حوارات عامة
راضي المترفي يحاور فوز حمزة القاصة العراقية التي استبدلت صوفيا ببغداد
فوز حمزة
نورس عراقي يمم أجنحته صوب أوربا الشرقية في زمن المواجع والمحن واتخذ من ملاذ الجواهري ويساريو العراق في أيام محنتهم ومطاردة حكومات البعث لهم سكنا وبنتْ عشها هناك ومن صوفيا تحديدا يصلنا خفق روحها شوقا وقصصا وحنينا للعراق وكلما فاض حنينها كلما هطلت علينا أمطارها قصصا قصيرة مؤطرة بالحب والجمال والحنين للعراق وها أنا اجاذبها الحديث عن العراق والغربة وصوفيا وقصصها التي تزين المنشورات وضفاف النت وصفحات الجرائد والمجلات ..
- اسمك يسعى له الجميع في كل مايعملون فمن أسماك فوز؟
* قبل أن أجيب عن هذا السؤال أحب أن أقول أنا لم استبدل بغداد بصوفيا، بل استبدلت الخوف بالأمان، الموت مقابل الحياة، استبدلت استقرار العائلة التي كانت مهددة. إنها الظروف التي تجبرنا على صنع مستقبل جديد في بقعة أخرى من الأرض عجزت بلادنا عن توفيره لنا. أما عن اختيار اسمي، أعتقد أنه القدر وأنا آمن به.
- من أين أقص أثرك؟
* ستكون رحلتك طويلة إن بدأت في تقصي أثري، لكن أستطيع القول بإمكانك اختزال كل الرحلة في كتاباتي، ستجد في كل نص لي جزء مني ربما هو غير مرئي أو يكتنفه الغموض لكنه موجود.
- حدثيني عن رحلة التغرب؟
* سأحدثك عن رحلة لم تنتهي بعد. رحلة دفعت ثمن غال لها وما زلتُ مستمرة بالدفع وأخشى أنني قد أكون فقدت تذكرة العودة. لكن لو طلبت مني تسمية هذه الرحلة سأقول لك أنها رحلة اكتشاف الذات أو الأصح العثور عليها. في هذه البلاد عرفت كيف أن المرأة لا تدافع عن وجودها أو حريتها، بل تكفلت بذلك القوانين والأنظمة المؤمنة بذلك وتعاملها بما يليق بها وبما يحفظ لها كرامتها.
- ماذا تعني لك القصة القصيرة .. ترف .. هم .. طريقة هروب من الواقع .. أو نافذة للتواصل مع الآخرين؟
* مصطلح ترف فيه ظلم كبير لهذا الجنس الأدبي الرفيع بالإضافة إلى أن الكتابة عموما لم تكن يوما ما ترفا، بل العكس تماما، الكتابة استحضار للألم والوجع ، نبش في ذاكرتنا وعواطفنا التي نسخرها لتقوم بتجسيد مشهد مماثل قد مررنا به لنسقطه على الورق. كما يقول ستانسلافسكي إنها لو السحرية. الكتابة هي تجربة قد اختبرت آلام الولادة آلاف المرات لتصبح من خلال هذه التجربة جاهزة للتعبير عن ذلك من خلال الكلمات والمعاني وتبني للكاتب نافذة عريضة للتواصل مع الآخرين.
- متى يحكم القاص سيطرته على بطل قصته؟ ومتى يكون القاص يركض خلف بطله؟
* إذا أراد الكاتب إحكام سيطرته على أبطال قصصه، عليه أن يختار الجلوس بعيدا عنهم ومراقبتهم دون أن يحشر نفسه بينهم ، يترك لهم مساحة من الحرية يمارسوا في هذه الساحة حقهم المشروع في التعبير عن مكنوناتهم دون خوف دون انتظار العقاب، بهذه الطريقة يحكم السيطرة عليهم ، في النهاية العملية لست سهلة وتحتاج إلى دراية ودربة. أما إذا كان القاص ممن يحبون الاستعراض بكل أنواعه، فإنه بذلك سيفقد الخيوط التي تحرك أبطاله ويبدا في الركض خلفهم لكن دون جدوى.
- لماذا اخترت صوفيا منفى؟
* أنا مؤمنة بالمقولة التي تؤكد أن للأماكن أرواح كما البشر، كي تشعر بالراحة والألفة والأمان أختر ما يتناسب مع روحك وهكذا فعلت. صوفيا تشبهني كثيرا، بسيطة، مسالمة، تنشد السلام والسكينة.
- ماهي أوجه الشبه بين صوفيا وبغداد؟
* إذا كان هناك ثمة شبه بين الصخب والهدوء أو بين الحرية والقيود بين الحرب والسلام سيكون هناك شبه بين المدينتين.
- ما هي ذكرياتك عن ايام الدراسة في كلية الفنون؟
* كلية الفنون الجميلة مثل أي مكان في العالم تتواجد فيه، تتشكل فيه ذكريات جميلة وأخرى مؤلمة لكنها في النهاية ستمدك بتجربة ضرورية لفهم الحياة والناس، في العموم ذكرياتي فيها أغلبها سعيد ومفرح.
- من تشبهك من النساء؟
* سؤال غريب حقا ومستفز، فأنا أحيانا استيقظ صباحا لأجد امرأة أخرى في فراشي لا تشبهني، وحينما استذكر فوز قبل سنوات كأني استحضر امرأة غريبة عني. أنا لا أشبه نفسي فكيف بامرأة آخرى؟
- كيف يقع الإنسان في الحب؟
.الإنسان لا يقع في الحب، الحب ذو منزلة عالية لهذا هو يرتفع بالمحبين عاليا. أما إذا كنت تقصد كيف يعثر الإنسان على الحب فأقول لك: إن الحب هو من يتولى الأمر، هو من سيبحث عنه وهذا يحدث حينما تكون لاهيا عنه ومشغولا بأشياء أخرى.
.ماهي أجمل لحظة في حياتك؟
* لم تأتِ بعد هذه اللحظة، لكن أستطيع القول أن وجود كتاب في يدي مع فنجان قهوة أمامي قد تجعل من اللحظات جميلة لكن لأجل مسمى.
- لمن حنينك في الغربة؟
* أحن لأشياء كثيرة بعضها غير منطقي مثل شاي العصر في بيتي في بغداد والتسكع مع جاراتي. أحن لكتبي التي بعتها قبل أن أسافر، أحن إلى المتنبي وأجوائه التي تشعرك كأنك في عالم خاص ، والقائمة تطول. باختصار أنا في حالة حنين دائم لكل شيء في وطني.
- هل لازالت صوفيا ذات وشاح أحمر؟
* صوفيا تتلون بلون كل فصل، لكن وشاحها الأحمر كان إعلان ولادة لمولودي البكر، مجموعتي القصصية الأولى الوشاح الأحمر.
- متى تكتمل أناقة المرأة؟
* بطريقة حديثها ونبرة صوتها، طرحها للأمور وكيفية معالجتها، تكتمل أناقة المرأة حينما تختلف معك وتظل تحمل لك مشاعر الود والاحترام. أما ثقتها بنفسها وإيمانها بوجودها النابع من وجود الكون فهو التاج المرصع الذي يزين أناقتها.
- هل تخفي شمس ابتسامتك الدائمة ركام غيوم في نفسك؟
* نعم. غيوم كثيرة تجمعت على مر السنين وأحاول بشمس ابتسامتي كما تقول ابدد تلك الغيوم ليهطل المطر وتزهر الأشجار.
- هل قصصك رسائل ولمن توجهينها؟
* نعم إنها رسائل، بعضها يحمل في طياته وبين سطوره معاني للجمال وللحياة، أجعل منها مرآة لكل شيء يعزز من قيم الجمال والنبل والبعض الآخر تكون كيد الطبيب حينما يضعها على عضو في الجسم يعاني الاختلال والاضطراب، بدون هذه اليد لن تعرف موضع المرض ولن تستطيع في النهاية إيجاد العلاج له.
- كيف تولد القصة عندك؟
* لايوجد وقت أو زمان محدد لولادتها، قد تولد على إشارة المرور أو وأنا أتبضع أو من خلال كتاب أقرأه وربما من حديث عابر، حينها أقطع حبلها السري وأضعها على الورق بين السطور .
- ماذا تجيدين من الفنون غير القصة والرسم والشعر؟
* بالمناسبة، أنا لا أجيد الرسم، ظن بعض الأصدقاء أنني أفعل ذلك حينما وجدوا أنني أختار لوحة مناسبة لموضوع القصة كتعزيز للفكرة التي كتبتها. أما عن سؤالك ماذا أجيد من الفنون غير القصة والشعر، لا أجيد غيرهما.
- هل النشر في الصحف يعتمد العلاقات الشخصية أو الإبداع يفرض نفسه؟
* ربما الاثنان معا ولا بأس في ذلك حتى وإن كان النشر معتمدا على العلاقات الشخصية، في النهاية لا يصح إلا الصحيح وسيطرد الإبداع والجودة كل دخيل.
- اين تضعين نفسك بين كاتبات القصة في العراق؟
* لا أضع نفسي في أي مكان ولم يشغلني هذا الأمر بتاتا، لأني على يقين أننا - أي الكاتبات – في النهاية نقدم شيئا مختلفا، نحن كأشجار الحديقة مختلفات في عطائنا لكن في النهاية نمنح الطبيعة لوحة جميلة وجديدة.
- ماذا يعني لك الفوز في المسابقات؟
* يعني أنني على الطريق الصحيح، فالنصوص التي تفوز قد مرت على لجان تحكيم ومختصين وجدوا فيها ما يستحق الفوز أما على الصعيد الأوسع، فكل فوز هو للعراق ولفوز الإنسانة.
- هل تجيدين الرقص تحت المطر؟
* نعم أجيد الرقص تحت المطر لأني حينها أتوحد مع هذا الكون الفسيح لنصبح شيئا واحدا، أرقص مع المطر لأولد من جديد، المطر ملهمي.
لمن تغنين ومتى؟
* لا أسمح لنفسي بالغناء، فذلك تطاول على من يمتلكون تلك الموهبة، لهذا أنا استمتع بالإصغاء وأسمح للأنغام في حملي ولو لوقت قصير بعيدا عن هذا العالم.
- هل أنت محظوظة؟
* لا أعتقد، إذا اعتمدت على معنى الحظ فأنا لست كذلك، كي تصنف نفسك من المحظوظين يجب أن يتهيأ لك كل شيء في الحياة وأنا لست من هؤلاء، فكل شيء حصلت عليه دفعت ثمنه غاليا جدا.
- متى يكون المرء قادرا على كسر الاعتياد؟
* حينما يمتلك الجرأة الكافية والتحلي بالشجاعة و أمتلاكه للحرية والتي هي أهم العقبات التي تقف بوجه التجديد وكسر المألوف، والأهم من كل هذا وذاك هو شعور المرء بأنه يعيش الاعتياد، فبعض الناس تآلف الاعتياد حتى يصبح جزء من شخصياتهم لهذا يمضي في طريقه دون أن يخطر على باله كسر أي شيء.
- أنت فوز لمن؟
* لكل من عرفني ونال احترامي، أنا فوز لمن امنحه حبي ومحبتي، أنا فوز حتى لأعدائي لأنني لو اضطررت لمحاربتهم فسأحارب بنبل وشرف، في النهاية أنا فوز لنفسي التي تعبت معي وصبرت عليّ.
- هل تحبين الشتاء؟
* كان عشقي عندما كنت في بغداد، التفاف العائلة حول الموقد والدفء الذي يغذي أرواحنا قبل أجسادنا، صورة احتفظت بها في ذاكرتي، قد تستغرب لو أخبرتك أن شتاء بغداد هو أجمل شتاء على وجه الأرض، أما الآن وهنا في صوفيا وفي درجة حرارة تحت الصفر بعشرين يتجمد الحب ويتصقع. الشتاء في صوفيا قاس جدا لهذا علمني الحزن ومنحني شيئا من الملل.
- ماهي حدود النرجسية؟
* النرجسية لا تملك حدودا لنفسها، بل أنت من عليك أن ترسم حدودها وتغلق عليها الأبواب والنوافذ، النرجسية مرض نفسي خطير وتكمن خطورته على الآخرين وليس على النرجسي نفسه.
- هل تعشقين الورود؟
* وكيف لا أعشق من كانت مخلصة للطبيعة الأم فالورود لم تغير صفاتها منذ الأزل، كأنها أبرمت عهد وفاء بينها وبين الكون الفسيح على أن تحافظ على كل شيء جميل فيها ولتكون رسل محبة بين البشر تغفر خطاياهم وتستبدلها بعبيرها الأخاذ وألوانها التي تحول البؤس إلى فرح واليأس أمل وسعادة.
بماذا يختلف مطبخ البيت عن مطبخ القصة القصيرة؟
- الاثنان يصنعان مادة للحياة، لكن إحداهما تغذي المعدة ليستمر الإنسان في المسير والأخرى تغذي الفكر ليستمر الوجود، فالإنسان كان وما زال تشده قوتان، واحدة للأعلى والأخرى للأدنى-
* تحيين لأجل من؟
- لأجل الحياة نفسها، الحياة رائعة الجمال وكل يوم نحياه فيها هو مكسب بذاته، اما الباقي فهو تحصيل حاصل.
* هل الكتابة ميزة لصالح المرأة؟
- في رأيي، يختلف جواب هذا السؤال من مكان لآخر، بعض الأمكنة تصبح كتابات المرأة عيبا وعبئا عليها، مثلا في مجتمع ينظر للمرأة نظرة دونية سيكون الثمن غال، قد يكلفها حياتها الاجتماعية والأسرية أو ينال من سمعتها لأنها أصبحت تحت الأضواء، لكن في مجتمع يدرك أن المرأة هي نصف المجتمع الذي يلد نصفه الآخر أكيد ستكون الكتابة إضافة مهمة للكاتبة نفسها، سيمنحها وساما للتميز والتفرد.
- كم مجموعة قصصية صدرت لك؟
* لدي أربع مجموعات قصصية صدرت عن دور نشر مختلفة، أسماءها على الترتيب: الوشاح الأحمر، مذكرات زوجة ميتة، مذكرات امرأة في سلة المهملات، صباح كهرماني.
- وأخيرا، هل أنت راضية عن نفسك؟
* لو لم أكن راضية عنها لما سمحت لي بالكتابة، لما ساعدتني لأكون من أنا، لكن لقد تعلمت التصالح معها ومنحتها الحب الذي تستحقه، فالحب الذي تمنحه لنفسك يعود لك بأشكال مختلفة وصور متعددة.
في نهاية هذا اللقاء أقول: أنا ورمضان أشكر الأستاذ راضي المترفي لإنه تذكر فوز حمزة.
***
حاورها: راضي المترفي