

* فعلا لقد اختصر المهرجان على الشعر والنقد وهذا برنامج معد قبل انطلاق المهرجان. ربما سيهتم المنظمون في المستقبل بالرواية والقصة والمسرح ولم لا السينما.

- هل كان المهرجان على نمط اجتماعات الجامعة العربية وكل يدعو إلى دينه؟.

* لم يكن المهرجان على نمط اجتماعات الجامعة العربية ولم يدع أحد المشاركين إلى دينه. المهرجان راوح بين القراءات الشعرية وتقديم محاضرات ثرية باختيار مسبق.

- هل تنافس الأدباء الحاضرين في المؤتمر ومانوع تنافسهم؟.

* ليس هناك تنافس بل تكامل وتناصح وتواصل بطريقة راقية لا يتقنها الا أهل الأدب والثقافة.

- اين تضعين أصحاب هذه الأسماء بين أقرانهم..

١ - د عبد الرضا علي بين الأدباء

٢- يحيى السماوي بين الشعراء

٣ - حمدي العطار بين النقاد

٤ - حبيبة المحرزي بين القصاصين

٥- علي لفتة سعيد بين الروائيين

* الحقيقة أنني أرى نفسي أمام عمالقة الادب والشعر والنقد عاجزة عن تصنيفهم. كل ما استطيع قوله أنهم اربعتهم في قمة الابداع والعطاء ولهم تأثيرهم الواضح ولهم فضل كبير على الأجيال التي تتعلم منهم ومنهم حبيبة محرزي والتي اترك لكم الحكم على كتاباتي خاصة وأنني مازلت وسأظل اتعلم ممن سبقوني وسأظل استنير بمنهجهم الادبي ورؤيتهم العميقة للابداع.

- ماهي الفائدة المتوخاة من المهرجان؟

* الفائدة التي حصلت لي من المهرجان هي وبامتياز التعرف على قامات أدبية قرات ممن قرات لهم وسعدت كثيرا بالارتقاء بهم والتحدث إليهم و تهادينا الكتب بكل مودة ومحبة. إضافة إلى الاطلاع على مظاهر التجديد التي بدأت تظهر على الرواية والقصيدة والمقالة النقدية مسايرة للعصر والحركات التطويرية التجديدية في الادب.

- هل كان للفلكلور التونسي حصة من المهرجان وكيف؟.

* كان الفلكلور التونسي حصة مميزة كانت مفتاح المهرجان برقصات القلال والطبل والمزمار. إضافة إلى إقامة معرض للفن التشكيلي لرسامين ورسامات من تونس وايضا صناعات تقليدية من حلي وملابس وتحف مع بعض منتجات المرأة مثل الزيوت الطبيعية والعسل..

- إذن هو مهرجان متنوع سامق.. على ماذا اطلع المشاركون من تراث تونس؟.

* لقد اطلعوا على الموسيقى والرسم والصناعات التقليدية....

- هل كان حضور لوزارة الثقافة التونسية؟.

* كان لوزارة الثقافة حضور إذ حضر معنا في اليوم الأول المندوب الجهوي للثقافة في المنستير واهدانا حفلا موسيقيا اثث سهرة الليلة الاولى..

- كيف تقيمين حضورك كتونسية واديبة؟

* حضوري كتونسية كان بارزا لأنني أمثل فكرا منفتحا على على كل الثقافات ومناضلة من أجل المرأة المظلومة والطفولة المهمشة. تونس هي الرائدة في هذا المجال وهذا يعود إلى بورقيبة الذي زرع فينا فسائل الحرية والعزة والكرامة.

كاديبة مثلت الروائية التي تحمل هم المجتمع والتي أصبحت كتبها تباع في العالم كله ومؤلفاته تنفد من المكتبات في أسابيع قليلة..هي الأديبة الواعية بأن الادب رسالة.تساهم في ترميم ما تصدع في المجتمعات فكريا وأخلاقيا واجتماعيا.

- هل حضر المهرجان صحفيون عرب؟ وماهي تغطية الصحافة التونسية؟.

* حضر بعض الصحافيين مع الفرق المشاركة وكان لحضور صحافيين تونسيين دور كبير في متابعة المهرجان وتوثيق التدخلات والفعاليات.

- هل تنوين الحضور لو أقيم المهرجان في دولة أخرى مستقبلا؟.

ان وجهت لي الدعوة لحضور مهرجانات ثقافية أدبية خارج تونس فسالبي الدعوة بكل مودة وعرفان لأننا في حاجة ماسة لهذه اللقاءات كي لا نظل في نفس النقطة لا نتقدم ولا نتطور.هي تجارب تثري الزاد وتعدل المنهج الإبداعي.

- من هم نجوم المؤتمر؟ وهل انت منهم؟

* كل من حضر المهرجان نجم سامق ينير ما حوله..حضورهم وحده هالة من الإشعاع النقي الطبيعي ، كلنا في نفس المقام الا أننا نميز العمالقة منهم مثل الشاعر يحيى السماوي والدكتور عبد الرضا. والروائي علي لفتة سعيد والناقد والصحفي حمدي العطار والدكتورة مفيدة الجلاصي والدكتور باقر محمد جعفر الكرباسي.

كلهم عمالقة ومنهم نتعلم. وليعذرني من لم اسمّهم فمقامهم عال سامق جدا.

- من هم أبرز الحاضرين من الأدباء والمثقفين العرب؟

* أبرز الحاضرين من الأدباء والمثقفين العرب:

الدكتور عبد الرضا علي.

الشاعر يحيى السماوي

الشاعر ستار الدليمي

الروائي والناقد علي لفتة سعيد

الكاتب باقر الكرباسي

الكاتب لطفي عبد الواحد

الدكتور خضير درويش

 الناقد حمدي العطار

الكاتب والإعلامي علي عباس التميمي

الشاعرة والروائية دلال جويد

الدكتور نضير الخزرجي

الدكتور احمد الصائغ

الناقد هاشم المياحي

الدكتورة مفيدة الجلاصي

الكاتب الجزائري نور الدين الميموني

الشاعرة الفلسطينية رولا شوية

وليعذرني من غفلت عن ذكرهم.ونلتقي معهم في ساعات خير وابداع طيب.

***

حوار: راضي المترفي

 

عبد الله مكسور مؤلف رواية (2003)، روائي وصحفي عربي، ولد في سوريا، درس الآداب والعلوم الإنسانية، وعمل بالصحافة المكتوبة والتلفزيونية منذ عام 2007، صدر له ست روايات أدبية آخرها رواية 2003 عن دار هاشيت أنطوان في بيروت، وهو عضو في نادي القلم، ونقابة الصحفيين البريطانيين، ومدرب دولي للسلامة المهنية الصحفية وتغطية أماكن التوتر والنزاعات، معتمد من الاتحاد الدولي للصحفيين، وشبكة أريج " إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية".

أجرينا معه الحوار التالي حول روايته (2003):

* رواية (2003) تلخص مجمل الحياة العاصفة في ظل الاحتلال الأجنبي لبلد عربي ما وقد اخترت العراق انموذجا، فهل أن الصورة التي نقلتها الى قرائك في صفحات وفصول الرواية جاءت عن تجارب شخصية من خلال عيشك في العراق في حقبة أو فترة عمرية ما، ام أنها نتاج وخلاصة معايشتك الاحداث اولا بأول ومتابعتك اياها من خلال شهود العيان، اضافة الى البحث والتقصي وما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة؟

- عندما بدأت في كتابة رواية 2003، كان السؤال الأكثر إلحاحاً في ذهني: ماهي الجغرافية الأنسب للحكاية، بهدف خلق التناظر في التاريخ والحاضر وإعادة تقديمه بقالب جديد لم يتم تدوينه من قبل، كنت أريد مدينةً شهدت عاماً مفصلياً في حاضرها بسبب أخطاء التاريخ المتراكم فيها، الأقرب لي كانت الشام لكن الشام مدينة تئن تحت جراحها، وليس باليسير أن تروي حكاية عنها دون أن تنبش في السجون السرية التي يموت داخلها عشرات الآلاف منذ عقد وحتى الآن، أردت مدينةً أغرق في تفاصيلها المتشابكة لأبني الحاضر العبثي فيها، وبذات الوقت هي امتداد حقيقي لذهنيَّتي، فكانت بغداد التي سبَقَ لي أن زرتها، أمضيت 4 سنوات في عملية التحضير للكتابة، قرأتُ عن تاريخها وأبنيتها وحاراتها ومفاصل الأحداث التي شكَّلَت فيها منعطفاً تغيَّر بعده الأمس في حاضرٍ إشكالي أعادَ رسم نتائج الماضي، ذهبت نحو جيلين في المدينة كلّ منهما يماثل الآخر ويعيد ذات الأخطاء التي فعلها، الأول ممتدٌّ بحكمِ اختلاف مفهوم الهُويّة التي حمَلها والثاني محاصَرٌ بأفكار الحزب الواحد والسلطة القاهرة التي درَّبَت الإنسان على الصمت والتعايش مع القيود، لذلك نجد أنَّ الجد الذي حارب تحت راية الإمبراطورية العثمانية على أرض العراق – بأحد جولاتِه- لا يتقاطع في الأهداف مع الحفيد الذي خاض حربَهُ الخاصة على أرض العراق أيضاً بعد أكثر من ستة عقود.

إعادة نبش الماضي وتقديمه، أو بتعبير أدق خلخلته وبناء رواية المهمَّشين الذين دفعوا من أعمارهم وقُوت يومهم فاتورة أخطاء القيادات المتعاقبة، كانت الهاجس عندي خلال عملية إنتاج النص بكل مراحلها، وبغداد مدينة شهيَّة " الحياةُ والموتُ " فيها ليس فقط ثنائية تمرُّ بينهما حياة الإنسان، وإنما تركيبة غريبة فيها الحرب والحصار والفقدُ والأسئلة الأكثر غرابة حول ما وقع على أرضها، بالتأكيد استندتُ إلى ذاكرةٍ شخصية أَغنَيتُها ببرنامج قراءات خاص امتدَّ على مراحل تاريخها بدأ بالمذكرات الشخصية وصولاً إلى تاريخ العمارة فيها.4265 رواية 2003

* الاحتلال والاستبداد وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يمثلان مقدمات ونتائج يتناسل أحدهما من الآخر، وذلك في عملية (دور وتسلسل) على وصف المناطقة والفلاسفة لا ينتهي أبدا، وهذا ما تبنيته في روايتك وطفت حوله، وركزت عليه، فهل لك أن تسلط لنا الضوء وبشيء من الايجاز على متلازمة "الاستبداد والاحتلال" ولكن من وجهة نظرك الشخصية التي أعربت، وعبرت عنها، وسطرتها على الورق في روايتك؟

- مع بوادر بدء العصر الاستعماري في منطقتنا العربية، عقِب ما يُعرَف تاريخياً بـ "الثورة العربية الكبرى"، بدأت الأسئلة تتوالى حول معنى الدولة الوطنية ومفهوم الوطن القُطري، وما زلنا إلى اليوم نعيد ذات الأسئلة، فنحن لانملك تعريفاً واضحاً لأوطاننا، أو على الأقل لايوجد توصيف متَّفَقٌ عليه مثل التعريفات المُسلَّم بها في العلوم، منذ تلك اللحظة التي بدأت بها رايات العصر الاستعماري ترتفع فوق سواري أبنية الحواضر العربية، بدأ خلق البديل الموازي لهذه القوة التي أيقنت أن وجودها طارئ مؤقت وإلى زوال، البديل كان بطبيعة الحال هو (الاستبداد) الذي يقوم بدور وظيفي يخفِّف عن دول الاستعمار فاتورتها تجاه الشعوب التي تحكمها، ربما لم ينضج هذا الدور الوظيفي حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي مع شيوع فكرة الانقلابات العسكرية التي انطلقت من الشام مع نهاية الأربعينيات الماضية بصورة بزة عسكرية تأخذ مقاليد السلطة بالكامل، وقدّمت نفسها بصور مختلفة عبر العقود اللاحقة. لكنها أفرزت بشكل مباشر – وإن كان بعضها نتيجة رغبات جماهيرية بالتغيير حتى وإن كانت نحو لأسوأ- أفرزت أنظمة تقوم على تقزيم الآخر، وصناعة المركزية الزائفة حتى وإن تحالفت بشكل أو بآخر مع النظام الذي ثارت عليه، وهذا الشكل من الحُكم أسَّسَ لنمط تفكير مدمِّر ونمطاً من التاريخ المضلّل والسردية القائمة على التعالي.

الاستعمار هو صنو الاستبداد، ووالده الذي درّبهُ كي يقوم بوظيفته في غيابه، يمثل مقتل حضارتنا العربية التي تقوم على ساقَين: الحرية والاستقلال، بوجود الاستعمار والاستبداد تكون الحياة منقوصة، وبتعبير أدق مشوّهة، تغرق في تفاصيل اللهاث اليومي خلف أبسط الأشياء.

* مسارات متعثرة، وأزمنة مختلفة، ومصائر مفجعة لأبطال الرواية المهمة، كذلك الحال مع أمكنتها، وشخوصها، ومعظمها تدور بين العراق ومصر وفلسطين وسوريا وألمانيا، فهل هذه الشخصيات فضلا على الأحداث، حقيقية، أم أنها من بنات أفكارك، ومن وحي خيالك، وقد جاءت مخاضا طبيعيا بناء على سعة اطلاعك، وكثرة قراءاتك؟

- لايوجد قصة تُروى في كتب الأدب إلا وكان لها أساس في الواقع، يُضاف إليها الخيال ليعطيها الغرائبية والسحرية التي تحقق المتعة للقارئ، فجميع الشخصيات الواردة في رواية 2003 على امتداد الأزمنة فيها، حقيقية، وقطعاً لم تعِش كل التفاصيل التي مرَّ بها أبطال الحكاية، لكنَّ استناداً الى ما يجمعها بها .في رواية 2003 الفضاء مفتوح وكأن المنطقة العربية قرية صغيرة تتقاطع فيها المصائر وتتشابه، الجد عربي ولد في سوريا وطاف بلاد الإمبراطورية العثمانية تحت ظلِّ بيرقها، لينتهي به المطاف في ألمانيا قبيل خسارة العثمانيين للحرب، وانتهت الحرب وهو في برلين، لتأخذه الحياة في جولاتها فينعكس ذلك كلَه تخبُّطاً قبل مقتله في أحد المعتقلات الأميركية بعد دخول الولايات المتحدة إلى العاصمة الألمانية، ونكتشف من خلاله مقولات ذلك الجيل الذي لم يجد أجوبة لأسئلته الوجودية وأضاع ما كان بيده من بلاد.- أما الحفيد الذي ولد في سوريا، فيمرر أيامه في البحث عن حقيقة الجد دون وعي مباشر منه بهذه الوظيفة التي يقوم بها طيلة أحداث العمل، نجد أمه في كل منعطف تبرز أخطاء الجد التي يدفع فاتورتها الحفيد، ويتمثل ذلك في الهرب تحت الروث بجرار زراعي إلى الحدود العراقية، في محاولة منه لإيجاد مساحة جديدة على بوابات الوطن للانطلاق نحو "الحياة" من جديد، مراقبته للحرب وجولاتها، ثم تجربته في المعتقل الأميركي في العراق وانتهاء بمقتله في زنزانة على أرض مدينة تقع على الخليج العربي.نحن أمام مسارين اثنين لا يلتقيان بالمنطق الزمني والمكاني، لكنهما يتطابقان تماماً ويعكسان صراعا في الطبقات داخل مجتمع متخلخل حاملُهُ الأساس نحو التقدم الإنساني هو التاريخ نفسه والذي لا يترك الأبطال فرصةً إلا وينتفضوا عليه سواءً لرفعه أو لتدميره.ضمن هذه الفضاءات كان لابد من إدخال نكبة مأساوية درامية في تركيزها، لتكون الغلاف الشامل لكل الأزمات التي تعبر في النص، فجئتُ بالعائلة الفلسطينية التي انتقلت قبل عام 1948 م إلى بغداد واستقرت فيها لتكون جزءاً أساسياً من تركيبتها وصورةً من صور نهوضها الشامل لتحاكي بشكل دائم فكرة الوطن المسروق، الفردوس الغائب، الأمان المسلوب، بتعبير يغيب عنه كل ما سبق بلفظ " البلاد".أمام كل هذا برز سؤال خلال عملية الكتابة عن الموثوقية التاريخية، هل أصنع تاريخاً جديداً، أم أعيد تشكيل المكعَّبات الموجودة أساساً بشكل متناثر في زوايا ذاكرة المدينة، وفي تقديري ان إخلاص الكاتب تاريخياً يكمن في التصوير الفني للصدامات الكبيرة التي تعبر بمجتمعه المحلي "والمجتمع العربي بالنسبة لي – على اتّساعه هو مجتمع محلي في ذهني"، لهذا ذهبت تجاه المعالجات الفردية للحالات والحقائق الفردية التي شهدت تحولاً صادقاً وكبيراً.

* استشف بأنك ومن خلال روايتك القيمة تلك واضافة الى الرؤية والرسالة والهدف التي تريد ايصالها الى القراء، بأنك تحوم حول نقطة جوهرية مهمة للغاية، ألا وهي "ان التاريخ يعيد نفسه" وانه بالامكان استشراف المستقبل من خلال قراءة الماضي، واستقراء الحاضر ..فهل تتفق مع ما استشفه، أم لك رأي آخر ووجهة نظر مختلفة؟

- بطبيعة الحال فإن الحاضر هو نتاج الأمس، وما نعيشه اليوم – فردياً وجماعياً- هو خلاصة ما أسسنا له في الماضي، ولا شك أن قراءة الأحداث بعين باردة تدفع بشكل أكيد نحو الذهاب إلى خيارات أقل قسوة في نتائجها عن السيناريوهات التي حدثت، نكاد أن نكون الأمة الوحيدة في الأرض بعصرنا الحاضر التي تعيد أخطاء الماضي وفي ظنها أنها ستصل إلى نتائج مختلفة، لو نظرنا إلى الخرائط الآن لوجدنا مناطق تشهد صراعاً واشتباكاً وتوتراً في جغرافيا لا تتصل بحوض البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي، لكنها جغرافيات تحاول ألا تقع في أخطاء الماضي فعندما تصل الأصابع إلى الزناد يعمل العقل مرةً ويفكر مرّتين قبل أن يُشعِل فتيل النار التي ستحرق كل شيء، لا تريد الأمم أن تدفع الفاتورة مرّات كثيرة، هذا يمكن لمسه بشكل مباشر في المجتمعات الأوروبية التي دفعت ثمناً باهظاً في الحرب العالمية الثانية، وشعوبها الآن تدفع بالأيام دفعاً كي لا تعيد تجربة الفقد السابقة لأجيال كاملة.

أمتنا العربية تكتفي بأن تلعب دور المراقب لماضيها، تتغنى به وترفعه بل يذهب بها الحال أنها ما تزال تعيش فيه حتى الغد، وتبرز في هذه الرحلة الذاتية المضاعفة والمتناقضة في وقت واحد، فنحن نكره الاستعمار لكننا نشيد بما فعل حين تتم مقارنته بالأنظمة الاستبدادية، وفي ذات الوقت ترتكز الأمة بانتقائية غير مفهومة عند رواية التاريخ، فتنسى المهمّشين أو تمر بهم مروراً سريعاً لحساب مركزية مُضفاةٍ وغير دائمة بهدف التجاوز نحو تاريخ أكثر وحشية ودموية. طبعاً هذا لا يقتصر على الأحداث السياسية وإنما يتصل برواية التراث والذاكرة الشعبية ايضا . هناك محاولات لتغيير هذه السردية قد تنجح وقد لا، مردّها الرئيس هو إمكانية قول الحقيقة التي لم يذكرها التاريخ الذي تم تسجيله من قِبَل المُنتَصِر.

* لقد أولت الرواية اهتماما ملحوظا بأوضاع المعتقلين والسجناء في السجون والمعتقلات السرية والعلنية، ولعل قضية الاختفاء القسري والتعذيب، والاحتجاز التعسفي ودورها في الاعتلالات السيكولوجية والفسيولوجية والايدولوجية للسجناء سواء داخل السجن او خارجه بعد اطلاق سراحهم شكلت هاجسا عندك، من دون أن تذهل عن مثيلاتها من الاعتلالات المناظرة التي يعانيها الجلادون والسجانون والمخبرون السريون ..فهل هذه التصورات عن تجارب شخصية عشتها ومررت بها، ام عن قراءات و دراسات ومتابعات سبقت كتابة الرواية، وربما عاصرتها ايضا؟

- نحن نعيش في سجن مفتوح اسمه الوطن العربي، تفصل بين زنازينه حدود مرسومة على الخرائط تعمِّقُ الهوَّةَ بين الإخوة، فإذا كان العربي يقضي سنواته الأولى بتعلم الكلام فإنَّ أحداً ما في مكانٍ ما يعلِّمهُ فنَّ الصمت ما تبقى له من عمر، يمكن الإشارة هنا إلى أن رسم كلمة " لا" في العربية تشبه حبل المشنقة، هذه السجون الممتدة على شكل متحف مفتوح تسكن في داخلها سجونٌ يدفع فيها جزء كبير منا ثمناً باهظاً من صحتهم وأيامهم، الآن وأنا أكتب هذه الكلمات هناك من يتم تعذيبه في زنازين رطبة لا تدخلها الشمس، تُنتَهَك فيها الكرامات ويُسحَل فيها الإنسان.

في طفولتي المبكرة رأيت معنى أن يخرج الإنسان من السجن بعد سنوات من الغياب، يفقد معرفة الطريق إلى بيت أهله، يبذل جهداً في التعرف على محيطِه السابق، ويحاول مراراً التأقلم مع عادات جديدة، فليس عليه الوقوف مثلاً وإدارة وجهه إلى الحائط ورفع يديه في حال دخل أحد ما فجأة إلى غرفة يجلس فيها. لمست فيما بعد بشكل مباشر معنى أن تكون مستلباً بشكل كليٍّ أمام قوةٍ تملك رقبتك، تفرض عليك أسلوباً في قضاء الوقت وإثبات الحضور.

لقد ورد في الرواية " الزنزانة قاتلة للعمر، مساحة للحزن، الرفقة فيها تعني أن هناك متسعاً لحديث لم يكتمل مع النفس وتقيضها، تصاحب ظلَّك المختبئ في الظلام بكلام عن بغداد وضواحيها، عن الحلم الذي لم يكتمل، عن طيف بلاد تطارد السجين ولا ترحل".

لكن هل هذه رواية واحدة للحقيقة، إنها طرف منها فقط، هناك على الضفة الأخرى المقابلة، حكاية سجَّان يقارب في عذاباتِه - التي ستأتي لاحقاً- عذابات المعتقل، هذه ليست محاولة لتبرأة الجلّاد وإنما رؤية الأحداث بعين باردة بعد سنوات من التجربة، لقد جلست بين سجّان وسجين سابق، كان الأخير قد تخلَّصَ من كل ما علِق بجسده من ندوب بينما ظل الأوَّل محاصراً بالصرخات، معادلة الخوف انقلبت حينها لأن السجّان يملك قوة زائفة غير حقيقية.

***

حاوره / احمد الحاج

* سماني أبي وكان أديبا وكاتبا معروفا على اسم الأديبة والكاتبة العربية الشهيرة "مي زيادة" .

* صالوننا الأدبي في لندن يحضره المثقف الانكليزي والامريكي والهندي والاسباني والايطالي والعربي.

* * *

* ماذا تقرأ بطاقتك الشخصية؟

- عراقية نقلت حضارتها إلى بريطانيا وتحافظ عليها بإفادتها مما يحمله العرب من تراث رائع، وقيّمٍ راقية .

* أنت رئيسة تحرير مجلة "همس الحوار" المحكمة الصادرة في لندن، هل لك أن تطلعينا على تاريخ صدور العدد الأول من المجلة، وكيف تولدت الفكرة ابتداء؟

4242 همس الحوار- صدر العدد الأول من دورية "هَمْس الحِوار~ Whispering Dialogue" للأدب والفنون والعلوم الإنسانية في كانون الثاني ٢٠١٨.

أما عن الفكرة فقد إختمرت في ذهني أول مرة خلال دراستي للترجمة واللغويات، ومن ثم الماليّة الدَوْليّة في إنكلترا، وقد تلمست نقصاً في المواد المؤرشفة، وكنت أشخص شحا فيها مهما بحثت و تقصيت،برغم ما توفره مكتبات الجامعة من مصادر ومراجع على مستوى عال وبما لايحصى، وبالأخص تلك المصادر التي أحتاجها باللغتين،ما جعلني أفكّر مليّاً في إصدار مطبوع دوري أدبي وثقافي يسد هذا النقص،بما يوفر الكثير من الجهد والوقت أمام الباحثين من بعدي، وبالفعل فقد طرحتُ على المسؤولين في المكتبة البريطانية، فكرة إصدار دورية ذات محورٍ رئيس ومهم يناقش ما يحدثُ آنيّاً لكلّ عددٍ من اصداراتها وباللّغتين العربية والإنكليزية في تشرين الأول ٢٠١٧، وقد رحّبوا بالفكرة، وأثنوا عليها كثيرا، ولله الحمد والمنة،وبهذا صادقتْ ادارة المكتبة على الدورية برقم تسلسل عالميّ ثابت، وها هي في أرشيفها الإلكتروني كمجلّة إلكترونية محكمة (بي دي أف ~ pdf) زيادة على موقعها الإلكتروني الرسمي الذي يحفظها وموادها الثرية من المتسللين والمنتحلين اضافة الى السرقات الأدبية .

* ماذا يعني أرشفة " همس الحوار" في المكتبة البريطانية بالنسبة للكتاب والباحثين والأكاديميين وطلبة الدراسات الاولية والعليا،سواء العرب منهم أو الاجانب؟

- الأرشفة عاملٌ مهمّ جدا لكونه يضمن المحافظة على الدورية مدى الحياة داخل المكتبة البريطانية لتشكل مرجعا ومصدرا يرجع إليه الباحثون والدارسون في أيّ وقت شاؤوا، حاضرا ومستقبلا، بغية الافادة من مواضيعها وبحوثها ومحاورها وأبوابها المهمة والشائقة والمتعددة.

* عدد كبير من المثقفين والكتاب والباحثين العراقيين والعرب يودون الكتابة في مجلتكم الرصينة، ترى ما هي ضوابط وشروط النشر فيها؟

- نرّحب بالكتّاب والباحثين من أنحاء العالم كافة، شريطة الالتزام بالرصانة والموضوعية وأصول وقواعد النقد الادبي والبحث العلمي، ونؤكد للجميع حرصنا على انتقاء الجيد والجديد من النصوص الأدبية التي تتناسب مع رقي لغة الضّاد، لتحلق بها عاليا الى آفاق أرحب، علماً بأنَّ النصّ أولا وأخرا، إنما يُعبِّرعن وجهة نظر، ورأي كاتبه، أمّا شروط النشر،فهي كالآتي:

– أن لا يكون النص قد نُشِر في أية صحيفة أو موقع إلكتروني سابقا، أو قبل مرور عام كامل على الأقل من تاريخ النشر وبإذن من الناشر.

ـ خلو النص من أي نَفَس طائفي.

ـ أن يتعلَّق النص بمحور العدد.

ـ سلامة اللغة بمفرداتها كلِّها.

ـ توفُّر المعايير اللغوية ومقاييس البلاغة حسبما يقتضيه النص.

ـ يخضع النص للتدقيق من قبل أساتذة أكفاء في هيئة التحرير حسب الاختصاص.

ـ لهيئة التحرير رفض أي نص على أن تبيِّن أسباب ذلك.

– يُقدَّم للنص العربي بتوطئة باللغة الإنجليزية، وللنصّ الإنجليزي بتوطئة باللغة العربية.

ــ تُكتب خلاصة باللغتين العربية والإنجليزية بتحليل أكاديمي مهني وموضوعي للبحوث والدراسات التي يتم قبولها على أن يتضمن البحث عناصر القوة والضعف في النصّ موضع الدراسة أو التحليل النقدي بعيداً عن المحاباة. وهو النهج الثابت لسـياســة الدورية.

* انت أديبة وشاعرة وكاتبة ومترجمة،حدثينا قليلا عن أهم دواوينك الشعرية، وكتاباتك وترجماتك من الانجليزية للعربية وبالعكس .

- بعض النصوص الشعرية جمعتها في ديوان (و.. هَمَستْ) على أمل أن أجمع الجديد منها في ديوان آخر، أمّا عن المقالات فقد نُشرت في بعض المجلات والصحف ابتداءً بـ( الشرق الأوسط )مرورا بـ (سيدتي ) و( كلّ العرب) .

فيما نشرت المقالات الإقتصادية منها في (جريدة الحياة ) كما في بعض الترجمات. أمّا الإنكليزية منها فتم نشرها في بعض المواقع الإلكترونية .

ولايفوتني التنويه الى أن بعض النصوص الشعرية والقصص القصيرة قد ألقيت في العديد من المنتديات البريطانية وباللغتين، ولا سيّما في مقهى الشعر اللندني Poetry Café، وأنا عضوة فيه .

* وماذا عن صالونك الأدبي المعروف والذي شبهه بعضهم بصالون "مي زيادة" وكان يعقد كل يوم ثلاثاء في القاهرة، و يؤمه كبار الأدباء والكتاب والشعراء العرب، ولاسيما أنكما تشتركان في الاسم ذاته ايضا وهو من الأسماء المؤنثة الشاعرية الأكثر عراقة عند العرب وفيه قال النابغة الذبياني:

يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ ...أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ

- (صالون ميّ) الجديد يأتي امتداداً لصالون الكاتبة والاديبة التي سماني والدي رحمه الله تعالى، على اسمها، تيّمناً بها، وذلك لشغفه بالأدب والشعر العربي والعالمي وتربيته وتربته الأصيلة التي سقاها إياي .

صحيح أن صالوننا الأدبي قد توقف برهة من الوقت لظروف خارجة عن إرادتنا بما فيها ظروف الحظر بسبب جائحة (كوفيد - 19 )، إلا أننا واصلنا إقامة الجلسات الادبية من خلال اللقاءات الإلكترونية لمناقشة القيّم من المواضيع وما يُكتب فيها،كذلك الشعر والقصة القصيرة، بالعربية والانكليزية، فصالوننا الأدبي يحضره المثقف الإنكليزي والإسباني والإيطالي والهندي والأمريكي والعربي، ومن الجلسات ما تتداخل فيها الثقافات، وتتزاحم الآراء،وتتراكم المعارف، ومنها ما تتشابه، أو تتعاكس،لننقل خلاصة التجربة الثرية تلك،وزبدتها لاحقاً إلى دوريتنا الثقافية "هَمْس الحِوار" .

4240 عبد الودود العيسى* والدك هو المحامي والأديب عبد الودود العيسى، وهو من أسرة بصرية عريقة ومعروفة، وله روايات ما تزال محفورة في الذائقة فضلا على الذاكرة الأدبية، أولاها "مذكرات مسلول" وثانيها "شمخي" وثالثها ظلت مخطوطة بعنوان " الشاطىء المسحور"، حدثينا قليلا عن سيرته الأدبية التي قد تجهلها الأجيال الناشئة .

- والدي المرحوم عبد الودود العيسى الخصيبي البصراوي، معروف بحكمته وعدله وحنكته كمحام، و بكتاباته الراقية ككاتب، وقد تناول في روايته "مذّكرات مسلول" تجربته الشخصية حين كان يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت، اما رواية "شمخي" فقد تناول فيها معاناة الفلاّح المُنهك المُستغل إقطاعياً، متطرقا الى ملابسات غبن الحقوق العامة، والخاصة من خلال "شمخي "وأمثاله، ليس للفلّاح فحسب، وإنّما للجميع. أمّا عن (الشاطئ المسحور) فقد ظلّت المسوّدة تنتظرنا بعد أن قال لي ابي بأننا سنُكملها سوية، قبل أن نفقدها وللأسف!

لقد كان يكتب مقالاته الأدبية والسياسيّة اللاذعة وينشرها في الصحف والمجلاّت الأدبية والسياسية منذ أن كان طالباً في بيروت ولاحقاً في بغداد والبصرة.

حتى اللقاءات الاجتماعية في دارنا كانت تتحوّل إلى جلسات و صالونات ثقافية وسياسية وأدبية نناقش فيها محاور شتى منها الحادثة ومنها الآنية،من دون أن نغفل عن الاحداث الماضية، وعن الذكريات المهمة، وقصص التراث التي تروى كحِكَم وعبر وعظات وتجارب لا مناص من ذكرها والتذكير بها البتة .

كان مديراً للحقوق والأراضي في شركة نفط البصرة، وقد سنّ قانونا يحمي به حقوق العمّال، ووزع أراضٍ سكنية لهم .

كان نهمَ القراءة باللّغتين العربية والانكليزية، وظلّ يتعلم ويقرأ. وقد أعاد دراسة الفرنسية حين كنتُ في الابتدائية، وقد أفدت كثيرا من كتبه تلك لاحقاً.

فمكتبته ورفوفها كانت عامرة بالكتب والمخطوطات الأصيلة، وفي كلّ شهر كان يأتيه أفضل كتابين من المكتبات الانكليزية ليزين بها مكتبته . وكان حين يكتب الدعاوى أرتّبها له لاحقاً بخطي.

كان رحمه الله تعالى شديداً في التربية، ودوداً كأسمه، حريصاً على قول الحقّ في حياته وكتاباته، وأذكر أنه وفي الرابع الابتدائي حدث وأن صححت لي مدرّسة الإنكليزي الإملاء ووضعت لي درجة ١٠/١٠، ففرحتُ كثيرا، الا أنني وحين سلمت الورقة الى أبي فإذا به يذهب إلى المعلمة في اليوم التالي ليؤنّبها وينبهها على وجود خطأ إملائي وبالتالي فأنا لا أستحق تلك العَشرة الكاملة عليه، فصارت المعلمة ومنذ ذلك الحين تراجع ورقتي الامتحانية أكثر من مرة قبل أن تسلمني إياها!

ولعل عزائي الوحيد هو أنّه قرأ كتاباتي قبل أن تُنشر رسمياً، وكان يشجعني ويشكل مصدر إلهام لي، وما تزال نصائحه الابوية الذهبية، تداعب مسامعي، وترن في أذني .

* مجلة (همس الحوار) تتضمن أبوابا عدة، حبذا لو أطلعت القراء الكرام على تلكم الأبواب وأبرز خصائصها وأهم من كتبوا فيها؟

- الأبواب الرئيسة، في مجلتنا هي:

– البحوث والدراسات والمقالات في علوم اللغة والنقد الأدبي والعلوم الإنسانية.

– الشعر

– المقالة

– القصة القصيرة

– الفنون

– أدب الرحلات/ في باب ابن بطوطة.

– الوثائقيات.

– ذخائر الأدب

– ما قبل التاريخ؛ عن الحضارات الغابرة.

– الحوارات

والحق يقال فإن دورية " همس الحوار " تزخر بالأسماء اللامعة المعروفة، فضلا على الواعدين من الأقلام الشابة لتشجيعهم، والقائمة تطول، وكما أسلفت فنحن نختار القيم والدسم من المواضيع المهمة دائماً.

كانت أستاذتنا المرحومة "ناصرة السعدون " من أوائل من حاورناها أدبياً، كذلك الأستاذة الدكتورة بشرى البستاني، أطال الله في عمرها، والفنان التشكيلي الكويتي سامي محمود، وغيرهم كثير من الشخصيات العربية المهمة، اضافة الى البريطانية المحامية (عينا خان) التي حصلت على الوسام الملكي تثمينا لجهودها في إدخال الشريعة الغراء في قانون الزواج البريطاني للمحافظة على حقوق الزوجة في عقود الزواج في بريطانيا. علاوة على أساتذة في جامعات أمريكية كأستاذ الفلسفة مارك جوزيف، وأستاذة اللغة كرستينا كيتسون.

ومن خلال الدورية نتعرف كذلك على أدب وثقافة الهنود الحمر، والفرنسيين، والإسبان،وشعوب امريكا اللاتينية، والعرب من الخليج إلى المحيط. .

أسرة تحرير مجلتنا كان لها الدور البارز والجميل من خلال المناقشات المفتوحة لإختيار المواد، ومراجعة النصوص، والمحاور في اجتماعاتنا الدورية. أذكر منهم الكاتبة الإسبانية إيزابيل دَلْ ريو، والشاعرة الدكتورة ثريّا نعمان، كما هي اسهاماتك أستاذنا الفاضل.

* ماذا تعني لك الرواية والمجموعات القصصية كفن أدبي مؤثر ومرموق ولاسيما وأن هناك من الأدباء المعروفين من يقلل من شأنهما،عمدا تارة، وسهوا أخرى؟

- في الرواية، ننتقل إلى عالمٍ آخر نستقي منه الحقيقة عبر الخيال. التاريخ فيها عِبرة وحكمة ونصيحة. أمّا القصص القصيرة ولا سيّما الموجزة منها، فهذه تختصر الحياة بجملة، وتوجز الواقع بالتفاتة. وفي كل منهما نقول ما لا نستطيع الجهر أو البوح به.

ولكلّ كاتبٍ أسلوبه الجميل والماتع في الكتابة والحكاية التي يرويها لنا، وبما يختلف عن نظرائه الاخرين، والحق يقال بأن أصحاب (الأنا) الفارهة هم وحدهم من يريدون إسقاط سواهم ربما للصعود والتميز .

* بماذا تنصحين الشعراء الشباب من كلا الجنسين؟

- يا حبّذا لو يقرأ الشعراء أمهات الكتب العربية، وترجمات الشعراء، كما الكتّاب للتعرف على مجمل المدارس الأدبية والثقافات الموسوعية، و يحرصوا على أن يطوروا أنفسهم، ويصقلوا مواهبهم، ويشذبوا مهاراتهم في كتابة الشعر ونظمه، سواء منه المقفّىً، او الحرّ.

* كلمة أخيرة لقرائك ومتابعيك .

- لننقل الأصيل من ثقافتنا الجميلة ولنجول بها حول العالم بأجمل ثوب قشيب، وبأبهى حلّة.

ولكم منّي طِيْبَ التحايا، وصِدق الدعوات.

..................

يشار الى أن للأديبة والشاعرة والأكاديمية العراقية المغتربة، مي العيسى، ديوان شعري بعنوان " وهمست "،سجلت بين دفتيه حبا انسانيا يحلق بجناحي العشق والغربة عاليا من مدينة الضباب - لندن - ليعانق نخيل البصرة الفيحاء، وجنائن بابل، و شناشيل بغداد، وحدباء الموصل، وقلعة اربيل .

ديوان تماهت عناوينه الجميلة، مع شاعريته الخلابة الاصيلة :

" حوارية الشمس والقمر، كحلة الليل، نثيث صيف، حلم آفل، رقصات، لا، انخطاف، لعبة الثلج والوحل، لحظة انتظار .. وساعة، الحياة أوراق، في قنينة، هبني، بين الظهيرة والليل، تسلل، حنين، دعابة الأمس، حجري، بينكما، ثلاث حفنات، وأدي، وكفى اغتيالا، مشاكسة، منام ".

ومن عناوينه ايضا " اهرب، فلنرقص، يأس !، الصبر، يا ابن أمي، صمت كلمات، هيا شهرزاد، غضب، صدى الأعماق، جراح الورد، هيولى، إليك، اضافة الى، خبيء، ومضة، علمني المشي، لقاء عابر، نيام نيام، إبليس، مشاكسة، من أنت، بعد الغد، أٔمان محالة، سيكارة، دورة مدى، مصيدة، نسيان الذكرى، في الفؤاد..وردتان، دمعة،" .

العيسى تحدثت في قصائدها عن مواضيع شتى في حب الوطن، وألم الفراق، ولوعة العشق، وخبايا الحياة ...وتقول في قصيدتها يا ابن أمي:

يا ابن أُمّي يا ابن أُمّي، أين أمّي؟

ها قد توالدتِ الذئاب

رأيتُهُم هنا وهناك

بتكشيرتهم ينهشون لحمي

يا ابن أُمّي، أين أمّي؟

تكاثرتِ الذئابُ من حولي

أراهُم..هنا وهناكْ

بوجوهٍ تحت ألف قناعٍ وقناع

يحتفون بغرز الأشواك..في جسدي

هنا. وهنا. وهنا. وهناك

يا ابن أُمّي، أين أمّي؟

***

حاورها: أحمد الحاج

ولدت في القاهرة، مصر في عام 1954. حصلت على بكالوريوس تجارة، جامعة القاهرة، قسم إدارة الأعمال عام 1975 ، ثم على دبلوم صحافة، كلية الإعلام عام 1988. نشرت كتابها الأول حكايات من الخالصة عن مؤسسة روز اليوسف ووزارة الاعلام العراقية 1976 عن تجربة انتقال الفلاحين المصريين لتملك أراضي قرية عراقية حيث كانت تعمل في ذلك الوقت مراسلة لمجلتى روز اليوسف وصباح الخير في العاصمة العراقية بغداد.

نشرت رواية مُنتهى في عام 1995، وهي قصة تجرى أحداثها في قرية خيالية على ضفاف دلتا النيل. أما رواية امراة..ما، فهي العمل الرابع لهالة البدري وقد حصلت على المركز الأول كأفضل رواية في معرض القاهرة الدولي عام 2001 حصلت على جائزة الدولة للتفوق الأدبى عن مجمل أعمالها عام 2012.

كرمت في العديد من الدول ودرست أعمالها في عدد من أهم الجامعات في العالم منها جامعة متشجن وجامعة شيكاجو والقاهرة وعين شمس. وكانت أعمالها محورا لعدد من الرسائل العلمية.

أجرينا معها هذا الحوار

* " تبدو هالة البدري في "نساء في بيتي" مؤرقة برواية تتكئ صراحة على سيرتها ولكن لم تواتها الجرأة الكافية بعدُ لكتابتها، على الرغم من قولها لنفسها: "لن أبقى خائفة من الحقائق إلى الأبد". صـ 21 . أهو الخوف من المجتمع أم الخجل ام؟

- يا عزيزي السن يعطي حصانة جميلة وما كان كبيرا جدا في الشباب لا يعود كذلك الان وقد تميزت كتابتي بالجرأة منذ البداية. الفن هو غايتي وحدها ولا تشغلني أحداث حياتي فقد عشتها كما أردت ولم أندم أبدا على افعالي ولم أكن مشغولة يوما بالكتابة عن نفسي بل بمشروعات كبرى أمثل فيها نقطة صغيرة في وسط موج يضرب الصخر ليتحرر من أسر الارض المحيطة. لا تشغل بالك بالبحث عن حياة الكاتب داخل أعماله. تعجبني فكرة اللعب في الكتابة ‏سيرتي ليست أكثر من صوت داخل العمل ‏حتى وأن اعتمد على حقائق. ‏ ‏في روايتي نساء في بيتي أنا ذكرت صراحة وجود هالة البدري ‏وما كتبته عنها ‏وظفته في إطار الرواية نفسها ‏ ‏ليلعب دور تخيلي كما فعلت مع باقي الأبطال وبنفس الكيفية.4228 هالة البدري

* كيف تحققين التوزان المطلوب بين الحقيقة والخيال في كتابتك؟

- ‏لا أحتاج لعمل أي توازنات الحقيقة لا شكل واحد لها ‏هناك آلاف الحقائق وآلاف المرايا ‏والزوايا وقراءة الحقيقة تختلف من شخص ‏لآخر الفن يقدم حقيقة أخرى ‏في إطار من وهم لذيذ وممتع قد تكون المغامرة في كل عمل روائي جديد مطلوبة ..وعندك اتكون محسوبة النتائج ام انها مفتوحة على كل الاحتمالات ‏بالطبع رغبتي الأولى هي الاحتمالات المفتوحة، لكن الاحتمالات ‏لا تتوقف على رغبتي وحدها ‏هناك عوامل داخلية وخارجية تتحكم في الكتابة دون أن نشعر بها ‏منها: المرجعيات الثقافية على سبيل المثال ‏ ‏والتابوهات ‏والرقيب الداخلي. ‏ الكاتب يدرك هذا ويمارس ‏اللعب على كل الأصعدة ‏والمكر كذلك ‏مع نفسه ومع القراء. ‏طبيعي وبشكل عنتري سأجيب إني أريد كل الاحتمالات المفتوحة ‏ ‏وقد لاحظت ‏أن التقدم في العمر يعطي مناعة وشجاعة ويفتح احتمالات أكثر مغامرة.

‏في العادة أترك نفسي على سجيتها ‏وتتحكم الرواية نفسها في اختيار شكلها ‏طبعا أنا أفضل الخيال كثيرا على الواقع ‏واخذ الواقع وأطير به ‏وكلما زاد الخيال خيالا كان أقرب إلى نفسي وإلى ‏متعتي في الكتابة.

* انت من جيل عايش هزائم متلاحقة من 67 إلى 73 وكان لتلك الهزائم وقع الصدمة القاسية على المجتمع العربي حينها كيف استطعت تجاوز صدمات تلك الهزائم؟

- ‏بس كنت صبية في فترة 67 ‏ويحتمل الجيل الذي قبله كل تبعات النكسة ‏وقام هذا وربما يعني من المعروف أن جيل ستينات هو الذي يتعامل مع التنبؤ به وقوع النكسة بسبب أخطاء اجتماعية حول حرية التعبير في بلادنا جينا بعد هذه التجربة لنا تأمل اكثر ولا تكون لدينا مواقف أكثر وضوحا لم ندفع ثمنها بل دفع ثمنها الجيل السابق لنا ‏وضعنا كل همنا في المطالبة بالحرب ‏وقد كان وازيح جيل السبعينات من كل المناصب ‏و تمت محاربته على كل الأصعدة ‏ ومن الجيل السابق أظن عن عمد ‏كان المطلوب نماذج أخرى وأجيال ‏أخرى ‏تتخذ من الاستهلاك وسيلة حياة ‏للتبشير بالعو‏لمة ‏لكن المثابرة وحدها ‏‏هي من أنقذ إنتاج جيلنا ‏والقدرة على التنبؤ أيضا ‏ومحاسبة الماضي ‏بشجاعة في رواياتهم ‏نحن اكثر الاجيال إنتاجا الآن ‏تأثر إنتاجي بكل ما قارة في العالم العربي و أدركت ‏إن المحو ‏مطلوب كي ننسى تاريخنا ‏فقررت أن تكون ‏الذاكرة هي همي ‏ورحت استصرخ الناس ‏لينتبهوا ‏والأطر البراقة اللامعة ‏التي تخفي الحقيقة ‏واذكرهم بما كانوا عليه ‏وما حدث معهم ‏نعم ما حدث في العالم العربي لا يغيب عن كتاباتي أبدا.

* كيف تعرفين الرواية بعيدا عن كل التعريفات النقدية والأكاديمية؟

- ‏الرواية فإن لم يتشكل نهائيا بعد ‏يعتمد السرد والشعر أحيانا ‏ليصف الصراع ‏الذي يعيش الإنسان من أجل الحياة ‏لتحقيق ذاته ‏يعتمد على الحوار ووصف الشخصيات ‏والمنولوج الداخلي ‏لتوصيف الحدث ‏أو الحكاية التي لم تعد مركزية الآن بعد ان ‏فقد الإنسان الفرد ‏دوره المركزي.

4229 هالة البدري* هل فعلا أصبحت الرواية ديوان العرب؟ وحققت جماهيرية القراءة؟

- ‏نعم هي ديوان العرب الآن ‏وحققت الجماهيرية المطلوبة ‏بتحويلها إلى فنون أخرى ‏مثل التلفزيون ومسلسلاته والسينما وأحيانا المسرح ‏هي المعبر الوحيد الآن عن الجنون الذي يجتاح العالم ‏الذي هو اجن من كل خيال ‏ولم تعد الواقعية الاشتراكية ولا الواقعية السحريه ‏ولا الواقعية القذرة ‏قادرة على التعبير عما يجري ‏وعلى الكتاب البحث عن شكل آخر ‏تعبر به الرواية عن الجنون المتاح حولنا ‏بإفراط.

* الرواية من حكاية تتشكل في خيال الكاتب إلى حياة كاملة على الورق...بينها يعيش الكاتب حياة أخرى بتفاصيلها الخاصة أثناء هذه الرحلة ولا تظهر للقارئ؟

- ‏أعيش مع أبطالي ‏في حياة كاملة ‏ ‏اتعرف عليهم عن قرب ‏دقائق حياتهم ‏رغباتهم الخفية ‏الوانهم ‏أمزجتهم ‏طعامهم ‏فلسفاتهم ‏أحايلهم حتى اصل إلى قلبهم ‏احادثهم ليلا ونهارا ‏يشاركونني الطعام ‏ويسهرون معي أمام التلفزيون ‏وإستدعئهم للجلوس معي ‏بعد نشر الرواية ‏وأحيانا للدخول في رواية أخرى ‏كما حدث في رؤيتي نساء في بيتي ‏حيث استضفت ناهد بطلة امرأة ما لتجلس مع أبطال روايات أخرى ‏لكتاب آخرين ‏هذا عالمي الذي أحبه و‏افضله عن كل العالم الواقعي ‏اغير ملامحهم أحيانا ‏وأعيد تشكيلهم عشرات المرات ‏وحين تستقيم الشخصية امامي ‏اصاحبها إلى الأبد ‏وتصبح جزءا مني

* من قلق الفكرة إلى الخوف من الفشل يعيش الكاتب؟

- ‏القلق حالة دائمة أنا إنسان قلق بطبيعته ‏لا اكف عن القلق حول كل شيء ‏لا تشغلني الخيبات كثيرا ‏استمتع بالكتابة ولا أريد لها أن تنتهي أبدا مع الكتابة ‏ابدأ القلق حين افكر في النشر ‏ساعتها يتحول كل شي الى وهم ‏وتنتابني رغبة ‏ ‏في تمزيق كل ما كتبت ‏كي أبدأ من جديد ‏اصعب لحظات حياتي ‏هي قرار النشر ‏والنقطة التي أضعها ‏لنهاية عمل

* يقول يوسف ادريس "توفيق الكاتب الحقيقي هو في قدرته على أن يجعل القارئ يرى المكان ويتجول فيه" ما هي نسبة حضور المكان في نصك؟

-  ‏بعض رواياتي روايات مكان بامتياز ‏مثل رواية منتهى ورواية مطر على بغداد ورواية ليس الان. ‏أحارب النسيان بالكتابة ‏والمكان هو الوطن الملموس ‏حيث تراب الأجداد ‏والتاريخ ‏المطلوب محوه ‏لنقع في فخ تحويلنا إلى قوالب ‏لنتوافق مع متطلبات السوق. ‏بعض الروايات الأخرى يحضر المكان ولكن ‏ ‏ليس كعنصر رئيسي ‏لكنه موجود دائما ‏يوفر الامان ‏والحماية والفضاء الممكن ‏في روايتي مدن السور ‏تحرك الزمن بين الأماكن في الماضي والحاضر والمستقبل ‏وكان التنبؤ ‏الذي لا يمكن إيجاده بدون مكان. ‏في روايتي الجديدة وادي الكون ‏المكان هو التاريخ والأسطورة ‏والفلسفة والسؤال ‏يمتزج الكل ‏فتكتمل اسئلة مصير الإنسان عبر الأزمان.

* " تحولات اي مدينة لابد أن تؤدي إلى تحولات مماثلة في الخطاب الذي يصدر عنها ويطمح إلى التعبير عن متغيراتها " إلى اي حد تغيرت اللغة الروائية مع غزارة الانتاج الروائي؟

- ‏تغيرت لغة الكتابة ‏لتعكس لغة العصر ‏رأينا الجمل القصيرة ‏المقتصدة ‏والإيقاع اللاهث ‏وتبادل الأدوار ‏بين المتن والهامش ‏وكسر الوهم ‏و اشراك القارئ ‏في صناعة الرواية نفسها ‏و تغيرات في تركيب البنية ‏واختلاف ملامح الأبطال ‏وغياب اسمائهم ‏وكسر التابوهات ‏والتعبير بحدة عن الإغتراب ‏و الفردية التي تعاني منها المدينة.

* مابعد النفط ليس كما قبله في الارض العربية ..هل استطاعت الرواية طرح اسئلة التحول المجتمعي وتشريح الواقع المتغير؟

- ‏ما بعد النفط ‏ما بعد الاستعمار ‏ما بعد الثورات ‏ما بعد النكسات ‏ما بعد الحروب ‏ما بعد العولمة ‏نعم استطاعت الرواية ‏أن تعكس التغيرات ‏المجتمعية العربية ‏بل أنها ‏حلت محل مؤرخ ‏السلطة ‏وقدمت صوت الشعب ‏ليسمع بوضوح ‏وعرفنا لأول مرة ‏تاريخا آخر

* النص الروائي هل تجد ان من مهمته أو من واجبه ان يطرح الاسئلة ويسائل الواقع فقط ام انه يجب ان يبحث عن اجابات؟

- ‏مهمة الفن عموما وضع الأسئلة رمي حجر ‏في الماء الراكد ‏الكشف الذي يساعد القارئ ‏على رؤية المشهد ‏وأعمال العقل ‏لقراءته ‏مثل الطبيب الذي ‏يفتح ‏الجرح لينظفه ‏لهذا يحلو للروائي ‏أن يكتب عن المسكوت عنه ‏ويكشفه للنور ‏ويترك للمجتمع ‏كيفية التطهر

* ما الذي صنعه " الواقع العربي، المصنوع من خيبات كثيرة ونجاح قليل،"بالرواية؟

‏- تحولت الرواية إلى فن العربية الأول ‏بسبب هذه الخيبات ‏الصراع الموجود في العالم يحتاج إلى ‏فن يناسبه ‏وقد حققت الرواية هذا الصراع ‏بتعبيرها عنه وابتلاعها كل أنواع ‏التعبير الأخرى مثل الشعر ‏والقصة القصيرة ‏وحتى المسرح ‏لم تعكس الخيبات وحدها ‏بل عكست الآمال أيضا ‏ودقت ناقوس وعي القارئ ‏وحركت وجدانه ‏ودفعته لتتأمل واقعة

* لماذا لم تحقّق الرواية العربية رهان العالمية رغم فوز نجيب محفوظ بنوبل منذ عدة سنوات؟

- ‏لم تحقق الرواية العربية منجزا كبيرا ‏حتى الآن لأنه هذه الصناعة لم تحقق شروط ‏صناعة النشر في البلدان الأخرى ‏النشر العلمي يحتاج إلى 60,000 ‏نسخة كحد أدنى حتى يصير عالميا ‏ودعاية منظمة وندوات وتوكيلات للكتاب ‏وتوزيع له نظام خاص ‏وترجمة حقيقية ‏لا تعتمد على الترجمة الأكاديمية وحدها ‏الترجمة التي تتم من اللاتينية ‏سريعة جدا من الإيطالية من الفرنسية عكس العربية

* الاطمئنان إلى المنجز الماضي واليقين الا يقتل ولادة الاسئلة الجديدة؟

- ‏لم اطمئن إلى المنجز أبدا ‏على العكس كأني بكتب روايتي الأولى ‏كل كتابة جديدة بالنسبة لي كأنها كتابة ‏لأول مرة وبالتالي بحس إني ‏عملت بروفة علشان ابتدئي كتابة ‏لأني لم اكتب بعد ما أريد

***

حاورها: محمد القذافي مسعود / كاتب وصحفي مستقل

من ليبيا

شاعرة الفيروز كما يلقبها الجميع.. متفردة في كل شيء

نخلة عراقية باسقة تزهى بحب العراق.. وقامة شامخة بديار الغربة..

ياسمينة فواحة تعشق دجلة والفرات.. تحمل الحياة والأمل في كل خطوة تخطوها.. وتدون صدى الوطن في كل كلمة. مسافرة في الاعماق، تطوي المروج والجبال بنبض الحنين المثقل بالعتاب لزمنٍ راقٍ أحتظر.. ولبلادٍ مضى إليها الأفعوان، فأمست أرضه ملحفة مغتابة فيها الدجى بارد كالجليد. 

 شاعرة ومترجمة عراقية مقيمة حاليا في المملكة المتحدة، ولدَتْ في مدينة بغداد، وتخرجت في الجامعة المستنصرية، كلية الآداب قسم الترجمة، عملت في الترجمة في دار المأمون للترجمة، ومع المنظمات الإنسانية في العراق، وتُرجمت العديد من قصائدها إلى أكثر من خمس لغات حية.

 شاركت في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات العربية والعالمية..

ونالت عدة جوائز في مسيرتها الأدبية، تميزت نصوصها بالجمع بين كثافة الصور ورهافة المعنى،

وصدرت لها عدة مجموعات شعرية أبرزها:

"نوارس تقترف التحليق 1991"

"احتفاء بالوقت الضائع 1999 "

"أغمض أجنحتي وأسترق الكتابة 1999"

"متى ستصدق أني فراشة 2002"

"بيتنا 2009 "

"البحر يقرأ طالعي 2009 "

 "مساء الفيروز 2020 "

"قهوة بالمشاعر.. كلمات وحكايا 2021"

عضوة اتحاد الأدباء والكتاب في العراق.

حاصلة على مجموعة من الجوائز منها:

* وسام الشعر من بغداد

* الجائزة الذهبية الأولى عن مجموعتها الشعرية (احتفاءُ بالوقت الضائع).

* المركز الأول لجائزة أندية الفتيات في الشارقة عن مجموعتها (أغمض أجنحتي وأسترق الكتابة).

* جائزة الصدى في المرتبة الثانية في الشعر عن مجموعتها (أُنثى الكلمات)

 * جائزة الشعر في مسابقة المبدعين.

4155 ريم قيس كبة

* سيدتي الراقية.. هذا الكرنفال المتألق من الفيروز، تزيدينه جمالاً وغبطة للعيون وأنت تتجملين برونق حجر البهجة والتفاؤل كما كان يعتقد المصريّون القدماء، هل تشعرين فعلا أنه يؤثّر في الطاقة الإيجابية للإنسان إذ إنّ أغلب مكوّناتهُ من فوسفات النحاس؟

- قبل كل شيء

لا علاقة لي بمكوناته.. فأنا احب الفيروز لونا وحجرا لانه جميل ومبهج.. ويناسبني.. وانا متفائلة بطبعي وجذوري رافدينة فهل لكل هذا سبب؟ لا ادري!

* في عائلتك الكريمة يجود الشعراء والكتّاب في اروقة عالم الأدب والشعر والعلوم الأخرى، ما رأيك سيدتي.. هل الشعر موهبة ام انه وراثة؟

- قد يكون موهبة وقد تختزنه جيناتنا بالوراثة.. لكن لا زرع ينمو ولا شجر يعلو بلا رعاية وحرص واهتمام.. ولذا فجدية التعامل مع الموهبة هو ما يصقلها ويقوي جذورها ويعليها.

* عملت في مجال الترجمة لسنوات عديدة، هل وجدت في نفسك مَيلاً لقراءة الشعر الأنجليزي القديم أو المعاصر؟ وهل ألهم مشاعرك صوره كما الشعر العربي؟

- بالتاكيد.. ولولا التنوع في مصادر المعرفة والشغف لما كتبت ما كتبت.. ربما!.. الشعر الانكليزي شغفي مثلما هو الشعر العربي. وكل تجربة معرفية او حياتية لها ان تؤثر على ما نكتب دون شك.

* يوما ما كان لنا بلاد زاخرة عامرة، غادرناها قسراً.. وما ابشع ان ينتزع المرء من جذورهِ، كيف تنظرين للغربة بوصفك شاعرة في أرض تخلو من ملامح نخلة تتمايل وتتوق لفارس أسمر يناغي ربابته في اطراف البراري؟

-افتقد بلدي دون شك.. وافتقد حياتي الاولى وطفولتي وشبابي الاول.. واعزي روحي بسعادات صغيرة تلوّن يومي.. يكفي مثلا ان تبادر شخصية جميلة مثلك من بلدي لتسألني هذه الاسئلة فتعيد العافية لحنيني وترويه بشيء من امل.. بلادنا في داخلنا اينما ذهبنا.. فهي تسكننا انى سكننا.. وتنبض فينا تفاصيلها مهما اغتربنا. وقد يشعر المرء بالغربة وهو في بلده ولكنه اذ يبتعد قد يتحول البلد الى رمز اكبر من مساحة الجغرافيا.. واعمق في التاريخ.

* يقولون الليل وحي الشعراء، وأنيس الشاعر.. هل لديك اوقات مميزة للكتابة تبصمين فيها احاسيسك إذ تستوقفين التأريخ ليعانق الفرح خلجات المحن، فتسمو ارواحنا بدهشة قلمك؟

- لطالما كان الليل صديقي الحميم وشقيق روحي.. انا مخلوقة ليلية.. يغازلها الوحي من بين ثنايا ظلمته والتماعات نجومه ويذكي فيها الكلمات. لكن الكتابة لا تعرف زمانا او مكانا.. ولا تتصرف كضيف يختار ساعاته بتأن.. هي اشبه بمعشوق مدلل يحين ساعة يشاء ويغادر ساعة يسأم ولا حكم لي عليه!

* ما يستقطب أهتمام الآخرين بك هو تميزك بهواية مهارة تصميم ملابسك الفلكلورية الجميلة كلوحة مشغولة بفسيفساء غاية في الروعة والبهاء بالرغم من غزو صيحات المودة والأزياء العالمية.. هذه التصاميم الزاهية، هل هي أبخرة جذورك السومرية؟

- يسعدني هذا السؤال!.. الواقع انني احب ان اعكس هويتي وهوية بلدي وانا اقرأ الشعر.. لا احس انني ملزمة بتطبيق تعاليم الموضة العالمية ولا امضي خلف التقليعات بلا تفكير.. احس انه لابد لهويتي من لمسة اضفيها على مظهري الخارجي ناهيك عن انتمائي الداخلي للعالم الذي اتيت منه وربيت فيه. حين اعتلي منبر الشعر لاقرأ احس انني امثل بلدي.. وانا لا استطيع الا ان اكون نفسي. والملابس التراثية تريحني جدا وتجعلني احس انني في بيتي تحضنني مثل اهل وتدفئني وتقيني. هي وطني الذي اتفيّأ ظلاله واعشق دجلته وفراته.

* يقول الحلاج: إن الحلم حنين الواقع.. هل يمنح الحلم ريم قيس كبة طاقة لتحقيق أضاءة في نفق مظلم؟

- وما قيمة حياتنا دون حلم؟.. انا احلم لاعيش واقعي واصنع قدري.. واسعى ان اعيش حلمي كما  تمنيت له ان يكون. هذا هو ايماني وهذه هي عقيدتي في الحياة.

* عندما يتحدث الدمع بدلاً من الحرف، ما الذي يجول في خاطرك وافكارك خاصة فقدان إنسان غالٍ لن يعّوض، هل لديك طقوس خاصة لوداعهم؟

- الراحلون يعيشون معي.. الدمع تعبير اولي للفقد لكنه شيئا فشيئا يستحيل ابداعا.. ومن شكّل وجوده فارقا في حياتي لا يغيب عني.. بل يزيد تواصلي به حين يغيب. هل سابدو غيبية اذ اقول ذلك؟

لا طقوس عندي في الوداع، فطقوس اللقاء اهم واجدى.

* مواضوعاتك مطرزة كجمال ملابسك بالذكريات والحنين ومنسوجة ببعض الألم والشجون، وهذا الأغتراب الذي يعيش بحنايا خافقيك إينما ترحلين، كيف نشفى منه؟

- الحنين احساس جميل وايجابي بشرط وحيد ان لا يصبح هاجسا فيتحول الى مرض عضال لا شفاء منه. وهو منجم افكار والهام للابداع بكل صوره: قصيدة لوحة قطعة موسيقية ملابس اكسسوار وحتى اسلوب حياة. لكل لحظة في حياتنا طاقة كامنة يمكن ان تغدو ابداعا فقط لو اننا تعلمنا ان نحياها كما يجب.

* الماضي الذي يقتات حياتنا ولا يحيينا.. يخلد الذكريات في قلوبنا كترنيمة اشتياق، نحدق به وليس هناك سبيل أن نلمسه.. كيف هي صورة الماضي في عيون ريم قيس كبة؟

- كل ما نمر به هو تجربة تضاف الى المعرفة وتثري المنجز وتعزز الحكمة.

* هل استفرد البكاء قلبك في غفلة من عيونك؟

- مااكثر الاحزان والالم! ومع هذا احس ان الفرح اكثر! وساعات الفرح اولى بالذكريات من سواها.

* ما رايك بالشعر العربي حاليا،  ماذا توجهين للشعراء من نصائح ليكونوا كبارا؟

- لا احب النصائح.. والكبير لا يكون كبيرا الا بمنجزه. وفي الشعر كما في الرواية قد لا يهم ما يُكتب بقدر اهمية كيفية كتابته. اما فيما يتعلق بالمشهد الشعري فلعل وسائل التواصل الاجتماعي قد شوشت الرؤيا لكنها من جانب اخر فتحت الشبابيك والابواب للكثير من التجارب الجادة الحقيقية ان ترى النور. وانا مازلت متفائلة.

* ما تكتبين في قصاصة صغيرة يحملها لك نورس مهاجر إلى بغداد؟

- بغداد في روحي ماحييت.. ولست بحاجة الى نورس ان يحمل اليها رسائلي.

***

حاورتها: حنان جميل حنا

 

صلاح زنكنه:

- أعتبر الزواج مؤسسة فاشلة ومقبرة للحب

- ثمة صنفان من الكتاب أحدهما يكتب بعقله والثاني يكتب بقلبه

- الشاعر الحقيقي بلا دين بلا مذهب بلا عقيدة بلا أب بلا مرجعية محددة

- أحمل وعيا نقديا لا بأس به، وقد كتبت العديد من المقالات النقدية

- الأدب بضاعة كاسدة، لا يتداولها إلا قلة قليلة من المعوزين

- من أدركته حرفة الأدب أدركته الفاقة والعوز

- أحتقر الماكرين والمنافقين والمتزلفين والمنبطحين والمتأرجحين

- أكتب لكي أقول ما عندي، لكي أثبت كينونتي. فالكتابة موقف

- هناك العديد من الأرباب ولكل منهم أنصار وأحباب

- غالبا ما أمارس طقوسي التي تشكل مفارقة أو مشاكسة قد تصدم الآخرين

- المرأة هي شغلي الشاغل دائما وأبدا، وهي رئة كلماتي، وشهقة هواجسي

- سماحي ليست امرأة عادية، بل فرس جموح لا أحد يجيد ترويضها

***

كردي المنبت عربي اللسان عراقي الهوى ينثر فرحه على الناس لكنه ضنين بحزنه إذ لا يرى إلا ضاحكا بين الناس مخفيا صومعة حزنه ودموعه في غياهب تهون معها ظلمات جب يوسف وهو شاعر ورث من ابو نؤاس خلاعته وخمرياته ومن قباني غزله ومن حسين مردان مبالغاته وتشبيهاته ومن ديك الجن مغامراته ومن السياب بكائياته ومن أبي فراس غزواته ومن سماح رقته ومن برتقال بعقوبة عطره ومن بغداد صخب ليلها ومن ابن الملوح هيامه ومن الصعاليك مبادئتهم ومن الفقراء طيبتهم ومن الحلاج صبره لكنه وصل الدنيا بقطار يزدحم فيه ضجيج الأصوات فلم يحصل على فرصة إيصال صوته للجميع مع انه رفع عقيرته بالشعر وبعض فنون الأدب الأخرى.. هذا الصلاح جمعتني به الظروف في أماكن غير صالحة للحوار مرة في مديرية مرور ديالى وأخرى في مجلس المحافظة وثالثة في (سراي) بعقوبة وفي أماكن أخرى غيرها لكن اليوم وانا اتمدد على رمال (الفيس) المحرقة وغياب المغناج (كهرباء) قررت أن أجلس اليه محاورا ومجادلا ومشاكسا.. مادحا قادحا عسى ان يستجيب واستدرجه في حوار ربما يكون متنوعا مثله..

* يعرفك البعض على انك صلاح زنكنه الأديب وأراك أكبر من صلاح وأكثر من أديب فهلا عرفتني بكل صلاح على حدة؟

١ - صلاح القاص ٢- صلاح الصحفي 3- صلاح الناقد ٤- صلاح الشاعر ٥- صلاح العاشق ٦- صلاح المتمرد

ج / كل الصلاحات الذين ذكرتهم هو صلاح واحد يكتب القصة والقصيدة والمقال النقدي ومارس الصحافة ردحا من الزمن، هو عاشق أزلي، مولع بالنساء من رأسه الى أخمص قدمية، وهو متمرد على البديهيات والتابوات والعقائد البالية، ومنغمس بالحياة بحلوها ومرها، ومقاتل شرس ضد الطغيان ومدافع عن حقوق الانسان وحرية المرأة ،ومشغول ومنشغل بالجمال دون كلل وملل.   

* يقال انك رجل مزواج.. هل كانت زيجاتك بسبب الحاجة أو التجريب أو لمعرفة الأنثى أو كنت كلما فشلت بزواج سارعت إلى غيره؟

ج / بدءا أنا أعتبر الزواج مؤسسة فاشلة ومقبرة للحب، علما أني لم أفشل في زيجاتي اطلاقا، الفشل هو حين يطلق الرجل زوجته ويتزوج بأخرى بينما أنا احتفظت بهن وانجبن 9 أولاد وبنات، وكن بمثابة صديقات، لكن مشكلتي أنا رجل ملول غالبا ما كنت أهرب من امرأة الى أخرى، وكان الشرع (مثنى وثلاث ورباع) منفذا جيدا لي كي أسرح وأمرح على راحتي.

* يلجأ أغلب الشعراء إلى التورية في الشعر عندما يقتربون من المناطق الحساسة في جسد الأنثى في حين تلجأ انت للمكاشفة.. هل هي الجرأة على أعراف المجتمع او السعي للتمييز او هي الصراحة في ما ترى؟

ج / مرة قال عني القاص والروائي أحمد خلف.. ثمة صنفان من الكتاب أحدهما يكتب بعقله والثاني يكتب بقلبه وصلاح يكتب بقلبه، أجل أنا أكتب بقلبي وبمداد دمي وجمرة شغفي، أكتب دون رقابة دون رتوش دون زروقة، أكتب ما يملي علي وجداني، وأنا بطبعي واضح وصريح وجريء ولا أخشى من التابوات المجتمعية ولا الأعراف الدينية ولا الأطر السياسية، أكتب نصوصي وأمضي دون أن ألتفت الى الوراء، ولي بصمتي الخاصة في الكتابة غير ملطخة ببصمات الآخرين. 

* كيف يتعامل الشاعر مع الوصايا الدينية؟

ج / الشاعر الذي يرضخ للوصايا الدينية والثوابت الاجتماعية والضغوطات السياسية، شاعر مسكين وفاشل وخائب وعقيم، الشاعر الحقيقي بلا دين بلا مذهب بلا عقيدة بلا أب بلا مرجعية محددة سياسية كانت أو دينية أو اجتماعية.  

* هل من الضروري أن يتكسب الشاعر بشعره؟

ج / الشاعر المتكسب (الذي يتكسب ويستجدي من خلال المدح) شاعر بائس رخيص وضيع منحط.

* لماذا يعاني معظم الأدباء من العوز غالبا؟

ج / لأن الأدب بضاعة كاسدة، لا يتداولها إلا قلة قليلة من المعوزين، ومن أدركته حرفة الأدب أدركته الفاقة والعوز.

* ما هو الفرق بين النرجسية والثقة في نفس الأديب؟

ج / الشعراء والأدباء والفنانون نرجسيون بطبيعتهم، خذ المتنبي مثلا، كان معتدا بنفسه حد الغرور وهو القائل.. الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ.

بل زاد على ذلك في قوله.. أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي، أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي، وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ الله وَما لَم يَخلُقِ، مُحتَقَرٌ في هِمَّتي، كَشَعرَةٍ في مَفرِقي.

والأمثلة كثيرة نزار قباني، وعبد الوهاب البياتي، وحسين مردان وكلهم واثقون من أنفسهم وإبداعهم وخطواتهم. 

* كيف تمارس النقد؟ وماهي مواصفات النصوص التي تود نقدها؟

ج / لست ناقدا ولم أدعي ذلك أبدا، لكنني أحمل وعيا نقديا لا بأس به، وقد كتبت العديد من المقالات النقدية بخصوص القصة والقصيدة والرواية كتعبير عن رأي شخصي ازاء تلك النصوص وقد جمعتها في كتاب بعنوان (تتبع الأثر) وعليك أن تعرف أن معظم الكتاب الكبار والشعراء الكبار هم نقاد كبار، أدونيس وسامي مهدي على سبيل المثال لا الحصر. أما عن النصوص التي أتناولها فهي أما أن تهزني وتحفزني بروعتها أو تستفزني بردائتها.

* هل تمارس المكر في سلوكك اليومي؟

ج / مستحيل.. بل أحتقر الماكرين والمنافقين والمتزلفين والمنبطحين والمتأرجحين والمسايرين والمراوغين والوصولين ومن لف لفهم.

* لمن تكتب؟

ج/ لا أدري بالضبط.. لكنني أكتب لكي أقول ما عندي، لكي أثبت كينونتي. فالكتابة موقف ازاء الحياة وازاء الكون والكينونة معا.  

* كم شخص يتصارع في داخلك؟

ج / اثنان.. صلاح زنكنه العاقل المهذب الودود المتماهي مع محيطه، وصلاح زنكنه المجنون المتمرد الساخط الكافر بمحيطه.

* ماهي علاقتك بربك؟

ج / أي رب تعني؟ فهناك العديد من الأرباب ولكل منهم أنصار وأحباب، أما إذا كنت تعني رب الإسلام فشخصيا لا علاقة لي به، لا من قريب ولا من بعيد.

ربي رب المحبة والجمال والسلام، رب العدالة والحرية والإنسانية، وهو يكمن في قلبي ووجداني وضميري، لا تبحث عن الله في المساجد والكنائس والمعابد، أبحث عنه في داخلك ستجده حتما.

 * هل هناك سن معين يحيل فيه العاشق نفسه إلى التقاعد؟

ج / العاشق غير مشمول بالتقاعد يا صديقي، فهو عاشق للحياة أولا، وعاشق للجمال ثانيا، ولا يأبه لسنوات العمر عادة. 

* هل تميل إلى اليمين أو إلى اليسار وهل تأرجحت بينهما يوما؟

ج / هذه المفاهيم والمصطلحات عفى عليها الزمن، كنا نفهم أن اليسار = تقدمي، واليمين = الرجعي، لكن المعادلة اختلفت تماما، فالكثير من اليساريين رجعيون وفق مستجدات العصر، والعكس صحيح، الدليل اليمين الغربي بات أكثر تقدمية من اليسار العنفي المتطرف.

أنا بصريح العبارة ليبرالي علماني، أتسوق مع منطق العلم وحقوق الإنسان وحرية الرأي ومبدأ الديمقراطية والتعددية بكل مواصفاتها.   

* هل وقفت اللغة يوما عائقا في طريقك؟

ج / لم تكن اللغة العربية بالنسبة لي خيارا، إنما واقعا مفروضا عليّ فرضا، فبيئتي كانت بيئة عربية، ودراستي بالعربية، وأصدقائي كلهم من العرب، وكل ما كنت أقرأه من كتب وصحف ومجلات كانت بالعربية، وبالتالي كانت ثقافتي بمجملها عربية.

* هل انت متقلب المزاج وكيف؟

ج / أنا رجل مزاجي بامتياز لا يعجبني العجب، وغالبا ما أمارس طقوسي التي تشكل مفارقة أو مشاكسة قد تصدم الآخرين.

* هل تعرضت لمضايقة السلطة بسبب أحد النصوص التي كتبتها؟

ج / أجل.. مرة ومرتين وثلاث.. واعتقلت سنة 1997 في مديرية الأمن، جراء قراءة شهادة بعنوان (أشهد أن أقول لا) ونص قصصي بعنوان (طواحين امرأة) وكنت حينها عضوا في المجلس المركزي لاتحاد الأدباء، وبعد تدخل حميد سعيد وكيل وزير الثقافة، ونجمان ياسين رئيس الاتحاد، اطلق سراحي.  

* من هم أعداء الاديب؟

ج / أعداء الأديب المبدع هم الأدباء الفاشلون والمتنطعون (اللوكية والعظامة)

* من هم اصدقاء صلاح زنكنة؟

ج / كل المبدعين.. كل الجميلين.. كل الطيبين.. كل الرائعين هم أصدقائي.

* من أين تلتقط أبطال قصصك؟

ج / من الحياة من الواقع من المحيط من بيئتي.

* هل جلبت لك صراحتك المشاكل؟

ج / جدا جدا جدا.. بل جلبت لي عشرات الأعداء من المخنثين والمتكسبين والسفلة.

* متى يكذب الشاعر؟

ج / يكذب كثيرا على الصعيد الكتابي، ومعظمهم يقولون ما لا يفعلون.

* كم مرة تعرضت للسرقة؟

ج / معظم نصوصي الشعرية تعرضت للسرقة، وبعض السراق الجميلين كانوا يعترفون لي بسرقاتهم الحميمة، وأنا سعيد بهم حقا.

* ماذا تمثل المرأة في حياتك وكتابتك؟

ج / سبق وأن أجبت على هذا السؤال.. فالمرأة هي شغلي الشاغل دائما وأبدا، وهي رئة كلماتي، وشهقة هواجسي، ولوعة تجلياتي، كون الكتابة عندي فعل كينونة ووسيلة لديمومة الحياة، فأنا أكتب القصة وكأني أكتب قصيدة عن امرأة هجرتني وأبغي وصالها، وأكتب القصيدة كأني أسرد حكاية امرأة أعشقها وأخشى هجرانها، لهذا أتشبثٌ بأطيافها وأغور في محيطاتها وأدور حول أفلاكها عبر كل نص أنجزه أو أحاول انجازه.

 * كم ملهمة مرت في حياتك وتركت بصمة على نتاجك الأدبي؟

ج / لا أعتقد ثمة ملهمات بمعنى الحصري للكلمة.. لكن ثمة نساء كان لهن وقعا خاصا في حياتي وبالتالي في نصوصي، وخاتمتهن سماح التي غدت أيقونة قلبي بلا منازع.

* من هي (سماحك) التي عرف اسمها كل سكان العالم الأزرق؟

ج / سماح رئة الوجدان وأيقونة القلب النابض، سماح خالد البارودي البنت المصرية الدلوعة، التي تمدني بمصل الحب والجمال والحياة.

سماحي ليست امرأة عادية، بل فرس جموح لا أحد يجيد ترويضها غير فارس محترف مثلي، يتقن لغة صهيل الأصائل.

سماحي فرس أصيلة، وقلبي براريها الشاسعة، وصهيلها قصائد حب وأغاني وجد وحنين ولوحات ملونة مبهجة.

سماحي قبيلة نساء في امرأة استثنائية مميزة بشغفها، وعذبة في بوحها، وطرية بهية في أنوثتها الصاخبة الجارفة العارمة التي هي عبارة عن بركان من العواطف الساخنة الجياشة.

هي أنثاي الباهرة الساحرة التي تشعل الوجد بين أضلعي كل لحظة وساعة وليلة ويوم حتى أدمنت دلعها ودلالها، غيرتها وغضبها، وخصامها وجنونها. 

هي بيت يلمني ووطن يضمني، وأم رؤوم تحنو عليّ.. تداريني وتواسيني.

سماح محطتي الأجمل وحماقتي الأكبر، ومشوار عشق لن ينتهي.

* بعد ان رسى مركب حوارنا على ضفاف الانثى تورد خداه واكتست كلماته برقة العشاق وبدا يتلمس مفردات كما يتلمس الصانع المعادن الثمينة فقررت تركه هائما في عالم احبه وذاب فيه من غير ان اخدش سمعه بكلمات وداع.

***

حاوره: راضي المترفي

 

شاعرة عراقية الأصل والوجدان.. حصلت على لقب شاعرة أدب الحرب والسلام.. حبيبها الوطن.. وملاذها القصيدة.

 تذرف على قرائها عبق الحياة، تطوقنا بوشاح حرفها فتقود انتباه قرائها نحو جرحها وبهجتها من غير أن تحتاج لشفرة العبور.. تسعى لمن يقرأ نصوصها أن يحلق في فضاءات من الجمال عبر الصور الشعرية كالتواشيح التي تبتكرها بروح عذبة منحازة للإنسان قبل أي شيء.. هي ربة الإلهام تملأ أبجدية اللغة بدهشة وأنبهار القلم.. تسقي مآقينا رحيق الحياة، وترسم الشوق العميق للأرض على مر العصور بموجه الوهّاج..

وجهها مرصع بأزمنة تخترق أعماقنا بين التفاؤل والخوف.. بين أغنية للإنسان و مأساة الحياة.. عيناها تناغم الريح فتأسرها لهفة على زنابق الورد لتستفيق فراشات الحقول و تسرد لنا حكايات اليقظة والنسيان.

تقول عن نفسها: أنا لا أكتب من أجل الكتابة، أنا أكتب للآخر بحبي ولأنشر النور من خلال الكلمة والمعاني لتضيء مكامن الجمال في كل تفصيلةٍ صغيرة فأنثر بذور الحب و الحياة في قلوب من يقرأ لي. لغتي طفلةٌ وبكر لا تكرار فيها، جملي الشعرية كوريقات وردة جوري تستلقي بين يدي قاطف معناها..

الأدبية والشاعرة نيسان سليم رأفت:

- تولد العراق 1974.

- بكالوريوس تأريخ

- عملت في التدريس التربوي

- عضو الرابطة العربية للأدباء العرب

-عضو الاتحاد الدولي للأدباء العرب.

صدرت لها مجموعتان شعرية:

* ديوان تلويحة إلى حارس الحقول 2016

* ديوان ثلاث جهات للجنوب 2018

- حصلت على الوسام الذهبي من الأكاديمية العالمية للسلام، ولقب شاعرة أدب الحرب والسلام.

- شاركت في مهرجان المرأة الآلهة في بلغراد

الحوار

* سؤال1: نيسان اسم سرياني الأصل.. معناه اليوم الجديد والشروع بعمل شيء ما ويعني ايضا السنابل الزاهية والزهور.. يتناهى لمن يسمعه أنك ولدت في شهر نيسان.. حدثيني من أطلق عليك هذا الأسم وكيف كان ذلك؟

* جواب1:  قبل البدء بالرد على سؤالك

أحب أن أرحب بك وبهطولك على ربوع مدياتي وأشرعتي العالية منها والمنخفضة. وأقول لطالما سعدت بقربك صديقة قبل أن تكوني محاورة فأهلاً ومرحبا ً بك.

أما عن سبب ومن أختار أسمي فهو والدي أذ لا يختلف بزوغ آذار عن ربيع نيسان وحسب ما رواه لي أبي أن هيئتي أوحت له بالربيع فكان الأختيار لتسميتي بنيسان

* سؤال 2: وراء كل معلم تربية عظيمة كنت ولسنوات طويلة تمتهنين التدريس كمهنة جليلة، أرتقت الأجيال في عطائك السخي بالعلم والمعرفة.. كيف تنظرين لمستقبل اللغة العربية للأجيال القادمة في ظل التحديات الكبيرة.

* جواب2: نعم التحديات كبيرة وكييرة جداً وقد تأثرت المجتمعات العراقية والعربية بهذه الظروف والتقلبات وعدم الاستقرار مذ وقت سقوط الانظمة وما تبعها من الطائفية ومن ثم النزوح والتهجير القسري لكن الشعب العراقي ما يزال يسعى ويواكب عجلة الزمن وأنا وبصفتي شاهداً على ما تجابهه العوائل العراقية من صعوبات لوصول ابنائها لسلم النجاح رغم عدم أستقرار الوضع العام والتحديات التي تأثر سلبا على المحيط الدراسي إلا أن الطلبة قدموا تفوق كبير ونالوا درجات عالية وكل يوم نسمع هنا وهناك بتفوق ابنائنا بكل المجالات داخل العراق وخارجه.

العراقي تكوين عجيب يبدع في أسوء ظروفه والمحافل شاهدة وكثيرة على انجارات المبدعين وأنا مستمرة بأعطاء الدروس والتعليم حتى اللحظة.

* سؤال 3: كيف ينمو الحب بقلبك بهذه الكثافة لدرجة أنك تستوطنين أرضه وتبذرين بذوره يومياً؟ كأن التأريخ أستوقفك لتبصمين الحب على شفاه الحرف، ما تخبريني عن عالمهُ السحري في حياتك و كتاباتك؟

* جواب3: حصدت الكثير من القصص وعشت مراحل عمرية مختلفة وواكبت أحداث في أماكن بعيدة وقريبة من خلال مرافقتي لوالدي في أسفاره ولربما كان هذا السبب في تنوع وغرابة شخصيات نصوصي وطبيعتها القريبة من رؤى وعوالم مختلفة

عاصرت أجناس وأسماء تفوق حجم سنواتي بكثير

فتكونت مني شخصية مستوفات لكل شروط الحرص والاعتدال والغموض المستحق فكان للحب النصيب الأوفر من روحي وحتى اللحظة هو الملك لكل جهاتي والحارس لحقولي رغم خسارات الفقد التي عصفت بي يوقت مبكر ليتحول حزني إلى عطاء ووفرة بالاحاسيس والمحبة.

* سؤال 4: الوطن حبيب سرمدي عرشهُ ضخم في قلبك، رسمت حروفه من وجدانك بين بسمة و بكاء.. فرحة و محنة.. هل يمكن تعويضهُ؟

* جواب4: الوطن هو ما يبقيني بحاجته مهما أكتفيت

 والانتماء الوحيد الذي أفخر به.

لم يحظ أحد كما حظي وطني بكل جلسات التفكر والأبحار التي استحضرها في كل جهاته لا مكان ولا زمان ولا سعادة من شأنها أن تعوضني عن الوطن وقد تجلى حبي للعراق في كل نصوصي التي كتبتها.

يؤلمني ما حل بنا وحصل من أزمات و حروب وعدم أستقرار لكني واثقة بأنه سيعود ويستعيد شموخه بطيبة وأصالة كل الأخيار في عراقنا العظيم.

* سؤال 5: شخوصك التي نقرأها في كتاباتك كبيرة بحجم يقين الجبال الشامخة.. ترتقي بقوة و تقدح فكر و روح القارىء ثورة و أحساساً، هل هذه الشخوص حقيقية ام خيالية؟

* جواب 5: مع كل كتابة لنص جديد أعتبره أعادة تأهيل وتسريح غير مشروط لأسماء وأماكن لعوالم شديدة الزحام بعضها ماض كان ومنها حاضر حي. وأجدني بارعة في سرد القصص والنصوص التي تستحضر الماضي بكل شخوصه. أرسم مسارات ممكنة حيث أزوق النهاية بياردة قريبة من افق قريب ومحتمل السعادة.

أتقمص أدوارًا مختلفة مرة دور ثانوي ومرة البطلة وحبيب أجعل منه صديق عادي أو أقل من العادي وفي قصة أُخرى أنا البطلة. واحيانا آخذ دور الكومبارس وفي بعض النصوص الأخرى أنا هامش ولربما تمكنت أن أكون الروح الشريرة التي تهزم في النهاية، في نص آخر لم أستطع فيه أن أقرأ نفسي فالشيء الحقيقي بين كل النصوص هي قصتي التي لم أعرفها لكون علامات الأستفهام تحاصر مدياتها.

* سؤال 6: أراك تميلين لقصيدة النثر أكثر من كتابة الأجناس الأدبية الأخرى.. هل الموسيقى الداخلية للقصيدة هي السبب للتعبير عنه؟

* جواب 6: هذا السؤال تكرر طرحه وفي كل مرة أحاول أن أبين بأني هاوية وعاشقة للكتابة  التي تكون فيها المسارات مفتوحة ولا تحتكم لقواعد وأصول الشعر وحتى أكون بعيدة عن أي جدل من شأنه أن يسيء للبنية الأساس لمفهوم الشعر وأجناسه.  

أقول: إن قصيدة النثر أشبه بالمقطوعة الموسيقية لوحة تجمع الفن والحب والحياة والحلم كلها يتم مزجها في عمل عظيم بعيداً عن الأفكار الضخمة

 وعن مشاكل العالم المستعصية وعن تعقيدات وتناقضات الإنسان وهواجسه نصوص النثر أشبه بفيلم و قصة بغاية البساطة كأن تحكي عن وقوع رجل وامرأة في الحب ضمن ظروف عادية مع تحولات زمانية ومكانية بسيطة

وأحياناً يكون النص ثائرًا وصاخبا يموت الاشرار في نهاية حرب خاسرة

الكتابة فن وفن بحوره عميقة تغوص بكل جوانب الحياة تترجم المأساة

وتمنح المتعة والدهشة هو اللذك المغموسة بالتعب كأغنيات الحصاد وتحليق النوارس قرب شواطئ انتظار الصيادين

وهنا أستحضر قول الكاتب والمفكر الأستاذ حسان الحديثي حين قال أني أفضل المتعة على الفائدة في الشعر

باحة أستراحة من المشاكل اليومية وهمومها والتي تدخلنا في جو من العواطف المتصارعة وتعابير تمس أعماق ذواتنا ولوحة عظيمة تحتفي بالحياة وجمالها.

* سؤال 7: تأخذين القارىء معك في دهشة جمال مشاعرك وكلماتك المكتضة بالجمال و الألق كأجمل الثريات المتلألئة.. كيف يمكنك إلتقاط أجمل هذه التفاصيل و اللحظات الحالمة.

* جواب 7: الأحساس بالآخر والأنتماء للأنسانية دون أي تحزب أو انقياد لفكر معين

إن أردت أن تكون كاتبة فذة، ليك أن تخلقي عوالم وحياة وشخوص وتنصهري بأحساسك بكل روحية وصدق وتعاطف حقيقي خالي من الرياء

سأخبرك بشيء ياعزيزتي حنان

لقد وجدت أن أهم ما يميز النصوص النثرية كونها فن حقيقي قادر على صنع تأثير روحي لا يقل عن فن الرؤيا السينمائية

ففي الكثير من المرات وقعت في حب الشخصيات التي كتبتها مثال على ذلك شخصية الشيوعي والجندي والكاتب الستيني لذلك على الكاتب أن يجسد ويعيش وينتحل ويتفاعل مع كل نص بشرط أن يتقن أدواته في مخاطبة القارئ:

لطالما تشاركت الحزن مع كل حدث مؤلم

لهذا صار أرثي من الحياة ثقيلًا

وهذا ماجعلني أكتب وأثبت لنفسي

بأنني على قدر العطاء

كل سنة أقر أمام نساء ذاتي

بأنني المرأة التي كنت

وما وجب عليه اليوم أن أكون

صوت الحق والسلام لكل الناس4055 نيسان سليم رأفت

* سؤال 8: كالفراشة الناعمة تتركين بليغ الأثر في قلوب قرائك بما يليق بمعنى كتابة فن الشعر النثري، فاستحقت الصدى الطيب والتكريم الواسع والتقدير من جهات كثيرة.. كيف تستقبلين هذه التكريمات بداخلك؟

* جواب8: لا أخفيك يا عزيزتي فأنا شخصية يخجلها المديح ولا أتبارى في أظهاره للعلن. نعم حصلت على تكريمات معنوية ومن جهات عربية ومحلية وتم تقييم كتاباتي من أسماء بارزة في عالم الأدب لبعض نصوصي لكن تأكدي أن قمة فرحي هو محبة القاريء الذي يجد الصدق فيما أكتب وما سمعته من الكثير  والذين أعتز بهم. كل ما أريده لكتاباتي أن تمر على قرائي مثل رائحة بحر في أنف قبطان.

* سؤال 9: احاول أن اتحاشى هذا السؤال.. و لكن هل خبأت عيناك الجميلتان بداخلها دمعة سجينة خوفاً أن تجرحَ قلوباً عانقت روحك؟

* جواب 9: لربما هذا السؤال الوحيد الذي أنعش دواخلي وكلي رغبة بالأجابة عنه حتى أخرج الغصات الماكثة في صدري.

مع كل الحب الذي تعوم فيه روحي وتحمله لكل الناس والكائنات وحتى الجمادات التي تعني لي الكثير بأرتباطها بتواريخ وأسماء كانت ولا زالت تحيا معي بأثرها الروحي، فقد توصلت إلى قناعة مفادها أن الحياة تمر أيًا كان ما افتقدته ومهما عظم شأن أمر ما إلا أن افتقاده لايعني أن الحياة توقفت وسوف تبدو مستحيلة..

ربما ستقولين عن كلامي محض هراء بل عدم إحساس نتيجة لعدم المرور بالتجربة.

لكن في حقيقة الأمر، الحياة تستمر. مهما كانت فظاعة فقدانك لشخص/ شئ، والألم الذي سيعتريك والجرح الذي سيترك أثره في روحك وجسدك.سيبدو أمر عادي أعترف بأنها قناعة مرعبة إذا تحولت إلى مايشبه اللامبالاة أو عدم التأثر بحضور الشئ / أو غيابه لكن افضع الأمور بمرور الوقت ستصغر وكأنها لم تكن سوى الدمع لحظة الأستذكار

أعترف أنني تحملت عناء الفراق القسري وجربت هذا الشعور لمرات عديدة لأحداث وأمور ماكان لها أن تحدث لكنها حدثت ومرت.

الفرح والدموع والنجاح كلها أقدمها له وطني مع ثلاث نقط وطني...

* سؤال 10: المحبة هدية.. كلما قدمتها أكثر كلما أمتلكت قلوباً اكثر.. كيف لهذا القلب النابض الصغير بداخلك ان يتسع لتواشيح محبة لا تتناهى أبدا؟

* جواب 10:

العطاء دون مقابل

الإحساس بالآخر ومشاركته بالهموم

 تحمل المسؤولية حتى وأن لم تكن جزء من القضية والتعاطف الإنساني

التجارب والأزمات

التعامل مع الاخرين بخلقك وحب الخير والنجاح للجميع

لست مثالية لكن أكثر ما يسعدني أن أرى العالم كله ينعم بالسلام

أشعر بأني أمتلك طاقة كبيرة وقدرة على تحمل المسؤولية لربما لكوني أم ومارست الامومة في وقت مبكر فكنت أماً لأبي ولربما هذا ما جعلني أهوى فن الكتابة

في داخلي الكثير من الكتابات إلا أنني دائماً ما أراعي الوقت في نشرها ولا أحب الزخم.

أحب الهدوء في كل شيء

* سؤال 11: نختبر أياما جافة لا ينمو فيها رفيف الياسمين والشجر، و متعبة فلا أمل يخبرنا بأن الغد سيكون أجمل.. كيف تصارعين أياماً كهذه؟

* جواب11: منذ زمن طويل وأنا أعوم في الكثير من الأسئلة

مرّت القوافل والكلاب النابحة

‏مرّت المنازل والبلاد.

و نسوة حياتي يكبرن بسرعة العجول الهائجة.

 يحملن قصصاً وأسماء

ويا لثقل هذه الأسماء

شاخت أعمارنا وحروبنا تتصابى

....

لا أدري ما سيكون عليه الغد ياعزيزتي

فكل الأشرار الذين عرفتهم في حياتي

 لا سوء أصابهم ولا مات أحداً منهم

الواقع يختلف كثيراً عن الروايات والأفلام

 لكن لا بد من الأمل

أنا وأنت والبقية كلنا لدينا حلم وحلمنا صغير لم يكبر

(العيش بسلام)

ربما الغد ستكون شموسه أفضل.

* سؤال 12: عرفتك صاحبة رؤيا من الرؤى التي لا تبصرها غير عينيك في أحوال الناس وعتبة الحياة.. ماذا ترين عبر نافذتك، هل ستغرد الأطيار بعد هذا المخاض العسير؟

* جواب12: وكأن الحياة خجلت من أن تتصف بالشقاء، فصارت في كل مرة تعلن بأنها حالة أستثناء

الحياة والزمن لا يتنكران للماضي كما الأنسان ياعزيزتي

ولا يتنازلان عن التاريخ مهما بلغت خطاياه

لهذا فأن تبعات التغيير لن تكون هينة

الجميع يتحمل مسؤولية الإصلاح

أملنا بالأجيال القادمة

فهم لا يملكون أي تعقيدات في تصرفاتهم

ولا يراعون في رفضهم أي تبعات

أظن المستقبل سيكون بهم أفضل ولن تكون تحدياتهم صعبة كما كانت معنا

لكون العالم كله صار أمام أعينهم

 ويبقى الخير والشر في تصارع مدى الحياة

وهنا تذكرت نصيحة مربيتي والتي لم اعمل بها ولم أتفق على تطبيقها كانت تقول والسلام لروحها الزاكية

عيشي مع كل ما تحبيه سراً

فالعلن لا خير فيه..

وأنا اقول عيشوا افراحكم في العلن وبثوا السعادة فبما بينكم

حتى يتضاءل الشر وتنحسر الأحزان

* كلمة أخيرة

- في البداية وقبل أن أتقدم بالشكر أحب أن أقول بأني أستمتعت بالحديث والحوار وكانت أسئلتك راقية ولم تخرج عن محور الأدب والشعر وما يحيط بنا من أحداث عامة تنم عن وعي وتقدير كبير منك الشاعرة والاعلامية الرائعة حنان جميل حنا.. حقيقة كانت رحلة أكثر من رائعة.

***

حاورتها: حنان جميل حنا

 

رئيس تحرير العهد المندائية في ضيافة الإعلامية عائدة السيفي

شخصيتنا لهذا اليوم شخصية قيادية متميزة قادرة على إتخاذ القرارات له قدرة رائعة على العمل الجاد متفاني في خدمته لطائفته والعمل لأجلها وبإخلاص وقبل وصوله إستراليا ومنذ وجوده في العراق بغداد ولحد الآن يعمل لم يأبه لعمره الذي ناهز السبعين من العمر يارب العمر كله تراه يعمل بحيوية ونشاط وله قدرة رائعة على التنظيم والترتيب متفاؤل يخفي مسحه نادرة وجميلة من الخجل في تقاسيمه صادق وصريح هادئ الطباع مبدع في عمله مثابر يسعى دائما" لمساعدة الآخرين

السيد خليل ابراهيم الحلي

- مواليد 1950 مدينة العمارة محافظة ميسان العراق

- مارس مهنة التدريس خمسة وعشرون عاما"، في إعدادية صناعة العمارة رئيس قسم الميكانيك. معاون مدير الاعدادية

- حاصل على شهادة الدكتوراه الفخرية في الاعلام من المؤسسه العالمية للابداع والعلوم الانسانية التابعة لليونسكو

- عضو الهيئة الإدارية لنادي التعارف بغداد سابقا" عام 2000.

-  عمل على انتاج الفلم الوثائقي: (اعاصير الغربة والحنين)، عن قصة حياة العالم العراقي المندائيي الكبيرعبد الجبار عبد الله الذي يعتبر أهم وثيقة تبرز تاريخ حياة هذا  العالم الكبير عام /2000.

- في 2004 غادر العراق متوجها"الى عمان ومن ثم وصل الى بر الأمان إستراليا في سنة /2005

- في عام/2007 عين بمنصب رئيس تحرير صحيفة العهد المندائية

 الصادرة في سدني ومنذ خمسة عشر سنه ولحد الان.

- في عام 2008 تم إنتخابه رئيس ا"لجمعية الصابئة المندائيين في أستراليا

- محرر في صحيفة المثقف

- محرر في مجلة النجوم اللبنانية الصادرة في سدني .

- وله العشرات من القصائد والمقالات في مختلف الصحف والمواقع

في 4/2022 تم أصدار ديوانه الشعري بعنوان مسافات الحنين.4049 جريدة العهد

- ماهي أهم نشاطاتك التي قمت بها في العراق أخ خليل؟

* نشاطاتي في العراق كثيرة عملت في مؤسسات الطائفة وآخر موقع شغلته هو عضو الهيئة الادارية لنادي التعارف مسؤول اللجنة الثقافية وقمنا انا والاخوة في الهيئة الاداريه بنشاطات كبيره وحفلات واماسي شعريه استقطبت اشهر الشعراء والاعلاميين وسهرات لازال المندائيين يتذكروها وطعمها عالق باذهانهم .

- هل بالأفق مشروع تود بتحقيقه وماهي أهدافه؟

* مشروعي وهدفي والذي منذ وصولي لاستراليا اسعى من اجل انشاء نادي اجتماعي ترفيهي للم جميع العوائل المندائية والشباب والشابات للتعرف على بعضهم.

- مالذي قدمته لبلدك الأم العراق؟

* في اي مكان توطئ قدمي اضع بصمة واضحة ومميزه به في العراق اهم عمل قمت به هو انجاز فلم وثائقي (اعاصير الغربه والحنين) فلم وثائقي عن العالم عبد الحبار عبدالله مع الاخوة في الهيئة الادارية للنادي الذي استغرق انجازه ستة شهور متواصله من التصوير والعمل المتواصل وهذا كان وثيقة مهمةعن حياة العالم.

- ماهو أهم إنجاز عملته خلال مسيرتك العملية هذه؟

* عند وصولي الى استراليا عملت عضو الهيئة الادارية مسؤول الاعلام منذ وصولي بعدها شغلت منصب رئيس جمعية الصابئة المندائيين لمدة ثلاث سنوات وخلال عملي رئيساً للهيئة الاداري وبتأريخ 2/10/2009 تم تسجيل اعظم حدث وانجاز للمندائيين هو شراء المجمع المندائي في ليفربول وانا شخصياً وقعت على عقد شراء المجمع مع الاخ منذر نعيم كان سكرتير الجمعية وقد عملنا مع نخبه من الشباب وقد استغرق انجازه بهذا الشكل لمدة سنه ونصف متواصله

واما المنجز الكبير الثاني هو اصدار اول صحيفة مندائية ورقية في العالم مستمره على الصدور وبنحاح مبهر منذ خمسة عشر عام

بالاضافه الى منجزات ونشاطات كثيره يشهد لها القاصي والداني أيضا" كتبت كلمات اغنية مندائية لازالت تتربع على اجمل الاغاني المندائية غنتها الفنانه المندائية (سهى غريب) والحان (وجدي العاشق) وهي (هيي وماري ينور الكون) ولازال طموحاتنا كبيرة لخدمة طائفتنا المندائية في استرالية (كلمة الهيي باللغة المندائية تعني الله عزه وجل)

- ماهي نظرتك للشباب والجيل الجديد بصفتك أب وإعلامي أبا سلوان؟

* نظرتي للمستقبل هو المواصلة في العطاء مع طائفتي ولن ابخل باي جهد اقدمه خدمةً لهم. اهم هاجس يؤرقنا دائماً نحن الاباء هو كيف نوجهه شبابنا نحو الطريق الصحيح برسم مستقبل زاهر وحصولهم على اعلى المراتب الدراسية والمواقع الوظيفية في الدولة في وطننا الجديد استراليا وابراز الوجه الناصع لطائفتنا والاندماج بالمجتمع الجديد.

- ماهي الشهادات والتكريمات التي حصلت عليها خلال الفترة الماضية؟

* الشهادات التقديرية والاوسمة كثيره من مختلف مؤسسات الطائفة ومؤسسات خارج الطائفة ضاقت بها الاماكن سواء في مقر صحيفة العهد او في بيتي منها شهادة مؤسسة المثقف في استراليا، مؤسسة الصحافة العالمية بالإضافة الى نقابة الصحفين الاستراليه اخرها شهادة الدكتوراه الفخريه بالاعلام من مؤسسة العلوم الانسانية التابعة لمنظمة اليو نسكو.4047 تكريم المندائية

مؤسسة المثقف تكرّم صحيفة العهد المندائية (تقرير مصور)

- هل لديك كلمة تحب تضيفها أخ خليل؟

* امنيتي الكبيرة هذه هي ان تتوحد مؤسسات الطائفة تحت نظام فدرالي يجمعهم بابسط نقاط اللقاء وتوحيد الخطاب السياسي لهم امام الحكومة الاستراليه. وأقدم شكري لك عزيزتي الغاليه عائده السيفي عضوة هيئة تحرير صحيفة العهد لنشاطاتك المتواصلة والدؤوبة في لقاءاتك مع ابناء الجالية المندائية والعربية وتسليط الضوء عليهم وعلى إبداعهم.

- وبإنتهاء لقائنا هذا نقدم شكرنا وتقديرنا للأستاذ خليل إبراهيم الحلي رئيس تحرير صحيفة العهد المندائية في سدني أستراليا وتمنياتنا له بتحقيق كافة أمنياته وآماله .

وأخيرا" تقبلوا شكري وتقديري لكم متابعي صفحتي الأفاضل والى لقاءات أخرى جديدة في شخصيات من بلادي ترقبونا.

***

حاورته: الإعلامية عائدة السيفي

الصحفي الذي جاب كل بحور الصحافة والاعلام مبحرا من دون شراع حظ

عبد الجبار العتابي..

- عشق نرمين المفتي لكنه لم يتعرف عليها يوم مرت بين سرب من الصبايا

- محكمو كرة القدم عندنا اغلبهم يضع ضميره في غرفة نزع الملابس

- صلاح المختار حماني من تقارير تؤدي الى الاعدام، لكنني احمل فضلا للدكتور سلمان

- غير مشهور شاعرا لان الشعر يحتاج علاقات وصداقات وانا لا املكها للاسف

- كان صديقي لكننا اختلفنا بسبب انانيته المفرطة

- جعلت الجريدة محطة للرياضيين والفنانين والصحفيين

- هوار ملا محمد ما كان يستطيع لفظ كلمتين بشكل صحيح

- احيانا يبكيني الغبن واحيانا اتمسك بالصبر

- القطار عالم متحرك فكل شيء يحدث فيه من المغامرات

***

عراقي يحمل طيبة الجنوب لكن جينات دمه مشبعة بطباع طقس العراق الذي نادرا ما يكون معتدلا فالرجل تراه غالبا اما ساخطا ناقما يصب جام غضبه على من حرك (ترمومتر) عصبيته ولا يهم إن كان المغضوب عليه رفيعا او وضيعا او تراه فرحا مسرورا من كل قلبه باد رضاه حتى لو كان مصدر الفرح ابتسامة من شخص أثير او ايماءة من جميلة صادفها ذات يوم او جلس بقربها.. والعتابي صحفي متمكن جدا من أدواته لكنه يفتقد الى أهم شيء في الحياة الا وهو الحظ فالرجل غير محظوظ بالمرة اذا يتعب ويجني الثمرة آخر ويكتب ويزهو غيره بما كتب العتابي وكانه هو من أوحى له ومع كل هذا الغياب للحظ كان للعتابي صبر وتحمل جمل.. نعم يتافف كثيرا لكنه لايشكو لأحد.. عمل في القطارات الصاعدة والنازلة من أجل توفير لقمة العيش وتحمل الأذى والسهر لكن عينه كانت دائما على معشوقته صاحبة الجلالة ولم تسمح له بالاقتراب من عرشها الا بعد ما قدم الكثير من التضحيات.. عمل في الصحافة الرياضية ونجح تماما في التشخيص وإبداء الرأي السليم واستنباط الحلول لكنه فشل في بناء علاقات شخصية مع أولي الأمر في زمن لا تكفي الكفاءة وحدها ولاينجح الا أصحاب العلاقات الرمادية وعمل في دروب الصحافة الأخرى وترك بصمة في كل جانب لكنه كان يعاني من غمط حقه هنا وهناك وتقديم من هو دونه عليه في المسؤوليات.. يراه البعض شتاما ذماما ويراه آخرون موجوعا لايصرخ الا عندما يداس على جرحه.. ربما اكون انصفته في هذه المقدمة او اوجعته.. لماذا لا نمنحه الفرصة ليضحك فرحا او يصرخ متالما ونحن نطرح عليه أسئلتنا بحوار غريب غرابة حظ العتابي الذي لم يعينه ولو لمرة واحدة وخذله حتى وهو ينتظر مرور الفنانة المصرية (نرمين الفقي) عندما كان ينتظرها عند قاعة استقبال فندق الرشيد ذات يوم.. وقبل ان اشرع بحواري معه طلب ان اثبت هذا القول في بداية الحوار والذي يراه هو حقيقة وارى ان هناك اخرين:

(ملاحظة : من دون غرور انا الصحفي الشامل الوحيد في العراق، اكتب في الرياضة والفن والثقافة والسياسة واكتب الاستطلاعات عن الاماكن والمدن فضلا عن كثير غيرها،كما انني شاعر كتبت مئات القصائد لكن الصحافة اخذتني لان باب الرزق.)

* يمنع من تسحب منه اجازة السوق من قيادة سيارة في الشارع.. عن ماذا يمنع من يرقن قيده من الصحفيين؟

* يمنع من استلام المنحة السنوية الحكومية فقط، والا فالصحفي الحقيقي لا يحتاج الى هوية النقابة غير الضرورية له.

*ماهي مشكلتك مع اللون الأصفر؟

* لا مشكلة معه اطلاقا لانني لا اهتم للالوان كثيرا وان كنت شغوفا باللون الابيض لانه لون النقاء ولون الكفن الذي بلا جيوب فضلا عن بياض (الزوراء) و (ريال مدريد).

*عندما يدخل الحكم العراقي الملعب هل يحمل ضميره معه او يتركه في غرفة الملابس؟

* يتباين محكمو كرة القدم عندنا واغلبهم يضع ضميره في غرفة نزع الملابس وينزل الى الساحة لان في قرارته التحيز لاحد الفريقين المتباريين او لفريق اخر من خلال التأثير على منافس له فيفقده بعض النقاط،وهذا حدث كثيرا في دورينا.

* يقال انك في الشعر العمودي تراصف الكلمات مثل (خلفة) بناء ماهر لكن بلا صور شعرية جميلة.. ما قولك؟

* لا اعرف من هذا القائل ولم يسبق لا احد قال لي ذلك،لا اعتقد ان الصور الشعرية تغيب لانها تأتي عفو الخاطر مترادفة مع موضوع القصيدة ومتعاشقة معه، لكنني غير مشهور شاعرا لان الشعر يحتاج علاقات وصداقات وانا لا املكها للاسف.

* متى تشعر بالغبن؟

* عشت عمري كله مغبونا،انسانا وصحفيا وشاعرا، اتعرض للظلم كثيرا،في كل مرحلة من حياتي غبنت وبرز لي ظالمون وحاسدون ومنافسون غير شرفاء، احيانا يبكيني هذا الغبن واحيانا اتمسك بالصبر.

* عاصرت أكثر من رئيس في صحيفة الجمهورية.. من كان فيهم صحفيا حقيقيا وإداريا ناجحا؟

* وجدت في صلاح المختار الفرصة التي منحها لي على الرغم من التقارير التي كتبت ضدي لابعادي عن الجريدة كما انه كان يفضلني على كثيرين من خلال تكليفي بمهمات صحفية استثنائية كما انه حماني من تقارير تؤدي الى الاعدام، لكنني احمل فضلا للدكتور سلمان زيدان ان منحني فرصة التعيين على الملاك الدائم.

* ماذا جنيت من عملك في صحيفة المؤتمر؟

* الكثير والكثير جدا لاسيما انني امتلكت حرية واسعة للنشر واسست فيها ملحقا رياضيا يوميا وملحقا فنيا اسبوعيا، وقد جعلت الجريدة محطة للرياضيين والفنانين والصحفيين،فضلا عن كوني عملت مديرا للتحرير فيها بصلاحيات مالية وادارية وتحريرية،وذلك تحت ظل الراحل الدكتور لؤي البلداوي رئيس التحرير الذي كان يثق بي ثقة مطلقة.

* ماهي قصة الفنانة المصرية (نرمين الفقي)؟

* في العام 2001 جاءت الى العراق مجموعة من الممثلين المصريين من بينهم (القمر) نرمين الفقي التي ما ان سمعت بحضورها حتى هرعت الى فندق الرشيد عسى ان اقابلها أو اراها عيانا ان لم تسنح الفرصة لمحاورتها، وصلت متأخرا الا انني سمعت انهم لم يرجعوا بعد الى الفندق، فانتظرت مع زملاء صحفيين، ولم يمر الا وقت قصير الا وسمعت انهم جاءوا الى الفندق فتربصت بهم محدقا في الوجوه باحثا عن نرمين الفقي بينهم، مروا من امامي جميعهم لكنني لم أرها ولم امتع ناظري بوجهها، فحزنت وأتيت الى صديقي الصحفي الراحل حيدر بن عباس أسره خيبتي بعدم رؤية نرمين، فوجدته يصرخ بي قائلا (مو توها فاتت من يمك!!)،قلت له : شلون وانا مبحلق عيوني وما اخلي واحدة اذا ما اعاينها بتأمل، قال : والله فاتت من جانبك.يبدو انني لم اعرفها، ويبدو انها هنا على غير ما تظهر في التلفزيون، استرجعت صور المصريات اللواتي مررن مني فتوقفت امام من تشبه نرمين ولكن بلا مكياج !.طلبت من حيدر ان يأتي معي لتحديد موعد لمقابلتها لكنه قال لي: ستسافر الليلة.بعد ثلاث سنوات شاهدت لها مسلسل (الليل وآخرو) وخلتني اعيش لحظات استذكار سيئة.

* لو دعاك غانم حميد للانضمام إلى فرقته هل تستجيب؟

* افكر قليلا،غانم تمتد علاقتي به الى اكثر من 25 سنة وكان صديقي لكننا اختلفنا بسبب انانيته المفرطة، ربما تغيرت احواله وقد بلغ عمرا لا يمكن المجازفة فيه كما انني قد اعينه على تخطي اللاضرورات.

* من هو الفنان الذي اتعبك في حوار معه وندمت على هذا الحوار؟

* لم يتعبني فنان فطالما اسيطر على الحوار، كما لم اندم على لقاء اجريته ولكنني تكاسلت في نشر حوار مع الفنان (جعفر السعدي) عام 2001 لانه قال لي انه لا يقرأ حواراته الصحفي،فاشتغل مزاجي السيء وتكاسلت في نشره الى الان،،ولكن اللاعب هوار ملا محمد اتعبني وانا اجري معه اول حوار له حين قدومه الى بغداد ملتحقا بفريق القوة الجوية لانه ما كان يستطيع لفظ كلمتين بشكل صحيح !.

* متى ترتفع عندك مناسيب الملل؟

* في اغلب الاحيان حتى انه صار صديقا مخلصا يزورني متى ما شاء ويجعلني ادور في الفراغات واطلق التأوهات لا سيما في مرحلة التقاعد وكوني اعيش لوحدي ولا انيس لدي غير التلفزيون والحاسوب،لكن الملل يتعاظم في بعض الاحيان ويسبب لي كآبة او دموعا لان الحياة لا تطاق بالملل وليس عندي القدرة المالية لكسره بالسفر او حتى التجوال داخل بغداد.

* صف ليلة من ليل القطارات الطويل؟

* تختلف الليالي،فتارة خالية ومملة ومخيفة وتارة مفعمة بالانس والجمال، ولأن القطار عالم متحرك فكل شيء يحدث فيه من المغامرات، ليل القطار تارة طويل جدا وتارة قصير جدا وهو في الاغلب حافل بالمسرات والمنغصات، وقد دونت كل ذلك في مخطوطة لي اسميتها (من ذكريات القطار).

* ماذا تمثل المرأة في حياتك؟

* كنت اقول في شبابي (المرأة اجمل ما في الوجود) وما زلت مصرا على هذا على الرغم من العناءات التي نلتها منها، المرأة هي حياة الرجل، والرجل بلا امرأة لا حياة له وان كابر البعض،لكن حياتي مع المرأة جانبها التوفيق.

* كيف تختار شتيمتك ومتى توجهها ولمن؟

* ليس من طبعي الشتيمة لانني اراها ديدن الخاسرين والفاشلين، ولكن في بعض المواقف التي اتعصب فيها اقول (لا بوه لا بو فلان)

* أيهما أصعب المواجهة ام الهروب؟

* المواجهة اعظم وان كانت صعبة، وللاسف البيئة التي عشت فيها علمتني على الهروب فخسرت الكثير،احد اخطائي انني لا اواجه واكتفي بالصمت على الرغم من انني اتهيأ بقوة،والسبب في الاهل الذين يحيطونني بكثير من المنوعات !.

* هل كنت جنديا ملتزما او متمردا؟

* كنت جنديا ملتزما،وعشت سنوات الحربين بمعاناة كبيرة،فنحن نعرف قسوة النظام وتحولاته التى تؤدي الى اذى الاهل،ثم لا اخفي كان خدمتي العسكرية كانت وقت الحرب ونظرتنا آنذاك ان الوطن بحاجة الى من يدافع عنه.

* يقال انك تجيد الغناء؟

* لو كنت اجيده لما انتظرت،لكنني اغني،اطلق العنان لحنجرتي لاسيما وانا وحدي في البيت، وكنت في ليالي القطارات اجلس في عتبة بابه واغني ألمي، انا اهوى الغناء وأعده ثقافة جميلة.

* متى كنت محضر خير ومتى تكون مصدر فتنة؟

* لم اكن فتنة وكانت تدخلاتي لرأب الصدع وهناك من يقبل ذلك وهناك من يعده تدخلا في شأن شخصي فاحترم ذلك وانسحب.

* متى يؤلم الضمير المهني للصحفي؟

* امام الظلم الذي يتعرض له الناس وفي تصريحات المسؤولين غير المسؤولة وفي الترويج للسوء والاسفاف ودحض الحقيقة او تغطيتها او حينما لا تجد الانسانية مكانا لها على صفحات الجرائد.

* اذكر ثلاثة مواقف محرجة اثنان مررت بها والثالث لشخص لا ترتاح له؟

* احد امواقف حين كادت الكلاب تأكلني في صباح معسكر الرشيح في العام 1987 لكن معجزة حدثت وانقذتني، والثاني حينما تركني القطار وكنت مسؤوله في المحطة العالمية فلحقته الى السماوة راكبا قطار بضائع او تاكسيات، اما الثالث فلا اتذكر موقف كهذا !.

* ماهو رأيك بالمرأة الشاعرة وهل تثبت او تنفي وجود المراة الشاعرة؟

* من الصعب الجزم بعدم وجود شاعرات جيدات لكنني اظنهن لم يظهرن الى النور،فيما اغلب الظاهرات على الساحة لا يمتلك لقب شاعرات لانهن يكتبن خواطر بسيطة، واعتقد ان من يستحقن اللقب معدودات جدا جدا.

* هل تمارس الخباثة أحيانا وكيف؟

* لا، لانها ليست من شيمي ولم اتعلمها،قد اكون مارستها في سنوات بعيدة للمزاح ليس الا مثلما في الجيش حينما نزعج زميلنا النائم ونوقظه لنقول له (فلان اكعد اكعد لان فلان راد يكعدك وما خليناه) وهكذا.

* صف لي اتحاد كرة قدم عندنا واذكر واحدة من حسناته؟

* الاتحاد يعكس واقع الحياة العراقية حيث الصراعات والخلافات وتفضيل المصالح الشخصية * ومهما يحاول ان يكون على قدر من المقبولية والنجاح لا يستطيع لان التقاطعات تستفحل واغلب الظن ان وراءها احزاب وما شابه، وحسنته الوحيدة هو اقامة الدوري وان كان طويلا ومملا.

* متى ينضج التين؟

* حين اشتهيه !!، فهو يطرق بابي من حيث لا ادري، يجعلني اتفرج عليه واتلمسه بأصابعي وأشمه، لان ما يربطني به ليس الاكل فقط بل الاستمتاع بمنظره حيث هو اجمل الفواكه !.

* ماهو الفرق بين الصحفي والكاتب؟

* فرق كبير وأدواتهما ليست واحدة، فالصحفي يمارس الفنون الصحفية التي تتفاعل مع الواقع ابتداء من الخبر وانتهاء التحقيق الصحفي، مرورا بالحوار والتقرير،فيبحث عن السبق في دهاليز مظلمة،اما الكاتب فهو متابع للاحداث وقاريء لها فيبسط رأيه محللا او كاشفا خفاياها.

* عتاب.. عتبه.. عتيبه هل هي عشائر يجمعها جد واحد او فقط تقارب أسماء؟

* لا افهم كثيرا في تفاصيل العشائر ولا اسعى الى البحث عنها مع اعتزازي بشيوخ وشخوص عشيرتي التي انتمي اليها.

* ماذا يعني لك محسن فرحان؟

* ملحن جميل ملتزم،عرفته عن قرب وعرفت حماسته للالحان المؤثرة مثلما عرفت اسباب احباطه،كان يحاول ان ينشر الفرح ويعطي للشباب دروسا في الحفاظ على الاصالة.

* كم مرة احببت في حياتك؟

* انا في الحب قارب تلاطمه الامواج،لكنه لم ينجح في الوصول الى الضفاف بسلامة، احببت بذلك الحب الذي لا يبقي ولا يذر، فأحترق ولكنني احاول ان اتجدد وانفض عذاباته فأحبط ثانية ومن اسباب ذلك الفقر الذي لا يمنحني الجرأة والقدرة احيانا على البوح واتمام قصة الحب بالنجاح،احببت بصدق وعانيت كثيرا ولم انل سوى السراب والعذاب والاكتئاب ولله الحمد.

* هل لديك رفاق سوء؟

* مررت بالكثير ولكنني في اغلب الاحيان احسم الامر واختم العلاقة بالمقاطعة، كثيرون انكروا معروفي وكثيرون اساءوا لي، ومن المهم انني لا استمر معهم واحتفظ بنتائج التجربة.

* لمن تبيع سرك؟

* للدنيا كلها !!، ليس عندي اسرار عظيمة سوى الضيم الذي يرهق قلبي والظلم الذي يجعلني اصرخ به ليسمعه الاخرون وربما يعتبر من باب (الفضفضة) التي تريح الروح،انا للاسف ما في قلبي على لساني وهذا من الاخطاء التي لم اصححها في حياتي.

* كيف يقضي المتقاعد يومه؟

* ليس كل المتقاعدين سواء،لكنني لاسباب صحية صرت مدمنا على البيت على الرغم من انني كنت اتوق الى التجوال وزيارة اماكن تكتظ بالناس،فيومي متعب وممل لاسيما انني اعيش وحدي تقريبا وكل متطلباتي انا اقوم بها وهذا مزعج للمتقاعد وان كانت في العزلة فوائد كثيرة من اهمها الصمت، الا ان عدم النوم هو احدى المنغصات،انا اتنقل ما بين التلفزيون والحاسبة والمشي في مساحة غير مبنية في البيت.

* هل صحيح انك تنوي الزواج من أرملة متقاعدة لكن تخشى اولادك؟

* اضحكتني يا رجل، بالطبع لا، وتجربة الزواج الثاني الفاشلة جعلتني اكره كلمة الزواج وربما احرض الاخرين على الاختيار المناسب وبدقة.

* اين مضت السنين بحبك الأول؟

* راحت معتقة بالفشل والخيبات ولكن ظلت بقاياه مترسبة في قعر القلب سرعان ما تقفز الى غدد الدمع تفززها مع أي لمحة تمر من الذاكرة.

* هل عملت في الأرشيف؟

* لا، على الرغم من انني مهووس بالارشيف !

* كيف تبدأ حديثك مع النساء؟

* لا ابدأ بالحديث معهن، وانتظر ان يبدأن هن، فأنا لا امتلك الجرأةة ولا الشجاعة في ذلك بل اخشاهن واتوجس خيفة منهن لاني اجهل ردود افعالهن، وهذا متأتي بسبب البيئة التي عشتها التي تحذر من النظر الى بنات الجيران او اداء التحية للقريبات،وكان هذذا واضحا عندما دخلت الجامعة فكنت ارتجف حينما انظر الى زميلة ولا اتحدث معهن الا لماما.

* هل كنت وسيما؟

* بالطبع لا !، فأنا في الطفولة سمين وما بعده شوهني جرح في ذقني، المهم لا اعتقدني وسيما.

* كم حلما تحقق في حياتك؟

* لم احقق الا حلم واحد وهو ان اكون صحفيا وكان ذلك بعد جهد جهيد بذلته، اما الاحلام الاخرى التي تمتد الى الطفولة فكلها باءت بالفشل واحزنتني صعوبة تحقيقها وكان ذلك لاسباب منها الفقر وعدم وجود الجرأة والخوف مما لا ادري.

* لماذا يرعبك صوت الرصاص؟

* لانه يعني القتل، ارتكاب جريمة وموت انسان او كائن حي، ثم ان صوت الرصاص مزعج،مقلق ونشاز ولا يمت الى الانسانية بصلة.

*هل هناك معكر مزاج لم أسالك عنه؟

* كثيرة هي المعكرات للمزاج لا سيما في سنوات الفقر والعوز وقد امضيت حياتي اطلع من معكر وانزل في معكر، طفولة بائسة ومراهقة بائسة وشباب بلا ربيع وركض من اجل لقمة العيش ومحاولات البحث عن الامان وهكذا مضى العمر !

* اخيرا هل بقي لديك شيئا لم تقله؟

* علمتني هذه الحياة العراقية ان الحياة الدنيا فيها مجرد (كلاوات) كما نقول باللهجة الشعبية، وان (الكلاوجي) هو الفائز الوحيد فيها والواقف على كل منصات الفوز،وفي هذا (الكلاوجي) تجتمع الكثير من الصفات كالمكر والخديعة والخيانة والنذالة والحقارة والكذب والمداهنة والنفاق والمجاملة على حساب الحق والباطل والضحك على الذقون والتستر بالدين والمباديء والقيم والاخلاق الحميدة،وهو ابعد ما يكون عن الشرف والالتزام وعنده الغاية تبرر الوسيلة مهما كان ثمنها.

***

حوار: راضي المترفي

محمد القذافي مسعودخاضت الدكتورة بشرى أقليش البحث في عدة قضايا فكرية وفتحت باب الحوار بين شخصيات مختلفة عبر ترأسها لمنتدى تحالف الحضارات وحوار الديانات إلى جانب كتابتها لمجموعة من المقالات بمجلات محكمة حول سؤال التراث والحداثة وسؤال العقل والنقل في الفكر الإسلامي كما انها تعمل أستاذة زائرة بكلية الآداب والعلوم الانسانية .ظهر المهراز- وعضو المنتدى الإجتماعي المغاربي

والمنتدى المغربي للديموقراطية وحقوق الإنسان

ولها عدد من المؤلفات الصادرة

الإسلام السياسي ودولة الخلافة

قيم الحداثة في القرآن الكريم

نقد نظم المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية

أجرينا معها هذا الحوار حول عدة قضايا ومواضيع

- الأهم لنا كعرب في بناء مجتمع متقدم الدين أم الأخلاق؟

* نحتاج للإنسان الذي تنادي به الأخلاق والأديان. لأن الإشكال ليس في الدين ولا في أية منظومة أخلاقية، إنما في الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على البشرية باسم هذا المعتقد أو ذاك.نزد على هذا أن مفهوم الأخلاق ذاته عندما نسعى إلى مقاربته، نجد أنه يحضر في كثير من المعاجم والمقاربات بمعنى الدين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية،يطلق أيضا لفظ أخلاق على"جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة". لكن عندما ننظر للأخلاق باعتبارها مجموعة قواعد تهذب السلوك، فأكيد أننا نلامس هذا التلاقي أو التكامل بين الدين والأخلاق. لأن الدين إيمان وممارسة وتنظيم للسلوك، ولربما ما يميزه عن الأخلاق كمفهوم وكسلوك، إنه اعتقاد ذو بعد روحي.الذي يطرح لنا سؤال الدين، أننا نتمثل الأديان من خلال المتدينين، وهنا المشكل، المتدين إنسان، قد يصيب، قد يخطئ. سلوكياته، وصراع قوى الخير والشر فيه، أكيد لا علاقة لها بالمنظومة الأخلاقية-الدينية التي ينتمي إليها. لهذا علينا التمييز، وعلينا الإيمان أيضا بالبعد المثالي للقيم الأخلاقية والدينية. وبين هذا البعد المثالي والطبيعة البشرية، هناك جهد الفرد للإرتقاء بذاته نحو الإنسانية بأسمى معانيها.وفي الأخير، لا تعارض بين الدين والقيم الأخلاقية،وإن انطلقنا من مرجعيتنا الدينية مثلا، يقول عليه الصلاة والسلام:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ثم إن الدين نظام أخلاقي بالدرجة الأولى.4030 بشرى قليش

- "تجاوز ثنائية كفر- إيمان، في حواراتنا مع الآخر " كيف نحقق هذا التجاوز فعليا؟

* تجاوز ثنائية كفر- إيمان، يقتضي منا فهم واستيعاب منطوق النص الديني القرآني، المؤسس لعلاقة المسلم بغيره، وأيضا استيعاب كونية الرسالة المحمدية، وتكاملها مع باقي الديانات السماوية، وأيضا باقي المعتقدات على اعتبار إن الخير واحد. وإن الطبيعة الخيرة في الإنسان لا ولن تتنافى مع القيم النبيلة التي تتوحد عندها كل الأديان والمعتقدات. وبالعودة إلى النص الديني القرآني، فقد أسس بل دافع عن الحق في الإختلاف، والحق في التدين، والحق في اختيار الكفر أو الإيمان. وعلى سبيل المثال لا الحصر:

1-على مستوى التأسيس لثقافة/سنة الإختلاف: يقول عز وجل(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)."الروم،الآية:22.

(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)."هود،الآية:118.

الإختلاف إذن، إرادة الله في الكون.

2-على مستوى الحرية الدينية: يقول عز وجل: (لا إكراه في الدين) "البقرة، الاية :256".

وأيضا (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون)."المائدة،الاية:105.

الدين إذن براء من كل أشكال الوصاية الدينية التي تعتبر إيديولوجية الإسلام السياسي، ومبررا لثنائية كفر-إيمان. ولئن كانت حرية الإنسان قيمة من أبرز القيم العليا، فإنها أيضا مقصدا من أهم مقاصد الشريعة.

3-على مستوى سنة الإيمان والكفر:

يقول عز وجل: (ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)." يونس، الآية:99".

لقد كفلت الشريعة الإسلامية حرية المعتقد للأفراد،وماكان لأحد أن يصادر هذا الحق حتى وإن كان باسم الله. لهذا فثنائية كفر- إيمان، فيها تحد صريح للإرادة الإلهية:(وقل الحق من ربكم فمن شاء فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)" الكهف:29". من هنا فلا مجال لفتح الباب أمام ذهنية التكفير التي تهدد أركان التعايش السلمي بين أتباع مختلف الديانات والمعتقدات. هناك أيضا من يختزل مفهوم الإيمان في مرجعيته الدينية، في حين إن الإيمان سيرورة وجود، وجدلية كفر- إيمان، أيضا جدلية وجود. لكن الخطير أن نقطع مع إنسانيتك، وترى في نفسك الإيمان وترى في الآخر الكفر.

- أين تكمن المشكلة في عدم ايصال مفهوم الاسلام الحقيقي إلى العالم الاخر أو الآخر المختلف؟

* أولا، هي أزمة أفهام. كل يسلك وفق فهمه وقناعاته، ويصرف هذه القناعات على ّإنها حقائق مطلقة.ثانيا، سأعود للفكرة السابقة، وهي اختزال الدين في السلوكيات الفردية أو حتى الجماعية. في حين الدين عموما، منظومة قيمية - أخلاقية - مثالية، موجهة للفرد ولتهذيب السلوك الفردي. الفرد هنا تتنازعه قوى الخير والشر، يقول عز وجل: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). وبعيدا عن التأصيل الديني للذات البشرية، الطبيعة الإنسانية غير متعالية عن الأنانية، وإيثار المصلحة الخاصة وحب التملك، إلى جانب الميل أيضا إلى الخير، ومن ثمة فالسلوك البشري يبقى بشريا، في حين الدين كقيم ومبادئ وقواعد ،يبقى دينا. لهذا كي تقترب من دين ما باشره كنصوص كمبادئ مسطرة...،وانظر للمتدين وفق طبيعته البشرية حيث الصواب والخطأ.

هناك أيضا منطق الوصاية، الذي يحول دون حوار إنساني بناء يقربنا ويقرب منظومتنا الدينية من الآخر. الشيء الذي يتنافى وجوهر الدين الإسلامي، القائم على الحوار والكلمة الطيبة والإيمان بحق الآخر في التواجد والعيش وفق ما يراه هو مناسبا.

أيضا غياب فقه الواقع، جعل من الشخصية المسلمة شخصية فصامية - إن جاز القول- عاجزة عن محاورة احتياجاتها الدنيوية والروحية. ما يجعل السلوك منافيا للمبدأ الديني.

لهذا نحتاج فقها يصل الواقعي بالمثالي، ويصل المبادئ الدينية بالحياة العامة المليئة بالمتناقضات والتي جعلت أغلب المسلمين مسلمين بالإنتماء فقط، أو كما نقول دوما تعبد العادة الذي لا يفتح المجال لمراجعة سلوكياتنا وقناعاتنا.

” فإنه ليس من الحداثة أن نظل حبيسي تراث مليء بالتناقضات لدرجة أننا أصبحنا بحاجة لآليات ومناهج خاصة ، لفهم هذا الكم من الاجتهادات والمعارف الدينية التي ورثناها عمن ادعوا قدرتهم على فك شفرات الخطاب الرباني ، ليظل السؤال ماذا بعد الماضي؟" ورد هذا في كتابك هل استطعت ان تضع يدك على موضع الألم بالكامل وبالتالي وصف علاج له؟

طرحت إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر بقوة، ليطرح معها أكثر من سؤال، خاصة وأن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الأمة العربية - الإسلامية، هو في مدى قدرتها على استشراف المستقبل والصمود أمام سيل العولمة الجارف. لهذا حضرت إشكالية التراث بقوة لتحضر معها حقيقة عجز الفكر العربي عن التحرر من قيود الماضي ومعطياته المتناقضة في كثير من الأحيان. إشكالية التراث إنه ارتبط بما هو ديني، ليحضى بقدسية حالت دون إخضاعه للمساءلة .قدس التراث- خاصة الديني- وقدست معه كل الأحداث والمعطيات التاريخية، التي جعلت المسلمين عاجزين عن استثمار الإنتاجات الفكرية-الدينية الماضية لأجل خلق واقع مرضي والتطلع إلى مستقبل زاهر، قادر على منحنا حضورا حضاريا قويا. من هنا تاهت الرؤى الفكرية بين الخجل أحيانا وعدم الجرأة على المقدس أحايين أخرى. لأن ما ميز الثقافة العربية الإسلامية، كما أشار إلى ذلك المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أنها ثقافة دين، ومن ثم فأي حراك فكري/ معرفي، لم يتجاوز النص القرآني، وهذا ما حل دون الوقوف من التراث مواقف ناقدة بناءة تنتشل المعطيات الدينية من الجمود، وتتجه نحو خلق فضاء للتحرك الإيجابي بالديني ومعه. لهذا وحسب فهمي نحتاج للفصل بين قدسية الدين وما أنتج وفق مرجعية دينية كي يتسنى لنا تشخيص مآزقنا المعرفية والوجودية أيضا. لتحرير فكرنا ولرؤية مزالقنا الحضارية بعيدا عن المقاربات الوجدانية ونظريات المؤامرة. لهذا أنا مع طرح المفكر المغربي عبد الله العروي، القائل بضرورة تجاوز تراثنا الفكري،لأن علامات التأخر يقول عبد الله العروي، هي"تخلف الوعي عن الواقع".4032

- النخب العربية وبنية تفكيرها ومهامها ومشكلاتها وجهت لها الكثير من الانتقادات حول عدم توجهها إلى أكثر التحديات الحضارية والسياسية الكبرى التي نواجهها كيف ترين اداء النخب العربية؟

* بداية النقد ظاهرة معرفية صحية، لأنها دليل تفاعل النخب العالمة مع ما ينتج، ودليل رغبة أيضا في المضي قدما لأجل وجود حضاري لائق. لا أراني مؤهلة لتقييم أداء النخب العربية، فأنا لازلت أتلمس الطريق، وهذه النخب فتحت لنا أفق التفكير في وضعياتنا الفكرية والمعرفية الشائكة. يعود لها الفضل أيضا في رصد مواطن الداء. ولئن أخفقت حسب بعض الآراء في مقاربة التحديات الحضارية التي نواجهها، فأعتقد أنه يكفيها شرفا أنها حاولت.

في المقابل لي أن أقول أن النقد ونقد النقد استنزفنا أو استنزف القوى المفكرة. في حين المطلوب الاستمرارية لأجل التقدم على مستوى رصد المشاكل وأيضا على مستوى تقديم أطاريح ورؤى جديدة.

- دراسات كثيرة تنشر عن " عوائق التقدم الحضاري " وتحتل مجموعة من الموضوعات الاهتمام الاكبر في هذه الدراسات ( الاصلاح الديني / الاستشراف / الانتلجنسيا ) بينما تغيب قضايا أخرى قد تبدو اهم في هذه المرحلة ومراحل قبلها كباحثة ومتخصصة كيف تنظرين لهذا الامر؟

* في الحقيقة لدينا أزمة"المثقف الشمولي"،القادر على رصد التجديد والتأطير لثورة علمية في الآن ذاته. في المقابل لدينا المفكر والمثقف المتخصص-إن جاز القول- ولأن الحضارة المتفوقة اليوم هي النموذج، فالثورة العلمية مطلب حضاري لا يستقيم التنظير لنهضة حضارية أو جهد نرتقي به إلى عوالم التقدم والتطور خارج دوائر العلوم الحقة. وهذا ما جعل من الغرب غربا؛ أن التنوير والتحديث اقترنا بالثورة العلمية وبتطور مناهج العلوم، وبظهور علوم جديدة :"العلوم الإنسانية". ثم إن سيرورة البناء العلمي لازالت مستمرة لدى الغرب، في حين نعاني نحن أزمة علوم حقة. اللهم بعض الإشعاعات الفردية المرتبطة بتفوق بين الفينة والأخرى في بعض المجالات الاقتصادية والعلمية.

- اهتمام بعض الباحثين / الباحثات بموضوع الجندر ومحاولة طرحه كقضية أساسية في المجتمع العربي كيف ترينه أنت؟

* سؤال النوع الإجتماعي، سؤال ملح أمام ما نراه من تمييز على أساس النوع، بالرغم من كل الجهود المبذولة لأجل الرقي بوضعية المرأة وتجاوز التمثلات السلبية التي تستثني بعدها الإنساني. وإن كنا نطمح إلى إزدهار حضاري، فالأمر لن يستقيم ونحن لا نؤمن بقدرات المرأة وأهليتها للتسيير والتدبير. فوضع المرأة بماضيه وحاضره هو حلقات متواصلة من العنف والإيذاء، ما يدفعنا في كل مرة إلى الدعوة إلى ضرورة مراجعة ونقد كل ما أنتجته البشرية من أفكار وقيم وعادات وتقاليد تهم المرأة، خاصة وأن تمثلات الناس للمرأة ولقدراتها تستند في الغالب إلى ما حمله التراث الإنساني من أفكار ضدها. وعندما نقول التراث الإنساني فإننا نضمن ما هو فلسفي وما هو ديني وما هو سياسي، إلى ما غير ذلك. لقد اختزل التراث الإنساني المرأة في الغواية والشر، فهي أخرجت آدم من الجنة، وهي التي تسببت في حضور ثقافة القتل في العالم، على اعتبار أن أول جريمة في تاريخ الإنسانية ارتكبت لأجلها...وغيرها من التهم والصفات التي أسست للأوضاع المهينة التي مست المرأة.لقد استنكرت المجتمعات قدرات المرأة، وغض التاريخ الطرف عن كل النساء اللائي استطعن فرض هيمنتهن فكريا وسياسيا، بل في كل المجالات، في جحود تام لجهودها، بل وإنكار لإنسانيتها. بل هذا الجحود كان المشترك بين الإنتاجات الفلسفية الكلاسيكية وبعض الاجتهادات الفقهية الضيقة. استطاع الغرب في إطار إعادة بناء الذات، تجاوز مجموعة من التمثلات والأفكار.في المقابل مازالت المفاضلة على أساس النوع تحكم معاملاتنا. لهذا سؤال النوع الإجتماعي سيظل قائما إلى أن تعامل المرأة كإنسان.ولئن ارتبطت فلسفة حقوق الإنسان بتطور مبادئ وقيم الديمقراطية والعدالة والتسامح، فإنها اكتست طابع العالمية والشمولية لأنها دافعت عن كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ديانته أو عرقه أو مكانته الاجتماعية والاقتصادية.

- الخطاب الديني المطروح في الاعلام والمنابر الدينية ولنأخذ المغرب نموذجا هل يتناسب مع الواقع وعقلية المتلقي العادي أم أنه يحتاج إلى اعادة نظر؟

* الحديث عن الخطاب الديني المطروح في الإعلام والمنابر الدينية بصفة عامة، لي أن أقول إن"بعضها"، يحتاج إلى مراجعة. أما إذا وقفنا عند التجربة المغربية، فكما هو معلوم، تبقى تجربة رائدة. فخطاب التكفير مثلا، لن تجد، ثنائية كفر- إيمان، وغيرها من عوائق التعايش والحوار مع الآخر. والفضل في ذلك يعود إلى الثوابت الدينية للملكة التي ساهمت في التأسيس لهوية دينية تمثل الإسلام الحقيقي بمبادئه السمحة. وكما تعلمون تستند هويتنا الدينية على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وتصوف الجنيد. وهذا ما جعل الشخصية المغربية بحمولتها الدينية منسجمة مع الواقع. نزد على هذا كله الإصلاحات المهمة التي نهجها المغرب برعاية أمير المؤمنين "الملك محمد السادس"، خاصة بعد تدفق الفكر المتطرف، وأحداث"16 ماي"، وهو فكر دخيل على الثقافة والشعب المغربيين. حيث ستعتمد المملكة مجموعة مشاريع أبرزها سيرتبط بالعالم الرقمي، ولنا أن نقف عند جهود الرابطة المحمدية، التي عمدت إلى إطلاق برامج رقمية لأجل حماية كل فئات المجتمع وخاصة الأطفال والشباب من خطر التطرف، خاصة في العالم الرقمي.

هي إذن خصوصية التدين المغربي، والجهود المبذولة جعلت من المغرب نموذجا يحتدى به، بل جعلته في منأى عن الصراعات الدينية الضيقة.

- بعيدا عن النخب في رأيك كيف يمكننا الوصول إلى العامة من الناس ونجعلهم يشاركون في حوار هم طرف أساسي فيه؟

* عندما يرتبط الأمر بالخطاب الديني، أعتقد إنه بالإمكان وصل الوجداني بالمعرفي لدى الناس، متى اخترنا لغة سهلة قادرة على خلق التواصل المنشود مع الآخر بغض النظر عن إمكاناته المعرفية. وهذه وظيفة المفكر عموما الذي يسعى إلى التغيير. لكن نحتاج أيضا بالموازاة لهذا الجهد غير اليسير، أن نعمل على الرقي بالمستوى المعرفي للجميع، عبر، محو الأمية، الانخراط إلى جانب المؤسسات في عمليات التوعية والمبادرات التطوعية سواء بتنظيم لقاءات خارج ما هو أكاديمي لأجل مد جسور التواصل مع الجميع وكسر الصورة النمطية للمثقف والمفكر النخبوي. ففي نهاية الأمر الفكر-أي فكر-يعكس هواجس المجتمعات بكل فئاتها، بل ويرصد مكامن الخلل لأجل بناء الفرد ومن ثمة بناء المجتمع.

فيما هو عام، يعني كمعارف عامة، بل وحتى أكاديمية أعتقد أن التكنولوجيا اليوم ساعدت في إخراج المعرفة من النخبوية. المعلومة تصل بأكثر من طريقة. نحتاج فقط آليات ضبط وتنقيح ومراقبة، وإبداع طرق جديدة لتبسيط المعلومة وجعلها في متناول الجميع. علنا نتجاوز أزمة استغلال الأمية خاصة في إنتاج خطابات العنف والكراهية والتطرف الديني.

***

حاورها: محمد القذافي مسعود . كاتب وصحفي مستقل من ليبيا

- تحسين كرمياني: لم تكن جلولاء مدينة عابرة كبقية المدن، بل هي مدينة مفصل حيوي في سفر التأريخ

- تحسين كرمياني: كلماتي نبض ضميري، القصة كوخي، والرواية حديقتي، والمسرحية أرجوحة قيلولتي، والشعر قيثارتي

تحسين كرمياني قاص وروائي ومسرحي ومقالي، عراقي من مواليد مدينة جلولاء 1959، ومن ابرز الكتاب الكرد الذين يكتبون باللغة العربية ويحتلون مكانة بارزة بين الأدباء العراقيين والعرب المعاصرين، بدأ مشواره كاتبا وقاصاً تميز بلغة عربية وسطى ذات حس شعري تنضح عذوبة، وسلاسة، قبل أن يلج فضاء التأليف المسرحي ويطرح فيها فلسفته الخاصة في محاربة الظلم والدكتاتورية في كل حين، بأسلوب يقترب من الأسلوب الواقعي ومن البناء الأرسطي التقليدي شكلا لبناء مسرحياته درامياً، ثم وجد من الرواية المساحة الأوسع للتعبير وإيصال الأفكار حتى باتت هويته الإبداعية.

تفجرت غزارة الكرمياني الإنتاجية بعد تغير النظام السياسي 2003،ولايزال يتمتع بتدفق الكتابة بشكل لافت. أغنى المكتبة العربية بخمسة مجاميع قصصية ومثلها كتب مسرحية بالإضافة إلى ثمانية روايات، وكتابين جمع فيها مقالاته المتنوعة. نالت منجزاته السردية اهتماماً نقدياً متميزاً بدراستها في اكثر من عشرة رسائل واطاريح داخل العراق والأردن وتركيا وأمريكا، بالإضافة إلى كتابين نقدين مهمين (مغامرة الكتابة) للدكتور محمد ناصر عبيد إذ حوت على 22 دراسة أكاديمية عن مجمل أعماله القصصية والروائية والمسرحية والمقالية، و(روايات تحسين كرمياني من غواية الكتابة إلى تجليات المنهج) وضمت 15 دراسة أكاديمية من تقديم ومشاركة الدكتور سامان جليل إبراهيم.

حصد الكرمياني جوائز عديدة ابرزها جائزة الإبداع عن المجموعة القصصية ثغرها على منديل ضمن مسابقة ناجي نعمان الثقافية الدورة الخامسة 2007لبنان، والمرتبة الأولى عن قصة مزرعة الرؤوس في مسابقة مركز النور 2008 السويد، علاوة إلى المرتبة الثانية عن رواية أولاد اليهودية جائزة نجيب محفوظ للقصة والرواية 2010 مصر.3957 تحسين كرمياني

الحوار

أرجو أن نبدأ حوارنا بنبذة عن حياتك ونشأتك، ومتى ادركت أول مرة أنك ترغب في أن تصبح أديبا؟

- لا أعتقد أن هناك اختلافاً متبايناً ما بين حياتي وحياة الآخرين، كلنا نولد أحراراً قبل أن نكتشف، بعد مسافة زمنية قليلة من العمر، أننا محاصرون داخل سجون مغلقة ومتنوعة، اقساها سجن العوز، الفقر، الحرمان، مضافاً إليها سجن الظروف السياسية، كونها السجن المركزي العام، فهو سجن من يحدد مسارات أحلامنا، قامعتها تماماً إلّا فيما ندر، لذلك نضطر اللجوء إلى وسائل المراوغة في الحياة، تصل ويا للأسف إلى فاصل التحايل والنفاق لنتجنب مخالب هذا السجن الأزلي والمرور بأمان إلى ضفة الحياة. ولدت متخماً بأحلام أجهلها، فعقل الطفل ما يزال ورقة لم تتهيأ لاستقبال ألف باء الحياة، كنت ألهو كما يلهو الأطفال، قبل أن أجد أن هناك شيئاً ما، مجهول الكنه، لكنه جاذب وجميل، في الرأس يسلبني معظم وقتي، التفكير وسط متاهات بلا نهاية، قبل أن أجد سجن الكتاب هو المنقذ من هذا الشرود المتواصل، كانت القراءة الخلدونية وكتاب النصوص والمطالعة وبعض الكراريس العسكرية والتي تتحدث عن المسدسات والبنادق وجدتها في حقيبة والدي كونه كان عسكرياً. في تلك اللحظة بدأت أرسم مع وجود ممانعة من السيد الوالد، كوني كنت بكر البيت، وأراد أن أهتم بدروسي وكنت متفوقاً فيها، تأخر ذلك حتى مرحلة المراهقة وجدت الخواطر العمودية ملاذ سالك لأكون شاعراً.

* كيف صنع كرمياني من شخصيات واقعية أو متخيلة وجوانب مهمشة أو مقصيّة، من أحداث بلدة جلولاء الصغيرة جغرافياً نموذج لأدب عام وإيصاله إلى حدٍ بعيد؟

- من وجهة نظري، الأدب هو الحياة، الحياة المنشودة، حياة الجمال والسلام، لم تكن جلولاء مدينة عابرة كبقية المدن، بل هي مدينة مفصل حيوي في سفر التأريخ، على أرضها طوى التأريخ صفحة مُظلمة لعبدة النار، وفتح صفحة ناصعة لحملة مشعل النور، على أديمها جرت واقعة جلولاء الشهيرة، فانتقلت المدينة من صفحة النسيان إلى صفحة الخلود، علينا أن ندرك، أن مثل هذه المدن تخزن في أرضها كنوز تتشرب إلى المواليد، جلولاء مدينة أدب وأدباء، مدينة شاكر نوري وجلال زنكابادي وسعد محمد رحيم وصلاح زنكنه وعدنان حسين وجمال نوري وروناك آزاد ورحمن وردة وعادل أصغر وحميد شكر وعامر العلي ومحاورك وووو. ألخ. أينما أحط موطئ قدمي، ثمة صرخة، أو فرحة، أو ومضة فكرة، تدفعني نحو طاولة الكتابة، في جلولاء شخصيات تبحث عن مؤلفين، ناجي وغبين ويحيى وخالد دلي وعدولي الذي بات يشغلني طويلاً لاحتوائه في عمل روائي بعد مقتله في أيّام سقوط البلدة، وووو. هؤلاء هم من يوصلون الفكرة والكلمات إلى مديات أوسع وأنأى لو تم التعامل معهم أدبياً، احاول ذلك لكن الوقت وطبيعة عملي حواجز مانعة مهادمة لكل فكرة وامضة ما تزال في ذاكرتي، رغم مساحة جلولاء وعشوائيتها لكنها كبيرة جداً في التاريخ، كبيرة بطبيعة كنوزها الشبابية وباتت حديقة تفريخ للأدباء عبر الأجيال، وهذا ناجم عن كونها مدينة لقاء، كانت مأوى لالتقاء القاطرات، محطة توزيع ما بين العاصمة بغداد وكركوك النفطية وخانقين النفطية أيضاً، وكانت موقعاً عسكرياً مهماً، كونها مدينة تربط الوسط بالشمال، لذلك وجدت منح شخصياتها على قدر أحلامها المقموعة لا على قدر هياكلها الخارجية.

* هل التعدد والتنوع الكلامي في الخطاب اليومي لسكان جلولاء من تأثير على لغتك ولغة كتاباتك الأدبية؟ وهل تدين للغة العربية في تنمية مهاراتك الأدبية؟

- من وجهة نظري البيئة هي من تحدد خطاب الأديب، هي من تصنعه وتمده بمواده المعرفية والثقافية، تنوع اللغات تمنح فرص أوسع للتحرك، ومساحات واسعة للكتابة، كون الاختلاط العرقي يوفر تنوعاً في الثقافات مما تمنح الأديب فرص أكبر للتعامل مع شخصيات متنوعة الأحلام وطبيعة العيش والإرث الثقافي والتقاليد، بكل تأكيد جلولاء ما تزال تمنحني أسرارها القديمة والحديثة، ولا أنكر أن اللغة العربية، كونها كانت لغة العيش والدراسة والقراءة، هي من صنعتني كاتباً، وسبق أن ذكرت مرة، أنا أكتب بثقافتين، وهذا ما يوفر لي مساحات غير منتهية من التنوع في ألوان الكتابة.

* تميزت نصوصك باستحضار مفردات منحوتة، هل هي وسيلة لتنمية اللغة وتجديد أساليبها في التعبير والبيان أم وجه من أوجه التفكه؟ وماهي دلالات مفردة جلبلاء؟

- عندما نكتب، هناك سلطة تتحكم بنا، سلطة الخيال، هي من تملي علينا، أشعر أنني كاتب عدل، عندما أكتب، هناك شخصية تقود مسار الكتابة، هذه الشخصية هي الخيال، نريد شيئاً، نعد أوراقنا، لكن أوان الكتابة تتغير الأمور، دائماً أجد شخصياتي تتمرد علي، أو بالأحرى على سلطة الخيال، لذلك أمنحها سلطة التحرر إلى حدٍ ما، أحدد واجباتها قبل أن تسدر في تهورها وتقودني نحو مزالق الواقع، المفردات تنهال أوان الكتابة، ربما يجدها البعض نوع من التغريدات الفائضة، أو قرع طبول، لكن شخصياً أجدها أملاح أو توابل، أو ضربات موسيقا لمنح المتلقي فرصة التزود بالوقود ومواصلة مساره نحو الخاتمة. وجدت من خلال الكتابة أن أصنع مدينتي الروائية، كانت وصفة جلبلاء هي التي فرضت أحقيتها، لم أفكر بمكنونها الداخلي، ربما جل البلاء هي من توحي للمتلقي سرها، وأرجو أن يغادرنا البلاء إلى أبد الآبدين، وافقت خيالي من غير مجادلة على فرضه، ومضت تتعاطف معي وأتعاطف معها، بعيداً عن تفسيرها المنطقي. فهي مدينة رواية محض، وإن كانت أحشاءها هي أحشاء مدينة طفولتي وشخصياتها واقع حال.

* هل قلت في الشعر والقصة والمسرحية كل ما تريد أن تقوله، قبل أن تكون الرواية هويتك الإبداعية، ولماذا الرواية تحديدا على حساب الأجناس الأخرى؟

- كلماتي نبض ضميري، القصة كوخي، والرواية حديقتي، والمسرحية أرجوحة قيلولتي، والشعر قيثارتي. من هذه المنازل الفكرية تنطلق حمم أفكاري وتدفعني أن أحرث أديم الورق بما تمطرني غيوم ذاكرتي من شآبيب الرؤى وحالوب الجمال. كان الشعر نبض المراهقة ودغدغات عاطفية لقلب يبحث عن مأوى، وكانت القصة القصيرة بيتاً صغيراً يسع أحلامي الصغيرة، أشبه بكوخ في حقل زراعي، فيه يجد الفلّاح المأوى من شمس الأصياف وأمطار الغيوم، وجدت في هذا الكوخ ملعبي ومسراتي، لكن هذا الكوخ وجدته لا يستوعب الغلال، بعدما زادت مساحة الحقول الزراعية وتنوعت الغلال، اكتشفت بيتاً أوسع فيه مخازن مفتوحة، أنه بيت الرواية، وكنت بحاجة إلى قيلولات المحارب لنيل الاستراحة، والتقاط النفس، كنت بحاجة إلى صنوي، أو أناي كي نتجاذب في محاورات لدحر الضجر وتقويم مسارات الحياة، تلك المحاورات منتجعات استجمام، أعني مسرحيات منحتني طاقة استثنائية في قوّة الحوار. يمكن التحسس بالنفس السردي المؤهل للرواية داخل معظم قصصي، من خلال أطوالها وتنوع طبيعة سردها، محاولتي الأولى في المسرح ما تزال نائمة ضمن ملفاتي المؤجلة، قبل أن أجد حماسة منقطع النظير في كتابة مسرحياتي الثمان، تركيزي على الرواية جاء كونها ديوان الزمن، وجدتها مجالس سمر للتأويل وقول كل ما يمكن قوله، الرواية صناعة حياة ممكنة ومحتملة، صناعة وطن وابتكار شخصيات تمارس حياتها كما يقترح الخيال. مهما كتبنا سيبقى الأهم مخزوناً في عقولنا وتلك هي أحابيل السرد وسر أسرار الأدب، نيكوس كازانتزاكس، لحظة احتضاره، قال لزوجته: أحتاج إلى عشر سنوات أخرى لأقول كل ما عندي! ليست المسألة تدرج وظيفي، أن يغدو القاص روائياً، موباسان أعظم قاص فرنسي فشل أن يكون روائياً رغم أنه كتب ست منها، وأليس مونرو الحائزة على جائزة نوبل حديثاً كقاصة بارعة كتبت روايات فاشلة، الرواية فطرة وموهبة وليست صناعة وتسلق مراتب، بعد حفنة خواطر طفولية ورسومات واقعية، تولعت فيَّ نزعة المغامرة للسباحة في المحيطات، ولعدم وجود خزين ثقافي، أو تجارب حياتية ملهمة، انتهت سباحتي البكر عند مسافة معينة بعد جرف النهر أو ساحل البحر بأمتار. في الرواية بوسعنا أن نوسع رقعة الحرب ضد اللانظام، ضد الرتابة، ضد القهر العالمي، ضد الجوع والتهميش والإقصاء والحروب المفبركة، يمكننا أن نمنح شخصيّات منسية مكانتها التاريخية، كونها تمتلك مساحة مفتوحة للتعبير وإيصال الأفكار. ولن أكتب ما لم أجد الكلمة أو الجملة أو المشهد يخسرني دموعي، أو يزيد من نبضات قلبي، أو يثير غضبي، وهذا سر اندفاعي نحوها بجنون أن جاز التعبير.

* أشار الناقد السوري الدكتور عبدالله أبو هيف بأنك قاص تكتب للقارئ على نحو مقصدي واضح؛ فأي قارئ تضعه قيد الاعتبار أثناء كتاباتك، وهل تكتب بقصدية مسبقة أو لأهداف معينة؟

- الكتابة غاية، رغم توفر عناصر التسلية، التسلية غايتها منح المتلقي فرص أكثر وأوفر للتعاطف والترويح عن النفس، من خلال تشخيصك، أقول؛ نعم، الكتابة عندي قصدية، إشهار الخراب، محاربة الظلم، وكل ما يعرقل حياة ويحدد حريات الناس، غالباً ما أضع نصب عيني، تنبيه المتلقي بمواطن الإخفاق والاحتراس، قد تجد الفضاء القصصي والروائي، غير المدروس جيداً في الدراسات الأكاديمية لدينا، الومض الفاعل في مجمل ما أكتب، أشار الدكتور أبو الهيف، وهو ناقد سوري كبير، إلى مفصل ما أكتب من قصص في كتاب (مغامرة الكتابة). لابد من قصدية وراء الكتابة، فالكتابة ليست نزف مشاعر شخصانية وكوابيس، بل غاية، لبيان الخبء المهمش والمقصي، لتجريد الحياة من ملابساتها وغموضها وغبار السياسة

* هل كان استخدامك الشخصيات بأسمائها الحقيقية في مسرحية " من أجل صورة زفاف" أو في البعض من قصصك ورواياتك اعتزازا بتلك الأسماء، أم كعنصر جذب ومتطلبات استراتيجية تعني ببناء النص وتركيب شخصياته؟

- من وجهة نظري، كل إنسان رواية، طالما يبدأ من نقطة ويتوسع قبل أن ينتهي في نقطة، يبقى الخيال هو من يلتقط محددات الشخصيات ويعلن إن كانت مؤهلة أن تكون ورقية، كونها تحمل أحلاماً أكبر من الواقع، ولديها القدرة على المغامرة، في مسرحية’’ من أجل صورة زفاف‘‘، تلك الشخصيات عايشتها عن قرب، هضمت أحلامهم، فتشكلت لدي الفكرة بعد حصول التغير في البلاد، ولدت من لحظة خلق فوضى أمام أستوديو تصوير، كان يعمل فيه المسرحي الناقد صباح الأنباري، وكنت أجده كما فرض خيالي الشخصية المؤهلة لقيادة السفينة، كتبتني المسرحية قبل أن أكتبها، طلب مني الراحل محي الدين زنكنه بعدم ذكر الأسماء واللجوء إلى أرقام أو ترميزات، بعد نشرها الأوّل، أعدت الأسماء الصريحة لها. كذلك في الروايات والقصص، وجدت تلك الأسماء هي علامات فارقة في الحياة والبلدة، كانوا يستحقون تحويلهم من شخصيات الحياة الزائلة إلى شخصيات ورقية باقية.3958 تحسين كرمياني

* وماذا عن دخولك كشخصية محورية في رواية "حكايتي مع رأس مقطوع" و"بعل الغجرية"، أهي تقنية سردية أم شيء من السيرة الذاتية؟

- أوان الكتابة، تندفع الذاكرة نحو الانجراف والابتكار، قد تكون تقنية غير شائعة في السرد العالمي، إلا في ما ندر، هي مزاج سردي، قد تكون كما يذهب النقّاد سير ذاتية، وقد تكون لعبة ماكرة لخلط الأوراق، دخولي كشخصية في الروايتين، في حكايتي مع رأس مقطوع شخصية حيوية دليل على وقوفي ضد قوى الشر والظلام لتعكير صفو الحياة، أمّا في بعل الغجرية، كان دخولاً حلمياً، للتذكر أو لشعوري بالتهميش المجتمعي، وربما هناك تفاسير أخرى لا أجد القدرة على وصفها، كانت حالات هذيانية محض.

* وألا تعتقد أن المزج بين الواقعية السير الذاتية التي تعتمد على أليات تعبيرية بسيطة، والعجائبية التي تبتعد كثيرا عن من فضاء الواقع السردي السير ذاتي وتعتمد على أليات تعبيرية معقدة بعض الشيء؛ مغامرة سردية ؟

- كتابة الرواية هي مغامرة بحد ذاتها، وإن كانت تحمل في متنها مقاصد واضحة أو مُرمزة، بعد التحولات المتواصلة في طبيعة الرواية العالمية، ووصولها إلى الميتافكشن، نجدها أصبحت حاوية معلوماتية، تداخل الأجناس الأدبية والتلاعب بالتاريخ والأمكنة والشخصيّات، تحولت الرواية من منهجيتها العلمية الأدبية إلى سلعة تجارية جرّاء تهافت الذاكرة البشرية وتماهي الأذواق، تسارع الزمن والتطور التكنلوجي وظفت العقل لصالح الظاهراتية، لصالح كل ما هو سريع، جاذب ومنزاح، تعجبني العجائبية والغرائبية كمفهومين سرديين، وأعمل عليهما مع هيمنة الدستوبيا، الخراب الذي أطاح بأحلامنا وغيّر مفاهيم الحياة من الجد إلى المكر والخديعة، على أديم البسيطة. فمهما كتبنا عن الآخرين لابد من الذات تطرح نفسها، وحيواتنا تندس في غفلة أو بدراية في كتاباتنا.

* تكثيف الرؤية من خلال البناء المشهدي، والأنماط الحوارية تسهم بشكل لافت في رفد الفضاء السردي لمنجزاتك القصصية والروائية بالكثير من الدراما، هل هي نزعة درامية أم قصدية تجريبية لتداخل الأجناس؟

- وما قيمة الرواية أو القصة إن لكم تكن دراما، سواء القصة أو الرواية، كما أسلفنا، حيوات نابضة بالفعل الحياتي، الشخصيّات الورقية هي شخصياتنا المقموعة، على الورق تمتلك الشجاعة الباسلة للتعبير عمّا تجيش في صدورنا وعمّا يجول في رؤوسنا من طروحات فكرية وأحلام، الحوار هي فاكهة السرد، هي من تنهض ذات المتلقي لينفعل ويتفاعل ويغدو كائناً ضمنياً لا عابراً، الحوار هو من يمنح النص الأدبي دراميته ويوضح الكثير من ملابساته، لا ينبغي ترك الشخصيّات خرساء والاكتفاء بالتعبير من قبل الراوي حول ما يسكنهم وما يتطلعون إليه، لابد من منحهم فرص التعبير عن أنفسهم وأحلامهم.

* حفلت منجاتك السردية بخمسة كتب مسرحية، شكلت حروب عقدي الثمانينات والتسعينيات وصولا للاحتلال الأمريكي ابرز مرجعياتها الفكرية والفنية هل لك أن تضغنا في صورة تجربتك المسرحية، وهل ما زال المسرح يشكل هاجساً إبداعياً لديك؟

في يومٍ ما، شعرت بدافع مثير لكتابة المسرحيات، كنت مسكوناً كما أسلفت بقوّة المسرح وحبه استحوذ على مساحة شاسعة من خيالي، نجم بعدما عجزت أن أكتب جملة حوارية واحدة ناجحة في أقل تقدير في قصصي البكر، كنت أسرد بشكل شعري متواصل، لكن قراءة المسرحيات العالمية فجرت في طاقة الحوار، الحوار العميق، الفلسفي المغلف بالرومانسية والتهكمية سواء بسواء، هذا الانفجار دفعني أن أكتب المسرحيات الثمان، قبل أن يوقفني الشلل لتعرض جهاز اللاب توب لفايروس بلع خمس إلى ست مسرحيات شبه مكتملة، في مسرحياتي رصدت الواقع ومتغيراته، مخلفات الحروب التي كوتنا وبلعت مستقبلنا، تعرض واقع حالنا بعد التغير الذي حصل في طبيعة عيشنا، بلع ماضينا وأفرز أمامنا مسالك حياتية غامضة النهاية. مرجعياتها، الواقع الفوضوي المعيش، وإفرازات الحروب، ما زال المسرح حديقة تأوي أفكاري وتحتضن حفنة من شخصياتي، لكن ضيق وقتي وطبيعة عملي المرهق والشاغل لكل طاقة جسدي أوقفت الكثير من مشاريعي، وتعويضاً عن هذا التوقف وجدت في الرواية مساحات محتملة لتمرير الكثير من المشاهد والحوارات المسرحية.

* المزاوجة الذكية بين الرومانسية والحرب، غالبا ما تتكر في أشتغالاتك السردية، كيف يمكن للكاتب أن يحقق شكلاً من أشكال التوازن بين هذين الاتجاهين المتضادين؟

- التوازن لا يمكن تحقيقه ما لم تمتلك ثقافة متنوعة وتجارب حياتية مرتبكة وملغومة بالقهر والظلم، حياتنا عبارة عن حروب متواصلة، في كل مجالات الحياة، طبيعة تربية أطفالنا هي حربية، طبيعة تناولنا الطعام حربية، نتحارب لأبسط الأشياء فيما بيننا، سواء على المستوى العام، أو حتى في منازلنا، الحرب معجون في دماءنا، نعلم أطفالنا البطولة والتفوق على الآخرين، حين نجلس إلى مائدة الطعام نتناول بطريقة شرهة حربية صرف، أوان مناقشاتنا غالباً ما ننتهي إلى رفع أصوات وإلغاء الآخر، لكن يبقى الحب هو المحرك للبشرية، لولا الحب لهاجنا الدمار والتشتت والعيش في الكهوف، الحب هو حرب الجسد والعقل والقلب والحرب هي تحصيل حاصل للتفوق واستلاب حقوق الآخرين، لا أجد فرقاً بينهما، فالحب كذلك تفوق واستلاب أو امتلاك الآخر، لا فرق بينهما سوى حرف الراء، وكلاهما بحر بلا قاع، أجد في نفسي الكتابة عن الحرب والحب كونهما ندّان لتهديم أو بناء الحياة، هذا التوافق مطلب سردي أمام كل أديب. الجندي الذاهب للحرب لا يملك وسيلة تسلية سوى استذكار الحبية، هي التميمة الساترة له من وابل الرصاص والشظايا، على هذا المفهوم اشتغلت في روايات ’’ زقنموت، ليالي المنسية، أولاد اليهودية، وربما إلى حدٍ ما ليلة سقوط جلولاء، والحزن الوسيم، وبعل الغجرية، وقفل قلبي‘‘. مثل قطبي المغناطيس لابد من وجود معادل موضوعي في الرواية والقصة، الحياة متوازنة من جملة نقائض، الليل والنهار، البرد والحر، الأسود والأبيض، الأنثى والذكر وهلمجرا...

* في أي رواية بدا لك انك حشرت الكثير من الأشياء أو قلت فيها اكثر مما ينبغي؛ وكان ينبغي عليك اللجوء إلى الحذف عند التنقيح؟

- كل الروايات تبدأ من فعل لحظة تثوير، تركض الأفكار أمامك وعليك ملاحقتها كأنك عدّاء وأمامك متحدي، وهنا لا يهمك ما يجري من حولك سوى أنك تروم اللحاق بمتحديك، وحين تصل نهاية المضمار لابد ان تراجع ركضتك لبيان تفوقك أو أخفافك لتصطدم بجملة معرقلات، ستحاول أن تزيحها في ركضتك القادمة، كذلك الروائي يكتب تحت ضغط سلطة الخيال، يحشر كل صغيرة وكبيرة تواجهه كغول بالع أو كانس طريقه من المعرقلات، بعد الانتهاء منها، تبدأ سلطة العقل بالاشتغال، يتحول الروائي إلى ناقد أوذل لعمله، كونه يبدأ بقراءة عقلانية بعدما كانت الكتابة خيالية، هنا تبدأ أهم مرحلة لتطوير الرواية، مرحلة التطهير من العوالق والزوائد وتطعيمها أو رتق فراغاتها وتقويمها. أعاني كثيراً في مرحلة ما بعد الانتهاء منها، المراجعة تؤرقني، تتعبني، تدفعني بحذف صفحات ومشاهد قد تكون حيوية، لكن الرواية تنبذها أو تجدها غير صالحة للاستهلاك العقلي، معظم رواياتي دخلت مختبرات قاسية للتطهير، ربما الأخيرة’’ ليلة سقوط جلولاء‘‘ حتمتني أن أزيح الكثير من الجوانب الصغير وربما الكبيرة من حيوات وتاريخ بلدتنا، بعدما وجدها سلطة الخيال دخيلة، أو أزاحها لأعمال قادمة.

* يبدو تأثير التيار الواقعي الاجتماعي واضحاً وجلياً في تشيد مشروعك السردي، ما الغاية المبتغاة من انتهاجك هذا الأسلوب؟

- سبق وأن اسلفنا أن الرواية حياة متخيلة، فيها شخصيات متصارعة، فيها سياسة فيها حلول، لا يمكن للرواية أن تنأى بنفسها عن المجتمع، يا ترى لمن نكتب؟ أليس للناس! هي حياتهم المأمولة، هي أحلامهم المطلوبة، في الواقع المعيش يعجزون من تحقيقها جرّاء الظروف القاهرة والمتنوعة، لذلك نحاول أن نصنعها لهم على الورق، والعقل البشري بحاجة إلى أمصال التهدئة، والكتب هي أمصاله الشافية، الكتب تعالج إخفاقاتهم، وتمنحهم دوافع نحو الحياة وإبقاء الأمل قائماً أمامهم، مثل الآخرين أنتمي إلى مجتمع حالم، لكن هذا الحلم نقطة ضوء في أفق الخيال، من خلال الكتابة أشاركهم حلمهم، فالواقعية أساس كل الروايات، مهما حاول أن البعض أن ينأى بسرده عنها يسقط فيها مرغماً شاء أم أبى، لأن الواقعية هي العمود، أو النول الذي يدور حلوه رحى الحياة، الواقعية أن تكون بين الناس وتعايشهم ويعيشون من خلالك من وجهتي نظري في أقل تقدير.

* في الأدلة النقلية إن العلاقة بين الدين والأدب منذ نشأة الأدب، لم تكن علاقة عداوة ونفور،لماذا تصر الإيديولوجيات الحداثية اللادينية بتجاهل هذه العلاقة ؟ وهل للأديب الحداثوي أن يصرم أي صلة بينهما حتى ينجز فناً ذا قيمة، ووعيا معرفيا بخصائص جمالية ؟

- من وجهة نظري؛ الأدب هو الأبن الشرعي للدين، أقصد بالدين، الكتب المقدسة، من الدين ولد الأدب، التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، هي من فجرت مخيال البشر وأوصلته إلى خلق أجواء مبتكرة، كونها زاخرة بالغرائبية والعجائبية على العقل البشري لحظات نزولها، أنها حافلة بالنغمة الموسيقية، تعاليم وآيات تناغمت طردياً وعكسياً مع القلب والعقل، لذلك وصفوا الرسل والأنبياء بالشعراء المجانين، لقوّة وجمال وسحر الكلام الجديد على عقولهم! خاطئ من ينسلخ من مكونه الديني، الدين فطرة البشر، من الدين ولدت الفلسفة والشعر والبلاغة وفيما بعد السرديات، أمّا بخصوص الحداثة، هناك اختلافات في فهمها، منهم من يرى؛ تخليص الكتابة من شعريتها ونثريتها وسفاسفها الفضفاضة هي حداثة، ومنهم من يرى الحداثة خلق أساليب غير تقليدية وكسر الثوابت، لو تفحصنا القرآن لوجدنا الحداثة في قمتها عندما نزلت على قريش، جنّ جنونهم، وتحداهم الرب بلغتهم، نجد كل المفاهيم النقدية متواجدة في محكم آياته، الموجز والانزياح والانتقالات والبلاغة والجمالية والتشويق ويسر القراءة وقوّة الثبات ومبعث السرور والمحاورات العميقة وووو.. ألخ. تجاهل ما رمت إليه لسان حال الأحزاب العلمانية، وهم سليلو الأقوام التي حاربت الرسل وما جاءوا به من معجزات فوق تصور خيالهم أو عقولهم الجامدة. ربما نحتاج إلى محاورات طويلة لهذا السؤال المهم والحيوي، مختصر كلامي، الأدب مذ ولد كان لسان حال المتصعلك والمقصي والمهمش والمظلوم والعاشق الولهان، تطور الحياة وفتحت أنفاق جديدة للأدب ليتفجر ويسلك مسالك مبتكرة نسميها حداثة وما بعد الحداثة، كان الدين هو مقود الحداثة للإنسانية بعدما كان يرسف في أغلال الجهل ويعيش عيش الكهوف والضلال، عيش القرود أن جاز التعبير مع احترامي للآخرين ووجهات نظرهم الشخصيّة، لكل كائن عقل يرى به جوهر الأشياء أو يرائيه قشورها البراقة.

* سؤال أخير ما المشاريع يشتغل عليها الآن تحسين كرمياني

- مجموعة روايات متنافرة في الأسلوب والأفكار، باستثناء واحدة طفرت بكل ما فيها عن بلدتنا لتتناول سفراً من حياة شخصية في خانقين، أمّا البقية فهي تتناول البلدة بتجلياتها وخيالها وتوقعاتها كما يفرض مزاجي السردي، بعضها منجزة، لكن بحاجة إلى إقرار عقلي بجاهزيتها، سبق وأن قلت أتعذب أوان المراجعة، بسبب طبيعة ظروفي العملي والعائلي، لكن أحاول بروح المحارب المجروح الذي يكافح لرد الاعتبار، أو المقامر الخسران الذي يجاهد من أجل استرداد ما خسر بكل الوسائل المتاحة والملتوية، لدي روايتان منتهيتان تحت المراجعة القاسية، ولدي رواية مكتوبة باليد أحاول في فترات متاحة تنضيدها، ولدي عمل عن كوكبة جلولاء الحمراء أيّام نضالهم ومجدهم الشبابي، قريباً سأنتهي منها أن سمح لي الوقت الملائم.

ولا يسعني سوى تقديم جزيل شكري وامتناني لهذه المحاورة من قبلك، كونها أنهضت فيَّ الخلايا السردية النائمة لتتسلح بديناميت الثورة على الرتابة والكسل وإلقائي في بحر الحياة كي أواصل طريقي للوصول إلى ضفة أحلامي.

***

حاوره: صفاء الصالحي

...............................

- النتاج الروائي:

1- رواية الحزن الوسيم – دار الينابيع – دمشق 2010.

2- رواية بعل الغجرية – ط1 دار الكلمة – مصر 2010. ط2 دار تموز – دمشق – 2011.

3- رواية قفل قلبي – دار فضاءات – عمان 2011.

4- رواية أولاد اليهودية – دار تموز 2011.

5- رواية حكاياتي مع رأس مقطوع – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت2011.

6- رواية زقنموت – المؤسسة العربية للداسات والنشر – بيروت 2013.

7- رواية ليالي المنسية – المؤسسةالعربية للدرراسات والنشر – بيروت 2014.

8- رواية ليلة سقوط جلولاء – دار سطور – بغداد 2019.

- نتاجات اخرى:

1- هواجس بلا مرافئ (مجموعة قصصية) دار الشؤون الثقافية – بغداد 2001.

2- ثغرها على منديل (مجموعة قصصية) دار ناجي نعمان – بيروت 2008.

3- بينما نحن بينما هم(مجموعة قصصية) دار الينابيع – دمشق 2010.

4- بقايا غبار(مجموعة قصصية) دار رند – 2010.

5- ليسو رجالاً (مجموعة قصصية) دار تموز – دمشق 2011.

6- منأجل صورة زفاف (مسرحيتان) دار تموز – دمشق 2011.

7- البحث عن هم (مسرحية) دار تموز – دمشق 2011.

8- خوذة العريف غصبان (خمس مسرحيات) دار تموز – دمشق 2011.

9- عايش (مسرحية) دار تموز – دمشق 2013.

10- المقموعون (مسرحية) دار تموز – دمشق 2015.

11- امرأة الكتاب (مقالات) دار تموز -2011.

12- السكن في البيت الأبيض (مقالات) دمشق 2015.

13- منثورات (شعر) دار تموز 2015.

- نقد ودراسات:

1- نكهة السرد في قصص (تحسين كرمياني/عبدالله طاهر البزرنجي/ عيفاء زنكنة/ رسالة ماجستير كلية التربية – صلاح الدين – قسم اللغة العربية – للطالب وسام سعيد – ط1 – دار تموز دمشق 2013.

2- التشكيل السردي الحواري في قصص تحسين كرمياني رسالة ماجستير – للطالب حازم سالم ذنون – جامعة الموصل كلية التربية الاساس قسم اللغة العربية ط1 – دارتموز – دمشق 2013.

3- مغامرة الكتابة في تجربة تحسين كرمياني (نخبة من النقاد والدارسين) أعداد ومشاركة الدكتور محمد صابر عبيد وآخرون (22بحثا أكادمياً) طبعة1- عالم الكتب – عمّان 2012 طبيعة2 دار غيداء – الأردن 2015.

4- الشخصية في روايات تحسين كرمياني أطروحة دكتوراه للطالب حامد صالح القيسي – المعهد العراقي للدراسات العليا ط1- دار تموز – دمشق 2014.

5- التبئير السردي في روايات تحسين كرمياني رالة ماجستير- للطالب بختيار خدر أحمد – كلية اللغات – جامعة صلاح الدين – قسم اللغة العربية - ط1 دار تموز – دمشق 2015.

6- المنجز العربي للروائيين الكرد – رسالة ماجستير- للطالبة ميديا نعمت علي – جامعة بغداد – كلية التربية (ابن رشد) – قسم اللغة العربية – 2015 – ط1- دار تموز 2016.

7- البنية السردية في رواية – حكاياتي مع رأس مقطوع – لتحسين كرمياني – أطروحة ماجستير للطالب أكبر فتاح – كلية اللغات – جامعة السليمانية قسم اللغة العربية 2015 ط1 دار تموز – دمشق – 2015.

8- تجليات المكان في روايات تحسين كرمياني للطالب قصي جاسم الجبوري – أطروحة ماجستير – جامعة آل البيت – عمان – الأردن – قسم اللغة العربية – 2015 ط1 دار تموز – دمشق – 2016.

9- الحوار في روايات تحسين كرمياني – الحزن الوسيم/أولاد اليهودية/ زقنموت – رسالة ماجستير للطالب – صابر إبراهيم صابر – جامعة يوزونجويل – كلية الإلهام – قسم اللغة العربية – تركيا – 2016.

10- الحوار والعناصر السردية في رواية – ليالي المنسية – لتحسين كرمياني – للطالب سامان إبراهيم سمايل

شيركه وي – مجلس فاكلتي الآداب – جامعة سوران – قسم اللغة العربية – 2017.

11- روايات تحسين كرمياني – من غواية القراءة إلى تجليات المنهج – 15 دراسة أكاديمية. اعداد ومشاركة

الدكتور سامان جليل ابراهيم – ط1 دار سطور- بغداد – 2018.

12- المنجز العربي للروائيين الكرد العراقيين – دراسة في روايات ما بعد الحداثة أطروحة دكتوراه – ميلسون

نوري نواف – كلية ابن رشد – ط1 دار رؤى – السليمانية 2019

13- ندوة ادبية: قراءات في رواية (ليلة سقوط جلولاء) لتحسين كرمياني – منتدى من أجل خانقين – 2

2/10/2019 قدمت فيها البحوث الأكاديمية:

- سلطة الهامش قراءة تأويلية. أ. م. د حسين عمران محمد

- تجاذبات الاتجاهين الواقعي والغرائبي. م. علي محمود أحمد

- جدلية العلاقة بين المكان والذاكرة. م. ندى حسن محمد

- التساؤلات السردية وأثرها في توجيه النص. الأستاذ الروائي آريان صابر الداودي

وقد توجت البعض من منجزاته الإبداعية على عدة جوائز محلية و عربية ابرزها:

1- المرتبة الثالثة عام 1991 عن قصة (ليلة النصر المبين).

2- المرتبة الأولى عام 2003 غن قصة (يوم اغتالوا الجسر).

3- جائزة الابداع عن المجموعة القصصية (ثغرها على منديل) ضمن مسابقة ناجي نعمان الثقافية الدورة الخامسة 2007 لبنان.

4- المرتبة الأولى عام 2008 عن قصة (مزرعة الرؤوس) في مسابقة (مركزالنور- السويد).

5- المرتبة الثانية عام 2011 عن رواية (أولاد اليهودية) في مسابقة مؤسسة – الكلمة – مصر – مسابقة نجيب محفوظ للقصة والرواية – الدورة الثانية – 2010.

 

(١) ماهي هوية ناجي التكريتي الاديب الفيلسوف؟

- أسمح لي يا سيدي أن أحييك وقراءك الكرام أولاً.. حقاً تلازمت الشخصيتان عندي تلازماً زمنياً يكاد يكون عضوياً. الاديب الفيلسوف.. والاستاذ الجامعي

هويتي الشخصية ولدت في مدينة تكريت سنة ١٩٣٢ واكملت دراستي الاولية فيها، حصلت على شهادةدبلوم في التربية وعلم النفس – دار المعلمين – الاعظمية. حصلت على درجة البكلوريوس فلسفة- جامعة بغداد. ‏ نلت درجة الماجستير من جامعة الاسكندرية. حزت على درجة الدكتوراه بجامعة كمبردج. ‏استاذ الفلسفة بجامعة بغداد. ‏كتبت مسارات ادبية- الشعر-القصة والرواية - اداب الرسائل - الفلسفة - ‏تاريخ الفلسفة - المذكرات – الاعترافات - ادب الرحلات تجاوزت عدد كتبي المائة وثمانين مجلداً في الفلسفة والادب. ‏التحقت بحرفة التعليم صباح يوم 10/9/1950. ومارست التعليم في المراحل الابتدائية ‏والثانوية والجامعية وما زالت اواصل نشاطي الاكاديمي استاذاً متمرساً في مركز احياء ‏التراث العلمي العربي. ‏

(٢) كيف اكتشف ناجي التكريتي موهبته وكيف طورها ونماها وابدع في سن تعدد مساراتها؟

- ياسيدي حين شعرت بموهبتي النابتة في كياني، لم اتبين في اول الامر، الطريق واضحاً امامي، بعبارة اخرى، لم اعثر على الدرب الذي يؤدي بي الى الفن الذي خلقت له، او الفن الادبي الذي يستغرقني واجد فيه ضالتي. مرة كنت اكتب المقالة الادبية، وتارة انظم الشعر، وحيناً اخر اكتب قصة قصيرة، ثم ما لبثت ان كتبت ونشرت مسرحية، وانتهى بي المطاف الى كتابة الرواية.

لاشك ان كل تلك الارهاصات المبكرة في الكتابة، ارشدتني الى كتابة الرواية. ان قراءاتي كانت متنوعة وغزيرة، حين كنت اقرأ أي كتاب يقع بين يدي، لا فرق عندي بين كتاب ادبي او فلسفي او في أي علم من العلوم الاخرى.

اني بالحقيقة راجعت نفسي بعد ان نشرت مسرحية ذات يوم فأدركت انني قد تسرعت، لأنني كتبت مسرحية من دون ان اتشبع بقراءة المسرحيات العالمية، ودون اطلاع موسع ومعمق على المسرح الاغريقي. اني في هذا الوقت نفسه، اكتشفت انه لا يوجد مسرح عراقي- وقت ذاك- بالمعنى الكلمة لمسرح يقدم التمثيليات الجادة، وانا اعلم ان السمكة لا تعيش خارج الماء.

(٣) ماسبب أختيارك لكتابة فن الرواية؟

- سؤالك مهم ودقيق دكتور باسل اقول لك

ان للرواية ميزات تفوق- برأيي- كل فن ادبي أخر مع ان الرواية تستوعب الفنون الادبية الاخرى كافة. لابد من موهبة الشعر لمن يريد ان يكون روائياً، كما ان الشروط التي ينبغي ان تتوفر في كاتب المسرح، لا بل ان تتمثل في الروائي. لاشك ان الرواية تعطي للكاتب نوعاً من الحرية يفتقدها المسرحي، طالما ان كاتب المسرح يخضع لقوانين فنية لا يمكن ان يتجاوزها، من حيث دقة وتتابع المشاهد في التمثيل على المسرح. ان تتابع احداث الرواية لا بد ان تربطها نغمة موسيقية لا تتوقف حتى ان تنتهي احداث الرواية. ان الروائي رسام ماهر، في وصف تتابع مسيرة شخص الرواية، مع وصف بارع للمحيط الذي تتحرك فيه تلك الشخوص.

بعد كل هذه الميزات الكثيرة، التي تستوعب فيها الرواية باقي الفنون الجميلة، فأن الروائي لابد ان يكون عالماً ببواطن النفوس، ليستكنه لواعج كل شخصية من شخصيات روايته، في كل حركة وفي كل حدث يمر عليه، والروائي لا يمكنه ان يكتب الرواية، اذا لم تساوره خلجات صوفية، تهز كيانه هزاً عنيفاً، ليستخرج اللؤلؤ من مكنون اعماقه. واخيراً وليس اخراً، فأن على الروائي ان يكون صاحب رسالة، والا فليست كتابة الرواية عبث اطفال، وقضاء وقت في ظل الظلال.

وهكذا توغلت في كتابة الرواية، على اني لم استطع ان اتخلى تماماً ان اخصص كل نشاطي الابداعي لكتابة الرواية فقط، ولكنني لم استطع ان احقق هذه الامنية، لآن القلم طالما انزلق في كتابة المقالة او القصة القصيرة، او ان روحي طالما تعزف الشعر، او انني انزف الشعر دون ارادتي.

انا ادرك جيداً، انني لو نحوت نحواً كاملاً في كتابة الرواية، لكانت رواياتي اكثر جودة مما هي عليه الان، فضلاً عن الكم الذي استطيع ان احققه. اني بالحقيقة اؤمن ايماناً جازماً بالتخصص الدقيق، ولكن افراز القلم يتحدى القاعدة التي اؤمن بها في كثير من الاحيان.

اني احرر هذه الكلمات في نهاية عام ألفين واثنان وعشرون، وكنت قد خلفت ورائي ثمانية عشر رواية ، بدأت نشرها منذ عام 1980..

(٤) بصفتك شاعر كتبت اكثر من ثمانية عشر ديوان شعري اغلب النقاد يصفونك بالشاعر الفيلسوف ماهو سر ذلك؟

- لاباس ياسيدي ان ابدا برأيي الصريح فأقول ينبغي على الشاعر ان يكون فيلسوفا ولاباس ان يكون الفيلسوف شاعرا. تلك حقيقة اؤمن بها ولا اريد ان اخفيها. الشاعر الحقيقي الذي يرغب في ان يخلد شعره لابد له من ان يتمثل الفلسفة بعبارة اخرى لابد للشاعر ان يتفلسف والا فان شعره مجرد انشاء وصفي ليس غير. الفيلسوف هو الاخر لابد ان تكون عنده روحية الشاعر كي يتجلى في وصف ما يرى ثم يستكنه اغوار الوجود.

اسال طلابي الجدد الذين يقبلون بقسم الفلسفة من كل عام فيما اذا جرب اي منهم نظم الشعر ام لا. يبتسم طلابي الجدد مستغربين لانهم يتصورون ان مكان الشعراء هو قسم اللغة العربية في الكلية. ان جوابي هو بعد ان ابتسم انا الاخر لو كان الامر بيدي لما قبلتكم جميعا ولكتبت على باب قسم الفلسفة: (من لايحسن قول الشعر فلا يدخل علينا).

يدرك طلبة قسم الفلسفة بعد ان يواصلوا الدراسة ان اغلب الفلاسفة اليونانيين قبل سقراط كتبوا فلسفتهم شعرا. افلاطون هو الاخر كان في شبابه شاعرا واثر ذلك بقى شاعرا. افلاطون كتب فلسفته باسلوب شاعري اخاذ ليس له مثيل. الشاعر الروماني لوكريتيس نظم فلسفة ابيقور شعرا.

(٥) هل من الفلاسفة العرب والمسلمين من كتب شعرا؟

- نعم منهم من اكتفى بالقليل مثل الفارابي ويحيى بن عدي التكريتي وابن سينا والغزالي منهم من كتب ارجوزة طويلة كابن طفيل الذي كتب ارجوزته

(٧) سيدي الاديب هناك تساؤلات كثيرة حول الابداع يسرني ان اصل الى أجابة عن هذا الموضوع. كيف يكون الاديب مبدعا؟

- أنت تريد أن تكون مبدعاً كبيراً، عليك أن تستنبط ينابيع الجمال من أعماقك، وتستشرف رؤى الجمال مما يحيط بك من معالم الكون. الطبيعة أمنا الرؤوم، استجلي مفاتن الجمال من كل شيء تراه أمامك، ببصرك وبصيرتك أيضاً.

هل تريدني أن أرشدك إلى نور الحقيقة، إن كنت تريد أن تدرك حقيقة الجمال. لك حواس تزودك بما هو ظاهر، يمكنك أن تستقريء مفاتن الجمال، من كل ما تسمع وترى.

وحتى حين تتنسم أفياء الهواء.

ولك عقل حاذق متوقد، تستطيع أن تستنبط به أفنان الجمال، ما لا يمكن للعيون أن تزودك به ولا الآذان.

وهل أنت بحاجة، أن أذهب أكثر من هذا وأعمق غوراً، أعلم إذن أن عندك النفس التي ترفدك بما يقبل من نبع الصدور.

وأنت بالمحصلة النهائية إنسان، عليك أن تمزج قدراتك مجتمعة، وأعصرها على نسيج مخملي، عسى أن تستخرج عصارة فنية ترفل بالجمال.

هل تستغرب مني، إذا صرحت لك جهاراً، أن من الصعوبة أن لم أقل من المستحيل أن أعرّف الجمال تعريفاً دقيقاً، أو أن أحده حداً جامعاً مانعاً، هب إنك محب مدنف، وتلتقي عشيقتك بعد فراق طويل، هل تستطيع أن ترسم شعورك على الورق حروفاً وكلمات.

إعلم إذن أن هذه هي حقيقة الجمال، لأن الجمال ما تستكنه به الشيء الجميل من بين الركام، وتعمل جاهداً أن تظهره بثوب قشيب.. عليك إذن أن تستوعب الحقيقة كاملة، ما بين الصورة والجوهر، وبين ما هو حقيقي وغير حقيقي، وبين ماهو ظاهر وباطن، عسى أن ترسم معلماً من معالم الجمال، يقنعك ويقنع الآخرين.

(٨) سؤال سيدي الاديب وان تقدم للجمال والفن برأيك ماهي ميزة الفنان الذي يروم الوصول الى الابداع العالي؟

- اقول لك ياسيدي إن من ميزة الفنان الذي يروم أن يكون له شأن في الإبداع، عليه أن يكون ديدنه الحماس ولا أقول أن من طبيعته الحماس. إن الفنان بطبيعة كيانه، أن يكون متدفقًا من أعماقه، في حالة أم حالات، هو نفسه لم يدرك هذه القوة وسر هذا الاندفاع. ليس من صالح الفنان الذي يريد أن يبدع فنًا مميزًا في حقله، أن يقبل على العمل بتكاسل وتباطؤ، وكأنه مسخر في ما هو مقبل عليه.

التوقد الذهني والنشاط الجسمي ورهافة النفس، كل هذه تكون متعاونة متناغمة في أداء العمل المراد تنفيذه.

ليس من الإبداع في شيء أن تبدأ في العمل، وتصدعنه، وكأن الأمر لا يعنيك، وإذا عدت لمواصلة العمل، تقبل بتثاقل وكأنك تساق إليه رغمًا عنك وكأن الأمر لا يعنيك.

ياسيدي هل تقبل مني أن أذكر لك مثلاً بسيطًا، قد تشاهده على الطبيعة، لأنه ليس بعيدًا عنك في غالب الأحيان.

لاحظ فلاحًا يبذر بذوره في موسم البذر، وتابع كيف يواصل السقي واجتثاث الأحراش حين ينبت الزرع، وكيف يحرسه من الحيوانات والطيور، إلى أن يقبل يوم الحصاد، وهو يواصل المتابعة بكل التزام واهتمام.

وأنا لا أستطيع أن أذكر لك فلاحًا يبذر بذوره في الأرض، وينام على سريره نومًا عميقًا إلى أن يحين موعد الحصاد.

أقول بكل بساطة، وأنا أعرف وأنت أيضًا تعرف، أن لا وجود لمثال المزارع المفترض، لأنه على أرض الواقع غير موجود.

إن الذي يبذر البذرة الأولى، لا يمكن أن يتركها تحت رحمة الأقدار، بل أن يتابع جهوده ليكون أكلة شهيًا.

وهذا هو حال كل فنان مبدع، وضع وسمًا في حقل اختصاصه، فإنه منذ أن يكتب الحرف الأول، إذا كان كاتبًا، أو منذ أن يرسم الخط الأول إذا كان رسامًا، ومنذ أن نقر الصخرة النقرة الأولى إذا كان نحاتًا، ولا يتوقف حتى ينجز ما قرره وأن طال الزمن.

نعم.. الزمن له أثره في استقامة الجودة وليس للسرعة والاختصار وجود في عالم الفن.

حين تسمع، أن أديبًا أدركته حرفة الأدب، فهذا يعني أن الشخص الذي احترف الأدب، تفرغ للأدب وأخلص له، وأعطاه كله، وتوجه له بكل حواسه وما يمليه عليه عقله، من دون كلل ولا تراخ ولا انحسار.

(٩) سؤال :ماهي اهمية التجديد وتجنب التكرار بالنسبة للأديب؟

- الجواب ياسيدي يجب أن تكون متجددًا على الدوام، وتنشد ما هو أحسن، بكل ثقة والتزام. ما وددت ذكره، هو أن تضع ما أنجزته من قبل قاعدة متينة، وهدفك الكبير، أن تبدع خيرًا منه في كل محاولة جديدة. احذر أن تكرر نفسك، لأن درب الإبداع لاحب أمامك، وعليك أن تتوغل فيه جسورًا غير هياب. ليس المهم إذا ما أبدعت عملاً جديدًا، أن يكون مثل سابقيه، وربما يكون أضعف مستوى مما قد أبدعت.

المهم عندي، أن تبقى شعلة الإلهام متوقدة في جنانك، لا يخبو أوارها، أو يضعف نورها، فيؤول أمرك وأمرها إلى الذبول والتلاشي والاندثار.

نعم ياسيدي هل لك ان تذكر لنا امثلة على ماذكرت من واقع المبدعين؟

نعم هنا أضرب لك بعض من واقع المبدعين، الذين شغلوا الناس، وهم يواصلون العطاء. كتب الكاتب المسرحي الإيرلندي المشهور جورج برناردشو مسرحية وهو في الثالثة والتسعين من سني عمره.

أشار إليه بعض المتطفلين بأن هذه المسرحية أضعف من مسرحياته السابقة، فما كان منه إلا أن رد واثقًا ساخرًا: هذه خير مسرحية كتبها كاتب وهو في الثالثة والتسعين من عمره.

أرأيت كيف تكون الثقة بالنفس لكاتب، وهو لا يريد أن يتوقف، حتى لو كتب مسرحية لا ترقى إلى مسرحياته الذي كتبها في سني الكهولة والشباب.

خذ مثال اخر الرسام الإسباني بيكاسو، بقي يواصل عطاءه في الرسم، حتى بعد أن تجاوز الثالثة والتسعين من عمره.

إن من المؤكد أن الرسام بيكاسو لم يرق في رسومه المتأخرة، كما كان عليه حالة، في سني القوة والاندفاع.

وأنا لا أقترح على المبدع أن يقتدي بهذا أو ذاك، ولا أن يعد أيًا منهما مثالاً لك، في ما تريد أن تقدمه من عطاء.

كل الذي أحببت أن أوصله الى المبدعون، أن له شخصيته المميزة الخاصة به، وأن قانون الحرفة الطبيعي يدعوك أن لا يركن إلى التراخي والكسل، حتى لو كان ما ينجزه في وقت معين لا يرقى إلى ما قد أبدعته من قبل.

ومن أدرك أنك سوف تبدع خيرًا منه وخيرًا من كل أنجزت في مستقبل الأيام.

إنه التواصل وأنها الممارسة وأنها الحماسة، التي تأتي بكل جديد وتليد.

(١٠) هل استطعت ان تكتب ادب فلسفي، ام ان ما تكتبه مجرد خواطر ذاتية ليس غير.

- ياسيدي ربما انه ليس من حقي ان اقيم كتاباتي الادبية لان الاخرين هم الذين لهم القول الفصل في هذا الشأن.

ربما ان الزمن هو الذي يعلي شأن كل ادب ذي هدف كبير، ويطمس ما لا فائدة منه ولا رجاء.

وانا اراني لي هدف في الحياة، اذ لم اتقوقع على الذات، بل اشعر اني جزء من الكل، واعتقد ان الادب لابد ان يكون له هدف في بث الوعي نحو كل ما هو خير.

انت ادرى من غيرك، حين ترسم الحروف على الورق، في كتاباتي الادبية – شعرا ونثرا – اجعلك تتقيد بمعالم الجمال في صنع نثر المحبة عند الانسان والابتعاد عن الظلم والعدوان في كل مكان.

اذا اردت ان اذكر الحقل الروائي الذي توغلت بالكتابة فيه فاني اخص رواياتي الرباعية الثلاثة، اذ ان الجزء الرابع في كل رواية، احاول رسم نظرتي فلسفية، وفق منظوري واجتهادي.

(٩) ماسر روايتك (الطريق الى المدينة الفاضلة) وماهي مواضيعها باعتبارها فريدة العقد؟وكيف تعامل معها النقاد؟

- ياسيدي ان نقد الاجزاء الخمسة الاولى للرواية هو نقد فكري لانظمة سياسية معينة تعتمد على نظريات فلسفية.. اوقفت الجزء السادس من الرواية الذي كان عنوانه (مدينة الاحلام) على رسم مدينة فاضلة تختلف عن كل رسوم الفلاسفة السابقين الذين كتبوا مشروعا لمدينة فاضلة.

 (١٢) ماهو المنهج الذي تستخدمه في كتابة مساراتك الادبية؟

- في ادب الرسائل كتبت خمسين كتابا، وانا في كل كتاب انحو منحى فلسفيا، وفق افكاري الفكري واجتهادي.

اما الشعر فقد حاولت ان افلسف الشعر، على الرغم من صعوبة تقبل الشعر للافكار الفلسفية.

وفي المسارات الادبية الاخرى، فانا اجتهد في زرع ما يرسمه العقل عبر اسلوب سهل يسير.

 (١٣) بعد هذا العطاء الكبير الذي قدمته خدمة للانسانية والعلم يراودني سؤال.. هل أنت سعيد في هذه الحياة؟

- جواب ياسيدي دكتور باسل اسمع مني السعادة مصطلح كبير، يستخدمه الناس مجازاً، ولا أدرى إن كانوا يدركون ام لا يدركون إن السعادة ليس لها وجود على ارض الواقع، ولن تحصل لأي إنسان أبداً. هذه الحقيقة وهذا هو واقع الحال، ونحن نعبر بمصطلح السعادة عن حالات نشعر بها أو تحدث لنا فجأة، فنصنف أنفسنا سعداء، والحقيقة أننا لسنا سعداء قط. يجهد إنسان نفسه في عمل، وحين يتمتع بقليل من الراحة، فهو يتصور إن الراحة هذه سعادة. يتماثل المريض للشفاء، فيعبر عن تحوله من المرض إلى الشفاء بانها سعادة. التلميذ في المدرسة حين ينجح فيشعر انه سعيد والموظف حين يستلم الراتب، يتمتع بنوع من الخيلاء فيظنها سعادة. جوهر السعادة أن يحافظ الإنسان على نوع من الراحة الكاملة، ولنقل السعادة طوال عمره من دون مشكلات ولا منغصات. وهذا الشرط مستحيل الثبات، لأن من طبيعة الإنسان الصراع والتغير، ويحكمه قانون السيلان. كم مرة يمرض الإنسان في حياته، وكم مرة تصيبه المصائب، وكم يفقد عزيزاً، وكم يتعرض لخيانة أو غدر من غريب أو قريب. هذه الحالات السلبية التي ذكرتها جزء من حالات مشابهة كثيرة، تصيب الإنسان في حياته، ما دام الإنسان يسير وفق قانون الكون والعدم. وأنت تسألني سؤالاً مباشراً عن سعادتي، وإذا أردت إن أعطيك الجواب الشافي، فانا إنسان يصيبني في الحياة من حالات السلب والإيجاب ما يصيب أي إنسان آخر، فانا إذن لم اعرف السعادة بالمطلق، التي يتصورها الناس. وإذا أردت إن اخذ المصطلح والمفهوم الشعبي العام، فانا منذ ان وجدت حتى الآن أتقلب بين مباهج السعادة ونيران الشقاء. نعم إن الشقاء رافقني طوال أيام حياتي على المستوى الاجتماعي، بسبب ما صادفتني من مصاعب، وبسبب ما تلقيت من غدر وخيانة الرجال والنساء، الأقرباء والغرباء. وانا سعيد لأني امتلك موهبه الإبداع وكنت عند حسن ظن هذه الموهبة في الأداء والتطبيق.

 (١٤): هل الحرية ضرورية للأدباء ياسيدي الاديب الفيلسوف؟

- جواب: نعم ياسيدي الحرية ضرورية لكل إنسان، لأن الإنسان من دون حرية، لا ينطبق عليه مصطلح الإنسانية. ضرورة الحرية الإنسان ضرورة الماء والهواء والغذاء، فهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن الماء والهواء والغذاء.

لابد أن نلاحظ أن الحرية المطلقة غير ممكنة التحقيق، لأنها سوف تصطدم بحريات الآخرين. الحرية إذن نسبية، وإن الإنسان يستطيع أن يتصرف بحرية، على ألا يسلب أو يمس حرية الآخرين. أما السؤال عن ضرورة الحرية للأديب والفيلسوف ولكل مفكر، فهذا شيء مفروغ منه، لأن الحرية تعطي الأديب وسعة في التعبير، سواء عن خلجات نفسه، أم عن ما يشاهده في المجتمع من ويلات وظلم وإجحاف. السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل إن للأديب، الذي يجد نفسه في زمن حاكم مستبد، أو داخل أسوار نظام طبقي عنيد، أو تحت تطبيق نظرية فلسفية غير عادلة في توازن المجتمع عليه ان يسكت؟. إذا كنت أدعو كل إنسان أن يسعى لتحقيق الحرية في المجتمع، ليحيا بعز وكرامة وأمان، فالأولى بالأديب أن لا يهرب من الساحة أو يتوقع داخل نفسه كسيراً حسيراً. يجب أن تكون رسالة الأديب النضال من أجل الحصول على الحرية، ليس لنفسه فقط في الكتابة والحياة، بل عليه المطالبة بتحقيق الحرية للمجتمع. الأمثلة كثيرة في هذا الشأن، فإن الفيلسوف أفلاطون بعد أن أعدم سقراط صار يكتب ويلقي المحاضرات في الأكاديمية. كبار علماء الروس برزوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكتبوا أعظم الكتب الأدبية. ولا يخلو بلد من البلاد من أعدم له أديب أو سجن بسبب مطالبته بالحرية.

(١٥) ماذا يوصي كاتبنا الجيل الجديد من الكتاب؟

- بصراحة وبواضح العبارة ينبغي على الكاتب ان يعمر فكره بالقراءة الموسوعية، وفي شتى العلوم ولايتوقف يوما عن القراءة وان يكون نهما في طلب العلم معتدلا في كتابته.

ختاما نتمنى لك الصحة والعافية والعمر المديد وشكرا لك على نبلك اديبنا الكبير..

*** 

أجرى الحوار الناقد والباحث د. باسل مولود التكريتي

 

 

- دور النشر العربية متلهّفة على الربح ولا يعنيها تطوير الوعي العربي

- ضرورة تحرير الترجمة من بَقّالات النشر ومن سماسرة الثقافة

س: لنبدأ معك بالتخصص الدقيق، عندما نريد استخراج شهادة ميلاد لعلم الأديان، لماذا يعترينا دائماً هذا الارتباك، ونواجه نفس علامات الاستفهام التاريخية حول عصر الولادة وشهادة المنشأ، ونقع في حيرة بين القرن التاسع عشر، وبين الأصول الأقدم منه بكثير وصولاً إلى الحضارات القديمة؟

ماهي الأسباب؟ ومتى نتمكن من حسم هذا الأمر؟

ج: علم الأديان هو علم حديث المنشأ يقع على التخوم، كما يقول الفرنسي ميشال مسلان، بين علم الاجتماع الديني والأنثروبولوجيا الدينية وعلم النفس الديني والظواهرية الدينية وعلم مقارنة الأديان وتاريخ الأديان والجغرافيا الدينية وغيرها من المداخل ليؤسس هوية مستقلة، وهذه علوم تطورت في الغرب وإسهامنا فيها ضئيل أو منعدم. فمنذ السعي لإخراج دراسة الدين من هيمنة العقل اللاهوتي، سواء مع الألماني ماكس مولر في ما أطلق عليه "Religionswissenschaft"، أو مع الفرنسي إميل لوي بيرنوف في ما أطلق عليه "La Science des religions"، بدأ علم الأديان يصوغ هوية مستقلة تهدف إلى دراسة المقدس والفعل الديني من خارج الاعتقاد. فهذا العلم يقوم أساسا على معرفة اختبارية للمقدس، وعلى رصد للكائن المتدين، من خلال تتبع الخبرات الدينية. ولو شئنا تعريفا مقتضبا لعلم الأديان، في مقابل علم اللاهوت، لقلنا إنّ الأول يهتمّ بكل ما هو معتقَد من طرف البشر بقصد بلوغ الفهم الداخلي للمقدّس المعيش، في حين يهتم الثاني بالإجابة عن سؤال: ما الواجب علينا الإيمان به؟ ولماذا ينبغي علينا الإيمان بذلك؟ ليس هناك تصادم أو تناقض بين المقارَبتين -كما أرى- وإنما هناك تكامل في الإحاطة بالرأسمال القداسي.

وفي الثقافة العربية لا زلنا نخلط بين علم اللاهوت وعلم الأديان لندرة الأدبيات في المجال وفي المباحث التي استند إليها علم الأديان، ولذلك تارة نطلق عليه علم مقارنة الأديان وأخرى تاريخ الأديان وهلمّ جرّا من التسميات الخاطئة. وقد صدرت في البلاد العربية معنونات بهذا الاسم، أقصد علم الأديان، زادت الناس بلبلة وخلطا، وهي ينطبق عليها اسم "كشكول الأديان" لا "علم الأديان" مثل كتاب العراقي خزعل الماجدي.

س: لديك عدد كبير يفوق العشرين من المراجعات، أن تراجع تراجم آخرين، أليست مسألة مليئة بالتوتر؟ ثمة عمل اشتغل عليه غيرك بمفاهيمهم هم، وها أنت مكلف الآن بالاشتغال عليه، هل المراجعة أكثر مشقة من الترجمة أم أنك ترى العكس؟

ج: بل قل الخمسين، جاءت المراجعة بالأساس ضمن الاشتغال داخل مشروع مؤسساتي وهو مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي. تابعت زهاء الخمسين عملا مترجما من الإيطالية في مشارب متنوعة، استطاع المشروع أن يقدم للقارئ العربي أعمالا إيطالية مهمة في التاريخ وعلم الاجتماع والرواية وأدب الناشئة وغيرها. ويأتي عمل المراجعة بالأساس لغرض تجويد العمل المترجَم واحترام القارئ العربي، لأن عديد دور النشر العربية لا تراعي هذا العمل فهي دُور ربحية مستعجلة لا تفكر في النهوض الثقافي أو في تطوير الوعي العربي، وهي محكومة أساسا بمعادلة العَجَلة في الوصول إلى السوق.

من جانبي حين أخوض مراجعة كتاب أفكر بمهابة في ما سأقدّمه للقارئ العربي، لأني أقوم بالعمل وفق رقابة أخلاقية ذاتية وبصرامة علمية في آن.

وأما بشأن الترجمات التي أُنجزها فهي تدور حول الدراسة العلمية للظواهر الدينية والقضايا التاريخية والمسائل الفكرية. أحاول أن أبقى في هذا الحقل لأني أرتئي حاجة الثقافة العربية الملحة إليه. وبالنظر إلى تكويني وانشغالي على مدى عقود أعي حاجة الثقافة العربية في مجال دراسات الأديان، ولذلك أجدني مدفوعا للترجمة في حقل التاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في كل ما له صلة بالظواهر الدينية ناهيك عن أبحاثي التي أحاول نشرها من حين إلى آخر.

س: الترجمة تقع دائماً بين مفهومين، النقل الحرفي، وإعادة صياغة النص، كيف ترى الترجمة المثالية وسط هذين المنهجين؟

ج: الترجمة المثلى تخصّصٌ وإبداعٌ، فما لم يتخصص المرء في مجال من المجالات، أدبية أو فلسفية أو سوسيولوجية أو غيرها فيصعب أن ينتج عملا جيدا. والترجمة إبداعٌ، أقصد ما لم يكن المرء كاتبا مسبَقا فيصعب أن ينتج عملا مقدَّرا، ولذلك لا أومن أن يأتي المرء للترجمة من فراغ أو عدم، لأنه يكون كحاطب ليل. وبناء على ذلك فالترجمة هي استضافة لنصّ في لغتي وما تقتضيه العملية من مراعاة أصول الضيافة، أو بلغة أخرى الترجمة هي إعادة تَبْيئة للنص الأصلي في بيئة مغايرة ولغة مغايرة وما تقتضيه العملية من تشذيب وتهذيب وإلا أنتج المترجم مسخا. فعملية الترجمة تقتضي من المترجم أن يتقمّص وعي الكاتب وروحه حتى يعيد كتابة نصه في لغة ثانية، ولذلك إن عازت المترجم القدير المفردات والمفاهيم والمصطحات في لغته يصنّعها وينحتها، على طريقة حنبعل الذي قال إن لم نجد الحلول ننشئها.

س: في تاريخنا العربي، كانت الدولة الأموية قد حرمت نفسها من إحراز قصب السبق في موضوع الترجمة لأن عصر التدوين لم يبدأ في عهدها، ولكن من جهة أخرى، ألا ترى أن الدولة العباسية التي تلافت هذا التقصير قد قامت بتسييس الترجمة؟ أم أنها تهمة تم تلفيقها للعباسيين فحسب؟

ج: مع الدولة العباسية بتنا نرى العالم وبتنا إحدى القوى العظمى في الساحة الدولية في ذلك العهد، وعلى صلة أعمق بالعالم وهو ما دفع أسلافنا لخوض عملية الترجمة بوصفها أداة معرفية استراتيجية في التواصل مع العالم. وبالضرورة كل استراتيجية معرفية تخوضها الدولة هي عملية مسيَّسة ولذلك كان العرب ينتقون ما يُترجَم من اللغات الأخرى. وقد كانت الترجمة تستهدف تعزيز قدرات الذات وإثراءها لا إدخال الارتباك. كما كانت الترجمة براغماتية وليست من باب المزاح أو اللهو الفكري. كان لدى العرب من التعالي الروحي والوعي التاريخي الديني ما يَسّر لهم التعامل العميق مع فعل الترجمة حتى وإن أسقطوا أعمالا أو لم يترجموها فبوعي. ولذلك انشغل التراجِمة الأوائل في الحضارة العربية بالأعمال العلمية والعقلية ونقلوها، وأهملوا الأعمال الأسطورية والعَقَدية، التي عبّرت عنها ملاحم مثل "الإلياذة والأوديسة" في بلاد الإغريق أو "الشاهنامة" للفردوسي في بلاد فارس. فقد أورد ستروهماير في "دائرة المعارف الإسلامية"، في معرض حديثه عن حُنين بن إسحاق أنه كان يلجأ في ترجماته إلى إسقاط الحديث عن المعتقدات الوثنية والآلهة، وهو تقليد لم يبتكره الرجل، وإنما دأبَ عليه معاصروه. 

س: بطريقة أو بأخرى، هل يمكن اعتبار المترجم شريكاً في كتابة النص؟ ينطوي هذا السؤال على مخاطر كبيرة تتعلق بمدى مشروعية استحواذ المترجم (المتمكن) على النص إلى حد أنه قد يتجاوز الحدود فيمتلكه.

كمترجم ذائع الصيت، كيف ترى هذا الأمر؟

ج: ليس بوسع المترجم بلوغ تلك الشراكة إلا حين يقاسم الكاتب الأجنبي أفقه المعرفي والإبداعي، وما لم تحصل تلك الشراكة يصعب الحديث عن ترجمة أمينة. كثير من المترجمين ينغمسون في ترجمة العمل الأجنبي بدون دراية بلغة الكاتب، أقصد فلسفته ورؤيته ومصطلحاته وصوره الإبداعية، وهذه هي متاهة الترجمة في غالب الأحيان، فينتجون نصا ميكانيكيا شبيها بنص "غوغل المترجم". أُلحّ على الترجمة الواعية حتى لا نهدر وقتنا ومالنا وجهدنا في أعمال ضحلة لا تسهم في ترشيد نهضتنا المنشودة.

أنا بالأساس أترجم في مجاليْ العلوم الإنسانية والاجتماعية وأشتغل على مفاهيم وخطابات وتصورات، أحاول أن أجلبها إلى لغتي بلسان عربي مبين علّي أُدخل جديدا إلى ثقافتي أو أَبني تواصلا مع الآخر، على أمل إرساء خطاب معرفي تنويري علمي. فلدي إدراك بنقص ثقافتنا العربية في مجال الإحاطة بالحضارات الأخرى والتمكن من المعارف والمناهج الجديدة، أحاول التنبيه إلى الأعمال الجيدة في المجال حتى نعزز بها قدراتنا.

س: في أعمال كبيرة مثل "مئة عام من العزلة" لماركيز، أو "العطر" لزوكسيند، وخلاف ذلك، نبحث أولاً عن اسم المترجم قبل أن نقرأ العمل، ألا ترى أن هذا ليس خبراً جيداً للمؤلفين؟

ج: أتحدث عن الواقع الثقافي الذي أعرفه جيدا أقصد ما له صلة بالترجمة بين العربية والإيطالية. في السنوات الأخيرة صرنا نترجم من الإيطالية مباشرة بعد أن كانت الترجمة السائدة تعوّل على لغة وسيطة. صار لدينا مترجمون من الإيطالية إلى العربية مقتدرون مثلا في الأدب نجد معاوية عبد المجيد وناصر إسماعيل وأماني فوزي حبشي وشيرين حيدر وأحمد الصمعي والراحل عدنان علي (أسكنه الله فراديس جنانه) وآخرين، وفي المجالات الأخرى بدأنا نخطو خطوات مع عماد البغدادي وحسين محمود وعزالدين عناية وغيرهم. لكن في هذا التطور الحاصل في الترجمة من الإيطالية تبقى العقبة الأساسية في غياب المترجم الحامل لمشروع أدبي أو فلسفي أو تاريخي أو ما شابهه. وأما بشأن من يترجمون إلى الإيطالية فلعل الخارطة أوسع نجد وسيم دهمش وماريا أفينو ومونيكا روكو وفرانشيسكو ليجو، ولكن السلبية من الجانب الإيطالي تبقى في انحصار الترجمة في عالم الرواية. فليس لدينا في إيطاليا مترجمون يشتغلون على نقل الفلسفة أو الفكر أو ما شابه ذلك، ولذلك لا يعرف القارئ الإيطالي إلا النزر القليل عما يُكتب في المغرب أو تونس أو ليبيا أو مصر أو العراق خارج ما هو روائي.

س: أنت الآن أستاذ في جامعتيْ روما لاسابيينسا والأورينتالي في نابولي. وقبل ذلك كنت قد تحصلت على الدكتوراه من جامعة الزيتونة في تونس، هل هي مغامرة ممتعة أن تختلف بيئة التكوين العلمي عن بيئة الممارسة العملية؟

ج: في الواقع تكويني العلمي موزّع بين الزيتونة والجامعة الغريغورية في روما، وهو ما جعلني أعيش على وقع مقارنة وموازنة دائمتين بين ثقافتين ومنهجين. فالزيتونة كسائر الجامعات الدينية الكبرى في البلاد العربية، القرويين والنجف والأزهر، تعاني انغلاقا إبستيمولوجيا وتعيش اغترابا معرفيا وتعوزها النباهة الحضارية في التاريخ الراهن. وقد كان تخصصي المبكر في دراسات الأديان في تونس، والانشغال بالظواهر الدينية ضمن أفق عالمي دافعاً لي للوعي بوهن القدرات العربية في المجال، ولذلك قررت الرحيل نحو الغرب عن وعي وإدراك ومع ذلك بقيت مهووسا بقضايا الثقافة العربية.

س: كمترجم، هل تفضل ترجمة مقالة أو كتاب عن لغة وسيطة؟ كتاب باللاتينية مثلاً تُرجم إلى الأنجليزية ثم تنقله إلى العربية. ألا يبتعد المشوار بالقيمة والمعنى والثقافة للنص المكتوب إذا ما قطع كل هذه المسافة؟

ج: تفرض الضرورة أحيانا اعتماد اللغة الوسيطة في الترجمة رغم ما في ذلك من مزالق، ولكن أنصح بتجنب ذلك التمشي في حال توفر النص والمترجم. وقد سبق لي أن ترجمت مؤلفا إنجليزيا إلى العربية عبر وساطة اللغة الإيطالية لأن النص الأصلي ما كان متوفرا لدي وهو كتاب "السوق الدينية في الغرب".

س: الترجمة، من وظيفة في خدمة السلطان، إلى حركة نهضوية له أبعادها الثقافية والتاريخية، كيف تراها الآن في زمننا العربي الذي نعيشه، هل هي بخير؟ أين مكاننا في طابور الترجمة العالمي؟

ج: المترجم نوعان أحدهما متكسّب مأجور والآخر باحث عن معانقة أفق معرفي مغاير بقصد محاورته أو امتلاكه بهدف إثراء الذات. وفي الجانب الأول هو موجَّه ومكلَّف ولا عيب في ذلك. ولا أقول إن "خدمة السلطان" دائما خاطئة لأن هذه من الأوهام التي جرت على ألسنتنا ففي عمل الترجمة نخدم ثقافة ولا نخدم فردا. ومن السفه القول إن مشاريع الترجمة الحقيقية تنتج خارج إرادة السلطان والحاكم، ولذلك أومن أن مشاريع الدولة في الترجمة هي المشاريع المؤثرة والفاعلة وفي غيابها تبقى الترجمة محدودة الأثر. وتكون الترجمة إسهاما في الحركة النهضوية حين تسكن المترجم رؤية وفلسفة، وحين يسأل نفسه بشكل دوري لِم أترجم؟ من جانبي يدفعني حرصي على تطوير الدراسات العلمية للأديان وتوسيع الأفق المعرفي للدارس الديني في حضارتي أن أترجم في ما له صلة بالظواهر الدينية وبمناهج العلوم الدينية، ولا أجد غضاضة إن كُلّفت من أي كان بهذه المهمة، ولكن أرفض ترجمة ما يسيء إلى حضارتي أو ينتهك حق المحرومين والمقهورين.

س: في تراجمك التي تنشرها مجلة الليبي، ثمة نزعة إلى تعريفنا كمحليين بالآخر، أشعر وأنا أقرأ لك أنك لا تترجم فقط، أنت أيضاً تنشر رسالة نصها عندنا ومغزاها عندك، هل أنا محق في ذلك؟

ج: أرى أننا كعرب نحن رومانسيين في نظرتنا إلى الغرب وإلى الغربي، نفتقر إلى الواقعية والتقييم الصائبين، ولذلك أحاول الخروج من مقام الوله إلى مقام العلم. وانشغالي بإيطاليا تحديدا يأتي من الإهمال لهذه البوابة المهمة في التعاطي مع الفكر الغربي في ثقافتنا العربية المعاصرة، أحاول من جانبي ردم هذه الهوة من خلال خلق تشابك قائم على أساس التثاقف والمراجعة والنقد.

س: في برقة شرق ليبيا، وفي مدينة أسسها الاغريق قديماً في عام 361 ق.م، توجد مكتبة تحوي آلاف الكتب التاريخية الثمينة التي كتبت بمختلف اللغات، الألمانية، اللاتينية، الاغريقية، الانجليزية، وبطبيعة الحال، الايطالية، هل أنت على استعداد للموافقة لو تم تكليفك مع نخبة تختارها من المترجمين بنقل هذه الأثار الثمينة إلى العربية؟

وهل شاركت من قبل في عملٍ كهذا؟

ج: أشتغل ضمن عدة فرق بحثية ودراسية وترجمية تصب في تطوير فكرنا العربي، لأني أرى أنها أكثر جدوى من العمل الفردي في زمن بات فيه إنتاج المعرفة وحضورها عملا مؤسساتيا جماعيا.

وليبيا عزيزة على القلب وكلما دعتنا إلى الخدمة لبّينا.

س: تحدثت في إحدى حواراتك عن "لاهوت التحرير"، هل تعتقد أنه يمكن الاستفادة من هذا الحراك التاريخي المهم في انحيازه للفقراء، في تغيير الكثير من الأوضاع المتردية في منطقتنا العربية؟

ج: لاهوت التحرير في نسخته الأمريكية اللاتينية الأصلية انتهى، لأن التاريخ والواقع تغيّرا، وإن أبى البعض هذا التشخيص. فالفقراء والمحرومون والمستضعَفون قبل لاهوت التحرير وبعده باقون، ولذلك وجب تغيير استراتيجيات النضال وأدواته ولعل الرهان اليوم هو في بناء لاهوت علمي نقدي لتنوير العقول. إن التحالف بين اللاهوت والطرح اليساري ما عاد مجديا اليوم وما عاد مؤثرا، ومن العبث الرهان على الميت في تغيير الحي. الدين اليوم في حاجة إلى أفق إيماني جديد، وفي حاجة إلى روح خُلقية جديدة تواكب التحول العولمي الحاصل وتواكب التواصل المكثف الجاري.

أنا ضد استنساخ التجارب ونقلها لأن لكل واقع أوضاعه وشروطه للتغيير.

س: لا أحد يمكنه الإنكار أن المَجامِع المسكونية الكاثوليكية التي عُقدت على مدى 1700 سنة. بداية من مجمع "نيقية"، وحتى مجمع الفاتيكان الثاني، قد ساهمت في إعادة تأهيل الفكر الديني المسيحي ليواكب تطورات العصر حتى لا يكون عائقاً أمام النهضة الغربية بأي شكلٍ من الأشكال، ماذا عن مؤسساتنا نحن؟ هل يبدو الأمر شائكاً وفي منتهى الصعوبة؟

ج: لا أرى أن المجامع المسكونية كلها قد قامت بدور إيجابي، فكثير منها لعب دور العائق في المسار البشري، وحتى أهلها يقرّون بذلك. كان مجمع ترنتو، أو كما يسمى المجمع التريندي، الذي افتتح أشغاله البابا بولس الثالث خلال العام 1545م واستمر إلى العام 1563، هو من أنتج ما يُعرف بالإصلاح المضاد لمجابهة حركة الإصلاح، وهو ما أنتج لاحقا قرارات "الصِّلابو" الفاضحة في تاريخ علاقة الكنيسة بالحداثة. وحتى المجمع الأخير مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) فقد اعترته أزمة وبات اليوم مطروحا ضرورة القيام بـ "الأجورنامينتو" وعقد مجمع جديد على أنقاضه كما نادى به مفكرون ولاهوتيون كبار مثل جانفرانكو سفيدركوسكي والراحل هانس كونغ. المسألة في الغرب أن المؤسسة الدينية تتقبّل الإقرار بنسبيتها، ولديها من الحسّ بما يجري حولها ولذلك هي تحاول توظيف القدرات العلمانية والدينية على حد سواء للخروج من أزمتها.

نحن من جانبنا نعيش أزمة ثقة بين المتديّن وغير المتدين، بين العلماني والإيماني، في السياسة والثقافة والبحث، نفتقر إلى حوار بنّاء وهادئ. يصعب أن ينصت العلماني للإيماني لدينا والعكس أيضا وذلك بعض من محنتنا.

س: الترجمة هي عمل فردي، ولكن، ماذا لو تحول فجأة أو بتخطيط مسبق، إلى عملٍ مؤسساتي؟ هل ستشعر نحوه بنفس درجة الثقة وتتعامل معه بأريحية؟

ج: المترجم في البلاد العربية يحتاج إلى مَأْسَسة ترسم له الطريق وتخرجه من حالة الخمول والتيه، ولذلك  الترجمة في البلاد العربية تبحث عن رجّة. في واقع الأمر يتطلب عمل الترجمة سنداً من الدولة، وهذا لا يتوفر في الراهن الحالي سوى لمؤسستين أو ثلاث في الوطن العربي. لدينا جيش هائل من المترجمين هم معطَّلون أو مستنزَفون من سماسرة الترجمة، ولهذا لا بد من تحرير الترجمة من بَقّالات النشر (أقصد دور النشر) ومن سماسرة الثقافة. ثمة مؤسسات ترجمة عربية بالكاد تنتج عملا وحيدا في السنة، وأخرى موصدة الأبواب، والحالة واضحة في بلاد المغرب الكبير، وهذا عائد لفقدان الدعم المالي والخطة الواضحة؛ وثمة مؤسسات أخرى نشيطة وواعية بما تفعل ومدركة لما تنتج ومراعية لحق المترجم وهذا متوفر في بلدان الخليج العربي مع "مشروع كلمة الإماراتي" و"عالم المعرفة الكويتي".

س: 270 مليون، هم العرب، لا يترجمون سنوياً أكثر من 475 كتاب، فيما تترجم إسبانيا وحدها في كل سنة 10 آلاف كتاب. هل تقتنع بهذه الأرقام؟ ولماذا نبتعد؟ أنت مقيم في ايطاليا، ولاشك أنك تعرف ما يترجم فيها سنوياً، هل نحن متخلفون في هذه الناحية؟ وما هو الحل؟

ج: بحق الأرقام مرعبة وهذا ينبغي ألا يبعث فينا الإحباط واليأس، ولديّ متابعة لصيقة لذلك بين العربية والإيطالية، فنحن وهم، أقصد الطليان، لم نترجم ما يتجاوز الألف كتاب وهذا قليل بين لغتين وحضارتين عريقتين. الإشكال يكمن في التالي وهو أن الترجمة إمكانيات وتسويق وتمويل ونحن من جانبنا العربي لم ندخل هذا الطور ولم نخض هذا الاستثمار. ما زلنا نتعامل مع الترجمة كهامش في بنية ثقافتنا وهو خطأ، والحال أنّ كل انفتاح وكل تحول ثقافي بنيوي مدعو إلى تنشيط هذا المجال.

س: تهتم كثيراً بما يكتبه الآخر عنا، مثلاً  ما كتبه "ديل بوكا" عن ليبيا، وما كتبه "ستيفانو ماريا توريللي" عن تونس، هم يقرأون جيداً كتابهم ويعرفون الكثير حتى الذي لا نعرفه نحن عنا، ولكن، كيف تفسر تجاهلنا نحن لكل ما يتعلق بالآخر، هل دخلنا بالفعل مرحلة انغلاق جديدة قد تطول هذه المرة؟

ج: بفعل اشتغالي في مؤسسة جامعية، ومتابعتي للأبحاث الأكاديمية والدراسات العلمية التي تُنتَج حول العالم العربي، فضلا إلمامي بخريطة المثقفين الإيطاليين المعنيين بالحضارة العربية ودين الإسلام أعرف عن قرب ما ينتجونه حول الحضارة العربية الإسلامية وحول البلدان العربية تحديدا. هناك أعمال جيدة تتطلب المناقشة والتواصل مع منتجيها وثمة حاجة إلى ترجمتها، ولكن أشعر أن الثقافة العربية غافلة عن ذلك. ثقل المهمة يجعلني خُلقيا معنيا ولو بردّ خبر عن ذلك وترجمة ما تيسّر من ذلك. ثمة حشود واسعة من المفكرين والكتاب والأدباء الإيطاليين يشتغلون على الثقافة العربية وعلى الأوضاع العربية، ولكنهم يقعون خارج اهتمامنا بفعل قلة الملمين باللسان الإيطالي في البلاد العربية وبفعل ندرة المتابعين لِما يعتمل في إيطاليا. بلاد المغرب الكبير الأقرب إلى إيطاليا تاريخيا وواقعيا تجهل ما تنتجه إيطاليا نحو حضارتنا وهذا تقصير كبير منا. كم يترجم المغاربيون من اللغة الإيطالية سنويا؟ أكاد أقول لا شيء وهذا فضيحة معرفية، هناك مؤلفات تصدر باستمرار حول ليبيا وتونس والجزائر لا نوليها أي اهتمام وهذا لا يحدث في ثقافات أخرى. يبدو مثقفو المنطقة غرقى في خمول لا ينتهي. جامعيونا يتدافعون على الترقي في السلّم الوظيفي ولا يعنيهم من تطوير قدراتنا المعرفية شيئا وهي بحق خيانة صامتة لثقافة جريحة.

س: ختاماً، نعتز بك كثيراً في مجلة الليبي، ترجماتك أضافت لنا الكثير، كيف ترى مستقبل مجلة ثقافية تصدر في زمن حربٍ على كافة المستويات؟

ج: الأمر ليس هينا وهذا قدرنا، ينبغي أن نتشبث بإرادة الحياة والتنوير والتحرير، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

***

حاوره: د. الصديق بودوارة رئيس تحرير "مجلة الليبي"

 

لقاء خاص مع الاستاذ الاديب الجهبذ عبد الرزاق الغالبي صاحب النظرية الذرائعية في النقد العلمي للادب و الذي اثار بنظريته الجديدة وطرحة بمفهومه الخاص بعض التساؤلات التي جعلته يتعرض للنقد بعد ان ارسى مفاهيم علمية حديثة للنقد الادبي غير تلك التي اعتادها نقاد النصوص الادبية بشكل مغاير لإطرواحاته في إماطة اللثام عن تفكيك النص بعلمية و مداخل الابواب التي تنتمي الى نظرية الذرائعية... وقد وجهت له العديد من الاسئلة ليحيط القاريء بمفاهيم نظرية الذرائعية للاستاذ الغالبي عن قرب بما يطرحه من علم نقدي جديد عربي الاساس.

- عندما نتحدث عن الحداثة في النقد الأدبي لابد انها تضيف ممرا او بابا يلقي بالضوء على رؤية الرواية او القصة القصيرة او الشعر المقفى او النثر بشكل مغاير للرتم الذي ساد زمنا حتى بات النقاد وإن اختلف طرحهم إلا انهم يطلقون النقد من نفس الجعب التي مارسها الفلاسفة او النقاد الأجانب دون الاتيان بمناقب النقد العربي ومفهوم اللغة العربية.. ماذا يرى الناقد العلمي ومن خلال نظريته الذرائعية حين يلقي بظلال نظريته على كل ما سبق من ادب؟

* الحداثة بنوعين: سلبية وإيجابية

الحداثة السلبية: أن خسائر الحرب العالمية نبهت عقول المفكرين الى أسباب الحرب، وقد لخصوا أهم الأسباب ألا وهما الدين والأخلاق فبثوا حداثتهم السلبية بتخريب هذين العنصرين والباقي معروف لاتزال آثاره تنهش في لحمنا لحد الآن واخره الحرب بالنيابة (proxywar) والتي لاتزال أيضل آثارها لحد الآن داعش وحرب أوكرانيا

الحداثة الإيجابية: هي نجاح الأدباء والمفكرين والباحثين العرب من فلترة جميع التيارات الأخلاقية والسياسية والأدبية وإستلال ما يفيد منها وتوظيفه في الأدب كالمدارس النقدية والنظريات (كمدرسة الواقعية والطبيعية والرومانسية والبرناسة الفن للفن والرمزية والسريالية)

- كيف نشأت فكرة النظرية الذرائعية؟ وكم استغرقت من السنين حتى رأت النور؟

* نشات فكرة النظرية من سببين:

السبب الأول: إكتضاض السساحة الأدبية العربية بالنتاجات الأدبية الغير مدروسة والتي سببت فوضى عارمة وجهل كبير في المنحى الأدبي مما مهد الطريق للسبب الثاني وهو وجود تلك الفوضى مع سببه هو غياب النقد من الساحة الأدبية لكون الأدب عراب للمجتمع والنقد عراب للأدب فاصبحت الساحة بحاجة ملحة لظهور رؤى نقدية أونظريات تنظم تلك الساحة الفرغة من الرصانة الأدبية

- بإعتبارك ابا للنظرية ومستحدث بناءها هل تعتقد أنها ستغير من بناء النقد الادبي من خلال منظور الذرائعية؟

* بالتأكيد ، كل جديد في أي ساحة يعزف عنه من تعودوا على القديم وهذه حالة معروفة لا يقتنع بالجديد إلا من كان حاويا لعلمية كبيرة، أما السطحيون هم من يعترضون أرضاءا لأنانيتهم الشخصية ،والجيل الجديد تكون حصته الذرائعية بكل تأكيد ،والنخبة الفاعلة من أمثالكم هي من توصل هذا العلم لهم ،وما لنا والسطحيون فهم فارغون إلا من العناد والمكابرة.....

- إذا كانت النظرية الذرائعية قد جعلت من النقد الادبي لحاء شجر وهذا قد يزعج البعض، هل تعتقد ان اسلوب النقد العام سيتغير فيما إذا لبس النقد العربي ثيابه الاصيلة ورجع الى اصوله؟ كونك تقول أن العرب عرفوا بالإيحاء قبل جميع الفلاسفة اصحاب النظريات النقدية الادبية المتعارفة؟

* بالتأكيد والدليل هو إقتناعك أنت والنخبة التي معك وهي تصاحبني بالتفاف عجيب أدهشني حرصك وحرصهم وهذا يبشر أن الساحة فيها من ملأت جيوبه علماً وقناعة بما أوتي من جديد والأيام القادمة ستتحدث كثيراً وبإسهاب عن التغيير الذي يواكب الحداثة في طرق النقد الذرائعي.

- البراغماتية أو البراغماتكس.. تلك التي كانت محطات في مرحلة النظرية ما الذي اكتشفته من خلال غورك في عمق المعاني من خلال عكفك على البحث و وصولك الى الاجابة المقنعة التي اوصلتك حيث ارسيت نظريتك في مؤلفات ست سبرت فيها بفحوى ما ألفيته من انفلات وعدم قناعة بما لقيت وقرأت من النقد الادبي في العالم العربي؟

 - انبثقت ذرائعيتنا أصلًا من الذرائعية اللغوية الجديدة أو(البرغماتية الجديدة pragmatics)، التي تخوض بنفس الاختصاص اللغوي الأدبي لذرائعيتنا العربية، وهو مجال معنى المنفعة الإيجابي والتي ظهرت بين 1975و1985.. فهي تختلف كليًّا عن البراغماتية الفلسفية pragmatism سيئة الصيت، التي (ظهرت كتيار فلسفي سياسي عام 1878والفرق الزمني بينهنا قرن كامل) وهي التي تخوض بالمعنى النفعي السلبي، والتي تلاحق النفعية، وهي التي أسست للاستعمار، وقد التصق صيتها السيء بذرائعيتنا خطأً، لكون الذرائعيتين تنطلقان من جذر لغوي واحد، وهو الجذر الأجنبي اللغوي اليوناني (pragma) فهو يجمع بينهما في الأصل اللغوي فقط، رغم أنهما متناقضتان في الاتجاه الفلسفي والإجرائي ...وذرائعيتنا (الذرائعية اللغوية الجديدة pragmatics) أو (البرغماتية الجديدة)،هي مذهب (الجحيلي، n.d.)،) يلتقي بالمنهج الذرائعي اللغوي العربي (الذّريعة العربيّة الفلسفية pretext) وتندمج معها، وهذا الاندماج بين المنهجين ينقلها نحو الإهتمام بالمعنى المجازي الأدبي العربي (المعنى الوضعي التواصلي الإيحائي) في السّياق و المسنود بذريعة، ويستند هذا المنهج إلى مصادر ومستويات مختلفة تتوزّع بين الفلسفة، وعلم النّفس، وعلم الاجتماع، واللّسانيات، والبلاغة، والسيمياء...

أنقسام الفلسفة الذرائعية بالتمركز على النص القرآني:

 اختلطت وجهات النّظر حول المصطلَحَين( pragmatism و( pragmatics والتّفريق بينهما عند الكثير من الباحثين ، لكن الله (جل شأنه) قد حل هذا الإشكال وفرق بين الذرائعيتين في سورة الشّعراء، وخصّ الشعراء الذين يلاحقون (الانتفاع في الشعر، عن طريق المدح والهجاء في الآيات البينات( 224وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ /225 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ/ 226 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ )، ونهاهم عن متابعة النفعية السلبية (pragmatism) سالفة الذكر، ونصحهم بالانضواء تحت حكم الآية (227-إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) فصارت تلك الآية نقطة التمركز لذرائعيتنا العربية الحاضنة لفلسفة الذريعة التبادلية المنفعية (Pretext) وتثبيت لأركان المنفعة الأيجابية بعد أن صار الفرق واضحًاً بين الذرائعيتين، وجُعل الأدب العربي أدب رسالي أخلاقي في تمركزنا هذا على سورة الشعراء بموسوعتي الفلسفية بمجلّداتها الموسومة بـ (الذّرائعيّة بين المفهوم اللّساني واللّغوي/ و/الذّرائعيّة وسيادة الأجناس الأدبيّة / و/ الذّرائعيّة في التّطبيق / و/ الذّرائعيّة والعقل / والذرائعية والتحليل النقدي العلمي و (The Critical Pragmatic Arabic Approach وهكذا أصبح مصطلح الذرائعية لغويًّا حاملًا للذريعة (كحجة وبرهان أخلاقي) وصارت حجاجيّته في العنوان والهدف ليسند كل قول في التحليل النقدي للمنهج الذرائعي... وبذلك تمكّنتُ الذريعة العربية من إخراج هذا المصطلح من مستنقع الخطأ عن طريق الأدب العربي، حين تمركزتُ رؤيتي الذرائعية على القرآن الكريم سيّد النصوص،3823 الذرائعية

- هل وجدت عقبات اثناء إرساء نظريتك وصعوبة تقبلها من الواحة الادبية في العراق أو العالم العربي؟

* كثيراً لكن أصعبها أحد الأخوة من أبناء الحلة (أتحفظ عن ذكر أسمه إحتراماً لمعارضته الغير مبنية على معرفة) كان يومها يزور مصر وصادف لي توقيع كتابي الأول الذي نشرته مؤسسة الكرمة وتلك، مؤسسة معروفة في القاهرة وبعد استلام الكتاب بدقائق دون أن يقرأ ما فيه عقد مؤتمر وطالب بقتلي وتمزيق كتبي ولحد الآن لا أعرف السبب هل لكوني متمركزا على النص القرآني أو لشيء في ذهن يوسف.... أنا محتفظ بالفديو وسألاحقه فقط لأعرف السبب لهذا الحقد الغير مبرر...؟!

- لديك اتصالات مع العديد من الاساتذة والدكاترة ممن شرعوا بأخذ النظرية الذرائعية كمنحى جديد للنقد العلمي للنصوص سواء النصوص السردية على مستوى الرواية او القصة القصيرة او المسرح او الشعر.. هل تعتقد انك ذلك سيغير او انه سيطغى على النقد الادبي المتعارف عليه؟

* منهم من هو مؤيد لكونه يحمل علماً والآخر رافض وهذا شيء طبيعي في كل جديد...

- هل بإعتقادك انك ارسيت نقدا جديدا يسبر في البحث عن النص حيث انك تتعامل معه على انه انسان يتحدث ويبدي رأيه من منظور النقد الذرائعي؟

* نعم ،بكل تأكيد ،النص في نظري إنسان يحتاج الى دلال وإحترام وانا في كل دراسة أحصيها كلمة كلمة وتعيش معي من 20 يوما والى الشهر وأحياناً ويتجاوز عدد صفحاتها الخمسين صفحة، لأن النقد العلمي يحترم نتاجات الناس....

- ما مدى انتشار النظرية الذرائعية؟ وهل وجدت صعوبات في تقبلها على الساحة النقدية الادبية في محافظة ذي قار اوالعراق عموما او في الاوساط الادبية في العالم العربي؟

* إنتشرت الذرائعية في جميع أنحاء الوطن العربي ولي نقاد وأتباع ذرائعيون في كل بلد عربي وآخر تبليغ فيها هو العراق والحمد لله تقبلتها النخبة من أفضل الأدباء وساندوها بكل فخر وإحترام وأنت أولهم وأشدهم تعلقا بالذرائعية...

- عرفنا الاستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي اديبا واستاذا للغة الانكليزية والالمانية ومترجما ماذا اضافت لك النظرية الذرائعية؟

* أضافت لي الكثير حتى وصلت تصرفاتي الشخصية أن اناقش كل معارض لي بأدب شديد حتى وإن ناصبني العداء وأعتبر نفسي أقل الناس شأناً ،وقد تعلمت إسلوب المناقشة الهادفة بذريعة وليس هذراً وهدراً....

- هناك خبر بأنك قمت بترجمة النظرية الذرائعية الى الانكليزية بمؤلف تحت الطبع عكفت عليه في روسيا حتى انهيته.. ماذا تأمل من مطبوعك الجديد والحديث المترجم باللغة الانكليزية؟ اتنشد العالمية من خلال طباعته ونشره؟

* نعم قبل سنتين أنهيت المجلد الأخير باللغة الأنكليزية في روسيا والآن هو قيد المراجعة لدى البروفيسور العراقي باللغة الأنكليزية الإستاذ محمد السعيدى لمراجعته علمياً ولغوياً وبعد الأنتهاء منه سيقدم للطبع...

- ماهو التحدي الذي واجهته وانت تضع نظريتك الذرائعية امام موجة عالية من بحور النقد الادبي الذي كان يسود الساعة؟ وها انت ارسيت بنظريتك في مرسى لا اقول اغضب بقدر انك كشفت عيوب النقد السائد على الساحة العربية والعراقية والمحلية؟

* وجودي بينكم وأنا رافع رأسي هو أكبر تحدي بكل ما تحويه الكلمة من معنى، وهو أعظم إنجاز قدمته لي الذرائعية، هو وجودي بينكم أما كتحدي بمعنى المفاخرة فلا تحدي في العلم والمعرفة لأنها عطية ورزق من الله والتحدي فيها منقصة، نحن لدينا ما لدى الناس وكل إنسان مقتنع بما عنده من رزق بشرط أن يشكر الله على رزقه....

- هل كان هناك دور لإتحاد الادباء في ذي قار او العراق عموما في استقطاب مؤلفاتك الخاصة في النظرية الذرائعية والنقد العلمي الذي طرحته كعلم جديد؟ و فيما إذا انتشرت النظرية ماذا تقول للاتحاد العام لأدباء العراق؟ و من شارك او ساهم في طبع مؤلفاتك في النظرية الذرائعية؟

* الإتحادات قائمة بواجبها ولها همها، وأنا لا ألوم أحد لكوني كسول بطبيعتي، و بسبب العمر (73) سنة يكون قليل الخروج من البيت وكثيرا ما سأل عني رئيس الاتحاد لكني لا أحب الجلوس في المقاهي كثيرا ولا أفضل اللقاءات لكوني قليل الأصدقاء.... بكم صار لي لقاء في بيتي ونقاشات أروع من الرائعة وهذا يكفيني وهو منتهى كل طموحي.... وعليكم نشر ما تؤمنون به....

- اصبحت لنظريتك الآن ساحة وارفة من ادباء انضوا تحت ظل الذرائعية... هل تعتقد انك الآن قد ارسيت رضاك وانت تكفل اطروحاتك على مسامعهم؟

* أنا راض جدا عما فعلت فقد كان لتعبي عشرة سنوات من البحث والمتابعة وأكثر، والآن ظهرت نتائجه برضاكم عنه، وصارت له قيمة علمية وأعتبارية أشكر الله عليها وأشكركم بعد الله فما عندي هو أمانة لكم أستودعت في ذهني...

- قضيت كما علمت سنين من حياتك في البحث والتنقيب والدراسات في مجالات شتى سواء الادب الغربي او الأوربي او الروسي والعربي وعلقت امامك النظريات كالمعلقات ورحت تستخرج منها المنطوق الحرفي واعتمادك مخارج الحروف بطريقة علمية لم اعرف ناقدا قد نال من تلك الابواب كموضع للنقد... ماذا اضفت الدراسات الى مفاهيم النظرية الذرائعية لعبد الرزاق الغالبي؟

* أنا فحصت كل ما يحيط بألأدب من علوم وفهمت معنى الأدب ووجدت فيه ضالتي المنشودة وكنت أتجول فيه كما يتجول عاشق للزهور في حدائق غناء، فلا أعتبر تعب تلك السنين سوى سفر لسياحة في مجاهل العقول وقد سبحت في عوالم المكتبات والمنصات الرقمية وفي كل منصة آخذ دش في سبيل كمية من الأفكار، فعل يعتبر خوضِ هذا تعباً أم هو راحة تامة وإستجمام وجبروت لفرح بلا نهاية.....

- هل تعتقد أن النظرية الذرائعية ستمتد وتنتشر في العراق والعالم العربي وتكون منهجا ادبيا علميا للنقد الحديث؟

* هذا ليس إعتقاد وإنما حقيقة دامغة مؤكدة تعيشها أنت معي والنخبة من العقول الراقية فرقي العقول يتأتى بالعلم والمعرفة ....

- امنية تود ان تتحقق في عالم النقد العلمي للادب الحديث؟

* أن نثق بأنفسنا نحن العرب ونعرف أن أصل العلوم وجذورها نشأ ت منا وليس من( الخواجة) التي صارت عقدة نفسية عند البعض فهم يكرهون الغرب لكنهم يعبدون قوله وفعلة لذلك إستفحلت عقدة الخواجة وصارت عقدة مرضية فينا ، فنحن نكرههم من جهة ، ونعتقد بأن لا شيء جديد يظهر إلا منهم في الأخرى....

الاستاذ الفاضل عبد الرزاق الغالبي شكرا لك

شكرا لك أتمنى أن لا أكون ثقيلاً عليكم....

***

حاوره: عبد الجبار الحمدي – أديب عراقي

 

 

حسن السالميبداية ماذا تقول عن حسن سالمي ساردا تونسيّا؟

* قبل كلّ شيء أقدّم لك جزيل شكري أديبنا السّامق عبد الله المتّقي على هذه المصافحة. وجوابا عن سؤالك أقول حسن سالمي هو أديبٌ تونسيٌّ ولد ببلاد الجريد سنة 1971. تفتّحت قريحته منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، واختار ان يراكم تجربته في الظّل إلى حدود ربيع سنة 2014 حيث أصدر مجموعة قصصيّةً بعنوان "التيه" ثمّ انهمر الغيث فأصدر رواية "البدايات"، ثمّ "زغدة"، مجموعة قصصية، ثمّ "الإشارات"، دراسات نقديّة. ثمّ "الدماء لا تنبت القمح"، قصص قصيرة جدّا. ثمّ "مأدبة للغبار" قصص قصيرة جدّا. ثمّ "الطّيف" رواية متحصّلة على جائزة توفيق بكّار للرّواية العربيّة. ثم "غوانتانامو" رواية صدرت خلال شهر فيفري 2022. وله تحت الطّبع: "أنا وظلّي" قصص قصيرة جدّا تحصّلت على جائزة فاطمة بن محمود للقصّة القصيرة جدّا نظّمتها مجلّة أوراق مبعثرة. ورواية "المحاق" في جزئين، فضلا عن مخطوطات أخرى في القصّة القصيرة جدّا والقصّة القصيرة والرّواية للنّاشئة تنتظر فرصة الخروج إلى النّور.

من أين تشكّل عالمك القصصيّ والرّوائيّ، وما دور البيئة المحيطة بك في ذلك؟

* ما من تجربة إبداعيّة إلّا وتكون قادحتها الأولى هي الموهبة. شيء نجده فينا دون أن نختاره، وقد تسبقه ارهاصات متقاربة أو متباعدة في الزّمن تبشّر بحالة إبداعيّة قادمة. وشخصيّا حين أعود بالذّاكرة ألمس تلك الارهاصات في الطّفولة الأولى، حيث كان الخيال وثّابا والذّهن الغضُّ الطريّ ميّال إلى عالم الأحلام والسّحر، تارة أجده (أي الخيال) في ما وقع بين يديّ من حكايا وكتب وأفلام ونحوها، وتارة أجده ينبع من ذاتي فإذا رغباتي الدّفينة تتحوّل الى أحلام في اليقظة أصنع منها ما أشتهي وأشاء. حتّى إذا مرّ الوقت ودون الخضوع إلى منهج واضح أو عناية خاصّة أفصحت تلك الموهبة عن نفسها واتّخذت شكلها ضمن عالم السرد ومحيطه الواسع، وطبعا هذا الإفصاح لا يكون إلّا بعد رحلة طويلة مع الكتب ومع كلّ ما يمتّ الى الثّقافة والمعرفة بصلة. وقبل ذلك وبعده التّجربة الشخصيّة مع الحياة ثمّ تجارب الأقربين ثُمّ وثُمّ... أمّا بالنّسبة إلى الشّطر الثّاني من سؤالك فلا شكّ في أنّ البيئة المحيطة هي الحاضنة الأولى لتلك الموهبة. فما تشكل في وجداننا ومشاعرنا وأذهاننا من ذخائر لا سيما في فترة التّلقّي الأولى هي التي تطبع الحالة الإبداعية وتظل النّبع الذي نعود اليه سواء وعينا بذلك أم لم نعِ. وهذه العمليّة ليس بالضّرورة أن تكون خاضعة للقصديّة والخطط المسبقة، إذ البيئات العربيّة في عمومها لا تعتني عناية مباشرة بالمواهب وإن ظهرت ارهاصاتها باكرا، ولا تخضعها إلى برامج علميّة تفجّر فيها أقصى ما يمكن من طاقة. إنّما عمليّة التفاعل تلك تأتي في سياقات عشوائيّة بغير خيوط ناظمة في الظّاهر، ولكنّها تلتقي على أمر قد قُدِر فيكون الابداع بشطآنه البعيدة وأسراره التي لا تنتهي.

أنت كاتب متعدّد، روائي وقاص وامض وكاتب مقالة، فأين تبني خيمتك وتستريح؟

* أعتبر الرواية والقصّة القصيرة والقصّة القصيرة جدّا، وأدب الناشئة والمقالة والدّراسات النقديّة غرفا متعدّدة لبيت واحد، تفضي بعضها الى بعض ضمن فضاء واحد هو فضاء السّرد، ويمكن أن تنفتح كلّ غرفة على ما يناسبها من العالم الخارجي. لكنّها تظلّ مرتبطة بأخواتها على نحو ما. والذي يحدّد استراحتك فيها هي حاجتك إليها في وقت معيّن. وهذه الحاجة تحدّدها الفكرة والقضيّة والرّسالة التي تشتغل عليها، فتدرك بحدسك الإبداعي أنّ الإفصاح عنها يكون حصرا بواسطة هذا الجنس الأدبي وليس بذاك. والأديب هو أشبه ما يكون بالطّاهي المحترف لا يجوز له أن يلقي كلّ ما في مطبخه في قِدر واحدٍ ودفعة واحدة. وإلّا كانت الوجبة التي سيقدّمها سيّئة للغاية على مستوى الطّعم والذّوق معا... وملخّص القول كلّ جنس من تلك الاجناس السرديّة التي ذكرت، هي محطّات استراحة بالنسبة لي تحدّدها الحاجة منها.

تجربتك في القصة القصيرة جدا حقّقت فرادتها تونسيا وعربيّا. كيف استطعت تشييد هذا المختبر القصصي؟

* بادئ ذي بدء دعني أعترف بأنّ القصّة القصيرة جدّا هي أصعب جنس ابداعي كتبت فيه. وتبين لي هذا لمّا نزلت من سماوات التّنظير إلى أرض التّطبيق. حتّى أنّه أتى عليَّ حين غشِيني منها اليأس فأوشكت أن انفض يدي من كتابتها!  ومردّ ذلك كما أزعم يعود الى وعيي الشقيّ بها!  ذلك أنني كنت وما زلت أعتقد أنّ القصّة القصيرة جدّا هي عالم في نقطة، وبحر في قدح. والمعادلة كيف لي أن اجمع بين هذين النّقيضين دون الخروج عن نظم القصّة ونواميسها؟ وكيف لي أن أخالف السّائد وأصنع بصمة تميّزني في هذا البحر المتلاطم من القصص القصيرة جدّا؟

وعليه فلقد حاولت المحافظة على هويّة القصّ دون تماه مع أجناس إبداعيّة أخرى. ذلك أنّ القصّة القصيرة جدّا تقع في خطّ التماس مع قصيدة النّثر والشّعر عموما فضلا عن القصّة القصيرة والطُرفة والنّكتة والخبر واللقطة وما إلى ذلك من طرائق التّعبير...  القصّة القصيرة جدّا تستوعب ذلك كلَّه وتقترب منه في حذر شديد دون أن تكون أيّ أحدٍ منها في النّهاية... لم أعدم المحاولة من جهة ثانية من استيعاب الجانب النّظريّ في كتابة القصّة القصيرة جدّا واختلافي معه أحيانا حتّى أثبت أنّ احتمالات كتابة هذا الجنس الصّعب دائما تظلّ مفتوحة وهو لا يمكن أن يتجمّد داخل أطر معيّنة أو في قوالب جاهزة مهما كانت النظريّة التي تقف وراءه... من جهة ثالثة داومت الاشتغال على إحداث التنوّع في دوائر مختلفة. مثل دائرة القضايا الحارقة التي تهمّ النّاس وتعبّر عن مشاغلهم. وهذه القضايا تتوزّع على الاجتماعي والسياسي والقيمي والنّفسي والفلسفي. الخ... الخ... كذلك اشتغالي على تنوّع الفضاء في النّصوص كذا الشّخوص والاقتراب من تناقضات الحياة في مجتمعنا بنسبها المختلفة. فضلا عن ضرورة الاشتغال على تنوّع الأساليب ومستويات اللّغة ومحاولة استثمار تقنيات الرّواية والقصّة والسيناريو والمسرح واستدعائها إلى القصّة القصيرة جدّا.

عناوينك القصصيّة والروائيّة مخاتلة ومثيرة للتّأويل والاحتمال، وميّالة للمواجهة والصّدام. ما القصّة؟

* أشكرك على إثارة هذه النّقطة فملاحظتك في محلّها تماما... والسّرّ يعود الى اعتقادي الجازم بأنّ العنوان لا يقلّ أهميّة على تخوم النّص. ليس لأنّه العتبة الأولى التي تعترض القارئ وعليها المعوّل في جذبه فحسب، ولا لأنّه فقط يمنح هويّة مخصوصة للأعمال فتعرف به وتميّزها من غيرها، بل لأنّه أيضا حمّالُ جمالٍ كان ومازال قبلةً للفنّ وهدفا من أهدافه.  ومبعث جمال العنوان يأتي من تلك المنطقة السّاحرة المثيرة للغموض والسّؤال والمستفزّة لخيال المتلقّي ومشاعره، والتي تحيله في نفس الوقت على زبدة النّص دون تهويل أو مبالغة...  والحقّ أنّ العنوان يأخذ منّي وقتا للتّفكير أكثر الأحيان. وأظلّ حتىّ اللّحظة الأخيرة متهيّبا منه، وأحيانا أجعل له بدائل عديدة لأتخيّر منها ما هو مناسب بعد وقت... يعجبني عنوان ما ثم لا يلبث ان يخبو سحره في نفسي فأبحث عن غيره. وهكذا أظلّ على قلق...

ما حكاية هذا التحول من النّزعة القصصيّة الموجزة إلى النّزعة الروائيّة الشّاسعة والمتشعّبة؟

* الصحيح ان نعكس السؤال. ما حكاية التحوّل من النّزعة الروائيّة الشّاسعة الى النّزعة القصصية الموجزة؟ وذلك ببساطة لأنّ النّص الموجز ظهر مؤخّرا في حياتي الإبداعية (سنة2017 فقط) وكنت قبل هذا التاريخ أحاول السباحة في محيطات الرواية وبحور القصة القصيرة. كما أسلفت انطلقت تجربتي مع السّرد منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، ممّا جعل تحت يدي كمًّا من التّجارب الروائيّة والقصصيّة نبتت في الظّل بعيدا عن الضّوء والضّجيج. منها ما اكتمل ومنها ما لا يزال منقوصا، ومنها ما يصلح للنشر ومنها ما لا يصلح. هذا فضلا عن الاعمال التي سبق أن عرّفت بها في مطلع حوارنا. ما أريد قوله ابتدأت مع النّفَسِ الطّويل في السّرد أوّلا، ثمّ وجدتني أجرب كتابة القصّة القصيرة جدّا. مدفوعا إليها من اعتبارات ثلاثة، أوّلا لأنّها جنسٌ سرديٌّ وعليَّ كساردٍ أن أخوض غماره وأركب المغامرة فيه بقطع النظر عن النتائج، دون الاكتفاء بالنّظر اليه من بعيد. وقديما قالوا ليس الخبر كالعيان. الاعتبار الثّاني، محاولتي الوصول الى القارئ في العالم الأزرق وافساح مكان لتجربتي في عالم الأنترنيت. خصوصا بعد أن بدأ الكتاب الورقي يمرّ بظروف صعبة حالت دون وصوله إلى القارئ من جهة ولانكماش طبقة هذا الأخير من جهة ثانية. وطبعا أنسب جنس للحضور في العالم الجديد هو النّص الوامض، والنّص القصير جدّا... أمّا الاعتبار الثّالث فيعود إلى القصّة القصيرة جدّا في ذاتها. ذلك أنّها رغم صعوبة مراسها وقدرتها على الزجّ بكاتبها في محرقة الأعصاب والصّداع تمنحه خمرةً ما. لذّةً ما. تكشف فيه طاقةً ما مختبئة في أعماق أعماقه...

حصلت على جائزتين عربيتين، في الرّواية والقصّة القصيرة جدّا، فما الذي منحك هذا الاستحقاق؟ وهل التفت إليك النقد؟

* هذا أصعب أسئلتك على الاطلاق خصوصا جزأه الأول. وأراه مخاتلا نوعا ما. ذلك أنّه يحيلني على تقييم نفسي بنفسي على الملأ، وهذا أصعب ما في الأمر. والاسترسال في الإجابة عنه ربما يزلق بي في دائرة العجب والغرور وهذا لعمري مرض أخشاه وأتجنّبه ما استطعت الى ذلك سبيلا.  وأدنى ما يمكنني قوله أنّ الصّدق مع النّص أوّل بوّابات النّجاح. والصّدق يقتضي الاعداد الجيّد وبذل الجهد. وتوطيد العزم على البحث عن الجمال والمختلف والأرض غير الموطوءة. أمّا القسم الثّاني من سؤالك يمكنني القول بأنّ النقد التفت اليّ ربع التفاتة فحسب! وهذا الرّبع شكّلتها قراءات عاشقة في الغالب، تلقي الضّوء على مواطن الجمال من وجهة نظر كُتّابها. لكنّها لا تشاكس ابداعاتي ولا تنصب لها المرايا لأرى فيها ظلا غفلتُ عنه أو نورا صنعتُه دون الانتباه إليه. أما النّقد الأكاديمي وعليه المعوّل فلم أنل شرفه بعد؟ ولك أن تسألني لماذا؟

أكبر الأسباب هو تعثّر وصول كتبي الى القارئ والنّاقد لخمولٍ في التّوزيع، ولتخلّي دور النّشر عن واجبها، مكتفيةً أكثر الأحيان بمنحة وزارة الثّقافة ثمّ الغبار والنّسيان بعد ذلك ولا تبالي. سبب آخر يتعلّق بالوضع الذي آل اليه النّقد في مجتمع الثقافة العربي عموما، ليس فقط على مستوى الانكماش والضّمور والتّكاسل، وإنّما أيضا يتعلّق بالجانب الأخلاقي. لقد أفسدَ النّقدَ في وطننا الكبير منطقُ الشلاليةِ وكسبُ المصالحِ الآنيةِ الضيّقةِ وتبادلُ المنافع. دون اعتبار للنّصوص الإبداعية في ذاتها. وشخصيّا أبغض هذا الطريق وأكره المشي فيه مكتفيا بصومعتي، معوّلا على الزّمن...

* يرى لويس ماتيو دييس أنّ " القصّة القصيرة جدّا هي الانطلاق من نقطة صغيرة إلى أخرى جد كبيرة."  ما تعليقك؟

هذه الكلمة عميقة جدّا ومخاتلة وحمّالة أوجه. وأوّل ما يتبادر إلى ذهني منها هو التّالي: سرٌّ ما يربط بين دقائق الطّبيعة والكون والحياة وإن بدت لنا متنافرة متناقضة من الوهلة الأولى. وهذا السّر ينتقل بشكل أو آخر الى الانسان ولا ينحصر فقط على بعده المادي، بل يتجاوزه الى تلك الشطآن التي تقع وراء ضفافه.  وأحد تلك الشطآن: شاطئ الابداع، ولو دقّقنا النّظر فإنّ هذا السّاحر الكبير واللّغز المحيرّ -وأعني به الابداع-يخضع على نحو ما إلى تلك القوانين.  من ذلك أنّ هذا الكون الشاسع الثّري المدهش وما يحويه من عجائب الأحجام والأشكال والألوان والرّوائح والطُّعوم وما لا يقع تحت حصر، انطلق من نقطة صغيرة جدّا كما تقول نظريّة الانفجار العظيم. كل تلك الاسرار والعجائب تكمن في نقطة قد لا تقوى العين على رؤيتها.  أليس هذا مدهشا وعجيبا؟ إنّنا بوعيٍ او من دون وعي نعيد تشكيل كوننا الابداعي على مثال الكون الذي ولدنا فيه. وقد يتوهّم بعضنا أنّه خالف المألوف مطلقا وخلق خلقا على غير مثال سابق، وهو في حقيقته لم يخرج عن دائرة الخلق الأولى، بل أثبت من حيث أراد النّفي أنّه من تجلّيات قوّة أكبر منه سرّبت إليه شيئا من روحها فكان تجلّيا من تجلّياتها. إذن هذا هو الأصل والسّر الأول الذي يجعل خلق النّقطة القابلة للانفجار والذّهاب في كل اتجاه هي أرقي درجةٍ في سلّم الابداع... أليس هذا دليلا آخر على أنّ القصّة القصيرة جدّا من أصعب الفنون على الاطلاق، باعتبارها النّقطة التي ينبغي أن تحمل في صميمها السّماوات والأرض وما بينهما. ولا يفوتني قبل أن انهي الإجابة عن هذا السّؤال الشيّق أن أنبّه بأنّ الحركة التي أشار اليها "ماتيو دييس". تخصّ قارئ القصّة القصيرة جدّا دون سواه ولا يمكن تعميمها كقاعدة عامّة. ذلك أنّ الحركة التي يقوم بها المبدع الوامض هي حركة عكسيّة تماما... ينطلق من الكبير المتشظّي إلى الصّغير اللّامتناهي. عالم في نقطة، وبحر في قدح!

هل من نميمة بيضاء وباقتضاب عن نصّك الرّوائي الأخير غوانتانامو؟

* مناخ الرواية عموما يدور بين الاهداء والتصدير اللّذين جاءا فيهما: "إلى من ناوشتهم سياط العذاب ظلما. إلى كل إنسان حرّ." أمّا التّصدير فلشيخ المناضلين نيلسون منديلا: "ليس حُرًّا من يُهان أمامه انسان ولا يشعر بالإهانة." ولقارئ الحوار أن يربط ذلك بالعنوان ويترك خياله يرحل الى هناك.

كلمة أخيرة سي حسن.

* أجدّد لك شكري المبدع الكبير عبد الله المتّقي. كان الحوار معك ممتعا للغاية. أفسحت لي المجال كي أتنفّس برئة جديدة. ما لا يستطيع المبدع قوله في نصوصه باعتباره محكوما بقوانينها، يقوله في الحوار بلا مواربة، بعيدا عن مساحيق الفنّ ومراوغاته. أسئلتك كانت ذكيّة جدّا ودقيقة. إنّها لم تخرج عن قوانين الأدب الوامض. كلمات موجزة تخفي وراءها كثيرا من المعنى. أحسن الله اليك.

***

حاوره: عبد الله المتقي

 

الصفحة 3 من 5

في المثقف اليوم