أقلام حرة

أقلام حرة

مرت علي الأيام العالمية للتوحد كثيرة، كنت في كل واحدة منها أتحاشى الكتابة عن أطفال التوحد، وأوقف عجلة الأفكار المتسارعة في ذهني حول طيفه وإضراباته،التي يعاني منها حفيدي وسيم، خوفا من استشعار أمه، ابنتى حبيبتي، لكلمة شفقة ينكسر بها قلبها، أو عبارة مواساة ينهار لها صمودها وعزيمتها، لكنني قررت هذا العام، أن أطلق العنان لقلمي ليحتفل بحفيدي وكل المصابين بطيف التوحد وأُسرهم المتضررة من تكاليف العلاج والتحاليل والفحوص وجلسات التخاطب فى المراكز الخاصة المرتفعة الكلفة، والمعانية مع ندرة المراكز الحكومية غير كفاية عددها لأطفال التوحد المتزايدين،وقلة التي تقدم منها الخدمة المؤهلة، ومع شح وتضارب المعلومات المتاحة عن التوحد ، ومع انعدام الثقافة العامة حوله، و تنمر الغالبية العظمى من الناس وعلى كافة المستويات –إلا من رحم ربي لأن غير المتنمرين في مجتمعنا هم نُدرة-

الخلاصة هي ان التوحد قضية مقلقة بشكل خطير لا يستشعر معاناتها إلا من لديه طفل مصاب باضطراباته، وخاصة منهم الأمهات المعانيات شديد المعاناة مع تربية أبنائهن المصابين بالتوحد، ورعايتهم في كل مرحل حياتهم العمرية، إنها والله لمهمة صعبة لا يقوى عليها أشد الرجال، وتؤديها الأم بعون ما منحها الله من الإرادة وقوة التحمل الخارقة.

وبهذه المناسبة، فخور بتقديم أسمى تعبيرات الشكر والامتنان لابنتي العزيزة على ما قدمته في صبر وتقدمه في جلد من دعم ورعاية لابنها،حفيدي الحبيب، وتحية إكبار لكل أم لديها طفل يعاني من اضطرابات التوحد.فما أصعب الكتابة عن أطفال التوحد، وأن لا تشعر بالاضطرابات التي يكابدها المصابون بالتوحد، ويعيشون مصاعب التعبير عنها، ويصعب عليهم الإفصاح عنها هم أنفسهم، كما تبين ذلك هذه الخواطر على لسان طفل توحدي:

لا أعرف شيئا عني.. سوى أنني توحدي.. هكذا يطلقون علي.. إنسان آلي.. غربي في كل شيء.. لا أعي من هم حولي.. باردة مشاعري.. فاترة عواطفي.. لا أبالي بشيء.. حتى بأمي وأبي.. فكل ما يهمني هو عالمي.. أجيد لغة الصمت.. أهوى لغة التأمل.. أتحدث لغة غريبة.. لا يفهم طلاسمها.. حتى أبناء جنسي.. هكذا يقولون عني.. طفل توحدي..

وفي الختام: اللهم مرضى التوحد في رعايتك فأكشف عنهم السوء وداويهم بدوائك، ومتع أمهاتهم بنعمة الصحة والمعافاة واعنهن على تحمل أعباء تربية أطفالهم، ولتسمحن لي بتقديم نصيحة لا تكلفكن إلا الهناء وتتلخص في التظاهر بالسعادة أمام النفس والأبناء والوالدين لأنه يولد صدق الإحساس بها، ويجلب الرضا ويستحث التفكير السليم للتعامل مع ضغوط الحياة ومآزقها ويجنب الأهل والأبناء الآثار السلبية، لأن الهموم تمر لكن أثرها على الصغار قد يبقى ويترك في نفوسهم أثرًا قاتمًا!! فجنبوا أنفسكم وقلوب أحبتكم من المتوحدين مالا يحتمل ودربوا أنفسكم أن تكونوا سعداء رغم أنف الإحباط فالحياة تستحق

وكل عام واطفال التوحد وأهليهم بألف خير.  

***

حميد طولست

يبدو أن "إسرائيل" تتحاشى الرد ضد مصادر الصواريخ جنوب لبنان خوفاُ من اتساع دائرة المواجهة.. فيما القيادة الإسرائيلية تلاحقها الأزمات في الداخل والخارج.

لا بأس فهذا ديدن الاحتلال الذي لا يشعر بالأمان حينما يتعرض لقصف كثيف من جنوب لبنان فيوجه الرد إلى غزة جنوب فلسطين، بمعنى أن كماشة المقاومة اكتملت في العقل الإسرائيلي وباتت ذات فاعلية؛ ليربط الإسرائيليون تلقائياً بين المقاومة في أرجاء فلسطين وجنوب لبنان في إطار وحدة الساحات وفق رؤية المقاومة الفلسطينية الموحدة وحزب الله.

بداية جاء الهجوم المباغت صباح يوم أمس الخميس بصواريخ غراد وكاتيوشا انطلاقاً من جنوب صيدا في لبنان باتجاه مدن الشمال الفلسطيني ما استرعى دخول الإسرائيليين إلى الملاجئ في صفد وكريات شمونة وغيرهما والاكتفاء بمشاغلة مصادر الصواريخ بالرد المدفعي بدون تصعيد خلافاً لما هو معهود بالإسرائيليين.. مع أن القبة الحديدية تصدت وفق الرواية الإسرائيلية لغالبية الصواريخ التي تعتبر أقل كفاءة مما لدى حزب الله، فاتهم الفلسطينيون بإطلاقها.

من جهتها اكتفت اللجنة الوزارية السياسية الأمنية المصغرة التي شكلها رئيس الحكومة اليمينية نتنياهو بمناقشة الرد على الهجوم الصادر من لبنان والذهاب به إلى غزة.. وفي تقديري أنه ردٌ منقوص ناجم عن اضطراب العقل الإسرائيلي الذي يعاني من قلق وجودي.

ومن الطبيعي أن لعبة الحكومة الإسرائيلية كانت تتجلى بتفريغ الأزمة الإسرائيلية الداخلية بين اليمين المتطرف والعلمانيين من خلال اقتحام الأقصى واعتقال أكثر من 500 فلسطيني كانوا متواجدين في رحاب المسجد الذي دنسته بساطير جنود الاحتلال، ربما في نية مبيتة لفرض التقسيم الديني على الأقصى بين المسلمين واليهود تأسياُ بما جرى في الحرم الإبراهيمي قبل عقود.

ولكن ما لم يكن بالحسبان أن الرد جاء من جنوب لبنان في إطار عدة رسائل موجهة للكيان الإسرائيلي وذلك وفق ما فهم من بيان حزب الله الصادر يوم أمس الخميس، الذي أدان فيه الحزب الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأسير وتأييد أي إجراء يتخذه الفلسطينيون إزاء العدوان الإسرائيلي المتكرر على الشعب الفلسطيني، فكانت الأولى من أجل أن يفهم الإسرائيليون بأن المسجد الأقصى خط أحمر لا يجب الاستفراد به وأن على المسلمين في العالم التحرك لحماية مقدساتهم في فلسطين.

والثانية أن الشعب الفلسطيني ليس وحيداً في معركة الوجود مع جيش الاحتلال الإسرائيلي المصاب بفوبيا المقاومة بل أن الاستراتيجية القادمة تقوم على مبدأ وحدة الساحات التي قد تشمل كل محور المقاومة.

والثالثة أنه رغم اتهام الإسرائيليون للفصائل الفلسطينية بهذا الهجوم إلا أن ذلك ما كان له أن يتم بدون ضوء أخضر من حزب الله، أي أن الحرب القادمة ستكون إقليمية شاملة وهذا إنذار حقيقي حيث أن ظروف "إسرائيل" غير مهيأة لذلك.

وبما أن الرد الذي من المفروض أن يوجه إلى مصدر إطلاق الصواريخ جنوب لبنان، إلا أنه تم تحاشي ذلك خوفاً من رد حزب الله المفترض، الذي يمتلك أكبر ترسانة صواريخ بعيدة المدى ودقيقة إلى جانب الطائرات المسيرة الإيرانية مع احتمالية توسيع دائرة المواجهة لتضم في اتونها إيران.. ولحتمية الرد الإسرائيلي فقد وجه جيش الاحتلال رده نحو غزة التي تعرضت للقصف فجر اليوم فيما ردت المقاومة بالمثل بقصف غلاف غزة بثمانية صواريخ.

فقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه بدأ في مهاجمة قطاع غزة مع منتصف ليل الخميس، وذلك بعد اعتراضه عشرات الصواريخ التي أُطلقت من لبنان في أعقاب يومين شهدا قيام قوات الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى المبارك والتنكيل بالمصلين واعتقال المئات منهم دون أن يحرك العالم ساكناً..

في المقابل، قالت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس إن دفاعاتها الجوية تصدت للطيران الحربي الإسرائيلي فوق قطاع غزة.

هذه تطورات موضوعية فيما يتعلق بالعلاقة الطبيعية بين الاحتلال الجاني والضحية التي تقاوم لاسترداد حقوقها وحماية نفسها من الإبادة في سياق التطهير العرقي الذي تمارسه ما يسمى ب"إسرائيل" والقادم لا شك أسوأ بالنسبة للاحتلال الغاشم الذي بات قلقاً وجودياً كونه يتفكك ويواجه أصحاب الحق بشراسة دون أن يظفر بمآربه الخائبة..

***

بقلم بكر السباتين

7 إبريل 2023

الإقتراب من الواقع الحضاري والتفاعل مع الأمة منقسم إلى حالتين، فتقول تخلف وتقدم، علم ودين، تراث ومعاصرة، وغيرها.

الثنائية المزعومة غاشمة لا تؤدي إلى نتيجة ذات قيمة حضارسة، فالأمة ليست متأخرة أو متخلفة، فالعلة الأساسية بقياداتها الضعيفة المرهونة بإرادة الآخرين الطامعين في دولها.

ومضى المستشرقون والمفكرون والمثقفون على هذه السكة المتصورة البعيدة عن الواقع الإنساني لمجتمعات الأمة، فأهمِلَ العامل الإقتصادي وإنتفت قيمة الإنسان، وما عادت تعني الحكومات حاجاته الضرورية وحقوقه الطبيعية.

دول الأمة ما فازت بقادة بحجمها منذ تأسيسها، والحكومات تعينها القوى المستحوذة على البلاد بما فيها وما عليها، فتقوم بدور تنفيذ الأجندات والمحافظة على المصالح والمشاريع المطلوبة.

ووفقا لهذه الدوامة الإنكسارية، تربّت الأجيال على التبعية والخنوع وإستلطاف الإمتهان، والخضوع للكراسي الفاعلة في المجتمع.

فالمنطلق الإمتهاني الذي إستثمرت فيه القوى المتأسدة، خلاصته، أن الدين أوجد الأمة وبه يكمن مقتلها، فانطلق العمل على تحويله من نور إلى نار، وهذا ما يحصل في ربوعها منذ عدة عقود، حتى صار أبناؤها يتحركون كالمغفلين المنومين، المتوهمين بأن دينهم هو الدين، ولكل فئة دين لا غيره بدين.

ونشبت الحروب الأهلية الفئوية التحزبية التضليلية لتقتل منهم الآلاف تلو الآلاف، ولايزال ناعور القتل البيني في ذروته، وتقوم به دول تدّعي الإسلام، وما قدمت نافعا للمسلمين.

الأحزاب المؤدينة تقتل!!

الأحزاب القومية تقتل!!

وما وجدنا في دول الأمة أحزابا وطنية حقيقية!!

فالعلة في الرؤوس المرهونة بأسيادها، وبالكراسي المملوكة للأجانب، والجالسون عليها يأخذون وكالات منهم لتمرير أجنداتهم.

فلا تقل، أنه التأخر، والخرافة والجهل والأمية وغيرها، إنه طاعون الكراسي المبيد!!

***

د. صادق السامرائي

منذ أكثر من شهرين وأنا أشاهد صورته في كل مكان أنه "فرانك عاد هوغربيتس" أو كما بتنا نطلق عليه تسمية "العالم الهولندي" لأنه من هولندا.

أنا احترم العلم والعلماء وأقدر الأبحاث والدراسات، لكن الرجل كل يوم يظهر علينا يتنبأ بشيء أغرب من الآخر، كما أنني بحثت كثيرا عن سيرته الذاتية باللغة العربية والانكليزية حتى أعرف عن شهاداته الجامعية وخبرته من أين اكتسبها لكني لم أجد أي شيء يذكر سوف مقاطع له متناثرة وقصيرة، وتعليقات منه على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي يتنبأ بالدمار والخراب ..!!

المضحك أيضا بالأمر أن أحد أصدقائي في الأردن وقع ضحية لتنبأته حيث أشترى شموع وبطانيات ومعلبات ووضعها في صندوق سيارته، وطلب من زوجته وأطفاله أن يكونوا مستعدين بأي وقت لحدوث الزلزال الفتاك الذي سوف يدمر البلاد و يشرد العباد، والذي سوف يأتي في اليوم الذي حدده العالم الهولندي والحمد الله مر هذا اليوم بهدوء وسلام دون حدوث أي شيء يذكر.

الآن سوف يأتيني سؤال مفاده أن الرجل صادق ولقد تنبأ بحدوث زلزال تركيا المرعب وهذا يكفي، وجوابي ببساطة أن تركيا معروفة منذ وقت طويل أنها تعاني من كثرة الزلازل وذلك لأسباب كثيرة يطول شرحها، وهذا ليس معناه أن كلمته لا تصبح أثنتين ولا خلاف عليها .

وما علينا فعله الآن هو أن يجتمع علمائنا المختصين ويتواصلون مع الجمهور بشأن الزلزال، وأن تتوقف وسائل الإعلام المختلفة من تداول تنبؤاته وجعله العالم الذي لا مثيل له في هذا الكون .

***

بروفسور حسين علي غالب بابان

أكاديمي وكاتب مقيم في بريطانيا

في تحد واضح نجح الغرب في الوصول إلى حدود روسيا وتهديد الأمن القومي الروسي في حدود مشتركة تقدر بحوالي/ 1300 كم مع فنلندا التي انضمت اليوم الثلاثاء الموافق 4/4/2023.. لتصبح الدولة رقم 31 في حلف الناتو. لقد أصبحت الحدود الشفافة للجغرافيا السياسية حقيقة وواقعا من مرمى أكبر دولة أوروبية في سلاح المدفعية وقوة عسكرية تقدر ب/ 280 ألف جندي وقوة تساعد على الحفاظ على دول البلطيق المتاخمة لها في الحدود الجغرافية... جاءت الموافقة للانضمام في مضاعفة المناطق المتحالفة مع الولايات المتحدة، على الحدود الروسية. إن المحاولات الروسية في أوكرانيا لمنعها للانضمام لحلف الناتو ودخولها في حرب شرسة مع أوكرانيا فتحت طريقا آخر من تخوف جيران روسيا من الهجوم عليها كما فعلت في أوكرانيا في التفكير ومحاولات الانضمام فكانت روسيا تريد تقليص توسع الناتو شرقا جاءت النتيجة عكسية بطلب فنلندا الانضمام وكذلك من السويد رغم معارضة كل من؛- بلغاريا وتركيا للانضمام ولكن نجحت اليوم فنلندا في قبول عضويتها وفي خلال أيام سوف يشهد مقر الحلف حفل الانضمام برفع علم فنلندا وتنتظر السويد هي الأخرى الموافقة بعد محاولات أمريكا بالضغط على تركيا بالموافقة على قبول السويد للحلف إن النتيجة العكسية من الكرملين بإبعاد الناتو فشلت تماما بعد عقود من فنلندا والسويد بالوقوف على الحياد فترة الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وكانت الحرب الدائرة شرق أوروبا قلبت الموازين وإعادة ذاكرة الهجوم السوفيتي على فنلندا عام 1939 من القرن المنقضي وحسب المادة الخامسة لحلف الناتو تصبح فنلندا محمية من أي اعتداء أو هجوم عليها كذلك تعتبر تحت مظلة الحماية النووية لحلف شمال الأطلسي وتشير هذه المادة أن أي هجوم على عضو واحد بالناتو، يعتبر هجوما ضد جميع أعضاء الناتو... كان الرد الروسي على الانضمام بالتصعيد من تصعيد في النبرة الدبلوماسية وقال الرئيس الروسي بوتين إن بلاده ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في روسيا البيضاء، وذلك في واحدة من أكثر الإشارات وضوحا بشأن إمكانية استخدام الأسلحة النووية منذ بدء الحرب الأوكرانية قبل عام... وكان المتحدث باسم الكرملين قد صرح عقب إعلان عضوية فنلندا في الناتو بأنها هجوم على أمننا القومي وقال إنها ستتخذ إجراءات مضادة بتعزيز قواتها على الحدود الغربية واصفة فنلندا والسويد قبل يوم واحد من انضمام فنلندا بأنهما "هدف مشروع" إذا انضمتا إلى الناتو وجاء تصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اليوم الثلاثاء، إن انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي وتحرك الحلف العسكري لزيادة الاستعدادات جديد القتالية يزيد من مخاطر نشوب صراع بتوسيع الحرب... وأضاف شويغو أن بعض الطائرات العسكرية التابعة لروسيا البيضاء أصبحت الآن قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، وأنه جرى نقل أنظمة صواريخ إسكندر إليها، مشيرا إلى أن تلك الأنظمة يمكن ااستخدامها لحمل صواريخ تقليدية أو نووية. وقال... شويغو: "بدأ بالفعل تدريب الأطقم لروسيا البيضاء لتدخل الحرب الأوكرانية الروسية في نفق آخر من توسيع ساحة الصراع في مناطق جغرافية أخرى بحجة تهديد الأمن القومي الروسي والمساس بالمصالح الوطنية... الذي قلل منها البعض في بداية الحرب منذ عام ففي جريدة الأهرام المصرية كتب سعادة السفير/ محمد إبراهيم العرابي وزير خارجية مصر مقالا... قال فيها إن تداعيات روسيا بالنسبة للامنها القومي ليس له أهمية مع تطور الأسلحة الحديثة وهذا الرأي مخالف مع انضمام فنلندا ووصول الحلف للحدود الروسية... هل يعيد التاريخ نفسه في أزمة نصب الصواريخ السوفييتية في جزيرة كوبا في ستينيات القرن الماضي... ويعيش العالم مرحلة تصعيد بالتلويح بحرب نووية...!!"

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث متخصص في علم الجغرافيا السياسية

طاعون عمواس الذي أصاب بلاد الشام في زمن عمر بن الخطاب (13 - 23) هجرية، وكان يزيد بن أبي سفيان أميرا على الشام بعد معركة أجنادين التي كان أحد قوادها الأربعة، ومات في طاعون عمواس سنة (18) هجرية، مع عدد من الصحابة الأفذاذ، ونجا معاوية منه وكان برفقته، فأخلفه مكانه، وأقره عمر إحتراما ليزيد وبني سفيان.

فالطاعون هو الذي أتى بمعاوية إلى مراكز القيادة، فخبرها وأتقنها وأسس دولة بني أمية، وتيمنا بأخيه سمى إبنه يزيد.

ويزيد بن أبي سفيان عاش (34) سنة، أسلم بعد فتح مكة، وإستعمله النبي على صدقات بني فراس من قبيلة كنانة وكانوا أخواله، وهو أحد القادة الذين أرسلهم أبو بكر لفتح الشام، ويلقب بيزيد الخير، وكان من العقلاء الألباء والشجعان المذكورين، وشهد حنين وأعطاه النبي من غنائمها الكثير، وهو شقيق أم حبيبة إحدى زوجات النبي.

و"أسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه وكان جليل القدرة سيدا فاضلا"، "..وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، ومشى معه تحت ركابه يسايره، ويودعه، ويوصيه، وما ذلك إلا لشرفه وكمال دينه"، و"كان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام"، ولما فتحت دمشق (13) هجرية، أمّره عمر بن الخطاب على بلاد الشام.

ويبدو أن معاوية عنده قدرة مناعية قوية أنجته من موت أكيد، قضى على العديد من الصحابة في حينه (ومنهم: أبو عبيدة بن الجراح، معاذ بن جبلة، الحارث إبن هشام، سهيل بن عمرو، عتبة بن سهيل)، حتى أن عمر بن الخطاب، عدل عن الوصول إلى الشام وقال قولته المشهورة: "نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله".

فما جرى في تلك الفترة عصي على الإدراك والتفسير القويم، وتختلط فيه الآراء والتصورات، غير أن الحقيقة الدامغة، أن معاوية نجا من طاعون عمواس وأصبح واليا على بلاد الشام، وانطلق صانعا للتاريخ ومؤثرا في مسيرة الأجيال من بعده. فلولا طاعون عمواس ربما لسار التاريخ بإتجاهات أخرى، لكنهم يقولون إنها إرادة الله، وهو فعّالٌ لما يريد!!

الكثير من المؤرخين لم يتفاعلوا مع الأحداث بعلمية وموضوعية، فالسائد كتابات صوت العاطفة والإنفعال والتخاطب بلغات عيون الرضا والكراهية.

فما أحوج الأمة لوقفات عقلانية ودراسات علمية جريئة، بعيدا عن الأحكام المسبقة، والأغراض المخبّأة، والآليات القاضية بصناعة أجيال القطيع.

فهل من قراءة بعين العصر المنير؟!!

***

د. صادق السامرائي

ظلَّ القراء العرب منقسمين بين الأدب الألماني وغريمه الفرنسي، صفٌّ طويلٌ منهم تأثروا بسارتر وكامو ورامبو، فيما قلّة قليلة كانت تقترب من أعمال توماس مان وهاينريش بول.

منذ أن قرأت رواية الألماني أريش ماريا ريمارك "ليلة لشبونة" وأنا أتوقف عند محنة الإنسان في مجتمعات يسودها الخوف والانتهازية وأتوقف عند الدرس الذي أراد منا الروائي الشهير أن ندركه، وهو العمل على أن لا يصبح للجهل والخوف قوانين تتحكم في مصائر الناس، فنحن إزاء كاتب ظل يؤمن للحظة الاخيرة بأن الأمم لا يصيبها الخراب إلا عندما يستبيح الجهل الناس، في مدن الجهل والانتهازية نعيش مع ساسة يحوّلون الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين، في مدن الخراب تغيب العدالة وتصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة أحلام الناس ومستقبلهم، لتتحول إلى شعارات وخطب يلقيها علينا صباح كل يوم مجموعة من الانتهازيين واللصوص والمزوّرين.

استعدتُ أحداث رواية ريماك "ليلة لشبونة" وأنا أقرأ تقريراً نشرته صحيفة العربي الجديد بعنوان "دبلوماسيو المحاصصة في العراق: فضائح متكررة"، وفيه تقدم الصحيفة جردة بالأعمال الصبيانية وغير المسؤولة التي قام بها عدد من السفراء وكان آخرها ما قام به القائم بالأعمال العراقي في البحرين "مؤيد عمر عبد الرحمن" الذي لا نعرف كيف أصبح سفيرا وما هي مؤهلاته؟.. كنا من قبل قد قرأنا عن فضيحة أولاد السفير العراقي لدى البرتغال سعد محمد رضا الذين قاموا باعتداء وحشي على صبي برتغالي، وشاهدنا كيف تحول أعضاء في حزب الإصلاح الذي أسسه إبراهيم الجعفري إلى سفراء بغمضة عين، والآن يحتلون مواقع في عدد من دول العالم، وقرأنا في الصحف خبر القاء السلطات السويسرية القبض على "اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف تورطا في عملية تهريب سكائر مستغلين صفتهما الدبلوماسية، وبلغت قيمة السكائر ما يقارب المليونين دولار".

أعقبت ذلك حكاية القنصل العراقي في مدينة مشهد الإيرانية الذي حول القنصلية إلى شركة تجارية عام 2018. وشاهدنا السيد حامد البياتي الذي تحول من ممثل للعراق في الأمم المتحدة إلى سمسار عقارات بملايين الدولارات.

في كل مرة نقرأ القائمة التي تضعها الحكومة بالاتفاق مع البرلمان وفيها أسماء السفراء، فهذا ابن النائب فلان، وذاك شقيق النائب علان، وهذه ابنة السياسي المعروف وهؤلاء من عشيرة المسؤول الكبير وهناك الأصدقاء والأحباب، كل هذه "الكفاءات" حولت سفاراتنا إلى ملتقيات تجارية وإلى أماكن وضعت العراق على خارطة الدول الأكثر فشلاً.

منذ أن ترك ساستنا "المعارضة" وجلسوا على كراسي السلطة، كان واضحاً للمواطن أنهم لن يتخلوا عن مقاعدهم، وأنهم يعدون أبناءهم وأقاربهم وأصحابهم لمناصب جديدة، لذلك تراهم يتبادلون الشتائم واللعنات، لكنهم يجلسون تحت قبة البرلمان لكي يفصلوا ثوباً جديداً لسفارات بلاد الرافدين .

***

علي حسين

خلال الأيام الماضية أُثيرت مناوشات "فيسبوكية" حادة بين خبير التغذية الدكتور محمد الفايد - لست بصدد الدفاع عنه هنا -وبين عدد من مستخدمي "الفايس" الباحثين عن "الترند" الصاعد المحقق للشهرة والدولار، الذين يضحون من أجله بالكرامة والمبادئ، الأمر العادي والمألوف لدى الذين يحبون أن تأتي الأمور على هواهم، ولا يريدون لأي شيء أن يتعارض مع مصالحهم، لكن الغريب حقا في هذه المناوشات، هو اتخاذ الفقهاء والشيوخ والدعاة، والكثير من أتباعهم المغيبين "اللي تابعين جيلالة بالنافخ"، طرح "الفايد" بشكل شخصي، وكأنه مسّ شيئاً بدواخلهم، فدفع بهم إلى رفع سقف المناوشات إلى حد التنمر والتجريح وتوجيه الأحكام والصفات والتعليقات الساخرة من "الفايد" وطرحه، الذي لا يعدو غير فكرة أو رأي في موضوع عادي جدا، ومتداولة كثيرا في النقاشات اليومية لعوام الناس قبل مثقفيهم، و ليس إلا مجرد وجهة نظر لا تثير حفيظة أي جهة من الجهات، ولا تستحق كل ما بُني عليها من مناوشات أُلبست ظلما رداء الدفاع عن الدين.

لست ضد المناقشات حول أي موضوع، ولا ضد الاختلاف فيها، وأحبذ أن يكون النقاش حاضراً في سلوكياتنا وفي كل الأمور وجميع المواضيع التي تخص حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، ويتمكن الجميع، بما فيهم الفقهاء والشيوخ والدعاة، المشاركة فيها بالرد والتعليق عليها، ، لكن بالطريقة التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إتباعها في مجادلة الأغيار، بقوله سبحانه وتعالى: "ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ" النحل 125، الطريقة المثلى في تناول المواضيع بالنقاش المثمر الذي يصل به إلى فكرة شاملة عن أي الطروح التي تخدم أوضاع وأحوال المجتمع، دون تعدٍ لحدود اللباقة في تصنيف الأشخاص وعلى طروحاتهم، و الحكم عليها وعليهم، بالخطاب الموزونة، والأسلوب المناسب المتسم بالحكمة واللباقة وحسن الكلام والبعد عن التحريض على الكراهية والتكفير، السلوك الذي ليس بغريبة على مرتزقة وسائل التواصل الاجتماعي، والذي لا يليق بهيئة أو رابطة الشيوخ والفقهاء والدعاة التي يفترض فيها أن تكون قدوة ونبراسا يستنار به، بما تقيمه من مناظرات وجدالات فيما يخفى على الناس من دينهم، بالرفق واللين وحسن خطاب، والوجه الحسن –إن وجد- امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" بدل إصدار البيانات المجيشة للأنصار من المنخرطين والأتباع وكل الذين يدعون جزافأ بأنهم دائما على حق، وأنهم وجه الحق و الحقيقة دون غيرهم من خلق الله، للرد على الدكتور الفايد- الذي لا اتفق مع الكثير من آرائه - بدعوى أنه خالف الشريعة الإسلامية والعقيدة بالتصريح الذي قال فيه: "أن الجنة لغير المؤمن تحت ذريعة كونه مخترعا"، القول الذي اعتبروه الشيوخ والفقهاء والدعاة الذين يمكون مفاتيح الجنة، ملزم للتوبة والعودة إلى الحق والتوقف عن التمادي في الباطل، وغيرها من الاتهامات التكفيرية التي تؤسس لسفاهة مجتمعية تهيئ لجيل متشدد وغير متسامح، لا يتوانى في نهش لحم غيره بمجرد إثارته لموضوع يخالف معتقده، فلا يبقي له لحياته وأصله وفصله ستراً مغطى، ما قد يكون له مضار كبيرة على حياة الناس ومجتمعاتهم.

لذلك من الواجب الانتباه من الجري خلف أولئك الذين يتقمصون أدواراً غير أدوارهم، ويعطون لأنفسهم حقوقاً ليست من حقوقهم،، ، باستعراض عضلاتهم وبطولاتهم في كمصادرة آراء غيرهم، وتجريمها والتشهير بها والتقليل من قيمتها، والحكم على أصحابها بما ليس فيهم ووصفهم بما لا يليق بهم، الأمر الذي لا شك يجر للتأثيم والعقوبات المشددة في الدنيا والآخرة .

***

حميد طولست

 

يبدو أن اللاعب الصيني دخل إلى عمق الخلاف في الشرق الأوسط، ليدخل يديه ويحل الخلافات بين أطرافها، لان رغبة الصين تعدت السيطرة على مكامن النفط الرئيسية في الشرق الأوسط، إلى الحصول على أسعار تنافسية مفيدة على المنتج المحلي منها، خصوصاً وإنها اخترقت الأسواق العالمية بسرعة عالية في شتى المجالات.

تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، كان أبرز بصمة للصين في دخولها إلى الشرق الأوسط بقوة، وتحديداً إلى السوق النفطية العراقية، عبر تأثيرها الحاسم على صناعة النفط العراقية، خصوصاً وأن إمكانات النفط العراقية أكبر بكثير من إنتاجه الحالي الذي يبلغ 4.5 مليون برميل في اليوم.

العناصر الأساسية اللازمة لزيادة إنتاج النفط العراقي إلى المستوى المرتفع تكمن في الصفقة الرباعية المحاور البالغة 27 مليار دولار والمتفق عليها مع شركة "توتال"، ولكن تبقى هواجس وشكوك في قدرة الشركة على تنفيذ هذه الصفقة أو ربما جزء منها.

الآن وبعد الاتفاق (الإيراني-السعودي) والذي تم برعاية الصين وروسيا بصورة غير مباشرة سيتم الضغط على الجانب العراقي بضرورة إنهاء العمل مع الشركات الأوربية العاملة في مجال النفط في العراق والتي منها شركة توتال، حيث أكد مصدر في الاتحاد الأوربي أن مسؤول رفيع المستوى من الكرملين اخبر إيران أن إبقاء الغرب بعيداً عن صفقات شراء النفط العراقي سيتيح الفرصة في نهاية الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط وسيكون آخر فصل في زوال التأثير الغربي على العالم.

الهدف الأول الذي تعمل عليه الصين وروسيا هو تمكين العراق من الوصول الى أهدافه على المدى الطويل في إنتاج النفط الخام والبالغة 7 مليون برميل يومياً والذي سيصل بالتدريج إلى 12 مليون برميل يومياً، حيث من المقرر الانتهاء من مشروع إمدادات مياه البحر المشتركة الذي سيشهد استثمارا أوليا بقيمة 3 مليار دولار في مرحلته الأولى من خلال سحب مياه البحر ومعالجتها من الخليج، ثم نقلها عبر خطوط الأنابيب إلى منشآت إنتاج النفط ، حيث تمثل هذه الخطة التي طال تأجيلها في دعم برنامج الأمن الاجتماعي من مياه الخليج في توفير حوالي 6 ملايين برميل من المياه في البداية لما يقل عن خمسة حقول في جنوب البصرة وواحد في ميسان، ومن ثم توسيعها إلى حقول أخرى.

المشروع الأهم من ذلك هو معالجة جمع وتكرير الغاز الطبيعي المصاحب والذي يتم حرقه حالياً في الحقول الخمسة في جنوب العراق، حيث من المقرر أن تقدم شركة توتال 2 مليار دولار في المرحلة الأولى من مشروع بناء المعالجة للقيام بذلك، حيث صرح الوزير السابق للنفط أن هذا المشروع سيساعد العراق على قطع وارداته من الغاز من إيران.

الصين تسعى إلى السيطرة على مكامن (النفط والغاز) في الشرق الأوسط، حيث آمنت الصين سيطرتها على منابع الغاز في إيران على ما يزيد من 25 عام، ما يعطيها فرصة اكبر في السيطرة على منافذ النفط والغاز في العراق، واثبات ذلك من خلال الخزانات الكبيرة التي يتم بناءها في إيران من قبل الشركات الصينية والتي نفس هذه الخزانات تم بناءها في السعودية، ما يدل على ان هناك الكثير من النفط والغاز الذي يمكن إنتاجه.

الصين تتمتع بالسيطرة على أثنين من أصل ثلاث دول مصدرة للنفط الخام في العالم وهي روسيا والسعودية، بالمقابل الولايات المتحدة التي تسيطر على بعض منابع النفط في المنطقة، كما أنها لاترغب بالسيطرة على جميع مكامن النفط الرئيسية في الشرق الأوسط، ولكن الحصول على أسعار تفضيلية للغاية على كل شيء يتم إنتاجه منها، وهي قادرة على استخدام هذا كأساس للصفقات في العراق حالها كحال سيطرة هذه الشركات على مكامن النفط في إيران .

***

محمد حسن الساعدي

وهْمُ المقروئية يهيمن على سلوك الكتاب بأنواعهم، فيحسبون أقلامهم تبيض ذهبا، وخربشاتها ستجذب الأنظار، والمسطور مكتوب بأحرف من نور، وهي تتقيأ ما بجعبة أصحابها على السطور .

والدليل على ذلك أن المكتوب يتجاوز بصفحاته عدد أصابع اليد الواحدة في أكثر المنشور، وبأساليب غثيثة غير قادرة على شد المتلقي وترغيبه بالقراءة.

وهذه الإندفاعات الكتابية الفيضانية تصيب القارئ بالغرق والإختناق، فيغادرها بعد أول فقرة أو عبارة.

والذين يكتبونها من أجيال القرن العشرين، وما إستطاعوا مغادرة معتقلاته والتواكب مع قرن متسارع دفاق المعطيات، مكثف الإبداعات.

فالواقع المعاصر ينسف ما أنتجه الإنسان في القرن العشرين، ويتحول بسرعة نحو التأقلم مع إيقاعات القرن الحادي والعشرين.

ويبدو أن المجتمعات الأخرى إستوعبت نبضات العصر، فصارت كتاباتها ذات أساليب جديرة بالقدرة على تأمين التفاعل بين الكلمة والقارئ بطاقاته الإدراكية، وفي واقعنا العربي لا نزال نتخندق في كينونات القرن العشرين، وكأن الذي يكتب عليه أن يملأ السطور وحسب.

وهذا الفهم للكتابة عقيم وسلبي، وسيساهم بالتنفير والتدمير الإبداعي، وستشهد الفترة القادمة تغيرات حادة ومؤثرة بالواقع المعرفي المسطور بالعربية، وهذه الإنتقالة متأخرة ومتباطئة بخطواتها، لتحافظ على إبتعادها عن اللحاق بالركب الإنساني السبّاق.

فعلى الأقلام الساعية لطرح الأفكار والتعبير بصدق وعفاف عن رسالتها الإبداعية، أن لا تتقيد بما كانت عليه أو تعلمته في القرن الماضي، وتستوعب مؤثرات ومفردات القرن الجديد، فالبشرية تنتقل إلى عوالم ما بعد الخيال بإنجازات وإبتكارات أصيلة، ومتوالدة بتعجيل لا يُضاهى.

فليس من المقبول أن نكتب بمداد ما مضى، والدنيا تسير على سكة الآتيات المتوافدات كالسيل العرمرم، وندّعي بأننا نكتب، ونتساءل أين القراء، ولماذا الكتب تنام في الرفوف، والمحظوظ من أصحابها مَن يستطيع إهداء بعضا منها لمعارفه.

فهل سنكتب للناس، أم سنبقى نتعاطي الكتابات الذاتية والنخبوية؟

***

د-صادق السامرائي

 

 

كلُ إنسانِ لهُ حلمٌ وما أكثرَ الأحلامِ في حياةِ الإنسان، ِ التي لنْ تتحققَ فتظلّ الأحلامُ مختلفةً منْ شخصٍ للآخرِ؛. بعضُ الحالمينَ بالسلطةِ والمستعدينَ لعملِ أيِ شيءِ مهما كانَ والوصولِ للسلطةِ والتنازلِ عنْ كلِ المبادئِ حتى الأخلاقيةِ، واستغلالِ أيِ ورقةٍ لكيْ يشاركوا في المشهدِ السياسيِ والاجتماعيِ والتطوعيِ والحزبيِ، مهما كانتْ قذرةً يحتاجونَ دائما أنْ تذكرهمْ بحجمهمْ الطبيعيِ وانْ الزمنِ تجاوزهمْ إلى غيرِ رجعةٍ، نشرُ الأستاذِ / أحمدْ طنطاويّ عضوَ مجلسِ النوابِ السابقِ على صفحتهِ الخاصةِ في الفيسبوكْ عنْ موعدِ عودتهِ لمصر في منتصفِ شهرِ مايو " أيارَ " القادمِ قادماٍ منْ بيروت وأعتقدُ أنهُ اقتبسَ شخصيةً عودت"ْ أيةَ اللهَ خوميني" منْ منفاهُ في باريس وعودتهِ لطهران للمشاركةِ في انتخاباتِ الرئاسةِ في مصرَ عامَ 2024. والسيدُ / جمالْ مباركْ ما زالَ الحلمُ يراودهُ في الجلوسِ على كرسيِ الحكمِ، والآخرُ مازالَ لمْ يكشفْ عنْ شخصيتهِ كما صرحَ السيدُ / محمدْ أنورْ الساداتْ عنْ المفاجأةِ عنْ شخصيةِ المرشحِ ؟!.

في تصرحُ خاص لنا.. قالَ الدكتورُ "مدحتْ خفاجيّ" المرشحِ السابقِ للرئاسةِ عامَ 2012.. قالَ؛ - منْ حقِ جمالْ مباركْ الترشحِ ولكنْ منْ حقِ الشعبِ أنْ يعرفَ.. أولاً؛ - منْ أينَ حصلَ جمالْ مباركْ على الأرضِ التي بنيَ عليها فيلتهُ منذُ عامينِ عندَ تقاطعِ شارعِ (صلاحِ سالمْ معَ شارعِ الميرغني) كانَ يوجدُ في هذا المكانِ محطةَ بنزينِ وعندما عينَ "مباركٌ" رئيسا للجمهوريةِ، انتقلتْ ملكيةَ الأرضِ إلى الدولةِ، بإعطاءِ صاحبِ الأرضِ قطعةَ أرضٍ أخرى في التجمعِ الخامسِ. وقدْ قامَ جمالْ مباركْ ببناءِ فيلا على الأرضِ التي تصلُ مساحتها لأكثرَ منْ فدانِ منذُ عامينِ. ويريدَ جمالْ مباركْ أنْ يترشحَ لرئاسةِ الجمهوريةِ العامُ القادمُ. وحتى يمكنَ أنْ يكونَ مرشحا شعبيا، يجبَ أنْ ينظفَ سيرتهُ وسيرةَ أسرتهِ، بإرجاعِ كلِ ما تمَ أخذهُ منْ الشعبِ المصريِ، وتصلَ إلى / 130 مليارِ دولارٍ، كما قالَ؛ - "جونْ كيري وزيرُ خارجيةِ أمريكا"، بعدٌ ثورةِ الشعبِ المصريِ في 25 يناير. وتتكونَ تلكَ الأموالِ منْ أسهمِ وسنداتِ في أسواقِ المالِ العالميةِ، وقصور في معظمِ العواصمِ الغربيةِ وقصورٍ على بحيرةِ "ليمانْ في سويسرا وناقلاتِ بترولٍ ممنوعٍ على البحارةِ المصريينَ العملَ بها ونقود سائلةٍ في البنوكِ ". ويمكنَ بتلكَ الأموالِ، سدادُ ديونِ مصرِ الخارجيةِ تقريبا كلها. ورجوعَ تلكَ الأموالِ للشعبِ المصريِ هيَ عربونُ موافقةِ الأخيرِ لترشحِ جمالٍ لرئاسةِ الجمهوريةِ، وأيضا لدخولهِ الجنةَ يومَ القيامةِ.؟!

الحالمينَ بالسلطةِ المحليةِ.. بعدُ ثورةِ ينايرَ ظهرتْ طبقةُ عريضةٍ في المجتمعِ على اختلافِ ألوانهمْ الحالمينَ إلى الظهورِ في المشاركةِ في الحياةِ البرلمانيةِ؛ وللأسفِ الكثيرُ منهمْ كانوا غيرَ مؤهلينَ فكريا بطبيعةِ المرحلةِ بعدَ أيِ ثورةٍ لذلكَ اختفوا منْ المشهدِ بسرعةِ ووجدوا أحلامهمْ في الطريقِ إلى اللعبِ على ورقةِ المجتمعِ المدنيِ، والعملِ في المجالِ العامِ عنْ طريقِ قانونِ وزارةِ التضامنِ الاجتماعيِ في إنشاءِ مراكزَ وجمعياتِ خيريةٍ. بأسماءٍ مختلفةٍ منْ حقوقِ الإنسانِ إلى جمعياتٍ خيريةٍ هؤلاءِ يطلقُ عليهمْ الحالمينَ بالمحلياتِ. والآخرينَ بحثوا عنْ أدوارِ لهمْ في أحزابٍ كرتونيةٍ تعدتْ الْ 100 حزبٍ في شققٍ مغلقةٍ يديرها مجموعةً منْ أصحابِ العاهاتِ منْ الأمراضِ السيكوباتيةِ وأصحابُ رؤوسِ الأموالِ القذرةِ والبحثِ عنْ عنصرِ النساءِ ومعظمهمْ منْ ساقطاتٍ منْ داخلِ المجتمعِ والأسرةِ وليسَ لديهمْ أيُ فكرٍ عنْ العملِ التطوعيِ أوْ الحزبيِ والورقةِ التي يلعبُ بها المشاركةُ في الانتخاباتِ المحليةِ علما أنَ مصرَ منذُ ثورةِ ينايرَ لا يوجدُ بها تمثيلٌ للمحلياتِ.. الكاتبُ والأديبُ العالميُ / نجيبْ محفوظْ والمخرجِ صلاحْ أبو سيفْ جسدِ هذا في فيلمِ القاهرةِ 30 تدورُ أحداثَ الفيلمِ في ثلاثينياتِ القرنِ العشرينَ حيثُ يعيشُ الشابُ محجوبْ عبدِ الدايمْ (حمدي أحمدْ) الوافدِ منْ الصعيدِ حياةً فقيرةً في القاهرةِ، ويتعرفَ على ابنِ قريتهِ (سالمْ الإخشيديِ) الذي يطلبُ منهُ أنْ يساعدهُ على الحصولِ على وظيفةٍ، فيعرض عليهِ وظيفةٌ مقابلَ أنْ يتزوجَ منْ إحسانْ (سعادْ حسني)، عشيقةُ قاسمْ بكَ (أحمدْ مظهرْ)، على أنْ يزورها قاسمْ بكَ مرةُ كلِ أسبوعٍ. ويوافقَ محجوبْ عبدِ الدايمْ علي ذلكَ والتنازلُ عنْ كلِ القيمِ والأخلاقِ مجردِ وظيفةٍ.. ففي عصرنا الحاليِ الكثيرَ منْ الحالمينَ بالسلطةِ المحليةِ ليسَ بعيدينَ عنْ شخصيةِ" محجوبْ عبدِ الدايم" ْ تجدهمْ يلعبونَ أدوارُ كومبارسٍ في المجتمعِ المدنيِ وعلى شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِ لتلميعِ شخصيتهمْ والتقربِ والتصويرِ معَ أيِ مسئولِ طمعا أنْ يصبحوا نواب في المجالسِ النيابيةِ أوْ المحليةِ، ولكنَ مصرَ تعيشُ فترةً صعبةً منْ أزمةٍ اقتصاديةٍ تحتاجُ لعقولٍ تخرجنا منْ عنقِ الزجاجةِ وكفيِ بهلواناتْ في السيركِ فمصرُ للأسفِ اختفى منها الزعاماتُ التي تستطيعُ أنْ تجمعَ شخصيةً توافقيةً ولها طبقةِ عريضةٍ يجتمعُ عليها الجميعَ.. ! !

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ متخصصٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

في يوم الشهيد كل عام نجتمع حيث تتلاقى فيه تضحيات أبناء الوطن مع مفاخر مجدهم واعطاء الامل رغم وجع فقدانهم الصعب الذي أوجع كل شريف لأنهم ظلموا دون وجه حق في فقدانهم بيد الطغمة الفاسد التي جثمت على صدور العراقيين ثلاثة عقود ونيف من الظلم والقتل والسجن والتعذيب الروحي والجسدي، وإن أرواحهم الطاهرة شريكة في مسيرة رفعة المجتمع والاحتفال بالاستذكار بهم يعكس اعتزاز الكوردي الفيلي بأبنائه ليتجدد العزم والإصرار فيه ونرسل لهم باقة حب ولمسة وفاء وسيرهم العطرة ستظل حية أبد الدهر ونموذج يحتذى به وأن هذا العطاء لن ولم ينتهي ويعد يوم من أعظم الأيام خلودًا في تاريخ شعبنا، وهو اليوم الذي قدم الشهيد حياته وروحه للدفاع عن كرامة وعزة وطنه لانه عشق الموت كي يهب الحياة لوطنه،نستذكر في كل عام معًا ما قدمه هؤلاء الأبطال بأنفسهم وبأرواحهم، في يوم الشهيد ليظل يوم مشهودا في ذاكرة العراقيين عامة والكورد الفيلية خاصة اعترافا وتقديرا منهم لكل لحظات عصيبة مرت على شعبنا وتصدى لها هؤلاء الشهداء بشجاعة وبسالة حتى اعطو أرواحهم من أجل الوطن، ولولا تضحيات هؤلاء الابطال لما بقيت الهوية الوطنية الفيلية اليوم

و ليكتبوا صفحات مضيئة تهتدي بها أجيال تأتي من بعدهم تسير على خطاهم وتقتدي رحلـة شهادتهم وتدرك أن الحفاظ على الكرامة ليس بالأمر الهين، وإنما الحفاظ عليها يتطلب الجهد والتضحية، وما حققه أبناء الكورد الفيلية الى جانب اخوانهم من الشهداء من الاطياف الاخرى التي تمثل الوطن العراقي على امتداد تاريخه لوطنيهم إنما يؤكد أن أرض المقدسات لا يمكن أن تنضب أبدًا من الأبطال، ويوم شهادتهم هو امتداد للماضي زاخرًا بأمجاد الأجداد فإن الحاضر أيضًا يأتي مصحوبًا بإنجازات الأحفاد، فما يسطره أبناءنا من الشهداء الأبرار من تضحيات سيتوقف التاريخ أمامه إجلالًا واحترامًا وستأتي الأجيال اللاحقة تتفاخر وتتحاكى ببطولاتهم.

تحية إعزاز وتقدير لمن ضحوا بأرواحهم ودمائهم الذكية للحفاظ على أمن وسلامة الوطن.. وقصصهم ستظل نبراسا يُضىء لنا طريق المستقبل ومصدر إلهام للأجيال الجديدة،وفي نهاية كلمتي ونحن نجتمع من اجل احياء أرواح شهدائنا بيومهم الخالد يجب هنا ان نشير إلى تضحيات أسر شهدائنا الأبرار إلى من فقدوا الابن، أو الأب، أو الزوج، أو الأخ اليهم جميعًا، نهدي احر التحيات ويقدر شعب العراق على صبرهم وتحملهم واحتسابهم بفقدهم عند الله "سبحانه وتعالى" ورضاه لفقد فلذات اكبادهم وقربهم الى الله سبحانه وتعالى

***

عبد الخالق ياره الفلاح – كاتب واعلامي فيلي

أين هو الخطأ عندما يكتب العديد من مثقفي النجف مطالبين بالحفاظ على إرث المدينة التاريخي، أو بالأحرى في دعم هذا الإرث لأنه يمثل ذاكرة المدينة؟.

دع ما يقوله البعض من أن "سوق الحويش" في النجف تحول الى مكان مظلم، وأن تجارة الكتب أصبحت اليوم من الماضي في زمن الكتاب الرقمي، لكن ياسادة معظم مدن العالم تعتز بأسواق الكتب القديمة التي تضيف للمدينة نكهة خاصة، فلا تزال القاهرة تحتفظ بسوق الأزبكية رغم قدمه، والذي يذهب إلى باريس سيجد أكشاك الكتب على ضفة نهر السين، ومكتبات لندن القديمة وشارع المتنبي رغم أن البعض في هذه البلاد ممن يمارسون مهنة السياسية يعتبرونه شارعا لنشر أفكار الرذيلة.

للأسف أصبحت كلمة تراث وثقافة تخدش مسامع الكثيرين، فما معنى أن تكون هذه البلاد متحفاً تاريخياً؟، لسنا في حاجة إلى تراث ولا ذكريات، ولا أحجار تخبرنا أن هناك إنساناً عاش على هذه الأرض وعَمرها منذ آلاف السنين، ألم يخبرنا ”فيلسوف الجنّ والإنس” كاظم الحمامي أننا أحفاد كائنات فضائية؟.

منذ ايام تدور نقاشات حول تهديم سوق الحويش ، والغريب وجدت الكثير من المتحمسين لازالة السوق ، حيث كتب احدهم أن إرث البلاد لا يرتبط بمجموعة مكتبات (تباع) فيها الكتب، ولا أعرف ما هو الإرث الثقافي في نظر صاحب التعليق، فيما سخر عدد من المعلقين على الذين يطالبون بعدم هدم "تكاكين الكتب" كما أسموها.فلماذا ياسادة تتعجبون على من الذين كتبوا من قبل في مواقع التواصل الاجتماعي أن منارة الحدباء مجرد حجارة؟،.

سيقول البعض إن الشيء المهم اليوم، في بلاد وادي الرافدين أن ينجو المواطن العراقي من مصير العوز ، وأن يعود إلى بيته وهو مطمئن على مستقبل عائلته ، المسألة الأهم هي حياة الناس، لا ترف الحديث عن الآثار والحضارة، قد يكون الأمر صحيحاً، ولهذا صمتنا مثل صمت القبور على أبشع جريمة سرقة للتاريخ مرت على البشرية، حين نهبت المتاحف والمعارض والآثار والمخطوطات الثمينة ونحن نتفرج .

أقرأ ما يكتب في الفيسبوك من سخرية حول سوق الحويش وآثار العراق، واتحسر على شباب أصبحوا يؤمنون أن التاريخ بالنسبة لهم ما تحدده طائفتهم، لا ما خطته أصابع التاريخ ذات يوم.

لكي ننتمي إلى العالم المتقدم يجب أن يكون لدينا عشرات من الأماكن التي تحكي تاريخ هذه البلاد، وإلى جانبها مصانع ومكتبات ومدارس حديثة ومستشفيات لا تعيش على إفقار المرضى، نحتاج إلى دورة نهوض حضاري لا تتوقف.

اتمنى على العتبة العلوية ان تساهم في اعادة احياء سوق الحويش دعما للفكر الذي كان الامام علي "ع" يطالبنا بأن نعلي من شأنه أليس هو القائل: "لم يمت من نشر حكمةً".

***

علي حسين

ما إن بدأت ملامح فصل الصيف تلوح في الأفق خلال عام/ 2023، حتى بدأ جرس أزمة المياه يدق في العراق، أذ بثت مقاطع فيديوية تم توثيقها لأجزاء من نهري دجلة والفرات، مشاعر الخوف والقلق بين العراقيين، لما يظهر فيها من جفاف مساحات شاسعة، وصل في بعض المناطق إلى حد ظهور قاع النهرين بشكل مجرد، تحديدا في محافظتي ميسان وذي قار جنوبي البلاد.

الأمر الذي أثار الفزع من تفاقم الأزمة خلال فصل الصيف باعتبار أن الأزمة المتكررة بدأت مبكرا خلال عام / 2023، في حين اعتبر مراقبون أن ما يحدث بمثابة جرس إنذار من خطر مقبل قد يكبّد البلاد خسائر فادحة في أراضيه الزراعية، وقد يولّد مشكلات اقتصادية ومناخية وبيئية خطيرة مستقبلا، لاسيما وأن أزمة شح المياه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، قد أَجبرت بعض سكان المناطق الوسطى والجنوبية على اللحاق بركب “هجرة المناخ”، حيث دفعت بعشرات القرى التي تقطنها شريحة واسعة من الفلاحين على النزوح إلى مناطق أخرى، أملا في مستقبل أكثر أمان.

صور متداولة أظهرت عبور مجموعة من المواطنين لنهر دجلة في محافظة ميسان (365كم جنوب شرق بغداد) سيرا على الأقدام وممارسة ألعاب رياضية في قاع النهر الذي ظهر بسبب موجة الجفاف، فيما رصد مواطنون تراجع منسوب مياه النهر إلى حدّ غير مسبوق، مع ترسب الأملاح والأتربة في قاعه. الأمر الذي دفع بوزارة الموارد المائية لتصدر تحذير من أن وضع البلاد بات على المحك، وأن الخزين المائي وصل إلى مراحل حرجة، حتى قبل بداية موسم الصيف.

أما في محافظة ذي قار (375كم جنوب بغداد)، فقد أظهر فيديو جفاف نهر دجلة وتحديدا من الجهة التي تربط قضاءين زراعيين ببعضهما، أذ وثّق المقطع ظهور دعامات الجسر الرابط بينهما.

ما يجدر ذكره، إن العراق يعتمد على مياه الأنهر الآتية من دول الجوار وهي تركيا وإيران، لا سيما دجلة والفرات بنسبة 70 بالمئة، بينما تشكل مياه الأمطار حوالى 30 بالمئة من ثروته المائية، لكن منذ سنوات يعاني العراق من عدم تأمين حصصه المائية، فيما بدأت الأزمة تتفاقم أخيرا نتيجة ما باتت تُعرف بالـ “الحرب المائية” من قبل تلك الدول التي تبرر سلوكها بأن الجانب العراقي لم يشرّع في بناء السدود وتحديث طرق الري لضمان احتياجاته من المياه.

بحسب وزير الموارد المائية العراقي، أن مياه دجلة والفرات كانت تأتي جميعها الى العراق ولكن بعد عام /1979 بدأت تركيا بإنشاء السدود وآخرها سد “اليسو” على نهر دجلة ما أدى الى انخفاض مياه النهرين، و بعد ثلاث مواسم من الجفاف قد أصبح العراق على شفا كارثة إنسانية، مبيّنا أن دول الجوار استمرت في فرض الأمر الواقع بإكمالها مشاريع السدود والأنفاق ونقل الماء إلى خارج أحواض الأنهر، فأصبح موقف العراق رهنا بقرارات هذه الدول، فمستقبلا ستكون هناك مقايضة رسمية للماء مقابل النفط.

إلى جانب كون العراق خامس أكثر دول العالم تضرراً من تبعات التغير المناخي بما فيها الجفاف، وأصبح في المرتبة الخامسة على مؤشر الجفاف العالمي، ومنذ العام 2019، فقد العراق قرابة 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وأصبحت كمية احتياطه المائي 7.5مليار متر مكعب فقط.

ويخلف هذا التراجع مشاكل بيئية عدة، منها:

- تراجع المساحات المزروعة.

- فقدان الثروة الحيوانية.

- انتشار الأمراض.

- تدهور وضع التربة وزيادة وتيرة العواصف الترابية.

وتشير الأرقام إلى أن التصحر أصاب قرابة 40 بالمائة من أراضي العراق الصالحة للزراعة، ما يهدد الأمن الغذائي والصحي والبيئي، ويدفع الآلاف لترك مدنهم وقراهم نحو مناطق أقل عطشاً.

يتطلب حل هذه المعضلة التي يعيشها العراق تنفيذ توصيات عدة ذات علاقة بترشيد استهلاك المياه، واتباع نظم زراعة وري حديثة والتوجه نحو محاصيل بديلة أقل استهلاكاً للماء، وتحديث قنوات نقل المياه ووقف التعديات عليها.

حضارة الماء في بلاد الرافدين تلفظ انفاسها الاخيرة

يبكي كلكامش جاسم الأسدي بعد اختطافه

مكانة العراق تتلاشى في عهده الجديد

سيترك السومريون الزقورة، وحروفهم المسمارية ويهاجروا

لن يجد (جاسم) صديقه الوفي .. مجبل بعد الان

و لن يجد (جافن يونغ) (مضيف سيد سروط بين شباب القصب العالي).

سيحرف الريل طريقه بعيدا .. تاركا انين حمد

ستغير الطيور مسارها وتهجر العراق.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

الحديث الأول: نعمة الأمن في استقرار الفرد والمجتمع

فقد روى الإمام الترمذي في سننه من حديث عبيدالله بن محصن الخطمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"«من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»

وفي رواية بحذافيرها..

يقول مولاي البرجاوي في بحث له " الهدي النبوي في التنمية ": "لقد سطر حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم -وحيًا من ربه- أروع المؤشرات والمعايير لتحقيق تنمية متكاملة من خلال حديث نبوي شريف جامع ومانع: "مَن أصبح منكم آمنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذَافِيرها"؛ إذ يشمل ما يلي:

1- نعمة الأمن:

الأمن لغة: مصدره (أمن)، الأمان والأمانة بمعنى، وقد أَمِنْتُ فأنا آمن، وآمنت غيري من الأمن والأمان ضد الخوف

واصطلاحًا: هو اطمئنان النفس وزوال الخوف، ومنه قوله تعالى: {وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ} [قريش: ٤]، ومنه الإيمان والأمانة، وضده الخوف. ووقع من أسمائه الحسنى المؤمن في قوله تعالى: {هو اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]. ومعناه أنه هو المعطي الأمان لعباده المؤمنين حين يؤمنهم من العذاب في الدنيا والآخرة. وينقسم الأمن إلى قسمين:

أمن في الدنيا: وهو يتحقق على الصعيد الفردي والاجتماعي بمختلف الأشكال الحياتية (سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وتعليمية، واجتماعية).

وأمن في الآخرة: وهو الاطمئنان بعدم عذاب الله في جهنم، وهو خاص بالمؤمنين الذين عملوا الصالحات: {الَذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].

2- الأمن الغذائي: ويعرف بعض الباحثين الأمن الغذائي المطلق يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي. أما الأمن الغذائي النسبي فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أو جزئيا.... وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين..

3- الأمن الصحي:

وحسب وكيبيديا " يعَد الأمن الصحي مصطلحًا أو إطارًا لقضايا الصحة العامة التي تتضمن حماية السكان على الصعيد الوطني من التهديدات الصحية الخارجية كما في الجوائح.

هناك أربعة أنواع للأمن تؤخذ بعين الاعتبار في هذا السياق: الأمن البيولوجي، وأمن الصحة العالمية، والأمن البشري، والأمن القومي..".

فما أعظم هذا الحديث النبوي الشريف كلمات موجزة ومعان كثيرة لا تسعها المجلدات..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

 

اَلْيَوْمُ اَلذِّكْرَى اَلزَّمَانَ وَالْمَكَانَ " 30 / مِنْ مَارِسَ 1976 م " يَوْمِ اَلِاسْتِيلَاءِ عَلَى اَلْآلَافِ اَلدُّونَمَاتِ مِنْ اَلْأَرَاضِي اَلْفِلَسْطِينِيَّةِ اَلْمُحْتَلَّةِ، تَأْتِي اَلذِّكْرَى فِي غِيَابٍ تَامٍّ مِنْ اَلْجِهَاتِ اَلرَّسْمِيَّةِ وَالْإِعْلَامِ اَلْعَرَبِيِّ. هَلْ أَصْبَحَتْ هَذِهِ اَلذَّاكِرَةِ فِي طَيِّ اَلنِّسْيَانِ مِنْ مُشَارَكَةٍ عَرَبِيَّةٍ حَتَّى وَلَوْ بِبَيَانِ عَنْ يَوْمِ اَلْأَرْضِ لَقَدْ أَصْبَحَتْ بِلَادُ يِسْجِيهَا اَلْخَوْفُ حَيْثُ اَلْعُرُوبَةُ تَغْدُو عِقَابًا. وَالْهَزِيمَةُ وَالِاسْتِسْلَامُ وَالتَّطْبِيعُ اِنْتِصَارًا.، وَلِأَنَّ شَعْبَنَا اَلْعَرَبِيَّ لَيْسَ لَهُ لِسَانٌ وَمَا قِيمَةُ اَلشَّعْبِ اَلَّذِي لَيْسَ لَهُ لِسَانٌ... أَنَا مَاكْتِبْتْ كَيْ أَكُون كَاتِبًا فَبِلَادِي أَضَاعَهَا كِتَابُهَا وَخَطْباَئْهَا. وَلَكِنِّي رَافِضٍ زَمَانِي وَعَصْرِي.. حَيْثُ نَمُوتُ مُصَادَفَةُ كَكِلَاب اَلطَّرِيق وَنَجْهَلُ أَسْمَاءً مِنْ يَصْنَعُونَ اَلْقَرَارُ.، وَلَسْنَا نُنَاقِشُ كَيْفَ نَمُوتُ وَايِنْ نَمُوتُ وَنَحْتَاجُ لِقَرَارِ حَتِي نَدْفِنُ فَيَوْمَا نَمُوت نَمُوتُ مِنْ اَلْهُرُوبِ مِنْ جَحِيمِ اَلْحَرْبِ وَيَوْمٍ نَمُوتُ فِي اَلْهِجْرَةِ فِي اَلْبَحْرِ، وَيَوْم نَمُوتُ حِينُ نَعْتَرِضُ عَلَى قَرَارِ اَلسُّلْطَانِ أَيْ سُلْطَانْ وَيَوْمٍ نَمُوتُ بِالسِّلْمِ وَالْحَرْبِ مَرَّةً بِالْيَمِينِ، وَمَرَّةُ بِالْيَسَارِ، وَمَرَّةُ بِاسْمِ اَلْإِسْلَامِ. وَلَا نَتَذَكَّرُ مِنْ شَيَّعُونَا وَلَا نَتَذَكَّرُ مِنْ قَتَلُونَا فَلَا فِرَق فِي لَحْظَةِ اَلْمَوْتِ بَيْنَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلَا أَمِيرَ اَلْمَجُوسِ وَلَا اَلْإِسْرَائِيلِيِّ،

بِلَادٌ أَصْبَحَتْ كُلُّ مَدَائِنِهَا كَرْبَلَاء... بِلَادٌ تُعَدُّ اَلْآنُ حَقَائِبَهَا رُوَيْداَ رُوَيْدا َ لِلرَّحِيلِ أَصْبَحَتْ بِلَا رَصِيفٍ وَلَا هُنَاكَ قِطَارٌ، فَقِطَارُ اَلتَّارِيخِ كَتَبَ نِهَايَتَهُ " اَلْمُؤَامَرَاتِ وَالتَّطْبِيعَ وَشَرْقِ أَوْسَط جَدِيدٍ تَقُودُهُ إِسْرَائِيلُ "، مُؤْتَمَرُ اَلنَّقَبَ وَالِاحْتِفَالِ بِذِكْرَى " بْنْ غُورِينْ " سَلِسَةً مِنْ اَلْعِهْرِ اَلسِّيَاسِيِّ وَالْخِيَانَةِ اَلَّتِي أَصْبَحَتْ مَشْرُوعَةً مُنْذُ عَامٍ حَضَرَهُ رُؤَسَاءُ عَرَبٌ وَعَلِمَ إِسْرَائِيلَ يُرَفْرِفُ فِي سَمَاءِ اَلدُّوَلِ اَلْعَرَبِيَّةِ. بِلَا حَيَاءِ ماتْ اَلزَّعِيمِ نَاصِرْ وَمَعَ إِعْلَانِ وَفَاتِهِ مَاتَتْ فِلَسْطِينُ كُلَّ فِلَسْطِينَ....! !

يَا شُيُوخٌ وَيَا سَلَاطِينَ اَلْأُمَّةِ قُمْ مِنْ قُصُورِكُمْ اِفْتَحُوا شَبَابِيكَ قُصُورِكُمْ، لِلشَّمْسِ وَالْعَدْلِ وَالْحُرِّيَّةِ فَمًا رَآَكَ اَلشَّعْبُ مُنْذُ آخِرٍ عُصُورِ بَنِي أُمَيَّة. اُخْرُجُوا إِلَى اَلشَّوَارِعِ. وَاقَرَاءُوا صَحِيفَةً يَوْمِيَّةً مِنْ اَلنِّيلِ إِلَى اَلْفُرَاتِ إِلَى اَلشَّامِ إِلَى تُونِسَ اَلْخَضْرَاءِ إِلَى اَلْيَمَنِ اَلسَّعِيدْ إِلَى فِلَسْطِينَ إِلَى غَزَّةِ اَلْعِزَّةِ وَالصُّمُودِ إِلَى لِيبْيَا. هَلْ وَصَلَتْ أَسْمَاعَكُمْ عَنْ اَلْحِلْفُ اَلسُّنِّيُّ اَلْإِسْرَائيَلِي وَالدِّيَانَةُ اَلْإِبْرَاهِيمِيَّةُ وَالتَّطْبِيعُ ؛ لَيْسَ غَرِيبٌ فِي زَمَنِ اَلْعِهْرِ اَلسِّيَاسِيِّ، أَنْ تُصْبِحَ اَلْخِيَانَةُ وُجْهَةَ نَظَرٍ فِي ظِلِّ بَوَادِرِ أَزْمَةٍ اِقْتِصَادِيَّةٍ وَحُرُوبٍ أَهْلِيَّةٍ وَتَدَاعِيَاتِ اَلْحَرْبِ اَلْأُوكْرَانِيَّةِ اَلرُّوسِيَّةِ عَلَى اَلْأَمْنِ اَلْغِذَائِيِّ ؛- وَحَدِيثٍ مَاكِرُونَ. عَنْ حُدُوثِ مَجَاعَاتٍ فِي دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ. شَعْوِب عَرَبِيَّةً تَعِيشُ تَحْتَ خَطِّ اَلْفَقْرِ وَشُعُوبٍ تَعِيشُ (مَثَّلَتْ اَلْخَوْفَ اَلْجُوعَ وَالْفَقْرَ) وَالْأَسْوَأِ لَمٌّ يَأْتِي بَعْد. تَرْكُنَا شَعْب يَنَامُ فِي مُخَيَّمَاتٍ عَلَى اَلْحَصِيرِ وَطِفْل يَبْحَثُ فِي يَوْمِ اَلْأَرْضِ عَنْ أَشْجَارِ اَلتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطِفْلٍ يَبْحَثُ فِي وَسَطٍ ركأَمْ اَلْمَعَارِكِ عَنْ دَفَاتِرِهِ كتَبَّ عَلَيْهَا هُنَا فِلَسْطِينَ... ! !

***

مُحَمَّدْ سَعْدْ عَبْدِ اَللَّطْبُفْ.

كَاتِبٌ مِصْرِيٌّ وَبَاحِثٌ فِي اَلْجُغْرَافْيَا اَلسِّيَاسِيَّةِ

مقدمة لا بد منها: السنة النبوية والارتقاء بالإنسان

عندما نتأمل في أحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نجدها قد تجاوزت ما وصلت إليه التنمية البشرية المعاصرة ولكننا للأسف لا نقرأ هذه الأحاديث قراءة متبصرة على ضوء الواقع المعاصر فنحاول في هذا العمود اليومي الرمضاني أن نبحر في عوالم هذه الأحاديث و نستخرج منها ما توصلت إليه علوم التنمية ..

و التنمية البشرية من منظور مؤسس مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة محبوب الحق، هي المساعدة في توسيع خيارات البشر وقدراتهم على العيش الكريم وتوسيع المشاركة الديموقراطية والتنمية الاقتصادية والإجتماعية. حيث يعد التطوير والتنمية الذاتية جزء منها.

يقول الدكتور سعد الله المحمدي :" يدرك الناظرُ في سُنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم - وقد أوتي جوامعَ الكلم - وفي سيرته العطرة المباركة: أنَّها حافلة بكلِّ ما مِن شأنه الارتقاء بالإنسان والمجتمع البشريِّ، والعناية به روحيًّا وفكريًّا، وعقليًّا وبدنيًّا؛ مما يعنى أنَّ نصوص السنة النبويَّة لا تهتمُّ بجانبٍ واحدٍ فقط للتنمية، بل تهتمُّ بالتنمية الشاملة للإنسان؛ مِن تنظيمِ شؤونِ حياته وأعمالِه بالمبادرات النافعة، ورَسْمِ الخطط الناجحة لتعامله مع الآخرين، ودورِه في إعمار الأرضِ والارتقاء بالمجتمع.

وبذلك سَبَقَت السنة النبوية النظرياتِ الحديثةَ كافَّةً في مجال التنمية البشريَّة؛ لعنايتها الخاصَّة بالاستثمار في العنصر البشريِّ، وتطوير قدراته في مختلف الجوانب، والنهوض بالمجتمع؛ ليصل إلى أعلى درجات الكمال والرُّقِيِّ، والازدهار والتنمية، ولا عجب في ذلك؛ فالسُّنةُ النبوية شعلةٌ مِن مشكاة النبوة، ووحي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إنِّي أوتيت الكتابَ ومثلَه معه) "صحيح الجامع: 2643.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

 

من أكبر أسباب الفشل، فقد الثقة بالنفس، وعدم الإيمان بالقدرات الذاتية على النجاح، والاعتقاد الخاطئ بعدم امتلك مقوماته، التي تجعل من الفشل أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، وأشرس الأدواء الفتاكة التي إذا تسلطت على الأفراد أو الجماعات إلا وحالت دون مواجهتهما لأيّ تحدٍّ يتعرّضان له، خوفاً من الفشل واللوم والانتقاد، ما يساهم في إيجاده وانتشاره وتطويره في النفوس الضعيفة التي تستكين له وتستطيب إسقاطه على غيرها، وتتفنن في البحث عن شماعات واهية تعلقه عليها، أو على أسباب غيبية سماوية، بعيدة عن أدائها على الأرض، تهربا من المسؤولية الذاتية التي يُحاسب عليها الإنسان كمخلوق مسؤول عن أفعاله، بدليل قوله تعالى :"كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين" "وَكُلَ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ" والذي يُحمل الأفراد والشعوب مسئوليات أفعالهم، التي يفترض التعامل معها بعيدا عن منطق :" أن النجاح له ألف أب، وأن الفشل يتيم يبحث له عن نسب من خارج مجال الأداء الذي أدى إليه" الأمر الذي تعززه المقولة الشهيرة : "الفاشل ليس من يقع في الفشل، وإنما الفاشل هو من يقع في الفشل ويرتضيه و يستطيبه "إلى أن يصبح من صميم طبعه وسلوكه، فيصعب عليه الانتقال من تأثير احباطاته و خيباته وانهياراته، إلى مربع النجاح، الذي يسعى إليه المبدعون كأسمى طموح في مختلف ميادين العطاء الإنساني الفكرية أو الثقافية أو الأدبية أو الفنية أو الرياضية ؛ والذي غير خاف على أحد حاجة الناس الأسوياء للشعور بمذاق النجاح والنصر، وأنه ليس هناك من شك في أنه لا وجود لعاقل يبحث عن الفشل أو يريده، ولا يكافح لتفاديه، كل حسب تنشئته وتربيته وطريقته وقدرته على التخطيط والإعداد لتقوية ثقته بنفسه واحترامه لذاته، وتحفيزها على العمل المحقق ليس للفوز والانتصار فقط، بل والعمل على الوصول للتألق والتميز في عوالم الفوز والنجاح، الذي لا ينتظر إلا المبادرات الحميدة والنوايا السليمة للجادين الذين يؤمنون بقدراتهم، ولا يكتفون بشكر الله على تقديراته وعطاءاته فقط، ويحاسبون أنفسهم ويفتشون في خباياها عن الأسباب الذاتية التي أدت بهم إلى ذلك النجاح أو الفشل، خلافا لما كان سائدا في خضم الخريطة الرياضية وعلى رأسها كرة القدم المفتقرة للحب والعدالة والانسانية، المكتظة بالتشابه والعزلة والسآمة، المعطرة بالمؤامرات التي قصرت أمور تسيير شؤونها لزمن طويل على استصدار أحلام وطموحات كل الموهوبين الذين يودون بشوق للفرص المتكافئة التي تكون لهم فيها مواقف مؤثرة في تغير القوالب المعلبة للعبة، ويثبتون من خلال حضورهم الفاعل في حمأة الصراع المحموم الذي لا يتهم أصحابه إلا بمصالحهم الخاصة على حساب مصلحة كرة القدم الوطنية ومتطلباتها الضرورية كتوفير الإمكانات المتميزة ورصد المواهب ودعمها وتحفيزها، وشحذ همم أصحابها والدفع بهم نحو الإبداع والتفوق والرقي باللعبة، الأمر الذي تفنن في إدارته الناخب الوطني وليد الركراكي، بالشكل التميز الذي مكن الكرة المغربية، وفي ظرف وجيز، ليس من استعادة مكانتها المتميزة فقط، بل وجعلها تحتل المراتب العليا، والدرجات القصوى و الأخطر شأوا والأكبر شأنا، و تنال كل ما تستحقه من أوشحة الفخر وأوسمة التميز، تمكنت من بز أقرانها من الفرق العالمية العظيمة بمونديال قطر، وفوزها العظيم مؤخرا على البرازيل، الذي لم يكن صدفة ولا ضربة حظ، بقدر ما كان نتيجة لحكمة مدرب معلم مدفوع عشق بعمق كرة القدم، فتمكنت منه وتمكن منها حتى صارها بكل جوارحه، ونتيجة أفضل القرارات وأنجع الحلول، المبنية على التخطيط الجيد والفعل المضبوط المؤدي للفوز، الذي ليس حليف المتكاسلين المتواكلين، ولا يناله إلا أصحاب الرؤى المستقبلية السليمة، الذين تملؤهم الرغبة العارمة في اقتحام النجاحات، والغرف من مناهلها الصافية الذين يريدون فعلا أن يحضوا باحترام ومحبة وتقدير جميع عشاق كرة القدم الذين يقدسون انتماءهم إليها رغم اختلاف المواقف وتباينت الآراء.

***

حميد طولست

الجرائم البشعة المتكررة وبفظائع مروعة، يتم إغفالها كجرائم خطيرة ضد القيم والمعايير الإنسانية، فهي تحصد الأبرياء ولا تميز بين طفل أو كهل وتقتل بعشوائية مرعبة، ويركز الإعلام وأصحاب القرار والمسؤولية على الدافع، فالمهم الدافع وليس الجريمة.

وفي هذا خطورة فائقة، لأن الجرائم تفقد أهميتها ومعناها الإجرامي وفقا للدافع الذي يكمن وراءها، فمهما كانت الجريمة بشعة، تجد وسائل الإعلام والمحقيقين يبحثون عن الدافع، وعندما يجدون ما يبرر تسييس الجريمة، وتأجيج المشاعر ضد آخرين، وتحشيدهم لإرتكاب جرائم أبشع، فأن المسيرة الإجرامية تتواصل والفظائع تتراكم.

شخص يقتل العشرات من الأبرياء، وعندما ينكشف الدافع حسب التحليلات القاصرة بأنه فعل ذلك لأنه خسر الملايين في المقامرة يتم التقليل من حجم الجريمة، والذي يقتل العشرات في كنيسة ويتبين أنه قتلهم لأنه على خلاف مع أم زوجته، يتم النظر للجريمة بعين أخرى ويُدعى له بالغفران، أما عندما يكون الدافع له علاقة بشخص ينتمي إلى دين ما أو ينطق بعبارة ما، فالجريمة يتم تسييسها وتضخيمها وإشغال وسائل الإعلام بها لأيام، وتطلق الخطب والتصريحات لأنها تخدم وتؤكد أجندات سياسية وعدوانية محسوبة ومعدة مسبقا.

هذا الإقتراب جريمة بحق الإنسانية وتعزيز للجريمة وتسويغها، فالجرائم كبيرة والتبريرات خطيرة، وبسبب ذلك فأن الجرائم البشعة بحق الأبرياء تتواصل وتتعاظم بشدتها وعدد ضحاياها، وما ستتسبب به من تداعيات سلوكية وتفاعلات إجتماعية حاضنة للجريمة ومشجعة عليها، لأنها ستشيع مشاعر الخوف والرعب والترقب وفقدان الأمان، وبتنامي القلق يزداد السلوك الإنعكاسي الإرتعابي الذي يؤدي إلى ما لا يصدق من الجرائم الفتاكة.

وعليه فأن البشرية لا يمكنها أن تحاصر الجريمة وتقضي على ما تجلبه من دمارات وخرابات نفسية وفكرية، إذا بقيت مأسورة بنمطياتها البالية في الإقتراب منها، وإذا إستمرت بتسييس الجرائم، وعدم النظر إليها بعين العدل والتحقيق النزيه الذي يتعامل معها على أنها جريمة بعيدا عن الدافع، وما تمليه التحليلات المنحرفة والتصورات المقرفة، فالجريمة مهما كان نوعها ودوافعها وآلياتها، هي جريمة ويجب أن تُرى وتُحاصر وفقا لكونها جريمة، والمجرم يجب أن ينال جزاءه كمجرم وحسب.

إن الخلط ما بين الجريمة والدافع، تسبب بما يدور في عالمنا المعاصر من التزايد الخطير للجرائم الكبيرة، في مجتمعات تحسب أنها متقدمة، وذات قدرات تقنية وأمنية عالية، وفي الواقع أن علة فشلها في السيطرة المعقولة على السلوك الإجرامي، يتأتى من هذا الربط الخطير ما بين الدافع والجريمة، ومحاولة تبرير الجريمة وتسويغها بأسباب خارجة عن جوهرها السلوكي وطبيعتها النفسية، التي تساهم بإستقطاب القدرات الإجرامية المتوفرة في الواقع بتقنياته وتواصلاته الفتاكة.

فهل من إعادة نظر بأساليب الإقتراب من الجريمة، وإلا فأن المجتمع البشري قادم على جريمة عالمية شنعاء، كمحصلة لتفاعلات الجرائم الرعناء!!

***

د. صادق السامرائي

7\11\2017

أنا مواطن مغربي، أعتز بهويتي المتفردة والمشتركة. أنا مواطن أُمَارس كل حقوق المواطنة بدء من التصويت، إلى أداء ما علي من واجبات تجاه الدولة العلية. أنا مواطن مغربي، قد لا ترعاني دولة الرعية بالمسؤوليات الدستورية الكاملة، وبضمان حقوقي القانونية في عيش الكرامة، ولكني أخطو بثبات نحو حلم المستقبل. أنا مواطن مغربي، أعيش كفاف اليد وتدبير حيلة القفة، وبات الغلاء يَقْهرنِي يوما عن يوم، ويصنع من زواياه الحادة (الحكرة) المروعة إبرا. أنا مواطن مغربي، أستمع إلى وزير ناطق من أبناء متحور شعب السياسة (بايتاس) وهو يَلْحَنُ (الأسعار بدأت تأخذ منحى تنازليا، والحكومة ستستمر بالعمل بهذا النفس الجماعي إلى حين عودة الأسعار إلى مستواها الطبيعي)، إلى متى سيظل الشعب هكذا؟ إنها الانتظارية القاتلة بالهلاك الجماعي !!

أنا مواطن مغربي، ألتزم بحدود الصبر كقيمة من قيم هذا الوطن الفذ. ألتزم بالسر والعلن ألا دولة أَحَبُّ إلى قلبي غير المملكة المغربية. أنا مواطن، قد أصمت عن البغي والطغيان مرات عديدة، وأعيش في انتظار مداومة الإصلاحات بمقابل بقاء السلم الاجتماعي، والنموذج التنموي (الغالي التكلفة). أنا مواطن مغربي، من جذور أجدادي أرفض الاستقواء، والظلم على الضعفاء. أرفض سياسة الحيف، وتقسيم الشعب بين أغنياء قلاقل وجحافل من فقراء همِّ حياة محموم.

أنا مواطن مغربي، أرفض (شناقة) روح كرامة، وقتل العيش الرغيد المستديم. أكره كبار السياسيين الذين يربطون الغلاء بحرب الروس والأوكرانيين. أنا مواطن طيب متسامح، مطالبي لا تزيد طوباوية في سلم الحياة العليا. أنا مواطن، تعترف بي الدولة في دستورها المتكامل، تعترف بي الدولة ضمنيا في بياضات الدستور المتطور، وفي فراغاته المتلازمة بقوانين الحكامة. أنا مواطن، من طينة أجداد الفلاحين الصغار، لا من إقطاعيي الفساد والنهب وصناعة قوانين الريع (حلال)، وكابوس نهايات المغرب الأخضر التصديري.

أنا مواطن من مدينتي مكناس البئيسة التعيسة، والتي تُدارُ سياساتها في البيوت العامرة، وتبقى المؤسسات الدستورية تَخُصُّ فقط في صناعة (البلوكاج) ولَيِّ الأيدي. أنا مواطن طيع، أسير بجوار ارتفاعات الأسوار الإسماعيلية، لا أمارس الإساءة لأحد، ولا أبحث عن تجريح الدولة العلية.

أنا مواطن من دولة، تضمن الحقوق وتلتزم العدل والمساواة بين مواطنيها، وتُغَيب المساءلة والمحاسبة. أنا مواطن، لست من انتكاسة مغرب الجيل الأخضر، ولكني من جيل المحراث والقرية والقبيلة. أنا مواطن من الدرجة التي لا تُرَتَّبُ قيمة كمية في السجل الإجتماعي. أنا مواطن، تضيع كرامته بلا مناجاة، ويتم حرمانه من حقوقه الدستورية النوعية، وتجريحه بالغلاء، وقتل معيشته بالقفة السخية. أنا مواطن، أرفض اليأس والتيئيس، ومن جيل الكلمة والرصاص، أرفض أن تُغَيِّبَ الحكومة احترامها لي ولكم بالإفراد والجمع.  

أنا مواطن، أعيش انتعاشة المواطنة الفياضة بالأمل والحلم، والإخلاص لرموز الدولة، والوفاء للمقدسات. أنا مواطن، أحترم قوانين الدولة الكلية، فهل تحترم الدولة حقوقي في عيش الرفاه!! أنا مواطن أصدق نفسي و أسرتي ومجتمعي، ولا أمارس نفاق السياسيين الكبار في نهب رزق الشعب.

أنا مواطن، أرفض التعصب وأكره التمايز الاجتماعي، والاستكبار والاستئثار بخيرات الدولة العلية. أن مواطن، أبحث عن العدل والكرامة وأؤمن بحقوق شراكة الأرض والوطن والحياة وهواء المملكة. أنا مواطن، حين أكتب لا أتأبطُ المظلومية، ولن أكون ما حَيِيتُ ظالما لغيري. أنا مواطن، من مكناس المدينة، لن أقول: بأني صالح ولا طالح، ولكن قد أَصْدُقْ نخوة بأن رغيفي حلال طاهر آت من عرق جبيني.

***

محسن الأكرمين

طبيعي أن يخطأ المرء هنا أو هناك، لكنّ غير الطبيعي هو عدم الإستفادة من أخطائه. وما ينطبق على الفرد ينطبق على الأحزاب والمنظمّات بل وحتّى الشعوب، فأخطاء حزب أو منظمّة أو حتّى شعب ستستمر وتؤدي الى نتائج كارثيّة ما لم يستعيد ذلك الحزب أو تلك المنظمّة أو ذلك الشعب وعيه، ليس بنقد تلك الأخطاء فقط، بل العمل على تشخيصها وبحثه المستمر لتجاوزها في المراحل التالية من نشاطه ونضاله.

لقد كانت أنتفاضة تشرين/ أكتوبر العراقيّة حدثا كبيرا في تاريخ نضالات شعبنا، وعلى الرغم من عدم نجاحها في تغيير شكل اللوحة السياسية بالبلاد، الّا أنّها تبقى خزينا ثوريا علينا تطويره وتغذيته بمزيد من طاقات الجماهير المتضرّرة للإسراع بإنقاذ البلاد من شرور المحاصصة الطائفية القومية، التي تكرّس هيمنتها وتمسك بيد من فولاذ على مقاليد السلطة يوما بعد آخر بل ساعة بعد ساعة.

حينما كانت الإنتفاضة في عزّ عنفوانها، وحينما كانت الآمال معقودة على شابّات وشبّان رسموا خارطة وطنهم عاليا في السماء، وحينما كان "الطرف الثالث" يقتل ويغتال ويجرح ويطارد ويغتصب هؤلاء الشابّات والشبّان، ظهر إستنتاج سياسي لدى العديد من القوى السياسية والكثير من المتابعين لما كان يجري وقتها، على أنّ عراق ما قبل الأنتفاضة هو ليس كما عراق ما بعد الأنتفاضة، فهل تحققت تلك الأمنية!؟

أثناء الإنتفاضة وبعدها رُفعت العديد من الشعارات المركزية، منها تقديم قتلة المتظاهرين للعدالة، تغيير القوانين الأنتخابية لتكون عادلة، مكافحة الفساد، تحقيق العدالة الأجتماعية، نريد وطن وغيرها. فهل تحقّق شعار واحد من تلك الشعارات التي ذهب ضحيتها المئات بين شهيد وجريح ومعاق ومختطف، لنقول من أنّ عراق ما قبل الأنتفاضة هو ليس عراق ما بعد الأنتفاضة!؟

لم يتم لليوم تقديم القتلة وهم ميليشياويين على صلة بعواصم محليّة للقضاء، بل على العكس فقد تمّ تكريم القتلة. أمّا القوانين الأنتخابية التي طالب المنتفضون ومعهم أحزاب ديموقراطية ومنظمات مجتمع مدني بتعديلها لتكون أكثر عدلا، فقد ترجمته القوى التي قمعت الأنتفاضة بقوانين فُصّلت على مقاساتها ومقاس ميليشياتها لتكون لها الأغلبية المريحة جدا في البرلمان، كونها تمتلك الأغلبية أساسا بعد تبادل أدوارها لتكون أغلبية سياسية في برلمان يحتله فاسدون. أمّا محاربة الفساد، فقد ترجمته قوى القمع الى أستمراره ليلْتَهم خزينة البلاد، وما سرقة القرن الّا أحدى دلالات هذه القوى على أستهتارها بدماء شهداء تشرين وشعبنا بشكل عام، والعدالة ألاجتماعية عند أقطاب السلطة تعني توزيع الكعكة بين أحزابها وليس بين المواطنين الذين يعيش ثلثهم تحت مستوى خط الفقر وفق أحصاءات رسمية. ويبقى شعار نريد وطن، هو الشعار العصي على التنفيذ في ظل سلطات لا تعرف كتابة أسم وطن على سبورة في صف مدرسي بمدرسة خربة آيلة للسقوط.

أوضاع ما بعد الأنتفاضة أسوأ من أوضاع ما قبل الأنتفاضة، وهذه حقيقة يعرفها المنتفضون والشارع العراقي الذي يعيش أزمات مختلفة، وقولنا هذا ليس حالة من اليأس على الرغم من أنّ اليأس مبرر لتوفّر كل عناصره في الحياة العراقية على مختلف الصعد. أنّ ضرب وطرد نوّاب منتخبين من قبل ميليشيات السلطة وتحت قبّة البرلمان، كي لا يصوّتوا ضدّ قانون سانت ليغو المعدّل والذي سيعدّل في كل دورة أنتخابية ما يتيح لهيمنة قوى الفساد على السلطة، لا يعني أستهتار وقمع أحزاب السلطة وميليشياتها فقط، ولا ضعف قوى التغيير الديموقراطيّة فقط، ولا صمت جينين بلاسخارت التي يطلق عليها العراقيون تهكما كنية (أم فدك) ومؤسستها الأممية عن تجاوز السلطة على أبسط الحقوق الديموقراطية التي تعتقد المؤسسة الأممية من أنها قائمة بالعراق، بل تعني أستمرار حالة اليأس عند المواطنين وعزوفهم عن نضال عليهم خوضه من أجل تحقيق أهداف أنتفاضة تشرين. على القوى السياسية المؤمنة بالتغيير أن تتقدم هذه الجماهير اليائسة والباحثة عن حياة كريمة في وطن يتسّع للجميع، بأصطفافها ووحدة برامجها وتجاوز خلافاتها ومناكفاتها وأنانيتها. فالوقت ليس بصالح جماهير شعبنا وقوى الفساد ترسّخ مواقعها في السلطة. وهذه القوى أي الديموقراطية عليها دراسة الشارع العراقي دون عقد آمال أكبر حجما من أمكانياتها، فخسارة الأنتخابات هذه المرّة أو الحصول على نسب صغيرة غير مؤثرّة في أتّخاذ القرارات وتغيير ولو بسيط في شكل السلطة، سيرسّخان الأحباط واليأس من أي تغيير عند جماهير هذه الأحزاب وعموم جماهير شعبنا. ويبقى أمام هذه القوى هدف اكبر وهو، تنظيم الصفوف ووحدة الخطاب السياسي والعمل اليومي بين الجماهير، لحشدها وتهيئتها للمعركة الفاصلة، أي إنتفاضة اكثر قوّة وأتّساعا من انتفاضة تشرين، وفي الحقيقة فأنّ الأنتفاضة المنظمّة هي طريق خلاص شعبنا من الحكم الفاسد وليس الأنتخابات، التي وضعت قوانينها لتدوير نفس الطبقة السياسية لتكون مالكة القرار من جديد.

أثناء الثورة الفرنسية رفع أونوريه جابرييل ريكويتي المعروف بميرابو شعار "أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسّيس"، وأثناء أنتفاضة تشرين ومن وحي هذا الشعار رفع أحد المنتفضين وتحت جدارية جواد سليم في ساحة التحرير لافتة تقول"نتمنى أن يُشنق آخر سياسي فاسد بعمامة آخر رجل دين فاسد". ولأننا نعمل كعراقيين لبناء نظام ديموقراطي حقيقي لا مكان للعنف ومصادرة الحريات فيه، فالقضاء هو الذي عليه محاكمة الفاسدين لا الجماهير المحبطة واليائسة والمتذمرة.

***

زكي رضا - الدنمارك

29/3/2023

عانى الشعب العراقي طيلة أربع عقود، من ظلم وسياسة اعتى ديكتاتورية شهدتها الإنسانية على مر العصور، فقد توزع ظلم الحزب الفاشي على جميع مكونات الشعب العراقي ، فلم يسلم من بطشه أحد، ومن يختلف معه كان مصيره الحديد والنار، وزنزات الانفراد وبأبشع أنواع التعذيب..

تميزت فترة الطاغية السابق، أنها كانت تنشر التخلف الفكري والديني والسياسي والاجتماعي، حتى عاش الشعب العراقي في داخل طوق مظلم، يسوده الظلام والقهر وقتل النفس المحترمة، وضياع الكرامات.

لقد عاش المواطن العراقي طيلة تلك العقود في عزلة فريدة من نوعها، لم يشهد لها مثيل في عالم البشرية، ومن جميع الجوانب، حتى أصبح العراق هوالسجن الأكبر لشعبه، وهم يقضون حياتهم بين السجون والمعتقلات، وبين إجبارهم على الذهاب إلى حروب صدام الطائشة، من حرب ضروس مع إيران امتدت لثمان سنوات، ذهب فيها أكثر من مليون ضحية من الجانبين.

بعد عام 2003 تنفس العراقيون الصعداء بزوال هذه الغمة، وانتهاء حكم الديكتاتورية، وشاء القدر أن يبدأ البلد مرحلة جديدة في حياته، مبنية على أساس حرية الفرد والمجتمع عموماً، وأن يعيش العراقيون في بلدهم مكرمين،لا يحكمهم الجهل والتخلف، ولكن ما زاد من ألام العراقيين على الرغم من آمالهم في الحياة الكريمة، الشر الذي كان يتربص به، ليكشر عن أنيابه في عام 2006،والتي كانت من أهم إفرازات ما بعد الاحتلال هي الحرب الطائفية، والتي كانت ساعة الصفر لبدء مرحلة جديدة للعراقيين، بمختلف مكوناتهم وطوائفهم وأثنياتهم، وما تلاها من حرب الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، التي نالت ما نالت من حياة العراقيين أجمع.

الايجابي في مرحلة ما بعد 2003 أنها استطاعت ترسيخ الديمقراطية، في أنتخاب حكومات متعاقبة، وانتخاب دستور جديد دائمي،بعيداً عن الحكم الشمولي، الذي لم يرعى أي ضوابط لاحترام الإنسان في العراق.

على الرغم من تفشي الفساد في مؤسسات الدولة،إلا إن الجهود الحكومية الرامية إلى ملاحقة الفاسدين، باتت تظهر للعيان من خلال الإجراءات الحكومية المعلنة،وإيجاد حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد،ولكن مع كل هذه الجهود ما زالت الظواهر السلبية، من فساد مجتمعي وسياسي واقتصادي، بدأت تتحول تدريجياً إلى ظاهرة طبيعية، لا يمكن ضربها أو محاربتها بأي صورة كانت..

المحاولات التي تقوم بها الحكومة لمحاربة الفساد ومطاردة الفاسدين، لايمكن أن يكتب لها النجاح ما لم تكن هناك إرادة سياسية لذلك،و على جميع الصعد والمستويات، وأن يكون للبرلمان التخويل الكامل، في إنهاء الحسابات الختامية لكل السنوات الماضية، ومن الضروري إن يكون للمؤسسات الرقابية، الدور الأهم في الكشف عن الملفات النائمة، التي تنتظر أن يظهر النور عليها، لكي تكشف للرأي العام،وإزالة الغطاء السياسي عنها، وأن ينهض الدولة وتكون تحت حماية الشعب العراقي بدل الخوف منها.

***

محمد حسن الساعدي

زيارة رئيس مجلس الوزراء الى تركيا كانت مثمرة وفي وقتها، لعدة اسباب منها: الحاجة الى تعزيز التعاون الثنائي مع دول الجوار اولا؛. التنسيق بشأن الملفات المشتركة الأمنية منها بالخصوص ثانيا؛. والاهم ثالثا؛ مناقشة موضوع المياه والأزمة التي يعانيها العراق بسبب نقص الإمدادات القادمة من تركيا باعتبارها منبع نهري دجلة والفرات والجهة الاكثر الأهمية في تعزيز الواقع المائي ومقاومة الجفاف والتصحر على مستوى الوسط والغرب والجنوب.

لكن هل ادت الزيارة الغاية الاساسية منها؟ وهل كان للعراق اوراق وملفات تغير من الواقع للافضل وتضغط على الجارة لاحترام مباديء حسن الجوار!!!.

للأسف الزيارة لم تناقش مجالات التجارة والأمن والمياه بشكل فني تخصصي ينصف العراق على المدى القريب والبعيد، وهي الملفات المهمة والخطيرة التي يمكن للمفاوض العراقي ان يناقشها مع الجانب التركي باعتبار الاخير المستفيد الاول على عدة مستويات، منها:

- التجارة: فالتبادل التجاري يميل لصالح تركيا وبأرقام كبيرة جداً قاربت العشرين مليار دولار عام ٢٠٢٢، وهذه ورقة كان يمكن الضغط بها لان العراق سوقا مهما للبضائع التركية للقرب الجغرافي اولا؛ ومستوى التبادل الكبير والمجدي للصانع التركي ثانيا.

- الأمن: تركيا تصول وتجول وتنشيء قواعد في شمال العراق دون رادع، وتقوم بعمليات عسكرية كبيرة دون تنسيق مع الجانب العراقي بما يخرق السيادة ويعرض حياة المواطنين العراقيين لخطر جسيم وحدث ان سقط ضحايا اكثر من مرة نتيجة هذه العمليات، وتلك ورقة اخرى للضغط لم تستعمل بشكل مناسب.

- المياه: تركيا تخالف اتفاقية الامم المتحدة للدول المتشاطئة لعام ١٩٩٧ التي تنص المادة السابعة منها على مبدأ مهم وهو " تجنب احداث ضرر ذي شأن لدى دولة جارة عند استخدام او تنفيذ مشاريع تتعلق بالموارد المائية المشتركة "، وهو ما تفعله تركيا تماما دون رادع أيضاً حتى قطعت المياه عن دجلة والفرات وما زالت تنشيء مزيدا من السدود والمشاريع المائية والاروائية على اراضيها بما يضر بالعراق وحياة المواطن واصبح يهدد الحرث والحيوان والنسل.

عندما بدأت تركيا انشاء السدود بما يسمى مشروع الكاب ودخل التنفيذ الكبير نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كنا نسمع ان الغاية من المشروع استبدال برميل ماء ببرميل نفط، واليوم مصداق لذلك الكلام عندما يقرر الرئيس التركي على هامش الزيارة بفتح المياه الى نهر دجلة لمدة شهر واحد فقط في مقابل محاربة وطرد تنظيم " ألبي كا كا " من شمال العراق في تدخل يمس السيادة، رغم ان جريان المياه من دول المنبع حق مكفول للعراق دوليا على مدار العام... لكن على ما يبدو اصبح الماء سلعة مهمة للعراق ولمواطنيه مثلما النفط مهم للاقتصاد، لكن ثمنه غالي... أغلى من النفط وأشياء اخرى.

***

جواد العطار

ان يتعلم ويتابع كل شيء بنفسه!

لما كنا بالعراق، كنا نعرف الكثير عن تصليح السيارة، ثم نسيناها لما عشنا في أوروبا. لأننا ببساطة لم نعد نستعملها، فلم يعد هناك داع لها. عندما يصيب السيارة شيء، تأخذها إلى الميكانيكي وتدفع اجوره!

في العراق كانت سياراتنا كثيرة الاعطال وصعب ان تأخذها للفيتر لكل صغيرة وكبيرة فلازم تتعلم. وحتى عند اخذ السيارة إلى المصلح، يجب ان تقف "على راسه" وتفهم ما الذي يفعله، لأن كثير منهم يعيش على ان يغشك.

هنا الناس يغشون أيضا، لكن هناك "مؤسسات" توفر على المواطن الكثير جدا من المتابعة والحاجة للمعرفة. مؤسسات لها نسبة من الثقة (وليس كاملة) يستطيع المواطن بمساعدتها أن يثق ان الغش لا يتعدى غالبا، حدا معينا، وان يعتمد عليها في معظم الامور ويتفرغ لتعلم عمله وصرف الوقت عليه.

رغم ذلك كان في ذلك الوقت في العراق بعض المؤسسات. تقدر مثلا تثق بدرجة ما ان وزارة التخطيط "تخطط" الاقتصاد وغيره من أمور.. واذا صار احصاء سكاني، تقدر تعتمد على الرقم بدرجة دقة معقولة.. إذا أمسك بعميل "يروح جلده للدباغ" خاصة في الجيش.. الوزير عموما يريد يسوي اللي عليه ويخاف... كان عندنا أساتذة ممتازين في الجامعات والغش والرشاوي بالكليات والمدارس بشكل محدود جدا (عدا التسعينات بسبب الفقر الشديد). يعني كانت هناك مؤسسات ولو محدودة.

لما جاء الاحتلال، لم يكتف بإزالة تلك المؤسسات المحدودة، انما بنى مؤسسات مقلوبة، هدفها الأكيد هو تضييع المواطن وتدمير أساس حياته، وأسس سفارة من الاف الموظفين المتفرغين لهذه المهمة! وبنى مؤسسات اعلامية هدفها المحدد هو اصابة المواطن بالجنون، لتسيطر على 90% من الفضاء العراقي وصرف عليها مليارات الدولارات، واخترق 90% من المحطات الباقية.

وعندما نقول "الجنون" فليس هذا للمبالغة. فالتعريف العلمي للجنون هو: الانفصال عن الواقع! أليس من يعتقد أن ايران هي عدوه، "منفصل عن الواقع"؟ أليس من يصدق أن القوات الأمريكية هي قوات تدريب، "منفصل عن الواقع"؟ أليس من يعتبر المعركة طائفية، وأن وما يهدده هو الطوائف الأخرى ومن يسرقه هو الطوائف الأخرى.. اليس هذا "منفصل عن الواقع"؟ إذن الوصف ب "الجنون" وصف علمي وليس مبالغة، وقد صرف احتلال العراق من أجله ما لم يصرفه احتلال قبلا في تاريخ البشرية.

لست هنا بصدد القاء اللوم على أحد او إهانة أحد. إنما أكتب بنية توضيح الصعوبات المستحيلة التي يواجهها العراقي.

لقد لاحظت في البداية، أن الكاتب مطالب أن يفهم كل شيء تقريبا! أن نتعلم الاقتصاد وليس فقط الاقتصاد العام لنميز بين الاشتراكي والرأسمالي وافضليات كل منهما، انما ايضا ان تدخل في تفاصيل النظام الرأسمالي لتفهم تأثير رفع الفائدة وتأثيره على قيمة سندات الخزانة الامريكية مثلا وغيرها كثير. وكذلك ان تدرس ان امكن الاقتصاد الإسلامي ومدى واقعية فرصة الدعوة اليه. أن تدرس الديمقراطية وتاريخها ودروسها وان تفهم أنظمة الانتخابات وافضلية ومخاطر كل منها وكيف ترد على الهجوم على سانت ليغو مثلا.. ان تفهم في الإعلام واساليب الكذب فيه، وهو بحر كبير، بل ان تعرف التأثيرات النفسية في الإعلام والشعوب وكيف استخدمت في الماضي. وعليك ان تقرأ التاريخ. ليس تاريخ بلدك وتاريخ طوائفه لتفهم مشاعرها فقط، بل تاريخ اميركا ايضا، وكذلك تاريخ صراع الشعوب للتحرر من هيمنتها، فهي دروس في غاية الأهمية. عليك ايضا ان تعرف الكثير عن النفط وتفاصيل العقود وتميز بين عقود الخدمة والمشاركة وتأثير تغير سعر النفط عليها، وأن تتعلم كيف ترد على الهجمات المدروسة على عقود التراخيص وشيطنتها مثلا، لأنها كانت جيدة وغير مناسبة للشركات،.. أن تنتبه لكل فقرات القوانين المقرة في برلمان جله من الجهلة والمرشوين، وتكتشف الألغام التي تم حشرها بين السطور.. وغيرها كثير.

إنها قائمة تمتد وتمتد ولا نهاية لها. قائمة ليس فيها شيء واحد "غير ضروري" و يمكن تأجيله. ليس فيها ثغرة تستطيع ان تتركها دون ان تخشى أنها ستكون الجحر الذي ستلدغ منه! وبالطبع عليك ان تتابع ما يجري من أخبار، ومن قال ماذا؟ ما المصدر؟ ومن انقلب على مواقفه السابقة؟ وما هي العبارات المضللة في الأخبار؟... وعليك ان تقنع المواطن أن عليه ان يكون "الحاكم" في الديمقراطية، وعليه باعتباره الحاكم، ان يعرف كيف يميز ويقرر ويكون حازما وحاسما. عليك فوق هذا أن تبذل جهدا كبيرا لتقنع "المقاومة" أن الاحتلال خطر شديد وانه يجب عدم الوثوق به، وعلى العكس من كل البلدان في العالم، حيث تعتبر المقاومة ان هذه هي مهمتها وهي من يسعى لإقناع الناس بها! عليك في العراق أيضا ان تقنع "المقاومة" أن تترك الطائفية وتمنع الطائفيين من قنواتها، وتوجه نفسها نحو الاحتلال، وايضا على العكس من كل "مقاومات" العالم! عليك ان تقنعها ايضا أن "المقاوم" الذي يبني قصرا، هو خائن بالضرورة.. باختصار، عليك ان تقنعها ببديهيات كثيرة!

ولكن هذا ليس كل شيء! الشيء الأكبر من هذا كله، هو كيف توصل كل هذا إلى القارئ؟ إنها كمية هائلة من المعلومات الصعبة البعيدة المنال، وانت محاصر بإمكانياتك وبمحاربة الفيسبوك وغيره. وكيف للقارئ ان يتابعك؟ وكيف يقرر ان يثق بك انت بالذات ويشكك بعشرات يتكلمون بالضد مما تقول؟ وهنا تنتبه الى معاناة القارئ، المواطن نفسه!

هل لنا ان نطالب المواطن، الأقل تفرغا منا، والذي يعيش في ظروف اصعب بكثير، وقلق أشد بكثير، ان يتابع كل هذا؟ وفوق هذا ان نطالبه بأن يتخذ موقفا من كل شيء لأن لا مفر من ذلك في الديمقراطية؟ وأنه ان لم يقم بواجبه البيتي في هذا فلن يمكنه حتى ان ينتخب الشخص المناسب، دع عنك ان يتمكن من مراقبته!

هذا ونحن نتحدث عن مواطن مرهق ويائس، وفوق ذاك، حينما يحصل على أمل بشخص يجعله ينام قليلا، تعود لتطالبه بأن يسارع بالانقلاب على من يحبه ويتبعه لأن هذا تبين انه سافل أو عميل او متخاذل، وان يبحث عن غيره! أن تطالبه بمراجعة "العروة الوثقى" التي عاش حياته مطمئنا اليها، لتقنعه بأنها مخترقة ومحاصرة بمن يحيط بها! إننا نطالبه بالأمانة والصدق في مواجهة الحقائق الصعبة! لكن هذا يعني العيش في قلق، ويتطلب قوة نفسية ليست متوفرة للجميع. وكل هذا في جو تصرف فيه المليارات لبث السموم والمؤامرات وإثارة القلق والهلوسة الفكرية وقلب معاني الكلمات؟

إنه مثل من فقد كل المتخصصين في المهن، بل تم تحويلهم جميعا بخطة مدروسة، الى لصوص عمدا، فتوجب عليه ان اراد تدبير اموره ان يعرف كل شيء عن سيارته وتلفزيونه وثلاجته ويتعلم كل شيء ليعلم اولاده، ليس القراءة والكتابة والحساب فقط بل ايضا الهندسة واللغات والبرمجة واستعمال التلفون.. وكل شيء! الحياة تفرض عليه مطالب مجتمع حديث، والاحتلال نزع منه عمداً وأتلف أدوات المجتمع الحديث، وهي المؤسسات التي يفترض ان تحل التعقيد المتزايد من المتطلبات، فلا يجد أمامه سوى أدوات مجتمع بدائي، تلك التي يستطيع فيها الفرد الاعتماد على نفسه لتأمين حاجاته وحاجات اسرته.

لقد وضع في موقف يطلب منه المستحيل!

ما الحل إذن؟ بصراحة لا أعرف حلا اكيدا!

ليس هناك حل يضمن الوصول الى النتيجة المرجوة، وكل ما نستطيعه هو أن نحاول الصمود لعل ريحا مواتية تأتي، و "تجدنا مستعدون" لها. مستعدون لها بأن لا نسمح للخراب ان يكون شديدا، ان يبقى شيء من الوطن ليعيش إن جاء المطر، ان تبقى جمرة ارادة تحت الرماد، لعلها تشعل النار ثانية إن جاءتها نسمة.

وكيف ذلك؟ لا أعرف طريقا سوى أن علينا أن نكون اقوياء قدر الامكان. ان نقبل العيش في قلق من اجل الحقائق قدر الامكان. أن يكون الشك والبحث صديقنا الأوثق. أن نعتبر الإعلام سموما حتى يثبت العكس، وان القنوات اسست ودفع ثمنها ملايينا من أجل تضييعنا، وأن الإعلامي موظف يستلم راتبه لهذا الغرض وهو عدو حتى يثبت العكس، والسياسي مرتش او مبتز حتى يثبت العكس وأن نراجع مواقنا منهم باستمرار. ان نتذكر الأساسيات، أن نبقى بوعينا، أن نتصرف ونبذل الجهد حتى ونحن متعبون، ان نشارك الحقائق وننشر الوعي ان استطعنا. أن نكتشف كيف نحقق بعض الانتصارات هنا وهناك، وكيف نفلت من بعض الهزائم هنا وهناك، وان نفرح بذلك. أن نستمد بعض الشجاعة والاطمئنان والثقة من فلسطين ومن اليمن ومن مقاومة لبنان وربما من روسيا ومن كوبا وفنزويلا وكل شعب يحاول ان يستعيد انسانيته، حتى لا تقتلنا الوحشة في هذا العالم... وأخيرا وليس آخرا، ان نراقب الفرص!

إنها وصفة "صمود" وليست وصفة "نصر"، وأحيانا "الصمود يصنع النصر" إذا استطاع وقف الإنهيار أو إبطاءه وحفظ الوطن حتى تأتيه رياح مناسبة للنصر. إن وضعنا خطر، ولكي نتعامل مع هذا الخطر، علينا اولا ان ندركه، أن نخجل من التهرب منه. علينا ان نعطيه حقه، ان "نخاف" منه، وان نستمد من الخوف نفسه، العزم على الاستمرار والصمود، لعل القدر يتعب ويرخي قبضته.. ونفلت!

***

صائب خليل

الازمة الليبية من بدايتها، تم تدويلها من خلال الجامعة العربية التي احالت الملف الى الامم المتحدة وذراعها العسكري مجلس الامن الذي اصدر قراريه الشهيرين 1970،و1973 العديد من الدول العربية والأوروبية ساهمت وبفاعلية في الاحداث، من خلال دعمها للمنتفضين وما ان سقط النظام حتى باينت وجهات نظر الدول الداعمة بحسب مصالحها انقسم الداعمون الى فريقين كل له اتباعه على الارض.

حدث الصراع على السلطة في يوليو العام 2014 ما عرف بعملية فجر ليبيا بالغرب الليبي والتي استطاع الفريق الموالي لقطر وتركيا من بسط نفوذه على العاصمة وبالتالي التحكم في المؤسسات السيادية للدولة وبالخاص مؤسسة النفط الوطنية التي تقوم بتصدير النفط والبنك المركزي الذي تتجمع فيه الايرادات والتي تم صرفها وفق اهواء من هم في السلطة والانفاق على المليشيات بغرب البلاد وحدث هناك نوع من تبادل المصالح بينهما.

مع مرور الوقت وكما يقال في عالم السياسة بان لا عدو دائم ،استطاعت الامارات ان تحدث نوعا من التقارب بين الطرفين المتنازعين حيث تم تعيين رئيس جديد لمؤسسة النفط والافراج عن مرتبات العسكر بشرق البلاد.

ربما تشكيل اللجنة العسكرية المعروفة (5+5) المنوط بها ايجاد حل للمجموعات المسلحة وعدم اللجوء الى الصراع المسلح ساهم في ايجاد نوع من الاستقرار الامني رغم المناكفات السياسية بين المتخاصمين.

التقارب الذي حدث بين القاهرة وانقرة مؤخرا انعكس على الساحة الليبية، بحيث خفت حدة التصريحات الدبلوماسية والاعلامية بين الجانبين، والنتيجة بالتأكيد الظفر بعقود اعادة الاعمار التي تقدر بمليارات الدولارات.

دول جنوب اوروبا وبالأخص ايطاليا، يهمها اقامة دولة موحدة، تحد من سفر الافارقة اليها ،خاصة وان ليبيا وفي ظل الفوضى، اصبحت تعج بمئات الالاف من الافارقة الذين يبحثون عن عمل ويتخذون من ليبيا معبرا الى اوروبا.

امريكا من جانبها وفي ظل الحرب الاكرانية ترغب في ابعاد روسيا التي كانت على علاقة جيدة مع النظام السابق وقامت بتوريد معظم احتياجاته من السلاح، وعلى علاقة جيدة مع قائد الجيش في شرق البلاد، لتحجيم الدور الروسي في المنطقة .

بالأمس القريب حط فريق امني وعسكري من شرق البلاد في العاصمة طرابلس لاستكمال المحادثات مع نظرائه من غرب البلاد لإعادة الامن والاستقرار وتوحيد المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية لتكون حجر الاساس لتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في حال التوافق على دستور مؤقت.

ايا تكن الاسباب (خارجية ام صحوة ضمير بعض المحليين) التي ادت الى تقارب اطراف النزاع، فان النتيجة ستكون تشكيل حكومة موحدة تشرف على الانتخابات ومن ثم انهاء اكثر من عقد من الفوضى التي لم تكن خلاقة، بل كانت كارثية على البلد من حيث اصبح ساحة صراع اقليمية ودولية، وجعلت المواطن يعاني شظف العيش رغم مليارات الدولارات التي اهدرتها السلطات القائمة، نتمنى ان تنجح المساعي لإحلال الامن واستتبابه وانتخاب رئيس من الشعب ليكون الحامي للدستور، وابعاد شبح الحرب التي ازهقت ارواح الشباب والمدنيين ودمرت الممتلكات العامة والخاصة.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

 

معَ نهايةِ الحربِ الباردةِ تطلعَ العالمِ إلى عالمِ أفضلَ يخلو منْ الصراعاتِ والحروبِ ويختفي الجهلُ على الأقلِ والفجوةِ بينَ الشمالِ والجنوبِ عالم يعيشُ داخلَ قريةٍ صغيرةٍ ويتحولُ معَ تكنولوجيا الاتصالاتِ إلى عالمِ داخلَ حارةِ "جيو" فكانَ الخبرُ يصلُ بعدَ شهرٍ إذا وقعَ في واشنطن يصلُ إلى لندن بعدَ شهرِ فأصبحَ الآنُ يصلُ بعد ثانيةٍ واحدةٍ لكلِ أنحاءِ المعمورةِ فليسَ هناكَ ما تخفيهُ منْ أسرارٍ.. عالمٌ ينهي حضارتهُ بالمثلثِ الرهيبِ. الخوفُ، الجوعُ، الفقرُ.. فالعالمُ كلُ يومٍ يقرأُ أخبارا عنْ احتمالاتِ نشوبِ حربٍ نوويةٍ أوْ تهديدِ للكورة الأرضيةَ منْ تغيراتٍ مناخيةٍ وكوارثَ طبيعيةٍ وزلازلَ وتهديدِ سلةِ الأمنِ الغذائيِ والشحِ المائيِ والتصحرِ. وارتفاعَ الأسعارِ.. وتعرضَ أكثرُ منْ نصفِ العالمِ للجوعِ وأكثر منْ نصفِ شعوبِ دولِ العالمِ الثالثِ تعيشُ تحتَ خطِ الفقرِ؛ الأسوأِ بدأَ والقادمُ مخيفٌ، عالمٌ تسودهُ " ثقافةُ التفاهةِ والفرجةِ " شعبويةٌ اليومِ والعهرِ السياسيِ شعارُ لايخجلْ بهِ المشهدُ السياسيُ العالميُ " فوضى عارمةً تجتاحُ العالمَ في غيابِ نظامٍ دوليٍ وغيابِ دورِ الأممِ المتحدةِ منْ واجبها المنوطِ بها منْ الصراعاتِ الإقليميةِ والحروبِ الأهليةِ. والسباقُ للتسلحِ أديَ إلى ظهورِ التضخمِ والركودِ الاقتصاديِ وانهيارِ بنوكٍ عالميةٍ في أعظمَ وأكبرِ اقتصادٍ في العالمِ ووباءٍ حصدَ ملايينُ البشرِ وحربِ شبهٍ عالميةٍ بدأتْ ولمْ نعرفْ سيناريو نهايتها.. كتبُ الكاتبِ "جوزيهْ ساراماغو" في كتابهِ المفكرةَ مقالةً أدبيةً قصيرةً، يصفَ فيها العصرُ الحديثُ الذي نعيشهُ، فيقولُ؛ - في كلِ يومٍ تختفي أنواع منْ النباتاتِ والحيواناتِ، معَ اختفاءِ لغاتٍ ومهنٍ. الأغنياءُ يزدادونَ غنى والفقراءُ دومًا يزدادونَ فقرًا في كلِ يومٍ على حدةِ ثمةَ أقليةٌ تعرفُ أكثر، وأخرى تعرفُ أقل. الجهلُ يتسعُ بطريقةٍ مخيفةٍ حقًا.

في هذهِ الأيامِ نمر بأزمةٍ حادةٍ في توزيعِ الثروةِ. فاستغلالُ الفلزاتِ وصلَ إلى نسبٍ شيطانيةٍ، الشركاتُ المتعددةُ الجنسياتِ تسيطرُ على العالمِ. لا أعرفُ إذا ما كانتْ الظلالُ أمِ الخيالاتِ تحجبُ الواقعَ عنا. ربما يمكننا مناقشةَ الموضوعِ إلى ما لا نهايةً. ما هوَ واضحٌ حتى الآنَ هوَ أننا فقدنا مقدرتنا النقديةُ على تحليلِ ما يحدثُ في العالمِ. إذْ نبدو محبوسينَ بداخلَ كهفِ "أفلاطونْ ". لقدْ تخلينا عنْ مسؤوليتنا عنْ التفكيرِ والفعلِ. فقدَ حولنا أنفسنا إلى كائناتٍ خاملةٍ غيرِ قادرةٍ على الإحساسِ بالغضبِ، وعلى رفضِ الانصياعِ، والقدرةُ على الاحتجاجِ التي كانتْ سماتٌ قويةٌ لماضينا الحديثَ – إننا نصلُ إلى نهايةِ حضارةٍ ولا أرحبُ بنفيرها الأخيرُ. إنَ مجمعَ التسوقِ (المولْ) هوَ رمزُ عصرنا. لكنْ لا يزالُ ثمةَ عالمٌ مصغرٌ ويختفي بسرعةٍ، عالمُ الصناعاتِ الصغيرةِ والحرفِ. ففي حينِ أنهُ منْ الواضحِ أنَ كلَ شيءٍ سيموتُ في النهايةِ، ثمةَ أشخاصُ كثيرٍ لا يزالونَ يأملونَ في بناءِ سعادتهمْ الخاصةِ، وهؤلاءِ آخذونَ في التقلصِ. أنهمْ يرحلونَ مثلُ المهزومينَ، لكنَ كرامتهمْ محفوظةً، يعلنونَ فقطْ أنهمْ ينسحبونَ لأنهمْ لا يحبونَ هذا العالمِ الذي صنعناهُ لأجلهمْ. نعمَ لكلِ شيءِ بدايةِ ونهايةِ فقدٍ بدأَ عصرُ الاضمحلالِ..!!.

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ متخصصٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

"في البدء كان الكلمة"، وعقبها الصراع الإنساني الذي سعى، ولا يزال، إلى تملك هذه الكلمة والهيمنة عليها، ومن ثم، بدأت تظهر بوادر الجشع البشري، والأنانية والفردانية المتوحشتين، فلم يكن من الإنسان إلا أن يحتكر الكلام، ويتسيد به على أخيه الإنسان؛ لأنه المسيطر تفطن باكرا إلى قوة القول وسلطته على النفوس. فبدأ الصراع الإنساني يحتكر تأويل النصوص، وسن القوانين التي تخدم مصلحته، والنتيجة أنه خلق "حقيقة" وفصلّها على مقاسه ومصلحته.

ولأن الضعفاء المقموعين لا يملكون إلا الكلام، فإن المسيطر ما فتئ يجردهم منه، ويفرض قيودا مجحفة وقاسية على كل من تملك هذا الكلام، وعبر عن "حقيقته" التي تخالف "حقيقة" المهيمن. ذلك أن الضعيف يعي أن الكلام سلاحه، وبه يستطيع إنزال المسيطر من برجه العاجي وعليائه.

بيد أن توالي الأيام أجهز على حرية الكلام إجهازا تاما، حتى باتت الكلمة نذرَ سوءٍ على صاحبها، وأضحى من يملكها خطرا كبيرا لا بد من مناهضته، ومحاربته بكل أشكال التعذيب والقمع المباح، إلى أن غدا كل من تكلم ملعونا، ولعنته تُورثه العقوبات والعذاب.

نحس، معشر الفقراء، بالظلم والحيف، وتُهضم حقوقنا في واضحة النهار، وتتقطع أوصالنا جوعا، ونختار الصمت تورعا وتقية، ولكن قساوة الحياة، وشظف القلوب وجشعها، جعلانا نتلفظ بما يعتمل في أنفسنا، ونمجُّ الأوجاعَ الحارقةَ التي تأكل دواخلنا. فتكون النتيجة قمعا غليظا، وسجنا ونفيا وتشريدا.

لقد وعينا أن كلمتنا سلاحنا، ومفتاح نجاحنا في لقمة العيش الكريمة، وتحقيق عدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية، عدالة تذيب كل الفوارق الاجتماعية الطبقية، وتَبْذُرُ السلمَ والاستقرارَ الاجتماعيَّ في كيان المجتمع.

لذلك، تألمنا لحال فقرائنا، وتوجعنا لأوجاعهم، وصرخنا لصرخاتهم، وبكينا لبكائهم، وقسينا مغبة صمتنا وصمتهم، فكانتِ الحالُ أوضاعا اجتماعية مزرية، وبطونا فارغة خاوية، وباتتِ الكلمةُ لعنةً تَسودُ سحنةَ صاحبِها، وقيودا وأغلالا تطوق عنقه، فتكون سببا لعذابه وأوجاعه.

تحسّسْنا أوجاعَ شعبنا، وأنصتنا إلى شكواه المكرورة، ونداءاته المؤلمة، واستنجاده الطويل، ولكننا، معشر المثقفين، اخترنا الصمت على الأصوات الصاخبة، والعمى على المشاهد البشرية الدامية، والنوم على الأمعاء الخاوية التي يدغدغها الجوعُ والسهادُ الدائمان المتلازمان.

يا معشر المثقفين!

إن بلادنا تعاني أوجاعا قاتلة، وأمراضا مزمنةً لما تغادر ترابنا بعد.. إن الأوضاعَ الاجتماعيةَ والثقافيةَ تدمي القلبَ، وتبكي العينَ. فحكومتنا لا تسمعُ صُراخَنا ونداءَنا، ولا تولي اهتماما ولا اعتبارا لبكائنا ودموعنا الهطّالة.

إن حكومتنا الرشيدة تعيش في برج عاجٍ، وشعبنا المكلوم يعاني الأمرين، ويصارعُ الفقرَ المتفشيَّ، وينادي بالصحة الإنسانية، والكرامة والعدالة الاجتماعية.. والتعليم العمومي الاجتماعي الذي يَبني الفردَ والمجتمعَ، ويسهم في استقرار الأفراد والبلاد.

فمواطنُنَا المغربيُّ لم يعد يريد مسكنات، ولا تفاهات وخرافات تفرغه مما تبقى من إنسانيته وكرامته. إنه يريد عقارا يشفي جروحه، ويشعره بقيمته كإنسان يستأهل العيش والوجود.

إنه يريد أناسا صادقين، تُحركهم خدمةُ الوطنِ والمواطنِ، والارتقاء بهما إلى مراتب الحرية والكرامة الإنسانية. ولا يريد أناسا يبيعونه الوهم والكذب.

إن محنةَ هذا الشعبِ مسؤوليةُ الجميعِ، ولا سبيلَ إلى شفائه وإنقاذه دون رد الاعتبار للكلمة الصادقة، والوفاء للوطن وشعبه، والارتقاء بأفراده اجتماعيا وثقافيا. ويقع العبءُ الأكبرُ، في هذه المرحلة الحرِجة، على المثقفين الذين تُحركهمُ العزةُ والكرامةُ الإنسانيتانِ، وتشحذُ نفوسَهم حريةُ الإنسانِ وعيشُه الكريمُ.

فأطلقوا سراحَ الكلمةِ المعتقلةِ، وتَوِّجوا رؤوسَ الضعفاء بحرية التعبير والكلمة؛ لأنها سبيلٌ للتعبير عن أوضاعهم الموجعة، وإسماع أصواتهم المبحوحة إلى من يهمهم أمر هؤلاء الفقراء المساكين، الذين ملأوا هذا الشهرَ الكريمَ بكاءً وعويلا، واستقبلوه بغلاءٍ وشدةٍ اجتماعية، ومحنةٍ إنسانيةٍ بات يعرفها القاصي والداني.

ارتقوا بثقافتنا وتعليمنا، وحرروا هذا الشعبَ من الخرافة والأَسْطَرَةِ، واشحذوا عقولَ أبنائه بما سيعود عليهم وعلى وطنهم بالنفع؛ لأن لا سبيل إلى خدمة الوطن وحبه دون كرامة وعدالة اجتماعية، تحقق للجميع شرطَهُ الوجوديَّ والإنسانيَّ.

***

محمد الورداشي

الباص.. أو الوطن

بكل ما يحمله من معلم، باص درويش كان معبرا عن الوطن الذي يجمع بين ثناياه كافة أطياف المجتمع من قائد الباص إلى الشاب الجامعي والمرأة المتؤسفة على ولد أنجبته والجندي والشاعر الذي تعب من السفر.

يجمعهم جميعا إحساس مشترك بالقهر ومبدأ واحد يقول: لا شيء يعجبني.

كلهم كانوا يعانون ويبكون حال أوطانهم التي أنهكها الشتات والدمار.

حين نقرأ القصيدة ونحلل أبعادها ونفهم معناها وظروف كتابتها، نتفهم كثيرا درويش الذي عبر بقلمه عن معاناة شعوب كثيرة في فترة ما من الزمن لا تزال تجلياتها قائمة في عديد من الدول.

لكننا لا نفهم ذلك الفرد الذي يعيش في وطن سائر في طريق النمو في زمن يشهد صعود قوى وتهاوي أخرى ... مع ذلك لا شيء يعجبه؟!

فرد كثير التذمر يجلس خلف شاشة يوزع من خلالها طاقته السلبية على كل من يقرأ له في وقت يحتاج منا بعث روح الأمل للدفع بالقوة الفاعلة في المجتمع نحو العمل والتقدم، لكن هذا الفرد لا شيء يعجبه.

هو فرد نشأ في ظروف معينة في زمن تحطمت فيه قيم ومعنويات جعلت الأفراد في حالة انهيار نفسي؛ البعض فيهم خرج منها بمجرد عودة انبعاث الأمل والبعض يرفض التراجع عن مواقفه حتى مع ما يراه من تغيير واضح بدأ يتجلى منذ فترة ليست ببعيدة.

فرد كان في زمن ما معارضا لسياسات وممارسات قديمة هو نفسه الفرد الذي يعارض اليوم حتى ذلك التطور الذي لا يريد أن يراه لأنه يريد الذوبان في عقلية التذمر والاعتراض والانتقاد؛ فهو لا يعجبه الكلام إلا إذا امتزج بصيغ القدح والذم والنقد الهدام، ولا يعجبه الأفراد إلا إذا كانوا على نفس منهجه في التفكير، فالحرية مثلا بالنسبة له هي حرية أن تعتقد ما يعتقده هو وترى الأمور كما يراها، مع أن الحرية هي أن يعتقد المرء ما يشاء دون أن يفرض فكره على الآخرين وبهذا تسود قيم التسامح والعيش المشترك والتي وحدها تسمح ببناء أمة قوية لا شتات فيها.

هو نفس هذا الفرد الذي يثير نعرات لغوية وعرقية في حين غيره يعمل ويكد سواء بالمجهود الفكري أو العضلي للمساهمة في بناء أمته، فيكون بذلك عضوا فعالا فاعلا ومثل هؤلاء ممن يضعون النظريات وغيرهم ممن يساهمون في تطبيقها كل في مجاله، لا تجدهم أبدا يتذمرون وإذا وجدوا نقصا تصرفوا بعقلانية. هم أفراد يعملون في المجال العلمي والاقتصادي بمؤهلات عالية تجعلهم دوما في حالة نشاط. فنحن نقرأ يوميا تحليلات لأخصائيين في الاقتصاد وفي العالم الجيو سياسي تقول أن هناك ما يعجب عكس ذلك الذي لا شيء يعجبه والذي هو محلل يفهم في كل شيء حسبه، يجمع بين السياسة والاقتصاد والعلم لكن بأدبيات حساسيتها زائدة (ليست كل الأدبيات ففيها أصحاب المنطق الذين يصوغون فلسفاتهم العقلانية في قالب أدبي رائع، لكن المقصودين هنا أصحاب التفكير المتسرع المبني على عاطفة لا عقلانية)، وذلك عكس المختص في السياسة والاقتصاد بشهادة تؤهله للتحليل بمعطيات منطقية واقعية لا مجال فيها للخيال المتشاءم.

لكن ذلك الفرد الذي يعيش في عزلة وراء شاشة يبعث من خلالها موجاته السلبية التي تحطم نفسية جيل نحن بحاجة إليه في مرحلة البناء والنمو هذه والتي تتطلب منا الوعي بأهميتها وأهمية أن نكون قد المسؤولية الملقاة على عاتقنا، كل في مجاله.

هو فرد لا شيء يعجبه في بلاده التي تلعب دورا محوريا في قارة غنية بالموارد هي من زعمائها، ولا يريد أن يعترف بمواقف بلاده المشرفة في دعم القضايا العادلة في العالم، وهذا لأنه بينه وبين نفسه يرفض (تكبرا منه ربما) أن يعترف بنجاعة سياسة أشخاص كان في زمن ما يرفضهم؛ لنا الحق في الاعتراض على ما لا يعجبنا لكن حين تبدأ الأمور في التغير وحين نرى دعما خارجيا وإشادة من قوى عظمى علينا إعادة النظر في مواقفنا، فلا بأس أن نتراجع عن موقف لا يخدم صالح بلداننا خاصة إذا أدركنا أنه محبط للعزائم في وقت نحن فيه بحاجة للتشجيع ورفع الهمم.

إن نفسية هذا الفرد صارت مركبة تركيبا معقدا على مشاعر لا تنفعه هو بالدرجة الأولى، فهو لا يقدم شيئا بينما غيره يعمل ويتذمر بينما غيره يفكر وينتقد بينما غيره يبني.

هو فرد لا شيء يعجبه، لأنه يظن أنه يغمض عينيه ويفتحهما فيجد نفسه في بلد بحجم القوى العظمى، لكن الواقع يقول أن الصين التي كانت قبل عشرين سنة أو أكثر بقليل بلدا سائرا في طريق النمو مثل بلده، هي اليوم ثاني قوة اقتصادية فاعلة في العالم، لكنها لم تصل إليها بالانتقاد والتذمر بل العلم والعمل وحدهما من يسكنان ذهنية الفرد الصيني المشهور بجديته في العمل واحترامه للوقت في حين يقبع الفرد الذي لا شيء يعجبه ساعات طوال من يومه في الحفر والبحث والتنقيب عن العيوب، لا ليحاول ولو بجهد بسيط اصلاحها بل ليجد فيها ملاذا للنقد الهدام، لأنه لا يتحلى بالشجاعة التي تجعله يقول للمصيب أصبت لذلك يستكن للأخطاء لا ليصلحها أو على الأقل يعطي فيها نقدا بناء بل ليجد فيها عزاء لتشاءمه المزمن.

***

لامية خلف الله / كاتبة من شرق الجزائر

 

 

لا تحتاج الكوارث السياسية التي تحاصرنا إلى ذكاء لكي نكتشف أننا نعيش عصر الديمقراطية "كاملة الدسم"، فما بين اعتقال الكاتب والإعلامي محمد نعناع لأنه يضايق السيد رئيس مجلس الوزراء بتصريحاته وكتاباته، فكان لا بد من أن يلقى القبض عليه ليلاً وهو يجلس في إحدى مقاهي الكرادة..

وما بين صولة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على النواب الذين رفضوا قانون سانت ليغو، يعيش المواطن ازهى عصور الحرية، من منكم شاهد صور مجلس النواب العراقي وهو يعقد جلسة "ليلية" للتصويت على قانون يصادر حق الشعب باختيار نوابه؟، هل شاهدتم كيف تقف حنان الفتلاوي تنظر إلينا بريبة وضجر يرافقها أحد حمايات مجلس النواب خوفاً من أن تتعرض للإزعاج؟.. هل شاهدتم صور رئيس أعلى سلطة تشريعية محمد الحلبوسي وهو يحتمي بالعسكر لتمرير قانون يرفضه معظم العراقيين؟، ما شاهدناه ليست صوراً من داخل معسكر للأمن ولا مركزاً للشرطة يقع في المنطقة الخضراء، وإنما يا سادة هي صورة داخل قبة البرلمان العراقي حيث تعرض النواب الذين رفضوا التصويت لقانون سانت ليغو إلى الطرد واللكمات والإهانة، وتحويلهم إلى المدعي العام.. والفقرة الأخيرة أكبر نكتة سمعتها هذا العام، فقد اكتشفنا أنه في هذه البلاد يوجد منصب مدعي عام مهمته معاقبة النواب الذين لا يريدون التصويت على قانون يرسخ الخراب والانتهازية والمحسوبية.

رسائل التهديد لغة أصبحت مباحة في العراق والكثير من ساستنا لا يملكون غير لغة الوعيد والتربص بالآخرين.. لكن هل يجوز لمسؤول بحجم رئيس مجلس النواب أن تكون وسيلته الوحيدة للتفاهم هي مطاردة الخصوم وتشكيل أفواج شرطة للقبض عليهم؟، حين يحدث كل هذا فأننا نتحول من دولة شعارها القانون إلى دولة تحكمها شرطة الحلبوسي.

لعل الملاحظة الأساسية في معركة مجلس النواب، تؤكد أن التعديلات التي أقرها البرلمان فاشلة وهناك رفض شعبي لها، فكان لا بد من أن يلجأ السيد محمد الحلبوسي إلى أسلوب الصدام المباشر.. ولعل ما طالب به النواب المعترضون أمس من خلال وسائل الإعلام هو أن يكون هناك تصويت حقيقي وعلني على القانون وأن يعرض للاستفتاء الشعبي وهو مطلب لجميع العراقيين.. جميل أن يلعب محمد الحلبوسي دور محرر البلاد من المعترضين على القانون، ولكن أتمنى أن يجيب العراقيون جميعاً؛ من أين له كل هذه المليارات التي يبني بها القصور؟، وكيف تسنى له الاستيلاء على كل هذه الأراضي؟.

يسعى البرلمان بقيادة السيد الحلبوسي إلى أن يهرب بسفينة الوطن إلى المجهول ف، يتجاهل الاحتجاجات، محاولاً أن يوهمنا جميعاً بأن معركة العراق الحقيقية ليست، مع الخراب والوصولية ونهب البلاد، وإنما في اقرار قانون يعيد البلاد الى نقطة الصفر.

***

علي حسين

سمعت مرة خطابا لرئيس امريكي كله أكاذيب مباشرة عن دور امريكا في "محاربة الارهاب" و"نشر الديمقراطية" و"تحقيق السلام في العالم" و"سيادة الشعوب على أوطانها وثرواتها".. الخ.

وبعد ان افقت من الصدمة والعصبية من الكذب تساءلت: كيف يا ترى يكتب الساسة الأمريكان خطاباتهم؟ فتوصلت الى فكرة ممتازة، عملية وبسيطة: إنهم يكتبون الحقيقة عن الموضوع أولا، ثم يقلبون كل شيء، فيكون لديهم خطاب سياسي ممتاز!

يعني الرئيس يكتب اولا: نحن الإرهابيون في العالم والديمقراطية اخطر شيء علينا لأن جميع الشعوب تكرهنا فإذا حكمت بلادها طردت عملاءنا ونحتاج الى اثارة الحروب في العالم لبيع اسلحتنا وتمكين عملائنا من السلطة وان ثروات الارض كلها ملك لنا حتى ان وضعتها صدفة غبية تحت اقدام تلك الشعوب.. الخ.

اقلب هذه الحقائق، فيكون لديك خطاب امريكي رائع!

قد يكون الخطاب "رائع" لكن هل سيصدقه أحد؟ تساءلت..

لماذا لا يحاولون محاولة اكثر تواضعا، مثل أن لا يذكروا الناس بإرهابهم بل يتجاوزوه.. ان يدعوا ان بعض ممارساتهم لقمع الديمقراطيات كانت "اخطاء" وتم تصحيحها، ان يعترفوا بأنهم لم يكونوا دائما مع السلام ثم يقولون: دعونا نبدأ من جديد ونحاول بناء عالم اقل حروبا.. الخ.

أليست هذه الطريقة اكثر اقناعا وسهولة بخداع المستمع؟

يبدو ان هذا ما يعتقده الطارئون على الإعلام، مثلي. أما من درس الإعلام وتأثيره النفسي فله رأي اخر. نحن نتخيل أن القارئ "يفز" من الكذبة ويشمئز من الكاذب وتكون النتيجة عكسية دائما. لكن تبين لا، ليس دائما، ولسببين:

الأول ان الإنسان يميل الى ان يقيس الآخرين بأخلاقه هو. وباعتباره مواطن اعتيادي، فهو يكذب احيانا ولكن ليس بشكل صفيق. لذلك حين تقول له ان اسقاط ديمقراطية شيلي كانت "خطأ"، او "دعونا نبدأ من جديد" فسيخطر بباله فورا انك تكذب! لأنه يمارس هذا المستوى "الخفيف" من الكذب.

لكن حينما يقول له رئيس امريكي "عين بعين" أن امريكا تدعم الديمقراطية، فسيشعر أنه لا بد أن فيها بعض الحقيقة! لماذا؟ لأنه شخصيا يستصعب ان يكذب بـ 180 درجة ويقلب الحقائق قلبا، لذلك، لن يصدقه تماما، بل سيقول: انهم لا يدعمون الديمقراطية "دائما"، فأنا اعرف امثلة كذا وكذا كانوا ضد الديمقراطية، لكن لا يعقل ان يكذبوا تماما، فأنا اصدق انهم يدعمون الديمقراطية احيانا ويقفون ضدها احيانا! وهكذا حقق الخطاب الانتصار النصفي، عن طريق الكذب بـ 180 درجة!

السبب الثاني لكفاءة الكذب بـ 180 درجة هو أن الإعلامي أو السياسي، يقف غالبا أمام مستمع تعبان وخائف ويبحث عن رائحة "أمل". وليس من السهل على مثل هذا ان يتقبل أن أكبر قوة في العالم مصممة على نهب كل ثروته وانها لا تتورع عن خلق الدواعش لتحقيق ذلك! إنها فكرة مرعبة! ومثلها فكرة أن الرجل الذي قدمته الجهات التي كانت تمثل المقاومة في العراق، شخص وضيع منبطح بشكل تام للأمريكان ويسعى لإبقاء قواتهم وسحب سلاح الحشد، وان كل ما فعله كان مسرحيات لتحقيق هذا الغرض، وان "المقاومين" ساكتين عنه جميعا! هل تم شراؤهم وابتزازهم جميعا؟؟؟ إنها فكرة مرعبة!

هذا الخوف من الحقائق الشديدة القسوة هو الذي سيقوم ب "إقناع" المستمع بالمستحيل. سيقوم بـ "استئصال" الحقائق المخيفة التي أرقته كثيرا، واقناعه (نفسيا وليس بالمنطق) بأن السوداني ليس منبطحا بشكل تام وكامل وانه يتجرأ أحيانا ليقول "لا" للسفيرة وأن البلد مازال يمتلك بعض سيادته على قراره ليتبع سياسة "متوازنة" ربما فيها مصلحته، وان عار قوات الإرهاب لن يكون أزليا، وان ما سمعه ورآه ليس سوى "حيل تكتيكية" من السوداني، ليطرد القوات الامريكية "في الوقت المناسب".

النتيجة ان المواطن سيشعر براحة غريبة وكأن هما قد زال عن صدره! وسيشعر بالميل الى متابعة هذا المتحدث "المريح". ورغم أنه إن كان من النوع الجيد الذاكرة والأمين المنطق، فقد يصطدم ببعض الحقائق العنيدة المتعبة مثل: كيف يكون الإقرار ببقاء القوات الى الأبد، "تكتيك لإخراجها"؟ ما هي حدودها، إذا كان وزير دفاعهم يخترق البلد بلا دعوة ولا اعلان ولا موعد ويسبب الاحراج والخزي لرئيس الحكومة امام شعبه؟ ما هي الحدود ان كان رئيس الحكومة يفاخر بجعل بلده ممرا لوجستيا لتلك القوات لغزو سوريا ونهب نفطها؟ وفوق ذلك يكذب بالقول أنها "تحارب الإرهاب" هناك!

في النهاية، اما ان تتغلب الأمانة المتعبة، او يتغلب الخوف، وعلى الأغلب سيتم "عقد اتفاق" وسطي بينهما. فلا يرفض كل الإدعاءات ولا يصدق كل الأكاذيب، ويبقى في دائرة الشك، مع ميل لتصديق ما هو مريح، فيقول لنفسه أنه ليس من المنطقي ان السفارة تمكنت من شراء جميع الشرفاء الذين اعرفهم، ومادام هؤلاء ساكتون و"يثقون" بالسوداني، فيمكنني ان "اثق" به واعتمد على الله واعطيه فرصة اضافية والزمن سيتكفل بكشف الحقائق، الخ من العبارات المهدئة للقلق.

وهكذا يحقق كذب ال 180 درجة، الغاية منه. وبالمناسبة فهذا الكذب من اختراع النازيين حيث ينسب لغوبلز (وزير اعلام هتلر) قوله: "أكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الآخرون"، وتعلمها الأمريكان منه كما يبدو، وتعلمها طبالي الإطار من مشغليهم.

***

صائب خليل

 

يصف الحكام العرب واعلامهم الرديء، حكومة نتنياهو الحالية بانها متطرفة، المعروف عن نتنياهو انه يميني وتولى رئاسة الحكومة اكثر من مرة، يوصف محليا بانه وطني يسعى الى خدمة مواطنيه، ومجيئه الى السلطة اكثر من مرة دليلا على شعبيته وان المجتمع الصهيوني يرغب في اقامة دولة يهودية صرفه، وبخصوص المستوطنات فانه يسعى الى اقامة العديد من المستوطنات بالضفة التي اصبحت اشلاء متناثرة وللآسف مقطعة الاوصال، يصعب معها اقامة دولتين كما تنادي الامم المتحدة بذلك وفق قرار التقسيم، وان الحكام العرب والقيادة الفلسطينية يحاولون خداع الشعوب العربية والفلسطينيين على وجه الخصوص، بإقامة الدولة المزعومة وعاصمتها القدس الشرقية التي يهجر ابنائها وتهدم مبانيها وتهويدها لتصبح عاصمة ابدية لدولة الكيان الصهيوني.

العمال والليكود كلاهما يسعيان الى اقامة الدولة الصهيونية، ولكن لكل منهاجه لتحقيق الهدف الموحد، حكومات العمال تظهر بانها اكثر عقلانية من غيرها وعلاقاتها مع الحكام العرب، لكنها في المقابل لم تتوقف يوما عن اقامة المستوطنات بالضفة، بمعنى انه لا يوجد اختلاف من حيث الجوهر بين الحكومات الصهيونية المتعاقبة سواء الراديكالية المتطرفة او تلك التي يتعامل معها العرب على انها حكومات عقلانية، فجميعها لم تولي المبادرة العربية الخاصة بالأرض مقابل السلام (قمة بيروت) أي اهتمام ظلت حبرا على ورق،بل تمادت في اقامة المستوطنات والزج بأصحاب المباني المهدمة بالسجون، والترحيل القسري.

لقد كافأ الحكام العرب قادة الكيان بان قاموا بالتطبيع معه دونما مقابل يذكر، يقيمون معه اوثق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، بل يحاولون جاهدين الى ان يكون التطبيع شعبيا عبر اقامة المعارض المشتركة وتسيير رحلات جوية بين عواصمهم المتخاذلة وتل ابيب،والتعاون معه في المجالات الاستخباراتية وشراء الاسلحة الصهيونية، ترى هل يوجد انحطاط اكثر مما يقوم به حكامنا اليوم والارتماء في احضان الصهاينة لكي ترضى عنهم امريكا؟.

يراهن الحكام العرب او هكذا يوهمون شعوبهم على ان الكيان الصهيوني سيتفكك من الداخل، بسبب تصرفات نتنياهو المتطرفة، إن المظاهرات التي يقوم بها المجتمع الصهيوني ليس بسبب التصالح مع الحكام العرب من عدمه، بل يرغبون في عدم تسيس القضاء حيث يرونه اساس بناء دولتهم، ولقد اظهر قادة الكيان بمن فيهم اولئك الذي عزلهم نتنياهو بانهم يعتبرون انفسهم جنودا في خدمة دولتهم ايا تكن مواقعهم، تعليق التشريعات (التعديلات) القضائية من جانب نتنياهو قوبل بترحاب من القوى المختلفة لأجل اللحمة الوطنية، ما يصب في الامن القومي.

ما احوج حكامنا الذين يتصارعون على السلطة لأكثر من عقد من الزمن عملوا خلالها على تدمير بلداننا والزج بشبابنا في حروب داخلية، واستجلاب المرتزقة، والتدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية، الى ان يأخذوا عن الاعداء حب الوطن ونبذ الخلافات فيما بينهم، والعمل على احداث تغييرات جذرية في انظمة الحكم والتي من شانها اقامة كيان سياسي يتمتع اهله بالمساواة في الحقوق والواجبات والانتفاع بخيرات البلد واستتباب الامن.لا باس بان نتعلم من الاعداء بعض الاشياء الجيدة، لا ان نرضخ لإملاءاتهم ونفرط في الارض والعرض.

***

ميلاد عمر المزوغي

الشعوب المقهورة تكتب أكثر من غيرها، وكأن الكتابة سلوك ترويحي، وخداع للذات على أنها تفعل شيئا ما لمقاومة القهر.

وفي بعض المجتمعات المنكودة المغلوبة على أمرها، صار الجيمع يكتبون، ويقولون ما يقولون ضد الكراسي الجائرة عليهم، وواقعهم يزداد قهرا وظلما، ويستلطفون المعاناة اليومية، ويهرعون للكتابة للتعبير عن همومهم، بدعوى حرية التعبير عن الرأي، التي صارت كالمصيدة في بعض الدول.

هذه الكتابات لا تؤثر ومطلوبة لتنمية التخدير وإطالة عمر التنويم والإلهاء، فتتوفر الظروف الآمنة للنهب والإستلاب، وتكديس أموال الشعب في بنوك الآخرين، الذين سيستحوذون عليها بوسائلهم وألاعيبهم المعروفة.

فالكتابة في هكذا مجتمعات أفيون، ولا تختلف في دورها عن الإدمان على المخدرات، الفاعل في مجتمعات الدنيا المنكوبة بها، ونكبة المجتمعات المقهورة تجسدت في الكتابات الفضفاضية، اللازمة لتفريغ شحنات الغضب والمرارة والإحباط الفاعلة في أعماق الناس.

فاكتب واستلطف الحشر في أوعية القطيع، ولا يحق لك أن ترى غير ما يرون، أو تتمرد على سيدهم الذي يحدوهم بسوط رغباته وتطلعاته المرهونة بأمّارة السوء التي فيه، فتلك جريمة يحاسب عليها المتسلطون على مصيرك، بموجب فتوى ذات قدرة على سحق الدستور والقانون، فما مدوّن على أنه دستور، ينتفي وجوده أمام أية فتوى من معمم متاجر بدين.

ويبدو أن أفيون الكتابة وسيلة للتخميد والتواصي بالتبعية والتقليد الذي يبرر الخطايا والآثام، بعد أن إرتدت اللباس الديني، وتمحنّت فيها القدرات والطاقات، وتحوّلت إلى عمل، فالفعل أن تقول وتكتب، أما غير ذلك فنوع من الإعتداء السافر على العرش المفدى العظيم.

فالأقلام تكتب والقهر يتنامى، والأحوال تتردى، ومَن يتجاوز يُردى في مكانه، فالإغتيال سلوك ديني والإختطاف من طقوس الدين، وعليك أن ترتل المعوذتين، وتستعين برب رحيم، فرب العمائم من أولياء الشيطان الرجيم، وإياك إياك أن تعارض قول مَن إستلم وكالة من رب العالمين، فأنت الذي سيجذب إليه المخولين بخطف الأرواح وجزر المساكين، وكل من عليها فان، وتوكل عليهم وعلى الكرسي المهان!!

فهل أن القهر مداد المسطور؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا تتوقع عزيزي القارئ من العنوان أعلاه شيئاً يخصّ ما يجري في البرلمان من الألاعيب، لأن السادة النوّاب يفضلون حديث السمر في كافتريا البرلمان على مناقشة قوانين تهم المواطن "المغلوب على أمره".

العنوان هو فقط محاكاة لعنوان مسلسل كويتي يعرض على الشاشات الخليجية بعنوان "دفعة لندن" للكاتبة الكويتية هبه المشاري التي تعتقد أن شعوب الأرض جميعاً فاسدة وتمتهن السرقة والتزوير وتجارة الجنس، المشاري التي سبق لها أن أساءت لملايين المصريات في مسلسلها "من شارع الهرم"، ولم تكتف بذلك بل فرغت غضبها على السوريات، وجدت ان العراقيات لم ياخذن نصيبهن، وكان لابد ان تظهر العراقية سارفة وذليلة . لست في وارد وضع قائمة للدور البارز الذي لعبته السيدة العراقية في المجتمع البريطاني، ولا تذكير الكاتبة باسماء نازك الملائكة، ونزيهة الدليمي وزها حديد، ربما فاتها ان تقرأ التاريخ جيدا .

يحاول صنّاع مسلسل "دفعة لندن" للأسف إعادة تشغيل ماكينات ضخّ الكراهية ضد كل ما هو عراقي. ومن عجبٍ أن "دفعة لندن" يتزامن مع حالة الانفتاح بين العراق وجيرانه، وليس بعيد ما جرى في خليجي 25 وكيف أن البصرة أذهلت جماهير الخليج العربي بكرمها وطيبتها، وقدمت لهم الإنسان العراقي بنسخته الحقيقية الشديدة التميز.

لعل المثير للدهشة في حال بلاد الرافدين هو إصرار بعض الكويتيين على اجترار الماضي وتقليب دفاتر تثير الأسى والشجن للشعبين.. طبعاً لا أحد منا يمكنه أن يصادر حق الكويتيين، ومعهم العراقيين، في أن يستذكروا ماجرى من مظالم، وأن يأخذوا العبَر منها في بناء نظام لا يسمح فيه لفرد، مهما علت منزلته، بأن يتحكم بمصير الناس. لكن ليس من حق أحد أن يحوّل هذا الاستذكار إلى شتيمة لكل العراقيين، فمثل هذه الأفعال لن تعيد حقاً، ولن ترجع الروح من جديد إلى جسد العلاقة بين الأشقاء.

يدرك صنّاع مسلسل "دفعة لندن" جيداً، أن العراقيين ذاقوا الظلم مضاعفاً حين حاول الجميع تحميلهم وزر حروب صدام، وذاقوا مرارة الصمت حين نكّل صدام بالجميع من شيوعيين إلى قوميين إلى إسلاميين، وحين رُمي نصف مليون عراقي على الحدود الإيرانية لم يبادر المفكرون والمثقفون العرب باستنكار هذه الجريمة.

مسلسل "دفعة لندن" وقبله برامج وكتابات وتصريحات متشنجة، أجدها اليوم تثير الخوف في النفوس، الخوف من أن يتحول هذا التاريخ المشترك بين الأشقاء إلى لعبة بيد أشخاص لم يبلغوا سن الرشد بعد.

ونعود إلى المسلسل الذي لا ينتهي قانون الانتخابات حيث خرج علينا النائب محمد الصيهود ليعلن بكل ثقة ان الشعب العراقي مع تغيير القانون، هذه هلوسه اخرى بعيدة عن صناع المسلسل .

***

علي حسين

الفيلسوف الذي لا يفارق محبيه ومتابعيه ولا يبخل عليهم بما يفيدهم ويحرك عقولهم ويجعلهم في حالة من التفكر والفرح والسعادة ويطلبون المزيد كالعطاشى الباحثين عن الحروف والكلمات والعبارات التي تجعل العقول في حالة من الحركة الدائمة لتتقصى وتستنير .

الفيلسوف المتواضع الذي يدعوا متابعيه ومحبيه أن يكونوا في ضيافته بكل رحابة صدر ودون أي ضجر وملل ويُلبي طلبات ضيوفه بكل أريحية وكرم لا متناهي ويجيب على الاسئلة الكثيرة والابتسامة على وجهه .

الفيلسوف الذي يبحر في الذكريات القريبة والبعيدة ليكونوا مرافقين له وجزءً من الاحداث التي عاصرها وعاشها ، يتحدث عن البدايات وعن المعانات وعن المثابرة والسعي للوصول الى ما يصبو اليه .

الفيلسوف الذي يعطي متابعيه شهراً كاملاً يتحدث معهم ويشرح لهم الكثير والكثير من الاحداث ومن ما قام هو بتأليفه أو حققه وفي الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك وكانه يقول لهم ان صيامكم يجب ان يكون فيه ما يغذي عقولكم ويضيء لكم الطريق وتزداد فيكم الروحانيات بغذاء الفكر وتحريك العقول.

الفيلسوف الذي لم يطلب احد منه ذلك بل يقوم بذلك طواعية ليجعل الآخرين يعيشون معه في كل لحظة وكأنهم عائلة جميلة راقية متحابة تستفيد من كل ثانية من الحديث معه والكاريزما العالية التي يمتلكها تجعلهم يصغون اليه دون حراك.

الفيلسوف الذي بدأ مع محبيه ومتابعيه اول ايام الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم وسيستمر طوال هذا الشهر المبارك وقد اعتاد ان يستضيف قبل حلول شهر رمضان محبيه ومتابعيه كل مساء اربعاء .

***

بقلم: جلال باقر - كاتب عراقي

 

قضى كل ذي دَين فوفى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

هذا البيت قاله الشاعر كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، والمعروف بـ (كثيّر عزّة)، واشتهر بحبه لعزة الكنانية، فعرف بها وعرفت به، وقد استشهدت ببيته هذا لأستذكر به بيت الدارمي القائل:

طرحي بصخر ذبوه مسحاتي جلّت

بس دعوتي ويه هواي كل دعوة فلّت

إن المشكلة سميت مشكلة لأن هناك حلا لما أشكل من أمر، وإن لم يوجد حل فإن "الزمن كفيل بسد الثغرات" كما قيل، إذ لطالما استعصت علينا حلول رغم تقصينا باستحضارها، ولطالما وصلنا الى نهاية أفق ظنناه مسدودا، فنرضى بأنصاف الحلول وأرباعها وأعشارها، بل نستجدي احيانا حلولا من أي مصدر، مع علمنا بعدم نفعها الآني لمشكلتنا، وأظن عراقنا اليوم بأمس الحاجة الى حلول جذرية، تنتشله مما آلت اليه أوضاعه في مفاصله كافة، لاسيما بعد أن استنفد الحريصون على سلامته الحلول الترقيعية والوقتية.

وهناك أمر أرى أن من المجدي النظر اليه والالتفات الى أهميته، هو أن كثيرا مما نعاني منه لايستوجب حله الاستعانة بآخرين خارج حدود بلدنا، فكلنا يعي جيدا العمق التاريخي الذي ينحدر منه عراقنا، وكلنا ندرك الإرث الحضاري الذي أضحى بأعناقنا، ومن غير المعقول أن نستدعي خبراء يفكون عُقدنا، او (حلالي مشاكل) يحلون ما (تخلبص) من غزلنا، وقد جسّد هذا مثلنا الشعبي: (يعوف امه وابوه ويركض وره مرة ابوه).

وما لاشك فيه أن العراقيين الذين بقوا داخل حدود بلدهم، ليسوا بأقل من الذين هاجروا خارجه مقدرة وكفاءة، فالحلول إذن متوافرة بمتناول أيدينا، على شرط أن يأخذ ذوو السلطة والحكم بأيدي ذوي العقول والحلول، الى حيث يضعون أيديهم على مكامن العلل وأماكن الخلل، وساعتها نكون قد قطعنا شوطا كبيرا من مسيرة إنقاذ البلد بأقصر الطرق وأقل المدد.

وباستذكار للماضي القريب، أرى أن هناك إنجازات لايستهان بها في قدرة المواطن العراقي، على اختيار الحلول المناسبة والناجعة لمشاكله بجهوده الذاتية، لاسيما حين يكون هذا العراقي بمنصب رئيس وزراء، والذي اقصده هنا محمد شياع السوداني، أما الإنجازات التي أقدم على وضع حجر أساسها، دون اللجوء الى دولة عظمى او صغرى او وسطى، فيشار إليها بالبنان، مع أنه لم يتم العمل بما أقدم عليه كما ينبغي، أي أن الرجل عمل عملا صالحا، إلا أنه لم يتقنه حتى آخره.

فإداريا، كشفه أسماء الفاسدين والمفسدين المتورطين بجرائم نهب أموال البلاد، وتوعده بالمزيد من العمل على استئصالهم -وليته يصدق- وقطعا هي إشارة منه الى أن (الحبل عالجرار) وسيأتي بفاسدين آخرين وفسادات أخرى، وتعد خطوته هذه أنسب حل لو أتيح له التطبيق بالكامل، ولم تكن تحتاج قوة من الخارج او تحالفا عالميا، او حتى استشارة إدارية او قانونية من جهة غريبة، غربية كانت ام شرقية!.

وأمنيا، إقالة قيادات عسكرية وأمنية نخرت الأجهزة الحساسة في البلد، هي الأخرى خطوة باتجاه الحلول الجذرية، ولو أن الإقالة غير رادعة لمن تسول له نفسه مستقبلا بتكرار الفعل ذاته، لكنها بشكل عام بداية حسنة لتنقية أجهزة حماية الدولة من الخارج وفي الداخل، على أن تعقبها عمليات إصلاح وتطهير حقيقية شاملة، لعناصر منتسبة الى مثل هذه الأجهزة الحساسة.

ولعل حلولا أخرى سيتحفنا بها السوداني في مقبل الأيام، في الجانب الاقتصادي الداخلي والتجاري الدولي، وانتشال البنى التحتية من وحل التدني والتدهور، وإنقاذ الفرد العراقي من واقعه المرير.

الحلول إذن، تبدأ منا نحن العراقيين في الداخل، وأولنا قطعا رئيس المجلس التنفيذي، وقد قالها الإمام الشافعي:

ما حك جلدك مثل ظفرك

فتولّ أنت جميع أمرك

وإذا قصدت لحاجةٍ

فاقصد لمعترفٍ بقدرك

***

علي علي

ما يجري في أروقة المختبرات العلمية، وما يتوصل إليه الباحثون من مكتشفات ومخترعات يفوق التصورات، ولا يمكن لخيال أن يستحضره، فالبشر صار يتدخل في خلق البشر!!

فالنانو تكنولوجي وما قبلها وما بعدها وحولها، والتعامل مع الشفرات الجينية في الحوامض الأمينية، والسرعة الهائلة في تطور علوم الكوبيوترات والتواصلات الرقائقية وغيرها من المبتكرات المذهلة، المتفاعلة مع المستقبل المتخيل، جعل الواقع المعاش أغرب من أي خيال.

وما تحلم به العقول الفائقة القدرات المحركة للحياة فوق التراب، ستساهم في صيرورات مرعبة قد تدفع إلى القضاء على الموجودات الحية وتمحق الحياة.

فكل شيئ يتغير، وما عاد البشر آدمي المواصفات، بل ستتدخل التكنولوجيا، وسيكون بشر المستقبل مجموعة من الرقائق الإليكترونية المتفاعلة في بدنه، والمقررة لمصيره اليومي.

البعض يتحدث عن صناعة البشر بمواصفات مطلوبة، ويُقال أن الدول القوية تسعى لتخليق بشر بمواصفات خارقة وقدرات قتالية فائقة، وأنه لا يمكن قتله أو إفناءه بل يفني ولا يُفنى، وكأن المعارف لا بد لها أن تكون أكثر تقدما وإقتدارا في الميادين العسكرية.

فالمستقبل يشير إلى أن البشر سيقاتل ما يبدو بشرا وهو أعظم من البشر بقدراته المتنوعة، وأن الموجودات التكنولوجية ستكون فاعلة في الميدان، فبعد المسيّرات، سيتم صناعة الفراشات التي ستغزوا الأوطان، وربما الجراد الصناعي المحوّر بايولوجيا ليفتك بالزرع والضرع، فالإبتكارات الخارقة تأتي بما لا يخطر على بال.

ومن أرعب ما توصلت إليه العقول العلمية أنها راحت تتعامل مع الشفرات الجينية وكأنها أرقام حسابية، وكل رقم يمثل حالة ما، ويُقال أن البشر تعلم هذا السر من البكتريا التي تحتفض بالحوامض الأمينية والشفرات الجينية للفايروسات التي تصيبها، لكي تتعرف عليها وتتوقى منها وتعمل على إنتاج أجيال لا تتأثر بها.

فإلى أين ستصل البشرية؟

وهل ستجني على نفسها وأهلها براقش؟

فهل صار العلم أخطر التحديات التي تواجهنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

 

عمل العراق بكل الوسائل المشروعة، ليكون محطة مهمة من محطات الالتقاء لدى المجتمع الإقليمي والدولي،ولقد راهن على وسطيته واعتداله في هذا الملف المهم والحساس، والذي كان من أهم مصادر قوته، فعقدت كثير من جلسات الحوار المهمة، بين قوى ودول مختلفة فيما بينها، وأثمر ذلك بان يكون العراق محطة الحوار وتقارب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية وبين الجمهورية الإسلامية،الأمر الذي اكسبه أوراقاً مهمة اقليمياً ودوليا .

كانت الجهود العراقية منصبة على، إيجاد التقارب السياسي والأمني بين هذه الدول، والتي تربطها مصالح مشتركة، بالإضافة إلى المصير المشترك، أمام التقلبات الخطيرة في الوضع الدولي، وما خلفته الحرب الروسية على أوكرانيا من متغيرات في العالم اجمع، وجعلت خارطته تتغير في طبيعة تحركها،الى جانب تغير طبيعة الاصطفافات السياسية في العالم، وتأثيرها في المشهد الدولي عموماً.

العراق بجهوده الدبلوماسية، أستطاع من تقريب وجهات النظر بين الدولتين، من خلال جلسات حوار مباشرة اتسمت بالشفافية،ومناقشة كافة الملفات العالقة بينهما، وبما يخدم مصالحهما، بعيداً عن لغة التخوين أو التدخل في الشؤون الداخلية، بالإضافة إلى توحيد الجهود والرؤى، والمواقف العربية والإسلامية أمام المتغيرات، وأمام المخطط الذي تقوده إسرائيل، في تغيير خارطة المنطقة وبما يخدم مصالحها، وهذا ما سعت إليه مباشرة من خلال احتمالية توجيهها ضربة إلى مواقع محددة، داخل الأراضي الإيرانية، ما ينذر بدخول المنطقة والعالم اجمع، بحرب عالمية جديدة .

المساعي التي بذلتها الحكومةُ العراقيَّة، عبر استضافة بغداد، لجولات الحوار بين إيران والسعودية، وما رسَّخَتهُ من قاعدة رصينة للحوارات، ستنعكس على تكامل العلاقات بين الجانبين، وتعطي دفعة نوعيّة في تعاون دول المنطقة، وتدشين مرحلة جديدة فيها.

الاقتراب السعودي مع إيران يعني بقراءة تحليلية، ان المنطقة تغيرت حركة التمحور فيها، وانتهت خارطة اللوبي الواحد، لتنهض بذلك إرادات جديدة تقف بالضد من تمحور الغرب، وترفض هيمنة الأخير على مقدرات الشعوب،بل أنها ترفض اي رضوخ لهيمنتها، على حساب مصالحها ومصالح شعوبها..

لذلك كان التحرك الجديد هو بمثابة إعلان الخروج، من محور القوى الغربية التي تريد إركاع الأمة الإسلامية لهيمنتها، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط، وباتت واشنطن وحليفتها الكيان الصهيوني الأضعف في هذا الصراع.

دخول بكين على خط التقارب السعودي الإيراني، يعطي رسائل مهمة بان القطب الواحد وهيمنة القرار الواحد على العالم بات منتهي الصلاحية،وبدا منتج جديد اسمه القوى الممانعة لهذه الهيمنة، لذلك كانت الصين هي اللاعب الأبرز، الذي استطاع بسرعة من دخول ساحة الشرق الأوسط، وتغيير المعادلة فيه، وسيكون له الأثر الأكبر في إفشال المخططات الغربية، الرامية إلى تفتيت محور الممانعة ضدها .

يعتقد وبقراءة مبسطة أن منطقة الشرق الأوسط تتجه بعيدا عن مناطق الصراع،وأن الولايات المتحدة باتت تلعب لوحدها في هذه الساحة، ومن المرجح أن القوى التي تقف بالضد من نفوذ واشنطن في المنطقة، سيكون لها موقف جديد من هذا الوجود، وستعلن موقفها الرافض لهذه الهيمنة، وان على العراق ان يتخذ موقفاً سياسياً، ينعش فيه سيادته، ويدفع باتجاه القرار الوطني، ودوره المحوري في المنطقة، بعيداً عن سياسية الاستقطاب والمحاور.

***

محمد حسن الساعدي

اللغة العربية فيها كلمات ذات دلالات إقرانية، فعلى سبيل المثال، الإقران بين العلم والعمل، والكلمتان من ذات الأحرف، والدلالات لها معاني فاعلة في الحياة، وهناك العديد من الكلمات مثيلاتها، وقس على ذلك.

وفي واقعنا قوى جاءت وعبثت بمصير البلاد والعباد، ولو نظرنا للعراق لتبين أن أنظمة الحكم عبثت وولت، وما عادت قادرة على الرجوع وتأكيد المقبولية، لأن تجاربها مريرة وخواتمها قاسية ومروعة.

فلا العهد الملكي سيعود ولا غيره من أنظمة الحكم التي فشلت في بناء الدولة الدستورية الوطنية المعاصرة، وتمحورت حول الفردية والإستبدادية المقيتة، التي قضت على ذاتها وموضوعها.

فالدنيا تسير للأمام ولا تسمح بالعودة للوراء مهما كانت الإدعاءات والمزايدات والتأهيلات، والذين ينظرون إلى الخلف سيتساقطون في حفر الهلاك الحتمي.

سيقول مَن يقول أنها أنظمة مبرمجة لتأمين مصالح أسيادها التي حمتها وعززت وجودها في البلاد، وهذا يسري على العديد من الدول في العالم، التي في حقيقتها تحت الوصاية الغير مباشرة والإستعمار بالوكالة، لكن أبناءها أوجدوا طريقهم وإنطلقوا في مشوارهم بآليات معرفية وفكرية ذات أسس وطنية وقانونية وإنسانية، فانتصروا على التحديات والمصدات المعوقة لخطوهم.

ومجتمعاتنا منحشرة في رؤى غابرة، وتريد إصمات الزمن وجزر الحياة، وطبخها في أوعية الماضيات البائسات اليائسات، المعممة بالأوهام والهذيانات والتصورات الخيالية، الملثمة بالقدسية، والنصوص الربانية التي لا يجوز الإقتراب منها، والتفاعل معها بغير السمع والطاعة.

وبموجب النمطية الفاعلة في الأجيال، والتدحرج في متاهات الضياع اللذيذ، وإلقاء المسؤولية على الآخر، وتحرير الذات من واجباتها الوطنية والإنسانية، وفقا لأضاليل تسمى دينية يسخّرها تجار الدين لمنافعهم ورغباتهم المطمورة، تحركت الأجيال نحو الهاويات المتناميات والإحباطات المتراكمات، حتى وجدتنا نتوحل في أسمى ما فينا.

والمشكلة ليست في الآخر الجاهز للإفتراس والصولان، وإنما في المجتمعات القطعانية، الساعية لتأكيد ما عندها من الأضاليل، والتي يستثمرها الطامع فيها، ويحصد ما يريد بجهودها، فهي كأحجار الدومينو، ما أن تدفع أولها حتى تتساقط عن آخرها.

فإلى متى سيدوم العبث فينا، ونحن العابثون بوجودنا، ونحسب العبث نصر وفخر، ووحوش الغاب تتربص بنا، والغثيان ديدننا، لأن العبث صهباء وجودنا اللذيذ؟!!

***

د. صادق السامرائي

وقعَ زلزالُ صباحِ يومِ الأربعاءَ / 23 / 3 / جنوبَ مصرَ في حواليْ الساعةِ / 2 صباحا، بعدُ تغريدةٍ كتبها علي حسابةَ العالمِ الهولنديِ / فرانكْ هوغربيتسْ / المثيرَ للجدلِ علي (تويترْ) سوفَ تتعرضُ مصرُ لزلزالِ يومِ" 22 / 3 "وبالفعلِ وقعَ زلزالُ صباحِ اليومِ الأربعاءَ في حواليْ الساعةِ الثانيةِ صباحاٌ، وقدْ تنبأَ بوقوعِ عدةِ زلازلَ بعدَ وقوعِ زلزالِ اليومِ جنوبَ مصرَ.. يذكر أنَ مصرَ كانتْ قدْ تعرضتْ في شهرِ فبرايرَ "شباط" الماضي ل 3 هزاتٍ أرضيةً متتاليةً، شعرَ بها سكانُ بعضِ المحافظاتِ في القاهرةِ الكبرى ومعظمِ مدنِ القناةِ الثلاثِ، وحسبَ ما ذكرتهُ المحطةُ القوميةُ لرصدِ الزلازلِ في مصرَ، تمَ رصدُ 3 هزاتٍ أرضيةٍ بدرجاتٍ متفاوتةٍ القوةِ، كانَ آخرها بقوةٍ / 4.5 / درجةٌ على مقياسِ "ريخترَ" شمالَ مدينة السويسِ، وسبقتها هزةٌ أخرى بدرجةٍ خفيفةٍ في مدنِ القناةِ. رغمَ ذلكَ أكدَ الخبراءُ في معهدِ البحوثِ الفلكيةِ أنَ مصرَ آمنةٌ وتقعُ خارجَ أحزمةِ وأنشطةِ الزلازلِ بشكلٍ عامٍ، إلا أنها معرضةٌ منْ حينٍ لآخرَ لبعضِ الزلازلِ الضعيفةِ أوْ المتوسطةِ خاصةً التي يقعُ مركزها في منطقةِ شرقَ البحرِ المتوسطِ، وشمالَ البحرِ الأحمرِ، فهذهِ الهزاتُ طبيعيةً ويقعُ مركزها في أخدودِ البحرِ الأحمرِ المعروفِ بنشاطهِ منْ الحركاتِ التكتونيةِ متوسطةً.. والمثيرَ للجدلِ وقعَ الزلزالُ بعد (تغريدةٍ جديدةٍ لهيئةِ هندسةِ الكواكبِ التابعةِ للعالمِ الهولنديِ) التي يشككُ فيها بعضُ المراكزِ العلميةِ، نشرتها على حسابها الخاصِ قبلَ وقوعِ الزلزالِ بيومٍ واحدٍ، توقعتْ فيها حصولُ بعضِ الأنشطةِ منْ حركةِ الصفائحِ التكتونيةِ الزلزاليةِ في مصرَ ودولٍ عربيةٍ ومنها" لبنانُ والبحرُ الميت" ُ خلالَ الأيامِ القليلةِ القادمةِ، وتوقعتْ إمكانيةُ حدوثِ زلازلَ بقوةٍ أكبرَ بين / 5 ألي 6 / درجاتٌ على مقياسِ ريخترَ. ويعتمدَ الباحثُ الهولنديُ / فرانك على حساباتِ أسبابِ الهندسةِ القمريةِ في بعضِ النشاطِ الزلزاليِ الأقوى في الأيامِ المقبلةِ، ومنْ المحتملِ أنْ تصلَ قوتها إلى" 5 إلى 6 درجاتٍ "على مقياسِ ريخترَ، مما سببَ حالةً منْ الخوفِ والزغرْ والرعبُ بعدَ أنْ تنبأَ عدةَ مراتٍ بحدوثِ زلازلَ أوْ هزاتٍ قبلَ وقوعها ووقعتْ بالفعلِ على مدارِ الأسابيعِ القليلةِ الماضيةِ، أبرزها كانَ الزلزالُ المدمرُ الذي ضربَ تركيا وسوريا أوائلَ الشهرِ الماضي..وقدْ تعرضتْ محافظةَ أسوان جنوبَ مصرَ فجرَ اليومِ لزلزالٍ بلغتْ قوتهُ / 4 درجاتٌ / بمقياسِ ريخترَ. على عمقٍ واحدٍ كيلومترٍ، في الساعةِ الثانيةِ صباحاٌ ؛- وأنَ مركزَ الزلزالِ وقعَ في الكيلو (17 شمالِ شرقيِ أسوان وبعمقِ 03 , كيلومترٌ). وقالَ الدكتورُ "جادٌ القاضي"، رئيسُ المعهدِ القوميِ للبحوثِ الفلكيةِ أنَ الزلزالَ شعرَ بهِ سكانُ مدنِ المحافظةِ نافيا حدوثَ خسائرَ بشريةٍ أوْ انهياراتٍ في البنيةِ التحتيةِ أوْ تصدعاتٍ في المباني.

إنَ تداعياتِ زلزالِ تركيا الكارثيِ في دولِ الجوارِ والكتلةِ المتجانسةِ جغرافياٌ في حالاتِ الخوفِ والزعرْ بعدُ انتشارِ مقالاتٍ وتحليلاتٍ عنْ وجودِ حركاتٍ تكتونيةٍ غيرِ مستقرةٍ في باطنِ الأرضِ جيولوجيةً كبرى، لا يشعرُ بها الإنسانُ مباشرةٍ، كما لا يشعرُ الأنسان بدورانِ الأرضِ وحركتها، وبما يدورُ في باطنها، ولكنَ أيَ حركةٍ مفاجئةٍ قدْ تخلفَ نتائجَ كارثيةً كما حصلَ في" سوريا وتركيا " إنَ حالاتِ ظهورِ كسرٍ في الفيلقِ الصخريِ وتأثيرهِ على القشرةِ الأرضيةِ والصفائحِ الصخريةِ منْ مناطقَ تمتدُ حتى أخدودِ القرنِ الأفريقيِ وساحلِ شرقَ وجنوبَ البحرِ المتوسطِ، عنْ توقعاتٍ بحدوثِ هزاتٍ أرضيةٍ ارتداديةٍ سوفَ تضربُ منطقةَ الشرقِ الأوسطِ بمقدارِ" 6،7 درجاتٍ بمقياسِ ريخترَ"" وهيَ مناطقُ معروفةٌ بنشاطها منْ النوعِ المتوسطِ للزلازلِ. رغمَ وجودِ دلائلَ علميةٍ لعلماءَ بتنبؤات حدوثِ زلازلَ متعاقبةٍ لزلزالِ الأول متى وأينَ مركزُ الزلزالِ...؟!

هي مجردُ احتمالاتِ ممكنٍ تمتدُ إلى عشراتِ السنينَ..؟!

كما صرحَ بذلكَ العالمِ الهولنديِ " فرانكْ هوغربيتسْ " الذي تنبأَ بحدوثِ زلزالِ تركيا قبلَ وقوعهِ بثلاثِ أيامٍ وحددَ قوتهُ، كذلكَ تنبأَ بحدوثِ هزاتِ يومِ / 26 منْ فبرايرَ / شباطُ الماضي وحدثَ بالفعلِ والتوقعاتِ بحدوثِ زلزالِ يومِ 8 / 3 منْ مارسَ / آذارُ منْ هذا الشهرِ الحاليِ ؛- رغمَ ذلكَ لمْ يتوصلْ العلمُ حتى الآنَ عنْ موعدِ حدوثِ أيِ زلزالٍ أينَ ومتى رغمِ ما أكدهُ العالم /فرانك عنْ زلزالِ (كهرمانْ مرعشْ)وفي تصريح أخر

قالَ الدكتورُ صالحُ محمدْ عوضْ، عالمُ الجيولوجيا العراقيِ، أنهُ يعتمدُ على حساباتٍ علميةٍ فزيائية ويتمّ قياسُ جهدِ الأرضِ، وبناءٌ على النتائجِ يتمُ الوصولُ إلى حقيقةِ وجودِ زلزالٍ في فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ. وأضافَ صالحْ محمدْ، خلالَ مداخلةٍ هاتفيةٍ معَ الإعلاميِ المصريِ أحمدْ موسى، ببرنامجٍ « على مسؤوليتي » المذاعَ على قناةِ صدى البلدِ نداية هذا الشهر، أنَ هناكَ احتماليةٌ ورادةٌ لحدوثِ زلزالِ بناءٍ على الحساباتِ الفيزيائيةِ، ومنْ المتوقعِ حدوثُ زلزالِ هذا الشهرْ يومَ /8 منْ مارسَ / أذار ُ / الجاري، ولكنْ سيكونُ أقلَ ضرراٌ

ورغمَ التوقعاتِ وحدوثِ زلازلَ تعتبرُ المرةُ الأولى عبرَ تاريخِ البشريةِ يخرجُ عالم يتحدثُ عنْ موعدِ حدوثِ زلزالٍ ويتحدثُ عنْ حركةِ ووضعِ الكواكبِ وحالةِ الأرضِ معَ حركةِ القمرِ والكواكبِ الأخرى والقوةَ المغناطسية والمدُ والجزرُ وارتباطهمْ بالزلزالِ هلْ كلُ ذلكَ تكهناتٌ واحتمالاتٌ غيرُ علميةٍ رغمَ السؤالِ الذي لمْ يجيبَ عليهِ بعضِ الدولِ منْ سحبِ بعثاتها الدبلوماسيةِ منْ اسطمبولْ قبلُ وقوعِ الزلزالِ بأسبوعٍ...؟!

شيءٌ يخيفُ مثل نهايةِ كوكبِ الأرضِ. وهذا بالفعلِ ما اكتشفهُ علماءُ الفلكِ في دراسةٍ حديثةٍ نشرتْ نتائجها هذا الشهر ِ. لأولِ مرةٍ تمَ رصدُ كوكبٍ بعيدٍ يقتربُ بشكلٍ خطيرٍ منْ نجمهِ مما قدْ يسببُ وداعَ الأرضِ الأخيرِ بعدَ ملياراتِ السنواتِ. وعلى غرارِ هذا الكوكبِ الخارجيِ، يمكنَ للأرضِ أنْ تقتربَ بلا هوادةٍ منْ الشمسِ تحتَ تأثيرِ قوى المدِ والجزرِ. لكنَ هذا التأثيرِ يمكنُ أيضا موازنتهُ بفقدانِ كتلةٍ منْ الشمسِ، بحسبَ العالم (شرياسْ فيس براغادان) الذي يشددُ على أنَ " المصيرَ النهائيَ للأرضِ لا يزالُ غيرَ واضحٍ " وكانَ (Keple - 1658 b)أولُ كوكبِ خارجَ المجموعةِ الشمسيةِ يتمُ رصدهُ باستخدامِ تلسكوب ;ِ كيبلرْ الفضائي;َ، في عامِ 2009. ومنذُ 13 عاماٌ، يلاحظَ العلماءُ التغييرَ البطيءَ ولكنَ الثابتَ في مدارِ الكوكبِ الذي يمرُ أمامَ نجمهِ المضيفِ. وأخيراٌ هلْ الأرضُ غاضبةً منْ فعلِ البشرِ كما يعتقدُ البعضُ..!! "

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ ومتخصصٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

 

أعلنت الجهات المسؤولة عن رؤية الهلال أن يوم غد الخميس سيكون رسميا هو بداية شهر رمضان، الذي ينتظر المسلمون قدومه المرتبط في كل بقاع الدنيا، بمظاهر البهجة والفرحة المتوارثة مند دخول الإسلام إلى هذا البلد المسلم الآمن، الذي يدعوا أهله الله أن يعيده عليهم بالخير والبركات والرحمة والغفران ومضاعفة الحسنات والكثير من الكرامات، التي لا يجود بها الله إلا على من يتفانى من عباده في التقرب إليه، خلاله، بالكثير من الطاعات والعديد من عبادات والبعد عن السيئات،، كل ما ينزع عن رمضان فكرة التركيز في عبادات الصيام والقيام وتلاوة القرآن، التي سينشغل الناس جميعهم، إلا من رحم ربي، من الغد، اليوم الأول من انطلاق هذا الشهر الفضيل، لتحويله من شهر للتقرب لله بالتأمل والتعبد والإحسان وهدوء النفس،إلى أي شيءٍ آخر غير الهدف الذي فرض من أجله، والبعيد عن الحكمة التي وضعت له، والتي هي العبادة الخالصة لوجه الله، والسمو عن الأمور المادية والدنيوية، والتي ستعمل غالبية الصائمين العظمى،على إغراق أيام رمضان ، مند الغد، أول أيام الصوم في لجة اللهو والعبث الذي سيجعلون منها، وعلى مدى ثلاثين يوما، مهرجانا للدراما التليفزيونية والمسلسلات التركية، برامج التسلية والفوازير التافهة والمسابقات "البايخة" والمقالب الكوميدية المسماة ظلما "الكاميرا الخفية" وهي غير الخفية ومفضوحة، وسيل البرامج الدينية التي لا علاقة لها لا بأصول الدين ولا بتشريعاته، والانخراط في السباق المحموم للإنفاق المجنون من أجل ابتكار أصناف الأكلات، تجديد الشهيوات التي لا تحتمل مصاريفه ميزانيات البيوت، ولا تترك مجالا لشيء سوى إثارة الجوع والعطش التي تصاحب هذا الشهر، والذي يلخص الهدف منه هو التهام كل ما يمكن التهامه في آخر اليوم، كما لو كنا جوعى طوال العام وجاء رمضان لنلتهم أكبر قدر من الطعام.

هذا حال رمضان في الكثير من البلدان المسلمة العربية والمغاربية،التي فقد فيها هذا الشهر مذاقه الخاص وبركاته التي عرفتها أجيال الزمن الجميل الذي كان فيه رمضان مناسبة للتسامح والتواد والتراحم والعفو والمغفرة، ومراجعة الذات والتي لازلت استحضر منها مشهد تجمع ساكنة حينا الشعبي فاس الجديد فوق سطوح بيوتهم ليلة رمضان وهم مشرئبة أعناقهم شاخصة أبصارهم نحو السماء بحثا عن هلال رمضان، الذي تطلق لرؤيته تكبيرات الرجال،وزغاريد النساء،مشهد لن يمحوه بُعد الحدث، ولا تبدل عوائد الاحتفاء برمضان، وتغير سلوكيات ومظاهر الاحتفال به واختلاف تأثيرها على ممارسة العبادات الرمضانية التي جعلت المفهوم الحقيقي لرمضان يتلاشى في غفلة منا باسم التطور.

وفي الختام أتقدم بخالص التهنئة، بمناسبة حلول شهر الغفران والرحمة، لجميع قرائي، سائلا المولى عز وجل أن يجعله شهر صحة وعافية وأمل وتيسيير، وأن يقر قلوبكم بالرحمة، وأبدانكم بالصحة، وحياتكم بالتقوى، وأن يدخله عليكم بتحقيق كل الأماني والرغبات، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم ترفلون بالصحة والأمان وتتمتعون بالخير والبركة.

***

حميد طولست

في المثقف اليوم