قراءات نقدية
عادل جودة: ومضات شعرية.. غزل صوفي في تفاصيل الحبيبة

في هذه "الومضات" الشعرية يأخذنا الشاعر في رحلة حسية وروحية عميقة يمزج فيها الغزل العفيف بالحب الصوفي ليخلق نصوصًا مكثفة تفيض بالجمال والدهشة. إنها ليست مجرد أبيات بل هي لحظات إشراق تضيء العلاقة بين العاشق والمعشوقة وتجعل من جسد الحبيبة وروحها كونًا كاملًا للشاعر.
يفتتح الشاعر مجموعته بتشبيهات جريئة وعميقة ف "فمي طفل.. دميتُهُ شفتاك" تعكس البراءة والاعتمادية المطلقة على الحبيبة كمصدر للحياة والبهجة. يتطور هذا المعنى في الومضة التالية حيث يصبح:
"فمي قلمٌ.. لا يُحسِنُ الكتابةَ إلاّ في دفترِ شفتيك"
في إشارة إلى أن إلهام الشاعر وإبداعه لا يكتملان إلا بوجود الحبيبة وتفاعله معها. شفتاها هنا ليستا مجرد جزء من الجسد بل هما مفتاح الإبداع ومصدر الإلهام.
تنتقل الومضات إلى تصوير تأثير الحبيبة على عالم الشاعر فبسبب "كثرة تحديقي بقميص نومِكِ الأخضر" تتحول عيناه إلى "عشبٍ" ووسادته إلى "شجرة كرزٍ" وسريره إلى "بستانٍ"
هنا يصبح جسد الحبيبة ونومها الأخضر مصدرًا لخصوبة العالم المحيط بالشاعر وكأنها تخلق الجمال والنمو من حوله بمجرد وجودها ونظرته إليها. يبلغ الغزل حد التعظيم في قوله: "أنا وطنٌ أنت عاصمته". وهي عبارة تختزل العلاقة في أقصى درجات الانتماء والمركزية الحبيبة ليست مجرد جزء من حياة الشاعر بل هي جوهر وجوده ومركز كيانه.
تتواصل الومضات لتصف الحبيبة المتناقضة: "البعيدة بُعدَ الشيطان عن جسدي.. القريبة قربَ الله من روحي"
هذا التناقض يكشف عن طبيعة الحب الصوفي حيث تتجاوز العلاقة الجسد لتلامس الروحانية المطلقة. حياته كلها تختزل في "قصيدة من بيتٍ واحدٍ أنتِ مطلعها". مما يؤكد أنها نقطة البداية والأساس لكل ما هو جميل وذو معنى في حياته. وتتوالى الصور البديعة التي تمجد الحبيبة:
"ما حاجتي للبساتين وعندي بتلتك؟"
تعبير عن الاكتفاء المطلق بجمالها الذي يفوق جمال الطبيعة بأكملها. ثم تأتي الومضة الجريئة والمشبعة بالعشق:
"سأقشِّركِ مثلَ برتقالة لأحصي مساماتِ جسدك بالقبلات" هنا يمزج الشاعر بين الحسية الشديدة والحب العميق. محوّلًا فعل التقبيل إلى طقس مقدس لإحصاء كل جزء من جسد الحبيبة.
تختتم الومضات بنوع من الطمأنة ولكن بلغة مشبعة بالشوق والرغبة "لا تخافي من جوعي فأنا سأقضمك بهدوء.. جنوني لا أنيابَ له"
و"لا تخافي فالطفلُ حين يجوعُ: لا يأكلُ دُميَتَهُ الوحيدة!"
هذه الخاتمة تعكس شغف العاشق الذي يصل إلى حد "القضم". لكنه قضمٌ هادئ ليس فيه عنف بل هو تعبير عن حب امتلاكي رقيق لا يريد إيذاء المحبوبة، تمامًا مثل الطفل الذي يحافظ على دميته الوحيدة لأنه يعلم أنها كنزه الأوحد.
بشكل عام تعكس هذه "الومضات" شعرية مكثفة وتصويرًا مبتكرًا للعلاقة العشقية حيث تتحول الحبيبة إلى مركز الكون ومصدر الإلهام والطمأنينة والجمال المطلق للشاعر.
***
عادل جودة
.........................
الومضات:
فمي طفل ..
دميتُهُ شفتاك !
//
فمي قلمٌ ..
لا يُحسِنُ الكتابةَ
إلاّ
في دفترِ شفتيك !
//
لكثرة تحديقي
بقميص نومِكِ الأخضر:
نَبَتَ العشبُ في عينيَّ
ووسادتي غدتْ شجرةَ كرزٍ
وسريري بستانا!
//
أنا وطنٌ
أنت عاصمته!
//
أيتها البعيدة بُعدَ الشيطان عن جسدي ..
القريبة قربَ الله من روحي:
حياتي قصيدةٌ من بيتٍ واحدٍ
أنتِ مطلعها!
//
ما حاجتي للبساتين
وعندي بتلتك؟
//
سأقشِّركِ مثلَ برتقالة
لأحصي مساماتِ جسدك بالقبلات!
//
لا تخافي من جوعي
فأنا سأقضمك بهدوء ..
جنوني لا أنيابَ له!
//
أدخلي كوخي آمنةً مطمئنة..
لا تخافي
فالطفلُ حين يجوعُ:
لا يأكلُ دُميَتَهُ الوحيدة!
***