نصوص أدبية

نصوص أدبية

منذ صغري ما تعودت أن أنام وحيدا في ظلمة، ولا طقت أن تقفل دوني باب، حتى في ليالي الشتاء الباردة كنت افرض على مربيتي أن تترك باب غرفتي مشرعا، فغطائي الصوفي و المسخن الكهربائي كانا كافيين أن يجعلا غرفتي ترمي شواظها..

كثيرا ما كانت مربيتي تستغل استغراقي في النوم لتقفل دوننا باب الغرفة فسريرها الرحب والذي يحاذي جدار الباب كان يعرضها لنزلات البرد. هذا ما كانت تدعيه..

لم أتعود الصحو ليلا لأي سبب من الاسباب فقد وهبني الله نعمة النوم العميق، حتى حين ضرب المدينة زلزال خفيف في احدى ليالي عيد الاضحى استغربت لما كان يروج من حديث بين اصدقائي في المدرسة؛

لما رجعت في الزوال واستفسرت عما تداوله الاطفال، أمي قالت: الارض تعبت من سكانها الخاملين، أبي قال: الله يحذر عباده..

ما فهمت معنى لما قالاه، وحدها مربيتي شرحت الأمر ببساطة قائلة: ضع يديك على صدرك، تنفس بقوة، ازفر، هل أحسست بحركة يديك؟ ذاك ما فعلته الأرض..

كنت احب مربيتي مذ كانت زوجة لخالي قبل أن يموت في حادثة سير وتستقر معنا في البيت رافضة العودة الى وطنها الاصلي فرنسا خصوصا وانها لم تنجب أولاد ا..

كنت أحب سمرتها العسلية ومزيج عينيها الضيقتين النفاذتين حيث يمتزج في أعماقهما اللونان الاخضر والازرق، كما كان يثيرني أنفها الدقيق الذي لا يناسب شفتيها المكتنزتين الملونين دوما بأحمر الشفاه الوردي..

في يوم عطلة عاقبتني أمي بعدم الخروج لأني ضيعت أحد كتبي، وهكذا تعدت قيلولتي الساعتين..

في الليل نمت بعد أن راجعت معي المربية دروسي وتناولت عشائي..

الى حدود اليوم لا أدري أي شيطان جعلني استفيق ليلا على غير عادتي: أهي التاوهات التي كانت تملا فضاء الحجرة ام الحركات غير العادية التي كانت فوق سرير مربيتي..

تجمدت في مكاني وأنا ارى مربيتي على أضواء الشارع التي تعكسها النافذة في اوضاع ما رأتها قط عيني وهي تمارس سلوكات مع رجل كثيرا ما شاهدته في بيتنا أو أخذتني أمي اليه..

ما تملكني احساس بخوف ولكن خالجتني رؤى وأفكار، فمنذ هذه اللحظة أدركت لماذا كان يمنع علي النوم في غرفة ابوي، ولماذا كانا يقفلان عليهما الباب بالمفتاح..

وخلال اسبوع من مغالبة النوم ليلا عرفت كيف كان الرجل يتسلل الى بيتنا كل ليلة عبر حديقة منزله الى حديقتنا، ومن تم الى غرفتي عبر باب ثانوية تشرف على الحديقة حيث تستقبله مربيتي..

بدأت أمتنع عن النوم في سريري مفضلا سرير مربيتي التي ما استطاعت ان تشعر أمي خوفا من فضيحة قرأتها في عيوني، فهي حتما أدركت سبب عنادي واصراري على النوم معها على نفس السرير، وتوقف السيد عن التسلل الى غرفتي بعد تحذير من مربيتي لا شك..

شيئا فشيئا بدأت اتلذذ بالنوم قربها، التصق بها، أعانقها، احاول أن أدس يدي الصغيرة بين نهديها حتى اذا اخرجتها اعدت الكرة الى أن تنام..

كلما امتدت الأيام زدت ألفة بما يدور في خلدي وبما أحاول أن أنفذه مع مربيتي، هي نفسها تعودت حركاتي، كنت أمسك بحلمتيها وادعكهما تماما كما رايت الرجل يفعل، ثم بدأت اصر على أن امتصهما حتى إذا قاومتني هددتها بالذهاب الى امي فترضخ، ثم شرعت ألعق بطنها وادس أناملي في أماكن حساسة من جسمها..

تنبهت امي إلى أني ما عدت استطيع الصحو مبكرا كعادتي وأن صفرة بدأت تعلو وجهي، ثم كلمتها مديرة المدرسة عن رغبة النوم الشديدة التي بدات تغالبني في الفصل..

اسئلة متعددة طرحتها علي امي، ثم ابي ومن بعدهما معلمتي كنت اجيب عنها بمهارة أثلجت صدر مربيتي وأراحت الى حد ما بالها مما جعلها تحضنني اكثر، بل تمادت الى أن تقنعني بإقفال باب الحجرة دوننا حتى نمارس طقوسنا بلا خوف من احد..

زاد جسمي هزالا أخاف امي علي...

ذات مساء وجدت ابي بنفسه ينتظرني بدل السائق بباب المدرسة، استلقيت على المقعد الخلفي، نمت.. لم أحس بنفسي الا وانا ممدد على سرير ابيض في عيادة، أول من وقع عليه بصري رجل عرفته وعرفني، نظر الي بعينين قرأت فيهما الرعب والخوف، كنا وحيدين في الغرفة، ما ان اقترب مني حتى توهمت انه سيقتلني..

لم اجد بجانبي غير قنينة سيرو تتدلى من حاملتها نثرتها وضربت بها الرجل على راسه..

بعدها لا ادري ما وقع.. هو ترنح وسقط أرضا بعد أن فار دم جبهته، وانا اسغرقتني غيبوبة أفقت منها على صوت مدير العيادة ومعه ضابط شرطة يسألاني ماذا وقع؟

بعد يومين كنت أركب الطائرة في رحلة علاج الى فرنسا..

وانا في الطائرة فتحت عيني مرتين: مرة تخيلتني وكأني ساهوي الى بئر عميقة، ومرة حين احسست أن ابرة قد نفذت في ذراعي.

كنت محاطا بممرضتين، في عيونهما كنت اقرأ الفضول ونوع من الشماتة: كيف يتم غض الطرف عن طفل مع مربية بلا مراقبة؟

بين صحو وغياب سمعت احداهما تهمس لصاحبتها:.

ـ غبية، كيف كانت قانعة تعوض رغباتها باللعب مع طفل صغير؟

حين وصلت مطار" أورلي" تظاهرت بالنوم، وظلت اسماعي وحدها تقتنص الصدى من حولي..

بعد يومين كنت ممددا على اريكة مريحة وامامي طبيب.. أجفلت بادئ الامر..فكل طبيب صار عندي نسخة شبيهة بالذي كان يتسلل الى مربيتي.. بيننا كانت آلة تسجيل على منضدة صغيرة ؛كانت أسئلة الطبيب عميقة: عن تعلمي، عن علاقتي بوالدي، بأمي، بمعلمتي وأصدقائي...عن الأطفال الذين ألعب معهم في الحي وعن الذين لا أحبهم...

لم يسألني عن مربيتي الا بعد أن طرح أسئلة كثيرة عما احبه في حياتي وما لا أحبه، ثم فاجأني:

ألا تذكر مربيتك وتحن اليها؟

قلت: لا.. تلاعبت بي رغم أني كنت أثق بها.. وبصراحة كنت لا اعرف ما اريد..

قال: حسنا وماذا تعرف عما كنت تريد؟

قلت: مارايت الطبيب يفعل مع مربيتي..لقد كنت ألاحظ أشياء ماعهدتها في حياتي..

ـ الم تحدثك ماما عن ذلك يوما؟

ـ لا..ماما كانت تصر دوما على أن تعلمني ان كل انسان له جسد..هو ملك له وكل من فرط فيه يعاقبه الله، ومربيتي فرطت في جسدها، واستغلت جسدي، كانت أمي دوما تقول لي: جسدك ملكك واياك ان تترك أحدا يعبث به او يلمسه.. فقط ماما وبابا لهما الحق في لمسه ومسؤولان عن نظافته وسلامته..

حرك حاجبيه رضى ثم قال: وهل راقك ما كان يفعله الطبيب مع المربية؟

صمت لحظة ثم قلت: لا ادري.. ولكن حين خلعت ثيابها توهمت اني كنت قادرا على أن أحاكيه..

قال وقد فاجأني: وهل كنت قادرا حقا؟

قلت:بصراحة كنت لا اعرف نفسي ولا اقدر سوء رغباتي..

قال: هي مازالت تريدك؟ هل تبادلها الرغبة؟

قلت بعصبية: أكرهها..لا اريد ان اراها مرة أخرى.. فقدت أصدقاء مدرستي..تغيبت عن دروسي.. جلبت المشاكل لابي وأمي....

ضحك وقال: الكل راض عنك..والكل يحبك، اصدقاؤك ينتظرون عودتك الى المدرسة..معلمتك هاتفتني من لحظات تسأل عنك...

سكت قليلا.. تبسم ثم قال: هل لك صديقة؟

افرحني السؤال..قلت: طبعا كل بنات فصلي صديقات لي..

هز راسه وانحنى علي قائلا: صحيح..طفل مليح الوجه مثلك..مجتهد..من اسرة بأصل ونسب لابد ان يكون محبوبا..

وقف وقد كانت بوادر الارتياح بادية عليه وقال:

هل تعرف انك ساعدتني في معرفة ما في عقلك..كنت أظنك ستكرهني كطبيب وربما تضربني كما ضربت طبيبك المغربي.. الحمد لله انه بخير وهو يتمنى ان يقابلك ليعتذر لك..هل تقبل اعتذاره؟..

صمت..ثم قلت:

ما تعودت أن اضرب أحدا.. الخوف وحده جعله امامي شيطانا..ذكرني بقصة عزازيل ابنة الشيطان التي قراتها..

أجهشت بالبكاء.. ماتصورت يوما أن اجد نفسي في موقف كهذا..

تابع حديثه:ساخرج من عندك وانا مرتاح لاني تعرفت عليك أولا...ولاني فجرت دموعك..ابك حتى تغسل كل مافي عقلك وبين ضلوعك..

ناولني منديلا ورقيا ابيض ثم انصرف.

بعد يومين نظمت إدارة المشفى مباراة في كرة اليد بين فريقين احدهما من خارج المشفى وحيث أني كنت اتقن اللعبة فقد اشركوني ضمن الفريق المحلي..كنت أصغر اللاعبين ولكني سجلت ثلاث إصابات رائعة..

كنت الاحظ الطبيب المعالج يراقبني من نافذة مكتبه وقد كانت أمي معه؛سرني ان أبصرتها سعيدة بلعبي..

أعرف انها لن تحقد علي وانها ستسامحني ولكني مع الأسف لم أكن في مستوى ثقتها ولا ثقة والدي الذي أحبني بلاحد..

هكذا كنت ولمدة عشرة أيام أشارك في نشاط رياضي او سنمائي او مسرحي؛احسست اني دخلت عالما جديدا خصوصا وخلال ثلاث جلسات أخرى مع طبيبي الذي اقنعني ان مامر بي مجرد حلم.. وكان كل مرة يرد الحلم الى شيء كنت أنا السبب فيه..

بصراحة بدأت انسى تلك الكوابيس التي ارقت ايامي بل صار عندي ميل الى نوم لايترك لي فرصة لاسترجاع مامر بي.. فانا وطيلة وجودي في ذلك المشفى كنت نائما او مشاركا في نشاط او اساعد مرضى المشفى في الحديقة او المقصف..

بعد عودتي لوطني كان استقبال طاقم مدرستي مبهجا من خلال حفل صغير نظمته الإدارة..كان الكل سعيدا بعودتي..

في نهاية السنة الدراسية واثناء حفلة توزيع الجوائز قدم الى رجل جائزة المثابرة والنجاح.. أحسست كأني اعرفه.. شكرته بقبلة على خده، لكن صورته ظلت تشغل بالي..من هو؟ وأين رأيته..

حين تذكرت.. ضحكت من نفسي.. كم تتلاعب بنا الأحلام والذكريات !!..

قضيت عطلة تلك السنة في بيتنا الصيفي بالجنوب المغربي، طيلة العطلة كان أبي لا يفارقني، صرنا معا أشبه بصديقين حميمين، كل منا يمتطي فرسا ثم نقطع المسافات الطويلة..

كان يحكي لي عن دراسته في العراق، عن ثورة عبد الكريم قاسم التي حضرها في الستينيات، عن محاولة زواجه بعراقية امتنع أهلها ان تصاحبه الى المغرب.. عن بداية حياته العملية كاستاذ للتربية الإسلامية قبل ان يترك مهنته الى القضاء بعد ان حصل على دبلوم المدرسة العليا للدراسات القانونية، عن حبه لأمي وزاوجهما....

لم ينس ان يذكر المرحوم خالي وزوجته التي صارت مربيتي بعد موته..

كنت ألاحظ انه كان يراقب كلماتي وانفعالاتي بدقة متناهية وهو يحدثني عنهما..

كنت اصمت وأحس بضيق من ذكرها الى أن كان ذات مساء وقد خرجنا من المسرح بعد مشاهدة مسرحية رائعة اسمها فولبون: لبن جونسون..

سألني: مارايك في فوسكا خادم فولبون؟

قلت: الخدم قد يظلون خدما ولو استغنوا، لكن اول ما يستغنون يصيرون خطرا على من أحسن اليهم..

صمت قليلا ثم قال: ليس بالضرورة يابني لكنها النفس البشرية تصير شرسة اذا غزاها الخوف وقلة الوعي، كذلك كانت زوجة خالك، الخوف مني جعلها تتجاوز حد الاخلاق والقيم، هي غير ملومة على ما اقترفته مع صديقنا الطبيب، فهو من تعدى على حقوق الجوار وحرمة الصداقة.. لو لم يتحرش بها ويستغل وحدتها وطيبتنا لما وقعت في ما وقعت فيه...

كان يتلفظ كل كلمة ويترقب ردة فعلي...

قلت له:هل تعلم انه هو من قدم الي هدية النجاح؟

ضحك وقال: ادري وانا من اقترحت ذلك على إدارة المدرسة..كنت أحب ان أرى ردة فعلك..وان اغيضه عساه يدرك ان ليس جميع الناس حيوانات بلاعقل مثله، فما جدوى علمه اذا لم يفده في حماية الإنسانية؟

أحسست كانه يحدث رجلا عاقلا كبيرا لاطفلا في مثل سني، وتذكرت انها كانت عادته حتى حين كان يناقش معي مضمون كتاب فلسفي اوقصة مما كان يدفعني لقراءته..

قال بعد صمت ساد بيننا:

ـ هل تعبت ام تفكر؟

قلت أفكر..

بسرعة اتاني رده: لاتفكر في شيء كلنا خطاؤون..هي تجربة كم اسعدني ان تمر بها وان نتادرك نتائجها قبل أن تستفحل، لكن اظن أن ابني اكبر من ان تؤثر فيه حادثة بسيطة... هي تجربة مفيدة لكنها في غير وقتها اخرجتك عن طهرك واوقعتك في انفعالات قبل الأوان، ولكنها علمتك معادن بعض الناس وكيف يجب ان نتعامل معهم بالحذر لكن بلا حقد عليهم، لان لهم ظروفهم الخاصة.. بالمناسبة هل تعلم ماذا قالت مربيتك في التحقيق:

وقبل ان ارد عليه قال: قالت: وحدي اتحمل مسؤولية كل ما وقع..انا من أغريته وشجعته، لماضبطني مع الطبيب كنت أخاف ان يبلغ عني..

وبدل ان افجر الحدث تكتمت عليه وأغريت صبيا بما لا يستحق..

قلت: ماعاد يهمني أمرها ولن انام بعد اليوم الا وحدي..

ضحك وقال: يابني !!.. الانسان الحقيقي هو من يشعل شمعة، يخرج بها في يده والجو عاصف، فيحتاط من ان تطفئها الرياح..اين قوة العزيمة اذا عالجناها بالهروب؟

ادركت ماذا كان يرمي اليه.. كان يريد مني ان اصير رجلا بعقل وعزيمة لا امعة اميل حيث الريح تميل.....

بعد نهاية العطلة كنت انسانا آخر، انسانا هو ما اجده اليوم في شخصيتي وقراراتي، في تعاملاتي مع غيري..

بعد ربع قرن مرت على الحادثة، التقيت بمربيتي خلال هذه المدة مرتين، مرة حين أتت تودعنا بعد ان قررت العودة الى وطنها، وقد احسست نحوها ببعض من نفور اما في الثانية فقد صادفتها حين انتقلت لأتابع دراستي في فرنسا كانت كاي امراة قد رسمت السنوات اثر الضنى والتعب على وجهها، وفي عيونها الزرقاء التي صار يتخللها نوع من الضبابية، حتى سمرتها قد تحولت الى لون قمحي باهت وتوزعت على جبهتها بقع بيضاء، كانت تجتهد في تغطيتها بمساحيق وادوية..

***

محمد الدرقاوي

لملمْ نجومَ الليلِ في كيسٍ يُخبّأُ لا يُرى

والبدر أيضاً هاتهِ، وحذارِ أن تتأخرا

واجلبْ لنا كيسًا قديمًا باليًا مُغبّرا

فإذا أتتْنا الشمسُ تنثرُ شعرَها فوق السماءْ

قيّدتُها في الكيس ثمّ رميتُها في بئرِ ماءْ

وأعدتُ قنديلَ السّما لمكانِهِ مُستبشِرا

وجعلتُهُ ملكَ الليالي الساحر المُتكبرا

مِن ثَمَّ أطلقتُ النجوم كنهرِ دُرٍّ قد جرى

لأطيلَ عمرَ الليل كي نبقى معًا كي نسهرا

***

شعر: إسراء فرحان - سورية

من كتاب : قمر الزمان

نحنُ الآنَ

وأَعني : أَنتِ وأَنا

أَصبَحْنا خارجَ الزنازين

والأَقبيةِ والكهوفِ

وأٌقفاصِ البلادِ القاسية

التي كُنّا خوفاً نُسَمّيها

" و

ط

ن "

لأننا محشورونَ فيهِ مُضطرينَ

حيثُ لا ماء لا خبز

لا كرامة لا كهرباء

لا شمس نظيفة لا حرّية

لا عافية ولا أَية نوافذ أملٍ وخلاص

ولهذا أُضْطررنا للهروب

الى منافي الله الرحيمة

أَكثرَ من هذا الديناصور

الطاعنِ في القسوةِ والوحشةِ

والذي سهواً نُسَمّيهِ : الوووو

طنننننننننننننننننننننننننننننننننْ

-عفواً ...

رقمُ الوطنِ المطلوب

خارج الخدمةِ الآنَ

ويُمكنكم إعادةَ طَلَبِهِ ثانيةً

بلا سهوٍ ولا وهمٍ

ولالالالالالا خونةٌ

ولا عملاءٍ سفلة

ولا طغاةٍ قتَلَةْ

ولا تجّارِ وطنٍ

معروضٍ للبيعِ

في سوقِ " الخردةِ "

والاوطانِ المُستعملة

***

سعد جاسم 

في بَهوِ الْمحكمةِ الأخرص الْمُهاب

مئاتُ الرؤوسِ التّائهة

تَرتقبُ في قلقٍ واٌضطراب

صُدورَ آخرِ الأحْكام

محكمة!

جلوسْ

سكوتْ

نظامْ !!

على يميني اُنتصبتْ مِلفّاتٌ

تهم ٌ... قضايا ...أحكامْ

كقنابلَ موقوتةٍ

كعمودَ ألغامْ

وعلى يَساري مُقرِّرٌ وسِجِلّ وأقلامْ

وأمامي، في قفصِ الإتهّام

يَمْثلُ رأسي....

غائرَ العينينْ

مُكبّلَ اليديْنْ

لا امتناع لا اضطراب ولا استفهامْ

بيني وبين رأسي المتّهمِ

حاجزٌ قويُّ البنيانْ

سوٌر.. لا بل مدخُل قضبانْ

وثلاثة ُامتارٍ...مِسافةُ أمانْ

- أنت موقوفٌ بتهمةِ الْعِصْيانْ!!

أجبْ .

فأنت مُدانْ !

-- سيدتي القاضية

أنا لا أعلمُ معنى العصيانْ

فهل يستقيم ُجوابٌ

في قضيةٍ مجهولةِ الْقَرائنِ والْبيانْ

- تضليلُ الرّايِ العامّ

الْحشدُ والإعتصامْ

التّحريض على الحكّامْ

والدّعوة لإسقاط النّظامْ

تلك أركانُ تهمةِ العصيانْ

فلا مفرّ لك منَ الإعدام ْ!!3124 زهرة الحواشي

* التهمة الأولى تَضليلُ الرّأيِ الْعامّ

- تقولُ الحكومةُ عبرَ الإعلام:

الوطنُ هزيلٌ منهكُ الأوْصالْ

والثرواتُ في اضْْمحلالْ

ومنَ الوطنيةِ مزيدُ التّقشّفِ

ومضاعفةُ الجباية ِو الطّاعةُ والإمتثالْ

فكيفَ تَتهِمُ الْحكومةَ بالْكذبِ والبُهتانْ !!

- سيدتي القاضية

أتمسّكُ بِرأيي وبكلِّ الأقوالْ

فَوطني أكرمُ الأوطانْ

وأرضي طِيبَة وسخاءٌ وحنوّ وحنانْ

قمحٌ وزيتونٌ تمورٌ وبُقولٌ

وجنانُ كرومٍ وبرتقالْ

ومعادنُ خالصةٌ حديدٌ وبِلّورٌ ونحاسٌ

وفسفاطٌ ورخامْ

وبحري وخِلجانيِ

دٌررٌ ومَرجانْ

وهذا العالمُ يا سيِّدتي

على خيراتِ أرضي شاهدٌ عِيانْ

وليِ على كلِّ حرفٍ دليلُ وبرهانْ

وأنت يا سيدتي الفاضِلة

قد أدّيت القسم َو الإيمانْ

وليس لي غيرُ ضميرك ضمانْ

وشرفُك ووقارُك للإحتكامْ

فمن منّا الصّادق

فَمن المدانْ؟

.

.

* التهمة الثانية: الْحشْدُ والإعتصامْ

دعوتَ إلى الٌتجمْهرِ واٌحتلالِ الشارعِ والإعتصامْ

-- سيدتي القاضية

أتمسّكُ بأقوالي

وإن عدتُ إلى الشّارعِ فسأكرّرُ أفعاليِ

فالشّارعُ يا سيّدتي منزليِ

مكانُ عملي إذ لا عملَ لي

مأوايَ وملجإي

أنا المفقّرُ المعطّلُ

أنا المفروزُ المكبّلُ

لا سكنَ لي ولا زيجةَ ولا أطفالْ

لا جوازَ سفرٍ ولا تأشيرةَ ولاعنوانْ

ليس لي غيرُ شارعيِ حيثُ أكونُ مكانْ

ولا غيرُ شارعي ورفقتي موطئَ أقدامْ

والعجبُ كلُّ.العجبِ

أن يختلفَ المقامْ

فأنا على الشّارع مرغمٌ إرغامْ

وأما الحشدُ يا سيدتي

فطبيعةُ الأمورِ أن تتقاربَ الأمثالْ

فالمهمّشُ للمهمّشِ حبيبْ

والمفقّرُ من المفقّرِ قريبْ

والمعطّلُ مع المعطّلِ معتصمٌ مجيبْ

نطالبُ بالشغلِ من أجل كرامتنِا فما الغريبْ

أليست هذه أبسطُ حقوقِ الإنسان !!

فهل مطلبي يا سيدتي جريمةٌ حتّى أدانْ !!.

.

.

* التّهمةُ الثالثة:

- التّحريضُ على الحكّامْ

فهل لك في هذا كلامْ؟

- سيدتي القاضية

في فقهِ التحريضِ جانبانْ

وأنت عارفةُ العرفانْ

أوّلهما مادّي ،،أكتوسْ ريّوسْ،،

أي التّأثيرُ . وأدواتُهُ

استعمالُ سلطة ٍ

أو إهداءُ هديّةٍ

أو تنفيذُ تهديدٍ

أو ابتكارُ حيلةٍ

أو إرسالُ عملةٍ وأموالْ

فهل تَرَيْنَني قادرا على هذه الأفعالْ

وأمّا المعنويُّ يا صاحبةَ الميزانْ

ال،، مانْس رِيَا،، أي العزمُ على تحقيقِ الجريمة

فاُسْمحي لي جنابَكِ بسؤالْ:

منْ قتّل أصدقائي عُزّلاً برصاصِ الْغدرِ والْعدوانْ

منْ شرّدَ أصحابي إلى أهوالِ البحارِ وجشعِ الرّبانْ

منْ أباح دمي في كهوفِ الدّاخلية ِ

ووراءَ القُضبانْ

كمْ تفنّنَ الْجلّادونَ في تعْذيبي

كم اٌنتزعوا إنسانيةَ رفاقي وأنكرُوا مفاهيمَ الإنسانْ

فهل سمعتِ يا قاضيةَ الأحكامْ

عن قلعِ الأظافرِ..

وعنْ وضعِ،، الدّجاج الْمصْليِّ.،،

وكرسيِّ الكهرباءْ

وإطفاءِ السّجائرِ فوق جلديِ

ورائحةِ الشّيّ والدّخانْ!!!

ذلك الْعزمُ أي الْ،،مانس ريا،،

على تحقيقِ الجريمةِ ليسَ عَزمي

بلْ هو عزمُ الحكّامْ

فهم أصحابُ التّشريعِ

والتّطويعِ والتّنفيذِ

والسَّجنِ والتّسخيرِ والتّسريحِ

والأوامرِ والإلزامْ

وهذا ما قرّروه في شأني

فهل حرّضَ على تحقيقِ مأساتي

غيرُ الحكّامْ !!!

فيا قاضيةَ الميزانْ

منِ الضّحيةُ ومنِ الٌمدانْ !!!

.

.

* التّهمةُ الموالية: الدّعوة لإسقاط النّظام

بلْ هو ،،الشّعبُ يريدُ. إسقاطَ النّظام ْ،،

شعارُ الأحرارْ

أيقونة ُملايين الثّوّارْ

ضدّ أنظمةِ العهرِ والإستهتارْ

وإنْ ساقني جلّادي إلى آخر قرارْ

فَسيظلُّ مطلبيِ

تاجًا على هامتي

تُردّده جماهيرُ الأحرارْ

حاملةً نَعشي:،،الٌشعْب يريد إسقاط النّظام،،

وينقشُه الرِّفاقُ على وجهِ قبري

فوق صفحاتِ الرّخامْ !!

فهل بعد قرارِ الشُّعوبِ

لهذا الوباءِ حقّ الإستمرار !!

وأنا يا قاضيةَ الأحْكامِ

قبل صدورِ الْحكم ِ

وبعدَ تنفيذِ الإعدامْ

متمسّكٌ بتجريمِ الحكّامْ

وبإسقاطِ النّظامْ !

ــ حَضرةَ النّائبِ الْعامّْ

نحنُ قاضيةُ القضاةِ والأحكامْ

حَكمناَ وأمْضينا وقد تأكدْنا

من تلفيقِ القضايا وكيدِ الإتّهام ْ:

بإسقاطِ حكمِ الإعدامْ !!

وعدمِ سماعِ الدّعوى !!

وإطلاقِ سراحِ المتّهمْ في الحالْ !!

ـــــ  يَحيا العدل !!!! ويسْقط النظام !!!

***

الشاعرة التونسية زهرة الحواشي

من كتاب رأسي في قفص الإتهام .

عدت بعد ثلاثين يوماً أجمع فتات حلم وكلمات....

عدت أقف على حافة الحرف الذي كان عصي على الكتابة....

كنت حينها أستظل بالشمس وعلى إستعداد لفصل الحرائق عندما كان البرد يمد ظله وتلك القطرات الممطرة تصفعنا على وجوهنا...

بعد ثلاثين يوماً خرجت من صومعتي وفتحت نوافذ قلمي وبسطت أوراقي على شرفاتي..

جئت مؤثثة بالصمت لا بالحديث كنت كحبل متدلى في زاوية الحياة كأنني أفرغ حقائب فكري ونبضي من إزدواجية التفكير وثقل النبضات...

بعد ذاك الإعتكاف الكتابي أشعر اليوم بذاك الهبوط السريع الذي يشدني إلى الأسفل وكأنني سوف ارتطم بالفراغ...

أشعر بضجر مخيف فوق أطراف أصابعي وكأن الأبجدية أخذت بالإنحصار في داخلي...

هل تعلم المدى الذي أرغب فيه بالكتابة وبأن تتكاثر الكلمات التي تولد مع أول صرير قلم وبأن تضج العناوين عند بابي مشرعة الفرح الطافي من النبضات كتلك التي تشبه إمتلاء الأرض بالمطر...

أود أن أنتشل بعضي من بعضي  ومن تلك الحشائش اللغوية التي إلتصقت بها عندما كنت أسير بجانب الحبر الممزوج بالدمع...

أود أن أنتفظ من ضجري الذي قيدني كطائر محبوس في عش علوي لا يقوى على الخروج...

من هشاشة نبض أتعثر به عند مفترق سطر..

***

مريم الشكيلية - سلطنة عُمان...

وجد مدخل مركز الشرطة الذي يجري فيه التحقيق عن مقتل رجل مهم على فراشه مكتظا بالصحفيين والمصورين والمخبرين مما صعب وصوله إلى حيث يجتمع المحققين فسلم عليهم وقبل أن يسأله أحدهم عن سبب دخوله أخبرهم أن لديه معلومات عن القاتل فتركوا كل مايشغلهم ورفعوا أنظارهم المفتوحة باستغراب نحوه وتفحصوه إذ لم يظهر عليه خوف أو اضطراب أو تردد ودعاه كبيرهم إلى الجلوس أمامه وسأله من دون أن يأمر أحد معاونيه بفتح محضر ..

. ماذا تعرف عن الجريمة وما علاقتك بالمغدور؟

. انا القاتل والمقتول رفيق سلاح سابق وزميل عمل

. امجنون انت؟ وهل سمعت بقاتل جاء ليعترف بارتكاب جريمة قتل من دون ضغوط؟

. نعم انا بكامل قواي العقلية وارادتي

هنا التفت كبير المحققين وطلب فتح محضر التحقيق وإحضار شرطي مسلح للوقوف خلف المتهم ومراقبته

. امر كبير المحققين المدون بكتابة كل حرف وكل كلمة يلفظها المتهم وطلب من الشرطي المختص تشديد حراسته وسأل المتهم ..

. هل ترغب بحضور محامي عنك يحضر التحقيق فهز المتهم رأسه بالنفي

. لماذا قتلته مادام كان رفيق سلاح وزميل عمل؟

. في زمن النظام السابق رفضنا الانخراط في صفوف الجيش والمشاركة بأحد الحروب العبثية للنظام ونفذنا خطة بالهروب إلى الشمال ومن هناك حاربنا مع بعض الفصائل السياسية ضد النظام لكن بعد فترة عبرنا إلى إحدى دول الجوار وشاركنا من هناك أيضا بالحرب ضد النظام وعندما حانت الفرصة غادرنا البلد الجار إلى بلد آخر بعيد وتشاركنا الغربة والزاد والسكن حتى عرفنا كاخوين وبعد أن تعلمنا لغة أهل ذلك البلد ومهنة نعتاش عليها وحصلنا على الإقامة وجنسية ذلك البلد كنا نلتقي أهلنا في بلد مجاور في فترات متباعدة وفي إحدى الزيارات أخبرت امي برغبتي بالزواج من إحدى بنات منطقتنا القديمة ووعدتني خيرا وقبل نهاية الألفية الثانية بأشهر وصلتني رسالة من امي تطلب فيها وصولي إلى بلد الزيارة خلال شهر فاخبرت رفيقي وصديقي بالأمر ووعدني بالذهاب معي لكن قبل الزيارة تعرض إلى عارض صحي فتخلف ولما وصلت وجدت امي وامرأة أخرى بعمرها وشابة جميلة معها ورجل مسن وبعد عدة أيام اتممنا فيها كل شيء وعقدت قراني على تلك البنت واتممت تصديقه في سفارة البلد الذي أقيم فيه وسفارة بلدي الام ثم ودعتهم عائدين للوطن وعدت انا إلى بلد المهجر بعد يومين ، وهناك رحب بي صديقي وهناني وسألني عن صفات واوصاف العروس كثيرا ثم اطلعته على صوري معها فابتهج فرحا وأخبرني أنها أصغر بنات خالته ففرحت بهذا الخبر إذ أصبحنا أقرباء واصهار وتمنى لي كل السعادة بعد ذكر أهل العروس بكل الصفات الحميدة

. قال كبير المحققين..

انت جئت هنا لتعترف على ارتكاب جريمة قتل أو لقراءة سيرة حياتك ونضالك ضد النظام السابق؟

. كلها مرتبطة ببعضها وأن كنت غير راغب بسماعها فاكتب في محضر التحقيق اعترافي بالقتل من دون لماذا وكيف ومتى واودعني السجن أو اعرضني على القاضي؟

. يبدو أنك غير مبالي بخطورة ماقمت به من جرم ولا يهمك المغدور بقدر اهتمامك برواية قصة حياتك في المهجر وفي الوطن؟

. هنا حدثت جلبة وأخبر أحد الحراس كبير المحققين بوصول قاضي التحقيق لسماع أقوال المتهم شخصيا والإشراف على تدوينها في محضر التحقيق .

. وسع له كبير المحققين مجلسا بجانبه وأصبح المتهم بمواجهة الاثنين معا وبعد مجاملات وظيفية وضيافة بسيطة دخل القاضي معترك التحقيق وطلب الاطلاع على ما دون في المحضر ولما اكمل القراءة التفت إلى المتهم وقال بطريقة مريحة غير متشجنة .. نعم اكمل استاذ

فتوسعتا عيني كبير المحققين لما سمع القاضي يخاطب المتهم بلطف وكلمة (استاذ) وخمن في نفسه أن المتهم ذا شأن عالي وأن قاضي التحقيق لم يأتي من تلقاء نفسه إنما كلف بمتابعة التحقيق مباشرة من دوائر عليا لذا قرر ان يحني رأسه للعاصفة ولا يختلف معه أو يسيء للمتهم بمنطق أو سلوك بوليسي ثم ابتسم للقاضي وأشار بيمناه للمتهم بالتفضل ..

. استئنف المتهم ..

بعد سنة أكملت مراسم زواجي وأوراق (جمع الشمل) والتحقت بي زوجتي وسكنت معها في بيت خاص بنا وكان صديقي الذي هو قريب زوجتي ضيفنا الدائم حتى بدون مواعيد وتعاملنا معه كاخ لكلينا وهكذا سارت ايامنا حتى سقط النظام السابق وعدنا للوطن فمنحنا المسؤولين الجدد حقوقنا (الجهادية) وعوضونا عن ما لحق بنا ونسبنا إلى وظائف مهمة وحصل كل منا على بيت كبير لكن في منطقتين متباعدتين وأصاب علاقتنا بعض الفتور حتى جمعتنا ظروف الوظيفة في دائرة واحدة هو مديرها وانا نائبه من هنا بدأت الخلافات بيني وبينه من جهة بحكم سلوك كل منا في العمل وبيني وبين زوجتي من جهة أخرى بعدما كانت زوجتي تلاحظ الثراء الذي هو فيه والنعمة التي تدفقت انهارا من بيوت وعقارات ومزارع وسيارات مع انه لم يتزوج حتى تلك اللحظة مما اضطرني بسبب الخلاف أن أنقل خدماتي إلى دائرة أخرى ومن ثم الانفصال عن زوجتي حسب طلبها رغم أن لي منها ولد وبنت يحملان جنسية البلد البعيد ويقيمان فيه وبعد مرور سنة عرفت انه اقترن بطليقتي فعديته جاحدا ناكرا للاخوة التي بيننا وقررت قتله متى ماسنحت الفرصة مهما كلف الأمر وعندما سنحت الفرصة كتبت له رسالة ذكرت فيها اني قاتله خلال الليالي الثلاثة المقبلة ورميتها من تحت باب السياج ومضيت وعندما حانت الفرصة دخلت عليه في غرفته بعد انتصاف الليل وضربته طلقة واحدة وخرجت من دون أن أرى أحدا أو يراني

هنا قال قاضي التحقيق لكن في راس الضحية اطلاقتان

قال المتهم هذا سلاحي ويمكن فحصه

طلب منه قاضي التحقيق التوقيع على المحضر

بعدها وقع كبير المحققين والقاضي الذي أمر بالآتي

(يودع التوقيف على ذمة التحقيق لحين ورود تقرير الطب الشرعي)

. كان كبير المحققين يخطط للإيقاع بالمتهم من أقصر الطرق لكن ظهور قاضي التحقيق وتسيده المشهد دفع به إلى استبدال الغريم فقرر تتبع سقطات القاضي خصوصا أن هناك خفايا قد تحتاج إلى عقل بشري متمرس غير القرائن الشرعية فقام بالخطوة الأولى وهي ارسال أداة الجريمة (مسدس) المتهم إلى الطب العدلي لتحديد عدد المقذوفات  منه بعدها تصرف بشكل سري وحصل على ماصورته كاميرات المراقبة ولم يطلع قاضي التحقيق عليها .

. استلم قاضي التحقيق تقرير الطب العدلي الذي كان بضع كلمات (أطلقت على الضحية رصاصتان عيار ٩ ملم الأولى على بعد متران و ٧٠ سم من الإمام من جهة اليسار وأحدثت

جرحا في الفك السفلي وتحت الاذن والثانية عن بعد (١٥) سم وخرجت من مكان إصابة الطلقة الأولى وكان المدة الزمنية بين الاطلاقتين لا تتعدى الثلاثة ثواني .

. استدعى كبير المحققين زوجة القتيل ووجه لها تهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد لكنه عجز عن إثباتها بعد أن عرف منها أنها سجلت افادتها ومكان تواجدها لحظة الحادث إضافة لعثورها على رسالة التهديد التي أخبرت عنها القاضي ثم سألها.. بمن تشكين في قضية مقتل زوجتك؟

. فأخبرته أن الحكم يصدر بناء على قرائن وليس شكوك خصوصا وأن الكهرباء في ليلة الحادث كانت معطوبة من المصدر

. تم إكمال الأوراق التحقيقية وفق الطريقة التي رغب بها قاضي التحقيق في سير التحقيق وقدمت إلى محكمة الجنايات التي لم تجرم المتهم الأول واعتبرت أن المتوفي مات منتحرا قبل إطلاق النار عليه من المتهم بقرابة الثلاثة ثواني وحكم بجنحة إطلاق النار على جثة بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ .

لكن كبير المحققين لازال مقتنعا أن القاتل هو الزوجة وأن ماتم هو تصفية حسابات وقرارات المحكمة جاءت بناء على ذلك .

***

راضي المترفي

الجزء الثاني من: رواية: مناوشات عاطفية

بعد كل حوادث السقوط تعاملت ولأول مرة مع مثل هذه المواقف بنوع من الكوميديا والاستهزاء وبدأت أحكي ماحصل لي في تلك الليلة المعتمة لصديقاتي ومعلماتي بالمدرسة كأحد مظاهر الفخر والإعتزاز بأنني وبالرغم من كل ما تعرضت له من مآسي مازلت متمسكة بمواقفي، كنت أشعر بالرضا بالمدح والإطراء على ثباتي وجهادي في مثل هذه الأيام ووسط جيلي الفاسد..

كنت أرى أن الإهتمام بمظهري الأنثوي وبأناقتي هي أحد مظاهر الفسوق والإنسياق خلف خطوات الشيطان خاصة وأن خطوط الموضة لم تكن تناسب قناعاتي لذلك كان لابد لي من إبتكار خط موضة حسب معاييري الخاصة والتي كانت كارثية بطبيعة الحال (بلوزة بأكمام طويلة تحت فساتين السهرة "السواريه" تنانير قصيرة فوق بناطيل الجينز، تسريحة شعر مستوحاة من العصرالفكتوري ) وأشياء من هذا القبيل..

كنت مثار سخرية كبير ليس فقط على مستوى العائلة إنما لمعارف العائلة ، فقد كان علي التصدي لكل ذلك التنمر والتعنيف على جميع الأصعدة وتحمل المقارنات المستمرة بيني وبين البنات اللواتي في نفس عمري بحضورهن ووسط محاولات أخواتي وقريباتي بإصلاح مايمكن إصلاحه من مظهري العام وعنادي وعنف ردود أفعالي،توصل الجميع لإتفاق صامت على عدم ابداء تعليقات سلبية لانه لم يكن هناك أي إحتمال تعليق إيجابي.

لم تتوقف الكوارث عند ذلك وحسب بل إمتدت إلى الإنتقاد اللاذع لكل من خالفتني متهمة إياها بالضعف والفساد وقلة التربية وانعدام المسؤولية الأخلاقية والوازع الديني.

قررت والدتي الإحتفال بعيد ميلادي ولأني رفضت بشدة الإحتفال بغير أعياد المسلمين إستبدلته بإحتفال بنجاحي وحصولي على المركز الأول. لعل ذلك الإحتفال يساهم في جلب بعض السلام لروحي.

ولأنني لست مبذرة بطبعي فقد كان إرتداء الملابس القديمة وإعادة تدويرها خياراً مناسباً لي بل أكثر راحة من ناحية نفسية ولم يكن يهمني حالة تلك الثياب سواءً مهترئة كانت، جديدة، أم عصرية.

لبست تنورة سوداء مصنوعة من الجلد قصيرة لمنتصف الفخذ كنت قد إشتريتها في لحظة غفلة أنا وإبنة الجيران والتي كانت زميلة لي بالصف كذلك لكني أضفت إليها بعض الرتوش الخاصة، لبست تحتها بنطال من الجينز الأزرق الفاتح واستبدلت القطعة العلوية العارية بقميص رسمي أبيض واسع أغلقت أزراره من الرقبة وحتى آخره، فرقت مقدمة شعري من المنتصف وجدلت أطرافه وخرحت من الغرفة.

رأتني والدتي قالت: "يابنتي على الأقل إفردي شعرك، رتبيه ..."

لم أتركها تكمل الجملة، رددت بكل حزم "ماما لو سمحتي أنا حرة"..

رن الجرس وفتحت أختي الباب لإستقبال صديقاتي

دخلن وبيد كل منهن هدية، وفي أثناء إنشغالي بالسلام على مروى وأختها مروج إلتفت إلى اليمين وإذ بأختي تعلق عباءة هنادي وهذه المعصية الكبرى متجسدة أمامي.

كانت ترتدي نفس التنورة التي إشتريناها معاً مع فارق بسيط وهو أنها لبست الطقم كاملاً بدون إضافتي الإبداعية التنورة البنّية القصيرة والبلوزة عارية الظهر الذي كان يغطيه شعرها النحاسي الغجري، كعب عالي وعدسات عسلية ومكياج برونزي.

أقبلت علي بكل رقة وباركت لي واعطتني هدية مغلفة بالبالونات والشرائط الذهبية المميزة جداً عن كل الهدايا الأخرى ضيفتهن في صالة الضيوف، تلك الغرفة في شقتنا الصغيرة والتي أحببتها كثيراً يتوسطها كرسي خشبي يتسع لثلاث أشخاص وعلى اليسار كرسي مفرد آخر وكرسي خشبي هزاز على اليمين، منجدة بقماش يحمل نقوشاً برتقالية وبنية لأوراق الخريف المتساقطة، وفي منتصف الجدار لوحة زيتية كبيرة رسمها والدي لمنظر سفينة راسية على الشاطيء في وقت الغروب..

تلك الغرفة كانت تشع دفئاً طوال العام حتى في صقيع تلك المدينة الجبلية.

جلست هنادي على الكرسي الخشبي الهزاز أمامي، أثار مظهرها الفاسق إستفزازي لكنه إنطبع بذاكرتي طويلاً، فقد بدت بتلك اللحظة وكأنها التحفة الناقصة في الغرفة التي يكتمل بها الجمال.

كان حديثنا منصب حول المدرسة والمعلمات والمقالب وبعض الشائعات وفجأة قطعت الحوار قائلة : "بنات مللنا من قصص المعلمات لتحكي كل واحدة منا عن قصة حبها أو من يعجبها مثلاً حب من طرف واحد"

إحمر وجهي خجلاً رددت عليها :"ليس هناك من داعٍ لمثل هذا الكلام الآن مازلنا صغاراً"

قالت: " معقول أن لا أحد علق بقلبك؟ معقول لم تعجبي بأي شخص؟ لا أصدق إما أنك تكذبين أو تملكين قلباً متصحراً"

ثم توقفت عن متابعة الكلام حينما رأت أن مزاجي بدأ يزداد حده وتدخلت مروى "لحل النزاع"

في تلك الأثناء دخلت والدتي تطلب منا الذهاب لغرفة الطعام لإطفاء الشموع وتناول العشاء وبالرغم من إستمتاع صديقاتي إلا أن كلام هنادي كان يجُرّني لشيء مجهول ويعصف بأفكاري وبكل قسوة : معقول أن قلبي معطوب لدرجة أنه غير صالح للحب؟! لماذا؟! ولماذا لم تخجل أبداً من التصريح بإعجابها بإبن خالتها؟!

كنت كلما حاولت البحث عن إجابة لا يحضر تفكيري سوى صورة أحد أبناء الجيران ودفء ذكريات حب الطفولة البعيد، شعرت بلهيب غريب في صدري شعور يشبه أن أمد يدي مقابل شمعة أشعر بحرارتها في منتصف كفي من بعيد، إن إقتربت حرقت يدي.

أشعلت أختي الكبرى الشموع على الكعكة ومددت يدي حينها لأختبر ذلك الإحساس الذي صنعته بخيالي ..

كنت غارقة باللذة والتأنيب والإستحقار بذات الوقت وبدأن البنات بالغناء لي بأغنية عبدالحليم حافظ بحكم انني رفضت تشغيل المسجل..

قلت: رجاءً الغناء والتصفيق حرام نكتفي بالمباركة"

قالت هنادي: " طيب اذا أطفأنا الشموع نصفق؟ أم نقول الله اكبر.." ضحك الجميع من التعليق هذا ضحك هستيري، لم أكن أعلم لماذا كانت تصر هذه البنت على إستفزازي وكأن القدر وضعها بطريقي لغربلة معتقداتي وزعزعة تطرفي وكأنها صحوة التحول في حياتي.

ثم ومع مرور الوقت بدأت أشعر بالإكتئاب، أقف أمام المرآة وأنظر إلى كل مظهري بإستياء، كنت أدرك أن معهم حق لكن الأخذ بنصائحهم بمثابة الضعف بالنسبة لي ولم يعد مخزون الثناء الذي أتلقاه من معلمات الدين في المدرسة كافي لإخراجي من براثن اليأس..

نزلنا إلى جدة بزيارة لمنزل عمي.. هناك وبالغلط رآني ولد عمي، صحت بوجهه لعدم ازاحة نظره عني فقال:

"اعتقد انك فعلا جميله واجهل لماذا تشوهين نفسك"

نزلت كلماته علي مثل الصاعقة، فهذه المرة الأولى التي أسمع بها هذه العبارة.

***

لمى ابوالنجا - السعودية

خسر الفرس الرهان

*

تلفع الليل بالمصابيح

*

شاخ الصباح مبكرا

*

ذبلت كرمة الباب

*

ننتظر حربا نربحها

*

هربت أسرار الصدور

*

حيوانات أليفة توحشت

*

خاوية صفائح الأزبال

*

هجرت الديوك الفجر

*

سرقتنا أحلام النهار

*

بُحَّ صوت القطار

*

سُرِقَت ساعة المئذنة

*

التقى عرس وجنازة

*

أجّل الجنرال جنازته

*

خطف البوم نظّارتي

*

تراشقت الأبصار الهلال

*

هاجرت نساء مدينتا

*

توسّعت مقبرة المدينة.

***

د. قصي الشيخ عسكر

ألا يكفيكِ!! فُكّي في الهوى قيدي

أنا المصلوبُ بينَ النّهدِ والنّهدِ

*

ألا يكفيكِ؟ ماذا بعدُ يا عمري؟

فما أبقيتِ إلّا الجرحَ في البُعدِ

*

أنا المذبوحُ في صدري مساميرٌ

وأنتِ النّارُ، زيدي النّارَ واشتدّي

*

مَشَيتُ الوعدَ يُدمي الشّوكُ أشواقي

مَشيْتُ الوعدَ يشكو هَجْرَكُم وَعدي

*

أنا شكوايَ يا عُمري قناديلٌ

تُضيء البردَ علّي أتّقي بَردي

*

هجرْتِ القلبَ في ليلِ الهوى.. رِفقًا

فأصلُ الوَجدِ، كلُّ الوَجدِ مِن وجدي

*

وظلَّ الهجرُ يكوي القلبَ يُشقيهِ

فكوني فيه نارَ الوصلِ وامتدّي

*

تَرَكتِ الجرحَ في قلبي فأعياني

وكُنتِ النّورَ تَسقي شمسُهُ وردي

*

أنا في النّاسِ.. بينَ النّاسِ.. لكنّي

إذا ما غِبتِ فيهم بَينهم وحدي

*

فكم حاوَلْتُ أُخفي الشّوقَ في صدري

وكم حاولتُ لكن ليتَ ذا يُجدي

*

جعلتُ الحبَّ سلطاني وميداني

وعنه اليومَ جئتِيني لِترتدّي

*

ألا يكفي؟ أنا لا ليس يكفيني

فخلّي الحبَّ أُعطي فيه ما عندي

*

سأبقى العمرَ، كلَّ العمرِ أهواكِ

فمن يهوى كما أهواكِ مِن بَعدي؟

***

د. نسيم عاطف الأسديّ

لكنْ من يستجوبُ وطناً..؟!

مَنْ يجرؤُ أن يفعل ذلك..؟

منْ يستجوبُ وطناً كَمنْ يستجوبُ سيفاً في لحظة انفصال الجسد.

كلنا هنا، والوطنُ بعيدٌ..

هل يمكن أن تكون فجأةً بلا وطن..؟!

بحرٌ وبحرٌ وتوابيتُ للموتى، وصناديقُ سوداء أيضاً، كيف يفكّر البحرُ؟

فلا أحدَ يعلمُ كيف يفكّر البحرُ!

أنا التي قطعتُ كلَّ تلك الأميالِ، هل أحاكم البحرَ، أم هو من يحاكمني؟

لكنّي لم أمتْ، وذلك القاربُ المطاطيُّ الذي حملَ العشراتِ وصلَ إلى الشاطئ.

كان الموجُ يرتفعُ، وكنا نبتعدُ عن المياه الدولية ونقتربُ من المياه الإقليميةِ، وكلَما

قال أحدٌ - حتى لو كذبة- إنَّنا اقتربنا من المياه الإقليمية كان قلبي يرفرفُ مثل طائر،

لكن كل أطرافي منقبضة ومتشنجة من الخوف والتوتر، فأنا إما أن أعيش أو أموت،

فَقَبْلَ رحلتي هذه غرق قاربان، أحدهما خشبي والآخر مطاطي..

كنت أحاول أن أهرب من فكرة الموت إلى فكرةِ الحياةِ بقفزةٍ نوعية مباشرة، لكنَّ

فكرةَ الموتِ تتصارعُ مع فكرة الحياة..

امرأةٌ مع ستة من أطفالها تجلسُ جواري..

كنا ننحشرُ بطريقة غريبة؟ حتى أن قدمي تخدَّرتْ ونمَّلتْ ولم أعد أشعر بها، وكذلك

لم أستطع أن أحرّكها، ففوقها أكوامٌ بشريةٌ من أطفالٍ صغار لعلهم كانوا نائمين، فلم

أستطع أن أحركها أبداً خشية أن يستيقظوا، فينشغلوا بفكرة الموت مثلي..

فلا شيء يشبه الموت في استبعادِهِ كفكرةٍ حالية..

لا شيءَ يشبهُهُ..

الموسم الأول.."ربما وطن"

غداً يصبحُ هذا المكانُ ذكرى، وسأغادره عائداً إليك أنتِ.

أنتِ التي طالما انتظرتِ، كما انتظرتُ أنا..

كنتِ تقولين أسئلتي غريبة جداً..

هذا لأنكِ غريبة، أحياناً، في بعضِ تصرفاتِك..

كنت تضعين السَّكر في كوب الشَّاي، أو القهوة، ولا تحركينها.

أسألك لماذا؟

تقولين لي، الشاي ساخن جداً، سيذوب السكر من تلقاء نفسه دون تحريك.

حفظتُ عبارتَكِ تلك، ودونتها في أحد فقرات ذلك الفيلم الوثائقي الذي أعددته بتقنياتٍ

بسيطة. فيلمٌ وثائقي اشتغلتُ عليه سنين، يتحدث عن وطني البعيد..

لم أنسَ نكهة شايك "الاستثنائي".

نكهةٌ مغريةٌ مطيَّبة بحَبّ الهال والقرفة..

تفوحُ رائحته، فتملأ المكان دفئاً وحميمية، فيقتربُ الوطنُ الذي ظننتُ قبل قليل أنّه

بعيدٌ جداً..

رائحة الشاي والهال، وعروق القرفة، جعلته قريباً في لحظات..

ثم ما لبث أن ابتعد مثل طيف الحبيب..

قلتُ لكِ في آخرِ رسالةٍ كتبْتُها لكِ من خارجِ الوطن..

لم أتركْ عنواني، خشيت مجيئكِ إليَّ وأنا قررتُ مسبقاً أن أهجرَ هذا المكان، فأنا لا

أديم البقاء في المكان الذي أكاتبكِ منه.. لا أريدك أن تتعبي في البحث عن رجل بلا

هوية. وربما بلا وطن..

**

الموسم الثاني..

"كلُّ العصافيرِ هربَتْ من يدي إلا..."

لم تردي على رسالتي السابقة...

سأعذركِ، فالحواجزُ كثيرةٌ على الطرقاتِ، وبين كلّ حاجزٍ وحاجز هناك وطنٌ

ترعاه الصدفةُ فقط. لم يعد ساعي البريدُ أميناً هذه الأيام...

أو ربّما ماتَ على الطريق، فالرَّصاصُ هناكَ أكثرُ من همومِ أصحابه.

قرَّرْتُ من هذه اللحظة - التي كنتُ فيها في مكان لم أحدده بعد- ألا أكتبَ لك..

فلا أريدُ أن أثيرَ حزنَكِ الذي كفَّ عن التطور..

أعتقدُ أنّك ستفهمين صمتي..

صمتي هو خوفي عليكِ، وليس هناك سببٌ آخر..

**

موسم ثالث..

أزمةُ جراحٍ..

كيفَ أفسّرُ لك غيابي ثلاث سنوات..؟!

كيف أفسّرُ لك عدم عثورك عليَّ؟

كيفَ أكافِئُ انتظارَكِ..؟

لعلَّ الحلمَ الذي كنتُ بصدد تكوينِهِ، ثم تحقيقه يأتي برفقتكِ..

المشكلة ليس بعدد الخيبات، بل بقدر ما تكون الخيبةُ أكبر من الأخرى..

قد أقول لك كبرتُ أكثر مما يجب:

"أخذَتِ الهموم من شبابي وعمري"

رويدكِ.. لازلت شابة..

كلُّ هؤلاء الأولاد..!!

أحسسْتُ أنك ستقولين: وكل هذا الوطن..كل هذا الألم..

البارحة سقطت قذيفة بجوارنا.. الشظايا وصلت هذا الجدار.. "أشرت بيدك إليه..

أكلْتُ منه..

بكيتِ.. رأيتُ دموعَكِ.. تابعتُ انبهاري بوقارها..

دخلْنا السنة الرابعة.. كأنّها كانت عقوداً..

لم أفقدِ الأملَ من عودة أب أولادي المفقود. يقولون لي سيعود آخرون، يقولون إنه

ربما لقي حتفه في معتقله، لا أحدَ يدخلُ سجن "صيدنايا" ويخرج حياً...

على الأقل يخرج معطوباً مثل هذا الوطن...

هوّني عليكِ..! إن رأَتْكِ أمي تبكين "راح تزعل هه "...!

قلت: "كل شي ولازعل أمك يابني"..

كفكفت دموعك وقلت:

- هل لازلت تكاتب حبيتك؟

- نسيتُ الأمرَ كلَّه، رسائلي انقطعت.. كذلك رسائلها..

في تلك اللحظاتِ كان أولادُ "أم سليم" يجمعون شظايا تلك القذيفة ويلعبون بها..

**

موسم آخر...

ثلاث سنوات..وأكثر بقليل..

طرقْتُ بابك..تغيَّر البابُ. وتغير المكانُ قليلاً..

وحتى الآن لم تغبْ عني تضاريس المكان.."المكان القديم طبعاً" لأنك لم تبتعدي

كثيراً عنه عندما حملْتُ أغراض رحيلك..

لا أحدَ ينسى بيتَه..

لم تكبري كثيراً، لكنَّ التجاعيدَ نالت من شبابك..

رائحةٌ تفوحُ بالمكانِ..

أغلي الماء على النار كي أغسلَ بعضَ ملابسِ الصبية..

- لِمَ غبْتِ عني كلَّ هذه المدة؟

- كنتُ في الغوطة..

- أيهما..؟

- كلُّه وطني..!

- أعرف، لكن ماذا كنتَ تفعل هناك..؟

ثارني الفضول والألم، فذهبت الى داريا أصوّر فيلماً وثائقياً. بقيت هناك عاماً،

هناكَ درَّسْتُ في أحد المدارس متطوعاً، بعد أن تم فصلي من وزارة التربية.

- كيفَ دخلْتَ وخرجْتَ ووصلْتَ إلينا بعد هذه "الغيبة"؟

- آه.. قصة طويلة لن تصدقي لو رويتُ لك أحداثها..!

"يتبع بعد عرض الفيلم"

***

أسماء شلاش

عِبر آخر ما تبقّى من أثيرٍ

قُبلٌ سافرةٌ

تقصدُ العروقُ الباردةُ

تشتعلُ..

فافتحْ لحياتكَ كأسين وارتجفْ

بما يعيدُ للقلبِ وكره البعيد

كلَّ شيءٍ راقد تحت ظلّي

أعبر الأجساد والبيوت به والموانئ والهجير

أمرّ بالأوهام كقطٍّ أعمى تبذلهُ الشكوك

مُتَّكِئاً على ما يحرسهُ الصباح من خيال

الظلال دروب أخرى للصهيل

تعيرُ أجسادنا خطىً ذابلة

يا حسرة...

أنّا لنا أنْ نفتحَ باب الماء والشمس

بما يوقظ الكلمات والبرتقال عند تُربة خيالنا !

رشقة من هذا الورد على الأعتابِ

يسقطُ بها ظلّي والهلال

يدورُ في مدار الليل

أَسِفاً لهذا الخواء يقول

ويختفي.

***

زياد السامرائي

أُحِبُّكِ وَالْقَلْبُ قَالَ: ابْتِسَامْ

حَبِيبَةُ قَلْبِي كَبَدْرِ التَّمَامْ

*

أَصُونُ هَوَاهَا أُحِبُّ لُمَاهَا

أَنِيقٌ رَشِيقٌ عَلَيْهِ السَّلَامْ

*

عَشِقْتُ هَوَاهَا أَلِفْتُ ضُحَاهَا

وَلَيْسَ عَلَيَّ بِحُبِّي مَلَامْ

*

وَأَحْلَى مَسَاءٍ لِقَلْبِكِ رُوحِي

وَقَلْبُكِ فِي الْعِيدِ بَيْنَ الْأَنَامْ

*

لِأَنَّكِ قَلْبِي وَرُوحِي وَحُبِّي

وَعَقْلِي يَذُوبُ كَقَلْبِ الْحَمَامْ

*

أُحِبُّكِ وَالْعِيدُ يَرْنُو إِلَيْنَا

حَبِيبَيْنِ يَقْتَسِمَانِ الطَّعَامْ

*

أُحِبُّكِ وَالشَّاتُ قَلْبٌ جَمِيلٌ

لِنَأْوِي إِلَيْهِ بِجُنْحِ الظَّلَامْ "

**

شعر د. محسن عبد المعطي محمد - شاعر وروائي مصري 

وماذا بعدُ في عدن ِ؟!

وماذا بعدُ في عدن ِ؟!

*

سؤالٌ حاضــــرٌ يُدْمـي

فؤاد الصَبِّ.. والمُدُن ِ

*

جِرَاح ٌلايُضَمِّدها

دمٌ مأجور في البَدن ِ!

*

غُيومٌ لايُبَدِّدها.

ضباب ٌكــاملُ الدَّخَنِ!

*

وأغوالٌ مُشَــــــــفَّرةٌ

لرعب ٍقابض ِالثمن ِ!

*

فماذا بعد ياهــــــــذا..

وياذاكَ..سوى الإِحَنِ

*

سوى الإفراط والتفريط

في معــــزوفة الزمنِ

*

سوى الأنجاس يَنْشُدهم

عبيدالدرهم العَفِنِ !

*

وطابـــــورالظلاليـــــات

في سِرٍّ.. وفي عَـلَنِ ِ

*

(مصائبنا)..(فوائدهم)

بشتى مذاهب الخَوَنِ !

*

وربك إنهم شـــــرٌّ

على الأوطانِ لايَبِن ِ

*

هنا.. وهناك..فاحْذرهُمْ

دماهم زمرة الوثـن ِ!

*

فمـــــــاذا بعد ياهذا..

وماذا بعد في عدن ِ؟!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

كان ذلك خلال زيارة أقارب لنا في الناصرة، وفدوا من الاردن، بعد حرب الايام الستة. وكنّا كلنا شوقًا لأقاربنا واهلنا هناك، فقد كنّا نعرفهم بالاسم، لكن.. بالشخص.. لم نكن نعرفهم. وقد استغرقتنا بهجة اللقاء، فتهنا فيها.. أنا لي عمّ ولي خال، الحمد لله أننا التقينا بهم أخيرًا وهاهم يفدون إلينا زائرين.. مدّة أيام سنتعرّف خلالها عليهم جيدًا وسوف نبدأ العلاقة من حيث انقطعت لتتواصل أواصرها. جلس الجميع يتبادلون الحديث والذكريات، أما نحن أبناء الجيل الجديد، فقد شرع كلّ منّا في التعرّف على الآخر وكأنما هو يعرفه من قبل.. ألسنا أقرباء؟ ألسنا من قرية واحدة، بات اسمها قريبًا جدًا من القلب لكثرة ما تردّد.. دخل كلّ منّا ضيوفًا ومستضيفين، في خانته الخاصة، فقد احتضنتْ عمّتي أخاها، فيما راحت والدتي تُقدّم واجبات الضيافة وهي تسترق النظرات إلى ابنة عمّي الصبيّة الطالعة.. طلوع البدر.. نعيمة. ضبطتُ أمي أكثر من مرة تتمعّن بابنة عمّي، فابتسمت لي كأنما هي تريدني أن التفت إلى ابنة سلفتها. لا أخفي أن ابنة عمّي كانت زهرة ذلك اللقاء، ووردته المتفتّحة الفوّاحة، وكان ما يلفت النظر فيها.. وجهها البسّام وقوامها الميّاس. ناهيك عمّا تمتّعت به من توجّهات أخلاقية أدهشتنا وأثارت مكامن محبّتنا لها.

لاحظت عمّتي اهتمامنا نحن جميعًا بابنة أخيها، فأرسلت ابتسامة رائعة مُمرّرة إياها بين الجميع تقريبًا ومتوقّفة عندي، وعندما عادت عمّتي إلى بيتها برفقة أخيها وابنته، وجدت نفسي أرافق الجميع إلى هناك، هل كان ذلك اهتمامًا بآصرة الدم المتوهجة.. أم إعجابًا بابنة عمّي؟.. في المساء استوقفتني عمّتي منادية:

- نعيم..

- نعم خالتي؟

- شو رايك بنعيمة ابنة عمّك؟

غضضت النظر أرضا ولم أجب. فعادت تقول:

- أنا بفكر انها تكون إلك.. انت شاب متعلّم وهي متعلّمة وبتفهم.. لم أفه بأية كلمة وتابعت صمتي، فجاءني صوت عمّتي من بعيد:

- السكوت علامة الرضا.. نعيمة رايحة تكون زوجتك بإذن الله.

اقتربت زيارة الاهل من الانتهاء وابتدأنا نستمع إلى كلمات الوداع تتردّد هنا وهناك في هذا اللقاء أو ذاك، إلى أن حان موعد الرحيل، وحزم زوارنا الاعزاء أمتعتهم للعودة إلى منفاهم القسري في الاردن، وما زلت أتذكّر أن عمّتي طلبت سيارة أجرة لتقل أخاها إلى الجسر، وترافقه إلى هناك، لتعود بعد ساعات وبرفقة ابنة أخيها نعيمة. وبدون أن أسألها قالت لي إنها تحدّثت إلى أخيها بخصوص ارتباطي بابنته، وانه وافق بكلّ رضا وسرور، وتركها لإجراء مراسم الزواج والبناء بي. ما إن سمعت هذا الكلام من عمّتي، حتى انتابني شعور بالخيلاء، فنعيمة ابنة عمي الرائعة ستكون زوجتي خلال فترة قصيرة من الزمن، وسوف يجمعنا بيت واحد. ما أروع هذا.

في الايام التالية تعرّفت على نعيمة أكثر.. فأكثر، وكنت كلّما تعرّفت عليها أكثر.. أزداد إعجابي بها، وما زلت أتذكّر وهل أنسى تلك النظرات التي تبادلناها في غفلة من المحيطين بنا. كنّا، هي وأنا، نعيش حالة أشبه ما تكون بحلم جميل، وكانت نظراتها الفاتنة تخترق قلبي لتقول لي إنني موجود، وإنه يحقّ لي، أنا المُهجّر ابن المُهجّر، ما يحق لكلّ الناس في العالم من هدوء وسكينة.. بيت وزوجة جميلة ومهذبة أيضًا.

هكذا وجدتُ نفسي أتردّد على بيت عمتي أكثر ممّا أتردّد على بيتنا، وكان يزيد في فرحي رضا عمتي وتشجيعها لي على الاسراع بالارتباط بابنة أخيها، يللا شدّ حالك.. بكرة بتبني أحلى بيت مع نعيمة. أنا متأكدة من انكوا، انت واياها، رايحين تكونوا أعز اثنين وأحن اثنين. بقي الامر يجرى على هذا النحو مدة شهر.. عندها جرى تغيّر في تصرفات نعيمة أخذ يظهر رويدًا رويدًا.. حتى بات السكوت عليه أشبه ما يكون بالخطأ القاتل، وقد لاحظت يومًا إثر يوم.. ولقاءً بعد لقاء لنا، نعيمة وأنا، أن حالة من الحزن ابتدأت بانتيابها، فعزوت ذلك لحنينها إلى بلدتها.. أمها وعائلتها، وحاولت أن أشرح لها موقفي دون حِكم ومواعظ، فأنا قادر على أن أعوّضها عن كلّ ما يمكن أن تخسره بانتقالها إلى بلادنا للارتباط بي. وكنت الاحظ أن نعيمة تتفهّم كلامي فتعود الابتسامة المفارقة إلى وجهها لتزيده رقةً وجمالًا.

قضت نعيمة حوالي شهر آخر إضافي.. بين مدّ وجزر، فهي حينًا فرحة وآخر مغتمة، الأمر الذي دفعني لقضاء الليالي وأنا افكّر فيها وفيما يمكنني أن افعله للتخفيف عنها، ودفعها إلى حظيرة الهدوء والطمأنينة. وأذكر أنني حرصت على تقديم ما اشتهته نفسها ورغبته روحها دون أن احوجها للطلب، فما أن كنت أشعر أنها بحاجة إلى أمر.. مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، حتى أسعى لتحقيقه لها، الامر الذي كان يدفع عمّتي لامتداحي أمامها بصورة تبيّن لي مع مضي الوقت أنه مبالغ فيها، الامر الذي جعلني أفكّر في أكثر من اتجاه، فمن ناحية نعيمة.. كنت ألمس أنّ معاناتها تزداد يومًا إثر يوم، دون أن تبوح لي بسببها، ومن ناحية عمّتي.. شرعت في التساؤل عمّا يدفعها لامتداحي أمام نعيمة وكأنما هي تريد أن تقنعها بأمر.. لا تريد الاقتناع به. أدخلني هذا الوضع بطرَفيه، نعيمة وعمّتي، في نوع من الصراع النفسي والتساؤلات المتواصلة، فما الذي يحدث؟ وماذا عليّ أن أفعل للتخلّص من وضع لا يُحسد أحدٌ عليه؟ هكذا ابتدأت أجد نفسي في دوامة.. عليّ الخروج منها.. قبل التورّط فيها أكثر. وكان أول ما فعلته هو أن أضع نعيمة تحت المراقبة طوال الوقت، فما الذي يدفعُها إلى تلك المشاعر غير المريحة؟ وبقيت أشعر بحالة من التخبّط والتوهان إلى أن كان ذات مساء، فرأيت عمّتي توجّه كلمة لوم واضحة إلى نعيمة، الامر الذي أخرجها عن طورها، فدفعها للدخول إلى أقرب غرفة منها، وأوصدت الباب وراءها بقوة. كانت هذه الحركة الواضحة.. القشّة التي قصمت ظهر البعير، فقد فهمت أن هناك ما يجب أن أعرفه، لئلّا أندم في المستقبل. لم أنم تلك الليلة وقضّيت ساعاتها مفتّح العينين مفكرًا فيما عساني أفعله. وقرّ رأيي قبل بزوغ الفجر على أن أتخذ خطوة تمكّنني من وضع نهاية مقبولة لوضع لا أحد يُحسد عليه.

في اليوم التالي اغتنمت فرصة خروج عمّتي لشراء بعض الحاجيات البيتية الضرورية وجلست إلى ابنة عمي:

- نعيمة.

- نعم ابن عمّي.

- هل يمكنك أن تكوني صريحة معي؟

- ما سبب سؤالك؟

- منذ فترة أشعر أنك غير مرتاحة.. في هذا البيت.. هل تضايقك عمّتي؟

همت دمعة من عين نعيمة.. ألقت شعاعًا شحيحًا على ما يدور. وقد تساءلت عمّا إذا كانت نعيمة غير راضية عن الارتباط بي، فاتخذت قرارًا قاسيًا جدًا ضدّ نفسي، قبل أن يكون ضد أيّ من الناس. كان ذلك بعد أن سألت نفسي عمّا إذا كنت أروق لنعيمة كما راقت لي، وكان لا بدّ لي مِن التأكد من هذه النقطة الملتهبة. قلت لها:

- اسمعيني جيدًا.. منذ فترة أشعر أنّ هناك مشكلة بينك وبين عمّتي.. قولي لي.. هل هذا صحيح؟ قولي لي أنا ابن عمك ووجعك يؤلمني، صارحيني وتأكدي أنني سأكون عوانًا لك ولن أكون ضدك مهما كانت مُصارحتك لي. ما إن نطقت بهذه الكلمات حتى شرعت نعيمة في حديث تخلّلته الدموع والتأوهات، فهمت منه أنها تودّ العودة إلى بلدتها.. إلى أمها وإخوتها، وأن عمّتي اقتصّت منها ومنعت عنها الطعام والشراب كي تبقى. لا أنكر أنّ كلمات نعيمة هذه أدخلتني في حالة من التمزّق والضياع، إلا أنني ما لبثت تماسكت، وعدت إلى اتزاني المفقود قلت لها: هذه بسيطة.. أنا من سيذهب إلى عمّتي وأنا مَن سيقول لها إنني لا أريد الارتباط بك، أعتقد أنك بهذه الطريقة تعودين إلى بلدك وأهلك. انفرجت أسارير وجه نعيمة وظهرت عليه علامات الرضا والشكر، وعادت إليها ابتسامتها الساحرة. أما أنا فقد شرعت بتنفيذ ما وعدت به.. وقلبي يتمزّق..

***

قصة: ناجي ظاهر

عَبّاسُ والْــــعُـودُ

واللّحنُ إذْ يَسْــري

*

سِحرٌ ويَنسَــاب

مِن لَمسةِ الوَتْـــــرِ

*

فَالفنّ مِحـرابٌ

بالنُّـور والطُّــــهْـــرِ

*

واللّحنُ أحيانِي

كالزّهر في الصَّـخـر

*

إذْ لاحَتِ الذّكرى

كالنُّور في الفَـجـر

*

ذكـرَى لأحبابـي

غـابُـــــوا ولا أدري

*

يا ليـتَ ألـقـاهُم

في ليلةِ القَــــدْر !

***

سُوف عبيد ـ تونس

................

تحية مودّة إلى الصديق الفنّان الأستاذ ـ عبّاس مقدّم ـ بمناسبة مساهمته في ندوة تكريمية للشّاعر وقد أدّى الفنّان.. قصيدتان للشّاعر من تلحينه وذلك بالمكتبة الجهوية بولاية بنعروس وذلك يوم الأربعاء 3 مارس 2021

في كـلﱢ لحظةٍ

تَهرمُ  داخلي امرَأةٌ

وتُزهِرُ أُخرى..

تَتَقاسمُ جسَدِيَ

حُورياتٌ وملائكةٌ

وقبيلةُ الغَجرياتِ

**

في مَهدي لَهفَتي تَغفوُ

أرواحاً لَمْ تُخلَقْ بعد

**

أظمَى أنتَ لأمواجِ الياقُوت....؟

تلوَّى في صَخبِ الرَّملِ

راقِبْ الدُلفينَ تارةً مِنْ بعيد

وتارةً اِغرقْ في جُنونِيَ الهادِئ

**

يتَشظّى على شاطئِ الدَّهشةِ

بَعدَ اللهيب

لن ينام البَحرُ

**

يا ااااأنفاسَكَ

شَغَفُ قيثارةٍ يُغري سَمائِي

وأنا الكوكبُ المُتمَرّدُ

على طقوسِ الفضاءِ

أتهادَى على نبْضِكَ

شَهقةً شَهقة..

كَبنَفسجةٍ شاردةٍ

في وادي الغَجرْ

***

سلوى فرح – كندا

هشيمِ الأحلام

عقيمة هي الأيام

تقيم في الأسر

ترحل في التيه

صدى الصوت يتردد

في الفراغ

في العدم

صراع الذكريات

بين البدايات والنهايات

الوقت يقود مراكبه

بدون بوصلة

يسلك خطوط القلق

خطوط الوهم

خطوط الضياع

الجهات تائهة في غياهب الزمن

في الصدر القلب يلهث

لا وقت ليستريح

ينبض على إيقاع الحياة الشاردة

تنطوي الصفحة تلو الصفحة

بدون ضجيج

الشعور غياب…

الآلام…

الاوجاع…

لا تروضها مسكنات

الهروب والتجاهل

ولا راحة البعاد

ولا نعمة النسيان

ويستمر سَفر الهروب

على دروب الشرود

يجري ويجري

و

ي

ج

ر

ي

***

عباس علي مراد

ثمة وحش اسمه "اسرائيل"

له مخالب حادة مثل مشرط جراح

تمساح ذو انياب مفترسة

ذيله في اوروبا

ورأسه في البيت الابيض

هو وحش ارهابي

والوحيد الذي يحظى

بحماية ورعاية الامم الغربية

وخوفا ان تصاب سلالته

من الانقراض

تبناه المطبعون

وادخلوه في حدائق الحيوانات العربية

غير انه يحتاج الى ترويض

تحت دهاليز الفصائل الفليسطينية

اما الانظمة العربية الرجعية

فقد زجت بالوطن العربي

في سجن كبير

واودعت مفاتيحه ل"أسرائيل"

***

بن يونس ماجن

وحدي أنادي ودمعُ العينِ ينهملُ

أينَ الذي كان ملءَ البيتِ ينتقلُ

*

أسائلُ الوقت والذكرى تعللُني

ولا مجيبٌ على سؤلي ولا عملُ

*

أمشي وحيدًا وظلّي صار يسألُني

حتى متى يستبيكَ الحزنُ يا رجلُ

*

أمشي وحيدًا سوى حزنٍ تلبّسني

تاهتْ خطاي وضاقتْ حوليَ السبلُ

*

من أين أبدأ، والأيام مقبرةٌ

ومعولُ الدَّهر يشكو ثِقلَهُ الجبلُ

*

يا عالم السر، مازلنا على أملٍ

أن نلتقي ساعةً والجرحُ مندملُ

*

أبكي زمانًا مضى من دونِ نائبةٍ

أبكي زمانًا أتى والقلبُ منشغلُ

*

أمضي إلى القبر لا حيٌّ فيسمعَنِي

ولا أنا بعدَ هذا الرزءِ احتملُ

*

يا أيَّها العيدُ لا توقظ مواجعَنا

فقد سئمناك، هل نروى إذا نهلوا؟

*

يا أيّها العيدُ كم أيقظتَ بيْ أملاً

والآن نحيا ولا من قادمٍ يصلُ

*

جئنا إليك ووسطَ الروحِ متقدٌ

من المشاعر حتّى تاقت المقلُ

*

طفنا حواليك يا من كنتَ تحضنُنا

قد مرّنا القحطُ بعد الفقدِ والخبلُ

*

جئناك والليلُ مخنوقٌ بغربتِهِ

ووحشةُ القبرِ منها يهربُ البطلُ

*

يا وابلَ الغيثِ بددْ حرَّ وحشتهِ

واسقِ الظميءَ نميراً قَطرُهُ خَضِلُ

*

واكْتم شجونًا مضت دهرًا ترافقنا

هيهات يسلمُ منها السمعُ والمقلُ

*

من يخبرُ الحيَّ أن الموت مرحمةٌ

وأنَّهم بعد هذا العمر ما رحلوا

*

إنَّ القبور تنادي من يمرُّ بها

وتسألُ الرائحَ الغادي وتبتهلُ

*

ذكراك يا حسنٌ فينا موطئةٌ

لن تنتهي أبدا ما دالت الدولُ

*

لا تركننَّ إلى الدنيا وقد ضحكتْ

يومًا بوجهكَ فهي المكرُ والحيلُ

*

وقل لمنْ شيَّد الدنيا على أملٍ

إنَّ الممات على الأبواب ينعدلُ

*

يا سيِّدي ليس عندي غيرُ غرفتهِ

أزوره كلَّ يومٍ وهو منشغلُ

***

د. جاسم الخالدي

الفصل السابع من رواية: غابات الإسمنت

ثمّ حلّت ليلة أخرى رافقتني فيها السيدة النقيب إلى شقتها، كنت أشغل بالي بأسئلة كثيرة:

أين أهلها؟ وكيف تقضي بقية لياليها؟ هل تقضي كلّ ليلة مع واحدة أخرى حتى إذا انقضى الليل صرَفتها؟

ليس بالضرورة أن يكن سجينات، هي صاحبة سلطة، وتؤدي دورًا مهمّا في الحياة، ولها نفوذ، فكيف تقضي لياليها؟

ليست الغيرة كما أظن، صحيح أنني قرفت تلك الليلة، لكنّ شعوري بالنفور خفّ مع العملية الثانية، كانت لطيفة معي، شفافةً تهيم في رومانسية مفرطة، ليست جميلة، غير أنها ليست قبيحة، فيها بعض الخشونة، ومع ذلك حين تتجرد من ملابسها تبدو برشاقة أنثى، سأعوّد خيالي على أن أراها رجلا، حتى يصبح الخيال حقيقة.

أمامي ثلاث سنوات أروّض نفسي خلالها على الحياة الجديدة، لقد خانني رجل... فهل تخونني امرأة؟

..............*

لم أعد أتقزز.. بدا لي الأمر أقل من طبيعي، وعندما بردت، مررت يدها..، ثم راحت تلعق أصابع رجلي، وما بين الأصابع، فاشعر بنشوة وخدر غريبين.

لا أظن أنها تمثل معي دور الرجل فقط، فقد تطلب منّي أن....... وأقبلها بعنف، أجدها تلعب دور الاثنين وفق تتابع زمني: الرجل أو المرأة، فأصبح أنا رجلا أو امرأة وفق هواها، ذلك يوفر لي الأمان، ففي الليلة الأولى عندما استفقنا على صوت المنبه قبل الفجر وجدت رأسي فوق ذراعها اليمين وراحة يدها اليسرى على صدري، نمت بعمق كما لو أنني لم أنم ليلة في عمري كهذه، تركتْ قدمي وسألتني:

ـ ها حبيبتي بماذا تفكرين؟

ـ خطر على بالي سؤال، هل ستنزعجين إذا سألت؟

ـ أبدًا، أنت تأمرين، ما دمت أحببتك لا تترددي!

ـ هل بيت أهلكِ هنا؟

ـ كلا، في مدينة أخرى تبعد عن هنا 400 كيلو مترا.

وتطلعتُ بعينيها فقلت بابتسامة:

ـ تقضين الليل وحدك؟

فمطت شفتيها وقرصت خدي:

ـ بدأنا نغار؟ اسمعي...

ـ لا تغضبي أرجوك.

قلت ذلك وأنا أظن أني عثرت على جنّة أَنستني بحيرة الدم، فأخشى أن أفقدها بسبب الفضول الذي يدفعني.

ـ لن أغضب... اسمعي جيدا، أنا أحببتك وأريد أن أساعدك، وها أنا أقول أحبك بجنون ولن اختار عليك أخرى، تستطيعين أن تحبيني وتكتفي بي، الرجال مجرمون والدليل وجودكن بالسجن، أو على المشانق، نحن نقدر أن نكون رجالا ونساء في الوقت نفسه، كل واحدة هي رجل وأنثى فما حاجتنا لهم؟

بقيتُ صامتة... فأخذتْ يدي وطبعت عليها قبلة:

ـ أووه صغيرتي الجميلة، أنتِ أجمل مني، لذلك إذا خنتني مع واحدة سأقتلك.

ـ محال.

ـ تقسمين؟

ـ أقسم.

ـ إذن دعيني أخطط مستقبلك، سأريه صورتك... ستكونين محظيته... طبعا ذلك مقابل شيء، لن تمنحيه نفسك مجانا، بالمقابل سأتحدث مع سيادة الوزير، لتدخلي دورة أمنية في الأيام القادمة، حتى إذا خرجتِ فتحتِ صالون حلاقة، فتأتي إليك النساء، يجب أن نعرف كل شيء، زوجات موظفين كبار... مديرين عامين... مسؤولين... ستكونين أكبر من مخبرة... سيدة أمن، وستملكين صالونا وتبقى علاقتي بك، لا يهمني مع من تكونين من الرجال، أريدك أن تستغليهم أو تستغلي المسؤول الذي ستصبحين محظيته بشطارتك؛ لكنك ستكونين لي وحدي.

الحرية... المال... الغنى... أملك نفسي، وبيدي كلّ ما أرغب من جاه ونفوذ؛ الناس لا يعرفون من أنا... هناك سند قوي... جدار يحمي ظهري... النقيب تكره الرجال... لعلها لا تملك سببا وجيها لكرهها إيّاهم ، أما أنا فهناك ألف سبب وسبب، بل بُحيرة دم بيني وبين عالم الرجال الذين طعنني أحدهم وهو أقرب الناس إليّ - زوجي- طعنة غادرة في ظهري تعادل آلاف الطعنات، فكيف لا أقبل بعشيقة تترك نجماتها وتركع تحت قدمي تلعق أصابع رجلي، تحبّني وتقسم أنّها لن تخونني؟

كدتُ أحب زوجي حبًا لا يختلف عن الجنون، أظن النقيب صادقة، تريدني لها وحدها، تحاول أن تدفعني لأبني مستقبلي من جديد... لو خرجت من السجن فماذا عليّ أن افعل؟ أهلي تبرؤوا مني... سأعيش منبوذة، ولو رحلت إلى مدينة أخرى ماذا أفعل وقتها؟ من يساعدني؟ هل أتاجر بجسدي؟ المجتمع نسيني... الماضي يطاردني... كيف أعيش؟

وصوتها الدافئ ينتشلني من سرحاني:

ـ هل أنتِ معي؟

ـ نعم... اختاري لي أنت، شرط ألا تتركيني.

ـ (يا ستي) غدًا عندما تتعرفين على السادة الكبار لعلك تضجرين مني.

وعن لا وعي هتفت:

ـ حبيبتي.

واحتضنتْ كل منّا الأخرى بين ذراعيها، ورحنا نغيب ثانية بلهاث محموم ثم نغفو متلاصقتين ولم يوقظنا إلا منبّه الساعة قبل الفجر.

فجأة شعرتُ أن بداخلي إنعامًا أخرى؛ امرأة لا يعرفها سوى الجمر الذي اكتوت به، والخيانة التي أوصلتها إلى القتل والسجن، امرأة استيقظت حين خذلها الجميع، إنعاما جديدة أقوى من قضبان السجن ومن كفّة ميزان غير منصفة.

واكتشفت أني أحبّ؛ لكن بطريقة أخرى، وإن جاء هذا الحبّ معاقاً؛ لكنه بلا شكّ سيهديني إلى حياة أخرى.

***

ذكرى لعيبي

................

* حذفتُ الجُمل لجرأتها، لكنها مطبوعة في النسخة الورقية.

 

 

بعد أن قدمت طلبا للطلاق، وبعد رفضها لكل محاولات الصلح والتي عرض الزوج خلالها تنازلات كثيرة سعيا للحفاظ على لحمة الأسرة وأسرارها سيما وأن المطالبة بالطلاق له منها إبن.. تقف الزوجة أمام القاضي مؤكدة إصرارها على الطلاق.. تنتصب في تحد مقلق بين كل من حولها، كأنها تريد أن تعلن عن انتماء طبقي ارستقراطي ذي نسب رفيع، ومجد في التاريخ تليد، وغنى فاحش موروث، تتعالى في كبر، متعمدة ابراز فتنة مما بالغت في ارتدائه من لباس، وما تحلت به من ذهب وعقيق، ترنو الى زوجها بنصف إغماضة ساخرة، مما أثار القاضي الذي ظل يتابعها بنظرة متفحصة، تكشف بعضا من انزعاج يحاول إخفاءه..

"شيء ما غامض وراء هذه السيدة هو ما تبديه غرورا وحبا في الظهور بهيأة متصنعة، ومعرفة زائفة، فهل تستغل وجودها كاسم مشهور في سوق المال والمعاملات التجارية بهذا الحضور؟.. "

الى جانبها يقف الزوج ممتقع اللون، خجلا من موقف لم يفكر يوما أنه سيجد نفسه فيه، يترقب في حياء، مضطربا نقمة على امرأة، استحلت أن تضع نظارات سوداء على عينيها فتتنكر لكل أفضاله وخيره، يطرق برأسه الى الأرض.. "ترى بماذا ستعلل طلبها؟".. وأي الحجج لديها غير ما اعترف به هو نفسه تلقائيا قبل أن تجره للمحاكم؟متوسلا منها سترا به تحقق كل ما تريده منه، لكن الطمع الذي أعماها، والغرور الذي ركبها، وسوء قراءة حماتها وأثرها البليغ في تنشئة ابنها أنساها كل ما قدمه لها.. يرفع الزوج رأسه، يعب نفسا قويا ثم يلتفت وراءه مستنجدا بأمه الجالسة خلفه، يستمد منها قوة.. باطمئنان راسخ تنظر الأم اليه، و بسمة صادرة من راحة ضمير بدعم يقيني وكأنها تريد أن تقول شيئا، تستحيي أن تبديه أمام هذا الحضور فلا تملك غير الصمت، لكن عيونها تنفث بسمات القوة، لسانها قلب فمها لا يلهج الا بدعوات الرضا وهي تترقب ما ستصرح به زوجة ابنها:

ــ سيدي القاضي !.. زوجي هذا قد اهانني، أدخل بيتي متشردة، أولجها حمامي، وكساها ثيابا من خصوصياتي، ثم نام معها على سريري، أحط بكرامتي وسمعتي ـ سيدي القاضي ـ أصرعلى الطلاق كما أصر على تعويض مادي لا يقل عن خمسمائة مليون درهم كرد الاعتبار، وان يقتسم معي كل ثروته التي بنيتها بذكائي واجتهادي، بجمالي وجهدي وثقة الزبائن في ذوقي، حتى مكنته من اكتسابها وجمعها....

يقطب القاضي حاجبيه، و يحرك عينيه علامة اندهاش، فكأن المرأة الواقفة أمامه لا يتلخص حضورها الا في تشريد الزوج انتقاما، لا لتطلب حقا منطقيا يخوله لها القانون.. يلتفت القاضي الى الزوج ثم يقول:

ـ مارايك في الذي تدعيه زوجتك؟

يتنهد الزوج بعمق ثم ينظر بلا تركيز في وجوه الحضور سهاما من حوله، خصوصا من جمعيات نسائية اقبلت لمساندة الزوجة، يحاول ان يخفي اضطرابه بإطلاق يديه وتشبيك أصابعه..

كل صور الماضي تتدارك تباعا أمام عينيه.. من اين سيبدأ؟

حاويات القمامة، جيوش الذباب، نباح الكلاب، مواء القطط، مشردون يفجرون أكياس الأزبال، روائح النتانة....

توهم أن كل الاسرار النتنة عن ماضي هذه الماثلة أمامه قد رماها في بئرعميقة، وعليها بنى بلا رجعة، لكن ها هو البناء يتفجر فترمي البئر خبثها من حيث لا يدري.. يفتح فمه، ويمرر لسانه على شفتيه يبلل جفافهما، يبلع ريقه ثم يبدأ كلامه بهمس: اللهم احلل عقدة من لساني:

سيدي القاضي: ما قالته زوجتي صحيح، لكن اسمحوا لي أن ابدأ من حيث أنهت كلامها..

يصمت قليلا وكأن صوت أمه يهزه من الداخل: "مشاكلك يا بني من ضعفك هزمتك في بؤسها وفي غناها، فاحذر ان تهزمك في دعواها ومن ورائها حماية ممن لايعرفون حقيقتها "..

يحس ضيقا في صدره، يتنفس بقوة كأنه يحاول أن يعب هبة برد تشرح ماضاق ثم يتابع:

زوجتي هذه الماثلة أمامكم بكل هذه الحلي والحلل، وهذا المظهر الباذخ لا يعدو غطاء لخواء باطني عن حقيقة الانسان واصله، زوجتي هذه هي نفسها لم تكن غير متشردة تدق أبواب البيوت يوميا، شحاذة، تتسول وتطلب الصدقات..

همهمات تتحرك بين الحضور، ونظرات استغراب من بعضهم لبعض حينا وللزوجة حينا آخر، ادعاءات لا تصدق!!.. مجنون !!.. كيف يرمي سيدة وشهرتها في سوق المال ذائعة مذ عرفوها، بتهمة استجداء البيوت؟

يضرب القاضي بمطرقته ليعيد للقاعة هدوءها، وهو لا يقل استغرابا عن الحضور لما فاجأه، ثم يطلب من الزوج أن يتابع كلامه..

_ زوجتي هذه صادفتها ذات يوم وانا عائد الى البيت قلب مزبلة تبحث بين ركامها، تزاحم القطط والكلاب صناديق القمامة، رق قلبي لها، خصوصا وانها كثيرا ما طرقت باب بيتنا متسولة اذا سبقها جامعو الأزبال الى صناديق الحي؛ ترجلت من سيارتي متوجها اليها، أخذت بيدها، الى السيارة ثم تابعت الطريق الى البيت، أدخلتها حمام أمي، وقدمت لها مما في دولاب أمي من ثياب، كما ناولتها عطرا ومساحيق من خزانة أمي، لما اغتسلت وخرجت من الحمام، انبهرت لما رأيتها !!..

تغيرت كلية وصارت امرأة ثانية، فوارة بمظهر الحسن والجمال فوران حوريات الجنة في أحلامنا؛ وأنا على وشك توديعها بالباب أقبلت أمي بعد زيارة لاحد اقاربنا، لما رأتها، حسبتها أنثى من صديقاتي، أو احدى كاتبات شركتي، لكن حين سلمت عليها ودققت فيها النظر، استغربت أمي من ان الواقفة أمامها ترتدي ثيابها، وان عطور أمي هي ما يفوح من الزائرة..

نظرتْ اليَّ امي نظرة استفسار، فغمزتها بعيني واضعا يدي على فمي، كأني اتوسلها الا تغضب، او تطرح اي استفسار، يجرح الزائرة أو يحط من كرامتها..

يتوقف الزوج هنيهة:كأنه يسترد أنفاسه، في وقت تبدأ الزوجة مترنحة في مكانها متضايقة مما صرح به زوجها، لم يخطر ببالها لحظة أن الزوج الوديع الصامت الخجول الذي كان لا يتحرك الا بإذنها وأمرها، والذي كم كرهت سلبيته تنصب عليها كعدوى مما جعلها تهمشه في كل أعمالهما التجارية، من أين استمد كل تلك الشجاعة التي تجعله يفضحها امام الحضور، كل ما تعرف ان وداعته وخجله كثيرا ما كان يلزمه صمتا ليس أمامها فقط ولكن مع الكثير من الناس.وهي من كانت تستغل حياءه هذا في تحقيق كل رغبة هفت لها نفسها.ماذا صار ومن أنطقه؟؟..

ـ"لعلها أمه التي استعادت صرامتها مما عانته معي، وما عرفته عني وما أخطط له، ولئن ربته على الخنوع والاستسلام فهاهي تحول سكونيته وضعفه الى قوة تباغتها في زوجها..

تعلو همهمات الحضوربين استغراب، وتكذيب، ومتباغثة، وشك يهدئها القاضي بدقات ملتمسا هدوءا يسمح بمتابعة القضية..

يأخذ الزوج نفسا طويلا ثم يتابع:

كان وقت الغذاء قد حان، فأقسمت عليها أمي ان تتناول غذاءها معنا؛

بعد الغداء تركتها أمي منشغلة بعروض التلفاز وشرب الشاي، وأتت الي

تستفسرني عنها.. عن دولاب ملابسها الذي انتهكه ابنها اكراما للزائرة، عن عطورها ومساحيقها التي تعتز بها كبقية من هدايا المرحوم والدي؛ لم أخف سرا على أمي، ولم أحاول ان اتكتم على أي شيء بل أخبرتها حتى عن أسمال الزائرة اين وضعتُها..

وفاجأتني أمي القوية الصبور بدمعات تنحدر على وجنتيها قالت:

ــ كم من جمال مسخه الفقر وغيبه الإهمال والحاجة !!.. حرام أن تذوي هذه الفتنة بين صناديق القمامة وركام الأزبال، هذه البنت لو طاوعتني فمحال أن تخرج من بيتي بعد اليوم..

مرة أخرى يتوقف الزوج عن الكلام قليلا وكأنه يشحن صدره بقوة تمنحه القدرة على المتابعة...او ربما كان يفكر كيف يختصر حديثه، وكيف ينتقي الكلمات التي لا تجرح الواقفة بجانبه، فماحكاه كاف كتحقير يمسها كوجه تجاري في سوق البزنس، كما يطول سمعته كونها زوجته وام ابنه..

هكذا سيدي القاضي بدأت هذه السيدة حياتها معي؛ظلت معنا في البيت تتشرب من عاداتنا، وطقوسنا، وطريقة حياتنا، أعادت لها والدتي تربيتها دقة دقة كما يقولون الى أن صارت واحدة منا، ألفناها وألفتنا، فصار لها ما لنا، وعليها ماعلينا، والحق يقال أننا تلمسنا فيها ذكاء بعد ان تغيرت حياتها، صارت تقرأ وتكتب، تحاور وتناقش، تلتهم المجلات وتنتمي لأكثر من جمعية نسائية، وكشهادة انصاف انها كانت تختزن قدرات هائلة مكنتها من تجاوز كل عارض يحول دون بلوغها ما تريد...ثم بدأت تتقرب مني، واليها بدأت أميل...

وكانت المفاجأة من والدتي أن أتزوجها..

وبعد احاديث طويلة، وتفكير عميق، ونقاش عن الغير من حولنا، عن زيف المظاهر والأسماء والألقاب، عن ألسنة المجتمع الطويلة وأبواقه القوية، اقتنعت بان الامر يخصني وحدي ولا يهم احدا غيري..

بعد سنة من زواجنا، لاحظت اهتمامها بالتجارة وبافكارها التي قد تمكنها من اختراق عالم التقليعات، وبايعاز من والدتي مرة أخرى، فتحت لها متجرا للألبسة النسائية ثم آخر للعطورات والماكياج، لكن بعد ان انجبت ابننا الوحيد بدأت تتغير.. صارت لا تستقر في مكان، متنقلة بين دور العرض والموضة، وبين اكثر من مدينة وعاصمة عالمية، جوابة للمراقص والملاهي، وكنت المهضوم الذي صار نكرة وانا من حول النكرة من العدم الى علم في مضامير الحياة وأسواق المال والتجارة...

يتوقف الزوج قليلا وكأنه يكتم غصة خنقته، يبلع ريقه، ثم يتابع ٠٠

- اهملتني سيدي القاضي، وأهملت بيتها وابنها، ولولا أمي اطال الله في عمرها، ما وجدت من يسهر على ابني او يهتم بشؤوني...

يحس الزوج وكانه يخرج من بين الأمواج، يتصبب عرقا، لكنه أخف مما كان قبل ان يحكي... يلتفت الى أمه، ابتسامة رضا وتشجيع تتربع على وجهها.. ثم يمسح الحضور بنظرة خاطفة جعلت أكثر الأفواه تنسد حيرة أو تعلن لعنة، بل و كثيرات شرعن في الانسحاب من قاعة المحكمة حفاظا على لحمة الانتماءات..

كان القاضي يتابع القصة مستغربا أن تكون التي أمامه قد كانت من شحاذات الشوارع، وهي اليوم تشكو زوجها لسلوك كانت هي أول من غرفت منه وارتوت.. يلتفت القاضي الى الزوج ويقول:والمتشردة الثانية؟! سؤال تطاولت له الأعناق وارتخت الأسماع بترقب.. وجوه بين الدهشة والسخرية والتأنيب...

يتنحنح الزوج، ثم يتنفس بغصة عميقة من قهر:

ما فعلته مع المتشردة هو نفسه ما حدث مع زوجتي، مع فارق ان زوجتي بقيت في بيتنا واستطابت الحياة فيه واكتسبت عادات البيوت الكبيرة ولكنها لم تتعلم ان الحر من دان انصافا كما دين..

يشرئب برأسه جهة أمه، فيلاحظ القاضي أنها تشجعه فيستعجل الزوج على الحديث..

زوجتي هذه سيدي القاضي لم تستطع ان تتخلص من أمراض نفسية تتلبسها، ربما هي نتاج تربية ومعاناة، وسنوات قهر، فاقة وحرمان، ومن شب على شيء شاب عليه: الطمع، وعدم القناعة و الرضا، والتطلع لما عند الغير...وهذا ما ولد فيها صفات: الكذب والجشع، وتزوير تاريخها وحقيقتها امام غيرها...

ينظر القاضي الى الزوجة وكأنه يتابع اثر كلام زوجها على محياها من تذمر وقلق، ثم يحول النظر الى الزوج وكأنه يدعوه لمتابعة كلامه:

حين كنت اودع المتشردة بالباب اعطيتها مالا وألبسة أخرى، وعطورا، ثم قلت لها:

ـ لا اريد ان اراك بعد اليوم تتعاطين التسول، لك سأبتاع احدى الشقق الاقتصادية تأويك، وستصير لك نفقة شهرية لتدبيرشؤونك، فحرام أن يذوي هذا الجمال على عتبات التسول..

ارتمت علي وعانقتني وهي تبكي ثم قالت:

ماذا بقي لم تقدمه الي يا سيدي؟

أحسست برغبة تشدني اليها فهمست لها:

لك كل ماتريدين... فقط اياك ان تمارسي التسول بعد اليوم.. أكره أن أرى أنثى بحمالك تذل نفسها، تحتقر ما وهبها الله من أنوثة وقد ممشوق..

ودون شعور منا وجدنا نفسينا معا فوق سرير غرفة نومي...

سيدي القاضي، أن أكون قد سقطت في الحرام فهذا لا أنكره واني به اقر وأعترف، أسأل الله تعالى ثوبة نصوحة منه، لكن جرمي لا يمكن أن يغيب ما فعلته مع هذه المرأة كحق من حقوق الله، قد صادفها حظا من حظوظها دون غيرها، يكف عنها مذلة السؤال والتشرد، وربما هي احق به من غيرها ممن صاروا يملأون الطرقات وابواب المساجد حتى صرنا نعثر بينهم على من يمتلكون شققا ودكاكين في اكثر من حي، بل وفي اكثر من مدينة يتنقلون في سيارات يملكونها..

سيدي القاضي !

انا اخطأت، وذنبا قد ارتكبت، ولن أقنط من رحمة الله، لكن ما قمت به مع تلك السيدة هو خير قدمته ما كان في اعتقادي ولا نيتي - يشهد الله -استغلالا، او انتظار جزاء، او مقابل.. ان ماحدث ـ سيدي القاضي ـ هوضغط من حرمان، وغصة من اهمال، واغراء من شر النفس وكيد الشيطان، يلزمني اصلاحه عاجلا، لذلك اطلب مهلة قصيرة، اعقد فيها قراني على المتسولة، ولزوجتي حق الاختيار ان تقبل بضرة او تصر على الطلاق، لكن اكراما لابني منها لن أطالبها بتعويض عما صارته، وعن نقلتها النوعية من حياة المزابل مع القطط والكلاب والحشرات، والنوم في الازقة والشوارع الى حياة أهل البيوت الكبيرة الذين يحسون معنى أن تكون انسانا فقيرا ثم يغنيك الله من فضله، ولن أطالبها برأس المال لما تدره عليها متاجر انا من فتحتها بمالي وعرق جبيني.

يطرق القاضي برأسه الى منصة الحكم، يستحوذ عليه تفكير واحد، و كمشة من الأسئلة تتسابق الى لسانه فارضة عليه أجواء من التصورات والظنون.

ماذا يغري هذا الشاب في الفتيات المتسولات؟

ما نوعية الإثارة التي تحركه نحوهن؟ هل هو جمالهن الذي قد وأده الفقر؟

أم هي بصمة نفسية خاصة لديه يستقبلها بلذة ومتعة قدلايستحليها غيره؟

لماذا كانت نظراته تتحول الى انكسار، فيبادرالى الالتفات لأمه يستمد منها القوة والشجاعة؟ هل هو الخجل وحده ام في حياته ما يحسسه بالدونية رغم غناه؟ واذا كانت الرحمة قصده لماذا ينساق الى ما حرم الله؟

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب 

 

مع ترجمة للانكليزية

بقلم: عبد اللطيف غسري

***

عندما ألقاك ألقى

كلّ ما قد ضاع من دنيا وجودي

عندما ألقاك تنمو فرحتي...

مثل ورود..

وأرى الدّنيا بعينيك جمالا

مشرقا كالشّمس في كلّ النجود

عندما ألقاك يسمو الحبّ...

في أعماق ذاتي

سابحا دون قيود

عندما ألقاك ألقى أملا ...

يرعى ودّي وعهودي

عندما ألقاك من غير وعود

يسجد القلب للقياك...

بمحراب السجود

إنّ في لقياك بعثا وحياة

لفؤاد غاص في بحر الرّكود

فاضرمي نار الهوى ...

رفقا بقلبي

إن نار الحبّ تذكو شعلة...

دون وقود

***

شعر/ تواتيت نصرالدين

...............

When I meet You

By Touatit Nassr-EdDeen

Translated By Abdellatif Rhesri

***

When I meet you

I find all that which

I have lost in my lifetime

When I meet you

My joy grows

Like a rose

And I see the world

So pretty in your eyes

Shining like the Sun

Casting light everywhere

When I meet you

Love becomes a high value

Deep inside me

Moving freely

When I meet you all by chance

My heart kneels down for your presence

In the sanctum of love

For, meeting you

Is a sort of resurrection

For a heart that has long been

Leading a dull life

So, kindle the flame of passion

But be gentle to my heart

The flame of love

Can be set without fuel

 ***

Morocco

30/07/2010

............................

ترجمة الشاعر المحترم عبد اللطيف غسري

من المغرب بمنتديات نبع العواطف الأدبية

جيوفانا

حفيدتي الأولى

***

برعم من بذور

النجوم

انبثق

والتف على كأس

غصن

أخضر ريان

كزنبقة الصبح في

حضن النهار

كانت السماء

بلون قرنفل وردي

بدأ القمر ترتيلته

المسائية

على إيقاع تجديد

الحياة

جيوفانا

هدية الله من السماء

إبنة آلهة القمر

بنبونتي الملونة بحلاوة

قصب السكر

تذوبين كخيوط

غزل البنات

تكحلين احداقي

كل ليلة

بأجنحتي

أحتويك وحين

أغمض عيوني

تنامين

بين الجفن والأهداب

محاطة

بهالة من بيان

***

راغدة السمان - أستراليا

 

ثم كبرت في تلك المدينة حيث كان لكل شيء فتوى تبدأ بـ(هذه من الكبائر) وتنتهي بـ(هذا والله أعلم) ..

في عمر الأحد عشر عاماً لبست العباءة السوداء على الرأس والقفازات السوداء وغطيت وجهي بغطاء ثقيل يحجب رؤية الرجال لوجهي ورؤيتي لوجوههم .

كان مظهري مضحك لكل من حولي حتى أطلقت جدتي رحمها الله علي لقب " الدُّجيرة" والتي عرفت لاحقاً أنها أحد الكائنات الأسطورية المرافقة "للنمنم"..

في هذه المرحلة تأثرت كثيراً بمعلمة الدين في المدرسة وكنت أشكو إليها معاناتي من التنمر العائلي وكانت تصبرني أن ذلك نوع من أنواع الجهاد وبقي الحال كما هو عليه حتى وصلت لعمر الخامسة عشر في المرحلة المتوسطة..

في أحد الأيام أردنا الذهاب في زيارة لمنزل جدتي، سبقني والدي للسيارة وما أن رآني أخرج من باب العمارة حتى أطفأ المصابيح الأمامية التي كنت أعتمد عليها لإنارة الطريق بسبب ثقل غطاء وجهي فأعتمت الدنيا في عيني ولم أعد أرى شيئاً مطلقاً، إعترض طريقي أحد أبناء الجيران وهو عائد إلى منزله بعد صلاة المغرب في العمارة الملاصقة لبيتنا وإصطدمت به لأنني ببساطة لم أراه أصلاً فصاح في وجهي "سلامات!! عمياء" بكيت من شدة الإحراج وأكملت طريقي، ما كان ينقصني سوى الدموع لتعمي بصيرتي تماماً، لم أنتبه لعتبة الرصيف ووقعت على صدام السيارة لينفجر كل من كان بالشارع بالضحك..

طوال الطريق لم يتكلم أحد عن حادثة سقوطي في الشارع وذلك عكس جميع توقعاتي مع إخوتي الذين لم أسلم يوماً في مراهقتي من تعليقاتهم على شكلي وسلوكي وطباعي الصعبة..في الحقيقة لا أستطيع لومهم كثيراً ..

يبدو لي أنها كانت تعليمات مشددة من والدي بتركي وشأني حتى أستوعب الأمر وحدي دون أن تتسبب تلك النكت والتعليقات عقداً إضافية في شخصيتي غير الموجودة أصلاً

لكنه تراجع عن موقفه لاحقاً..

اتصلت جدتي وطلبت شراء (كتان، حبهان، كربو، فلفل ناشف، خولنجان بصل أخضر وبازلاء للبلا بلا والتمبيء)

ليست أسماء مرده أو خدّام جان.. بل هي بعض التوابل والبهارات والأغراض اللازمة للأطباق الشرق آسيوية، كانت متعة جدتي في إعداد هذه الأطباق هو ما صنع منها نكهة لم أتذوق مثلها منذ رحيلها، عندما كنت أبيت عندها وأراقبها وهي تطبخ أستغرب كثيراً حينما كانت تردد إسم كل شخص وهي تعد طبقه المفضل، سألتها في مرة عن ذلك فقالت: الحب هو مايجعل الطعام أفضل ..

لم أنتبه حينها لهذه العبارة ولكني أدركت لاحقاً أنني تغذيت بحبها ونفذ حنانها إلى كل خلية في قلبي وفي ذاكرتي..

كانت تقول لي "تعالي تعلمي مني طبخة قبل ان أموت" وأرد عليها بنفس العبارة " خليها بعدين"

ليتني فعلت ذلك..ولكني أعتقد أن ما تعلمته منها الآن أكثر شاعرية من طقوسها في المطبخ،،

توقفنا في سوبرماركت حديث الإفتتاح، لم يكن العمال قد انتهوا من ترتيب جميع التموينات على الأرفف حينما دخلنا..

مشيت في السوبر ماركت إلى جهة المعلبات، أمسكت علبة "زبدة الفول السوداني " إلتفت خلفي ووجدت والدي في الجهه المقابله لا أعرف تحديداً لماذا انطلقت نحوه بهذه السرعة ربما أردت أن يقرأ لي تاريخ الصلاحية..

اتسعت عيناه وهو ينظر إلي ويقول " لا لا لا... لحظة"

ظننت أن ردة فعله هذه بسبب صوتي المرتفع فقط وردود أفعالي الصاخبة أحياناً

لم استوعب شيئاً إلا وقرابة ال٤٠ برطمان "علبة" جبة الشيدر الصغيرة تتدحرج بكل مكان والعامل المسكين الذي أخرجها من الصناديق  ووضعها أمامه ليرتبها على الرف يركض خلفها..

شعرت حينها أن الموضوع أخذ منحى أكثر جدية ورعب لأن والدي بدأ يفقد هدوءه والسيطرة على أعصابه وصبره علي وعلى تهاويلي..

في الطريق أخبرته أنني أحتاج المكتبه لتصوير الدروس التي فاتتني في الرياضيات من دفتر صديقتي ووعدتها بإعادته صباح اليوم التالي.. قال: "اعطيني الدفتر واجلسي انتِ في السيارة يكفي ماحصل في السوبر ماركت" لكني أصريت على النزول بسبب أنه لا يعلم الفصول التي أحتاجها

سألت البائع :" لو سمحت أين مكان التصوير؟" قال: الدور الثاني

مباشرة توجهت للدرج ووالدي يقول لا اصبري أنا الآن..."

لم أسمع بقية الجملة إلا وقد عدت فجأة للطابق الأرضي بعدما صعدت لنصف المسافه للأعلى وأنا أصيح "بابا تعال ساعدني"

***

لمى ابولنجا – السعودية

 

لم يكن وزنه الزائد وقدماه المسطحتين يقفان عائقا امام كسبه للقمة عيشه، من خلال تجواله في الأسواق والمحال في بيع السجائر والشاي. ليعود اخر النهار لمنزله بترامس فارغة وبعض النقود، التي لا تلبث بيد زوجته طويلا لا نها بالكاد تسد قوت يومهم، يدخل بيته بروح مرحة محاولا اضفاء بعض البهجة، على وجه زوجته المتجهم والتي لم تكن بانتظاره يوما، كانت تحتفظ بجمال الجسد وبقلب يفتقد للحب أتجاه ذلك الزوج، الذي كان يظن انه فاز بزوجة جميلة تحبه، لكن اتضح انه كان خاسرا كبيرا، أمام حياة زوجية صعبة لم ينل منها سوى الشكوى والتذمر والإهمال. لم تكن لديها أي رغبه بالعيش معه، بل انها اعلنت عدة مرات عن رغبتها في الانفصال، محدثه نفسها متسائلة كيف لا مرأة بجمالها ان تعيش وتكمل حياتها مع كتله اللحم تلك! ومع الفقر الذي أطبق عليها وحول احلامها الى كوابيس. كان الكثير من الرجال ينظر اليها بعين الحسرة، وهم يلاحظون الفرق الكبير وبينها وبين زوجها، متمنين في سرهم ان تكون زوجة لأحدهم. أصبحت تستغل خروجه من الفجر، لكي تخرج الى السوق وتستمتع بمغازلة الصائغ لها وبائع الملابس النسائية، وآخرون من الباعة الذين كإنوا ينظرون اليها بشغف ويعطونها بعض المال وبعض الاحتياجات الخاصة الاخرى، وتعود قبيل الظهيرة لكي تعد طعام الغداء.

كان الصائغ بالنسبة لها يمثل دور العشيق لانه الوحيد الذي تحدثه عن مشاكلها التي تتخيلها مع زوجها، وعن زواجها القسري ومتطلباتها كامرأة. وبائع الملابس النسائية الذي كان يشكو لها من زوجته المريضة، وكيف يشعر بإهمالها وكيف عبر لها عن أعجابه بها وانه يتمنى لو ان زوجته كانت تشبهها. اعتادت بهذه الطريقة ان تسد احتياجاتها وترضي رغباتها، لكن كل ذلك لم يثنيها عن رغبتها بالانفصال عن زوجها، لو أتيحت لها فرصة الزواج برجل اغنى وأفضل حال منه. مما دفعها بالموافقة على دعوة الصائغ المتكررة لها، في ان يلتقي بها في مكان بعيد عن منزلها ليحدثها عن رغبته بالزواج منها في حال انفصلت عن زوجها، ضعفت امامه ولبت رغبته مستسلمة هي ايضا لرغباتها. رافقته وانطلقا سويا قاطعا مسافة بعيدة قاصدا مزرعته الخاصة خارج المدينة، مزرعة كبيرة جدا تضم أشجارا من الحمضيات والنخيل، وحضيرة لتربيه المواشي، بني داخلها منزلا كبيرا تحرسه كلاب سلوقية كبيرة قيدت بسلاسل طويلة، تراقصت عيناها فرحا بصمت وذهول، وهي تجول بناظريها الى هذا العز الذي اخذ بلباب عقلها. تقدمت وهي تضم يديها تحت ابطيها بحذر استدلتهما حين رأت اثاث المنزل الانيق والفخم، أرتمت عليه قبل أن ترتمي بين ذراعي واحضان ذلك الصائغ، متمنية ان تصبح زوجته ويكون كل هذا ملكا لها، نظر اليها والابتسامة تعلو وجهه تقدم نحوها وضمها اليه بقوة: وجهك جميل ورائحة عطرك ساحرة ومميزة، كم كنت انتظر هذه اللحظة التي تجمعنا سويا بعيدا عن أنظار الجميع انت لي وحدي انا حبيبتي.

كان الطعام والشراب وفيرا ومنوعا وشهيا، دعاها بعد ان تناولا الطعام للجلوس في غرفة النوم والتمدد قليلا على السرير ليستريحا من عناء الطريق. كانت مصرة على حرق تلك المراحل و بسرعة و كل ما يعنيها هو الانفصال عن زوجها والزواج منه، لكن ما كان يعنيه هو الاحتراق في هذا الجحيم الجميل، وأن يمارس خيانته الزوجية كي يرويها بفخر امام رفاقه. بدأ في مناغاتها بكلمات العشق والغزل واقترب منها وهو يتلمس جسدها وينظر الى وجهها الجميل، كان جسدها يرتعش وكأنها بكر، أغرقها في نشوة لذيذة بالتدريج، انتهت بلهاث وأفعال سادية. صرخت من الرهبة واللذة، شعور غريب لم تألفه سابقا انتهى بليلة حمراء. حررها بعدها من بين ذراعيه والنشوة تعتليه، ثم لبس بنطله وزرر قميصه في عجالة وهو يمسح احمر الشفاه الذي لطخ اجزاء من وجهه ورقبته، حاولت ان تتكلم لكنه اغلق فمها بقبلة سريعة باردة ختم فيها ذلك اللقاء الحميمي الذي فقد حرارته بمجرد ان ابتعد عنها ثم ودعها: ابقي الليلة هنا سأعود اليك في الصباح الباكر، كل شئ متوفر لك لا تقلقي، حبست انفاسها وهي تنظر اليه: هل ستتركني هنا لوحدي!؟ دمعت عيناها وخنقتها العبرة ماذا سأفعل؟ اخوتي سوف يفتقدوني وأمي سيفجعها غيابي، زوجي سيقلق علي كثيرا، وسيتحدث عني الجميع بسوء، لا تعرضني للقيل والقال. تقدم نحوها وهمس في اذنها: ابقي الليلة فقط حبيبتي وثقي باني لن اتأخر عليك، انتظري عودتي غدا. 

ساعات المساء مرت ثقيلة، مع هطول زخات المطر وصوت الرعد، الذي شكل مع نباح الكلاب سمفونية حزينة، ألقت بضلالها عليها لتجعل ليلها حالكا طويلا، شعرت بأنه عبث بروحها قبل جسدها، وتركها تكابد المجهول وسط الافكار والكوابيس التي غيبتها عن الواقع وسط وحشه العتمة التي تركها فيها، الى أن افاقت في ظهيرة اليوم التالي على صوت الكلاب وهي تستقبل سيدها وكأنها تود أن تخبره عن مرارة ليلة صعبة مرت لاتشبه باقي الليالي، هرعت اليه بلهفه وعانقته بحميمية محاولة أن تخفي ارتجافات صوتها.

تأخرت كثيرا: كاد الخوف يقتلني. ابعد يدها عنه وتحدث اليها بفضاضة وأطلق زفرات ممزوجة بدخان سيجارته الساخن ونظرات تلوذ بالقلق والحيرة، طلب منها الاسراع بالعودة، الناس يتحدثون عن غيابك إياك وان تتطرقي لما حدث بيننا، انسي كل شيء. عليك ان تبحثي عن سبب مقنع، قولي إنك كنت في المستشفى أو اختلقي أي عذر آخر. سحبها من يدها طالبا منها الصعود الى السيارة كي يعود بها الى اهلها. رفضت الصعود: ماذا سأقول لإخوتي ولزوجي؟ ماذا لو اكتشفوا كذبي، عاد مرة ثانية محاولا سحبها بالقوة كفي عن الكلام ولاتضيعي الوقت تراجعت الى الوراء، وتحدثت معه بعبارات مطمئنه مدعيه امامه الشجاعة: لاشي يدعوا للقلق أتركني فقط لا شأن لك بي بعد الان أنا من أخطأ وانا من يصحح خطئه. فقط دلني على طريق الخروج من هنا، حاول أن يقنعها بالعودة معه للمرة الاخيرة لكنها رفضت، تركها قائلا لها بإشارة حازمة من يده، أذهبي الى الجحيم وإياك أن تذكري اسمي امامهم. خمنت انه سينظر اليها نظرة وداع. لكنه طلب منها بصوت عال، عليك أن تسرعي لأني سأغلق الباب ولن أعود.

لملمت الخذلان داخلها ولعقت جراحها، وهي تجر قدميها بصعوبة كمن يساق الى منصة الاعدام، لكنه كان الى طريق المجهول الذي رسم أمامها خيارين أما مواجهة اخوتها وزوجها وكلام الناس، او أن تميت قلبها وتسير في طريق الضياع. شقت طريقها بين اشجار البساتين المجاورة لمزرعته وهي تبكي بدموع ساخنة دون أن تلتفت خلفها.

بعد ثلاثة ايام متعبة من البحث والتخمينات الخائفة، بين ردهات المستشفيات وبرادات الموتى وسجلات الحوادث توقف البحث عنها حين استسلمت جثتها للتيار وحركة الموج، التي زفت جسدها بلاطبول ومزامير رافقة صياح النوارس واشعة الشمس الحارقة. لتطوى صفحة حياتها في ذلك النهر البعيد دون أن تسمع ما تعهد به زوجها من الوفاء لها طوال حياته.

***

نضال البدري - بغداد/ العراق

 

نعم ولا.

هذا لغز؟

عذراء 80% 20% غير

بريئة؟

نعم

طماعة؟

جاء الرد:

طموحة

كتبت ثانية

تطمع

10%

باردة الأحاسيس

لا 80% 20% نعم

هل أجرت عملية ترقيع لعفتها

توقع10%

بدت السعادة تلوح على أساريري حين جاءت أجوبة الصديق المفترض مطابقة لما سمعته منها، فانسحبت من المقهى الغاص بالزبائن ومشاهد الرصيف الجميل إلى البيت، جلست أراقب المخترقين وأتابع صفقات المديرية وحركات موظّفيها.تناولت غدائي على عجل .. بعض الجبن وخضار، وحين حلّ المساء طلبت من الممطعم القريب (بيتزا) بعد ربع ساعة دفعت للعامل ثمن الطعام والبخشيش ولم أتعّمد النظر إلى وجهه، أغلقت االباب والتهمت طعامي على عجل ثمّ رحت أواصل عملي، قضيت اثنتي عشرة ساعة، بعدها اءني طلب من السيد المدير في أن أبقى في الشغل لظرف طارئ يتعلق بصفقات جديدة.استلمت الرقم السري للصفقة بالهاتف النقال، تحاشيا لأيّة محاولة تلصّص وعدت أكمن وأطارد.

مازال الوقت مبكرا والسعادة تفيض من وجهي:التقطت نفسا عميقا.. إحساس بالصداع والنعاس ينتابني.جاءتني بعد ساعتين إشارة من المديريّة، فأغلقت حاسوب العمل، واضطجعت على الأريكة الطويلة في صالة الاستقبال.الوقت متأخّر قليلا. الحادية عشرة.يمكنني أن أتصل بها.المشاعر تلغي الزمن، وهناك رغية تلحّ.وجدتها صاحية تسهر مع النّت.

داليا.

هل أنهيت عملك؟

قبل ساعات.

هناك أمر جِدّي أودّ أن أحدّثك عنه.

طبعا لم تغامر باالسطو

الحق فكرت.موهبتي تغريني لكنني لم أرد أن أتحوّل إلى شيطانٍ يؤذي الآخرين.

يوما عن يوم تكبر في نظري.

إذن هل تتزوّجينني.

ههه ههه

ماذا؟

ههه ههه

لِمَ تسخرين.

كنت أعرف ذلك قبل أن تنقذني من مصيبة الهاكر.

هذا ضرب من الخيال

بل الواقع

هل أنت واعية لما تقولين؟

وأصرّ على أني صاحية تماما ومسؤولة عمّا أقول.. !

أتأمّل قليلا:هل كانت تطاردني في غلفة منّي؟

كيف كنت تعرفينني؟

إسمع هل تؤمن بالعرافة؟

لا أدري؟

إسمع قبل أن ننقذني من ورطة الهاكر بشهر زارت أمي الشرق هناك التقت عرافا مشهورا كانت تثق به قبل أن يأتي أبي بها إلى الغرب قال لها أشياء عن المستقبل وعندما رجعت سألتني هل أحب مسلما؟

هل فاجأك الخبر

ذلك الوقت لم أكن أعرفك فأجبت بالنفي

النبؤءة..

الخرافة..

الهاجس يلوح من جديد .. على وشك أن تتحقق.. خطوات بيني وبينها، فأتفق معها على موعد، وأغادر الجهاز.

ارتميت على الأريكة، وسرعان ما غرقت في نوم عميق.لا أدري كم طالت نومتي غيابي الوحيد عن هذا العالم الذي أثق فيه.كأني قبلها يقيت صاحيا دهرا.حلمت أني أطير، وأستقلّ الحافلات، أركض في الشارع، أدندن مع نفسي، أعرف جميع لغات العالم، اخترق الجدران

سوبرمان..

لاحدود لقوّتي التي مارستها في شبكة العنكبوت

وحين صحوت، بعثت رسالة إلى السيد المدير أخبره أني مريض ولن أقدر على العمل اليوم.

من حسن حظي أني تآلفت مع الشارع في الحلم

الشّارع الذي لا نهاية له..

قبل الحلم راودتني شجاعة مذهلة في أن أحدد لقاءنا إلى مكان آخر غير منزلي أو مكانها .. هي المرّة الأولى التي أخرج فيها بعد أن مارست عملي الوظيفي من البيت.

هناك رهبة تولّدت في نفسي من الشارع

وقلق من الزحام

كأنّي أرى الشوارع تغيّرت ووجوه العابرين تختلف، هذه المرّة شحذت انتباهي إذ لم يكن يهمّني أن أتفرّس بوجوه االمارّة الذين ألمحهم من النافذة التي أفتحها كلّ صباح لأجدّد هواء البيت.. بعد انهماكي في العمل وقع بصري مرة أو مرتين على ساعي البريد وهو يسلّمني رسائل مضمونة، كنت أعرف أن الرسائل العادية تصل حين أسمع الشِق ّالمعدني أسفل الباب يصدر صوتا وهو يقذف إليّ بالرسائل.. بعض الأحيان أهبّ إلى شقّ الباب فأجد إعلانات لمطاعمَ وشركاتٍ حتّى هذا المشهد اختفى بعد أن حُوّلتُ كل مراسلاتي إلى النت.

كأنّي لا أحبّ أن أنظر إلى الوجوه

ولم اعد أبالي بأيّ مرض أو طاعون يجتاح العالم

يضع العاملون طعامي وشرابي أمام الباب فألتقطه من دون أن أنتبه إلى وجوههم ولا ألمس أحدا

لكنّي

خلال دقائق انتفضتُ من شرنقني

بوضوح أكثر: داليا دفعتني

حفّزّت في روحاً جديدةً

مغامرةً لذيدةً

ويبدو أَنَّهَا أخرجتني من عزلتي لأرى عوالم غريبة تحطيني.اتفقت معها علىى أن نلتقي في المنتزه القريب من محلّ.. سكني الشارع الثالث من جهة الدوار.. منتزه هادئ تعوّدت أن آوي إليه عندما اعتدت على الخروج.

كنتُ في شكٍّ من أمري

كلّ شئٍ تغيرت ملامحه

واستبدت ملامح التبدل في الشوارع

تشوّهت وربما ازدان بعضها بحلّة جديدة

هناك شئٌ ما غيّر المدينة

مشاهد ضاقت وأخرى اتسعت

المنتزه تفسه تقلص حجمه ورأيتُ بعض العمال وأدوات حفر من جانبه الجنوبي

قلت لا شكّ إنها عيني التي اعتادت على ضوء المنزل ترى المناظر بشكل آخر مثل رجل يخرج مباشرة من ظلمة إلى ضوء.

المشاهد لبشر ونبات وحيوات رأيتها على الشاشة ذات بريق ولمعان..

عبرت الباب الرئيس وحثثت الخطى إلى المسطبة حيث تجلس..

وحالما اقتربت تراجعتُ

بُهتُ

وشككتُ في عيني مرة أخرى

والبريق الذي آنسني فترة اعتزالي عن العالم..

داليا داليا

كانت هناك امرأة في الأربعين من عمرها تتتظرني

التجاعيد بدأت تزحف أسفل عينيها

لا زالت جميلة كما هي في الصورة

مدّت يدها وهي تقول:

هذا أنت ربما تغيرت قليلا

داليا؟

نعم .. أخيرا رائع جدا بعد عقدين من الزمان التقينا

كم كنت مغفلا.. نسيت نفسي طاردتُ الهاكرس فاخترقتني السنوات، وطاردني الزمن، تربّص بي حتّى تركتُ السنين تتآكل فلا أشعر بها هل يعقل أني لم أنتبه إلى نفسي أعمل، أدفع الفواتير، أسأل الطبيب، أتبضّع.. أشتري الطعام والملابس عبر النت فلا درك الوقت إلإّا من خلال شاشة صغيرة تلمع أمامي إلى درجة أنّي كنت أتحدث مع داليا كلّ يوم بالكتابة أحيانا وبالصوت أحيانا أخرى أم الصوت والصورة فأرى وجهها مثلما عرفته منذ أن رأيته المرّة الأولى لا يتغيّر.. يتطاول على الزمن.قلت والحيرة مازالت ترتسم على وجهي:

أووه ربع قرن لكن ماذا عنك أنت؟

أنا مثلك نسيت نفسي ولم أنتبه إلى خديعة الوقت

كم مرّت من أحداث..

حروب..

احتفالات

نصر.

.هزائم مات ملوك .. هزّات أرضية.. عوالم تفنى وأخرى تولد.. أشياء جميلة تصبح ممسوخات وأخرى قبيحة تصبح رموزا للجمال.. كان وجه داليا البرئ وهي في سنّ العشرين ينطبع في ذِهْنِي إلى الأبد.. كنا نتحدّث كلّ يوم تقريبا ويكتب أحدنا للآخر ولم نرَ علامات الزمن تزحف على وجهينا

هاكر جديد يتربص بنا

أسميه الآن في هذه اللحظة هاكر الزمن

ولا عتب على صديقني الشبكة هي لاتكذب عليك لكنها لا تنبِّهك إلى خطر يحيط بك

دخلت في ضحك متواصل وضغطت على يدها وأنا أقول :

مارأيك ألا نجلس أو نذهب إلى أي مكان ذي سقف بل نظلّ نمشي ونمشي

فابتسمت، وتساءلت:

ماذا لو تعبنا

قلت بهزة من كتفيّ:

، نقف قليلا نلتقط أنفاسنا بل لا نفكّر بأي مكان نستريح!

وغادرنا المسطبة.. رحنا نمشي ونمشي نتحدث ونضحك نصمت أو ينظر أيٌ منا بعيني الآخر

تعقيب:

كانت هناك نواة لهذه الرواية التي يمكن أن أسميها رواية جيب مهجرية كتبتها في االبدء قصة لمحة ووضعتها في دائرة ثمّ جعلت من الحاسوب أو النت أو الشّبكة العنكبوتية شخصا وتعاملت مع الزمان والمكان بشكل آخر، وفق المخطط أدناه:

 

قصة اللمحة

مطارد المخترقين

كنت سعيدا جدا حين أبلغني رئيسي في العمل أنني يمكن أن أشتغل من البيت.وشغلي نفسه الذي يمتاز بخاصبّة فريدة لا يتطلب مني أن اذهب مثل بقية الموظفين إلى العمل.يمكن أن أكون في البيت وأراقب الكومبيوتر.أحمي المديرية التي أعمل فيها، من المتطفلين والمزعجين والسراق، ومن بحاولون أن يبتزوا الزبائن، أو يتحايلوا على البنوك.

وقد وجدت في ذلك راحة لا متناهية.. أجلس في شقتي المتواضعة وأراقب.. أصطاد الهاكرز والطفيليين عصابات السرقة.

راق لي العمل والجلوس في البيت

وتحولت إلى كتلة من النشاط.

أطنني تحررت من الكآبة تماما.

أجلس صباحا، أفكر وأعد نفسي للعمل.

بدلا من أغادر منزلي في أثناء تساقط الثلوج أو الحر فترة الصيف، وقد أصبح عرضة لهواء المدينة الملوث والزحام والفوضى، أكون بدأت عملي الساعة الثامنة بذهن صاف

راحة

أمان

راتبي الشهري يدخل في حسابي عبر النت.. أطالع باهتمام الفاكهة والخضار واللحوم والألبان على الصفحات الألكترونية فيصل إلي ( الدلفري) وقتما أشاء.

كل شئ يصلني إلى البيت.

أما صلتي بأصدقائي فكانت عبر الهاتف ثمّ انقطعت تماما.

اكتشفت أنّي يمكن أن أعيش من دون صداقات.

ولا يشكّ أحد تماما أن العمل من البيت أغناني عن كثير من المتاعب وجنبني مشاكل الشارع، في الوقت نفسه منحني الهدوءالذي افتقدته في زمن الفوضى حتى اكثر الفنون متعة مسرح وسينما انتقلت إليّ في البيت.

ماعدا أمرا مهما لم أكن لأستغني عنه.

هو الذي يتعلّق بمشاعري وأحاسيي.

الحب

المرأة

العاطفة التي قادتني إلى الآنسة دالية..

في أوقات الفراغ

وليست هي المصادفة

عثرت على أحد المحتالين يحاول أن ينصب على فتاة فاخترفت بطريقة احترافية رقمه السريّ

ثمّ كشفت تلاعبه أمامها

ولعلّها عدتني شهما

أو

بطلا

كتبت لها إنّ الأمر عاديّ ولايستحق كل هذا الثناء

فأعجبت أكثر بتواضعي

وبدأنا نتراسل

حدثتني عن نفسها وحدثتها عن بعض خصوصياتي

كل ليلة قبل أن أنام أكتب لها :تقول :إنها لا اقدر أن تنام إن لم أكتب لها

وشيئا قشيئا

تحولت العادة إلى حب

حب جارف بيننا

هي المخلوق الوحيد الذي أحدثه فكل يومي أقضيه في متابعة الكومبيوتر .

ألغيت الخارج من ذهني

وأقصر عمل أقوم به أفتح نوافذ البيت للتهوية

أو

ألقي نظرة على الشارع من نافذة غرفة الاستقبال

أصبحت محور العالم

كلّ ما في الخارح يأتيني

وحين حان الوقت بعثت لي داليا بصورتها فأرسلت لها صورتي

كانت فتاة رائعة في العشرين من عمرها أصغر مني بخمس سنوات

وهي المرة الأولى التي أحاول أن أخرج فيها بعد أن كلفني السيد المدير بالعمل من البيت

هناك رهبة تولدت في نفسي من الشارع

وقلق من الزحام

كأنّي أرى الشوارع تغيرت ووجوه العابرين تختلف، هذه المرة شحذت انتباهي إذ لم يكن يهمني أن أتفرس بوجوه العابرين الذين ألمحهم من النافذة التي أفتحها كل صباح لأجدد هواء البيت.. بعد انهماكي في العمل وقع بصري مرة أو مرتين على ساعي البريد وهو يسلمني رسائل مضمونة، كنت أعرف أن الرسائل العادية تصل حين أسمع الشِق ّالمعدني أسفل الباب يصدر صوتا وهو يقذف إليّ بالرسائل.. حتى هذا المشهد اختفى بعدما حولت كل مراسلاتي إلى النت.

ويبدو أنّ داليا أخرجتني من عزلتي لأرى عوالم غريبة تحطيني.اتفقت معها علىى أن نلتقي في المنتزه القريب من محل سكني الشارع الثالث من جهة الدوار منتزه هادئ تعوّدت أن آوي إليه عندما اعتدت على الخروج.

كنت في شك من أمري

كل شئ تغيرت ملامحه

واستبدت ملامح التبدل في الشوارع

المنتزه تفسه تقلص حجمه ورأيت بعض العمال وأدوات حفر من جانيه الجنوبي

قلت لا شكّ إنها عيني التي اعتادت على ضوء المنزل ترى المناظر بشكل آخر مثل رجل يخرج مباشرة من ظلمة إلى ضوء.

عبرت الباب الرئيس وحثثت الخطى إلى المسطبة حيث تجلس..

وحالما اقتربت تراجعت

بُهتُ

وشككت في عيني مرة أخرى

داليا

كانت هناك امرأة في الأربعين من عمرها اتنتظرني

التجاعيد بدأت تزحف أسفل عينيها

لا زالت جميلة كما هي في الصورة

مدت يدها وهي تقول:

هذا أنت ربما تغيرت قليلا

داليا؟

نعم أخيرا رائع جدا بعد عقدين من الزمان التقينا

كم كنت مغفلا.. نسيت نفسي طاردتُ الهاكرس فاخترقتني السنوات، وطاردني الزمن، هل يعقل أني لم أنتبه إلى نفسي.. أعمل، أدفع الفواتير، أسأل الطبيب، أتبضّع.. أشتري الطعام والملابس، الناس أمامي صور وأصوات فلا أدرك الوقت .قلت والحيرة مازالت ترتسم على وجهي:

أووه ربع قرن لكن ماذا عنك أنت؟

أنا مثلك نسيت نفسي ولم أنتبه إلى خديعة الوقت

فدخلت في ضحك متواصل وضغطت على يدها وأنا أقول :

مارأيك ألا نجلس أو نذهب إلى أي مكان بل نظل نمشي ونمشي

فابتسمت، وتساءلت:

ماذا لو تعبنا

قلت بهزة من كتفيّ:

عندئذ نفكر ماذا نفعل

وغادرنا المسطبة.. رحنا نمشي ونمشي نتحدث ونضحك نصمت أو ينظر أيٌ منا بعيني الآخر، نقف قليلا نلتقط أنفاسنا بل لا نفكر بأي مكان نستريح!

***

د. قصي الشيخ عسكر

 

أجدادُنا البدوُ

كانوا إذا وعدُوا … صدقُوا

فالكلمةُ تخرجُ من الحلق

مرّةً واحدةً… قالوا

كالرّوح تمامًا

*

أجدادُنا البَدوُ

يَطؤُونَ الحِجارةَ

والرّمْضاءَ

اللّهُ زادُهُمْ

وحَفنةُ التّمر

*

أجدادُنا البدوُ

كانُوا يُؤرّخُون بعام الصّابةِ

أو بعام الوباءِ

ـ مُحمّدٌ ـ عَلِيٌّ ـ عائشةٌ ـ

عندهُم أحسنُ الأسماءِ

وليسَ في الدّنيا أَحَبُّ لديهِم

مِنَ الخَيْلِ…. والنّساءِ

*

أجدادُنا البدوُ

يأكلونَ ما حَضرْ

يَلبسُون ما سَترْ

يَنزلون و يَرحَلون

ولا ينحنُون لأحَدٍ

مِنَ البَشرْ

فَظلّتِ الأرضُ تحتَهم

أضيقَ من خُطاهُم

وَسابعُ السّماواتِ

لم تكنْ مرّةً

أطولَ من أنْفِ

أقْصَرهِم

*

نحنُ الأحفادُ

نقضي أعمارَنا في صناديقَ

والصّناديقُ

في عِمارهْ

ثمّ نقولُ أهلاً وسهلاً

بالحَضارهْ

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

 

كانت البنت قد خرجت خلسة، لا أحد يحفل بالأم وهي تتوحم، هي وحدها أحست بها، أو هكذا بدا لها، هي لا تريد فاكهة، ولا لحما ولا خضراوات نادرة، ولا أي شيء تأكله، قد لاحظت البنت أنها لم تكف منذ الصباح عن الحديث عن الروائح، قالت لها وهي تتشمم الهواء:

- عطر.. عطر غريب.. ساحر يا ابنتي!

دلفت البنت يمنة في زقاق طويل، بسوق زحفت عليه العتمة سريعا، تريد أن تجد قارورة العطر تلك. عشرة دراهم في كفها، تمسك بها بقوة. تذكر أنها في وقت ما كانت قد رأت تلك القارورة الصغيرة العجيبة، في محل غير بعيد بهذا السوق، لا بد أن تجدها، ولا بد أن تقنع البائع بمساومتها، ستحصل على هذا العطر الذي تتوحم به أمها وتأتيها به.

الليل اجتاح المدينة، البنت تبحث عن قارورة العطر، يخبرها صوت بداخلها أنها ستجد ذلك العطر خائفة حائرة.. لكنها مصرة على إيجاد المحل، لا تزال قطعة النقد في كفها المطبقة، تسير بسرعة.. تتوغل في درب مظلم.. تسير وقلبها الصغير يدق.. هناك في عمق الظلام ضوء، تسير نحوه.. هناك، ربما يوجد ذلك المحل.. تسرع الخطى.. ستجد ذلك المحل، لا محالة.. والقارورة الساحرة الصغيرة لا بد انها تتربع على رف بالواجهة الزجاجية للمحل، إنها في شكل قلب فاتن أحمر، يلف جيدها خيط حرير رفيع ذو لون زهري ورأسها الصغير يحمل طربوشا أحمر.. تسير بإصرار، متوجسة، مسرعة.. استدار الدرب.. بلغت بقعة الضوء، وجدت بابا خشبيا مهترئا، به فجوات وشقوق يتسلل منها الضوء، كما تسللت هي من البيت لتحضر ذلك العطر الساحر لأمها، توقفت قليلا، ترهف السمع.. سكينة مطبقة.. تقدمت نحو الباب المهترئ.. قلبها لا يزال يدق بقوة.. دفعت دفة الباب بحذر.. أصدر صريرا مخيفا.. تردد صداه في الزقاق.. اقشعر جسدها الصغير.. فكرت أن تعود أدراجها.. لكن الأم تتوحم بالعطر، تلك القارورة لا بد أن تحصل عليها، نزلت في درج معشوشب مضاء بمصباح معلق في الجدار، كان هناك مدخل.. سمعت خرير الماء.. دخلت.. رأت شموعا تضيء غرفة، دخلت الغرفة.. رأت حوضا ونافورة ماء.. رأت قارورات عطر فارغة، وأخرى بها أنصاف، في كل مكان من الغرفة، في وسط الحوض ثقب صغير كمجرى للماء، سمعت أصواتا رجالية خلف الجدار، هرعت خارج الغرفة، صعدت الدرج، رأت رجلا ملتحيا، يتبعها ويناديها:

- تعالي يا ابنتي!... لماذا دخلت حمام الموتى؟

توقفت قليلا، أجابته حائرة :

- حمام الموتى؟!.. لكنني أريد قارورة العطر الصغيرة الجميلة.

عندما كاد يقترب منها، توجست منه، قال لها في تودد:

- أنت قارورة العطر!

تحسست جسدها ورأسها

- أنا؟ لا!

- تعالي!.. أعطيك عطرا ساحرا

- لكنه عطر موتى!!

خافت منه كثيرا.. كان قد بدأ يصعد الدرجات.. لمحت في عينيه بريقا لم يعجبها.. جرت في الزقاق الطويل المظلم.. كانت تعدو وتصرخ.. وكان هو خلفها، يمسك تلابيب جلبابه بأسنانه وهو يلاحقها.. وكان النور يلوح في أفق الزقاق شيئا فشيئا...

***

قصة

عبد القهّار الحَجّاري

 

 

الفصل السادس من رواية: غابات الإسمنت

في اليوم التالي ذهبت إلى ورشة العمل، كنت صاحبة محل، وظننت أن لجنة السجن ستجعلني أتعلم الخياطة مع مديحة الأقرب إليّ، غير أني فوجئت بقسم الحلاقة.. حلاقة السيدات، في الطريق إلى الورشة قالت لي مديحة بهمس:

- أظنكِ فهمت طبيعة العمل.

- أي عمل؟

- لا تتصنعي البله.. كل ما أروم قوله: لا تعارضي قط.

- أترين ذلك؟

- لا تعتقدي أنك ستتجسّسين علينا، فلن يستفيدوا من أخبارنا شيئا؛ لكن اغتنميها فرصة تقيك عوادي الزمن.

تنفستُ الصعداء؛ إذ إن مديحة تعني أمرًا آخر غير ما فعلته السيدة النقيب معي، فهل أظن أنها اختارتني وحدي في تلك الخصوصية؟ وأنها لا تعنى بالأخريات أو أنهن لا يثرنها، وكانت مديحة تواصل نصيحتها ويكاد صوتها يتلاشى بالهمس:

- أقرب طريق للنجاة ولنصف المدة، انسي قول لا تماما، نسحق وجعنا ونمشي ونبتسم، هكذا سنخذل من ينتظر سقوطنا أكثر.

وافترقنا.. ظننت أن السجينات معي كدن يرين لمسات السيدة النقيب على جسدي من وراء الثياب، وتساءلت: هل فعلتْ الأمر مع غيري؟

ثم اقتنعت أن نظراتهن إليّ لا شك فيها، هناك الطيبات والمجرمات، ولا تستفز واحدة منهن الأخرى، بعضهن يدخّن، وأغلبهن يتحدثن بصوت عال، كان صالون الحلاقة جنب ورشة الخياطة، وكانت هناك لدينا نصف ساعة للاستراحة والحديث، ولم توجد أية رابطة تشدّني للسجينتين اللتين معي في الصالون؛ نجاة نشّالة سليطة اللسان، وأشواق التي لا تعرف واحدة منا جرمها.

كنت ألتقي رفيقتي مديحة في الفرص، ولم أكن بعد أعرف جرمها وسبب سجنها، ولم تسألني عن فعلتي، غير أنني من دونما وازع أسهبت معها في الحديث عن نفسي، تكلمت كثيرًا.. طويلًا، ثم انتبهتُ إلى أنني نسيتُ أن أسألها، هل أكشف نفسي للأخريات من دون أن أعرف من هنّ؟

توقفتُ عن الكلام برهة قلت:

ـ ها إنك عرفتِ عني كل شيء تقريبًا، فهل من حقّي أن أعرف من أنتِ؟

فنظرت إلي بعينين ماكرتين وابتسمت:

ـ تريدين أن تعرفي الآن أم بعد أن نخرج؟

ـ بل الآن؟

ـ حسنا.. أنا مهربّة مخدّرات وزوجي سياسي معارض شهير، طلقني غداة تم الكشف عن حفنة مخدرات في البيت؟

ـ ولمَ لم يُتهم هو؟

ـ كان في الحبس.

ـ وهل صدّق؟

ـ صدق أم لم يصدق، في كل الأحوال هو مات من الصدمة، من الخبر، من التعذيب.. الله أعلم!

ـ هل تزوجتهِ عن حب؟!

ـ أووه.. كان كلّ شيء في حياتي، بل كل حياتي. عندما كنتُ أطلب منه أن يقول لي كلمة لم يقلها لأمرأة قبلي، ولن تسمعها امرأة بعدي.. كان يقول: يا أمّ قلبي وسعادتي.

وهمستُ كأنّي أخاف من شيء مجهول يختلس السمع لكلماتي:

ـ يعني أنك السجينة السياسية الوحيدة من بيننا.

ـ بل قولي زوجي.. أنا ضحية، وأقسم أني ضحية.. لا سامح الله من كان السبب في إرسالي إلى هذا المكان.

انتهت الفرصة فعدنا إلى التدريب، كنت أقف أمام الرؤوس الجميلة المصنوعة من البلاستك، رجال ونساء بشعور طويلة، أقلّبها وأتمعن فيها وأرى التسريحات المختلفة لتلك الرؤوس، أمشّطها وأسدل لكلّ منها شعرها.. أتابع إرشادات المدرّبة ثمّ أتحوّل إلى الأحواض والحنفيّات، ورفوف انتشرت عليها مقصّات وفرش وبضعة أمشاط وعلب صبغات ملونة للشعر.

تلك ستكون مهنتي الجديدة إذا ماخرجت من السجن، كان معي سجينتان أخريان لا تربطني بهما إلا علاقة بسيطة لا ترقى لأن تكون علاقة صحبة وصداقة مثل علاقتي مع مديحة، سألتني الأولى التي كانت تغسل الرأس ذا الشعر الأشقر الطوليّ الخِلقة:

ـ هل صحيح أنك قتلتِ زوجكِ؟

صُدمت للسؤال المفاجيء، على الرغم من أنها كانت تسأل بابتسامة ودودة وتساءلتُ:

ـ كيف عرفتِ الخبر؟

فاندفعت الأخرى ذات الملامح الأربعينية، التي كانت تتدرب على مقص من البلاستك ومشط:

ـ والله، خيرا فعلتِ.. بطلة؛ الرجال يستحقون أكثر من الموت، كلاب مسعورة.

ثمّ أقبلتْ المدربة الطويلة ذات الخمسين عاما وهي تقول محذرة:

ـ هنا لا حديث آخر غير ما يخصّ العمل، وإلا سأرفع تقريرًا بكن إلى السيدة النقيب.

ابتسمتُ في سرّي وتصورت آهات قرفت منها، شعور بالفرح والغثيان، كنت قلقة ومرتاحة في الوقت نفسه، ولا قرف يعلو على رؤية امرأة ترى زوجها عاريا مع أخرى في فراشهما الزوجي، وقد جعلتهما يسبحان في بركة دم، وعيونهما جاحظة نحو السقف، لعلني وجدت في السجن بعض الراحة، ولعلّ السيدة النقيب أعادت لي بعض كرامتي – ربما- وانتقامي.

وأنوثتي أيضا، أنا امرأة تفجرت أنوثة فلماذا خانني زوجي؟ ماذا تملكه الأخريات زيادة عني؟

وكلّ منّا كانت على قدر كلمتها، ونتصرّف بإنسانيتنا بلا غبش، ولا تحقير، ولا نفاق، ولا مكائد، على الأقل هذا ما رأيته في مجموعتنا.

وحالما عدنا من مكان التدريب بنهاية يوم يبشر بالحرية والعمل، حتى رأيت سجينة تصرخ وتندفع نحوي، فهرولت نحوها، لم أكن أحلم، ولا أتوهم، رغم أن الوهم لا يوازي الحلم.. كانت كريمة التي تركتها في التوقيف، ضممتها بين ذراعي، كانت باهتة، شاحبة، صفراء تكاد تسقط فاقدة الوعي، وقبل أن أسألها قالت:

ـ إعدام إعدام، سيشنقونني.

وانهارت في شبه إغماءة، غير أنها كانت تنشج نشيجا متقطعا.

نشيج ميت.. والدموع تسيل على خديها، أيّ سلاح تملكه مخلوقة تعيسة مثلها غير الدمع؟ وسائل لزج يتساقط من أرنبة أنفها، راحت مديحة تمسّد شعرها وتمسح المخاط السائل من أنفها، وأنا أردّد لكي أصبّرها:

هناك الاستئناف، والأمل بالله كبير؛ والسجينات الأخريات يرددن ما أقوله، كأننا بالأمل والدعاء نفتح عقدة حبل المشنقة ليكون سلّما ترتقيه إلى السماء فتنجو من الموت.

***

ذكرى لعيبي

 

 

اقامت امراة ستينية دعوى تحرش على رجل تجاوز الستين بأكثر من خمسة واوكلت محامي عنها فتم توقيف الرجل ثم أطلق سراحه بكفالة ضامنة لحضوره يوم جلسة الحكم وبعد عدة مرافعات حدد حاكم محكمة جنح الرصافة (خ. ك. ت) جلسة الحكم وأكد على حضور طرفي النزاع الجلسة وفي صباح ذلك اليوم صدح المنادي.. محكمة

مرر القاضي نظره على أوراق الدعوة ولاحت ابتسامة خفيفة على محياه ثم نادى على المشتكية وطلب منها تلاوة شكوتها فضج الحاضرين بالضحك وترددت هي فضرب القاضي المنصة بمطرقته مرتين وأمر الجميع بالصمت

قالت المشتكية..

في صبيحة ذلك اليوم كنت ذاهبة الى دكان المضمد لقياس مستوى (الضغط) عندي فوجدته هناك لقياس مستوى السكر في دمه وجلست قريبا منه فهمس هو بالقول..

(اول مرة بحياتي ارى غزالا في غرفة مضمد)

فضج الحضور بالضحك وابتسم القاضي وقهقه المتهم الواقف داخل قفص المحكمة ثم كرر القاضي ضرب المنضدة بالمطرقة وطلب منها أن تكمل..

قالت المشتكية فسألته..

تقصد من بكلامك هذا؟

فرد علي: لا عليك انا أصاب بالهذيان كل ما ارتفعت نسبة السكر في دمي ومع هذا تقبلي اعتذاري وطبطب على ركبتي التي كانت قريبة منه، هنا ثارت ثائرتي وشتمته وارتفع ضغطي حتى تدخل المضمد وفحصني ثم قدم لي كأس من شراب الليمون البارد

فسالها القاضي:

مادام اعتذر منك لماذا الثورة يا حاجة؟

فردت المشتكية:

تمنيته كان شجاعا وأعترف انه كان يقصدني وليس هذيان شخص ارتفعت نسبة السكر في دمه

فاردف القاضي:

وماذا يغير من الوضع لو انه اعترف بأنه كان يقصدك؟

. يتغير كثير يا حضرة القاضي

. كيف؟

. عندما يعترف انه يقصدني سيخالجني شعور وإحساس جميل اني لازلت جميلة والفت نظر الرجال وادفعهم للتحرش بدلا من أن يعتذر بالهذيان.. الست أنثى ولي مشاعر لماذا لا يحافظ عليها هذا المدعي زورا انه يهذي وليس متحرشا بفتاة دخلت دكان المضمد صدفة.

هنا تعالى ضحك الحضور ودوى تصفيق للمرأة صاحبة الضغط والشكوى والستين والاحاسيس الأنثوية .

ضرب القاضي المنضدة بمطرقته الخشبية وهو يقهقه ويفصل كفيه عن بعضهما بعد أن شارك الحضور بالتصفيق.

ثم سألها القاضي وماذا تريدين الآن؟

. اريده أن يكون صريحا ويعترف انه يقصدني بعدها يعتذر مني بقبلة يحددها القضاء أن رغب على خدي أو فوق جبيني.

قال القاضي لك ذلك لكن لنسمع دفاع المتهم الآن ثم التفت القاضي نحو المتهم وسأله:

. بماذا تدافع عن نفسك؟

فقال المتهم..

عذرا سيدي انا لست متعلما بما يكفي ولا اجيد رصف الكلمات وتزويقها من اجل الحصول على حقوقي في الماضي وبراءتي اليوم من تلك التهمة التي هي تدفع للبكاء وليس الفرح او الاتخار بها كما يحصل مع البعض فهل تسمح لي بالكلام على طبيعتي؟

. نعم تفضل لكن مع مراعاة اختيار الألفاظ من غير إساءة

. امرك سيدي

. تكلم

. سيدي انا سكري غير منضبط ويتعبني احيانا وبعد أن تجاوز الحد هرعت للمضمد ورغم ارتجافي كان المضمد مشغول بهاتفه الشخصي ثم دخلت الست (المزيونه) وعطر المسك يسبقها فظننت أن المضمد سينشغل بها ويهملني فقلت ما قلت عسى أن تتنفرز وتترك المكان ليفحصني المضمد.

. ماذا لو قمت بإحالة أوراق الشكوى إلى المحكمة الشرعية وطلبت من قاضيها عقد قرانك عليها بسبب تحرشك بها؟

هنا تعالى تصفيق الحضور للقاضي ولوحت المشتكية بيدها تحية له لكن المتهم استمر بقهقهة عالية فسأل القاضي علام القهقهة أيها المتهم؟

فقال المتهم..

سيدي..

انا مواطن انهكه التعب في بلد لايرحم المسحوقين فيه وعندما سلبني هذا الوطن فتوتي وشبابي وقوتي وبقية عمري رماني على قارعة طريق الامراض من دون ان يعطف علي هذا الوطن بثمن بخس يحميني من غوائل الدهر والامراض لذا كان (المضمد) هو الباب الوحيد الذي يفتح عندما اطرقه هروبا من اوجاعي وهي امراة تنعمت بعيش في كنف والد كان ذا حظوة ووجاهة ومال في عهد سابق وعند الزواج انتقلت الى حضن زوج من الوارثين الجدد الذي جمع المال من كل اطرافه لكنه مات مؤخرا في صراع مع شركائه وهي الان تبحث عن عوض يدفيء فراشها وشيخوختها وابحث انا عن مهديء لأوجاعي في دكان مضمد هل من الانصاف ياسيادة القاضي ان اكون انا عوضا مرتين من دون ان يفكر بي الوطن والقانون ولو مرة واحدة؟

الى هنا ضجت القاعة بالتعاطف معه حتى عجز القاضي عن السيطرة فامر باخراجهم واكمال المحاكمة.

***

راضي المترفي

 

ذاتَ صباحٍ

إِستيقظَ العاشقُ

- الذي هو أَنا -

فوجدَ نفسَهُ طائراً

يترنمُ بسيرةِ الله

والحبِّ والوردِ

والخبزِ والينابيع

*

وذاتَ صباحٍ آخرَ

إِستيقظَ الحالمُ أنا

فوجدَ أَصابعَهُ ناياتٍ

تُرتّلُ سيرةَ الأَرضِ

والناسِ والغرامِ

والنساءِ العاشقاتِ

والمصائرِ الغامضة

*

وذاتَ فجرٍ أَخضرٍ

إِستيقظَ الطفلُ الذي يسكنُني

فوجدَ قلبَهُ يشعُّ اقماراً

ونوارسَ ويواقيت

*

وعندما إِستيقظَ الناسكُ الذي يتَجلّى فيَّ

وجدَ روحهَ تتوهجُ ملائكةً

وأُمهاتٍ وشهداءً

وعشاقاً صوفيين

*

وذاتَ غبشٍ أَبيضٍ

إستيقظَ العارفُ الذي هو أَنا

فوجدَ نفسَهُ كتاباً

يُشعشعُ بالأَسماءِ والرؤى

والوقائعِ المُعتّقةِ

والأَقدارِ اللامرئيةِ

ونصوصِ السماواتِ

و الغيبِ والنشوةِ والعشقِ

والغوايةِ والهدايةِ

فعرفَ سرَّ الأَسرارِ

وراحَ يطوي الارضَ

مثلما يُطوى السجّلُ

وصحائفُ الكينونةِ

وأَلواحُ الأبدية

*

وهكذا ...

أَصبحَتُ في كلِّ صباحٍ

أَستيقظُ فيهِ

أَرى الله في قلبي

وهو ينفحُ فيَّ

من روحهِ

ضوءَ الحكمةِ

وتراتيلَ الخلاص

***

سعد جاسم 

ليْ رغبةٌ في الشعرِ

هل للشِعْرِ رغبةْ؟

يَسهرُ الحُمَّى.. يُرَوِّيْ

مَحْل أيامي العِطاشِ

نَدَىً.. وعُشْبَةْ !

هل لهُ

أنْ يُلْبِسَ الكلماتَ بُرْدَتهُ فَتخضرُّ الرؤى

ويَعُمُّ وعْيَاً سارداً في الناسِ حُلَّتَهُ بأحلا

وتَدُبُّ في أوتار أعينهنَّ عافيةً

وموسيقا...وكُحْلا

فتَصِحُّ بِنْيَتِهَا وتقوى على القريضِ

وتستقيمُ رصانةً

لُغَةً...وصُحْبَةْ ؟!

هل لهُ

أن يحملَ الشعبَ إلَهً

لا يَرى إلاَّهُ حُباً

يستحقُ الحمد في مِحْرابِهِ المغفور ذَنْبَهْ؟!

ويُوافيهِ بِصُبْحٍ يتنفسهُ رَخاءً

بين جَنْبيْهِ معانيهِ تُغَنَّى

ويُصلي نحو (لُقْمَتِهِ) أماناً مُطْمَئِنَّا

ويمُدُّ لهُ يداً تُعْفيهِ عن مَدَّ يَديهْ

لَهُ مُخْلِصَاً

لايُفَرِّطُ شعرةً في حقهِ الحاني عليهْ

في سبيلهِ يَشربُ الموتَ وعَذْبَهْ!

هل لهُ

أن يحتوي وطناً

تَسَرَّبَ من شقوقِ عنائِهِ

طَفَرَاً..وغُرْبةْ ؟!

لي رغبةٌ في الشعر تدفعُني أقولُ...

ولا أقولُ!

وتقولُ أني:

في مدى غَزَلي المُحَدَّثِ لا أُطِيلُ

وأظلُّ أَكْسو بالمشاعرِ

كل سوسنةٍ

وزنبقةٍ...

وخَصْبَةْ!

وتقولُ أنَّ المُعجبات

الرائعات

الدافئات تميُزَاً

قَطَّرْنَ أنفسهنَّ شَهْداً خالصاً

للصَّاحِبِ الموهوب...وَهْبَةْ!

وشَرِبْنَ نَخْبَ وصولهنَّ إلى ضفافِ مشاعريْ

شَرِبَ الندى عصفورهنَّ بألفِ قلبٍ شاعريْ

وأنا وصاحبي رغبتانِ بفرحتينِ

شَرِبْنا نَخْبَهْ!

والشعرُ رغبتهُ تقولُ: ليَ المجالُ

ليَ المجالُ

ليَ المجالْ

فبلِّغوا عني الجَمَالَ بكل حالْ

يا آل بيت الشعرِ

والأدبِ المقدسِ والوصالْ :

إِنِّي بِكُلِّ بَنانةٍ

قلمٌ يُضيءُ.. وشاهدٌ يَهْوَى

ماظلَّ صَاحِبهُ.. ولا في الناس قدِ أَغْوَى

أنا في دِمَاهُ.. وإنني في المُنْتَهى حِبَّهْ

على صِراطي المستقيم أَبُثَّكُمْ

قلبي.. وقَلْبَه!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن – تعز

يا فصحُ قلْ للحبّ مايا لم تَنَمْ

مايا تنير العشقَ في أعلى القمَمْ

*

يا فصحُ قلْ للحبِّ مايا لم تُلَمْ

مايا تحدَّت بالهوى كلّ الهمَمْ

*

يا فصحُ قُلْ للبعث أنتَ خلِ الذممْ

بين الصناديق اشتهى موسى العدَمْ!

*

تحت الصناديق اشترى العرش الشمَمْ!

مايا تنادي كلّ ملكٍ في الصمَمْ

*

فوق الصناديق استوى يبكي الصَنَمْ!

صَوْبَ الصناديق ارتَقَتْ روحُ القَلَمْ

*

بالياسمين المشتهى مايا أتتْ

عيسى مِنَ العلياء يعطينا النِعَمْ

*

بالياسمين المشتهى مايا رَوَتْ

شام الذين تنفّسوا عبق الحِكَمْ

*

هذا الحريق ملاحقٌ ماء القِيمْ

نار الوصاية إذْ تعادي المرتسَمْ!

*

هذا الغريق مسائلٌ قصر الألمْ

دستورُ عشقيَ في حضارات القِدَمْ؟!

*

هذا الربيع معانقٌ مايا الشفا

سحر العيون على نهايات السّقمْ

*

هذا الربيع مخلِّصٌ شعب الشقا

بالوعد مايا قد وفت تحمي القسمْ

*

هذا الربيع معطِّرٌ قلب العطا

بالنبل مايا كم سقت عطشى السنمْ!

***

بقلم: ياسين الرزوق زيوس

روسيا - موسكو 

عبثًا أُحاول...

عبثًا أفتّش عنك أيتها المُثل العُليا

يا صنيعة الشجعان

إن كل ما تعلمته من الكتب؛

تعبٌ هي الحياة

تعبٌ هو الموت.

*

ولكن هل لهذا أكون سعيدًا

هل لهذا رضيّت المجيء؟

أيتها الصخور الشامخات، يا سليلة الرفض الأول

فلنتبادلْ أدوارنا، ولأمتدحنَّ لك الجليد

الذي روى ضمأك.

قالت: الطرقات في كل مكان

ولكنك لن تصل.

قلت: غريبٌ أنيَّ لن أصل

قالت: غريبٌ هذا الجوع الدائم إلى شيءٍ لا تعرفه.

*

الأنبياء صامتون..

والبشريُّ يحمل على ظهره صخرة سيزيف.

آهٍ، ما أثقلها

تلك الحيوات التي تشبه بعضها.

*

في أعماق الخير والشر

البوصلة تشير إلى القبور

الخرائط كلّها تشير إلى القبور

يا إلهي، أأنا صنيعة اليوم الثّامن؟

طفلٌ هرول إلى أمه باكيًا، فقابلته بصفعة !

*

آهٍ، أيتها المُثل العُليا، يا صنيعة الشجعان

يصعب على عقلي القياسي أن يتقبل فكرة وجودك

فأستميحك عذرًا..

أستميحك - أنا متعفّن بالأحلام.

*

أتمنى أن أنزع رأسي كما ينزع الطفل حقيبته

وأنامُ.. في إجازة أبدية.

***

ضرغام عباس

قالت لي أمي أنني ولدت يوم الثلاثاء الساعة الثالثة فجراً وأن ولادتها بي كانت يسيره ولكن كل شيئاً بدا عسيراً بعد ذلك.. الطقس كان شديد التقلب والسماء لم تتوقف عن المطر لثلاثة أيام متتالية لحفتني بالبطانية وغطت وجهي بطرف خمارها الأسود وركضت إلى البيت مسرعة خوفاً من أن تصيبني حمى.

منذ ذلك الحين وأنا أطيل النظر في الأفق سائلة السماء لماذا فتحت لي أبوابها لثلاثة أيام؟ ما الذي أقدمته كي تستقبلني إلى العالم بكل ذلك الأنين..

تنفست سواد خمار أمي في تلك اللحظات السريعة إلا أنه تغلغل لقلبي طويلاً ذلك اليوم حيث خلقت بتفاصيله الغير إعتيادية أكسبتني شاعرية..

لم أتم الثامنة من عمري حينما شعرت بعبء الوجود والسؤال حول من أين أتيت ولماذا!؟ لم أقتنع بأي إجابة مما سمعت ولعل أقسى الإجابات كانت لأخي الأكبر الذي أخبرني أنني قدمت للحياة في سوبر ماركت كهدية مجانية مع علبة حليب مجفف "

بالطبع لم تكن إجابته منطقية لي ولكني شككت بها..

ولدت بتلك المدينة الباردة كنا نقطع طريق الهدا الجبلي كل اسبوع "طريق وعر جدا ورحلة ساعتين نزولا من أعلى الجبل إلى أسفله بلا توقف للوصول إلى مدينة جدة

كان يلزمني أخذ منوم " قبل دخولنا الطريق أو أبقى بلا نوم قبل يوم من موعد عودتنا أو رحيلنا لأني لا أحتمل دوار الحركة، كنت أعيش مشاعر متناقضة.

أصاب بالآكتئاب قبل رحلة نزولنا الى جدة لأنني أحمل هم الطريق ولا أريد مغادرة البلد، كان قضاء ٣ أيام بمنزل جدتي الصغير وحكاياتها وتدليلها لي وهي تعتني بشعري بالزيوت والمساج والحناء ومتابعة برنامج "حروف وألوف" برنامج المسابقات الذي لم يربح به أية متسابق أو مشاهدة مسلسل "دنيا القوي" والرقص على أغاني محمد عبده أكثر سعادة لي من لقاء قريباتي حيث اضطر الى احضارملابس سهرة أنيقة معي لعزائمهم المفاجئة وضيوفهم البرجوازيين ومجاملة مجتمع لا أنتمي إليه..

و أصاب بالإكتئاب في طريق عودتنا من جدة، لأن تلك المفارقات الإجتماعية تشعرني بأنني أعيش في عالم ثالث أكثر بدائية..

ومع ذلك بقيت بقلبي أمنية وحيدة هي أنني أنتقل للعيش يوماً ما إلى جدة والإعتراف بي رسمياً ضمن أحد رموز الطبقة المخملية غير مدركة ذلك الوقت انني فتاة جبلية وان تلك البساطة قد إلتصقت بوجداني، بذاكرتي للأبد..

في رحلة عودتنا للطائف

بعد لهيب شمس مكة وحرارة أرضها ورطوبة أجواء جدة، أستيقظ وأتحسس زجاج السيارة البارد مجرد دخولنا لمنطقة الهدا، وعلى يسارنا سوق الفواكه الطائفي. افتح شبابيك السياره وأفرد شعري وأطلب من والدي يزيد السرعة. كنت أشعر بنشوة فظيعة والهوا البارد يضرب براسي. مرضت كثيرا في موسم الشتاء بسبب هذه الشقاوة"

كان بيت جدتي يقع في منتصف سوق البلد الشعبي. كنت انزل السوق اكثر من ٣ مرات باليوم بسبب أو بدون سبب حتى تفقد جدتي الهادئة الحنونة أعصابها وتوبخني ثم سرعان ما تندم وتراضيني بعشرين ريال اضافية بنزلة رابعة لمحلات أبو ريالين لشراء "الروج السحري" او "طقم الأظافر"

أو الذهاب للبقالة وطلب ماشئت منها والمبلغ "على الحساب"

والعشاء من مطعم الفلافل الشهير "ابوعنتر" وأنا أصارع النعاس بعد الإستحمام وانتظار جدتي تسمح لي أخيراً بالنوم

لأن النوم بعد الأكل يسبب تلبك معوي.

بسبب دلال جدتي لا اذكر أنها تفقدت ملابسي قبل الخروج من البيت على عكس والدتي طبعاً

أخرج مرتدية ثوبي الشعبي الأخضر المزين بالزهور الوردية و"شبشب أسود" حاولت أمي التخلص منه عدة مرات بلا فائدة، أنزع الربطة من شعري الطويل واتركه ينطلق معي كانت لدي قناعة أن تسريح شعري وربطه يفقدني هويتي..

كلما شعرت بالإكتئاب والوحدة.. انزل للسوق. تلك البقعة من العالم التي لاتتوقف عن الحياة..

كانت الضوضاء وأصوات الباعة ينادون على بعضهم وصراخ الأطفال تملأ قلبي..

أركض من السلالم القديمة وجدتي تصرخ لتحذرني كل مره من الدرج المتصدع الذي لم يصلحه أحد حتى موتها

أمر على بائعي الأقمشة أفتح لفة من القماش وأدور داخلها لألفها حول خصري حتى يصرخ بي العم عبد الوارث وأهرب للباب، وأنا أرى نفس الإبتسامة على وجهه، أخرج من عنده، أجلس أرضاً في البسطات أساعد العجائز في بيع العسل وال "المضير" عبارة عن أكلة شعبية مصنوعة من حليب الماعز المجفف، لم أكن أطيقه لكني أسوق له جيدا وحلاة السكر والليمون " وأسأل العجوز بخبث "ماهذه؟" لترد علي بلهجة لا افهمها، كثيراً مانجحت في تحقيق المزيد من أرباحهن لأنني بالطبع كنت أكثر صخباً وجرأة من بناتهن..

أو أقايض العجوز الأخرى على البيع مقابل "ألعاب نارية" تسمى "طراطيع الثوم" لإلقاءها بالصف ثاني يوم وإرهاب المعلمات..

أو ربما كيس كامل من ال "فش فاش" أو مقرمشات "أنا خليجي" وبعض التسالي الأفريقية "حمر، حلاوة حمر،حبحبوه، وبودرة غريبة لا اعلم مكوناتها للان لكني أبتلعت الكثير منها

بعد الإنتهاء من إزعاج البائعات أركض داخل السوق. يسرق قلبي منظر محلات الذهب على مد البصر. أتوقف عندها ألصق وجهي بالزجاج حتى يتسخ ثم أدخل أقيس الأساور والخواتم وأسرح بخيالي أنني أملك كل هذا الذهب، ثم أنزع تلك المجوهرات وأخرج

كنت أفعل هذا بشكل متكرر حتى انزعج بعض الباعة في معظم المحلات وشكوني لجدتي ومنعوني من الدخول والعبث بالذهب". ماعدا بائع في أحد المحلات البعيدة لم ينزعج مطلقاً من ترددي عليه واللعب بسلسلة على شكل "رجل الثلج" يتراقص عنقه وأقدامه مع الحركة مصنوع من الذهب ومزين بالياقوت والفيروز

لأتفاجأ في يوم بعدم وجود السلسلة بكيت كثيراً وقبل خروجي نادى علي وناولني علبة وطلب مني فتحها..وقال لي "سألت جدتك وقالت لي انك شاطرة بالمدرسة واخذتي ترتيب الأولى، هذه التعليقة اللي تحبينها وهي هدية مني لك"

ركضت نحوه واحتضنته واحتفظت بتلك الهدية سنوات طويلة وفقدتها في البحر لاحقاً

عند تخرجي من الثانوية وقبل أن تصاب جدتي بجلطة في الدماغ تفقدها القدرة على الكلام والحركة أهدتني خاتم زفافها"مرصع ب ٦ صفوف من الألماس". احتفظت به لغدر الأيام لكنها وضعت الأمان بين يدي ومازلت حتى هذه اللحظة احتفظ به وبها.

كبرت وتحققت أمنيتي وانتقلت للعيش بجدة لكني أدركت أن بساطة وجمال تلك المدينة هي ما تنتمي إليه روحي.

يتبع..

***

لمى ابوالنجا – كاتبة سعودية

 

ورفرفت من ذرى الجولان قبّرة ٌ

تبكي على حالها والدّمع ُ ينهمر ُ

*

إني أخاف ُ، هنا الفندالُ والتتر ُ

شِدّي الحزامَ ليبقى السّيفُ والحَجرُ(*)

*

أوصيكَ بالحذر الشديدِ يا بلدي

فبعد كارثة ٍ لا ينفع الحَذر

*

إني أتوقُ إلى رؤياك يا وطني

كما تتوقُ إلى الحقيقةِ الفِكرُ

*

إني أتوهُ بلا حِماكَ مُضطرباً

كما تتوهُ بهذا العالم ِ الغجَرُ

*

أهذه الشام ُ دارُ الخلدِ باقية

أم هذه الشام ُ دَرْبُ الخلدِ يَزدهِرُ؟

*

دمشقُ جنة ُعدن ٍ نحوها نحدو

والشرق ُ شاطئُ دفء نحوَهُ السّفرُ

*

والعز يَبدأ من دمشق َ تاريخُه ُ

أرضِ المروءاتِ، حيثُ البَدو والحَضَرُ

*

هنا الضياءُ...هنا السّناءُ والقمَرُ

هنا الجَمالُ ...هنا الدلالُ والسّمَرُ

*

هنا الهلالُ ...هنا الصّليبُ والكتبُ

والحُبّ يلقاكَ والتهليلُ والبَشرُ

*

يا شامُ، يا زينة َ الدنيا، أيا بلدا

يحلو لنا مِثلما للعاشِق ِ النظرُ

*

يا شامُ، يا عشقنا وحُلمَ أحلامِنا

أنّى نظرتُ بكِ التاريخُ والعِبَرُ (**)

*

أنا العروبيّ في العشرينَ أجدادي

ثارَتْ بَنادقهُم للأرضِ تنتصِرُ

*

لِميسلونَ تنادتْ نخبة النخبِ

لردّ بغي أسودُ الغابِ تنتشِرُ

*

وفا المُحبّ أيا شآمُ يَسري بنا

لا لومَ إن شاءتِ الأيامُ والقدَرُ !

*

طلبتُ ودّ كِ يا شآمُ مُشتاقا

أرضُ الجُدودِ لكلّ الناسِ مفتخرُ

*

فيروزُ والشامُ والحنينُ يَسرقني

نحو الطفولة ِ، حيث الكرمُ يُعتصَرُ

*

إني أتوقُ إلى رؤياك يا وطني

كما تتوقُ إلى الحقيقة الفِكرُ .

***

بقلم إسماعيل مكارم

....................

*) الفندال - قبائل متوحشة كانت تهاجم بلدات الفيكينج في شمال أوروبا وتدمر وتقتل. في الشطر الثاني من البيت الثاني المُخاطب هنا دمشق.

**) في كلمة أنى النون هنا فوقها تشديد.

كتبتُ هذه السطور في عام 2008 وقدمتها في لقاء للرابطة السورية في موسكو. دونت هذه القصيدة على وزن البحر البسيط .

في زمن الحصار الجائر

تلك الكذبة التي انطلت علينا نحن الفقراء

اتذكر أقراطي وخواتمي التي تبرعت بها أمي للمجهود الحربي

أو لخزائن الطاغية لا احد يعرف

كنت اتلمس اذني كل صباح

افتقد تلك الموسيقى المحببة

وذلك الرنين العجيب

لذلك كلما رأيت اقراطا تتأرجح على عنق فتاة

أو خاتما ثمينا يلمع في يد امرأة ثرية

اتذكر أقراطي وخواتمي ودموع أمي

وهي تعدني بأساور من فضة وعقد من ماس

أتذكر ارغفتها التي لم تزل ساخنة

ومجبولة بدموع الحنين

تلك الأرغفة التي تمنحنا عشاء شهيا يليق بأحلامنا

وتبقى هي جائعة تحلم

بوجوهنا السمراء التي يضيئها خبز العافية

***

رسمية محيبس

 

أنا الانَ في السبعينَ

الى اينَ امضي

ربطةُ عنقٍ حمراءُ

*

نرسمُ خططاً لسفرنا

نزورُ أبعدَ المدنِ

شجرةُ زيزفون بعيدةٌ

*

عشاقُ دروبِ الحربِ

سذاجةٌ وانتحارٌ

تماثيلُ مترنحةٌ

*

يذيعونَ أخبارَ الانتصارِ

يجمعون الشتاتَ

كذبةُ نيسانَ

*

يقرأون التاريخَ

عشرينَ قرنٍ

دميةً في النفاياتِ

*

تخبرني الكلماتُ

أرسمها لوحةً فاتنةً

عشاً للعنادلِ

*

كلما ايقضتني المسافاتُ

صحوةٌ تتجددُ

اوراقٌ تتساقطُ

*

كلما يزورني الغبشُ

أرسمهُ كالعشقِ

موناليزا مسروقةٌ

*

في شرقِ المتوسطِ

يعشقونَ ادوارَ البطولةِ

سلحفاةٌ عمياءُ

*

الأرجوحةُ تتموجُ كالبحرِ

تهزها الريحُ كرهاً

الفجرُ انتحرَ كمداً

*

ليتَ الايدي لا تصفقُ

لتموتَ الدكتاتورياتُ

قصيدةُ رفضٍ

*

قرأتُ قصصَ الاحزانِ

عديدها جميلاتٌ

قلادةٌ ابديةٌ

*

أسبحُ في الاحلامِ

نجادتي امرأةٌ

سنونو غريبٌ

*

لا أفارقُ إلا الخونةَ

أو فرحَ الغرماءِ

غيمةً مسافرةً

*

موتيلاتُ الغربةِ تشغلني

أنادمُ فيها خلوتي

قطارٌ مضى

*

الحافلاتُ تذهبُ بعيداً

صمتُ ركابها مطبقٌ

طفلٌ حزينٌ

*

عندَ صخورِ البحرِ

ترتجفُ الامواجُ

غزالٌ جريحٌ

*

في كلِّ مساءٍ

تستيقظُ نجمةٌ

محارةٌ تائهةٌ

*

ارتشفُ فنجانَ قهوةٍ

اكتبُ قصيدةً

رفوفاً باليةً

*

وطنُ المشانقِ والسجونِ

هروبُ الانفاقِ

مظفرُ النوابِ

*

أمهاتنا لا يعرفنَ الجدائلَ

السوادُ عادةٌ

ظلَّ تائهً

***

عبدالامير العبادي

وَنَخلةٍ قَامتْ عَلى الهُــزالِ

رأيتُـها تَــنُـوءُ فِي اِنْـعِـــزَالِ

*

مَا بَالهُمْ قَد أهمَلُوا حِماهَـا

ولا يُبالونَ فلمْ تُــــــبَـــــالِ

*

هَانتْ عليهِمْ ما دَرَوْا جمَالًا

ومَا بِهِمْ حِسٌّ إلى الجَـمــالِ

*

فَلا جريدٌ باسقٌ تدلّــــــى

عُـرجُونهُ يَميلُ في اِنـثِــيَـالِ

*

ولا حَمامٌ ساجعٌ يُـناجـــي

مُرفْرفًا يَـحِـنُّ لِلـــوصَــالِ

*

يا واحةَ الجنُوبِ، اُذكُـريـهَا

بينَ سَــواقِــي مائِـكِ الـزُّلالِ

*

إلى خَريرِهَا تَحِنُّ شَوْقًــا

بِرغم عَصْفِ الرّيح والرّمــالِ

*

إنّي الغَريبُ جِئتُها مُعَنّـى

صَبري كصَبرِها على النّــبَـالِ

*

لمّا رآني جِذْعُها تَــدَانَـى

وضـمَّـنِـي فَـحَالُــهُ كَـحَـالِـي

***

سُوف عبيد ـ تونس

......................

هي نخلة باسقة تعترضني عندما كنت أمرّ بجانبها في طريقي إلى ـ النادي الثقافي الطاهر الحدّاد ـ في مدينة تونس العتيقة غير أنّي لاحظت في السّنوات الأخيرة أنها باتت مَوضعًا للنّفايات والفضلات ممّا جعل مرآها يحزّ في النّفس.

 

 

وَها أنذا ...

أحَاولُ أنْ أعبُرَ يَائساً مِنْ

حيثُ أتيْت.

الأرْضُ بِداخلي صَغيرةٌ

بِحجْمِ عَينِ إبرَة.

ورَأسي الثقيل بِأوْجاعِ التفكير

فِي المُستحِيل لا،

لا يُطاق...

**

أحَاولُ، أخيرا، أنْ أصْنعَ مِمَّا

تبَقى منْ ظِلي

طُرُقا جَديدَة

لِلموْتِ

مَادامَ لِجسَدي

هَوْسُ

الفنَاء ...

**

قدْ أكونُ غَريباً

بِلا غُربة،

في قلبِي المُبعثرِ

وَسط حَقيبةِ عَتْماتِ

مُسافِرٍ شاردٍ

فِي وَجهِ رياحِ وُجْهاتٍ

لا تَحمِلُ منْ هُويتي،

غيْر جَفافِ حَلقي

منْ عَويلٍ قديمٍ

مَنْ أكون ...؟

**

وبِمِقصِّ ضَجري.

أقَطِّعُ

وُجوهَ غُربَاء ابتسَمُوا،

بِداخِلِ لوْحةٍ كبيرَة مُعلقة فِي فمِ

الضَّياع.

لمْ يتْرُكوا وَراءهُم مَنْفذاً

لِلرُّجوعِ إلى

مَنْبعِ الألوانِ التِّي،

اختلطتْ بِدمائِهم

حينَ غادرُوا مُدنَ اسْمنتٍ بَارِدة

حينَ اسِتسلمُوا

لأوَامِرَ جَاهِزة

بِالرَّحِيل ...

**

فكمْ يُرهِقني الرَّكضُ وَراءَ ظِلي،

أصبحتُ هكذا، أبَدِّدُ بِإصرار ..

عُنفوانَ خُطواتِي البَطِيئة

نحْوَ أسْفل آخِرِ صُورةٍ التقطتُها لِي

صُدْفة ...

وَحِيدا

بلا وجه

بِلا أرْجُلٍ.

***

حسن حصاري - المغرب

في نصوص اليوم