حوارات عامة
مقابلة تيماء عمرو: المُختصر المفيد في قصة ناجي ظاهر مع البُلبل الغرّيد
"الكناري لا يغرّد الا عندما يكون وحيدًا"
نافت حياته الادبية عن الخمسين عامًا، كما نافت حياته العملية في الصحافة عن الاربعين عامًا.. أما عدد مؤلفاته فقد تجاوز الستين. كتب القصة والرواية والمسرحية.. كما كتب الشعر والمقالة الادبية. تُرجم الوفير من كتاباته إلى العديد من اللغات. حصل على جائزة الابداع الادبية عام 2000، يقول إن حياته لا تعدو كونها قصة تمسك بيد أختها. له قصة طريفة مع البلبل الغريد يرويها في المقابلة التالية مع تيماء عمرو.. إنه الكاتب الاديب ناجي ظاهر ابن مدينة الناصرة الضاربة جذوره عميقًا في أرض قرية سيرين المُهجّرة.
- كم لك من الوقت تعمل بالصحافة؟
* قاربت هذه السنة الخامسة والاربعين عامًا من العمل في الصحافة. أعرف أن هذا رقم مخيف لطلاب في ميعة الصبا، إلا أن هذه هي الحقيقة وعلينا أن نتعامل معها عندما نكون في لحظة جدية مثل هذه. أتيت إلى الصحافة من باب الادب، لهذا عملت في الصحافة الادبية والاجتماعية. إنني اعتبر نفسي إنسانًا جديًا لهذا عملت منذ البداية وطوال الوقت على تنمية قدراتي في مجال الصحافة، فقرأت العديد العديد من الكتب التي تناولت موضوع الصحافة بالدراسة كما التحقت بالعديد من الدورات.. بعضها كان عاليًا. حقيقة أنا من المؤمنين بالموهبة إلا أنني مؤمن أيضًا بأن علينا أن نحقن الموهبة دائمًا بالمكتسب من المعرفة.. أنا طالب مجدّ في حقول المعرفة واؤمن تمام الايمان بأن الواحد منا نحن بني البشر يبدأ تعلّمه منذ اليوم الأول له في هذه الحياة.. ولا ينتهي بانتهائها.. نحن طلاب دائمون ومدرستنا هي الحياة والكتب كما قال الكاتب الروسي المبدع مكسيم جوركي في كتاب مذكراته.
- ما هي الصحف التي شاركت فيها؟
* عملت في العديد من الصحف.. أذكر بعضها على التتالي: مجلة المواكب التي كان يحررها ويرئس تحريرها صديقي الشاعر الاديب فوزي عبدالله رحمه الله، الراية، الميدان وقد أصدرتهما حركة أبناء البلد قبل العشرات من السنين. وعملت مدة سنة في صحيفة الاتحاد الحيفاوية، كما عملت إلى جانب صديقي ورفيقي الراحل مبكرًا الكاتب عفيف سالم في صحيفة الجماهير وبعدها في مجلة الآداب. بعد ذلك انتقلت للعمل في صحيفة الصنارة.. عملت فيها نحو العشرة اعوام. كما عملت مدة أربعة عشر عامًا مراسلًا ومديرًا لمكتب وكالة الانباء الفلسطينية الرسمية في مدينتي الحبيبة الناصرة. آخر صحيفة عملت فيها كانت حديث الناس التي تصدر في الناصرة وقد عملت فيها حوالي السبعة أعوام. كما عملت محررًا في موقع الكتروني. أما بالنسبة للكتابة والنشر فقد نشرت في معظم الصحف والمجلّات الصادرة في بلادنا خلال فترة كتابتي التي نافت عن الخمسين عامًا، ونشرت أيضًا في مجلات أدبية وصحف كانت تصدر في الضفة الغربية لعلّ أبرزها مجلة الفجر الادبي التي كان يحررها الكاتب الصديق الراحل علي الخليلي.
- هل كنت رئيس تحرير و ما هي المجلات التي عملت فيها؟
* نعم رئست تحرير مجلة الشرق التي كانت تصدر في مدينة شفاعمرو إلى ما قبل مدة عام. و رئست تحرير مجلة الشعاع التي ما زالت تصدر في يافة الناصرة بهمة صديقي الشاعر نقولا مسعد. كما رئست تحرير مجلة الفجر الجديد في عهدها الاول، وقد كنت عضو تحرير في العديد من المجلات أذكر منها: المواكب، الفجر- إلى جانب الكاتب المرحوم صليبا خميس وغيرها. وقبل هذا وكله مجلة الجديد الحيفاوية.
- هل شاركت في تعليم الطلاب ضمن ورشات لتعلم الكتابة الابداعية في مجال كتابة القصة القصيرة؟
* قبل حوالي الخمسة عشر عامًا اقترحني الصديق الراحل مدير دائرة الثقافة العربية الكاتب موفق خوري لأكون معلمًا في عدد من المدارس لموضوع الابداع، كان ذلك ضمن مشروع ميلاد قصة. وقد قمت بالفعل بتدريس الابداع في عدد من المدارس القائمة في بلدات مختلفة. وأصدرت عددًا من الكتب للطلاب المشاركين. بعد انتهاء هذا المشروع قلت لنفسي لماذا لا تبادر لمواصلة هذا المشروع وأنت واحد من عشّاق الابداع؟ وكان أن اقترحت على عدد من المدارس القيام بهذه المهمة المحبّبة فوافقت في معظمها. في هذه الدورات حاولت نقل ما تعلمته وجرّبته على جلدي إلى الطلاب المشاركين فيها.. وكنت طوال الوقت أفكر في عدم الانغلاق على الذات.. وأردت نقل التجربة على أمل أن يولد كتّاب ذوو معرفة في بلادي الحبيبة. التجربة كانت ناجحة.. وأنا متأكد من أنها ستترك أثرًا واضحًا في الفترة المقبلة. بالمناسبة عملت مدة اعوام معلمًا للكتابة الابداعية والدرامية منتدبًا من مشروع كاريف الرائع في المدارس العربية.
- حدثنا عن بداياتك في كتابة الأدب؟
* بداياتي الادبية تمّت وأنا على مقاعد الدراسة.. ابتدأتها في مجلّات للصغار مثل " اليوم لأولادنا" وزهرة الشباب"، وأذكر ان رئيس بلديتنا السابق رامز جرايسي كتب في هذه الاخيرة وجمعتني به مدرسة واحدة. كما كتبت ونشرت ضمن برنامج الادب الاذاعي إلى جانب محرره الكاتب الصديق عرفان أبو حمد طيب الله ترابه وذكراه. فترة التمرين تواصلت مدة ثلاث سنوات من 1965 حتى 68، في هذه السنة كتبت قصة عنوانها الكلمة الاخيرة تحدثت فيها عن مدينتي وحبيبتي وأمي، وأرسلتها إلى أهم مجلة أدبية كانت تصدر في تلك الفترة، هي مجلة الجديد الحيفاوية التي حررها في حينها الشاعر سميح القاسم رحمه الله. في العدد التالي فوجئت بالقصة تنشر فيه. فانتابتني مشاعر ما زالت تبعث الدفء في قلبي وروحي حتى هذه الايام. شعوري بأنني أصبحت كاتبًا دفعني إلى المزيد من قراءة الكتب.. وبإمكاني أن أقول إنني لم أنم منذ تلك القصة ونشرها كما ينام الناس.. ففي روحي مكتبة. ولعلّي أشير هنا إلى أنني أيام كنت طفلًا صغيرًا أتصوّر الجنة مكتبة. أنا اليوم مؤلف أكثر من ستين كتابًا توزّعت على القصة القصيرة والرواية وقد كتبت المسرحية ولي فيها إنتاج لا باس به للكبار والصغار كما كتبت الشعر وصدر لي فيه أربع مجموعات، إضافة إلى المقال الادبي الذي كتبته طوال أيام حياتي. كم أحن إلى ايام البدايات بكل ما فيها من قسوة وتحد.. وإثبات للوجود في عالم لا يخلو من شراسة.
- ما هي أكثر الكتب التي أحببتها عند كتاباتك؟
* لأعتبر هذا السؤال حول أهم الكتب التي قرأتها في حياتي.. لأقل لكم أولًا إنني أحببت قصص الف ليلة وليلة.. ومنذ قرأتها وأنا أبحث عن كتاب يضم قصصًا مثلها. كما قرأت كتابات للأديب العربي العريق أبو حيان التوحيدي لا سيما كتابه عن مثالب الوزيرين ولهذا الكتاب قصة تروى لقد عثرت عليه مجردًا من غلافه.. قرأت بعضًا مما ورد فيه فانبهرت.. أردت أن أعرف مَن هو مؤلفه فعرضته على معلمي المحبوب في المدرسة الاستاذ المرحوم الكاتب ابن عرابة البطوف محمود كناعنة، الذي أقام في مدينتي الناصرة وكتب عنها كتابًا جيدًا أعادت مطبعة الحكيم طباعته قبل سنوات وحمل عنوان تاريخ الناصرة، فما كان من الاستاذ محمود إلا أن أجابني قائلًا بعد تصفّحه له إنه كتاب مثالب الوزيرين للتوحيدي.. لقد قرأت طوال حياتي وما زلت وسوف أبقى.. وبإمكاني أن أقول إنني قرأت من آداب العالم المختلفة ويندر أن يكون هناك أدب معروف في العالم لم اقرأ منه الكثير ولم أطّلع عليه.. فانا قارئ نهم.. وفي الامس قلت لابنتي إنني أحببت الكتاب وسوف أحبه مشيرًا أن هذا الحب يزيد كل يوم سنة.. الكتاب باختصار صديقي وعالمي الجميل.
- ما هي أشهر الروايات التي كتبتها؟
* كتبت حتى الآن عددًا وفيرًا من القصص القصيرة، ونشرتها في العديد من المجموعات كانت أولاها اسفل الجبل وأعلاه وأخراها ظل على السطح، كما كتبت قصصًا للطلاب الفتيان. أما في مجال الرواية فقد صدرت لي حتى الآن ست روايات قصيرة.. كانت أولاها الشمس فوق المدينة الكبيرة وأخرها حارة البومة..
- هل كتبت قصة عن سيرتك الذاتية؟
* عندما توفى الله والدتي رحمها الله وطيب ثراها عام 2007 بعد وفاة أخي الاكبر جوهر وزوجة خالي خضرة فودي. تفجّرت مكامن الفراق في قلبي فشرعت في الكتابة عن هؤلاء لأرى نفسي وقد غرقت في بحر الغياب ولأنطلق بالتالي في الكتابة عمّن أحببت في هذه الحياة وكان نصيبه الغياب.. هكذا انفجرت في الكتابة عن أحباء غيبتهم أيدي الردى بينهم كتاب وشعراء وأناس عاديون.. بعد فترة من حُمّى الكتابة تراكمت لدي مجموعة من الكتابات أطلقت عليها عنوان حياض غثيم- سيرة ذاتية من خلال آخرين.. وكان أنني لاحظت أن مَن يقرأ هذا الكتاب يكتشف سري أكثر فجاء عنوانه على ما جاء عليه.. في هذا الكتاب يوجد الكثير عني وعمن أحببت.. وقد استمددت عنوانه من رسالة في العزاء لابي العلاء المعري ومعناه الموت.
- ما هي أهمية الكتابة بالنسبة إليك؟
* هي قدري وحياتي.. ذات يوم سألني صديق ثري: أما زلت تكتب؟ فنظرت إليه مستغربًا، فأردف قائلًا أقصد هل يوجد قرّاء؟ عندها فهمت ما رمى إليه من وراء سؤاله فبادرت إلى التساؤل: وهل ينتظر البلبل مَن يستمع إليه ليغرد.. ضحك ذلك الصديق ومضينا في طريقنا.. باختصار أقول لك إنني سأكتب حتى لو بقيت الرجل الاخير على أرض الكتابة.
- هل لديك موهبة غير الكتابة والصحافة؟
* سبق وقلت إنني كتبت للمسرح إضافة إلى ما ذكرته وأشرت إليه من كتابات نثرية.
- كلمة أخيرة.
* أتمنى لكم التوفيق.. لقد ذكرتموني بالبدايات الاولى لقصتي مع الكتابة.. كنت مثلكم.. بالضبط مثلكم.. أريد أن أكتب، أن أعبّر وأن أجد موطئ قدم على هذه الأرض.
* * *
مقابلة أجرتها الطالبة تيماء عمرو ضمن وظيفة مدرسية.