أقلام حرة
نهايةَ حضارةِ العصرالحديثِ!
معَ نهايةِ الحربِ الباردةِ تطلعَ العالمِ إلى عالمِ أفضلَ يخلو منْ الصراعاتِ والحروبِ ويختفي الجهلُ على الأقلِ والفجوةِ بينَ الشمالِ والجنوبِ عالم يعيشُ داخلَ قريةٍ صغيرةٍ ويتحولُ معَ تكنولوجيا الاتصالاتِ إلى عالمِ داخلَ حارةِ "جيو" فكانَ الخبرُ يصلُ بعدَ شهرٍ إذا وقعَ في واشنطن يصلُ إلى لندن بعدَ شهرِ فأصبحَ الآنُ يصلُ بعد ثانيةٍ واحدةٍ لكلِ أنحاءِ المعمورةِ فليسَ هناكَ ما تخفيهُ منْ أسرارٍ.. عالمٌ ينهي حضارتهُ بالمثلثِ الرهيبِ. الخوفُ، الجوعُ، الفقرُ.. فالعالمُ كلُ يومٍ يقرأُ أخبارا عنْ احتمالاتِ نشوبِ حربٍ نوويةٍ أوْ تهديدِ للكورة الأرضيةَ منْ تغيراتٍ مناخيةٍ وكوارثَ طبيعيةٍ وزلازلَ وتهديدِ سلةِ الأمنِ الغذائيِ والشحِ المائيِ والتصحرِ. وارتفاعَ الأسعارِ.. وتعرضَ أكثرُ منْ نصفِ العالمِ للجوعِ وأكثر منْ نصفِ شعوبِ دولِ العالمِ الثالثِ تعيشُ تحتَ خطِ الفقرِ؛ الأسوأِ بدأَ والقادمُ مخيفٌ، عالمٌ تسودهُ " ثقافةُ التفاهةِ والفرجةِ " شعبويةٌ اليومِ والعهرِ السياسيِ شعارُ لايخجلْ بهِ المشهدُ السياسيُ العالميُ " فوضى عارمةً تجتاحُ العالمَ في غيابِ نظامٍ دوليٍ وغيابِ دورِ الأممِ المتحدةِ منْ واجبها المنوطِ بها منْ الصراعاتِ الإقليميةِ والحروبِ الأهليةِ. والسباقُ للتسلحِ أديَ إلى ظهورِ التضخمِ والركودِ الاقتصاديِ وانهيارِ بنوكٍ عالميةٍ في أعظمَ وأكبرِ اقتصادٍ في العالمِ ووباءٍ حصدَ ملايينُ البشرِ وحربِ شبهٍ عالميةٍ بدأتْ ولمْ نعرفْ سيناريو نهايتها.. كتبُ الكاتبِ "جوزيهْ ساراماغو" في كتابهِ المفكرةَ مقالةً أدبيةً قصيرةً، يصفَ فيها العصرُ الحديثُ الذي نعيشهُ، فيقولُ؛ - في كلِ يومٍ تختفي أنواع منْ النباتاتِ والحيواناتِ، معَ اختفاءِ لغاتٍ ومهنٍ. الأغنياءُ يزدادونَ غنى والفقراءُ دومًا يزدادونَ فقرًا في كلِ يومٍ على حدةِ ثمةَ أقليةٌ تعرفُ أكثر، وأخرى تعرفُ أقل. الجهلُ يتسعُ بطريقةٍ مخيفةٍ حقًا.
في هذهِ الأيامِ نمر بأزمةٍ حادةٍ في توزيعِ الثروةِ. فاستغلالُ الفلزاتِ وصلَ إلى نسبٍ شيطانيةٍ، الشركاتُ المتعددةُ الجنسياتِ تسيطرُ على العالمِ. لا أعرفُ إذا ما كانتْ الظلالُ أمِ الخيالاتِ تحجبُ الواقعَ عنا. ربما يمكننا مناقشةَ الموضوعِ إلى ما لا نهايةً. ما هوَ واضحٌ حتى الآنَ هوَ أننا فقدنا مقدرتنا النقديةُ على تحليلِ ما يحدثُ في العالمِ. إذْ نبدو محبوسينَ بداخلَ كهفِ "أفلاطونْ ". لقدْ تخلينا عنْ مسؤوليتنا عنْ التفكيرِ والفعلِ. فقدَ حولنا أنفسنا إلى كائناتٍ خاملةٍ غيرِ قادرةٍ على الإحساسِ بالغضبِ، وعلى رفضِ الانصياعِ، والقدرةُ على الاحتجاجِ التي كانتْ سماتٌ قويةٌ لماضينا الحديثَ – إننا نصلُ إلى نهايةِ حضارةٍ ولا أرحبُ بنفيرها الأخيرُ. إنَ مجمعَ التسوقِ (المولْ) هوَ رمزُ عصرنا. لكنْ لا يزالُ ثمةَ عالمٌ مصغرٌ ويختفي بسرعةٍ، عالمُ الصناعاتِ الصغيرةِ والحرفِ. ففي حينِ أنهُ منْ الواضحِ أنَ كلَ شيءٍ سيموتُ في النهايةِ، ثمةَ أشخاصُ كثيرٍ لا يزالونَ يأملونَ في بناءِ سعادتهمْ الخاصةِ، وهؤلاءِ آخذونَ في التقلصِ. أنهمْ يرحلونَ مثلُ المهزومينَ، لكنَ كرامتهمْ محفوظةً، يعلنونَ فقطْ أنهمْ ينسحبونَ لأنهمْ لا يحبونَ هذا العالمِ الذي صنعناهُ لأجلهمْ. نعمَ لكلِ شيءِ بدايةِ ونهايةِ فقدٍ بدأَ عصرُ الاضمحلالِ..!!.
***
محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ
كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ متخصصٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ