أقلام حرة
ظاهرة المد والجزر وأكذوبة بناء سد شط العرب
المد والجزر ظاهرة طبيعية في حركة مياه البحار والمحيطات والخلجان حيث يرتفع الماء قادما من البحر إلى مصب النهر وقد يتمدد مسافة عشرات الكيلومترات في النهر ويغطي الأراضي المنخفضة أحيانا على كتفي النهر.
هذه الظاهرة الجميلة يعود سببها الرئيسي إلى حركة القمر باعتباره أقرب الأجرام السماوية إلى كوكب الأرض وتابعا لها، وبفعل الجاذبية بينهما يندفع الماء باتجاهين متعاكسين فيكون المد فيهما وبعكسهما يكون الجزر ويكون أعلى ارتفاع للمد ويسمى المد الأكبر عندما يكون القمر بدراً أو في المحاق، لكون الشمس والقمر في خط مستقيم واحد وعكسه المد المتراخي في أول الشهر القمري..
كما يوعز أسباب المد أيضا إلى جاذبية الشمس وقوة الطرد المركزي بفعل دوران الأرض حول نفسها..
وتحدث عملية المد والجزر مرتين خلال ٢٤ ساعة وفي بعض مناطق الكرة الأرضية تحدث أربع مرات في اليوم أي كل ست ساعات...!
الحديث عن ظاهرة المد والجزر مهم لأنها تلعب دورا كبيرا في حركة مياه شط العرب الذي يصب في شمال الخليج..
وكما هو معروف ومنذ ان خلق الله تعالى السماوات والأرض وخلق الأنهار جعلها تجري من منابعها وتصب في البحار و هذا ما يحدث في كل أنهار الكرة الأرضية ولا يقتصر الأمر على نهري دجلة والفرات اللذان يلتقيان في _ القرنة قديما أو گرمة علي _ فيشكلان شط العرب ليصب في الخليج.
مع الأسف ساد في الآونة الأخيرة إدعاء أو رأي تروج له بعض الجهات في الحكومة أحيانا وبعض الذين يدعون خبراء في المياه ومهندسي الري وهو:
( أن مياه العراق تذهب للبحر هباءً وهدراً ولا يستفيد منها ولهذا يجب بناء سد على شط العرب لحجز المياه ومنع تسريبها إلى البحر).
نقول أن هذا إدعاء غير صحيح و هذا قول يجانب الحقيقة ويقلب الموازين ولا يصدق به إلا السذج من الناس الذين لا علم لهم بحركة المياه في الأنهار ولا علم لهم بظاهرة المد والجزر في البحار وفوائدها...!
وهذه أكذوبة تشبه أكذوبة أخرى سنتطرق إليها في مقام آخر...!
لا يعرف ظاهرة المد والجزر إلا من ركب البحر وجاوره أو من عاش في البصرة وأريافها واستفاد من المد والجزر واستمتع بهذه الظاهرة يوميا...
الذي يبحر من الفاو بإتجاه الخليج ويصل إلى مسافة ما يقارب من ٥٠ كيلومتر فسيرى حدا فاصلا حاجزا بين الماء العذب المتدفق من شط العرب وبين ماء البحر المالح وكأن هناك حاجزا أو برزخا وهذا ما شاهده العاملون في البحر في فترة السبعينيات من القرن الماضي وقبل إقامة تركيا سدودها العملاقة على دجلة والفرات، أما الآن فقد اختفى هذا البرزخ فلا وجود له بسبب عدم تدفق مياه عذبة من شط العرب بإتجاه البحر.
-كما يذكرنا هذا الحاجز بما أشارت إليه الآيتين الكريمتين - 19- 20 من سورة الرحمن: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) وهناك آيات أخرى أشارت إلى هذا المعنى مثل الآية 53 من سورة الفرقان:
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا).
الغرض أو الهدف من هذا التقديم هو:
أن هذه الكتلة المائية العذبة المتدفقة من شط العرب إلى الخليج ترجع متكررة إلى شط العرب مرتين في اليوم بفضل المد القادم من البحر ولا تذهب هدراً كما يدعون إلا النزر القليل...!
ولهذا فأن بساتين النخيل في الفاو كانت تُسقى سيحا مرتين في اليوم عند المغرب وعند الفجر فيغمرها الماء العذب المحمل بالغرين والطحالب والترسبات و يغسلها الجزر ليأخذ معه ما شاء الله من الغرين ثانية وهكذا دواليك..
إذن صار واضحا أن المد يندفع عائدا بالماء العذب إلى شمال البصرة حتى يصل مداه إلى قضاء القرنة و قضاء المْدَيّنَة التي تبعد عن الخليج حوالي ١٥٠ كم شمالا...
و بعد أن حبست تركيا المياه عن دجلة والفرات فلم يتدفق الماء العذب إلى الخليج إنما بقيت ظاهرة المد والجزر مستمرة لكنها لا تعيد الماء العذب إنما يتقدم المد نحو البصرة وشمالها بماء البحر المالح ليصل اللسان الملحي إلى شمال البصرة فتحول شط العرب إلى بحيرة مالحة لا يصلح ماؤها للاستعمال البشري...! ولهذا السبب تحولت بساتين الفاو إلى أراض سبخة لاتصلح للزراعة فاختفت غابات النخيل وأشجار الحناء والفواكه بأنواعها.
فالدعوة لإنشاء السد على شط العرب لا اعتبار لها بل هي إكذوبة أطلقها البعض بدفع من الحكومة التركية لتبرير تعمدها بإقامة السدود على منابع دجلة والفرات ومنع المياه من الوصول إلى العراق لأهداف سياسية بغيضة و لابتزاز العراق اقتصاديا.
وهنا أصبح الأمر جلياً فلا مبرر لإنشاء السد على شط العرب إذ لا وجود لمياه عذبة في الوقت الحاضر تتدفق إلى البحر فيمنعها السد لأن تركيا حبست المياه من المنبع أو المصدر...
إنما إقامة السد لمنع وصول المد المالح إلى البصرة وتعطيل الملاحة وسير السفن ودخولها إلى البصرة لا غير...!
هذا الموضوع يحتاج إلى بحث طويل و مفصل ولا يكفي هذا المقال البسيط لطرحه ومناقشته ولهذا يتوجب على كل الباحثين في مجال الجغرافيا وهندسة الري وادارة الموارد المائية بذل قصارى جهدهم وتقديم حلول ناجعة وسريعة للحكومة العراقية للسعي في تنفيذها من أجل القضاء على مشكلة ملوحة المياه والتصحر في وسط وجنوب العراق.
وأول خطوة لعلاج مشكلة الملوحة في شط العرب تبدأ بالضغط على الحكومة التركية بفتح المياه من السدود وحسب الحصة المائية المقررة في الاتفاقيات الدولية.
***
جواد السَّعَـيّْـد العبادي