حوارات عامة
سهام حمّودة تحاور الفنّان التّشكيلي التّونسي عبد السّلام تكيتك
الفنّان التّشكيلي عبد السّلام تكيتك هو واحد من الأسماء الهامّة في ساحة الفن التشكيلي التّونسي. تخرّج من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، ويعمل حالياً متفقداً أول للتعليم الإعدادي والثانوي في مادة التربية التشكيلية. يتمتّع الفنّان عبد السلام تكيتك بشخصية فنية واضحة الملامح، وأعماله تعكس حرفية نادرة⸱ التقينا وكان هذا الحوار الشيق⸳
سهام حمّودة: هل تذكر أول رسمة لك؟ ماذا رسمت، وهل ما زلت تحتفظ بها؟
عبد السّلام تكيتك: لا أذكر أول عمل قمت به، لأني كنت مولعًا بالرسم منذ سنوات ما قبل الدراسة. ومثل كل الأطفال، كنت شغوفًا برسم الحيوانات، وخاصة الطيور. وكان مرجعي في ذلك المجلات والقصص التي كان يقتنيها أخي الأكبر وأختي الكبرى. ولم أكن أحتفظ بأي عمل باعتباره تمرينًا بسيطًا في نقل الصور وإعادة صياغتها⸳
سهام حمّودة: ما هي الأدوات التي كنت تستعملها في الرسم عندما كنت طفلاً؟ من كان أول مشجع لك على الرسم؟
عبد السّلام تكيتك: كانت أدواتي بسيطة وتقليدية مثل قلم الرصاص وأقلام التلوين الخشبية واللبدية، التي لم تكن من النوع الجيد. كانت هذه الأدوات متوفرة في المكتبات في الجزيرة. كما كانت المحامل بسيطة، مثل أوراق الكراس وأوراق التغليف وأوراق الرسم. تغيرت الوسائط بمرور الوقت، حيث بدأت أرسم بالحبر والقلم الجاف الأسود على الورق الأبيض بأنواعه، وذلك قبل دراسة التربية الفنية أو مادة الرسم، كما كانت تسمى في ذلك الوقت في المعهد⸳
كان مشجعي في ذلك جدي (بابا علي) رحمه الله، الذي كان يوجهني في بعض الأحيان. أذكر أنه هو من علمني رسم القارب الشراعي (الفلوكة) بطريقة هندسية سهلة، وكذلك رسم السحب والشمس. أما في المرحلة الثانوية، فقد كنت أتردد على بيت أحد أقاربي، عم خميس (المولدي زليلة)، وهو رسام عصامي وشاعر (ابن عمة أمي)، لأشاهد أعماله في الرسم الزيتي والنحت، وأتأمل طريقته في الرسم والنحت بالطين. أما المواقف داخل العائلة، فقد كانت مختلفة، حيث اعتبرت شغفي بالرسم خطرًا يهدد مسيرتي الدراسية لأنه يلهيني في بعض الأحيان عن الدراسة⸳
سهام حمّودة: ياسمين رسامة أيضًا. هل تؤمن أنها ورثت موهبتها في الرسم عنك؟ أم تعتقد أن الرسم ليس موهبة بل مهارة تكتسب؟
عبد السّلام تكيتك: ابنتي ياسمين مولعة بالرسم، وأشجعها على ممارسة هوايتها في أوقات فراغها وأوفر لها ما يلزم لذلك. وقد تطورت مهارتها بسرعة. لا أشك في أننا نتوارث الموهبة، فشقيقي الأكبر كان يتقن الرسم أيضًا. أعتقد أن كل طفل يمتلك في مرحلة من مراحل نموه ذكاءً بصريًا أو رياضيًا أو لغويًا، إما أن يتقلص بمرور الوقت أو يتطور بالممارسة والتعلم الذاتي والدراسة⸳
سهام حمّودة: هل جمال جزيرة قرقنة مصدر إلهام لرسوماتك؟
عبد السّلام تكيتك: لا أرى أن المكان الذي أعيش فيه هو مصدر إلهامي، لأني لست مغرمًا برسم الطبيعة، بل أعشق رسم الأفكار والمواقف من خلال تركيب الصور والبحث في اللون والمادة. لقد كان لفترة المراهقة تأثير كبير على اختياراتي، حيث تزامنت مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر الثمانينات وحرب الخليج في بداية التسعينات. كنت حينها تلميذًا في معهد فرحات حشاد بقرقنة، أتابع الأحداث والتحركات والأخبار في الصحف والمجلات وأتفاعل معها بالرسم⸳
سهام حمّودة: ما هي أقرب رسمة إلى قلبك؟ هل تتأثر رسوماتك بمزاجك؟
عبد السّلام تكيتك: أعتبر أن أقرب عمل إلى قلبي لم أنجزه بعد، وما زلت أبحث عنه. لا أتأثر بالمزاج بل بتوجه معين أختاره. وإذا لاحظت أن للمزاج تأثيرًا على العمل، أقطع معه لأعود إليه في وقت آخر. التوجه الذي أختاره قابل للتعديل بناءً على ما تكشفه العلاقات داخل اللوحة⸳
سهام حمّودة: هل تؤمن بأهمية الرسم كتقنية من تقنيات التعليم؟ هل تعتقد أنه يجب تدريس الرسم كمادة أساسية في المدرسة والمعهد؟ ولماذا؟
عبد السّلام تكيتك: لدي قناعة راسخة بأن فن التصوير هو ميدان تعبيري بالأساس، كاللغة والأدب. يعلمنا التصوير كيف نترجم الأفكار إلى منتج مادي محسوس قابل للقراءة والتأويل. تساهم دراسة الفنون على قاعدة سليمة في تكوين شخصية الفرد ليكون متفردًا وقادرًا على قيادة المسار الذي يختاره. يجب أن تُدرس المواد الفنية كمواد إجبارية لا اختيارية في شعبة الآداب، نظريًا وتطبيقًا، وأن تكون اختيارية لبقية الشعب. كما يجب مراجعة كل ما يتعلق بتدريسها في المدارس الإعدادية والابتدائية⸳
سهام حمّودة: ما هي المواضيع التي تهتم بطرحها في لوحاتك؟ هل تعتقد أنه يمكن للرسام أن يلعب دور الثائر الصامت من خلال لوحاته؟
عبد السّلام تكيتك: أعمل على مادية العمل بدرجة أولى، وأركز على علاقة المادة باللون للبحث في التأثيرات المتنوعة للخامة، معتمدًا على درجات لونية في أغلبها ترابية، مستخدمًا ذلك لخدمة الموضوع الذي أختاره. من بين هذه المواضيع نجد القضية الفلسطينية (موضوع العودة والاعتداءات على غزة) وكذلك المكان والذاكرة⸳
أتنقل في أغلب أعمالي بين التجريد والتشخيص، خاصة بحضور الطير والسمكة وأطياف الشخوص⸳
سهام حمّودة: هل رسوماتك موجهة للنخبة فقط؟ لأنني أرى الكثير من الرموز فيها التي تحتاج إلى تفكير وتحليل؟⸳
عبد السّلام تكيتك: لدي قناعة بأن الفن الأقرب إلى الجمهور هو الفن الذي لا يحمل خطابًا مباشرًا، وذلك بهدف إشراك المشاهد في عملية التقبل والقراءة والتأمل والتفكير والتأويل، خاصة في حضور التشابك والتداخل بين الرموز. كما أن الوظيفة الأساسية للفن لا يمكن أن تتجاوز هموم الإنسان ومشاغله وهواجسه. الفن ليس مجرد تزيين يُنجز لقاعات الجلوس والمكاتب الفاخرة. يقول بيكاسو في ذلك: "إن فن الرسم لم يوجد لتزيين الشقق، إنه أداة حرب هجومية ودفاعية ضد العدو⸳"
سهام حمّودة: الفنان الكولومبي الشهير بوتيرو ثار ضد ما هو سائد. فهل تعتقد أن نجاح الرسام يكمن في مخالفته لما هو معتاد؟
عبد السّلام تكيتك: على الفنان أن يبحث عن ذاته داخل اللوحة، ليكون متفردًا ومختلفًا ومجددًا في المواضيع والمواد والوسائط والأساليب⸳
سهام حمّودة: ما هو لونك المفضل في الرسم؟ ولماذا؟
عبد السّلام تكيتك: أعشق الألوان الترابية، وهي ألوان الطين التي يمكن أن تتفرع إلى ما لا نهاية. ألوان الطين تمثل أصل الخلق، وهي ألوان كلاسيكية⸳
سهام حمّودة: هل لك مدرستك الخاصة التي تنبع منها أفكارك عند الرسم، أم أنك تتبع مدرسة معينة؟
عبد السّلام تكيتك: لا أتابع أي مدرسة فنية، لأن الفن الراهن لا يقبل الخضوع لتيار فني محدد⸳
سهام حمّودة: ما هي أبرز المعارض التي شاركت فيها؟ وما هي اللوحة التي نالت إعجاب الكثيرين ولماذا؟
عبد السّلام تكيتك: كانت جميع مشاركاتي في معارض جماعية، وبدأت عند تخرجي من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس سنة 1997 في رواق المعهد (معرض خريجي 97). شاركت، وأنا مدرس في المعاهد الثانوية، في تأسيس جمعية آنير للفنون التشكيلية بمدنين سنة 2007، لأكون من المشاركين الدائمين في كل المعارض التي نظمتها في تونس العاصمة ومدنين وجربة حتى مارس 2021 (الصالون الأول للفنون التشكيلية بمدنين)⸳
شاركت كذلك في صالون الشابة للفنون التشكيلية بلوحة بعنوان 'العودة'، والتي نالت إعجاب العديد من الزائرين لاعتبارات عدة، منها أسلوب الإخراج والمعالجة المادية والعلاقة بين الرموز (الأرض، المرأة، الطير، والمفتاح)⸱
سهام حمّودة: هل سبق و شاركت بمعرض خارج الوطن؟ﺃين؟ كيف كانت التجربة؟
عبد السّلام تكيتك: لم أنجز حتى اليوم معرضًا فرديًا، ولم أشارك في معارض خارج الوطن. اقتنت مني الدولة (لجنة الشراءات بوزارة الشؤون الثقافية) لوحة في مارس 2021 بعنوان "في الشّرك".
Sm’art آخر أعمالي هي التي انشرها الآن في رواق محمد الفندري بالقصبة، صفاقس مع مجموعة
للفنون التشكيلية والتي انتمي إليها منذ سنة ونصف⸱
سهام حمّودة: كيف تصف نفسك كرسام؟
عبد السّلام تكيتك: أخوض تجربة الفن التشكيلي وأطمح إلى أن أكون فنانًا تشكيليًا. لست تجريديًا ولا تشخيصيًا، ولست سرياليًا ولا واقعيًا، لكنني في نفس الوقت أستدعي كل هذه التوجهات في أعمالي وأبحث عن بصمتي الخاصة من خلال التركيب والمعالجة المادية حتى تتناغم مع الموضوعات التي أختارها⸳
سهام حمّودة: ما هي الصفة التي يجب أن يتحلى بها الرسام ليكون متفردًا؟
عبد السّلام تكيتك: لكي يكون الفنان متفردًا، عليه أن يكون منفتحًا على كل التجارب المحلية والوطنية والعالمية. يجب أن يقبل النقد ويخوض المغامرة بصبر كبير ودون تسرع⸳
سهام حمّودة: أي مرتبة يحتلها الفنان التشكيلي التونسي في العالم؟
عبد السّلام تكيتك: لم يبلغ الفنان التونسي حتى الآن درجة العالمية، والدليل على ذلك هو عدم إدراج أي اسم له في القاموس العالمي للفن التشكيلي. في المقابل، توجد تجارب معترف بها على الصعيد العربي مثل تجربة الفنان نجا المهداوي (الحروفية) ونجيب بلخوجة، وهما من رواد الفن العربي الحديث⸳
سهام حمّودة: ما هي نصيحتك لمحبي فن الرسم؟
عبد السّلام تكيتك: أنصح كل محب لفن الرسم أن يبحث في مختلف التجارب الفنية القديمة والحديثة والمعاصرة، سواء كانت عربية أو عالمية. من المهم زيارة المعارض الفنية للاستفادة من الأعمال المعروضة. كما أن ممارسة فن الرسم في إطار الجمعيات والنوادي الثقافية يمكن أن تكون تجربة غنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل التجارب والخبرات مع محبي فن الرسم، مما يساهم في تطوير المهارات وتوسيع الآفاق الفنية⸳
***
حاورته: الأستاذة سهام حمّودة