حوارات عامة
راضي المترفي يحاور الفنان التشكيلي معراج فارس
معراج فارس الذي رسم مفاتن الأنثى ليظهر قداستها
- نشأت في عتمة الفقد للحنان
- اجالس النهر واتأمل النوارس
- دخلت السينما لأول مرة خائفا مرعوبا
- اجسد الأنثى في أعمالي مفتونة ترفل بالجمال
- الحب طاغية لذيذ السياط لا يمكن لمخلوق تجاوزه
***
مجنون كبير متطرف في الفرح وقاسي في حزنه لكن فرحه وحزنه مثل غيمات صيف عابره إذ يفاجؤك وهو في قمة الفرح بدموع تغطي مبسما لازال ضاحكا او تظهر من تحت امطار الدموع الحزينة شمس ضحكته المشرقة لكن هذا الحزن والفرح لا يظهر على ملامحه الا عندما يكون متعبدا او متأملا في حضرة لوحة فنية ولا يهم ان كان هو مبدعها او غيره واليوم انا اقحمت نفسي في عالم هذا الفنان الذي يختلط في روحه الحزن بالفرح
* من اسماك معراج والمعراج مسار متعب بين الواقع والخيال ولماذا؟
1- لا من معراج ومن أسماني به، ولدت وبعد سنة غادرت والدتي الدنيا ولا أتذكر شكلها، فنشأت في عتمة الفقد للحنان مشاكسا غريب الأطوار ذكيا عمليا تنبض في ملامح البحث وكثرة الأسئلة .أجالس النهر وأتأمل النوارس والطيور التي تصطاد صغار السمك واعبث في الطين الحري الذي أصنع منه مصغرات حيوانية وآدمية وأبني لها الأكواخ يرافقني كلبنا الوفي في ذلك الريف المخضر والماء الوفير المجاور لمدينة السماوة وفي عام 1960 بعد بلوغي الست سنوات نقلت الى مركز المدينة واختلفت علي الأمور ومررت بأيام صعبة وسط بيئة تختلف عشت في بيت أخي وكان ذو ثقافة عالية منهمك في قراءة الكتب والصحف المتوفرة آنذاك ويصطحبني معه في جلساته في المقاهي مع أصحابه وأستمع الى نقاشاتهم وجدلهم في أمور السياسة والثقافة العامة ولا أفهم منها شيء ثم أول مرة أدخل سينما الشعب الوحيدة في السماوة خائفا مرعوبا وفي يوما ما دخلت معه الى مكتبة لشراء صحيفة رأيت فيها أقلام ملونه في علبة صغيرة وطلبتها ثم أشترى لي دفتر رسم صغير وقال أرسم بها بدل ملاعيب الطين، فرحت بذلك وبدأت حكايتي مع اللون وبعد مرور سنة دخلت المدرسة، في الأول ابتدائي كان المعلم رساما ماهرا يرسم مادة الدرس على السبورة بالطباشير الملون وبدوري أنقل خطوات رسمه ومعي علبة الأقلام الملونة حتى يكمل حينها أنبهر بي وقدمني الى مدير المدرسة وكرمني بقلم رصاص وشجعني على ذلك مع الرعاية بي.. ومنها انطلقت الى ما عليه الآن.
* من غرس فيك بذرة الخيال ومن غمسك بالألوان؟
2- عندما أجلس أمام اللوحة البيضاء يتزاحم في الضجيج وردود الأفعال بعدها تبدأ الانفعالات التلقائية بدون (أسكج) ويبدأ الخيط الأول من الشفق اللوني الى أن تشمس وتكتمل جاريتي اللوحة التي نفثت فيها انفعالاتي
* هل هناك احاسيس متشابهة بين.. العابد عندما يكون في صومعته والرسام في مرسمه؟
3- العابد في صومعته يرتل طقوسه المشتركة مع الآخرين، أما الرسام يتأمل ويرتب صياغة ما هو جديد من الأحاسيس والمرموزات والهواجس المرئية وحركة المحيط الواقعية لاتكرار لها .
* كيف ترسم الأنثى بشكل عام وكيف تراها قبل الرسم وبعده؟
4- أرى في الأنثى الوطن والثورة لذا تتجسد في أعمالي مفتونة ترفل بالجمال والحرية الحزينة الباسمة والتي تحمل كل هموم المخلوقات.
* ماهي النسبة التي يحتاجها الرسام خصوصا والفنان عموما من الجنون؟
5- لا توجد نسبة للجنون وإنما الجنون مطلق لدى الرسام جنون في حبكة المضمون واخراجه شكلا ولونا، جنون في الصمت حين تبدأ تراتيل الفرشاة والرحيل الى عوالم بعيدة عن ضجيج المحيط
* ماذا يبقى في ذهن الرسام بعد الانتهاء من رسم اللوحة؟
6- اللوحة لا تنتهي... لدى الفنان القدرة على الإضافة والحذف والتجديد،، لكن هناك انتهاء العمل يرافقه التأمل والنقد الصامت لتحفيز خلايا التمرد اللحظي ثم استلقاء الجسد والصهيل لمسار آخر.
* لماذا انت شغوف بالمبالغة في رسم تناسق أعضاء المرأة في لوحاتك؟
7- لا إغراء عند رسمي لصدر المرأة، وانما هذا الجزء مقدس تغذى منه الأنسان سواء كان نبي أو تقي عالم أو جاهل، هو معبد السلام والرأفة والحنان وبدء التكوين البشري ولم تكن نظرتي له جنسية لابهار المتلقي وأثارته.
8- لماذا تمعن في اظهار البؤس في بعض لوحاتك؟
8- بدايتي مؤلمة كما أسلفت وعاصرنا جميعا الحروب ومآسيها ورافقنا الجوع والألم والركض وراء اللقمة، لذا من يجوع ويتألم ويظلم أي كائن سوى كان إنسان أو حيوان أشعر بذلك وبألم قاس.
* ماذا يعني لك الحرف الأول؟
9- للحرف الأول ذكريات أيام رحلت، عند طفولتي كنت أركض وألعب وأطفال ريفنا قرب تلال أوروك (الوركاء) حاليا قضاء تابع لمحافظة المثنى . بعدها عرفت إنها مدينة گلگامش وصديقه أنكيدو ومنها أنطلق أول حرف للعالم .
* اين تجد نفسك في فوضى انت تصنعها او نظام رسم لك لتسير عليه؟
10- الرسام تجريبي في عمله لا توجد قواعد وانما دراسته لتكنولوجيا الألوان ومهاراته في نقل الواقع المرئي ثم التحول الى الأسلوبية التي تميزه بعدها يكون حرا في اختيار أدواته وخاماته التعبيرية بعيدا عن النمطية والتقليد وإنما مؤلف .
* من الذي اتى بك إلى بغداد.. اللون ام النيون المتوهجة؟
11- أغلب الفنانين العرب يهاجرون الى بلدان فيها الفن التشكيلي مزدهر.. إنما أنا انتقلت الى بغداد في بلادي لغرض الانفتاح والدراسة بداية عام 1968، كنت في متوسطة الفجر منطقة النواب الكاظمية المدرسة التى كان المرحوم مظفر النواب مدرسا فيها . ثم نقلت للسماوة بعد حدوث مظاهرات الطلبة والاضطرابات أيام عبد الرحمن عارف ثم عدت الى بغداد لاكمال الدراسة في معهد الفنون الجميلة. ثم توظفت وكونت أسرة ولازلت في بغداد.
* هل كانت لك نخلة على ضفاف الفرات في السماوه؟
12- لدي نخلة كهلت كنت أهز جذعها يتساقط على وجهي حنانها دبقا أتعمد في عبيره وأظل في ظلها.
* بمن تتأثر اولا بالصنعة او الطبع؟
13.. لا تأثير هناك لا بالصنعة ولا بالطبع. على الفنان أن يعزز مهنته بالثقافة العامة وقراءة الكتب سوى كانت نقدية فنية أدبية وخاصة الرواية والشعر الموسيقى والفلسفة التأريخ والحضارات القديمة وكل مجالات علم الاجتماع والتنوير الإنساني لتكون لديه خلفية ثقافية وأجوبة على أسئلة لربما يفاجئ بها . أما الرسام الجاهل هذا ناقل للمرئي وليس فنان مؤلف.
* ما هو أجمل مخلوق صنعه الله؟
14- كل المخلوقات جميلة التكوين والصنعة
* من يقع في أسر من اللوحة او الفنان؟
15- الفنان صانع اللوحة ومنتجها لذا فهو يضيف ويحذف ثم يجمل ويعتق حينها هي مستسلمة وتخشاه فهي تقع في أسره حتى حين العرض.
اذا اجبت على سؤالي هذا بمنطق سأتوقف عن طرح سؤال اخر
* ما هو الحب؟
16- الحب طاغية لذيذ السياط لا يستطيع المخلوق تجاوزه. لأنه سمفونية البقاء ونغم الارتقاء واللون الذي يكحل العيون وغناء الدماغ وعطر القلوب.
وهكذا سارت خيول اسئلتي خببا في ثنايا روح الرسام معراج فارس وصولا الى خبايا كنوز الجمال فيها وعادت بصيد وفير وضعته بين ايدي عشاق الابداع
***
حوار: راضي المترفي