أقلام حرة

أقلام حرة

بالأمس القريب ذكرى انشاء اول وحدة بين قطرين عربيين (مصر وسوريا) في العصر الحديث كان يعول عليها ان تكون نواة لوحدة الامة، استمرت 3 سنوات ما لبث ان وئدت في المهد بسبب اعداء الامة والعملاء من ابنائها، كانت هناك العديد من المحاولات لكنها باءت جميعها بالفشل، لن يترك العرب وشانهم، فإن توحدوا سيقودون العالم نحو التقدم ويعم الرخاء، يشهد لهم التاريخ بذلك.

ضرب زلزال مدمر شرق المتوسط فأودى بحياة الالاف ونزوح اكثر من مليوني موطن من كل من تركيا وسوريا اضافة الى هدم المباني والبنى التحتية بالمنطقة، المساعدات الانسانية تتواصل من كافة دول العالم.

حكامنا العرب المغاوير جرت في عروقهم النخوة فهبوا لمساعدة إخوانهم السوريين المنكوبين ولكن على استحياء، ليلا يغضب ذلك العم سام، ما يعد انتهاكا لقانون قيصر ضد الشعب السوري بعدم التعامل مع الشعب السوري الى ان يرحل رئيسه.

تقول المصادر بان بعض الحكام العرب كانوا يتواصلون سرا مع النظام بعد ان ادركوا استحالة سقوطه رغم الكم الهائل من الاسلحة المختلفة والمرتزقة من مختلف بقاع الارض،والسؤال لماذا يهرع الحكام العرب الى تقديم المساعدات الغذائية لضحايا زلزال رباني محدود الضرر؟ ا لم يساهموا في احداث زلازل شديدة تحت اقدام الشعب السوري على مدى 12 عاما ادت الى مقتل مئات الالاف وتشريد الملايين وهدم المعالم التاريخية؟ أ لم يطردوا النظام السوري من الجامعة العربية وجعل مكانها شاغرا؟ أ لم يقوموا بتحويل الملف السوري الى الامم المتحدة ومجلس الامن لطرده من المنظمة الاممية وسحب عضويته ومنحها للـ(معارضة) التي اثبتت مع مرور الوقت انها مجرد كيانات تنفذ الاجندات الخارجية لإضعاف الدولة وتمزيقها وتشريد شعبها؟.

من يصدق ان هؤلاء وجدوا في الكارثة الطبيعية مدخلا يريدون من خلاله الخير للشعب السوري (دبلوماسية الزلزال)؟ هل رجع اليهم رشدهم؟ هل يمتلكون الشجاعة الكافية التي تجعلهم يكفرون عن الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب السوري؟ هل يملكون الجرأة على قول الحقيقة في وجه من اوكلوا اليهم مهمة تنفيذ مخطط افراغ سوريا من شعبها؟.

هل تمد مصر التي كنا نراهن على دورها القيادي يد العون والمساعدة لسوريا؟ ومحاولة ارجاعها الى حضن الجامعة العربية التي اصابها الترهل بسبب سيطرة اصحاب المال على القرار السياسي للجامعة فأصبحت وكرا للعمالة وسوسا ينخر جسد الامة.

هل يتحرر الحكام العرب من التبعية للغرب ويسعون جاهدين بأموالهم المكدسة في بنوك الغرب (المعرضة للتجميد في أي لحظة) لإعادة اعمار سوريا؟ والتعويض عما لحقها من دمار؟. 

 العالم اصبح يتشكل من جديد في ظل الهيمنة الامريكية الغربية على مقدرات الشعوب، نتائج الحرب في اكرانيا ستفضي الى عالم متنوع الاقطاب ويكفي ان الشعوب الافريقية لم تجاري الغرب بل اعلنت حيادها في الخرب الاطلسية الروسية، بل تدعوا الى الاعتماد على جيوشها الوطنية في محاربة الارهابيين وفك الارتباط مع المستعمرين وبالأخص فرنسا التي انحصر دورها في وجه المد الروسي الصيني بالقارة السمراء التي تحررت من مستعمريها بفعل المساعدات السوفييتية. هل العرب اقل شانا من الافارقة؟ ذلك ما يثبته المستقبل القريب . 

***

ميلاد عمر المزوغي

 

الظلم سلوك متعلم بالتكرار عبر الأجيال، وواقعنا الإجتماعي ظالم في طبعه وجوهره، ولكي نقضي على الظلم لا بد من العودة إلى النفس والسلوك الذاتي، وإعادة ترتيب مفردات وعناصر الخير فينا، بدلا من تعزيز منطلقات الظلم.

فالظلم سلوك قائم وفاعل بحياتنا في البيت والمدرسة والمجتمع والدولة بدوائرها المتنوعة، أما إذا إقتربت من الكراسي فالظَلمة  يتربعون عليها ويديمون الظلم وإنتشار المظالم، لأنها تخدمهم وتعزز مكانتهم وسلطتهم.

فالظلم يدوم في الكرسي إلى حين، حتى يتولى الأمر مَن هو أشد ظلما، فمتوالية الظلم هندسية المواصفات شديدة التأثيرات.

ووفقا لمفرداتها مجتمعاتنا تستبدل ظالما بظالم، وتأتي بمَن يديم المظالم ويرعاها، ولهذا لن يحصل تغيير واضح، ولن تأتي الثورات بأنواعها بما هو نافع ومفيد للمواطنين، فالمجتمع يرتع في مستنقعات الظلم والظالم سيد مطاع، والمظلوم يستلطف الظلم، وينحني أمام الظالم وفيه مشاعر عدوانية تجاهه، وتجده يعبّر عنها بالنيل مما يمت بصلة للدولة أو ما نسميه بالممتلكات العامة.

فالظالم حر في التعبير عن ظلمه للآخرين، ليؤكد قوته وسلطته، وبأنه الحاكم المطاع والدستور والقانون، والمظلوم خانع مكسور إذا طالب بحقه إفترسه الظالم، وألقى به في غياهب السجون وأقبية التعذيب المجهولة، ليتولى أمره مظلوم يفرغ  مظالمه فيه.

فواقعنا مظلم والظالم يتحرك بحرية فيه، ويحسب سلوكه الحق والإنصاف، لأنه يتوافق والوسط الذي يتحقق فيه، ولا يشير إلى حالة متعارضة معه، وبهذا يكون العدل غريبا، وإحترام الدستور والقانون ضعفا، والشعور بالمسؤولية كذبا، فالسائد ظالم يقسو ويفتك، ومظلوم يصرخ والمظلومون من حوله يتفرجون، ويلومنه لأنه مزق رداء ظلمه وطالب ببعض حقه.

وفي هذا الواقع السلوكي لا يمكن لثورة أن تتحقق لأن المجتمع لا يمكنه أن يكون معها، فالخروح من قوقعة المظلومية تحتاج إلى شجاعة وقوة ومجابهة وتضحيات كبيرة.

وبهذا تجد خسائر الثورات الجماهيرية كبيرة وإنجازاتها قليلة، وتعطي من الضحايا ما لا يوازي ما تحققه، بل معظمها تنتهي إلى الخيبة والإنكسار، لأن الظالم يؤجج في نفوس المظلومين نزعة الظلم فيطلقونها بوجه المظلومين الثائرين ضد الظلم.

وهكذا تمضي المجتمعات في دائرة مفرغة بين الظالم والمظلوم!!

***

د. صادق السامرائي

23\12\2020

 

منذ أن ارتقى قطاع الحالة المدنية بعمالة سيدي سليمان إلى مصلحة إقليمية رسمية في هيكلها التنظيمي، والجهود تتراكم بحكمة وتبصر إلى أن تم الإعلان الرسمي من طرف وزارة الداخلية لتعميم التدبير الرقمي على كافة رسوم السجلات الممسوكة من طرف مختلف المكاتب الجماعية الأصلية والفرعية. لقد تمكنت هذه العمالة أن تكون من ضمن الأقاليم الثلاث الأولى التي شملها هذا التعميم: سيدي سليملن، الرباط وسلا.

من أجل الوصول إلى هذه المرتبة المشرفة التي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، وبدعم من أغلب العاملين في هذا القطاع الحيوي إقليميا تحت إشراف الضباط الأصليين، لم يدخر الطاقم القيادي للمشروع بالعمالة جهدا في كل المجالات الحيوية وعلى رأسها التكوين وتخليق أنشطة المكاتب والرفع من شفافية خدماتها واستباق الخطوات لتيسير تنفيذ المخطط الاستراتيجي للدولة في هذا المجال والذي سيتوج قريبا بتحويل قاعدة معطيات الحالة المدنية الهوياتية إلى مرجع أساسي لإخراج السجل الاجتماعي الوطني إلى الوجود.

على مستوى التكوين، خضع العاملون في القطاع لأكثر من 20 تكوينا في مجالات الحالة المدنية ومقومات المهنة، والتحرير الإداري، ومدونة الأسرة والجنسية، وقانون المسطرة المدنية، والمعلوميات، وأنماط التدبير العصرية (التواصل، التفاوض، الاستقبال، تدبير الموارد البشرية، تدبير النزاعات، .....). كما قامت بجولات ميدانية كثيرة لترسيخ التكوين النظري في العمل التطبيقي اليومي. كما عملت على توضيح المساطر وإعداد العشرات من نماذج الجدادات والطلبات والمقالات القضائية وتمكين المرتفقين منها مجانا.

برنامج 2023

- تسريع إقرار رسوم الحالة المدنية واعتماد المنظومة الوطنية كأساس لتمكين المرتفقين من مستخرجاتها من النسخ الكاملة والموجزة الإلكترونية.

- عقلنة تدبير فتح الملفات العائلية والدفاتر العائلية بضمان وحدة أرقامها واحترام الأرقام التسلسلية للدفاتر (لكل زوج دفتر واحد ورقم ملف واحد). إضافة إلى التمييز بين الدفتر العائلي للزوج ونسخه المسلمة لأصحاب المصلحة القانونيين. وهذا الورش صعب للغاية ويتطلب الصبر. لمسنا تعاونا ودعما كبيرا من أغلب رؤساء الجماعات في هذا المجال، وسيتوج المجهود بإذن الله بحصيلة مرضية.....

- تحيين الرسوم الإلكترونية ببياناتها الهامشية.

- تنظيم دورات تكوينية في مجال الأرشيف الورقي والإلكتروني وترتيب المستندات التوثيقية.

في الأخير، نرفع القبعة عاليا للسلطة الإقليمية لدعمها المتواصل لجهود المصلحة. كما نشد بقوة على أيدي غالبية رؤساء المجالس الجماعية على تعاونهم المستمر وتفاعلهم الإيجابي جدا. والأمل كل الأمل أن يلتحق كل العاملين بهذا القطاع للدفاع بصدق على هذا المشروع لنشكل جميعا فريقا إقليميا سيحسب له تاريخيا أن كان وراء بناء صرح المشروع الإلكتروني في هذا القطاع.

تتبعوا مقالا مفصلا احتفاء بهذا التتويج....

***

الحسين بوخرطة    

 

يجلس المحلل السياسي "عادل المانع" وبالمناسبة الرجل برز لنا قبل عام، وتحول بقدرة قادر إلى خبير ستراتيجي، يجلس أمام مقدم البرنامج ليعلن بكل وضوح "إننا -ويقصد هو ومقدم البرنامج والضيوف- مسلمين" ثم يستكمل سيادته ليشرح للمشاهدين نظريته السياسية، فهو يرى أن وجود القوى المدنية داخل البرلمان ومؤسسات الدولة خطر على المجتمع،

وأنها يجب أن لا تتسلم أية مسؤولية، ويعود بعدها وبطريقة روزخونية ليعلن أن الذين خرجوا في احتجاجات تشرين، ومعهم القوى المدنية عملاء لأمريكا تحركهم متى تشاء.. ولأنني كاتب متهم بالعمالة، كنت أتمنى على السيد "المحلل" أن يعرض لنا صور لقاءات السفيرة الأمريكية مع قادة كبار الساسة والمسؤولين خلال الايام الماضية، وأن يخبرنا ماذا قال السيد المالكي قبل أيام لإحدى الصحف، عن مديح رئيس الولايات المتحدة له؟، وأعتقد أن السيد نوري المالكي رئيس لائتلاف دولة القانون وليس رئيسا لائتلاف القوى المدنية، بعدها يبدأ عادل المانع يصول ويجول معلنا أن العودة إلى قانون سانت ليغو واجب (مقدس)، بعدها يخرج المانع ليقدم لنا نظريته في العقد الاجتماعي، فالمسلمون في العراق يحق لهم أن يفعلوا كل شيء، يختارون القوانين التي تتلاءم معهم، ويحددون نوع الحياة التي يجب أن يعيشها جميع العراقيين، أما الباقي فهم أقليات فقط لاغير .

عادل المانع نموذج لتفكير الكثير من اعضاء ائتلاف دولة القانون، كارهون لمبدأ المواطنة، مصرون على إشاعة مبدأ الطائفية باعتبارها نموذجاً يحصدون من ورائه المكاسب والمغانم والمناصب، وهو النموذج الذي لم يحصد من وراءه العراقيون سوى القتل والتشريد،

لا أريد أن أدخل في جدل مع الفيلسوف عادل روسو، حول موضوعات تخصّصَ بها المفكرون من أمثاله، لكن أريد أن أسأل سؤالاً: هل تعتقد أن المواطن العراقي بلا ذاكرة؟، وأن ما جرى خلال السنوات التي استلم بها ائتلاف دولة القانون للدولة مقادير الدولة، وكيف ضاعت مئات المليارات من الدولارات في مشاريع وهمية؟! ياسيدي وأنت تخوض معركتك مع شباب الاحتجاجات والقوى المدنية، أتمنى عليك لو أخرجت من الأرشيف ملفات الكهرباء والصحة والنفط والتعليم والخدمات خلال السنوات منذ عام 2006 وحتى لحظة ظهورك على آخر فضائية

هل حقاً نعيش عصر التغيير؟، وتحققت أهداف العراقيين بالديمقراطية والعيش في ظل نظام يؤمّن عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية؟ وهل تشكلت مؤسسات دولة محترمة تضمن حقوق جميع العراقيين؟ أو تجاوزنا كل المصاعب ليخصص البرلمان جزءاً من وقته ليعيد الشعب العراقي الى الطريق المستقيم .

عندما يصبح كل شيء سيئاً وفاسداً وعاجزاً، فإن الناس سوف تكره البرلمان الذي اوجد سياسيين يستغلون القانون ليغطوا به سرقتهم لاحلام واستقرار الناس.

***

علي حسين

بما يشبه روايات الخيال العلمي، وجدت نفسي فجأة على متن مركبة آلة الزمن كالتي جاءت في رواية هربرت جورج ويلز، الّا أنّ المركبة هذه وعلى خلاف المنطق العلمي كانت مجهزّة للسفر نحو الماضي. وما أن جلست فيها حتى بادرني الربابنة العاملين عليها بسؤال عن وجهتي، نحو الماضي طبعا. فقلت للعاملين وبهدوء كامل ونحن نعيش صراع شيعي بفيلم شجاعة ابو لؤلؤة، وسنّي بمسلسل معاوية في شهر رمضان القادم وكأننا في مباراة كلاسيكو بين فريقي كرة قدم، من أننّي أريد السفر الى العام 652 للميلاد والى منطقة الربذة شرق المدينة المنورّة تحديدا.

ما أن خرجت من المركبة التي هبطت هناك، حتّى رأيتني أمام رجل وأمرأة ومعهما غلام فعرفت من أنّه ابو ذر وأمرأته وغلامه الذي بانت على وجوهم علامات الخوف والتعجب من شكل المركبة وطريقة هبوطها.

أنا: السلام عليكم يا ابا ذر.

ابا ذر: وعليكم السلام ورحمة من الله وبركاته، هل معك لي سابق معرفة، قالها متعجبا؟

أنا: لا، ولكنك وفي مكانك هذا وسبب وجودك فيه، أصبحت أشهر من نار على علم. فمن ذا الذي لا يعرف ابو ذر، ومن ذا الذي لا يعرف الربذة.

ابا ذر: أنّ قدومك اليّ هنا على ما يبدو هو لأمر جلل، فما هو؟

أنا: أريد أن تسافر معي على هذه المركبة الى النجف حيث قبر صاحبك الأمام عليّ ومنها الى كربلاء حيث قبر أبنه الحسين.

ابا ذر وعيناه غارقتان بالدموع: هل سأشهد موته!

أنا: بل مقتله وأبنه، ولنسافر على نفس المركبة بعدها الى الخضراء.

ابا ذر بعصبية ظاهرة: الخضراء هذه التي بناها سارق أموال الفقراء والأرامل والأيتام معاوية بن أبي سفيان في الشام.

أنا: لا أنها ليست ت......

ابا ذر مقاطعا: أتعرف من أنني منفي هنا لأنني وأنا في الشام وبمواجهة معاوية كنت آخذ بظاهر القرآن وأتلو آية ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وكنت أقفّ على دكّة في سوق دمشق وأقول محرضّا الفقراء على الأغنياء صارخا (يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء، بشّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء، فلما رأى معاوية أن فعلي يصدق قولي كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا..).

أنا: نعم لقد قرأنا في كتب التاريخ عن مواقفك هذه، وهذا ما دفعني للقدوم أليك، كون الحرب لا زالت مستعرة بين سراة شيعة علي وسراة شيعة معاوية.

أبا ذر: الحرب بينهما قائمة لليوم، وماذا عن فقراء الناس عند الطرفين!؟

أنا: نعم الحرب قائمة لليوم، أمّا فقراء الطرفين فهم كما فقراء العالم يعانون من الفقر والجوع والظلم والأضطهاد.

ابا ذر: هلّا تأخذني بمركبتك هذه عند معاوية في قصره الخضراء بالشام، لأحرّض الفقراء عليه من جديد.

أنا: نعم، سآخذك اليه لكنني أودّ أن تأتي معي أولّا الى النجف وكربلاء حيث قبرعلي وأبنه الحسين ومن ثمّ الى الخضراء في بغداد حيث سراة شيعة عليّ.

ابا ذر: أسراة الشيعة يعيشون في الخضراء!؟

أنا: بلى يا أبا ذر، ووالله لخضرائهم أغنى من خضراء معاويّة.

كانت المركبة في طريقها للهبوط في مدينة النجف الأشرف، وإذا بأبا ذرّ يسألني عن قبّة مذهبّة ينعكس نورها نحو السماء، فقلت له وأنا أنظر الى وجهه لأتعرف على ردّة فعله: أّنه قبر إمام الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين، أنّه قبر الأمام عليّ بن أبي طالب. فلطم أبا ذرّ وجهه وصاح، يا صاحبي يا أمير المؤمنين أرك تئنّ من ثقل الذهب على قبرك. وما أن نزلنا الى الأرض وسط المدينة حيث الفقر ينشر أجنحته على الأطفال الفقراء والعراة حتّى صرخ بيّ أبا ذر، أن أعدني من حيث أتيت فقد سرق سراة الشيعة ومعمّميهم أمامهم وفقراء وأرامل وأيتام شيعته.

في كربلاء تكرّر نفس المشهد، الّا أن ابا ذر وقف مبهوتا وهو يرى معمّم شيعي يجمّل الفقر في عيون الفقراء، وهو في أبهى حلّة. فنظر اليّ ابا ذر بنظرة فهمت منها أنّ آية (﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، تنطبق على هذا المعمّم وأمثاله وسراة الشيعة الذين أذاقوا الناس الذلّ والفقر.

أنطلقت بنا المركبة من كربلاء الى بغداد المسبيّة، وإذا بالفقر يسير جنبا الى جنب الناس كما الموت، وإذا بسراة شيعة عليّ يستقلّون سيّارات رباعية الدفع مصفحّة ضد الرصاص خوفا من غضب الناس، وهم الذين يتاجرون بالتشيع بقولهم (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما). لم يتحمّل ابا ذر منظر البؤس في بغداد ولا رخاء ورفاهيّة سكّان الخضراء، فطلب منّي أن أطير به الى دمشق ليتحدث الى معاوية في قصره. وما هي الّا لحظات وأذا نحن بقصر الخضراء في دمشق، وما أن رأى الحرس ابا ذر في باحته حتى أمتشقوا سيوفهم صارخين: أنّه أبا ذر وجاء ليقتل الخليفة معاوية بن أبي سفيان. فصرخ بهم ابا ذر صرخة سمعها معاوية قائلا: خذوني أليه فأنا لا أحمل حتى العصا التي اتكأ عليها.

أمر معاوية الحرس بأدخال ابا ذر الى بلاطه وعدم الشدّة في معاملته كونه كان شيخا منهكا ومجردّا من أي سلاح يهدد حياته، ليستقبله سائلا إياه: ماذا اتى بك الى الشام من جديد يا ابا ذر؟

أبا ذر: جئت أليك وأنا أرى فقر شيعة علي الذي سُبّ من على منبرك والحسين الذي قُتل من قبل أبنك يزيد على أياد سراتهم، وغنى شيعتك في الشام وغيرها من الأصقاع لأقول: يا معاوية يا من تركت سنّة النبي والخلفاء وجعلت الحكم وراثة، والغدر سنّة وأنت تغدر بأيتام قتلى صفّين بعد أتفاقك مع الحسن بن علي وتقطع أعطياتهم، أنّك لأشرف وأطهر من ساسة الخضراء وسراة الشيعة في العراق، كونهم يسرقون حتى أموال فقراء شيعتهم ولم ينصفونهم كما أنصفت أنت أهل الشام...

على باب قصر في المنطقة الخضراء وقف أبا ذرّ صارخا: هل ادلكّم على تجارة تربحون بها مالا لا يُعدّ ولا يُحصى، بلى قال القوم: دلّنا يا صاحب أمامنا ابا الحسن.. حينها صرخ ابا ذر أن لا تتوقفوا عن المتاجرة بعليّ

وأبناءه أيها الظَلمة، وحينها نشر سراة الشيعة سيوفهم ليجزّوا بها رؤوس فقراء العراق في ساحة التحرير والمطعم التركي وكراج السنك وساحة العشرين في النجف وساحة الحبوبي في الناصريّة وساحات وشوارع باقي مدن العراق.

يروى أنّ النبي محمّد قال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويُبعث وحده، ويبدو أن شيعة العراق وفقراءه ونتيجة ظلم ساسته ومعمّميه سيكونون كما أبا ذر، يمشون وحدهم ويموتون وحدهم ويُبعثون وحدهم..

***

زكي رضا - الدنمارك

27/2/2023

لقد أحصيت وحتى كتابة السطور التي أضعها بين أيديكم هاهنا في هذا المقال الطويل والذي أرجو أن لا يكون مخلا و لا مملا ولاسيما لعشاق المعلومة السطحية والسريعة فقط في ما يتعلق بالقضايا الثقافية والتوعوية والتربوية والانسانية، أما الجلوس - عطال على بطال - لـ 3 ساعات متواصلة وتضييعها هباء منثورا بمتابعة هراء (التيك توك) الذي حُظر امريكيا وكنديا وأوربيا على كافة موظفي الدولة - وحسنا فعلوا - فهذه لا تحتاج الى أية سرعة، بل على العكس من ذلك تماما وعلى قول شادية (سوق على مهلك سوق ..بكره الدنيا تروق)، أقول لحضراتكم لقد أحصيت عناوين ما لايقل عن (45) مسلسلا "مصريا وخليجيا و سوريا" بخلاف 12 مسلسلا عراقيا، وتسعة مسلسلات جزائرية وأقل منها تونسية،اضافة وبطبيعة الحال الى برنامج المقالب المفبرك والمتفق عليه سلفا مع ضيوفه لـ - رامز جلال - ومسلسل باب الحارة بجزئه الـ 13، هذا المسلسل الذي يأبى منتجوه أن ينهوه حتى أخذ الكثير منا يردد تندرا وسخرية وتفكها عبارة " فلان أقدم من مسلسل باب الحارة "، وبإستناء مسلسلي " الامام الشافعي "الذي يقع في (15) حلقة فقط لاغير، اضافة الى مسلسل " معاوية " الذي بلغت تكلفته 100 مليون دولار، والذي يناقش أحداثا وفتنا لطالما آثر الكثيرون السكوت عنها امتثالا لقوله تعالى " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، ومن هذه الآية الكريمة استلهم عمر بن عبد العزيز مقولته التي ذهبت حكمة بين الناس " تلك دماء قد طهر الله منها يدي، فلا أحب أن أخضب بها لساني"، أقول وبإستثناء المسلسلين التاريخيين وكلاهما سيثير جدلا كبيرا على منصات ومواقع التواصل فور انتهاء عرض أية حلقة من حلقاتها ولا أشك في ذلك مطلقا، الأول مسلسل " معاوية "لما سبق ذكره آنفا، والثاني مسلسل الامام الشافعي ...لماذا ؟ لأن هذا المسلسل الذي تغير عنوانه في اللحظات الأخيرة وصار "رسالة الامام " بدلا من " الإمام الشافعي" سيتطرق وبحسب مؤلفه وكاتبه " الى ايش حبيبي الغالي ؟ الى الصراع القائم يومذاك بين مدرسة الرأي، و مدرسة الحديث، فيما سيمر المسلسل على صراع المعتزلة والاشاعرة والصوفية وغيرها من الفرق والمدارس الكلامية اضافة الى مروره على الأحداث السياسية والصراع على (كرسي الحكم) آنذاك والتي سيتم تناولها ومعالجتها وتوظيفها من وجهة نظر - سياسية معاصرة أحادية الجانب - لا من منطلقات ولا من مقاربات أو زوايا تاريخية وموضوعية تناسب الحقبة الزمنية التي نشأت في ظلها بكل تأكيد، بمعنى أن المسلسل ليس غايته عرض علم وفقه وسيرة الامام الشافعي رحمه الله تعالى، بقدر حرص المسلسل ومن يقف خلفه على استعراض الصراع القائم آنذاك - سياسيا ومذهبيا وفكريا - لإسقاطه على الواقع السياسي - الكسيف جدا - المعاش حاليا بهدف اذكاء الخلافات وإثارة الفتن كذلك !

وفي حال وأرجو الانتباه الى هذه النقطة جيدا ووضع مليار خط أحمر تحتها، نجاح المسلسلين التاريخيين في إثارة الفتن المطلوبة - سوشيال ميديويا - فترقبوا سلسلة طويلة من المسلسلات  التاريخية وعلى ذات المنوال وكلها لاعلاقة لها بعناوينها البراقة و الأخاذة البتة، فالعنوان - جذاب وأخاذ وبراق- إلا أن المضمون - مرتاب وصخاب وحراق -ولا أدل على ذلك - وما زلنا في بداية المشوار وطريق الألف ميل، هو إعلان واحدة من القنوات الفضائية عن البدء بإنتاج فيلم ضخم بعنوان “شجاعة أبو لؤلؤة فيروز النهاوندي ”وذلك ردا على مسلسل " معاوية " وسيعرض الفيلم في شهر رمضان تحديدا، والحبل على الجرار أغاتي .

بقي أن تعلم بأن  مخرج مسلسل "معاوية "هو طارق العريان، وهو طليق أصالة نصري، وقد طلقا بسبب ضغط زوجته الأولى التي أهملها وأولادها، وعلى خلفية قضايا تتعلق ببيع ألبوم أصالة الغنائي، اضافة الى علاقته بعارضة الأزياء السورية - الارمنية نيكول سعفان، 

أما عن كاتب نص مسلسل " معاوية " فهو خالد صلاح، وقد سبق تنحيته من رئاسة تحرير صحيفة "اليوم السابع "بعد مطالبات شعبية كبيرة بذلك على خلفية فيديو  استضاف خلاله ممثلة شهيرة وهي تتحدث وتصف وبالتفصيل الممل طبيعة قبلاتها الحارة مع كل من احمد زكي، ومحمود حميدة، كما أن لصلاح هذا آراء مستفزة للغاية، ولك أن تتخيل كيف كتب المسلسل وكيف عالج قضاياه الشائكة، فهل أمثال هؤلاء يؤتمنون على تأليف وإخراج مسلسلات تاريخية مهمة تناقش أحداثا تاريخية حساسة من شأنها إثارة الجدل والخلاف  والشقاق بشأنها؟!

أما ما تبقى من مسلسلات فيتراوح بين - الحبيات - والرومانسيات وعروض اللحم الابيض المتوسط ونظيره الأحمر المتوقد، وبين - الكوميديات - و- الدراميات - و- الميلو دراميات - المفعمة بالاكشن، كل هذا الغثاء سيعرض دفعة واحدة في شهر رمضان 1444هـ/ 2023 م ليلا ليعاد عرضها طوال نهار اليوم التالي وهكذا دواليك حتى نهاية الشهر ..وبما أن شهر رمضان الكريم (30) يوما في حال إكمال العدة، فمعنى ذلك بأننا أمام عرض - كومي ..حبي ..فتنوي ..تراجيدي - سيغطي رمضان كله مضافا له ستة أيام من شوال ...وزيادة !

ومن الجدير ذكره بأن أول من استحدث فكرة عرض سلسلة متلفزة في شهر رمضان هي فرقة ثلاثي أضواء المسرح لعميدها سمير غانم،ورفيقيه كل من جورج سيدهم،والضيف احمد، والتي كانت قد بدأتها " بفوازير رمضان " عام 1963 بعد سنة واحدة فقط على بث التلفزيون المصري لأول مرة عام 1961،لتستمر الفوازير أعواما طويلة مشجعة بذلك على عرض المزيد والمزيد والمزيد من المسلسلات والفوازير والمقالب والكاميرا الخفية والتي صارت تسمى عرفا بـ" مسلسلات رمضان" أو دورة رمضان البرامجية، وباتت الشركات تتسابق على إنتاجها وجلها ما عدا القليل النادر منها من المسلسلات التاريخية المعتبرة وبعض المسلسلات الاجتماعية والانسانية الهادفة، تدور في فلك ومضمون أغنية " أهو جا ياولاد " لفرقة الثلاثي المرح والتي يفتتح رمضان بها سنويا - اذاعيا وتلفزيونيا - على مدار عقود طويلة، فكلمات هذه الاغنية المعروفة والتي من المفترض أنها تحتفي بشهر رمضان ..شهر الصدقات والطاعة والغفران ..شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، تدور كلها حول " عصير قمر الدين، و البلح والتين، ومدفع الافطار، وفوانيس رمضان،والبندق و الزبيب، والكعك، وملابس العيد، والشموع ..مع التركيز على عبارة " وحوي يا وحوي ..إياحا " وهذه عبارة مغرقة في القدم يرددها الكبار والصغار من دون أن يفهموا ولا أن يسألوا عن أصولها ولا عن معناها وتعني بالهيروغليفية " وتعني " افرحي يا ايوحة " التي تحولت في الأغنية الى " اياحا " و"أيوحة" هذه هي أم "أحمس الأول " وقد اشتق اسمه من " الهة القمر" في زمن الأسرة الفرعونية الـ 18، يومها فرح الناس بطرد الهكسوس وتغنوا بأسم أمه - أيوحة - لما كان لها من دور في تشجيع ابنها على طردهم " وفقا للباحثة المصرية فاطمة صقر، وقد تساءل العديد من الباحثين عن علاقة - ايوحة - بأناشيد رؤية هلال رمضان كما في التراث الشعبي المصري والجواب على ذلك هو " لعلاقة ابن ايوحة - احمس - وقد اشتق اسمه ورمزه من القمر ايضا !أما فانوس رمضان فيعود الى الفاطميين، وأما عن القمر الدين فهذا يرجع الى أول من صنعه في رمضان وهو صاحب بستان للمشمش في دمشق اسمه " قمر الدين "، وتأسيسا على ما تقدم يتبين لنا بأن الاغنية الرمضانية الأشهر والتي تتسابق القنوات والاذاعات لبثها منذ عقد الستينات والى يومنا هذا احتفاءا برمضان - بخلاف أغنية (رمضان جانا) بصوت عبد المطلب، و (أهلا رمضان) لمحمد فوزي، وقد تضمنتا احتفاءا بعبادات وسنن وشعائر رمضان أكثر من احتفائها بطعامه وشرابه وحلوياته وفوانيسه وشموعه - فأنشودة الثلاثي المرح لم تتطرق الى أي من العبادات والطاعات والدعوات في رمضان على الاطلاق، بقدر استعراضها لأكلات وعصائر وحلويات وفوانيس رمضان ومدفع الافطار الذي يعود بحسب روايات الى السلطان المملوكى (خشقدم) وفي بعضها الى (محمد علي)  لتنتقل - البدعة - سريعا الى كل أرجاء العالم العربي والاسلامي تباعا وصار الناس يترقبون - مدفع الافطار - بدلا من - آذان المساجد - وما ظهرت بدعة عبر التاريخ الا وأماتت سنة بدلا منها بقانون الازاحة والابدال والاحلال وتحت شعار " التخلية قبل التحلية "، وهذا ما تفعله ما يسمى بـ مسلسلات رمضان بالناس على مدار سنين، والأصل وإن كان لابد من الترفيه الرمضاني هو انتاج البرامج والمسلسلات على أن تكون كلها ولا أقول جلها هادفة وتربوية وتاريخية وإنسانية وثقافية ووثائقية وبما يتناسب مع الشهر الفضيل، إذ هل يعقل أن تصوم نصف يوم كامل عن الطعام والشراب والشهوات لتفطر نصفه الثاني كاملا على الارجيلة والمكسرات والحلويات والمحشيات والمشويات الى حد البطنة والتخمة التي تفقدك الحكمة والفطنة وأنت تتابع بشغف منفردا أو بمعية الاصدقاء وأفراد الأسرة الكريمة أجساد الممثلات العاريات المشفوعة بالرقص والاحضان والايحاءات والقبلات ؟!

***

احمد الحاج

يتهمني البعض من القراء الأعزاء بأنني مصرّ على أن أجعل من كلماتي مدخلاً للتأكيد على أن السياسيين والحكومة هما سبب غياب السعادة والبهجة من حياتنا، وأنني أترصد حركات وغمزات بعض الذين دخلوا عالم السياسة "بالخطأ" لأسخر منهم..

ولأن السخرية من اللامعقول حالة غريزية كما علّمنا عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، وهو بالمناسبة لا علاقة له بالأجندات الخارجية ولم يسع لمنافسة أبو مازن على كرسي بيع المناصب الحكومية.. ولم يتآمر مع منظمة الشفافية العالمية التي تصر على أن العراق سيظل يحصد المراكز الأولى على قائمة الدول الأكثر فشلاً.. المهم أن الفيلسوف الألماني ظل يطالبنا بأن نتخذ من الضحك وسيلة لمواجهة اللامعقول الذي يحكم حياتنا التي تحفل بمضحكات عديدة، والتي كان آخرها اللقاء التلفزيوني مع النائب السابق محمود الحسن، وقبل أن أتحدث عن تصريح الحسن الـ"هزلي" اسمحوا لي بأن أشكر مقدم البرامج أحمد الملا طلال الذي أعاد إلينا ملك الفكاهة البرلمانية ، بعد أن غاب عن الشاشة وتفرغ لوضع موسوعته عن الأنظمة الديمقراطية في العالم.

فالسيد محمود الحسن فسر لنا الديمقراطية بأن لاعلاقة لها بالحريات، وإنما غايتها تنظيم الانتخابات، وأن قانون منع استيراد وتداول المشروبات الكحولية لا يعارض الحريات التي كفلها الدستور، جميل جداً، لكن الأجمل أننا اكتشفنا أن هذا القانون كان محمود الحسن أحد الذين وضعوا بنوده.. قد ألتمس العذر للسيد محمود الحسن.. فالرجل قادم من عصر قديم، يفكر بنفس العقل ، لكن ياسادة هل يعقل ان شخص مثل محمود الحسن يضع قوانين تنظم حياة العراقيين؟! .

وحتى تكتمل فصول المسرحية الهزلية تعالوا نقلّب دفتر الفكاهة السياسية الخاص بالسيد محمود الحسن، وهذه المرة علينا أن نأخذ بنصيحة "خالنا" الجاحظ حيث يوصينا بأن المرء حين يتندر بنفسه فإنما لينفس عن غيظ مكتوم، فجميل أن نضحك وأجمل منه أن نضحك على أنفسنا، وإلا متنا من الغيظ والقهر ونحن نتذمر مما كانت تجود به قريحة الحسني أيام ما كان يوزع سندات تمليك أراضي لمواطنين بسطاء اكتشفوا فيما بعد أنها وهمية، وعندما خرج علينا، وهو القاضي، ليقول بسم الله الرحمن الرحيم: "العدل أساس الملك" معتقداً أن هذه آية قرآنية، وسجل الحسني لا يخلو من "الفلتات" الكوميدية.

وأنا أستمع لحديث محمود الحسن عن الديمقراطية، تبيّن لجنابي أن الديمقراطية ليست كما بشّر بها أفلاطون، وصاغ مفاهيمها وأسسها أرسطو، فنحن حتى لحظة ظهور محمود الحسن لا نعرف أي نوع من الديمقراطية نبغي وأي ديمقراطية سنصدِّر للبشرية، ففي الديمقراطيات الحقيقية السياسي الفاشل، يعترف بفشله ويذهب الى بيته معتزلاً السياسة، بينما في ديمقراطيتنا فإن صوت محمود الحسن نذير بساعات النحس.

***

علي حسين

 

يحاولون إطفاء أنوار أمة سطعت على مر العصور، وأشرقت بلغتها المتكاملة المتنامية المتطورة،  المتواكبة مع الزمان وما تأتي به العقول.

ويستهدفون من أجل ذلك الوعاء الحاوي لتراثها وعطاء رموزها، وهو اللغة العربية، ولهذا تجد الحملات الجائرة شرسة ضد اللغة لخلق أجيال تتوهم بأنها بلا جذور، وخالية من قدرات التفاعل والقيام بدورها الحضاري الكامن فيها.

يريدون أجيالا ذات أمية عالية بتراثها وجهل مروع بأصلها، فتتبع وتقبع وتخنع لمن يضللها ويوهمها بأن عليها أن تحارب هويتها، وتنكر ذاتها وتعادي أمتها.

والغريب في الأمر أن القوى الطامعة بإفناء الأمة تمكنت من تجنيد العديد من أبناء أمة العرب، وأهلتهم للتعبير عن أجنداتها المعادية لوجودها، ولكي يُنجز البرنامج اللازم لقطع الأجيال عن معينها الحضاري وثقافتها الإنسانية الثرية بالقيم والأفكار والمعاني المعرفية السامية.

ولهذا تجد أبناء الأمة الأحرار يخوضون حربا متواصلة ضد هذه الآفات العدوانية المتوالدة والمتنامية كالعفن في الواقع العربي، والساعية للحط من قيمة العروبة والشعر الأصيل واللغة والدين، والتعبير العدواني عما يمت بضلة لأمة العرب.

فتجدهم ينكرون الوطنية والأخوة العروبية ومفهوم الأمة، ويتفاخرون بالفرقة والمذهبيات والطائفيات والعشائريات والقبليات، وما يتصل بها من توصيفات وتسميات تفريقية تدميرية، لا تحث على الإعتصام بجبل الوطن والأمة والدين.

وتعجب من أمر أبناء العديد من مجتمعاتنا الذين ينكرون ذاتهم ويعادون هويتهم، ويتبجخون بما يمليه عليهم  الطامعون بوجودهم أجمعين.

فأين " حب الوطن من الإيمان"

وأين " إعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"؟

إنها أضحت مجرد عبارات بلا معنى، ولا أثر سلوكي في حياة البشر المرهون بإرادة أعدائه!!

***

د. صادق السامرائي

29\12\2020

إذا كان مصطلحا وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية قابلين للتداول في المشهد الإعلامي بنفس المعنى، إلا أن هذا في الحقيقة يخفي عديدا من المفارقات الواضحة بينهما.

تعد وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي، منصات رقمية لنشر وبث المعلومات، في حين أن الشبكات الاجتماعية هي منصات للتواصل بين الأفراد والمجتمعات بعضها ببعض. إن وسائل التواصل الاجتماعي هي قنوات للاتصال، في حين أن الاتصال في الشبكات الاجتماعية يقوم أساسا على طبيعة ثنائية الاتجاه بين طرفين .

أين يكمن إذن الفرق بين وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية.

عندما نفكر في مفهوم وسائل الإعلام، فإن ذلك يذكرنا عادة بالوسائل التقليدية، مثل الصحف الورقية والإذاعات والتلفزيون والسينما . ومع ذلك، عندما نضيف كلمة "اجتماعيً" في المقدمة، فإن المصطلح يأخذ مفهوما مختلفًا تمامًا. إن وسائل التواصل الاجتماعي تضفي عنصرًا تقنيًا عندما يتعلق الأمر بكيفية استهلاك الشخص لما يتم تقديمه ومشاركته . وبالتالي، يمكن وصف وسائل التواصل الاجتماعي على أفضل تفسير بأنها وسيلة تقوم على شبكة الإنترنت لنشر أو بث محتوى رقمي يمكن للقراء التفاعل معه بشكل تام وفعال.

يمكن لأي شخص النشر في وسائل التواصل الاجتماعي بينما تنشر وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية، محتوياتها الخاصة للاستهلاك الرقمي. فالشركات والمؤسسات الإعلامية تنجز ذلك أيضًا. بل حتى نوادي الرياضة يمكنها إنشاء وسائط اجتماعية لأعضائها لقراءتها ومشاهدتها والتفاعل معها.

عموما يجب أن نضع في اعتبارنا الشبكات الاجتماعية في سياق تلقى المحتويات حيث، تتطلب وجود منصة رقمية . تشمل الأمثلة الشائعة لمواقع أو منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وأنستغرام.

وتويتر..إلخ  .إن مستخدمين هذه المنصات ينضمون إلى نظام أساسي للشبكات الاجتماعية ويشرعون في الاتصال والتواصل مع مستخدمين آخرين . وفي بعض الحالات، يكون الاتصال في اتجاه واحد، بينما يكون في حالات أخرى ثنائي الاتجاه أو متعدد الاتجاهات.

هناك فروقا دقيقة يجب مراعاتها. يعد فيسبوك كموقع للتواصل الاجتماعي مثالاً على كيفية اختلاف المصطلحات والمفاهيم ومع ذلك فهي قد تتداخل إلى حد ما. إننا نقوم بالتسجيل ونشر ملف التعريف الخاص بنا، ونتواصل مع الأصدقاء ونعلق على الموضوعات بطريقة تفاعلية بشكل عام. من جهة أخرى على موقع الشبكات الاجتماعية نفسها،استخدمت الشركات فيسبوك كوسيلة لإيصال علامتها التجارية والحصول على ملايين المتابعين.

ومع ذلك، هناك فرق واضح بين الاثنين حيث تتطلب وسائل التواصل الاجتماعي وجود شبكة اجتماعية لنشر المحتوى لمن يرغبون في استهلاكه والتفاعل معه. وبالتالي، فإن شبكة وسائل التواصل الاجتماعي هي التكنولوجيا الأساسية والروابط البشرية، بينما تركز وسائل التواصل الاجتماعي بشكل صارم على ما يتم نشره واستهلاكه داخل منصة الشبكات الاجتماعية.

***

عبده حقي

مترجم بتصرف

 

تأمّل العراقيون أن يكون التغيير بوابتهم لتأسيس دولة القانون والمواطنة، غير أنهم اكتشفوا بعد سنوات من سقوط تمثال صدام أن الأمور تمضي وكأن الذين يحكموننا يكرهون القانون ويحتقرون الحرية، وقصة العودة إلى قانون الانتخابات القديم والتنصل عن شعارات الإصلاح السياسي دليل على ما أقول وقد أكدها السيد نوري المالكي في حوار نشرته الصحافة قبل أيام قليلة قائلاً: "معظم القوى السياسية متفقة على تمرير تعديل قانون الانتخابات على وفق نظام سانت ليغو".

خُـذ مثلاً تلك الفصول التمثيلية التي قدمتها لنا أجهزة الحكومة لترطيب الأجواء، مرة معركة سعر الدولار، فبعد أن كانت بعض الأحزاب السياسية تهدد بزلزلة الأرض إذا لم ينزل لدولارعن برجه العالي ، نجدها الآن صامتة . ولكي تكتمل الحكاية كان لابد من اختراع صولة "المحتوى الهابط"، ولم تنته حتى خرجوا علينا بقانون البلديات وفيه تم الإعلان عن تحويل العراق إلى أفغانستان جديدة، والمواطن المغلوب على أمره ينتظر قوانين وقرارت جديدة تحبس عليه أنفاسه، هذه الوقائع تدور أحداثها في بلاد يذكّرنا فيها رئيس الجمهورية ومعه رئيس الوزراء ومعهما رئيس البرلمان، وقادة الكتل السياسية ليــل نهـار بأننا دولة ديمقراطية، تحترم الحريات، لكننا في زمن يصرُّ فيه البعض على اللعب بأكثر من ورقة لتمرير قوانين تصب في مصلحة السياسيين حصراً.

في كل يوم يصر ممن تسلموا أمور البلاد والعباد أن يعيدوا عجلة الزمن إلى الوراء، الى زمن الوصاية والتضييق على الحريات الشخصية.

الجميع لا يريد أن يدرك أنّ الحرية ليست خطبة تلقيها عالية نصيف، ولا أُنشودة يرددها مثنى السامرائي، إنها شجاعة في المقام الأول، وهي فرض وليست منة، بل من قوانين وتشريعات تؤسس لدولة مدنية .

لقد أضعنا ما يقارب العشرين عاماً في خطابات مقززة عن حقوق المواطن، وسلمنا قيادة البلاد إلى "الفاشلين" وأصحاب الحظوة، وكان في استطاعتنا أن ننافس دبي وسنغافورة، لكننا قررنا أن نضع العراق في خانة واحدة مع أفغانستان والصومال!

سيقول البعض إن دستور عام 2005 أقرّ في مواد عديدة ضمان حرية الأشخاص ومعتقداتهم وآرائهم، لكن الواقع يقول إن حرية العراقيين مهددة حتى في بيوتهم، لم تعد الناس تصدق شعارات دولة القانون، كيف تتمسك الحكومة بالقانون وشرائعه وفي مؤسساتها قوى سياسية تريد إقامة نظام شمولي ولو بالترهيب؟.

والسؤال الأهم؛ إلى متى سيظلون يتحفوننا بالفواصل المثيرة التي تضفي على حياتنا طابعاً ساخراً، خلاصة الأمر أن هناك من لا يريد لهذه المهزلة أن تتوقف، ومنهم من لا يريد لدولة المواطنة أي أثر، ومنهم من لا يزال مصراً على أن العراقيين لم يبلغوا سن الرشد بعد، وأن أوان فطامنا لم يحل بعد.

***

علي حسين

 

 

يخوض الرئيس التونسي قيس سعيد منذ اعتلائه السلطة بإرادة شعبية، معركة حامية الوطيس ضد التحالف القذر الذي يجمع الاسلام السياسي وأصحاب رؤوس الأموال، فهؤلاء  وعلى مدى 12 عاما، سنوا القوانين التي تتيح لهم حكم البلاد، من خلال اضعاف موقع الرئاسة وجعله شاهدا لا حول له ولا قوة على فعل اي شيء، من شانه وقفهم عند حدودهم التي تجاوزوها بكل صلافة، غير آبهين بمعاناة الشعب الذي يفتقر الى ابسط الإمكانيات للعيش الكريم.

تولت حركة النهضة رئاسة المجلس النيابي بقيادة زعيمها الغنوشي الذي اصبح يتصرف وكانه رئيس دولةمحاولا تمثيلها في المحافل الدولية والتحدث باسمها وقد شهدت جلسات البرلمان في عهده فوضى عارمة واستهتارا بالنظم واللوائح الداخلية المعمول بها، والتعدي اللفظي والجسدي عدد من النواب الذين يعارضون سياسات الحركة.

بالأمس عملت  حركة النهضة منذ مجيئها الى السلطة على  ارسال الشباب التونسي العاطل عن العمل الى سوريا عبر تركيا للمشاركة ضمن محور الاخوان الذي تتزعمه  تركيا وتموله قطر لإسقاط النظام ، لقد تصدرت تونس الدول المصدرة  للإرهابيين الى بلاد  الشام.

كذلك توجه اصابع الاتهام الى حركة النهضة وجهازها السري في اغتيال المناهضين لحركة النهضة شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ورغم ذلك فان القضاء المسيّس لا يزال يتلكأ في اظهار الحقيقة في محاولة لإبعاد الشبهات عن الحركة رغم الدلائل التي قدمها محامو الدفاع عن الشهيدين.

اعلن عن النتائج النهائية للبرلمان الجديد الذي تم خفض اعضائه بنظام الترشح الفردي واستبعاد مشاركة الاحزاب السياسية (غياب المال السياسي) التي ساهمت في تردي الاوضاع الامنية والاقتصادية طوال الفترة الماضية.

لقد حاولت النهضة والأحزاب المتحالفة جر تونس الى احلاف اقليمية والاستقواء بالأجنبي من خلال تدخلها في الشأن الداخلي لتونس بشان القوانين الانتخابية والحياة السياسية في البلاد، بل وصل الامر بالاتحاد الاوروبي الى ان تشارك احدى عضواته (إستر لينش، نائبة الأمين العام للاتحاد الأوروبي للنقابات) في تظاهرة نظمتها المعارضة التونسية، ما يعد تدخلا سافرا استوجب طردها من البلاد التونسية.

يبقى القول ان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي حاول خلال الأعوام الاخيرة ايجاد حلول للوضع السياسي والاقتصادي في البلاد باءت جميعها بالفشل، لم يعمد يوما الى دعوة اعضائه في الضغط على الحكومات المتعاقبة بسبب الضائقة الاقتصادية التي سببتها تللك الحكومات.

نجد الاتحاد اليوم يدعو الى التظاهر ضد الحكومة وهو يدرك تماما ان الازمة الاقتصادية في البلاد انما هي نتيجة تراكمية للتصرفات المهدرة للأموال العامة من خلال التجار المضاربين بأسعار السلع الضرورية وعدم عرضها في الاسواق ليرتفع ثمنها، إن دعواته بالتظاهر في ظل الظروف الراهنة يجعله طرفا سياسيا مشاركا في الازمة ،ان التوقيفات التي تجري في تونس  تتم وفق اوامر صادرة عن القضاء وسوف يتم تبرئة كل من لم يثبت تورطه واخلاء سبيله.

ان الرئيس التونسي قيس سعيد، يقود معركة ضارية ضد الاخوان ومهدري المال العام من اجل استرجاع تونس لينعم اهلها بالرخاء والامن والطمأنينة.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

لا يتحقق العدل في أي مجتمع ولا يستتب النظام والسلام فيه إلّا من خلال التزام أفراده بمنظومة القواعد والمبادئ المسماة "قوانين" التي توضع لتعزّيز الانضباط ومنع الفوضى وحماية الناس من بعضهم البعض، والتي،مع الأسف، لا يقيم الكثيرون وزناً لها، ويصرون على مخالفتها، على اعتبار أن ذلك سنّة كونية وقدر إلهي، رغم تعرض مرتكبيها - حتى لو كانت عن طريق الخطأ-  للعديد من الجزاءات العقابية المانعة لتنامي الظلم والتعدي بكل أنواعه وفي متنوع الميادين ومختلف المجالات حتى في مجال الرياضة وفي كرة القدم على وجه الخصوص، التي غالبا ما تخالف بعض فرقها ولاعبيها قوانينها التي هم ملزمون بتطبيقها أثناء المباراة أو خارجها، وعدم ارتكاب ما تمنعه من الأخطاء الجزائية ضد الأنداد  - مقصودة كانت أو غير مقصودة -  كلمس الكرة عن عمد، أو تعمد دفع الخصم لعرقلة الخصم ، والذي تكون المعاقبة فيها وعنها بافتعال ضربة حرة مباشرة، أو ضربة جزاء إذا حدث ذلك في منطقة الجزاء، وغيرها من الأخطاء التي تترتب عليها عرقلة تقدم الخصم، أو إضعاف حظه في الفوز، أو إزاحته نهائياً من دائرة المنافسة، رغبة في التربع على منصة التتويج  في أي دوري كان،  وخاصة إذا كان الغريم المنافس ممن أعطته المؤشرات القدرة على تحقيق الفوز على مستوى الأداء والنتائج، قياساً بالممكنات والقدرات والأرقام، كما كان حال مع المنتخب المغربي الذي أعطته التكهنات الأفضلية عطفاً على المستويات التي قدمها خلال مشاركته في بطولة مونديال قطر، كمنتخب وطني، شكل كمنظومة إستراتيجية وفريق عمل لاعبين ومدرب وجمهور، نموذجا في الإصرار على رفع راية الوطن عاليا بين الأمم، بما اعتمده من لعب جماعي وانسجام وتفاهم بين اللاعبين والذي هو مصدر الفوز، حتى في غياب النجوم، الأمر الذي جعل الحكم الذي أدار مباراة "المغرب فرنسا" يتعمد الخطأ الجسيم، الذي ليس للقدر أو الحظ دور أو دخل في حدوثه، والذي كان الطريقة الوحيدة لإنقاذ الفريق الفرنسي وتعزيز موقعه، والقفز به للمركز الذي ما كان ليحلم به أمام الفريق الوطني المغربي الذي حصد النصر تلو النصر، لو لم يلجأ للتواطؤ ضده، كما كشفت عن ذلك تحليلات المهمين وآراء الخبراء الذين فضحوا آليات وسبل إدارة تلك المخالفات التي لم تُسعد الجمهور المغربي، وهيجت كوامن الاحتجاجات ضد المتورطين، وأججت الجدل الذي لم يتوقف قط في الوسط الكروي رغم تقادم الأسابيع، وربما أنه سيستمر طويلا بسبب ما أوجدته "الشمتة"من شرخ واسع في جدار الثقة والعلاقة بين أطراف اللعبة، التي زاد من اتساعها وجود "الفار"الذي لم تعد قراراته تنال ثقة اللاعبين والمدربين والمشجعين، لدعم  حكامه"حكام الفيديو" للقرار الخطأ الذي ارتكبه الحكم، بدلاً من مساعدته على اتخاذ القرار السليم، الذي كانت نتائج المباراة ستتغير لو مُنح الفريق المغربي حقه في ضربتي الجزاء المستحقة التي حرمه  منها التواطؤ، واللتان كان مصير البطولة سيتغير بالكامل..

***

حميد طولست

 

أجيال الأمة يجهلون تراثها العلمي ويعانون من أمية تراثية مزمنة، توارثوها وانغرست في الوعي الجمعي بآليات تكرارية مبرمجة تهدف لإستلاب وجودهم.

فالمغروس في الوعي العام بواسطة الآخرين، أن هولاكو قد رمى ما في بيت الحكمة ببغداد سنة (1258) ميلادية، في نهر دجلة حتى صار فيها جسرا من الكتب تعبر عليه الناس، وبهذا فأن تراثها قد ذهب مع الماء.

وهذه فرية إنطلت على الأجيال، ذلك أن بيت الحكمة ببغداد أنطلقت في زمن هارون الرشيد (170 - 193) وبلغت ذروتها في زمن المأمون (198 - 218)، وخبت في زمن المعتصم (218 - 227) خصوصا بعد أن نقل العاصمة إلى سامراء، ويُقال أن الواثق (227 - 232) قد بعث فيها بعض النشاط وكذلك المتوكل (232 - 247)، وبعدها تحول الخلفاء إلى دمى تحت إمرة القادة والمتنفذين من الأقوام المختلفة، فأهملوها وإنهمكوا بالحفاظ على وجودهم في كرسي الخلافة ولو إلى حين.

ولا يوجد ما يشير إلى أنها ذات نشاط يضاهي عصر المأمون منذ (247) هجرية وحتى (656) هجرية حين سقطت بغداد، فهل بقيت بعد أكثر من أربعة قرون على إنشائها، وبغداد تتعرض للفيضانات  والهجمات التدميرية والحروب الداخلية، والبناء لم يكن من الحجر، بل معظمه من الطين (اللبن) والجص.

ثم أن بيت الحكمة كانت أشبه بدار نشر، تؤلَّف فيها الكتب وتترجم، ويبدأ الوراقون بنسخها وبيعها، وإرسالها إلى حواضر الدولة العباسية.

فما في بيت الحكمة ليس نسخة واحدة وربما نسخ أصلية للنسخ المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها.

ويقال أن هولاكو إستحوذ على الكتب النفيسة وباعها للدول الغربية، والدليل الآخر الذي يدحض الإدعاء فمن السهل أن تحرق بدلا من نقل الكتب إلى النهر، فكيف يعقل أن نهر دجلة العارم التيار آنذاك تصمد فيه الكتب وتبني جسرا!!

وحريق بغداد جاء للوقاية من الأوبئة لكثرة الجثث المتراكمة في أرجائها.

وبإحتراق بغداد إحترق ما تبقى في بيت الحكمة من كتب، وأشك أنها بقيت تحوي كتبا على مدى أربعة قرون، وما إهتم بها الخلفاء الذين مروا عليها وعددهم بعد المتوكل (26).

ويُذكر أن أبو نصر الطوسي قد نقل (400000) مخطوطا من بيت الحكمة إلى مرصد مراغة أثناء حصار بغداد قبل دخولها، وإن صح ذلك فأن المغول لم يجدوا فيها ما يكفي لترويج فرية رميها في نهر دجلة، وكأنهم كانوا يمتلكون ناقلات عملاقة وليس بغالا وحميرا.

ومن المعروف أن معظم كتب التراث محجوبة في ظلمات مخازن المكتبات والمتاحف، ويسمحون بتحقيق ما يرونه مناسبا منها ويمنعون الآخر.

فعلينا أن نتحرر من قبضة التجهيل بالتراث العلمي العربي، وننطلق بمسيرة إحياء معاصرة.

***

د. صادق السامرائي

 

عن دار الحكمة في لندن صدر حديثاً كتاب (خفايا القراءة أسرارها وقوانينها) للأستاذ حسين سعدون، والمؤلف كما عرّف عن نفسه (كتبي في شارع المتنبي)، وهو مفكر وموسوعة معرفية كبيرة كما يراه جمهور واسع من المثقفين والمتابعين داخل العراق وخارجه، فضلاً عن التواضع والبساطة في شخصيته.

تابعت في الأشهر الأخيرة كما تابع غيري مجموعة من محاضراته القيمة، وقد وجدت فيها فكراً متنوراً واطلاعاً واسعاً وحافظة نادرة للنصوص، بالإضافة إلى الفهم العميق والموضوعية والجرأة والصدق في الطرح والمناقشة.

أثارت محاضراته القيمة صدى في الساحة الثقافية، وجاء في كتابة ضافية عنه للأستاذ رياض العلي بعنوان (ظاهرة حسين سعدون) قوله (قبل فترة وجيزة أخذ بائع بسطية صغيرة في شارع المتنبي يشغل الوسط الثقافيّ العراقيّ والعربيّ بطروحات وأفكار لم يعتدها هذا الوسط الغارق بالشكليّة والأميّة المعرفيّة)، وشبّهه وقد أحسن التشبيه (بأنّه يماثل جان جاك روسو)، واعتقد أيضاً (أنّ حسين سعدون هو أفضل شخص حالياً يمكن أن يقدّم برنامجاً تلفزيونيّاً عن القراءة والكتبّ خاصّة وأنّه يحمل ذاكرة نحسده عليها ولباقة في الحديث وأسلوب السهل الممتنع).

كما قرأت في حقه من قال (ثروة وطنية بمستوى معرفي عال)، وهي كلمة حق وصدق وأنا من مؤيديها، وهناك شواهد كثيرة تدل عليها، منها اتساع ساحة المعجبين والمستمعين له اتساعاً كبيراً، واعتبار ندواته الثقافية من الندوات العلمية المفيدة والثرية، وكذلك دعوته مؤخراً للحضور والمشاركة (في القمة العالمية للحكومات) في دبي بدعوة كريمة من أكاديمية الإعلام الجديد وبمشاركة افضل صناع محتوى بالعالم، وقد ذكر سعدون عند نشره لخبر سفره إليها يوم 13 شباط 2023م بأنه (أول سفرة له خارج العراق)، وقد التقى هناك بكبار المفكرين العرب والأجانب، وفيهم من عرف فضله وأعلى مقداره.

في محاضراته المنشورة يدعو للعلمية في التفكير وتحكيم العقل، ويدين (تردي وخلو المكاتب من الثقافة الفكرية وانحصار الفكر العربي بالصراعات السياسية والدينية ..)، وهو يعتمد فهمه العالي لما قرأ من مؤلفات كبار العلماء في الفلسفة والتاريخ والاجتماع والعقائد في الماضي والحاضر، ويستشهد بأقوالهم، ويرشد القراء والمثقفين إلى مؤلفاتهم.

ومما استوقفني من كلماته المنشورة على صفحته، وألمس فيها غيرة واضحة على وطنه قوله: (لو كان العراق بلداً هامشياً بلا تاريخ، ولا ثروات، ولا كفاءات لما شعر القلب بغصَّة، لكننا نمتلك كل مقومات النجاح ومع هذا نواجه كل هذا التراجع!)، وقوله في إدانة الظلم والفساد): اذا كانت الصورة القرآنية لمن يغتاب الناس هي أنه يأكل لحمهم وهم أحياء، فكيف هي صورة من يستولي على أموالهم ويمنعهم حق الحياة؟)، ومن جميل نشره ما استعاره للتعبير عن حبّه لمدينته بغداد قول الشاعر عبد المحسن الكاظمي:

‏أبغداد ابشري وثقي بأني

بحبك سالك سبل التفاني

*

ولو أعطيت ملك الأرض طراً

بغير هواك عيشي ما هناني

ويبقى الحديث عن المفكر حسين سعدون طويلاً ومتواصلاً، ولكني أوجزه بدعوة المثقفين عامة ومحبي القراء والاطلاع إلى زيارة صفحته والاستماع إلى محاضراته وقراءة كتابه بعقل منفتح ورغبة صادقة في معرفة الجديد والمفيد.

***

جواد عبد الكاظم محسن

 

1 ــ سماحة القناص، القادم من جهة اخرى، الباحث بيننا عن مكان، ونحن شعب نحترم الضيف، كنت شاطراً او تتشاطر علينا، تعرف لغتنا ولهجتنا ونقاط ضعفنا، نفذت فينا من ثغرات حبنا لأهل البيت، واتخذت من النجف وكربلاء والأضرحة الأخرى، بداية لنشاطك، لم تثر الشبهات في البداية، اللحية والعمامة ووالمظهر، أمور مألوفة، المثير للجدل كانت، الجماعات التي شكلتها،  والنواة السوداء التي انتميت اليها، الى جانب التواريخ التي فبركتها، والعقائد الأغرب، المثيرة للكراهية والفتن بين الأشقاء، تلك التي جمعت مؤدلجيك حولها، في بيت شيعي غير حميد، والحقت به، حشدك وداعشك الأيرانيتين، واتسعت اللعبة والفوضى، واتسعت معها مساحة فسادك، ونزيف الدماء والثروات الوطنية، واقتنعنا بعد فوات الأوان، انك ضيف شرير، وجب علينا فضحك ورفضك والتخلص منك، فوجدناك تقودنا كأسراب نمل، في مسيرات مليونية عمياء.

2 - سماحة القناص في كامل البيت الشيعي، قاتلاً أو خاطفاً او مرجعاً مختصاً في فبركة الفتن المميتة، لا تخفي وجهك، خلف مزعوم جهاديتك، ولا "تتمكيج" بأسماء الله والأولياء، فأنت أنت الذي، جئت مع الأحتلال الأمريكي، الذي رافقه الأجتياح الأيراني، وأنت الوليد الشرعي لتزاوجهما، بوحشية ودناءة غير مسبوقتين، سيطرت على السلطات والثروات، وعلى كامل مؤسسات الدولة، وفتحت لكم جيوباً في المحافظات الشمالية والغربية، اطلق عليها العراقيون في حينه، "اكراد الشيعة" و"سنة الشيعة" وبطريقة مدروسة بعناية، عملتم على تدمير لعقل العراق، وتشويه الوعي المجتمعي، فسادكم ومجازركم أيقظت العراقيين على حقيقتكم، وهتفت معهم، الساحات والشوارع والجامعات، وضحايا الجوع والأذلال "نريد وطن".

3 -ايها القناص المخادع، رئيس حزب او تيار، او مرجع يؤسس للفتنة، او اي ولائي يتغرغر بالخيانة، العراقيون اصحاب الأرض، وانتم ضيوف غير محترمين، اضرحة الأئمة في النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية، وككل اضرحة القديسين، معالم الأديان الأخرى، ارث عراقي، المذهب الذي تتحدثون عنه، وتدعونه بدعة ايرانية، فرضتها علينا اطماعهم القومية والطائفية، العراقيون سيجدون روح الأمام علي (ع)، في نهج البلاغة وفي البعد أنساني لأستشهاد الأمام الحسين، الى جانب ألأرث العلمي والفلسي، لأبنائهم واحفادهم، يكفي العراقيون  ان يعيدوا قراءة تاريخهم، الوطني والأنساني،  واعادة كتابته، ثم القطع التام لذيول الولائيين، وجميع القناصة، القابعون في جوار ألأضرحة.

4 - سماحات القناصين، اصبحوا واقع عراقي مخيف، استبغلوا الدولة كاملة، وحكومة الأغلبية الشيعية في قبضتهم، يدعون الأمساك بصمام الأمام، ويلوحون بأشعال فتيل الفتنة، يؤلبون العراقي على شقيقه، ونسوا انهم ضيوف اجانب، وعليهم ان يحترموا الشأن العراقي، سيطروا على المنافذ الحدودية، والأماكن الأثرية، وفرضوا سلطتهم العمياء، السؤال النازف، الى متى يبقى العراقي، ضيفاً غريباً ذليلاً في بيته وعلى ارضه، لم يفرق بين، منهج اهل البيت، المثبت في كتب التاريخ، وبين مذهب القناصين، الملوث بقذارات الفساد والأرهاب، قد ياتي الجواب، على اكتاف تموز وتشرين، وعلينا ان  نربي الأمل.

***

حسن حاتم المذكور

26 / 02  / 2023

 

  بعودتنا بالزمن الى الوراء قليلا، نستذكر النداءات الملحة بتغيير النظام البرلماني الى نظام رئاسي، بعد أن طفحت على سطح العراق تبعات وعواقب سياسية واقتصادية واجتماعية، على يد آفات تولدت ونشأت وترعرعت تحت قبة مجلس النواب، ولقد ثبتت سلبيات النظام البرلماني ومساوئه على يد المتحكمين بالقرار العراقي، وغدا الجميع - من الشرفاء حصرا - يلعن لحظة إعلان تشكيل البرلمان، وباتت الدورات التشريعية كل أربع سنوات نذير شؤم، بعد أن أيقن العراقيون أن هؤلاء الـ (328) نفرا، لن تجود سماؤهم إلا بحجارة من سجيل، يقذفون بها على أم رأس المواطن المسكين.

نعم، هذا الذي حدث - ومازال يحدث - وهذا ماجناه العراقيون من إدارة النظام البرلماني، إذ تناسل هذا النظام في العراق الجديد، فوُلد التوأمان الشرعيان له؛ المحاصصة السياسية والطائفية الحزبية، واللذان بدورهما خلفا كل أشكال الفساد بصنفيه المالي والإداري. وليست ببعيدة التظاهرات التي ملأت فترة زمنية لايستهان بها، شوارع المدن والأقضية والنواحي في محافظات العراق كافة، مستنكرة ومستهجنة النظام السياسي المتبع، والذي أثبت بما لايقبل الشك عدم جدواه في النهوض بالبلد، الى حيث يليق به كبلد يطفو على بحر من النفط.

وبصرف النظر عن التغيرات السياسية الشكلية، المراد منها إضفاء مسحة جدية التغيير على العملية السياسية البيروقراطية، وإبرازها بوجه حسن كقناع يخفي وجهها القبيح، فإن وضع بلدنا اليوم لا يسر صديقا ولا يبغض عدوا، حيث أوصله ساسته بنظامهم البرلماني الى بلد حاصل على الدرجات العليا والمواقع المتقدمة بين بلدان العالم، إلا أنها في إحصائيات الفساد والجريمة، علاوة على إفراغهم خزينته من المال، وعزمهم على تعرية أرصدته في البنك الدولي من غطائه الذهبي، ماينذر بعاقبة سيئة بل سيئة جدا في المستقبل القريب والقريب جدا، قد تمتد الى البعيد والبعيد جدا، كما أن قادم الأيام سيكون شد الحزام عن آخره خيارا لا ثاني له أمام العراقيين، والبركة قطعا بالأخطاء المتكررة في المجلس التنفيذي والمجلس التشريعي بدوراتهما المتعاقبة كافة.

والراية البيضاء هنا -بعد أن سوّدوها- بات حتميا رفعها زمانا ومكانا، كون العراق يعيش حربا طاحنة، تهون أمامها الحرب ضد الإرهاب، فالأخيرة كانت تقتصر على تطبيق (الفرضة والشعيرة) و "مد خط وهمي من عين الرامي الى الهدف" وبشيء من الذخيرة الحية، والتحضيرات اللوجستية، وضمان الإمدادات التعبوية، وتهيئة سقف جوي، وإسناد مدفعي وهندسي. وبتوفير هذه المعطيات مجتمعة، أتت المعارك ضد الإرهاب مضمونة النتائج لصالح العراق والعراقيين.

نعم، فمع ويلات الحرب ضد الإرهاب وأهوالها، نحن أمام حرب أكثر ضراوة، تلك هي الحرب ضد الفساد، والتي لن يدخل الزناد كأداة من أدوات القضاء عليه، ولن تجدي الرصاصة كوسيلة ردع ضد عناصر الفساد، كما أن البنادق والخنادق ليست خيارا موفقا لمجابهته والتغلب عليه، أما الوقوف ضده، فلن يقتصر على جيش أو قوات مسلحة أو أمنية فحسب، فبدءًا من المواطن، أبسط مواطن، الى الرؤوس في الحكم، مرورا بشرائح الشعب كافة بمؤسسات البلاد جميعها، تتبلور مسؤولية التصدي لعناوين الفساد، دون محاباة ومواربة وتواطؤ، وبغير هؤلاء جميعهم، ومن دون موقف موحد منهم، ووقفة جادة حازمة، وتدابير صارمة لاتذللها الإخفاقات، لن يوفقوا بالقضاء على الفساد، وسيبقون حينها (محلك راوح) فيما يبقى الفساد تحت إيعاز (إلى الأمام سر).

***

علي علي 

عندما يُطرح أي سؤال عن التأخر العربي، يكون الجواب واحدا، وبمقاربات خامدة وعقيمة، لم يتحرر من قبضتها المفكرون والفلاسفة والمثقفون.

ولا زلنا نقرن التأخر بأحداث مضى عليها قرون، وكأن المجتمعات الاخرى لم تحصل فيها أحداث أبشع وأقسى من التي عندنا.

فعدم التقدم المتوافق مع إرادة العصر، ناجم عن أسباب نفسية ومشاعر سلبية، تفاعلت في الواقع الذي لم تتوفر فيه قيادات إيجابية ذات قدرات معرفية، ووعي تأريخي، وفهم لطبيعة الإنسان وجوهر ما فيه.

وتفاقمت الحالة بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أدركت الدول المنتصرة فيها، أن عليها أن تنيخ الشعوب وتستعبدها بآليات مباشرة وغير مباشرة، أو إستعمار ناعم، وآخر خشن، وتقلص الإستعمار الخشن مع الأيام لكلفته الباهضة، وتنامى الإستعمار الناعم لربحيته العالية، وبموجبه يُزرع في الهدف أسباب الضعف والإنكسار وفقدان الإرادة، وإقناع الناس بأنهم عالة وعليهم بالتبعية والخضوع لإرادة الطامع فيهم، فتوجهت الأقلام ووسائل الإعلام للترويج لثقافات الإنكسار والإندحار والدونية، وتحقق تسويق العديد من الأشخاص ليكونوا أبواقا للإنهزام والقبول بالأمر الواقع، وإستلطاف البكاء على الأطلال، وتمجيد الغوابر وتقديم التأريخ بأساليب خيالية وتقديس شخوصه، وإعتبار الماضي مجدا خارقا لا يمكن الوصول إليه، وتم إخراج رموزه من آدميتهم، وإعتبارهم مخلوقات لا تتجسد فوق التراب، وكأنها لا تموت.

وعلى هذا المنوال سارت الأجيال متعثرة بالأجيال، وحتى يومنا المعاصر تجد العديد من الأقلام تكتب ما تبرر به التأخر وتحسبه تحصيل حاصل.

وهكذا تأسن الواقع بتكرار ما هو سلبي تجاه الأمة والإنسان، وغياب القيادات القادرة على إستنهاض الطاقات وبناء الحاضر والمستقبل، وإشتداد الهجمات الإعلامية بأنواعها؟

فالجيل العربي تم خداعه، والنيل منه، والقسوة عليه، وتدمير وجوده، ومصادرة حقوقه، وتعطيل عقله بآليات السمع والطاعة، حتى صارت الخطايا مقدسة.

***

د. صادق السامرائي

 

كنا في بداية ستينات القرن العشرين نحمل راية الأفكار التقدمية، سواء الغربية منها المتعلقة بالحرية والديمقراطية ام الشرقية متمثلة بالفكر الثوري وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق بناء مجتمع على أسس اشتراكية. وكانت كل لقاءاتنا كأصدقاء تنصب على حوارات ثقافية حول التجارب العالمية، وقراءاتنا للكتّاب المشهورين. هذا يحدثنا عن ثلاثية نجيب محفوظ وذاك عن وجودية جان بول ساتر، والآخر عن كولن ولسن وكتابه "اللامنتمي" الذي أحدث ضجة كبرى بين مثقفي المجتمع الأوربي.

فاجأنا أحد أصدقائنا الذي يكبرنا سناً بحوالي ثلاث او أربع سنوات، من انه سوف يتزوج قريباً. وجه الينا الدعوة باعتبارنا اصدقاءه الشخصيين. وجاء يوم العرس وكانت الجلسة في بيتهم. البيت متواضع وفي محلة شعبية، وطبيعة المجتمع والجوار ريفية عشائرية، وان كانت من ضواحي مدينة بغداد. جهز غرفة الضيوف لتكون لنا فقط، واعد لنا المشروبات الكحولية والمزة المرافقة لها. بدأنا نشرب فرحين مع العريس، والبيت حولنا في حالة من الفوضى والضجيج. المئات من الشباب يدخلون ويغادرون في بيت لا تعدو مساحته أكثر من 100 متر مربع، وهو من البيوت الأولى التي وزعها الزعيم عبد الكريم قاسم في اعوام 1961/1962 على ساكني الصرائف في مدينة بغداد. معظم الحاضرين من نفس المنطقة السكنية او ربما من نفس العشيرة، فيما عدانا نحن سكنة الكرادة الشرقية التي كانت في ذلك الوقت تعتبر من المناطق الأرستقراطية.

جاءت اللحظة الحاسمة بشكل مفاجئ. لحظة زفة العريس لعروسه التي لم تتعدَ خروجه من غرفة الضيوف ونحن معه الى غرفة النوم أو غرفة ليلة الدخلة المجاورة لها. مشينا معه وخلفه، وفعلنا ما هو دارج ومعتادٌ عليه ان يقوم به أصدقاء العريس ونحن نزفه الى القفص الذهبي. دخل الغرفة وسط الهلاهل والهتاف: "شايف خير ومستاهلها". لم نرَ العروس لأنها كانت في الغرفة بانتظار العريس في تلك الليلة المباركة. الليلة التي تحلم بها كل فتاة. الليلة التي ستمارس بها الحب والمحبة لأول مرة، لتبدأ حياة خصبة بالأفراح والعشرة الطيبة.

تصورنا ان الحفلة قد انتهت حينما دخل العريس الغرفة، وعليه كان لزاماً علينا ان نهمّ بمغادرة الدار كي ينعم العروسين بالخصوصية المطلوبة في ليلة العرس. ولكن قبل ان نخرج من باب الدار فاجئنا العريس بالخروج من غرفة الزوجية، ملوحاً بيده منديل ابيض ملطخ بالدماء، رافعاً رأسه عالياً بكل فخر واعتزاز. بدأت الهلاهل والأهازيج تصدح عالياً، وبدأ إطلاق النار في الهواء، وبدأ الاحتفال الحقيقي.

بالنسبة لنا الاحتفال قد انتهى، لذا قررنا توديع العريس والحضور. لاحظنا في هذه الأثناء ان بعض الأشخاص ينظرون الينا بطريقة خاصة، وبنوع من الغضب، ويتشاورون فيما بينهم. لم نعطِ لذلك أهمية ولم ينتبه الجميع لذلك. لم نستطع عدم الحديث عما حصل ونحن في طريق العودة. خمس دقائق لا أكثر ولا اقل. كيف يمكن ذلك! ولماذا الاستعجال! وهل هي التقاليد! وهل هذا ما كان يتوقعه الجميع، عدانا نحن اصدقاءه المقربين!!! هكذا انتهت ليلة الدخلة بوقت زمني قياسي لم يتجاوز الخمس دقائق. لقد اخذنا الموقف على حين غرة. سمعنا بمثل هذا من قبل، ولكن في القرى والأرياف، وممارسات يقوم بها الجهلة غير المثقفين، فما بالك ان قام بها من يدعي الثقافة والتقدمية ويدافع عن حقوق المرأة ليل نهار.

التقينا بصاحبنا بعد حوالي أسبوع او أسبوعين من تلك الليلة. وتدرجنا بالحديث لنصل لما حدث في ليلة الدخلة. كانت اجابته واضحة ومباشرة. قال ان الكل ينتظر نتيجتين في تلك الليلة: من أني رجل، ومن ان زوجتي باكر حينما دخلت عليها. ولكن يا صديقي هذه عادات وتقاليد نحن نستنكرها ونسعى الى ازالتها وندعو الى العلاقات الزوجية الحميمة المبنية على المحبة والتكافؤ والمساواة بين الرجل والمرأة. قال وانا أؤمن بذلك، ولكني لا أستطيع ان اتغير بمفردي. نحن ندعو ان يحصل تغيير اجتماعي شرط ان يكون جمعي وليس فردي، وإلا سيكون مظهرنا شاذاً ومستنكراً من قبل المجتمع.

ثم أردف يقول ان هناك موضوعا آخر حصل تلك الليلة اريد ان اخبركم به. هل تعلمون ان وجودكم بيننا لم يكن مرغوباً به! وحينما تساءلنا عن السبب؟ قال لأنكم لستم من بيئتنا. مظهركم وملبسكم وانطلاقتكم كانت استفزازاً للآخرين. كذلك لاحظ الشباب ان بعض الفتيات كانوا منتبهين لوجودكم أكثر من انتباههم على شباب العشيرة. لذلك لم يتحملوا وجودكم بيننا، لدرجة قرر بعضهم ان يلحقوا بكم ويقتلوكم او على الأقل يعتدوا عليكم ضرباً. ماذا تقول يا صاحبنا! صدقوني لولا توسلي بهم في تلك الليلة لحدث ما حدث.

***

محمد حسين النجفي

 

اه كم هو جميل الإبحار في الماضي والغوص بحثا عن ذكريات غادرت الذاكرة أو اختفت تحت صخوره او بين تلافيفه المتناثرة في بواطن السنين التي فقدت عبقها .. انا الان اجلس على دكة الزمن وارنو بعيون محايدة لما جرى في تلك الأيام التي تحولت إلى جزء من ركام الماضي السحيق فيترائى لي بيتنا يلاصق بيتهم قريبا من النهر وفي الجهة الثانية التي تجاور بيتهم ماكنة الماء الكبيرة والتي تصب ما تأخذه من النهر في ساقية كبيرة تتهادى نحو حقول بعيدة وقرى لا اعرف عنها شيئا ولا حتى مسمياتها .. اولاد عمي حسين هم حمادي وسعيد وبناته وضحه وسعاد وزوجاته زهره ورفعه وانا واخي علي وعبد الكريم واخواتي فاطمة وزينب وكلثوم وامي سلوى وزوجة ابي الأخرى عقيلة هم امتداداتهم تصل حتى منطقة (الكرمه) على مشارف الفلوجه ونحن تبدأ امتداداتنا من حديثة حتى العزيزية وصولا إلى الحويجة . كان حمادي أكبر مني بعام وأخوه سعيد أصغر بعام لكنه أكبر من اخي عبد الكريم أيضا بعام نذهب صباح كل يوم إلى مدرسة (المفيد) القريبة من سكننا ومعمل (الدبس) الواقع على شارع المحيط لم يجمعنا صف إذ تفرقنا حسب أعمارنا وتوزعنا على الصفوف من الأول حتى الرابع وكان بيني وبين حمادي تنافس رهيب فكنا الأوائل على صفوفنا كل عام واكتفي سعيد وكريم بالنجاح .. كنا في أغلب صباحات ايام الدراسة نفطر معا ثم يقودنا حمادي العاقل الهاديء الشاطر نحو المدرسة وننتظر بعضنا عند انتهاء الدوام .. بين بيتينا فوارق ومشتركات كثيرة لم أنتبه لها إلا بعد ثلاث سنوات من عمر المدرسة إذ تختلف لهجة ابي وامي وضرتها عن لهجة عمي حسين وزوجتيه لكن التفاهم بينهم موجود وكوفية ابي مرقطة بالأسود وعقاله سميك وكوفية عمي حسين بيضاء خالصة وعقاله أقل حجما لكنهما لم يتوقفان عند هذا وفي الصلاة يضع عمي حسين ذراعاه أسفل صدره في حين يسبلهما والدي لكنهما لا يتوقفان عند هذا الاختلاف وغالبا مايذهبان إلى زيارة مرقد الإمام الكاظم لكن عمي حسين وعائلته لا يذهبون معنا إلى كربلاء والنجف ويفطر عمي حسين في عيد رمضان قبلنا بيوم كل عام ولا يتزاوران في هذا اليوم بل يكونان معا في اليوم الثاني أما المشتركات فهي كثيرة وكثيرة إذا ما أن تأتيهم حصتهم من تمور بساتين منطقة (الجذول) حتى تكون حصتنا منها معلومة وما يأتينا من شيء إلا ولهم حصة فيه وكم حاولت أن أعرف من ابي مدى قرب عمي حسين له فيردني ردا جميلا ويخبرني انه اخوه وعمي وهكذا حتى حانت الفرصة وكنا انا وحمادي في طريق العودة من المدرسة وسألته..

- حمادي هل نحن أقرباء أو جيران فقط؟

- ابوك عمي وابي عمك

- لكن اسماء الأجداد تختلف؟

- هكذا فهمت من ابي وقد يكون هناك خطأ في السجلات

- لا أعتقد أن هناك خطأ ولو كان لصححه أحدهما

- لماذا لا تسأل عمي؟

- سألته ولم يرد إلا بما ذكرت انت

- طيب وماذا تريد أن تعرف؟

- فقط نوع القرابة بيننا؟

- حاولت قبلك ولم أصل إلى غير هذا

- هناك اختلافات ياحمادي في اللهجة والسلوك والتعبد وقد ينشغل أباك في صلاة التراويح في ليالي رمضان في حين يسميها ابي بدعة؟

- وبعد؟

- كثير .. منها أنكم لاتزورون مراقد الأئمة مثلنا ويصلي ابوك خمسة أوقات وابي ثلاثة

- نفس ما يجول بخاطري لكني مثلك اسال ابي ولا احصل على ردود مقنعة

- والحل؟

- نترك كل شيء للزمن وهو كفيل

ومرت الأيام وشتت بنا السبل واكملنا دراستنا بعيدا عن بعض بعدما ارتحلوا هم إلى الفلوجة وتركنا المنطقة إلى غيرها ولم يزورنا عمي حسين ولم يذهب ابي لزيارتهم وصدفة ذات يوم كنت مدعوا إلى مؤتمر يخص مكون لا انتمي له وجدت حمادي من شخصيات ذلك المكون المهمة وهو يرتقي المنصة ويطالب بحقوق مكونه بحماسة منقطعة النظير تصل إلى حد شتم المكونات الأخرى فعرفت ان الأيام قادرة على تبديل القناعات وأن (الاخوة) مهما طالت لها صلاحية محددة وتاريخ انتهاء.

وهكذا ضاعت الأيام واخذت معها الاخوة

***

راضي المترفي

 

باتت الأوضاع والأحداث في العالم مرتبطة ببعضها بشكل وثيق، فكل هذه الملفات يأثر الواحد بالآخر ويتآثر.. فالحرب في أي مكان ستلقي بتأثيرها على المشهد الاقتصادي للمنطقة وتحديداً العراق، ولا يقتصر هذا على المشهد الاقتصادي فحسب، بل تعداه الى الجانب السياسي، ولنا في تأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية خير دليل.. حيث بات من المهم ان نقرأ المشهد العراقي من زاوية (روسية-أوكرانية).. فما شهده بلدنا من متغيرات أقتصادية، بدأت بالتأثير عليه من خلال الارتفاع اللافت في أسعار النفط في العالم، وما تركه من تفاعل بالإيجاب على الوضع الاقتصادي للبلاد.

العراق من البلدان التي تؤثر وتتأثر بالمشهد ومتغيرات الدول، وبات العالم يستشعر حجم المازق الذي يعيش به بما يخص موارد الطاقة،لذلك ذهب الى ضرورة إيجاد منفذ ثاني لتغطية النقص الحاصل فيها،والعراق هو احد هذه المنافذ التي يُعتمد عليها في تزويد العالم بالنفط..

تبعا لما سبق صار لا بد أن يكون العراق مستقراً سياسياً واقتصادياً، ليصبح مؤهلاً لهذه المهمة.. لذلك عمدت الولايات المتحدة الامريكية لدعم إيجاد الاستقرار السياسي المناسب له، من خلال إيجاد الوسائل الضرورية لهذا الاستقرار، وتوفير البيئة الآمنة له.

البيئة العراقية من جهتها ربما تعد آمنة لدعم الاقتصاد العالمي بالنفط،إذا ما توفرت لها كل الوسائل الضرورية لهذا الاستقرار، عبر توفير القوانيين والتعليمات التي من شانها تذليل العقبات، وإزالة المعرقلات التي توثر على عمل الحكومة وتنفيذ برنامجها الحكومي، وإيجاد الاليات التي من شانها تسهيل عمل الحكومة.. هذا جعل حكومتنا في موضع مريح لكنه يتطلب ضرورة إستثمار هذه الفرصة الثمينة، التي أنتجتها ازمة الطاقة العالمية بعقد الاتفاقيات الاقتصادية مع هذه الدول، وفق مبدأ التوازن، وان تبنى هذه الاتفاقيات على أساس مصالح الشعب العراقي..

نقلت مصاذر ان الوفد الذي وصل الى العاصمة واشنطن برئاسة السيد فؤاد حسين، عازم على مواجهة الازمة الاقتصادية، وفق رؤية الحكومة العراقية ومصالح البلد، وليس على اساس ما تريده واشنطن من العراق، كما يحلول ان ينقل صورة مفادها، أن على واشنطن ان تنظر الى العراق كحليف وليس تابع.. وان له قرارا سياسيا نابعا من مصلحة هذا الشعب..

للعراق دوراً رئيسي ومهم في أن يكون المفاوض البديل، عن واشنطن في حواراته مع طهران، او حتى مع روسيا، وهذا يتيح ان تصبح  بغداد طاولة حوار لهذا الخلاف،وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

حكومة السيد السوداني وكما يبدوا لحد الان، جادة في إيجاد الاصلاحات الضرورية لمعالجة الخلل في بنية الدولة،وتنفيذ الإجراءات  الضرورية لتحسين الاداء الحكومي،بالاضافة الى ضرورة ان يكون هناك تفعيل لدور القضاء عبر ملاحقة مافيات الفساد وسراق المال العام..

بعكس ذلك ستبقى حكومة السيد السوداني ومن خلفها البلاد، رهينة الرغبات واجندات دول اخرى، وسياسات ومصالح تلك الدول،وستبقى عرضة للاسقاط بأي لحظة، لان تلك الدول تبحث عن مصالحها فقط.

***

محمد حسن الساعدي

لم تستطع الحكومة العراقية أن تبني سياستها الواضحة المعالم في العلاقة بينها وبين الشعب في كشف سياستها وتوجهاتها الخارجية والقرارات المصيرية المتعلقة بمصير الشعب وحياته اليومية وكيفية تعريف سياستها مع الدول المرتبطة معها بعلاقات استراتيجية تجارية وسياسية تحاول من خلالها توضيح للمواطن ما يدور مع جيرانه من دول العالم وما يجري فيه من متغيرات يومية شائكة وكيفية أدارة ثرواته وأمواله لهذا نرى كل الاتفاقات المبرمة مع دول ذات علاقة بنا نراها تُدار من وراء الكواليس وفي دهاليز السياسة  المظلمة ومطابخها لن يطلع عليها المواطن إلا من خلال النزر اليسير من المعلومات التي تبثها قنوات الإعلامية المتهمة بالطائفية والتظليل والكذب وكثيرا من التهم التي توجه لها بعد ما فقد المواطن المصداقية بالحكومة والإعلام فكل الاتفاقات العلنية منها والسرية يحيطها الغموض تظهر حقائقها بعد زمن من خلال تسريب مضمونها وتبعاتها وتداعياتها التي تلقي بظلالها المظلم على المواطن .

أن كل المفاوضات والاجتماعات الخارجية والداخلية التي تدار في الكواليس بين القوى السياسية غير شفافة لتتستر على مصالحها الشخصية بعيدا عن الرأي العام رأي المواطن وهذا يجرنا إلى التساؤل هل عدم وجود رأي للشعب في تقرير مصيره هو لحساب مصالح القوى السياسية وديمومة وجودها في السلطة أو عدم الرغبة في تعريف المواطن بما يدور من حوله خشية منه ومن ردود أفعاله إزاء التنازلات الخطيرة التي لا تصب في مصلحة المواطن أو فقدان الشجاعة في المصارحة خوفا من استفزاز الشعب والقوى الوطنية حفاظا على معارضة سياسة الحكومة وتوجهاتها التي تصب في مصلحة الغير على حساب مقدرات الشعب بحيث لن تُكلف الحكومة نفسها باطلاع الشعب على قرارات الحكومة وتبيان سياستها الخارجية بوضوح وخصوصا الاتفاقات الدولية مع العراق ومحتواها ونتائجها وعرضها أمام الرأي العام إلا من خلال ما يتسرب من وسائل الإعلام وعلى شاشات التلفاز أو الندوات الحوارية وكأن الشعب ليس معنيا وليس له الحق باطلاعه أو أبداء الرأي كحق من حقوقه الديمقراطية إلا بعد فوات الأوان وتمرير مضامينها المجحفة بحق الشعب وتهديد سياسته فعلى سبيل المثال الاجتماعات والاتفاقات على ترسيم الحدود البرية والبحرية مع الكويت والاتفاقات النفطية مع مصر والأردن ومن قبلها الاتفاقية الصينية مع العراق وآخرها مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص ارتفاع سعر الدولار في العراق وتأثيره على الحالة المعيشية للمواطن والقرارات السياسية في أدارة السياسة المالية والمصرفية التي دارت بين الطرفين وعلى ماذا وقع الجانبان وما هي التنازلات التي عودتنا الحكومات العراقية على أعطائها دوما للغير ولهذا نرى عدم الرضا على الحكومات وزيادة الهوة والفجوة والجفاء الذي يتسع يوميا تتجلى صوره في كل انتخابات نيابية تولد عرجاء فاقدة للتأييد الجماهيري والخاسر الطرفين وخصوصا الشعب أما الحكومة فالوضع مؤقت إذا ما تداركته القوى السياسية حاليا ومستقبليا.

***

ضياء محسن الاسدي

 

أمة العرب دستورها الكلمة، لأنها فاعلة في سلوكها منذ ما قبل الإسلام، وجاء القرآن ليؤكد دور الكلمة وقيمتها العملية اللازمة لحياة طيبة صالحة للناس.

فالخطابة والشعر كانا فاعلان في الحياة، وإكتسحهما القرآن ببلاغته وقوته الأسلوبية المتحدية لطاقات الإبداع السائدة، ولذروة ما وصلت إليه قدرات التعبير بالكلمة عن الفكرة والمعنى والمغزى.

ومضت الأمة بعد ذلك قوامها كلمات القرآن وقوة البلاغة الشعرية، فما خلت فترة حكم فيها بعد دولة المدينة من أنوار الشعر وآلياته المهذبة للتفاعلات ما بين الناس، فالشعراء وضعوا القوانين السلوكية في منظومات شعرية تتوارثها الأجيال وتنغرس في ضميرهم ووجدانهم، وتُنحت في ذاكرتهم ولا تغيب عن الحضور.

ويبدو أن للشعر تأثير كبير على مسيرة الأمة، وفي معظم الأحيان يكون للشعراء قدراتهم القيادية والتوجيهية على مختلف المستويات والصيرورات، فكانوا من المقربين لقادة الأمة والمعبرين عن رؤاهم وتطلعاتهم، ومعايير حكمهم، فتجد في قصائدهم ما يوضح ذلك ويؤرخه وينشره بين الناس، فالشاعر كان الصوت الإعلامي لنظام الحكم.

وبزعزعة قوام الشعر، وتناثر كلماته، وخروجها من الواقع إلى الخيال، ومن الوضوح إلى الغموض، ومن ملامسة هموم الناس إلى التحليق في مدارات الآخرين، أصبح السلوك الجمعي يميل للإضطراب ويفتقر للمعايير اللازمة لضبطه وتوجيهه، وبإنهيار قيمة الكلمة ودورها، صارت الكلمات بأنواعها لا تؤثر فتتدحرج ككرات البليارد على سفوح المسامع.

وتجدنا أمام منشور ومذيوع يهاجمك بلا إنقطاع، وما يحصل يمثل إنهيارات وتدهورات، بتداعياتها الفاعلة في الأحداث والمولدة للصراعات والتنافرات ما بين أبناء النوع الواحد، لأن العقول تبلدت مدافعة عن وجودها أمام الضخ العقيم، فتعطلت حركة الكلمة وتصملت في مواطنها، ففقدت التأثير بالسامعين والقارئين.

ولن تنطلق الأمة في مسارات العصر وتستعيد جوهرها ما دامت الكلمة مصادرة ومجردة من التعبير عن فعل!!

فهل سنعيد للكلمة قيمتها الحضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

قد يضطر الإنسان الى الحصول على الجنسية الثانية، بسبب فرص العمل او الهروب من واقع بلده الاصلي السياسي والاقتصادي والعيش في بلد اخر،نلاحظ ان غالبية مزدوجي الجنسية هم من رعايا ما كان يعرف بدول العالم الثالث ومنها دولنا العربية، وهذه الدول بمجملها تعرضت للاحتلال الاجنبي وبالأخص الاوروبي،لم يأتي هؤلاء للإعمار كما يدعون بل جاؤوا لنهب خيرات الدول ومن ثم افقارها وقتل وتشريد المناوئين لهم، وهذه الدول الاستعمارية تعمل على جلب رعايا الدول التي كانت مستعمرة من قبلها من ذوي الكفاءات بمختلف المجالات واخيرا جلب العمالة غير الماهرة لتدني اجرها.

قد يبدو الامر في بدايته انه انتقال للخبرات الى حيث تجد فرصة للإبداع والاختراع وعيش الرفاهية، لكنه في الحقيقة ما هو الا سعي محموم من قبل الدول الاستعمارية للظفر بتلك العقول والاستفادة منها الى اقصى حد ممكن وتقديم الاغراءات، وصل الامر بهذه الدول الى عدم السماح لتلك العقول المهاجرة بالعودة الى اوطانها وان ادى الأمر الى اغتيالها والشواهد على ذلك كثيرة.

نلاحظ عبر وسائل الاعلام المختلفة ان الغرب الاستعماري لا يحترم من يعيشون على اراضيه من رعايا الدول التي كانوا يحتلونها، فرغم حصولهم على الجنسية الا انهم لا يتمتعون كأقرانهم (الاصليين) بالرعاية الاجتماعية التي تكفل لهم العيش الكريم والتوظف في مؤسسات الدولة، بل نجدهم يسكنون في احياء تفتقر الى ابسط الاشياء من مصادر للمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية ويعملون في المهن الوضيعة ويعاملون بقسوة من قبل السلطات البوليسية والزج بهم في السجون ولا ينصفهم القضاء، فعن اية حقوق يتشدق هؤلاء؟.    

الانكى من ذلك ان بعض مزدوجي الجنسية يعملون لصالح الدول التي منحتهم الجنسية على حساب دولهم الاصلية وبالأخص في مجال ما يسمى زورا وبهتانا بحقوق الانسان (شعارات براقة هلامية يختطها الغرب كيفما يشاء)حيث ان هؤلاء(مزدوجي الجنسية) يسعون الى اثارة القلاقل في بلدانهم من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، بل يذهبون الى بلدانهم الاصلية وقيادة مظاهرات ضد أنظمتها، ليقينهم التام بان من منحوهم الجنسية وشجعوهم على تخريب بلدانهم، سوف يسعون الى استرجاعهم بكل الوسائل خاصة وان دولهم الاصلية لا حول لها ولا قوة، وعندما تعمد دولهم الاصلية التي لازالوا يحملون جنسيتها الى محاكمتهم على ما ارتكبوه من اعمال عنف واثارة للشغب، بل الى تزويد من منحوهم الجنسية بمعلومات تمس بالأمن الوطني تقيم الدول الغربية الدنيا ولا تقعدها وتطالب تلك الدول بترحيلهم لانهم يحملون جنسيتها وهي مطالبة وفق القانون بحمايتهم، ومن هنا يبدأ ما يعرف بتنازع الوطنية.

ترى لماذا لا تسعى الدول الاصلية التي لاحول لها ولا قوة على مجابهة الغرب الى سحب الجنسية من كل من سعى الى الحصول على جنسية اخرى ويعمل لصالحها بل يسعى الى اثارة الفتن ببلده الاصلي فهؤلاء لا فائدة ترجى منهم بل ولاءهم لأسيادهم الذين منحوهم الجنسية وجعلوهم اعينا على بلدانهم، ومن ثم في حالة قدوم هؤلاء الى بلدانهم الاصلية وارتكاب اعمل شغب فانهم يعاملون كأجانب وتطبق عليهم النصوص والأعراف الدولية التي تحكم علاقات الدول.

لقد لاحظنا وبأم اعيننا ان مزدوجي الجنسية الذين عادوا الى (بلدانهم) عقب الاطاحة بأنظمة الحكم ضمن مسلسل الربيع العربي، تولوا مناصب قيادية ونهبوا ثروات شعوبهم وعندما ابعدوا عن السلطة رحلوا الى مانحيهم محملين بتلك الاموال، انهم وبكل بساطة عملاء بمرتيه الخيانة العظمى.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

بعد حملة منصة "بلغ" التي اطلقتها وزارة الداخلية لمواجهة اصحاب المحتوى الهابط، لا يخفى ان لمواقع التواصل الاجتماعي جانبين مهمين في الاستعمال، هما:

الجانب الاول - الايجابي:

ويمثل الهدف من وجودها وتسميتها بالتواصل الاجتماعي وتبادل الأفكار والاخبار وتشخيص مواطن الخلل على كافة الصعد باسلوب مقبول وموضوعي. وهو موجود في مجتمعنا بموضوع التواصل بشكل محدود جدا، لكن مغالى فيه بقضية النقد والتهجم الذي لا يستند الى دليل.

الجانب السلبي: ويقتسمه فريقين:

الفريق الاول: يذهب الى ان وسائل التواصل الاجتماعي صناعة امريكية بامتياز للتجسس على الشعوب الاخرى اولا؛ وتخريب قيمها ومعتقداتها ثانيا؛ وغزوها فكريا ثالثا... وهذا الفريق يعتمد نظرية المؤامرة الخطرة جدا والتي يعتبرها البعض اخطر من الاحتلال، لان الاحتلال ممكن ان تحاربه وتقاومه بالشباب بينما هذا الاحتلال التكنلوجي يخرب عقول الشباب ويسلخهم عن مجتمعاتهم وعن افكارهم وقيمهم وتقاليدهم واهم شيء عن تعاليم دينهم. واصحاب هذا الفريق ناقوس خطر حيث شهدنا الكثير من حالات تقليد محتويات الغرب في العراق من قبل الشباب والتي هي بعيدة كل البعد عن واقعنا وعاداتنا وتقاليدنا.

الفريق الثاني: يذهب الى ان مواقع التواصل الاجتماعي بناءة وتطور مطلوب؛ لكنها تعاني سوء الاستخدام والإفراط والاهتمام الزائد بها في مجتمعاتنا، واعتماد البعض عليها في السب والقذف والكذب والتسقيط وترويج الإشاعة ونشر الصور المخلة والرذيلة احيانا. وهذا الاتجاه لم يجافي الصواب لان البعض ذهب بعيدا في بثه ومحتوياته حتى سقط كل شيء ساسة وسياسات وتجاوز على الذوق العام بنشر كل ما هو فاضح ومخل بالآداب العامة وهنا يندرج اغلب اصحاب " المحتوى الهابط "، سواء كانت فعلتهم عن قصد مسبق او عفوية دون العلم بمخاطرها، وهدف اغلبهم الشهرة المصطنعة او المؤقتة.

ورغم كل ما تقدم، فإننا لن نستطيع التوصل الى الاستفادة من تقنيات الاعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي لعدة اسباب اهمها:

١. انها صناعة خارجية مستوردة جاهزة.

٢. لا يمكننا التدخل في تطويرها او تحويرها.

٣. لا نتوقع تكنلوجيا المورد التي تتطور كل لحظة.

٤. صعوبة مراقبتها لان تغذيتها ممكن ان تكون من اي بقعة في العالم.

٥. ضعف القوانين الداخلية او انعدامها والمتعلقة بمحاسبة المتجاوزين على الشبكة الدولية للمعلومات يشكل جزءا كبيرا من سلبيات هذه المنظومة التي لا ننكر ان لها إيجابيات تفوق السلبيات ان نحسن استعمالها... وهذه مسؤولية البرلمان الذي اغفل هذه القضية في دوراته المتعددة السابقة.

وأخيرا تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي وما سيظهر مستقبلا من تطبيقات الكترونية جديدة... جزءا مهما من حياتنا ولا بد من التكيف معها قانونيا  اولا؛ باصدار تشريعات جديدة تنظم عمل هذه التطبيقات. واجتماعيا ثانيا؛ بتثقيف الشباب على استعمالها والاستفادة من ايجابياتها. وتكنلوجيا ثالثا؛ بتطوير امكانيات التعامل معها محليا وترويضها حتى تنفع مجتمعاتنا.

ان ما جرى خلال الشهرين الماضيين من حملة لمكافحة اصحاب المحتوى الهابط اعتمدت على قانون العقوبات لعام ١٩٦٩ وكانت صحيحة ومؤثرة، لولا انها اعتمدت عنصر المفاجئة في اوامر القبض واصدار الاحكام دون تحذير مسبق او تنبيه في إقرار العقوبة، واغفلت ان الغاية من القانون الردع لا العقوبة.

***

جواد العطار

منذ أيام وانا مربك اعيش زحمة واعياء من دون أن تكون هناك التزامات معينة أو مواعيد وبعض كآبة غير انفعالية طبعا ، انهض مبكرا واحضر عدة قمصان وسروايل لاختار منها ما يناسب هذا الصباح وتمطر سمائي تفاؤلا وحبورا وما أن أقرب كوب الشاي من فمي حتى تتكاثف غيوم الملل وتمطر اسئلة لا معنى لها:

- إلى أين؟

- لا أدري

- مع من ؟

- لا اعرف

- إذا علام العجلة والنهوض المبكر؟

- شعور مبهم لا افهمه يداهمني هذه الأيام

تصدح فيروز ..

(انا عندي حنين ما بعرف لمين)

فتعاف نفسي الشاي واعود إلى فراشي متكاسلا ضجرا

فتتسائل نجاة ..

(لمن صباي لمن؟)

فتاخذني دوامة أخرى أضيع في لجتها ارتدي أقرب السراويل والقمصان من يدي ومعطفا كان مرميا قريبا مني وأشعل سجارتي وأمسك بمفتاح السيارة واهب واقفا ويصرخ من جوفي صوت ..

- إلى أين أيها المشتت المحتار؟

فاخرسه كما يكتم الحكام والقضاة واللصوص والظلمة والسراق والولاة ضمائرهم وأخرج لا الوي على شيء وعند الباب تحاصرني طفلة بظفائر مجدولة وأسنان ناصعة البياض وبسمة تشبه ضحك الملائكة الذي سمعت عنه بسؤال لم أجد له جوابا .. (عمو انت وين رايح) ومن غير شعور رفعتها إلى أعلى وقبلت خديها وشممت رائحة الطفولة فيها فكركرت نشوى وطوقت رقبتي بيديها الغضتين وطبعت قبلة على صدغي وسالتها .. انت ذاهبة الى اين  فردت بصوت تشبه حلاوته أذان الفجر في ليالي الشتاء إلى بيت خالتي فاخبرتها اني مثلها ذاهب الى بيت خالتي فامسكت بيدي وسارت حتى باب خالتها الذي لا يبعد كثيرا عن بيتي وطرقته فاحسست بحرج كبير وانتظرت حتى خرجت خالتها فحييتها وحملت الطفلة وغادرت انا ..

ادرت محرك السيارة واتجهت إلى الشارع العام وضعت بين زحام السيارات المختلفة الاتجاهات حتى وجدت نفسي اركن سيارتي في مأرب قريب من أحد الدوائر المهمة والتي يكثر مراجعوها ودسست نفسي بينهم حتى وجدت حالي واقف بين يدي الحرس وهو يتلمس جسدي وملابسي مفتشا ثم سمح لي بالدخول وهناك على مصاطب الانتظار قضيت أربعة ساعات متنقلا من مكان إلى آخر وأجريت عشرات الحوارات المتقطعة والمبتورة والمملة مع الكثير من المراجعين حتى دعاني أحد الموظفين للجلوس أمامه وخاض معي وزميل آخر له في أحاديث عن هموم الناس ومعاناة الموظفين والدين والسياسة والفن والجمال والحاضر والماضي وبعد مرور قرابة الساعة بدأ الزحام يتلاشى والموظفين يتركون الدائرة سألني:

- هل أكملت ما جئت من أجله؟

- نظرت مرعوبا بعد أن تذكرت أني لم اجيء لهذه الدائرة مراجعا وقبل أن أرد أردف هو .. لا عليك دقائق ويبدأ الدوام المسائي ، ودعته ومشيت بين المغادرين وعند الباب الخارجي استعانت بي امراة للوصول إلى السيارات وبدأت تكلمني عن ماانجزته اليوم في مراجعتها فداخلني خوف من مبادرتها لي بسؤال وعرضت عليها إيصالها إلى بيتها فوافقت فورا وفي الطريق توقفت عند مطعم للاكلات السريعة ودعوتها للنزول لكنها اعترفت أنها جائعة ولارغبة لها في الجلوس داخل المطعم فأتيت بطعام لها ولي وتوقفنا على ناصية الطريق بعد ابتعادنا عن المطعم وتناولنا طعامنا مثل اي عائلة أخرى وسط أحاديث متقطعة لم تسألني عن اسمي أو عملي ولم أسألها وبعدما اوصلتها إلى بيتها نزلت وشكرتني ذاكرة اسمي وضعت في زحام الشارع .. وهكذا تضيع ايامنا

***

راضي المترفي

 

 

العمل والقول برؤية أن الأديان تتعايش أشبه بالهذيان عندما يُنظر إليه بعدسات التأريخ، ذلك أن العقائد والأديان بأنواعها، تستند على مبدأ التنافر والتصارع، وكل منها يرى أنه صاحب الحق المطلق، وما سواه يجب أن ينتفي.

بل أن البشر في الدين الواحد لا يتعايشون، ويضعون تأويلات وتفسيرات لتأمين التصارع والنيل من بعضهم البعض، وهذا ينطبق على كافة الأديان والعقائد سماوية أو دنيوية.

التعايش بنسبية ما تأكد وبشروط وضوابط في مرحلة تأريخية في دولة الإسلام، فما عرفت الدنيا تعايشا بالمفهوم المعاصر الذي يعني التحمل والإحترام وفصل الدين عن السياسة.

التعايش يتحقق عندما يكون الدين الجامع هو الإنسانية، أما غيرها مشروع صراع وفناء، فحروب البشرية معظمها ذات طابع ديني أو عقائدي.

الأديان لا تتفاعل بإيجابية فوق التراب، ويمكن طرح العشرات من الرؤى والتصورات الخيالية الوهمية التي تتمنطق بالتعايش والتراحم والتوادد، والحقيقة الجوهرية المريرة أن كل دين يرى أنه هو الدين وغيره لا دين، فكيف يتعايشون؟

البشر أو بعضه يتوهم بأننا في زمن التنوير والرقي والتقدم، وجوهرنا النفسي متحجر وأهواؤنا تتحكم بنا، وتمتطي عقولنا، ونحن عبيدها، الخانعون التابعون القابعون في أوعيتها المغلقة الظلماء.

الدين  خط فاصل بين البشر، وخندق تباعد وتشاحن، ومن النادر أن يكون الدين وسيلة لرعاية دين آخر، بل لنسفه والإحلال مكانه، ولهذا تجد مَن يبشر بدينه لا مَن يدعو للتعايش مع دين غيره.

ترى لماذا يتواصل طرح التعايش والواقع لا يمتلك رصيدا يؤيده، وفيه ما يؤكد وبتراكمية فائقة أن العدوانية هي القانون الضابط للسلوك فوق التراب.

المرحلة بعد الحرب العالمية الثانية هي الأرقي في تاريخ البشرية، رغم ما يعتريها من سلوكيات عدوانية قاسية، فهذا ما تستطيع الوصول إليه البشرية، لكنها يبدو أخذت بالتآكل والإنكماش والسعي للعودة إلى ميادين العداء العقائدي المؤدين بما لا يخطر على بال من الرؤى والتصورات، التي أخذت تتفاعل لبناء حالة تصارعية ذات سلوك فتاك.

فهل أنها إرادة التراب الفاعلة فينا؟

***

د. صادق السامرائي

مع وقوع العديد من الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب تركيا، وشمال سورية تباعا مخلفة وراءها مئات الهزات الارتدادية، وعشرات الألوف من القتلى والجرحى والعالقين تحت الانقاض فضلا على مئات المباني المدمرة والمساكن المنهارة والتي لم تعد العشرات منها صالحة للسكن البتة، واذا بنا نسمع ونرى - تويتريا وفيسبوكيا وتيليغراميا وانستغراميا وتيك توكيا - كما هائلا من الفرضيات والتفسيرات التي ما أنزل بها من سلطان وهي تدور كقطب رحى حول الأسباب الكامنة وراء كل هذه الزلازل والهزات التي ضربت المنطقة بين قائل بأن الزلازل الطبيعية الناجمة عن حركة الصفائح التكتونية، ما هي وفي حقيقتها سوى عملية إحماء و- تمتوعة - من مشروع (هارب) الامريكي العملاق ومركزه بولاية ألاسكا، بغية السيطرة على شعوب الارض، فهذا البرنامج الذي يسعى الى تحليل الغلاف الجوي الأيوني بإرسال ترددات عالية القوة وبحسب عشاق وأسرى نظريات المؤامرة يؤدي الى حدوث أعاصير وفيضانات وزلازل تصيب بها اميركا من تشاء، وتصرفها عمن تشاء، بغض النظر عن - حمارها - الديمقراطي - أو - فيلها- الجمهوري الحاكم "بترو دولار قراطيا"، لحظة تنفيذ المهمة الشيطانية، وإنجاز الخطة الجهنمية، وكأنك براضعي أثداء المؤامرة ممن يأبون الفطام، وقد تحولوا الى أداة طيعة بيد "العم سام" من حيث لم يحتسبوا، وصاروا يمجدونها ويمدحونها ويطبلون لجبروتها من حيث يريدون تسفيهها وذمها على رؤوس الاشهاد، اذ لم يبق أمامهم سوى السجود لقصرها الأبيض - بس بالاسم - والتبرك بصنمها الأسود الذي صار بحسب ما يقيئون قادرا على التصرف بالكون كيفما شاء، ووقتما أراد، وما هكذا تورد يا مدمني نظريات المؤامرة ...الابل !

نعم أقر وأعترف بأنني واحد من المؤمنين بأن الغرب يتآمر علينا ولايكاد يدخر وسعا، ولا يألوا جهدا، لإضعافنا، وتمزيقنا، واستعبادنا، واستحمارنا، وبث الفرقة بيننا ليظل ينهب بخيراتنا، ويسرق ويهرب ثرواتنا ليلا ونهارا من دون حسيب ولا رقيب، ولكن وعلى قول البغادة" بس مو هالثخن !".

على الجانب الآخر كانت هناك فرضيات - ميتافيزيقية - يفترض بعضها بأن زلزال تركيا وسوريا ماهو إلا - بروفة - لبداية نهاية العالم وأحداث نهاية الزمان، مع أن الزلازل لم تتوقف طيلة العقود الماضية في كل أرجاء العالم بسبب حركة القشرة الارضية وتصادم الصفائح التكتونية ليتعظ من يتعظ، ويتوب من يتوب، ويعتبر من يعتبر، وليصلح حاله من يصلح، وليخطط جيدا من يخطط كاليابان مثلا والتي تحولت الى الهندسة المعمارية المقاومة للزلازل بضوابط وشروط قاسية لامكان فيها للمحاباة والمجاملة ولا - لكلاوات - المقاولين، وألاعيب المستثمرين، وأكاذيب السياسيين، حيث لا بناء يتهاوى، ولا ناطحة سحاب تنهار ولو بلغت قوة الزلزال 9 درجات على مقياس ريختر، وهكذا هو الحال مع الأمم والشعوب التي تحول الكوارث الطبيعية الى جملة من الانجازات الحالية والمستقبلية ولتغير من أساليب حياتها وخططها وبرامجها في التربية والصحة والتعليم والتنمية والاستثمار والبناء والاعمار، فيما نكتفي نحن كعادتنا " بندب الحظ العاثر والبكاء على الاطلال وبذل الجهد لتفسير الظاهرة وفيما اذا كانت فتنة للاخيار، أم عقوبة ساحقة ماحقة للاشرار !" ليخرج علينا عدو الفصحى، وكاسح اللغة العربية الذي لم يقرأ آية قرآنية واحدة بشكل صحيح طوال حياته، المدعو "ابو علي الشيباني" وهو يُنَظِر في الكوارث الطبيعية وينقل لنا بعض ما سره به من خلف الكواليس معلمه المفترض الذي لم يسمه يوما لإضفاء مزيد من الغموض والاثارة عليه، كل ذلك يأتي بالتزامن مع فرضيات أخرى تزعم بأن حبس تركيا لمياه دجلة والفرات خلف سدودها الـ 22، حيث 14 سدا على نهر الفرات وأكبرها سد أتاتورك، مقابل ثمانية سدود على نهر دجلة وأضخمها أليسو، هي السبب بوقوع الزلازل، إما انتقاما لعطاشى سوريا والعراق وثأرا لحجب المياه - طورانيا - بذريعة توليد الطاقة الكهرومائية، وتطوير المشاريع الزراعية، والاروائية، وإما لأن الكميات الهائلة من المياه المتجمعة خلف السدود قد سببت ضغطا وخسفا أرضيا كبيرا تمخض عن زلازل مدمرة لم تبق ولم تذر !

وهكذا قضينا الأيام الماضية ونحن نرقص "شر.. قيا " كالأرض التي تهتز وترقص من تحتنا - بريك دانس - بفعل الهزات المتتالية بين فرضيتي مشروع الـ (هارب) الامريكي، ومشروع الـ (كاب) التركي وذلك في هروب جماعي الى الوراء أو الى الامام، وفي محاولة يائسة من كثيرين لا أقول لتسطيح الكوارث الطبيعية والاحداث الدولية، وإنما لإلقاء كل أسبابها وتبعاتها بملعب الآخرين على الدوام مقابل إعفائنا نحن وإخلاء مسؤوليتنا من كل ما يجري من حولنا، ولا أدري حقيقة لماذا يصر ويفترض كثير من النشطاء والمحللين العرب على أننا مركز مجرة درب التبانة، وأن كل الاحداث الارضية السابقة واللاحقة، إنما تطوف وتدور وجودا وعدما ككواكب المجموعة الشمسية، ونجوم المجرة حولنا فحسب من دون بقية الخلق على سطح الكوكب أجمعين، والاعجب بأن سكان هذا الكوكب المسمى بالازرق لأن المياه تغمر 71% من مساحته الاجمالية في طريقهم لخوض نزاعات وصراعات وحروب مستقبلية محورها المياه، وفقا لمراكز الدراسات والبحوث الستراتيجية الدولية !

وبما أن الشيء بالشيء يذكر فدعوني أسأل هاهنا، اذا كانت العذابات الدنيوية لا تنزل إلا بحق كل من ظلمنا وعادانا فلماذا تنزلت علينا أمثالها كالامطار طيلة العقود الماضية، وإذا كانت تلك العقوبات مُستَحَقة ومحتمة على كل من يحجب المياه عنا ولاسيما من قبل الدول المتشاطئة معنا والأصل هو اشتراك الناس بالماء والهواء والكلأ، فلماذا لم نحرك ساكنا، دوليا ولا اقليميا للحيلولة من وقوعها اساسا، ولماذا تُخَص دولة ما بالعقوبات السماوية دونا عن الاخرى التي تحجب بدورها الكثير من روافد المياه عنا لتعيدها الى ارض المنبع ثانية من دون أرض المصب وبنفس الذرائع وعلى منوال المعزوفات النشاز، والاسطوانات المشروخة ؟

و اذا كان الله تعالى يعاقب كل من يخزن المياه لينتفع بها زراعيا وكهرومائيا واروائيا ونهضويا وصناعيا بزلازل مدمرة تصدع سدودها، فما هو مصير من " يبدد " هذه المياه المباركة وعلى مدار قرون طويلة من دون أن ينتفع بها حيث لاخطط زراعية خمسية ولا عشرية ...لا قنوات اروائية ...لاسدود مائية ...لا خزانات عملاقة لخزن مياه الثلوج والأمطار الشتوية ..لا بحيرات صناعية لتحويل وخزن مياه السيول التي نشكو من تدفقها سنويا على لسان أناس لطالما أدلوا بآرائهم وتصريحاتهم عبر قنواتنا الفضائية وهم يرددون في الشتاء - يمعودين لحكونا ..تره غركنا - وذلك بعد خمسة أشهر فقط على ظهورهم في ذات الفضائيات وهم يرددون صيفا عبارة - يمعودين لحكونا ..تره متنا من العطش!!

سدود وقنوات وبحيرات كل ما موجود منها في العراق قديم سبق بناؤه على مراحل خلال العهود الماضية ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، ولاجديد بعد 2003 حيث يصب الماء عندنا، ويمر بأرضنا مرور الكرام، ونحن كالعيس في البيداء يقتلها الظما، والماء الرقراق تحت أقدامها، ومن بين أيديها، وفوق رؤوسها، وعلى ظهورها ..محمول ..أيعقل هذا يا قصيري النظر، ويا طويلي العمر، ويا أصحاب الجلالة والفخامة والنيافة والسعادة والسيادة والسمو؟!

ففي كل صيف قائظ، وبعد أن تهدر مياه السيول والأمطار وتذهب هباء منثورا خلال فصلي الشتاء والربيع، يضطر الاف المزارعين والفلاحين العراقيين الى هجر أراضيهم، تاركين قراهم خلف ظهورهم بحثا عن المياه، فيما تحولت مئات الهكتارات الزراعية الى صحارى قاحلة، وأراض بور بسبب الجفاف الحاد !

وأخال والله أعلم بأن سيناريو"الظامئون"سيعود الى الواجهة قريبا ولاسيما وأن الذاكرة الجمعية وبالأخص لعشاق الفن السابع من أمثالي، ما تزال تحتفظ بأحداث الفيلم العراقي الشهير (الظامئون) الذي انتج عام 1972 ملخصا كارثة الجفاف، وشح المياه واحتدام الصراع بين النقيضين في مواسم الجفاف حيث فريق من الظمأى يدعو للبقاء وانقاذ الارض العطشى بحفر الآبار، يقابله فريق آخر وعلى النقيض منه وهو يدعو الى الهجرة والنزوح تجاه المدن في ظاهرة تعرف بظاهرة ( نزوح التصحر) على خلفية قلة المياه، وملوحة التربة، ونضوب البحيرات، وجفاف الابار فضلا على ارتفاع تكاليف حفرها ليأتي الزحف الصحراوي على 39% من الاراضي الزراعية في العراق التي كانت تسمى يوما بأرض السواد لخصبها وخضرتها، و(بلاد ما بين النهرين ) لوفرة مياهها فيما البقية مهددة بتصحر مماثل قريبا وتعددت الاسباب والكارثة واحدة من جراء قلة هطول الامطار وارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي وتقادم المشاريع الاروائية وتوقف مشاريع بناء السدود وحفر القنوات والخزانات العملاقة والبحيرات الصناعية وتحويل جنس الاراضي من زراعي الى سكني اضافة الى تأثير سد اليسو التركي على الامدادات المائية كذلك تحويل ايران مجرى العديد من روافدها وانهارها، وقد طاول التصحرنسبة كبيرة من أراضينا الزراعية وبما يهدد حياة 35 بالمائة من سكان العراق ممن يمتهنون الزراعة وينذر بهجرة عكسية كبيرة من الارياف إلى المدن ستنتهي بكارثة وضغط كبير على مدن تعاني اساسا من نقص الخدمات وأزمة السكن وغلاء المعيشة مالم تتخذ الجهات المعنية التدابير اللازمة لتقاسم المياه مع دول الجوار مع أن هجر الارض من جراء نقص المياه والنزوح الى مناطق أخرى ليس بالامر الهين ولايخلو من مخاطر أمنية ونزاعات عشائرية .

اكتب ما كتبته لتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة، ولبث جانب من الوعي في عصر غاب فيه كثيرون عن الوعي أو يكادون، منوها الى أن حقنا بمياه دجلة والفرات حق طبيعي وتاريخي وجغرافي وانساني وأخلاقي لاينازعنا عليه أحد، ولايزايد علينا فيه ولا يمنعنا اياه أحد، وعلينا التذكير المستمر بحقوقنا، والمطالبة الدؤوبة باستحقاقاتنا، مع التدويل الدائم لقضايا المياه ولاسيما بوجود تقارير دولية صادمة نحذر من أزمات وحروب مياه عالمية قادمة، لأن الحق لايعطى لمن يسكت ُ عنه، وعلى المرء أن يحدث بعض الضجيج ليحصل عليه" على قول أيقونة النضال ضد التمييز العنصري " مالكوم اكس " ولابد من - فضفضة - وبوح بين الأشباه والنظائر بين الفينة والأخرى وشبيه الشيء متفاعل معه ومنجذب اليه، وحسب لسان الحق أنه قد أذاع سرا، وأراح نفسا، وأزاح هما، وأحدث عصفا، وعلى قول الشاعر العربي قديما:

وَلا بُدَّ مِن شَكوى إِلى ذي مُروءَةٍ....يُواسيكَ أَو يُسليكَ أَو يَتَوَجَّعُ

***

احمد الحاج

 

سنُصاب بالصدمة أنا وحضرتك عزيزي القارئ، لو أننا سمعنا أو قرأنا أنّ أحد السادة المسؤولين الكبار، قضى شطراً من الليل وهو يجلس أمام قاضي التحقيق يسأله من أين لك هذا؟ مثل هذا السؤال ممنوع في هذه البلاد.

إذا كان هناك ما يجب أن نعرفه، فهو حكاية مطار النجف حيث كشف رئيس سلطة الطيران المدني عماد الأسدي، عن أن السلطة لا تعرف عائدية مطار النجف ولا تعلم أين تذهب إيراداته.. ما قاله الأسدي على إحدى الفضائيات موجود بالصوت والصورة على موقع يوتيوب، لكن لا أحد يستطيع أن يحاسب المسؤولين على المطار ويسألهم: أين تذهب الأموال.

في بلاد أخرى تحترم الديمقراطية، بإمكان القضاء أن يستدعي رئيس الوزراء ويسأله من أين لك هذا؟، لكن في بلاد الرافدين هل نستطيع أنا وأنت عزيزي القارئ، أن نسأل نائب في البرلمان من أين له الأموال التي مكّنته من شراء عقارات وفضائيات؟ مجرد سؤال بريء ولوجه الله، لأنني أعرف حتماً أن قيمة النائب العراقي السياسية، أهم بكثير من قيمة أي مواطن عراقي، فالنائب عملة وطنية نادرة.

كنت أتصفح موقع الفيسبوك عندما وجدت في صفحة الصديق "أبو زين العابدين الحسناوي" وهو مواطن من مدينة النجف وأحد أبرز وجوه احتجاجات تشرين، تظاهر ضد الفساد وتعرض للتهديد أكثر من مرة، منشور عن أملاك مدير مطار النجف السابق، وقد أثار اهتمامي أن الرجل استثمر عشرات الملايين من الدولارات في مشاريع فندقية، وللمفارقة وأنا أقرأ المنشور على صفحة الأستاذ الحسناوي كنت أستمع لأحد النواب وهو يقول إن زمن الفساد قد ولّى إلى غير رجعة، وإننا نعيش أزهى عصور النزاهة والشفافية.

وضع شيوخ القواميس العربية تعريفات كثيرة لمعنى الاستحواذ والأطماع والفشل، لكنّ البعض يريد أن يجد تعريفاً جديداً للسلطة لا يتعدّى مصطلح "ما ننطيها"، وفي معظم الحالات ليست سوى خراب ونهب .

عندما يدمّر المسؤول، مؤسسات الدولة، بدلاً من تطويرها على أسس ديمقراطية.. فهو يهين الدماء والأرواح التي قدّمها العراقيون على مدى عقود طويلة من أجل أن يتنفس أبناؤهم هواء الديمقراطية الحقّة.

وعندما يصرّ سياسي على الاستحواذ على كل شيء وأي شيء، ويستخدم مقرّبوه حيلاً وألاعيبَ لتخوين الآخرين وإقصائهم.. عندما يسرق بلد في وضح النهار، عندما يبرر التعذيب والاعتقال العشوائي.. عندما تسلّم مؤسسات الدولة إلى أصحاب الثقة لا أصحاب الخبرة، وعندما لا يرى رئيس الوزراء في القضاء سوى القوانين التي تحصّن سلطاته وتصونه.. فإننا بالتأكيد سائرون في طريق الخراب.

في تجارب الشعوب التي طالما أتمنى أن يتعلّم منها ساستنا نجد صوراً أخرى لزعامات قدّمت لشعوبها الأفعال بدلاً من لغة الشعارات والخطابات .

***

علي حسين - كاتب

 

أبو محمد عبدالله بن السيد البطليوسي (444 - 521) هجرية، من العلماء باللغة والأدب، ولد ونشأ في بطليوس في الأندلس، وسكن بلنسية وتوفى فيها.

إشتغل بالإقراء والإملاء والتدريس والتأليف، وكان واسع المعرفة بفنون العلم، وفقيها ولغويا ونحويا وأديبا وشاعرا ومؤرخا عارفا بأيام العرب وأشعارها، وفيلسوفا ولقب بنحوي زمانه وبشيخ النحاة.

أساتذته: أبوه وأخوه فقد نشأ في بيت علم ، إبن اللطينية، بن أيوب البطليوسي، بن جبير القيرواني، بن أحمد الغساني الجيّاني.

تلامذته: الفتح بن خاقان، إبن الطلا، إبن موجوال، ابو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري، إبن يشكوال، بن خلف الداني، ويُقال أن عدد  تلاميذه بلغ (78).

كتبه: الإقتضاب في شرح أدب الكتاب، المسائل والأجوبة، الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الإختلاف بين المسلمين في آرائهم،  في أصول الدين، المثلث في اللغة، شرح سقط الزند ، الحلل في شرح أبيات الجمل، الحلل في أغاليط الجمل، مشكلات موطأ مالك بن أنس، رسائل في اللغة، الإنتصار ممن عدل عن الإستبصار، وغيرها من الكتب.

من شعره: سل الهموم إذا نبا زمن.. بمدامة صفراء كالذهب

أرى الحمّام موعظة وذكرى.. لكل فتى أريبٍ ذي ذكاء، يذكرنا عذاب ذوي المعاصي.. وأحيا نعيم الأنقياء

إليك أفر من ذلي وذنبي.. فأنتَ إذا لقيت الله حسبي، وزورة أحمد المختار قِدما.. منايَ وبغيتي لو شاء ربي

وذات عمى لها طرف بصير.. إذا رمدت فابصر ما تكون، لها من غيرها نفسٌ معارٌ.. وناظرها لدى الأبصار طين، وتبطش باليمين إذا أردنا.. وليس لها إذا بطشت يمين

قل لقوم لا يتوبون.. وعلى الإثم يصرون، خففوا ثقل المعاصي.. أفلح القوم المخفون، لن تنالوا البر حتى.. تنفقوا مما تحبون

هو من أعلام الأمة وأنوارها الساطعة، وكغيره يتحقق التعمية عليه، وطمر آثاره في ظلمات المخازن ورفوف الإغفال، اللازمة لتضليل الأجيال بأن أمتهم لا قيمة ولا دور في الحضارة الإنسانية، وبهذا تترسخ مشاعر الدونية وتعزز التبعية والخنوع للآخرين.

فهل سنستلهم من أعلام الأمة جوهرنا الحضاري لنكون؟!!

***

د. صادق السامرائي

ما تضمنته "لائحة المحتوى الرقمي بالعراق" هو عملية إجهاز بشكل كامل على مفهوم حقوق الشعب في دساتير الأمم، والسعي لتحويل المواطن إلى مجرد كائن " لا يرى..لا يسمع.. لا يتكلم"، كائن منتهى حلمه الحصول على ساعة من الإنترنت وانتظار أن تسمح الجهات الرسمية بأن تتجول الناس داخل صفحات الفيسبوك وتويتر، وقبل هذا عدم الاقتراب من المدعو(TikTok) لأنه يشجع على الفساد كما أخبرنا أحد نجوم فضائيات هذا العصر الديمقراطي.

هنا تصبح شعارات مثل الحرية والديمقراطية والتغيير وحقوق الإنسان، مجرد مفردات تلاحق من يرددها وتنعته بالمخرِّب، إن لم تلصق به العبارة الشهيرة "أجندات أجنبية"، في ذلك تصبح مأساة شباب الاحتجاجات لأنهم تظاهروا من أجل المطالبة بأبسط حقوق الإنسان، من حياة كريمة وخدمات أسوة بما تتمتع به المنطقة الخضراء ومنازل المسؤولين، نموذجاً واضحاً على أنّ الإنسان العراقي مجرّد رقم يُستخدم أحياناً في الانتخابات، وأحياناً كثيرة ينقل إلى سجل الموتى.

كان من السهل على أصحاب لائحة المحتوى الرقمي أن يوضحوا للناس حقوقهم في العدالة الاجتماعية والأمان الصحي والتعليم الجيد، والسكن اللائق، وأن يشرحوا لنا أن المهم هو السعي لبناء العراق كدولة للحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، بلا وضع فقرات تعاقب كل من تسوِّل له نفسه "الإساءة إلى الدولة أو السلطات العامة فيها أو الأشخاص الطبيعية والمعنوية في العراق" وإذا كان من حق الأجهزة الأمنية أن تحاسب من يسيء إلى كيان الدولة، فأعتقد أنه من المضحك منع الناس من الحديث عن فساد المسؤولين وامتنيازات النواب.

والعجيب والغريب أنه من أجل حماية العملية السياسية العرجاء، استباحت الجهات الحكومة ومعها خبراؤها الأشاوس كل شيء، فبعد الاصرار على قانون حرية التعبير داخل قبة البرلمان، جاء الدور على التصدّي للسيد فيسبوك ومعاونيه، لأنهم كشفوا زيف الديمقراطية في العراق، ولان المسؤولين انتابتهم حالة الرعب، من أنّ الفيسبوك ينقل بالصوت والصورة ما يجري داخل بلاد الرافدين .

كيف يسقط كبار الساسة في أوروبا وأمريكا ويذرفون الدموع أمام الفضائيات؟ بسلاح اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، وليس بإصدار قوانين تحسب على العراقيين عدد اللايكات؟..

للأسف بعد 20 سنة من سرقة ثروات البلاد، والخراب وفقدان الأمن والأمان يريدون منا أن نقول للص والانتهازي والمزور والمرتشي سمعاً وطاعة.. وغير ذلك فإن الجميع عملاء مشاغبون.. يريدون منا طاعة عمياء للصوص والمستبدين باسم الدفاع عن معايير الفيسبوك.

يريدون منا أن نزيف الحقائق، أو نكتب عن الجنة الموعودة في العراق، كي نفوز برضاهم ونصبح في عينيهم بشراً صالحين للكتابة والقول والتعبير عن الآراء، على الرغم من مزاعم لائحة المحتوى الرقمي أنها تحمي حرية التفكير والتعبير، وتحارب من أجلها. غير أن الواقع يكشف عن حقيقة تقول إن حرية التعبير في العراق محكومة بمفاهيم الطبقة السياسية التي تريد فرض قناعاتها على جميع العراقيين، ومن يخرج عنها يطرد من جنة الديمقراطية العراقية.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المتدى البغدادية

 

عملية التسوق من بين أهم الطقوس الحياتية التي نكررها بشكل آلي في الأسواق اليومية أو الأسبوعية أو الموسمية التي ابتكرها الإنسان قديما - مند زمان المقايضة وتبادل سلع مقابل أخرى- كعادة  لا غني له عنها لتنشيط حركة البيع والشراء، وكواحدة من ضروريات الحياة الواجب على الفرد القيام بها لتلبية كافة احتياجاته، والتي تحولت عند البعض إلى أمتع الأنشطة التي يمكن القيام بها - خاصةً بالنسبة للنساء - قبل ان ينتشر التسوق الإلكتروني الذي استقطبتهن بسهولة التعامل معه بأقل مجهود، والذي لا يتطلب غير الضغط على زر واحد من أي جهاز إلكتروني ليتوصلن بكل ما يخترن  من المنتجات المعروضة في أي مكان كن.

في خضم هذا الطقس الحياتي اليومي، قررت القيام بزيارة لأحد الأسواق التي يِؤمها آلاف المتسوقين من كافة مناطق المدينة ومن مختلف الشرائح البسيطة والمتوسطة وحتى البورجوازية لتوفيرها كل البضائع والاختيارات الملبية لكافة احتياجاتهم بأسعار أقل من غيرها من الأسواق، لم أقرر تلك الزيارة من أجل تلبية بعض الاحتياجات والتي أهم أهداف التسوق ، ولا تحت تأثير إدمان التسوق القهري أو هوس الشراء المرضي،الذي يخضع لسلطانه الكثير من الناس، ولا حتى من أجل متعة التردد على المحال التجارية ومشاهدة السلع المختلفة، التي يجد فيها البعض تحسينا لحالتهم المزاجية، أو تحريرا من الضغوط النفسية، أو إفراغها من مشاعر الملل والرتابة الحزن وباقي الطاقات السلبية، ولكني قررت ذلك رغبة في الوقوف على الحال التي وصله المجتمع في ظل ما تعرفه الحالة الاقتصاديّة من زيادات تراكمية في أسعار السلع والخدمات، والانخفاض المهول للقدرة الشرائيّة،التي يصطلح عليها بالتضخّم (Inflation)، وكيف سيتصرف معها المؤتمنون على تسيير أمور الناس في هذا المنعطف الصعبة، من أمننة الحياة الاقتصادية التي تعتبر معضلة المخاطر الأمنية المؤثرة على الأمن الاجتماعي الأمن السياسي، التي تزايدت الأسئلة المحرجة حولها، وباتت تفرض نفسها للنقاش، والتي لم نجد لها إجابات صريحة إلا من خلال تعابير الاكتئاب والضجر، التي تعلو وجوه المتسوقين، وارتسامات التشتت والتخبط التي يمكن معاينتها بيسر فيما تنبض به ملامحهم من البؤس واليأس والحزن والآلام  التي عوضت بشاشة وجوه متسوقي أيام الرخاء، وفرحة نفوسهم وتسامحها أثناء البيع والشراء، يوم كان التسوق أمتع الأنشطة التي يمكنك القيام بها، وأحبها إلى القلوب، الأمر الذي أوصلنا إلى السؤال الحارق، والذي يمكن اعتباره مربط الفرس، كما تقول العرب والذي يلخص في: ماذا نحن فاعلون ضد هذا الفقر، فقر الجيوب، وفقر النفوس، وفقر الفكر، وفقر الأمل، وما ينسجه حال البؤس المستطير الذي تصدق فيه العبارة "مَعِيشَةً ضَنكاً " الواردة في قوله سبحانه وتعالى "فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً" كأبلغ توصيف لمعاناة الناس مع ارتفاع الأسعار.

فمتى تعود للأسواق لطبيعتها التي كانتها كفضاءات للبهجة والشعور بالطمأنينة والأمان.

***

حميد طولست

 

منذ مقتل الملك فيصل الثاني والوصي والعائلة اثناء تنفيذ ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ اثير اكثر من لغط ووجهت اتهامات عديدة حول هذا الموضوع وتعددت الاراء والاقوال، منهم من أتهم عبدالكريم قاسم وآخرين عبدالسلام عارف وكادت الحقيقة تذهب ادراج الريح اذ كتب العديد من المقالات حول هذا الامر .

نعم قتل العائلة المالكة جريمة شنيعة اخذت بجريرة رد الفعل الثوري في تلك المرحلة وهذا ما حدث في العديد من الثورات عبر التأريخ كما في مقتل الخليفة عثمان بن عفان وقبله الخليفة عمر بن الخطاب ثم الامام علي وواقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين وبعدها سقوط الدولة الاموية والعباسية والدولة الفاطمية والعثمانية كلها انتهت بالدم اضافة الى الثورات الحديثة كالثورة الفرنسية والروسية او كما حدث في اوربا الشرقية كما في مقتل تشاوسيسكو وزوجته في رومانيا،

اذن عمليات القتل ليست غريبة وهي مستنكرة وتعبر عن ردة فعل اجرامية لاتتناسب مع منظومة القيم الانسانية

اكرر أن مقتل الملك فعل اجرامي شأنه شأن اي عملية قتل، وهو جزء من شريعة الغاب.

قلنا ان مقتل الملك شابه الكثير من الاسباب والتهم لكن وكما يقال ان الحقيقة لا تحجب بغربال، حيث جاء في الحلقة الاخيرة من تلك الايام للدكتور حميد عبدالله السرد الواقعي حيث اورد التالي:

أتصل بي السيد خضر الدوري يقول:

كنت أنا المسؤول العسكري في القيادة البحرية في البصرة وكان معي من الضباط العقيد الركن عبدالستار العبوسي ومحمد عباس مظلوم وكنا نسكن دور الضباط وبيتي ملاصق لبيت عبدالستار العبوسي

شاءت الاحداث ان يتهم الضابط محمد مظلوم بالمشاركة بما سمي مؤامرة عبدالغني الراوي ويتم اعدامة

يقول خضر الدوري التقيت بالعبوسي. اخبرني انه قلق من اعدام محمد مظلوم وانه لا علاقة له بالمؤامرة. ابدا.فقط تربطني علاقة قديمة به تتلخص انهما اي العبوسي ومظلوم كانوا ضباط في معسكر الوشاش لحظة حدوث الثورة فلما سمعا بها اخذ كل منهم سلاحة وتوجها لبيت العائلة المالكة

حيث نزلت ترفع البياض كأستسلام الا اننا اي العبوسي ومظلوم قمنا بفتح النار وتم قتل الجميع

ويقول العبوسي لخضر الدوري قتلنا الملك والعائلة دون امر او ايعاز من اي جهة انها عملية ارتجالية. قمنابها نحن الاثنين

اذن نحن امام حقيقة دامغة وأعتراف من قبل شاهد حي ذكر ايضا ان العبوسي كانت تراوده هواجس واحلام قتل العائلة

اضافة من خوفه الشديد من احتمال اتهامه بالمشاركة مع محمد عباس مظلوم بالمؤامرة ادى ذلك الى انتحاره تاركا وصيته بورقة صغيرة اطلع عليها الدوري حيث ذكر انه كتب عن عدم علاقته بالمؤامرة

اذن نحن امام اعتراف وشهادة واضحة تزيل الشبهات عن اي تهمة لضباط الثورة او الانقلاب وما اقرار العبوسي بمقتله للعائلة انما يفك شفرة الالتباس التأريخي وتأويلاته

شكرا للدكتور حميد عبدالله وهو يرفدنا بالحقائق التأريخية عبر وثائق واتصالات اتمنى ان تكون الطروحات والدراسات والاستقصاءات بهذا المستوى العلمي لاستجلاب الحقيقة والتي هي بر الامان لصناعة التأريخ.

***

عبدالامير العبادي

"...وفوق كل ذي علمٍ عليم" يوسف: 76

مشكلة الإسلام تأويلية تحليلية تفسيرية ذات نوازع وتطلعات ونوايا مغرضة، بمعنى أن الدين يتم تحريفه وتطويعه ليحقق إرادات الكراسي والمنافع الشخصية اللازمة لتثمير المكاسب.

فالمفسرون والمؤولون والمحللون والذين يسمون أنفسهم "رجال دين"، وما يصرحون به " فتاوى"، كالشعراء الذين يمدحون ويتكسبون بالمديح !!

فالذين يفتون وفقا لآليات دينهم هواهم ، يتكسبون بالفتاوى والرؤى والتحليلات والتصورات، والحيل التي تخادع وتبرر وتمرر الآثام والخطايا وتحلل الحرام، ومعظمهم في دياجير نفوسهم نداء " إعطني ما أريد وسأفتي لك بما تريد"!!

وهذه محنة المسلمين عامة والعرب خاصة، وفي التأريخ أدلة متراكمة تعزز مناهج وأساليب ما نسميه "فتوى".

فكم من حاكم وسلطان وجد معاشرَ من المتدينين يؤازرونه، ويبررون مظالمه ويتجاهلون جوره وإمتهانه للقيم، فيحرّفون كما يشتهون ويجعلون ما يقوم به هو الدين القويم.

ولازلنا نعيش ذات المحنة في زمن الأحزاب المؤدينة، التي ترفع رايات الدين كما تراه وتعتقده، ورؤية وإعتقاد كل منها ينبع من أفياض السوء المؤدلج، المكبوس في دنيا النفس الدونية الظلماء، التي تجعل الأبيض أسودا والأسود أبيضا.

وتزيّن الباطل ليبدو حقا، وتمرغ الحق في أوحال البهتان والضلال ليرونه باطلا، وهكذا تختلط الصور وتتشابك المعايير ويحترق الأخضر بسعر اليابس، وتتحول بلاد المسلمين إلى خرائب تنعب فيها الغربان، وتجوبها الآفات والوحوش ذات النوازع الإفتراسية الشرسة.

بينما الإسلام واضح بسيط يسير يخاطب عامة الناس، فهو رسالة للعالمين بفكرة جلية ولغة طرية خالية من الغلو والتطرف والإسفاف في التعقيد وأهوال التآويل، التي جعلت الدين علة وعالة، وأسست لدور العمامة الإنقعادية، أي التي تستلطف القعود في كهوف وخرائب وأجداث الغابرات، لتكون الحياة موتا والموت حياة.

ويفقد الزمن أبعاده وينحصر في نقطة ماضوية ذات آليات إستنقاعية مدمرة.

وهكذا تبدو الصورة في عالم كان الإسلام فيه نورا، فأضحى بأفعال الجهلة المرائين السييئين نار ذات أجيج وفحيح!!

فهل تحوّل الدين إلى حَيْن؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

على مر العصور وفي مختلف الحضارات ظل الخوف من الحسد وفقدان النعمة واحدة من المشكلات التي تؤرق الانسان وتعبث باستقراره وطمأنينته، ولهذا كان دائم البحث عن وسائل تدرأ عنه شرور الحسد وأفعال الجن والشياطين، ومن أجل الراحة والطمأنينة والتمتع بوهم الخلاص من القوى الغيبية التي في اعتقاده تحاول الفتك به وانتزاع النعمة منه ذهب الذهن الشعبي الى ابتداع التعاويذ كواحدة من الحلول لمشاكل الانسان النفسية، فوجد في حرق بذور الحرمل وسيلة لطرد الجن وابعاد الشياطين وفي حمل تعويذة (الباز بند) - قطعة قماش مكتوب فيها طلاسم تلف فيها خرزة على ذراع حاملها - وسيلة لإبعاد الأذى، ولكن من التعاويذ الاكثر انتشارا والتي ظلت ظاهرة للعيان هي تعويذة (ام سبع عيون) - قرص دائري يصنع من الجبس ويطرز بسبعة ثقوب - عيون - فيها رمزية للسموات السبع وايام الاسبوع السبعة ويطلى القرص باللون الازرق الفيروزي الذي يقوم - حسب الاعتقاد - بامتصاص الاشعاعات الضارة التي تبعثها العين الحاسدة وايضا ينتشر الاعتقاد بفاعلية هذا اللون في بعض الدول ومنها فلسطين حيث تحرص العروس في يوم زفافها على ارتداء ثوب ازرق لاعتقادها ان هذا اللون يرد عن العروس شر العين الحاسدة ويحميها من أي ضرر او عمل سحري ضدها، والى اليوم ظلت تعويذة ام سبع عيون مهيمنة في حضورها على واجهات البيوت والمحال التجارية خصوصا الحديثة منها وما يزال عدد كبير من العوائل متمسكا بها ومؤمنا بفاعليتها في الوقاية من عين الحسود وتفادي زوال النعمة، وبالرغم من ان المال ليس هو النعمة الوحيدة التي ينعم بها الانسان الا ان قطاعات واسعة من المجتمع بقيت تنظر الى الثروة المادية هي الطريق الى السعادة وترى النعمة محصورة في البيت الحديث الشامخ والسيارة الحديثة وتعتقد انها الوحيدة التي هي عرضة للحسد أما النعم الأخرى غير الملموسة فهي غائبة عن العيون، وقد وقع أسير هذه النظرة صديقي الذي كنت اتوسم فيه سعة الأفق وعمق التفكير عندما سَخَرَ من بيت قديم متداعي الاركان كان يرفع تعويذة ام سبع عيون متعجبا من فعلة أهل البيت فأي نعمة يخافون عليها من الحسد، قلت له : من الخطأ ان تسخر من هذا الفعل قبل ان تعرف النعمة التي يخشى عليها هذا البيت فهو قد يعيش حالة من الاستقرار والالفة والستر والقناعة وراحة البال ويخشى من عين الحسود على هذه النعمة التي قد تفتقدها الكثير من القصور الشامخة

***

ثامر الحاج امين

تغرس الجماعات الكهنوتية في عقول الاجيال  وترسخ في أرواحهم خرافات الولاية وحق بيت حميد الدين في الحكم والسلطة بما تمتلك من مهارات  الاتصال والخطاب اللين والحكمه.

فينبهر الجمهور بمحتواهم ويصغر في نفسه أمام ما لديهم من مميزات لا يملككها..

ويفسر بنفسه مظلوميتهم وحقهم في الحكم وأنهم  رسل الله خصهم بالقيادة  ومايترتب على ذلك  من المسؤوليات وجوب طلعتهم والسير على نهجهم.. في تحقيق وتطبيق الامامة.

ويستغل الاماميه والكهنوت  لتحقيق أهدافه السلاله استغلال فشل النظام الجمهوري السابق في تحقيق إنجازات وطنيه تحرر من الجهل والفقر  وهذه مقدمة مسلسل يتم تحديثه من جديد للاستمرار في بث فكرها النظام الفردي وعزل إليمن عن العالم  واعادة سلطة البطش والظلم والفساد.

***

بقلم صالح العجمي 

 

الأرض تتزلزل ولا يخلو قرن من الزلازل العنيفة، بل أنها كائن متحرك الأجزاء دوما، ونستشعر حركتها عندما تتجاوز الأربع درجات على مقياس رختر.

وفي القرن العشرين حصلت زلازل عظيمة (أكثر من ثمان درجات على مقياس رختر)، أولها في (1906) في الإكوادور ودرجتها (8.8) والثانية (6\3\1923) في روسيا ودرجتها (8.4) ، والثالثة في اليابان في (2\3\1933)، ودرجتها (8.4)، والرابعة في جزر ألوتيان - ألاسكا (1\4\1946)، ودرجتها (8.6). والخامسة في روسيا (4\11\1952)، ودرجتها (9)، والسادسة في جزر ألوتيان - ألاسكا في (9\3\1957) ودرجتها (8.6)، والسابعة في تشيلي (22|5|1960) وهي الأعنف ودرجتها (9.5)، والثامنة في ألاسكا (28|3|1964) ودرجتها (9.2) والتاسعة في جزر ألوتيان في ألاسكا في (4\2\1965) ودرجتها (8.7).

وفي (2004) أصاب زلزال أندونيسيا بدرجة (9.1) وراح ضحيته (220000) شخص.

وفي الصين سنة (1976) وقع زلزال بدرجة (7.4) وقتل (242000) شخص.

وفي (2010) وقع زلزال في هايتي بدرجة (7) وأودى بحياة (200000) شخص

ومن زلازل القرن الحادي والعشرين زلزال  إندونيسيا في (26\12\2004) بقوة (9) درجة، وأصابها زلزال آخر في (28\3\2005) بقوة (8.7) درجة، وما أصاب تشيلي في (27\2\2010) بقوة (8.8) درجة، وآخرها ما جرى في تركيا وسوريا في (6\2\2023) بقوة (7.9) درجة، والبقية ستأتي حتما.

وغيرها العديد من الزلازل التي تؤكد بأن الأرض كائن يتململ، وأجزاؤه تنزلق على بعضها، وقشرتها محكومة بإرادة الدوران التي تفرض التغير الدائم، فشكل الأرض اليوم ليس كما كان قبل مئات السنين، وشكلها الحالي سيتغير في المستقبل، وستتواصل الزلازل، لتؤكد بأن الأرض كائن حي، يتفاعل مع ما يحمله على ظهره من المخلوقات وما فيه من السوائل الشديدة الغليان.

زميلي يقول أنها كذلك منذ الأزل والفرق في سرعة توارد المعلومات وإظهار الحالة تلفازيا وعبر وسائل الإتصال، ويبدو أن الأدمغة البشرية للعديد من الأجيال المعاصرة، لا تزال غير قادرة على هضم فيض المعلومات الدفاق من كل حدب وصوب، ولهذا تسود الدهشة وينتشر الخوف والقلق، وتعم الناس التوجسات من قادم الأيام.

وعلينا أن نوقن بأن الأرض باقية ودائبة الدوران، ولن تأتي بجديد، فما يحصل فيها يتكرر منذ الأزل، وسيتواصل للأبد.

وكل مَن عليها فان!!

***

د. صادق السامرائي

 

قانون العقوبات العراق 111 لسنة 1969 تضمن تجريم الاساءة للذوق العام واهانة مؤسسات الدولة. وهذا القانون الصادر زمن النظام الدكتاتوري  يخالف تماما الدستور العراقي الذي نص على صيانة حقوق الانسان وفيه بالنص (تكفل الدولة ،بما لا يخل بالنظام العام والاداب ،حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

ومع اننا ضد (منشئي المحتوى السيء.. الهابط) الذي يخدش الحياء ويسيء الى قيمنا العراقية الاصيلة، فانه لا يمكن اعتبار احكام من سجنوا بهذه التهمة قانونية او مشروعة.. وليقل اهل القانون المستقلون كلمتهم ان كنا على خطأ.

والتساؤل هنا نصوغه بمشهدين يخدشان الذوق العام:

الأول: فتاة لابسه من غير هدوم وتحجي فشاير.

الثاني: اطفال يفتشون في القمامة عن فضلات طعام يأكلونها و قناني فارغة يبعيونها.

الموقف منهما:

بضغطة زر تتخلص من المشهد الأول.. الثاني: كيف  لك ان تتخلص منه وانت لحظة تراه تلعن من افقر العراقيين وأذلهم!

ايها السادة

لعبة المحتوى الهابط ،لعبة خبيثة.. القصد منها تكميم الافواه عن الاساءة لأفشل وأفسد من حكم العراق في تاريخه السياسي، وهي ولعبة الدولار.. لعبتان خبيثتان

القصد منهما اشغال الناس عن مشاهير الفساد الذين ما زالوا يحكمون ولكل هابط يروجون.

***

ا. د. قاسم حسين صالح

 

كسر الحصار على سوريا سيكون قريباً.. كل المؤثرات تدل ان الطريق إلى دمشق صار معبدا وصالحا لعبور الشاحنات عبر الحدود.. كذلك البحر والطيران.. هذا الكلام الموجز والموغل في البلاغة السياسية قاله لي أحد نشطاء الحركة الحقوقية التونسية صبيحة الأمس حين إعترضني مصادفة في أحد شوارع العاصمة. المهم في هذا الكلام ان عموم التونسين بعد الزلزال المدر الذي ضرب سوريا وتركيا، صاروا على يقين ان البوابة الإنسانية هي القاطرة التي ستقلب الطاولة على خصوم الدولة السورية المرابطة وشعبها المكافح....

رغم فظاعة الزلزال المدمر والضحايا البشرية التي تقدر بالالاف بين شهداء ومصابين ومفقودين، فان عنصر البوابة الإنسانية مع الشعب السوري الموجوع بطبعه منذ سنوات، لم تحسب لها أي حساب الإدارة الأمريكية وحلفاءها في الحلف الأطلسي.. من هنا نفهم جيدا الإرتباك السياسي الديبلوماسي الأمريكي من الأزمة مما جعلها تجبر على إيقاف قانون قيصر لمدة ستة شهور ولم تقدم واجب العزاء للدولة السورية في مصابها الجلل، علما بأن هذا السلوك السياسي يتناقض مع الأعراف الديبلوماسية الأمر الذي اضحك اصدقاء أمريكا قبل خصومها، هذا إضافة الى إزدواجية الخطاب والمعايير المتصلة بمنظومة حقوق الانسان الكونية، فالتفريق بين الضحايا في سوريا والضحايا في تركيا أمر متناقض تمام التناقض مع قيم حقوق الإنسان الكونية الذي كتب عنه مفكرو الغرب الكبار منذ ثلاثة قرون من الزمن.. لكن هنا إنقلب السحر على الساحر وتوضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود....

إن البوابة الإنسانية هي القاطرة التي ستحمل

في عرباتها جميع المؤشرات والمعطيات الموضوعية لبداية حقيقية لكسر الحصار الدولي الظالم على سوريا منذ إندلاع الحرب قبل عشر سنوات لضرب الدولة في المقتل وتفكيك مؤسساتها الرئيسية خاصة الجيش العربي السوري وجعلها فريسة سهلة لدى الكيان الصهيوني الغاصب. هذا المخطط الجهنمي فهمته جيداً وبشكل مسبق القيادة السياسية والعسكرية للدولة السورية بنهجها الإشتراكي القومي العربي المناهض لسياسات الهيمنة الأمريكية ومخططاتها منذ عقود للسيطرة على المنطقة .. والتجربة القومية الناصرية مثال بارز على ما نقول... إذن واضح وجلي ان الذي حدث ليس نزاعا بل هو صراع شرس وأبدي بين مشروعين متناقضين في كل شيء...

الإمبريالية الأمريكية وحلفاءها في القطب الراسمالي العالمي ترى ان الوطن العربي وكل اقاليم العالم شرقا وغربا على إختلاف الأعراق والأديان والثقافات. والحضارات هي مجالها الحيوي للاستقطاب والاستحواذ والسيطرة على ثروات الشعوب المقهورة وتبعاً لذلك لا ولن تستطيع حكوماتها سوى السير في ركابها وعدم الخروج عن اجنداتها سياسيا وإقتصاديا وثقافيا.

المشروع الثاني المناهض للاول هو مشروع التحرر الوطني الديمقراطي الإجتماعي الذي تكافح شعوب كثيرة، هنا وهناك، لفرضه على الواقع بعيدا عن الوصاية الأمريكية وسياسياتها الإمبريالية التي قوامها الإستعلاء والإستغلال والقضاء على أي نفس تحرري وطني في اي بلد من بلدان العالم ولعل صراعها المتستديم مع الدولة الوطنية في فينزويلا وغيرها من دول أمريكا الجنوبية ابرز مثال على قراءتنا. هذا القطب الوطني التحرري منخرطة فيه اطراف سياسية على المستوى العربي والإقليمي والدولي نهجها السياسي مناهضة الوصاية الأمريكية وحلفاءها على المنطقة وتمثل الجمهورية العربية السورية حجر الزاوية في هذا القطب.. لكل هذه الأسباب يتواصل الصراع بين المشروعين المتناقضين بلا هوادة وبشراسة. بيت القصيد في هذا الملف ان أحرار العالم من كل الأعراق والثقافات على إختلافها الحضاري والديني،ليس لهم من خيار سوى السير على نهج التحرر والإنعتاق وكسر الحصار الظالم على الشعب العربي السوري ودولته المنخرطة بشكل جدي ونوعي في محور المقاومة.

لا يخفى على أحد ان كسر الحصار على سوريا العربية الممانعة المناهضة للسياسات الأمريكية التوسعية والعدوانية بدأ بوتيرة متسارعة منذ اليوم الأول لوقوع الزلزال المدمر ولم تنتظر مبادرات الأحرار من دول عربية وصديقة التاشيرة من واشنطن..

سوف تثبت الأحداث لاحقا ان العد التنازلي لهيمنة الإدارة الأمريكية على الوطني العربي وكثيراً من مناطق العالم بدأ ياخذ مساره الصحيح لأن الإرادة إذا إلتقت مع العزيمة والجسارة والرؤية الاستراتيجية لادارة الصراع مع الخصم، لن تكون النتيجة سوى النصر مهما تكبر التضحيات على كل المستويات.

***

البشير عبيد / تونس

كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة

والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

 

العلاقة السببية والأخرى التأثرية:

في جديد هذا الملف نُشرت مداخلات كثيرة خلال الأيام الماضية لذوي الاختصاص اخترنا منها مداخلتين مهمتين وبعض التعقيبات عليهما. هاتان المداخلتان تبدوان متعاكستين مضمونيا، ولكنهما تتفقان في نقاط جوهرية مهمة، ولهذا سنتناولهما بالمناقشة والتحليل: المداخلة الأولى للخبير الأردني وأستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية بالأردن د. أحمد ملاعبة، وخلاصتها "أن السدود التي بنتها تركيا على حساب سوريا والعراق لها دور جيولوجي في حدوث الزلزال". ولكن د. ملاعبة يستدرك قائلا "أن السدود لم تكن السبب المباشر لكنها ساعدت في وقوع الزلزال من ناحية جيولوجية" مُرجعاً السبب إلى الخزين المائي الضخم لهذه السدود "الذي بلغ أكثر من 651 مليار متر مكعب/ روسيا اليوم ووكالة عمون"، وهذه كمية هائلة فعلا ومدمرة وقادرة على إحداث ما يشبه تسونامي مدمر يطال عدة بلدان عربية تمتد حتى الخليج العربي إضافة إلى تركيا نفسها.

الخبير الأردني أوضح أن هذه "الكمية من المياه في البحيرات تؤثر على القشرة الأرضية وحتى على الأرض بالكامل، وتعادل عشر أضعاف المياه خلف سد النهضة الأثيوبي... وهي تعني الكثير بالنسبة للأرض بشكل كامل، ولو توزعت المياه في أماكن أخرى في اليابسة قد تكون الأمور أسهل مما هو عليه الآن"، لافتا إلى أنه إذا "زادت المياه فهذا ما يؤدي إلى تمددها وزيادة كمية الماء الذي تخزنه وأيضا تؤدي إلى عملية تمدد أو توسع للكسور الموجودة في الأحواض الجوفية وهذا يؤدي إلى خلخلة أو تكسير لهذه الفوالق الزلزالية وهذا ما حدث بالفعل".

وحول ما إذا كان هذا هو سبب الزلزال، أوضح الخبير والأكاديمي الأردني أن "هذا يسبب زلزالا لكن في الوضع الحالي في الأناضول وقد يكون ساعد في ذلك لأن النقطة الأساسية هي النقطة التكتونية وحركة الصفائح وخصوصاً الصفيحة العربية باتجاه الصفيحة الأوراسية أو الصفيحة الأناضولية الصغيرة".

تبقى مداخلة د. ملاعبة ترجيحية واحتمالية ولكنها منطقية أيضا، ففي رده على تساؤل يقول ما إذا كانت السدود الكبيرة في تركيا قد زادت من قوة الزلزال، ولم تكن السبب الرئيس لأنها منطقة زلازل، قال د. ملاعبة: "نعم.. إذا كانت هناك حركة لهذه الفوالق التحت أرضية والكسور فإنها، بوجود مياه تترشح أو تنزل إلى هذه الأحواض، تزيد من مساحة أسطح الفوالق وبالتالي تؤدي إلى حدوث حركة بنفس الحركة التكتونية التي تحصل بسبب الصفائح، لكن على مستوى الفوالق قد تمتد إلى مائة كيلومتر". نستخلص من هذه المداخلة تأييدا متحفظا، ومشروطا بوجود حركة لهذه الفوالق والكسور، لوجهة النظر الذاهبة إلى تأكيد تسبب عملية إنشاء السدود إلى هذه الدرجة أو تلك في وقوع الزلازل.

نفي جزئي ينطوي على التأكيد:

المداخلة الجديدة الثانية، وهي مخالفة في المظهر لوجهة نظر د. ملاعبة، تأتينا من العراق على لسان د. واثق غازي عبد النبي الأستاذ الجامعي المتخصص بعلم الزلازل في كلية العلوم بجامعة البصرة. في الأسطر التالية سأحاول قراءة وجهة نظره هذه ووضعها في سياقها الصحيح وليس بهدف نفي كل ما ورد فيها:

في إجابة د. عبد النبي على سؤال وجهَ له حول علاقة الزلازل بالسدود، قال: "هل الهزات الأرضية التي حدثت مؤخراً في تركيا هي هزات أرضية ناتجة من أسباب طبيعية أم بشرية"؟ ركز على السبب الجيولوجي وحركة صدع الأناضول الشرقي التي هي نتيجة طبيعية لحركة الصفيحة الاناضولية باتجاه الغرب وحركة الصفيحة العربية باتجاه الشمال تقريباً وعلى تحليل ميكانيكية بؤرة الهزات الأرضية، وأهمل تماما علاقة السدود وبحيراتها بذلك. أما السؤال الثاني فكان أكثر وضوحا ويقول: "هل للسدود المنتشرة بالقرب من موقع النشاط الزلزالية دور في حدوث هذا النشاط"؟

على هذا السؤال أجاب د. عبد النبي بالنفي: "كلا.. ليس للنشاط البشري أي دور في توليد الهزات الأرضية هذه. لا يمكن لأي نشاط بشري (بناء السدود، استخراج النفط أو الغاز، حقن الماء في الآبار، استخراج المياه الجوفية، حفر المناجم) أن يكون قادراً على توليد هزة أرضية بمقدار يزيد عن ستة درجات، والهزات التي حدثت تجاوزت هذا الرقم كثيراً. يضاف إلى ذلك العدد الكبير للهزات الأرضية خلال فترة زمنية قصيرة والذي لا يحدث في الهزات الاصطناعية (البشرية) لأنها تعبر عن وجود طاقة كبيرة ناتجة من ضغوط عالية لا يمكن لأي نشاط بشري أن يوفرها. فضلاً عن ذلك كله، فأن عمق البؤرة الزلزالية المسجلة لهزات تركيا يزيد عن 8 كم لجميع الهزات الأرضية، وهو عمق لا يمكن لتأثير النشاط البشري أن يصل اليه. الهزات الأرضية الناتجة من النشاط البشري تم تسجيلها في اقصى الحالات على عمق 4 كم ولأسباب متعقلة بإنتاج النفط والغاز".

نلاحظ بدءاً أن المتحدث لا ينفي تماما وجود علاقة بين العامل البشري متمثلا ببناء السدود أو استخراج النفط ووقوع الزلازل ولكنه يقول إنها ستكون زلازل ضعيفة فهو يقول "لا يمكن لأي نشاط بشري كبناء السدود، استخراج النفط أو الغاز، حقن الماء في الآبار، استخراج المياه الجوفية، حفر المناجم، أن يكون قادراً على توليد هزة أرضية بمقدار يزيد عن ستة في مقياس ريختر". وأضاف في موضع آخر "الهزات الأرضية الناتجة من النشاط البشري تم تسجيلها في أقصى الحالات على عمق 4 كم ولأسباب متعقلة بإنتاج النفط والغاز"، وهذا يعني أنه يعترف بحدوث زلازل نتيجة التدخل البشري ولكنه يقلل من خطورتها وشدتها ليس إلا.

يمكن الاتفاق مع المتحدث على عدم وجود علاقة مباشرة بين زلزال مرعش الأخير والسدود التركية نظرا لشدة هذا الزلزال وعمق البؤرة الزلزالية فيه. وبخصوص الشدة فالأمر يبدو صحيحا، أما بخصوص العمق فثمة من ينقل عن "إدارة الطوارئ والكوارث التركية" قولها، إن الزلزال وقع على عمق أقل من سبعة كيلومترات، بمعنى أنه قريب من سطح القشرة الأرضية أما المركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل فقد قال إن الزلازل الاخرى التي أعقبت الزلزال الاخير في تركيا كانت على عمق كيلومترين فقط، كما ورد في تعقيب للدكتور أكثم الناصري المتخصص في هندسة هايدروليكا المياه على مقالة د. عبد النبي.  وحتى لو أخذنا بالأرقام التي طرحها د. عبد النبي فإن كلامه لا يعني عدم وجود علاقة بين إنشاء السدود والبحيرات وحدوث الزلازل بإطلاق القول والتعميم على جميع الزلازل والهزات الأرضية وجميع انهيارات السدود.

أمثلة فعلية لسدود وزلازل:

الأمر الثاني الذي يؤكد وقوع زلازل بسبب بناء السدود المائية والبحيرات الاصطناعية تؤكده هذه الأمثلة الموثقة:

-- في 11 مارس 2011، انهار سد فوجينومو في مدينة سوكاغاوا، محافظة فوكوشيما، بعد 20 دقيقة تقريبا من زلزال توهوكو حيث تجاوز الخزان الكامل تقريبا قمة السد. وقد أفاد السكان المحليون أنهم سمعوا دوي انفجار قوي قبل رؤية أمواج مياه فيضان تجرفهم.

- في 1 آب أغسطس 1975، وقعت هزة أرضية قوتها 5.7 خمسة وسبعة بالعشرة درجة في منطقة تبعد عشرة كليومترات عن سد "أوروفيل"، في ولاية كاليفورنيا. كانت هذه الهزة لافتة لنظر العلماء، لأنّها وقعت في منطقة قليلة النشاط الزلزالي، وبعيدة عن صدع "سان أندرياس" الزلزالي التكتوني غرب الولاية، لكن وقع الزلزال. وقد تعرض هذا السد سنة 2017 لخطر الانهيار، وانهار حاجز المفيض فيه فعلا وتم إجلاء قرابة مائتي ألف نسمة من المنطقة وتم إفراغ حوض السد من المياه لاحقا.

- في الهند، ولاية «ماهراشاترا»، جرى الانتهاء من بناء سد «كوينا» في 1962، ومُلئت بحيرة «شيفاجيزاجار» خلف السد بالمياه في 1963، ووقع زلزال بقوة 6.5 ستة وخمسة بالعشرة درجة، فقتل المئات وجرح وشُرد الآلاف. لوحظ، هنا أيضاً، أن الزلزال وقع مع ارتفاع مناسيب المياه في البحيرة خلف السد في موسم الأمطار.

- في جنوب الصين، وقعت سلسلة من الزلازل في منطقة لم تحدث فيها الزلازل قط. وبعد إنشاء سد «هيسينجفي نجكيانك» الخرساني في الصين، ضرب زلزال عنيف المنطقة حيث بلغت قوته 6.1، وأدى إلى تخريب جسم السد، ما يدل على وجود علاقة بين السدود والبحيرات ذات السعات التخزينية الضخمة وبين الزلازل المُسْتَحَثَّةُ.

- بعد إنشاء السد العالي، وملء بحيرة ناصر بالمياه، ووصول المياه إلى أعلى مستوى لها في البحيرة، في 14 تشرين الثاني 1981 وقع زلزال بقوة 5.6 خمس درجات وستة بالعشرة، وكان مصحوباً بصوت دوي هائل كالمتفجرات، وقد شعر به سكان أسوان، إذ أحسّوا بالذعر وخرجوا من منازلهم، وقد تمكن الفنيون والخبراء من تحديد مركز هذا الزلزال تحت بحيرة ناصر بالضبط.

الأمر الثاني يتضمنه جواب د. واثق عبد النبي على سؤال ثالث يقول "هل أثرت الهزات الأرضية في تركيا على السدود هناك"؟ حيث أجاب: "السدود وجميع المنشئات الكبيرة تصمم وفقاً لمُعامل البناء الزلزالي لمنطقة البناء. هذا المعامل يعتمد على ما يسمى بخريطة المخاطر الزلزالية. وتركيا تملك خريطة مخاطر زلزالية ممتازة ومُعامل بناء زلزالي يراعي حدوث هزات أرضية بمقدار يفوق ما تم تخمينه، وذلك لضمان جودة البناء. طبعاً يراعى في مُعامل البناء الزلزالي الجمع بين سلامة المنشأ وكلفة إنشائه. بسبب ذلك، فأن السدود في تركيا تحظى بدرجة أمان عالية وهي تحت المراقبة الدورية، إذ ان كل سد له أجهزة رصد زلزالي خاصة به تحسب أصغر هزة أرضية يمكن أن تحدث". وعلى هذا الكلام سيأتي الرد في الفقرة التالية.

الفساد والأخطاء فاقمت الكارثة:

لنسجل بدءاً أن نقداً حاداً وواسعاً وُجِّهَ بُعيد زلزال مرعش إلى أساليب البناء العمراني الخاطئة أو التي شاب بعضها الفساد في تركيا من أوساط هندسية تخصصية وسياسية معارضة داخل تركيا وخارجها بعد انتشار المشاهد المروعة للدمار الهائل الذي حدث والعمارات والبنايات الجديدة التي سحقت بشكل غريب وتحولت إلى تلال من التراب والرمال دون أن تظهر منها غالبا أنقاض أو هياكل بارزة كالمعتاد في هذه الحالات. ونركز كلامنا على الربط الذي قام به المتحدث بين مخاطر حدوث الزلازل وبين بناء السدود بشكل محكم دون أن يقصد ذلك على الأرجح. فالربط يبدو واضحا ويتعلق بتضرر السدود حين تقع الزلازل؛ أي أن العلاقة ليست سببية بل تأثرية. وهو محق هنا، ولكنه ليس محقا في نفي وجود أية علاقة من أي نوع كان. ثم إن الباحث يحتج بوجود "تصاميم للسدود وفق المعامل البنائي الزلزالي وخريطة مخاطر وأجهزة حديثة تقيس و"تحسب أصغر هزة أرضية يمكن أن تحدث" وهذا كلام مشكوك فيه بقوة على أرض الواقع كما قلنا، ولكن السؤال المهم هو؛ هل تضمن هذه الأجهزة والخرائط والتصميمات - على افتراض وجودها ودقتها - عدم حدوث زلازل في منطقة السدود، أو هل تضمن عدم تأثر أي سد من هذه السدود وتصدعه وانهياره إذا وقعت الزلازل؟ قطعا لا! وهنا نعود إلى ضرورة ما دعونا إليه مرارا وتكرارا من ضرورة الحوار والتعاون بين دول المنطقة وخاصة المتشاطئة وهي تركيا وسوريا والعراق وإيران حول هذا الموضوع ووضع الخطط العلمية الضرورية لتفادي أية كارثة محتملة قد تقع كانهيار سد أو بحيرة اصطناعية عملاقة كسد أتاتورك.

إن البعض يختصر عن حسن نية حيناً، وجهل بالمعطيات أحياناً أخرى، المشاريع المائية التركية بسدين مشهورين أو ثلاثة أو خمسة سدود هي: سد أتاتورك وتبلغ مساحته 817 كيلومتراً مربعاً، وسد كيبان 675 كيلومتراً مربعاً، وسد إليسو 313 كيلومتراً مربعاً وسد كاراكايا 268 كيلومتراً مربعا، وسد هرفانلي 263 كيلومتراً مربعا. أما الواقع فيقول لنا شيئاً مختلفاً يتعلق بشبكة هائلة من السدود التركية يزيد عدد المنجز منها على861  سدا قيد التشغيل؛ من بينهما 208  سدود كبيرة يقبع خلفها عدد من البحيرات الاصطناعية التي ستحتجز فيها مياه الرافدين وروافدهما، بما يحوِّل منطقة الأناضول الناشطة زلزالياً إلى بحيرة هائلة قلقة، بل إلى بحر من المياه المعلقة بين الجبال والمرتفعات، وإنَّ انهيار سد واحد منها يعقبه انهيار إحدى البحيرات ستتبعه سلسلة انهيارات للسدود الأدنى منه بما يؤدي إلى حدوث طوفان حقيقي وليس أسطوريا هذه المرة، قد يكون كفيلا، بحسب المتخصصين، بإغراق العراق من شماله إلى جنوبه ومناطق شاسعة من الشرق الأوسط نزولا حتى منطقة الخليج العربي. وقد تحدث أحد الخبراء العراقيين - أصبح وزيرا للموارد المائية العراقية لاحقا هو السيد حسن الجنابي عن هذا الاحتمال في رسالة شخصية إلى الراحل هادي العلوي مؤرخة في 16 آذار 1996، وهي محفوظة في أرشيف رسائله الشخصية بحوزتي، وقال فيها "إن سد أتاتورك يحتجز الآن 40 مليا متر مكعب من المياه وهذا يعادل تصريف نهر الفرات لمدة أكثر من عام، فإن تطلق هذه الكمية مرة واحدة (في حالة تدمير السد) يعني أن المياه ستجرف نصف العراق وتقذفه في الخليج".

الحل في تفريغ خزانات السدود جزئيا:

وعلى هذا، وبسببه، فليس هناك من وسيلة لتفادي أية كارثة مدمرة في المستقبل أو التقليل من آثارها المروِّعة غير الحوار التعاون بين البلدان المتشاطئة؛ العراق وتركيا وسوريا وإيران، والوصول إلى حلول ناجعة وفعالة من قبيل الاشراف المشترك على سدود وبحيرات هذه البلدان ووضع خطط فعالة في حالات الطوارئ لخفض الخزين المائي الهائل خلف تلك السدود إلى حد معقول وتوقيع اتفاقيات ثنائية وثلاثية بينها لتقاسم مياه الأنهار والروافد المعنية، وفق القوانين الدولية النافذة في هذا الصدد وفي مقدمتها اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية‏ (Convention on the Law of Non-Navigational Uses of International Watercourses)، وهي وثيقة أقرتها الأمم المتحدة في 21 مايو 1997، وتحفظت عليها تركيا، ولكن الاتفاقية دخلت فعلا حيز التنفيذ وأصبحت واحدا من القوانين الدولية المهمة والتي ستزداد أهميتها كثيرا في المستقبل المنظور مع تفاقم مشاكل البيئة وندرة المياه في عصرنا.

إن هذه الدعوة لم تعد مجرد أمنية تدخل في باب الترف التحليلي والإعلامي بل أصبحت ضرورة يؤكدها العلم، وقد عبر عنها خير تعبير د. عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة الذي قال في رده على سؤال مباشر يقول: "هل يمكن أن يؤثر الزلزال وتوابعه على سد إليسو أو سد أتاتورك؟"، فأجاب د. الشراقي بالقول: "هذا ممكن، والأخطر- من سد أليسو على نهر دجلة - هو سد أتاتورك على الفرات - الذي تحتوي بحيرته الاصطناعية على 49 مليار متر مكعب، وقد حذرنا من ذلك منذ أول يوم وطلبنا بتفريغ جزء من تلك المياه بعد التنسيق مع سورية والعراق/ صحيفة رأي اليوم".

ملاحظة: لم أتوقف في هذا العرض التحليلي عند العامل الأمني والجيوسياسي في مناطق السدود في جنوب تركيا والتي تشهد منذ بضعة عقود حالة عدم استقرار أمني وجيوسياسي متصاعد يتمثل في أعمال العنف والتمردات المسلحة والتدخلات الأجنبية العسكرية لضيق المجال ولكن هذا العامل سيبقى حاضرا ومهدِّدا أيضا لفترة قد تطول كثيرا.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

المد والجزر ظاهرة طبيعية في حركة مياه البحار والمحيطات والخلجان حيث يرتفع الماء قادما من البحر إلى مصب النهر وقد يتمدد مسافة عشرات الكيلومترات في النهر ويغطي الأراضي المنخفضة أحيانا على كتفي النهر.

هذه الظاهرة الجميلة يعود سببها الرئيسي إلى حركة القمر باعتباره أقرب الأجرام السماوية إلى كوكب الأرض وتابعا لها، وبفعل الجاذبية بينهما يندفع الماء باتجاهين متعاكسين فيكون المد فيهما وبعكسهما يكون الجزر ويكون أعلى ارتفاع للمد ويسمى المد الأكبر عندما يكون القمر بدراً أو في المحاق، لكون الشمس والقمر في خط مستقيم واحد وعكسه المد المتراخي في أول الشهر القمري..

كما يوعز أسباب المد أيضا إلى جاذبية الشمس وقوة الطرد المركزي بفعل دوران الأرض حول نفسها..

وتحدث عملية المد والجزر مرتين خلال ٢٤ ساعة وفي بعض مناطق الكرة الأرضية تحدث أربع مرات في اليوم أي كل ست ساعات...!

الحديث عن ظاهرة المد والجزر مهم لأنها تلعب دورا كبيرا في حركة مياه شط العرب الذي يصب في شمال الخليج..

وكما هو معروف ومنذ ان خلق الله تعالى السماوات والأرض وخلق الأنهار جعلها تجري من منابعها وتصب في البحار و هذا ما يحدث في كل أنهار الكرة الأرضية ولا يقتصر الأمر على نهري دجلة والفرات اللذان يلتقيان في _ القرنة قديما أو گرمة علي _ فيشكلان شط العرب ليصب في الخليج.

مع الأسف ساد في الآونة الأخيرة إدعاء أو رأي تروج له بعض الجهات في الحكومة أحيانا وبعض الذين يدعون خبراء في المياه ومهندسي الري وهو:

( أن مياه العراق تذهب للبحر هباءً وهدراً ولا يستفيد منها ولهذا يجب بناء سد على شط العرب لحجز المياه ومنع تسريبها إلى البحر).

نقول أن هذا إدعاء غير صحيح و هذا قول يجانب الحقيقة ويقلب الموازين ولا يصدق به إلا السذج من الناس الذين لا علم لهم بحركة المياه في الأنهار ولا علم لهم بظاهرة المد والجزر في البحار وفوائدها...!

وهذه أكذوبة تشبه أكذوبة أخرى سنتطرق إليها في مقام آخر...!

لا يعرف ظاهرة المد والجزر إلا من ركب البحر وجاوره أو من عاش في البصرة وأريافها واستفاد من المد والجزر واستمتع بهذه الظاهرة يوميا...

الذي يبحر من الفاو بإتجاه الخليج ويصل إلى مسافة ما يقارب من ٥٠ كيلومتر فسيرى حدا فاصلا حاجزا بين الماء العذب المتدفق من شط العرب وبين ماء البحر المالح وكأن هناك حاجزا أو برزخا وهذا ما شاهده العاملون في البحر في فترة السبعينيات من القرن الماضي وقبل إقامة تركيا سدودها العملاقة على دجلة والفرات، أما الآن فقد اختفى هذا البرزخ فلا وجود له بسبب عدم تدفق مياه عذبة من شط العرب بإتجاه البحر.

-كما يذكرنا هذا الحاجز بما أشارت إليه الآيتين الكريمتين - 19- 20 من سورة الرحمن: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) وهناك آيات أخرى أشارت إلى هذا المعنى مثل الآية 53 من سورة الفرقان:

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا).

الغرض أو الهدف من هذا التقديم هو:

أن هذه الكتلة المائية العذبة المتدفقة من شط العرب إلى الخليج ترجع متكررة إلى شط العرب مرتين في اليوم بفضل المد القادم من البحر ولا تذهب هدراً كما يدعون إلا النزر القليل...!

ولهذا فأن بساتين النخيل في الفاو كانت تُسقى سيحا مرتين في اليوم عند المغرب وعند الفجر فيغمرها الماء العذب المحمل بالغرين والطحالب والترسبات و يغسلها الجزر ليأخذ معه ما شاء الله من الغرين ثانية وهكذا دواليك..

إذن صار واضحا أن المد يندفع عائدا بالماء العذب إلى شمال البصرة حتى يصل مداه إلى قضاء القرنة و قضاء المْدَيّنَة التي تبعد عن الخليج حوالي ١٥٠ كم شمالا...

و بعد أن حبست تركيا المياه عن دجلة والفرات فلم يتدفق الماء العذب إلى الخليج إنما بقيت ظاهرة المد والجزر مستمرة لكنها لا تعيد الماء العذب إنما يتقدم المد نحو البصرة وشمالها بماء البحر المالح ليصل اللسان الملحي إلى شمال البصرة فتحول شط العرب إلى بحيرة مالحة لا يصلح ماؤها للاستعمال البشري...! ولهذا السبب تحولت بساتين الفاو إلى أراض سبخة لاتصلح للزراعة فاختفت غابات النخيل وأشجار الحناء والفواكه بأنواعها.

فالدعوة لإنشاء السد على شط العرب لا اعتبار لها بل هي إكذوبة أطلقها البعض بدفع من الحكومة التركية لتبرير تعمدها بإقامة السدود على منابع دجلة والفرات ومنع المياه من الوصول إلى العراق لأهداف سياسية بغيضة و لابتزاز العراق اقتصاديا.

وهنا أصبح الأمر جلياً فلا مبرر لإنشاء السد على شط العرب إذ لا وجود لمياه عذبة في الوقت الحاضر تتدفق إلى البحر فيمنعها السد لأن تركيا حبست المياه من المنبع أو المصدر...

إنما إقامة السد لمنع وصول المد المالح إلى البصرة وتعطيل الملاحة وسير السفن ودخولها إلى البصرة لا غير...!

هذا الموضوع يحتاج إلى بحث طويل و مفصل ولا يكفي هذا المقال البسيط لطرحه ومناقشته ولهذا يتوجب على كل الباحثين في مجال الجغرافيا وهندسة الري وادارة الموارد المائية بذل قصارى جهدهم وتقديم حلول ناجعة وسريعة للحكومة العراقية للسعي في تنفيذها من أجل القضاء على مشكلة ملوحة المياه والتصحر في وسط وجنوب العراق.

وأول خطوة لعلاج مشكلة الملوحة في شط العرب تبدأ بالضغط على الحكومة التركية بفتح المياه من السدود وحسب الحصة المائية المقررة في الاتفاقيات الدولية.

***

جواد السَّعَـيّْـد العبادي

في المثقف اليوم