قراءات نقدية
مثنى كاظم صادق: الاحتجاج والاحتياج في مجموعة ما ينقص شاعراً
الاحتجاج اعتراض على حالة راهنة والمطالبة بتغييرها.. والاحتياج الافتقار إلى الشيء الضروري الذي نطلبه. تحاول هذه القراءة تسليط الضوء حول هذين البعدين. ولاسيما أن مجموعته الشعرية هذه تحفل بهما. وارتأيت أن اتخذ قصيدته (ما ينقص شاعراً) عتبة لهذه المحاولة. لأنها (القصيدة) يصح أن نسميها قصيدة سيرة عامة جعلها عنواناً لقصائده السيرية الأخرى. وبالتأكيد لا أعني هنا بالمذكرات المؤرخة إنما هي تدوينات سيرية ذات رؤى شعرية في الحياة العراقية الذاتية والموضوعية.. يتخذ العنوان (ما ينقص شاعراً) مخرزاً دامياً لاحتجاج الشاعر واحتياجه بمزج الواقع الراهن بلحظات الماضي الأول البريء (الملاك الذي نبت بين شجيرات تلك البساتين / الأخضر بلون الصفصاف / الذي تحدث للبلابل والحمام / وتنفس مع جذور العنب..) في كثير من قصائد الشاعر نجد التغلغل بين الطبيعة والحيوانات لارتباطه بهما. ضمن كينونته الأولى التي أدركت صفاء الطبيعة ومن هذا المنطلق التأثيري يتجه الشاعر بوعي أو بدون وعي إلى اتخاذ ما يسمى بأنسنة الأشياء (استنطاق الجمادات والحيوانات واتخاذها رمزاً بشرياً) أقول يتجه من خلال ذلك إلى فضاء البوح والإيحاء (رأيت لقالق تصلي له.) (إنه قد أضاع ومنذ استسلام طويل فكرة الهرب وهو ما أتاح لقطعان كلاب كثيرة آخرها كلاب الديمقراطية أن تنهش من سلامه ما تشاء لذلك فهو بلا ضياء فيما ذيول الكثير من الكلاب مضاءة بالأدعية والتهليل وهو ما أسقط آخر يوم كان قد توقع أن يكون صالحا لغرس حلم). فالشاعر مضرج بالخيبات ، وهذه الخيبات عبر عنها بالاحتجاج والتذمر واليأس ، وقد صور هذه الخيبات بأحاسيس مغايرة تختلف عن تلك الأوصاف المألوفة ، فالأشياء التي نراها هي غير الأشياء التي نراها فهو تارة يجعلها مأنوسة وتارة يجعلها مريبة فهو يحمل وجهاً واحداً وهذا الوجه شكل منه صراعا مع الذات والآخر في محيط قد تعددت فيه الوجوه المزيفة (كان يمكن له أن يستعير قناع مديره أو وزيره أو إمام جامع المدينة، ولم يدر إنه إنما كان يركض عارياً فرجمته سماواتهم بالرفض إذ اختلط عليه شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومن الملاحظ أن الشاعر عمر الدليمي يكتب من خلال الأشياء التي خيبت آماله ويجعل منها قنوات لتمرير احتجاجاته الشعرية بصور شعرية مما يمكن أن أسمي بعض مقاطعه الشعرية في هذه المجموعة بــــ (نص الصورة) الذي اتكأ عليه في البوح والإيحاء غير عابئٍ بالحدود والحواجز. وعلى الرغم من ميل الشاعر إلى البوح إلا أنه يميل إلى الصمت أيضاً وأعني به الصمت الداخلي الهامس.. ومن هنا جاء اهتمام الشاعر بلغته الشعرية ؛ لأنها الفضاء الذي يجسد الصورة ومن المعروف أن اللغة الشعرية هي ليست اللغة الإخبارية المباشرة التقريرية مستعملاً تقنيات مثل آلية التوازي / البؤر الصوتية / التكثيف / هندسة البياض / التناص إلخ. ومن الملاحظ أن الشاعر قد كتب قصائده النثرية على الطريقة الأوربية (كتلة واحدة لأن قصيدة النثر الأوربية لا تقطّع كما الحال في قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، بل تكون على شكل كتلة، تحمل كل ما يحمله النثر من أدوات وشروط في الكتابة). ومن خلال احتجاجات الشاعر على الواقع المربك والمرتبك.. يجعل من الوطن ضمن هذا الواقع يلتف على نفسه ضمن دوران عبثي يبعثرنا نحو التلاشي. وهو ما لا يريده الشاعر. مما حتم عليه الاحتجاج. وضمن هذه البنية تبرز احتياجات الشاعر وهنا أتوقف قليلاً لأقول (ما ينقص شاعراً) هل هذه الــــــ (ما) موصولة بمعنى الذي ينقص شاعراً أو شرطية بمعنى إذا ينقص شاعراً وحذف جواب شرطها أو ما استفهامية (ما ينقص شاعراً) والجواب هو أن ما هنا استفهامية وأجاب عن هذا السؤال الشاعر نفسه في النص.. وبشكل مكرر. (ينقصه الكثير الكثير) توكيداً لخساراتنا الكبرى وأي كثير نحتاجه وينقصنا سوى الوطن..
***
د. مثنى كاظم صادق