أقلام حرة

أقلام حرة

تنعقد هذه الأيام في نيويورك جلسات منظمة الأمم المتحدة التي أنشئت في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة وبلا شك فأن انبثاقها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح  في محاولة القضاء على الاستخدام غير المشروع للقوة، من خلال التهديد برد عسكري، وهي واحدة من الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة، وتحتل الجمعية موقع الصدارة بين تلك الأجهزة لإنها الجهاز الرئيسي للتداول وتقرير السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة،وتضم الجمعية العامة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة والتي من أهم المواد التي يجب مناقشتها هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين حماية حقوق الإنسان تقديم المساعدات الإنسانية تعزيز التنمية المستدامة. لقد كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إنجازا مذهلا عندما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1948، حيث كان كاسحا في نطاقه وطموحه أكثر بكثير من أي نص قبله أو بعده. وعلى غير المتوقع تقريبا، وبخاصة بالنظر إلى مناخ الحرب الباردة السائد حيث استطاعت الأمم المتحدة الاتفاق في عام 1966 على معاهدتين رائدتين تتناولان الحقوق الأساسية في الميدانين المدني والسياسي، فضلا عن الميدانين الاقتصادي والاجتماعي، وكان نفاذ كل منهما في عام 1976 (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). وفي غضون ذلك، شاع وضع المعاهدات بشأن أشكال محددة من حقوق الإنسان بدءا من حظر التعذيب (اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، عام 1984) وانتهاء بالقضاء على التمييز ضد المرأة (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، عام 1979)).

 وللحقيقة فأن منظمة الأمم المتحدة ليست أفضل ولا أسوأ إدارة من أغلب المنظمات الكبيرة. فهي تواجه تحديات ناشئة عن انتشارها العالمي، بيد أن هذا ما يواجهه أيضا العديد من المنظمات العالمية الاخرى  وسيواجه اي أمين عام ينصب تحديات قيادة ضخمة في إنعاش المنظمة والإبقاء على حيويتها ما دام ان  لا يزال عند الأعضاء الخمسة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا  "والذين هزموا ألمانيا وإيطاليا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية" سكان القيادة والمحددّات الحاسمة لمستقبل هذه المنظمة، وقد يرغب أي منهم، أو لا يرغب، في مواجهة الحاجة العاجلة إلى إجراء تغيير جدي.

مع بداية النصف الثاني للقرن العشرين تغير الأمر بنوع آخر وهو  انتقل الاهتمام في العلاقات الدولية من إطار الدول والتزاماتها وحقوقها إلى الأفراد وحقوقهم. وبدأ الاهتمام بحقوق الأفراد يتوسع شيئًا فشيئًا، بداية من حقهم بالحياة ومنع التمييز العنصري، وصولًا إلى حرية الفكر والعقيدة والعمل.

لا تقل الحماية الدولية عن غيرها من مواضيع القانون الدولي أهمية، ولا تقصر عن غيرها في إثارة الخلافات الفقهية والقانونية، للوقوف على حقيقة هذا المصطلح، فالحماية الدولية تمثل في بعض الأحيان فعل من المجتمع الدولي لتجنب انتهاك حقوق الإنسان، وفي الأغلب ردة فعل على انتهاك هذه الحقوق، ويعد من الأهمية بمكان توضيح المراد بالحماية الدولية، والتي من الضروري تحديد نطاق عمل ويمكن تعريف فرعين منها للإحاطة بمفهوم الحماية الدولية والفرع الأول: حيث تعريف الحماية الدولية لحقوق الإنسان لغةً واصطلاحاً، ثم بيان مصادرها، أما الفرع الثاني :دراسة تطور الحماية الدولية ووصولها الى ما وصلت إليه، وكذلك أهمية الحماية الدولية في الوقت الحاضر،وهناك تسأل عن مستقبل هذه المنظمة الدولية، وما إذا كان العالم سيكون في وضع أفضل من دون الأمم المتحدة؟ لكن البعض يعتقد أن حق الاعتراض (الفيتو) المعمول به في مجلس الأمن على الرغم من عيوبه الكثيرة، فإنه كان ضرورياً ومفيداً في منع اندلاع صراع بين القوى النووية، كما أن الأمم المتحدة تواصل دورها في مجالات أخرى مهمة وسط الحروب التي تفشل في وقفها، مثل تقديم الإغاثة والمساعدات ورعاية اللاجئين والأطفال، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية وقت الأزم

***

عبد الخالق الفلاح باحث  واعلامي

ترجمة: عبده حقي

الأخطار الطبيعية هي أحداث الطقس والمناخ الشديدة الخطورة للغاية . وعلى الرغم من أنها تحدث في جميع أنحاء العالم، إلا أن بعض المناطق تكون أكثر عرضة لمخاطر معينة من غيرها. وقد تتحول الأخطار الطبيعية إلى كوارث عندما تدمر حياة الناس وتقوض سبل عيشهم.

ويقدر الآن متوسط الخسارة السنوية العالمية المتوقعة في البيئة المرتبطة بالأعاصير المدارية (الرياح وعرام العواصف) والزلازل وأمواج التسونامي والفيضانات بنحو 314 مليار دولار أمريكي. ويشكل هذا الخطر تحديا حقيقيا للأجندة العالمية للتنمية المستدامة. (...) بالقيمة المطلقة، يتركز متوسط الخسارة السنوية العالمية في الاقتصادات الكبيرة ذات الدخل المرتفع والمعرضة للمخاطر. ومع ذلك، فيما يتعلق بالاستثمار الرأسمالي السنوي أو الإنفاق الاجتماعي، فإن العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وخاصة الدول الجزرية الصغيرة النامية، لديها أعلى تركيزات هذه المخاطر.

وتشكل الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن مثل هذه الكوارث عائقا رئيسيا أمام التنمية المستدامة. ومن خلال إصدار تنبؤات وتحذيرات دقيقة في شكل يسهل فهمه والعمل على تثقيف الناس حول كيفية الاستعداد ضد هذه المخاطر، قبل أن تتحول إلى كوارث، حيث يمكن حماية الأرواح والممتلكات. وينصب التركيز على الحد من مخاطر الكوارث فدولار واحد يستثمر في الاستعداد لمواجهة الكوارث من الممكن أن يمنع خسائر اقتصادية مرتبطة بها بقيمة سبعة دولارات ــ وهو عائد كبير على الاستثمار.

بصفته موقعًا على إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030، تعهد أعضاء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية  (WMO) بمنع مخاطر الكوارث الجديدة والحد من مخاطر الكوارث الحالية من خلال تنفيذ مجموعة من التدابير المتكاملة والشاملة التي تمنع وتقلل من التعرض للمخاطر والقابلية للتأثر بالكوارث، وزيادة التأهب للاستجابة والتعافي وبالتالي تعزيز القدرة على الصمود. ومن أجل دعم تقييم التقدم العالمي في تحقيق نتائج وأهداف إطار سينداي، تم الاتفاق على سبعة أهداف عالمية، معظمها له آثار مباشرة على المنظمة وأعضائها.

يتم دمج وتنسيق أنشطة المنظمة للحد من مخاطر الكوارث مع المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية الأخرى. وتقوم بتنسيق جهود المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا للتخفيف من الخسائر البشرية والممتلكات من خلال تحسين خدمات التنبؤ والإنذارات المبكرة، فضلاً عن تقييمات المخاطر، وزيادة الوعي العام.

تحدث المخاطر الطبيعية عبر نطاقات زمنية ومناطق مختلفة، وكل منها فريد من نوعه بطريقة ما. فالأعاصير والفيضانات المفاجئة هي أحداث عنيفة قصيرة المدى تؤثر على منطقة صغيرة نسبيًا. وتتطور حالات أخرى، مثل الجفاف، ببطء، ولكنها يمكن أن تؤثر على معظم القارة والبلدان بأكملها لمدة أشهر أو حتى سنوات. كما يمكن أن تنطوي الأحداث الجوية القاسية على مخاطر متعددة في نفس الوقت أو في تتابع سريع. بالإضافة إلى الرياح العاتية والأمطار الغزيرة، يمكن أن تؤدي العاصفة الاستوائية إلى فيضانات وانهيارات طينية.

في خطوط العرض المعتدلة، يمكن أن تكون العواصف الرعدية الشديدة مصحوبة بمزيج من حجارة البَرَد الكبيرة والمدمرة، أو الأعاصير، أو الرياح القوية أو الأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى فيضانات مفاجئة. يمكن أن تساهم العواصف الشتوية المصحوبة برياح عاتية وثلوج كثيفة أو أمطار متجمدة أيضًا في حدوث انهيارات جليدية على بعض المنحدرات الجبلية وفي ارتفاع جريان المياه أو الفيضانات في وقت لاحق من موسم الذوبان.

تتولى بعض المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمراكز المتخصصة مسؤولية التحقيق في المخاطر الجيوفيزيائية بما في ذلك الانفجارات البركانية (الرماد المحمول جواً) وأمواج تسونامي والمواد الخطرة المحمولة جواً (النويدات المشعة والمواد البيولوجية والكيميائية) والتلوث الحضري الحاد.

***

........................

* مقالة مترجمة عن موقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

دائماً ما يواجهني قرّاء أعزّاء بسؤال: لماذا تعود دوماً إلى تجارب الشعوب؟ البعض من القراء يضيف: هل تتوقع أن ساستنا ومسؤولينا يهتمون لما يجري في بلدان العالم؟.

أنا يا أعزائي، لا أكتب من أجل الساسة والمسؤولين، فأنا أدرك أن الكثير منهم يعتبر القراءة رجس من عمل الشيطان، وبالتأكيد، ولست أريد منهم أن يتجولوا في الأسواق مثل ميركل أو يركبوا الدراجة الهوائية مثلما يفعل بوريس جونسون عندما كان رئيسالوزراء بريطانيا، كل ما أريده وأتمناه أن أشاهد ضابطاً كبيراً في الشرطة أو الجيش يمشي في الشارع دون أرتال من الحمايات والسيارات المضللة، لا أقبل أن يتحسر العراقي وهو يشاهد مسؤول في بلدان العالم يذهب إلى مقر الحكومة من دون حمايات، فهذا نوع من أنواع البطر وقانا الله وإياكم "البطرانيين" امثال رئيس وزراء كندا الذي يحتضن المواطنين في الشوارع ويلتقط معهم "السيلفي". ياسادة نحن شعب يخاف على مسؤوليه بدليل أننا لا نزال نمنح الكثير من المسؤولين السابقين رواتب ومخصصات لأفراد حمايات غير موجودين على أرض الواقع، وأن معظم هؤلاء السادة يعيشون في بلدان اوربا. بل أننا ياسادة البلد الوحيد الذي يضع أفواجاً من الحمايات لشخصيات لا تملك مناصب في الدولة، ونقطع الطرق من أجلهم ونخصص لهم عشرات "الجكسارات"، فهل يعقل أن نسمح لمسؤول كبير بأن يتسوق بمفرده دون حمايات ولا مصفحات، ولا ضجيج؟. وهل من المنطق ان نسمح للناس ان تسكن بالقرب من بيت المسؤول، وان تتلصص عليه صباحا ومساء. ستقول بالتكيد : ما أعظم المسؤول حين يؤمن أنه إنسان عادي في زمن يصر فيه المسؤول والسياسي العراقي أن لايخرج إلى الشارع إلا وأفواج الحمايات تحيطه من كل جانب، خوفاً من نظرات الحسد التي يحملها المواطن العراقي لمعاليه.

ولهذا اتمنى أن لا يظن بعض القراء الأعزاء أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد لا تبجل مسؤوليها وبلاد أصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إن المسؤول الحقيقي مطلوب منه أن يعرف معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الشكوى.

ولهذا ياسادة ياكرام أجد أن الكتابة عن تجارب الشعوب، أهم وأنفع للقارئ من أخبار الأحزاب السياسية في العراق والتي تريد أن تدخل موسوعة "غينيس" وتعيد لنا حكاية علي بابا وحراميته، ولافتات العشائر التي لا تريد أن تغادر عصر الزعماء، وقوانين قراقوش التي تريد أن تعيد لنا مجالس المحافظات والتي لم تجلب لنا سوى الخراب، ولهذا وجدت أن أخباراً مثيرة عن شعوب حية، أجدى بالكتابة عن تخصيص " نفرين " حماية للدكتور حيدر البرزنجي !!. هذه ليست نكتة رجاء. أنها حقيقة.

***

علي حسين

العقل والنقل، التأويل والتفسير، مفردات مهيمنة على وعينا ومستلبة لإرادة مفكرينا ومثقفينا، ونخب الأمة بإختلاف توجهاتهم الإبداعية، وكأن أمم الأرض بلا أديان، وأمتنا ذات دين، ونشاطاتها ومنطلقاتها تتمحور حول الدين، وتتقيد بمناهجه وما تدل عليه نصوصه الدينية.

فربما منذ بدايات القرن التاسع عشر، والأمة متوحلة بهذه المفاهيم التي ما أوجدت ما ينفعها، بل مزقتها، فمذهبتها وحزبتها وطيفتها، وحولت نور دينها إلى نار لهّابة.

ترى لماذا لا تخرج العقول من قبضة النص الديني؟

لماذا لا تجد طريقا آخر لصناعة الحياة؟

إعمال العقول بالنصوص الدينية لن تأتي بجديد، فالأجيال المتواترة أعملت عقولها في كل كلمة وأدلت بدلوها، فما فائدة القول بذلك بعد قرون متراكمات؟

المطلوب إعمال عقول الأمة بالتحديات والمواجهات المعاصرة، وتأمين الحاجات الأساسية للإنسان، الذي إنتزعت منه قيمته ودوره، وتحوّل إلى رقم جاهز للإمحاء، بما يؤوّله هذا وذاك من أدعياء إعمال العقل بالنص الديني، ليأتونا بتصوراتهم ورؤاهم وبأنهم أصحاب الدين القويم، ويقبضون على الحقيقة المطلقة، وسواهم يحل سفك دمائهم، في الأشهر الحُرم.

الأمة تعوّق نفسها، وترهن أجيالها بالبهتان والعدوان على الحاضر والمستقبل، لتمحنها بدائرة مفرغة عنوانها إعمال العقل بالنص الديني!!

إذا كان الطريق الذي سلكناه لقرون لا يوصلنا إلى الهدف المطلوب، فلماذا لا نبحث عن طريق غيره؟

العديد من الأساتذة والكتاب والباحثين، يكررون الدعوة لإعمال العقل بالنص الديني، وبما أن العقول لا تتشابه، فأن قراءاتها ستكون متباينة، فلكل منها زاوية لرؤيته التي لا يستطيع فرضها على الآخر، مهما إستعان بأدوات المنطق، فليس كل منطقي صحيح، وليس كل تأويل مصيب.

ليؤول مَن يؤول، وليرى مَن يرى، وكأن الواحد منهم يخترع دينا، وإن كان الأمر كذلك، فلكم دينكم ولي دين، فلا تفرضن تأويلاتك على الآخرين، ففي ذلك عدوان على الدين!!

***

د. صادق السامرائي

هل تنطلي حيلة المفاوضات الجديد لمناقشة القضية الفلسطينية برعاية امريكية على الفلسطينيين وقد ادركوا بأن المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين!. إنها أوهام عمياء لا تنطلي حتى على الطفل الغرير في القماط.

ففي محاولة لصيانة فخ معاهدة أوسلو المشؤومة، الذي بدد الوقت لصالح الاحتلال الإسرائيلي منذ 32 عاماً قضتها السلطة في تقديم التنازلات فيما الاحتلال يصادر الأراضي وينتهك كرامة الفلسطينيين؛ لرصف الطريق بالمماطلات والتسويف اللامتناهي، وبالتالي الزج بالسعودية في فخ الاتفاقية الإبراهيمية القائمة على تصفية القضية الفلسطينية بالمجان.

وهذا مدخل لفهم ما يدور في وضخ النهار من حراك أممي للإيهام بحل القضية الفلسطينية جذرياً وإقامة دولة فلسطينية مشوهة ومنقوصة الحقوق على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية المحتلة وتسليح سلطة اوسلو لمواجهة المقاومة المتنامية في جنين ونابلس وغيرها من المدن الخاضعة لسلطة التنسيق الأمني، في إطار وحدة الساحات.

هذه حقيقة لا يمكن القفز عنها أثناء تناولنا للخبر الذي مفاده بأنه انعقد اجتماع عربي أوروبي في نيويورك بمشاركة 50 دولة، الإثنين، لبحث سبل إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، وسط تحذير سعودي من “فقد الأمل في حل الدولتين” الفلسطينية والإسرائيلية. في ظل توقف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ 2014.

وأفادت الخارجية المصرية (وكالات)، بـ”عقد اجتماع وزاري خاص بإحياء جهود دعم عملية السلام في الشرق الأوسط”

طبعاً الاتفاقية الميتة منذ إبرامها عام 1991.

وأوضحت أن الاجتماع “عقد على هامش أعمال الجمعية العامة (للأمم المتحدة) في نيويورك بدعوة من كل من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والسعودية بالشراكة مع مصر والأردن، وبمشاركة ما يقرب من خمسين دولة من أعضاء الأمم المتحدة”..

فهل يمكن للفلسطينيين أن يثقوا بأمريكا والاتحاد الأوروبي الذيْن زرعا الوتد الإسرائيلي في قلب الوطن العربي! ورسخوا الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني الذي يتعرض في بلاده المحتلة لسياسة التطهير العرقي والإذل والحرمان من حقوقه المشروعة.

وفي تقديري فكل هذه الطنة والرنة لن تحدث أي تغيير على المشهد الفلسطيني، وخاصة بأن حكومةً يمينية يقودها نتنياهو المرفوض إسرائيلياً بسب قضايا الفساد التي تلاحقه، تتبنى هذا الحراك الدولي الذي أشبهه بالجَمَلِ وقد تمخض فولد فأراً؛ لذلك فإن الرهان الفلسطيني يستبعد سلطة اوسلو المشبوهة ويضع كل بيضاته في سلة المقاومة الرادعة للاحتلال المضعضع الزائل. فلن يكترث الفلسطينيون بأوهام المتربصين بالحق الفلسطيني ما دامت البندقية الفلسطينية وصواريخ المقاومة لا تضل طريقها إلى الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في معركة المصير.

فالذئب الخائف لا يقوى على الصمود ولو كشر عن أنيابه الحادة الملطخة بالدماء ما دام صاحب الحق متمسك بحقوقه وأهمها حق تقرير المصير وحقه بالمقاومة حتى تحرير الأرض والإنسان.

***

بقلم: بكر السباتين

19 سبتمبر

استثمار غضب الشعب بانقلابات عسكرية

حدث انقلاب عسكري في النيجر، قاده قائد الحرس الرئاسي؛ تم فيه، حجز الرئيس المعزول في منزله، أو وضعه وعائلته تحت الإقامة الجبرية. وسمح له بالاتصال مع جميع مسؤولي الدول الأخرى التي اهتمت بالأوضاع والانقلاب العسكري في النيجر بمن فيهم المسؤولون الأمريكيون والفرنسيون والافارقة. المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا؛ هددت الانقلابيين منذ اللحظة الأولى للانقلاب؛ ودعت إلى إعادة الرئيس المعزول إلى سدة الحكم، وإعادة العمل بالدستور، وهددت أيضا ولم تزل بالتدخل العسكري في حالة عدم إعادة العمل بالدستور.

المسؤولون الأمريكيون رفضوا تسمية ما حدث في النيجر، انقلابا عسكريا، بل هو كما وصفوه؛ خلاف بين الرئيس وقائد حرسه، ما جعل المسؤولين في فرنسا يمتعضون من الموقف الأمريكي. قادة الانقلاب شكلوا حكومة انتقالية تمهد للانتخابات المقبلة، وطلبوا من السفير الفرنسي مغادرة أراضي النيجر، وألغوا الاتفاقات كافة مع فرنسا، وهذا يعني أن على فرنسا غلق قاعدتها العسكرية في البلد. فرنسا وعلى أعلى مستوى فيها؛ أكدت أن سفيرها سيظل في النيجر، على اعتبار أن حكومة الانقلاب الحالية في البلد غير شرعية؛ عليه لا يحق لها قطع العلاقة مع فرنسا، كما لا يحق لها قانونيا إلغاء الاتفاقات مع فرنسا، لكن حكومة الانقلاب تواصل عملها فقد شكلت حكومة انتقالية؛ لتهيئة البيئة السياسية للانتخابات المقبلة. من الجانب الثاني حشدت قواتها وبدعم شعبي كبير وواسع لها؛ لمواجهة أي تطور في المواقف التي قد تقود إلى التدخل العسكري، سواء من المجموعة الاقتصادية في غرب افريقيا، أو من فرنسا، أو من كلتيهما في وقت واحد. من وجهة نظري؛ أرى أن التدخل العسكري بات من الاحتمالات البعيدة، فالولايات المتحدة الأمريكية رفضت ضمنيا أي تدخل عسكري لحل الأزمة في البلد، أو إعادة العمل بالدستور وفضلت حتى الآن؛ العمل الدبلوماسي والسياسي.

كما حدث أيضا انقلاب عسكري في الغابون؛ واستولى العسكر على الحكم، وتمت مواجهة هذا الانقلاب ببرود تام من قبل الغرب وأمريكا. لأن هذا الانقلاب، ربما، حسب رؤية صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وفي مقدمتهم فرنسا؛ هو لتغيير طاقم الحكومة في الغابون، بطاقم آخر ربما هو الأكثر قوة وسيطرة، لصالح الوجود الغربي والفرنسي هناك. يبدو أو هذا هو الواقع؛ أن فرنسا في الطريق لأن تخسر جميع مستعمراتها في افريقيا؛ لذا يلاحظ المتابع أنها تتصرف بطريقة تكاد تكون هستيرية؛ في مقاومة هذا التحول، أو تأجيل حصوله؛ إلى أن تتغير قوة وسعة مراكز النفوذ والتأثير الدولي في افريقيا، وتتوضح حدود التصادم الإنابي بين المراكز الدولية، في دول القارة التي تعاني شعوبها من الفقر والجهل وضياع بوصلة الطريق إلى المستقبل بسبب حكوماتها، التي تتلقى الدعم من فرنسا، وربما من غيرها من الدول الغربية، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية تغيرت في افريقيا فقد دخل الميدان لاعبون جدد، الصين وروسيا على وجه التحديد الحصري.

إن أي انقلاب عسكري، وبأي أسلوب تم به تنفيذه؛ عندما يحظى بدعم شعبي واسع، كما حصل في انقلاب النيجر تحديدا، فهذا يعني من وجهة نظري الشخصية، عكس إرادة الشعب، والحقيقة التي تقود او تنتهي بأي فاحص أو متمعن حيادي، ليس الحيادية المجردة من البعد الإنساني، بل الحيادية المتفاعلة مع البعد الإنساني لفعل التغيير والتحرر والانعتاق من الهيمنة والاستغلال الاستعماري، سواء القديم، أو الاستعمار الجديد، الذي يستغل مفاهيم العولمة والديمقراطية والمحافظة على الدستور؛ ويستخدمها كغطاء لسلب الإرادة في القرار الاقتصادي والسياسي المستقل للدولة الموضوعة تحت مشرط الجراح الاستعماري؛ الذي ليس لديه رحمة، بل إنه ينخر في جسم الدولة ويعمل على تضعيف ركائز السيادة، من جيش ومؤسسات قانونية. إن الشعوب الافريقية أمامها اليوم فرصة تاريخية في التخلص من النفوذ والهيمنة الأجنبية وبالذات الهيمنة الفرنسية والغربية، وربما لاحقا الأمريكية التي تعمل على توسعة مواطئ أقدامها الموجودة أصلا في أكثر من دولة من دول القارة؛ في حلبة المنافسة على استغلال مواردها البكر بين مراكز التأثير والنفوذ الدوليين؛ أمريكا والصين وروسيا. إن هذه المنافسة تعطي أو تمنح هذه الشعوب، كما غيرها من شعوب العالم الثالث بما فيها، بل في مقدمتها؛ الشعوب العربية؛ مساحات واسعة للحركة والمناورة، من أجل التحرر من الهيمنة؛ بالبديل المتكافئ في التعامل بين الدول ومراكز القوة والتأثير الدوليين، إن هذا الاتجاه يحتاج إلى إرادة وطنية بالكامل؛ تعتمد على الكفاءات العلمية لكل اختصاص في ميدانه؛ وفي طريقة التعامل مع الدول العظمى؛ لحماية أمنها وحماية ثرواتها من النهب الذكي المبرمج اقتصاديا وتجاريا وماليا؛ ببرامج حداثوية تمنحها مع قوة مالها الاستثماري، المسنود بالوسائل الذكية، عبر القروض وغيرها من الوسائل الحديثة لسرقة ثروات هذه البلدان.

وبالعودة إلى الانقلاب في النيجر، فهو ليس مجرد انقلاب عسكري، بل هو انعكاس للغضب الشعبي من استغلال ثروات هذه الشعوب لعقود طويلة جدا، من قبل قوى الاستعمار القديم، الذي تواصل جديده في النهب المبرمج حتى الآن. لقد ملت وسأمت الشعوب الافريقية من هذه الاوضاع ومن سياسة حكوماتها، وإن جاءت عن طريق صناديق الاقتراع، تلك الصناديق التي ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة، بسبب تأثير المال لأصحاب النفوذ الداخلي (الحكومات)، وعمليات التزوير والحيل المنهجيين، كما هو حادث في ديمقراطية دول المنطقة العربية؛ بل هي طريقة حديثة ومتجددة دوما، لتولية الموالين للسياسة الفرنسية في افريقيا، وحتى غير الفرنسية في القارة ذاتها، وفي أماكن أخرى من العالم؛ في إدارة دفة الحكم بالطريقة التي تنسجم تماما مع مصالح القوى الدولية الكبرى، أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا، في بلدان هذه القارة، أو في أمكنة اخرى. إن الانقلاب الذي يقوده العسكر حتى إن جاء تلبية او استثمارا لغضب الجماهير من أوضاعهم المتردية، من فقر وانسداد آفاق المستقبل أمامهم؛ إذا لم تكن هناك خطة ونوايا في أصل الدوافع للانقلاب؛ وهو إقامة نظام ديمقراطي، ودولة مدنية؛ من خلال مرحلة انتقالية؛ تنتهي بتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، انتخابا حقيقيا، وليس عبر الحيل الانتخابية، التي لا تربطها بالانتخابات الحقة أي صلة؛ سوف ينتهي الأمر بالشعب؛ إلى أن يجد نفسه في وضع أسوأ مما كان عليه. ومن دون النوايا والخطة الموضوعة طبقا لهذه النوايا؛ باتباع طريق آخر، أي طريق اللعب والحيل والغش والكذب؛ سوف ينقلب الوضع بالكامل، ويصبح على طرف نقيض مع إرادة الشعوب. ليقود حتما إلى تأسيس نظام ديكتاتوري شمولي يتسيد فيه قادة العسكر على رقاب الشعب، كما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين في دول المنطقة العربية.. السؤال المهم هنا؛ هل هناك في غرب ووسط افريقيا التي شهدت الانقلابات العسكرية، منذ سنوات، في بوركينا فاسو ومالي، وآخرها، الانقلاب في النيجر؛ مثيلا لما حدث في إحدى دول المنطقة العربية، في السودان؛ على يد عبدالرحمن سوار الذهب، الذي قاد الانقلاب العسكري على جعفر النميري حين كان الأول وزيرا للدفاع، في السادس من أبريل/نيسان في عام 1985. لكنه تخلى عن رئاسة الحكومة. ففي السادس من أبريل عام 1986، وبإشراف مباشر من عبدالرحمن سوار الذهب أُجريت الانتخابات التي استمرت على مدار 12 يوما، وعلى أثر نتائجها سلّمتُ مقاليد الحكم للحكومة المنتخبة الجديدة لرئيس وزرائها الصادق المهدي آنذاك. وتم حل المجلس العسكري الانتقالي والحكومة الانتقالية. وهذا دليل واضح على أن سوار الذهب كان زاهدا بالحكم..

***

مزهر جبر الساعدي

خلال حياتنا اليومية وما يتخللها من تعاملات تجارية واجتماعية يلجأ البعض الى اليمين او القَسَم للتأكيد على صدق أقواله أو سلامة تعامله من الغش من أجل خلق القناعة عند الآخر، وعادة ما تخضع صيغة القسم لطبيعة المكان، فأداء اليمين أمام القضاء محدد بصيغة لا يجوز للمطلوب منه أداء اليمين تجاوزها، أما في الحياة العامة فالمتحدث له مطلق الحرية في اختيار المقسوم به، كما نختلف صيغة اليمين من شعب الى آخر، فالشعوب ذات الارث الديني عادة ما يكون القسم بالذات الالهية والانبياء والأولياء وكذلك القسم بالشرف والمقدسات وبأرواح الموتى، في حين شعوب اخرى تعتبر مفردات الطبيعة ذات قدسية مثل الماء والهواء والاشجار فتلجأ الى القسم بها، وهناك من يستخدم اليمين أداة للمشاكسة مثل الذي حدث في البرلمان التركي عندما ابتدأ النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي "محمد علي أصلان" قسمه باللغة العربية خلافا للغة المقررة، أما الشعوب التي انعم الله عليها بنعمة القانون فأنها لا تحتاج الى اليمين لتأكيد سلامة تعاملها ذلك ان القانون لديها هو الضمان على حسن التعامل، وعلى الرغم من تعدد انواع اليمين الا ان التجارب وبمختلف طبيعتها سواء السياسية منها او الاجتماعية الشائعة في تعاملنا اليومي كشفت لنا انه لا يبدو هناك حرمة او قدسية لـ (اليمين) أو (القَسَم) عند الكثير رغم ما يتضمنه من الفاظ واسماء تقشعر لها الابدان، فالحنث باليمين وعدم البر به صار ظاهرة مؤسفة، وهو عند الغالبية لا يتعدى اكثر من اجراء شكلي يؤديه البعض لاجتياز عقبة في طريقه ويحتاج اليمين لعبورها، كما ان البعض اتخذ منه طريقا للكسب فهناك من هو مستعد لتسهيل قضايا الاخرين من خلال الشهادة لهم في الدوائر الرسمية على الرغم من انه لا يعرف أي تفاصيل عن القضية وان كل ما يقوم به مقابل مبلغ من المال أي (اليمين مقابل المال) وقد قيل قديما (قالوا للحرامي احلف قال جالك الفرج) اذ لا قيمة للقسم حتى وان تضمن في صيغته لفظ الجلالة اذا لم يتوفر عند مؤديه نقاء الضمير والنية الصادقة والايمان الحقيقي بالذي يقسم به، فمثلا استطاعت امبراطورية " موريا " التي ظهرت في الهند بعد عام 323 ق . م ان تبني دولة قوية اقتصاديا وتجاريا من خلال ادارة داخلية وخارجية حكيمتين وكل التطور الذي شهدته الامبراطورية لم يكن للرب وجود في القسم الذي يؤديه الملك حيث كان العرف يحتم على الملك عند تتويجه، ان يقسم اليمين على خدمة الشعب، فيقول: " لتكن السماء والحياة والذرية محظورة عليّ اذا ظلمتكم " ..

***

ثامر الحاج امين

معلوم أن اللغة العربية تتكون من ثمانية وعشرين حرفا، وبعض اللغويين يحتسبون الهمزة حرفا، وبذا يكون العدد الكلي للأحرف التي يستخدمها كتاب العربية تسعة وعشرين حرفا، عدا نقدا. وبتقديم حرف على آخر، وتركيب واحد مع ثانٍ، ودمج هذا مع ذاك، تتكون مفرداتنا وكلماتنا التي ننطق بها.

التغيير، مفردة أظنها أكثر المفردات التي تتناقلها الأفكار، وتتلقاها الأسماع، وتلوكها الألسن، لاسيما بعد "عام السعد" 2003. فالكل ينشد التغيير، والكل يرحب به ويسعى الى إحداثه، وأولهم أصحاب المناصب العليا الضامنين مصائرهم، سواء أحصل تغيير أم لم يحصل! فنراهم لايتوانون عن الحض عليه، أما المواطن فهو أول من يقع عليه فعل التغيير، أسلبا كان أم أيجابا! كذلك هو الأول والأخير الذي ليس بيده غير الانصياع للأمر الواقع، هذا الأمر الذي بات يتحكم فيه ساسة جدد أتوا بعد التغيير ايضا. فالتغيير إذن، ليس بدعة او حدثا تأتي به السماء ليستجد على الأرض إنباتا وتكاثرا، بل هو واقع مفروض رغما عن المواطن وعن المسؤول، عن الراعي والرعية.

مقابل مفردة التغيير، هناك مفردة أخرى مرت على وادي الرافدين منذ القدم، تلك هي مفردة السقوط، فبغداد سبق أن كبلتها مفردة السقوط أكثر من مرة على مر تأريخها، ولو ابتعدنا عن مفردتي السقوط والتغيير، فإن مفردات: الضيم.. العوز.. الفقر.. الفاقة.. كذلك القمع والقهر وغمط الحقوق.. والنفي والتشريد والسجن والموت، كلها وغيرها أخريات ليست جديدة على العراق من عقود، بل قرون خلت وحتى يومنا هذا، إذ ما فتئ العراقيون يرتّقون فتقا هنا أو خرقا هناك لعل عراقهم يستقر، ويهنأون بخيراته التي بددها سلاطين وحكام، كانت لهم صولات وجولات في سني حكمهم، كما أنهم نأوا عن الحرام والعيب واللاجائز والمخزي، وما الى هذا من مفردات غير مشرفة لابن آدم، فطالت سرقاتهم بعد أن استطالت أيديهم، وتلاقفت الغالي والنفيس من حقوق العراقيين في بلدهم، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل علا سقف أطماعهم الى "خبزة" العراقيين ومصادر عيشهم، فتعرضت هي الأخرى للتقطيع والتقتير.

منذ عام 2003 حتى اللحظة اتخذت المفردات آنفة الذكر حيزا كبيرا في مسامع العراقيين، إلا أن مفردة التغيير باتت اليوم ضرورة وحاجة ملحة، والعجيب الغريب في ساسة العراق الجدد، أنهم مشغولون بالتغيير ويحتكرون ماهيته، فهم يقدرونه تقديرا على مقاساتهم وأهوائهم وأمزجتهم، في حين أن المواطن قبلهم يريد التغيير وهو بأمس الحاجة اليه، لكنه يهيم في وادِ وهم يعمهون بغيّهم في وادِ غير ذي ضمير ووطنية وإنسانية. فيغمض لهم جفن ويهدأ لهم بال ويرتاح لهم ضمير وتقر لهم عين.

فالتغيير في نظر المواطن هو النقلة النوعية في جوانب حياته، التي مل من تردّي أوضاعها يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وأتعبه ضنك العيش، وهو في بلد يفيض نهراه حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع خيراته تحت الأرض وفوقها، ومع كل هذا لم يلمس أي تغيير من الذي يسمعه منذ عام 2003 إذ يصطبح بأمل ويمسي بخيبته، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم، حتى التبس عليه مفهوم المفردتين -التغيير والسقوط- فهل أن التغيير لايمكن حدوثه إلا بالسقوط؟ وهل كل سقوط يعقبه تغيير؟

هذا ما لم تبن علائمه بعد السقوط الأخير، وهذا الإبهام يذكرنا بالسؤال الجدلي: هل الدجاجة قبل البيضة؟ أم البيضة قبل الدجاجة!

***

علي علي

كركوك من اجل من هم فيه يفترض أن يكون التعاطي معها وطبيعتها تعاطياً فريداً من نوعه متحلياً بالحكمة والتأني وذلك في سبيل قطع دابر الفتنة والمهدد بالتشظي التي تعشعش اليوم في بقعة مستعدة لها بسبب بعض السياسات الخاطئة التي تعتمد على التهديد والوعيد من أي جهة كانت لكي تتحول بين عشية وضحاها إلى نقطة متعثرة امام اي تقدم في العراق  ولا تقبل القسمة على اثنين مرة أخرى في المنطقة. ان المشاهد والملموس  في مختلف أجزاء المحافظة المتصارع عليها سياسياً وأمنياً واقتصادياً يلاحظ  أن أي اختلاف بين سكان أحياء المدينة المتنوعة عرقيا غير موجود وهذا السمة يتحلى بها كل ابناء العراق إلا الأنفس المريضة ويمكن لك ان تلمسه  في الأحياء ذات الأغلبية السكانية الكردية المطلقة، ومرورا بالمناطق التي تسكنها القوميات التركمانية والكردية المختلطة وحتى الجنوب والجنوب الشرقي  وكذلك التي يسكنها من اخوتهم العرب وتطابق الرؤى في مختلف المناطق بصرياً وسكانياً وثقافياً واقتصادياً وخدمياً فيما بينها.

وعليه يتعين أخذ حقيقة ملموسة بعين الاعتبار ألا وهي وحدة الاطياف الساكنة فيها من الكورد والعرب والتركمان 'أن نسبة الكورد حسب احصاء عام 1957 هو نحو 48 في المئة من مجموع السكان في ذلك الوقت) فإنهم أقلية في موازاة الأقلية العربية (28 في المئة) والتركمانية (21 في المئة)، فضلا عن وجود أقليات أقل عددا.في حين سجلت الإحصاءات التالية التي جرت في عامي 1977 و1997، تزايد الأقلية العربية إلى 45 في المئة و72 في المئة على التوالي، بموجب سياسات “التعريب” التي اتبعتها الحكومات السابقة. وهو ما تحوّل، بمرور الوقت، إلى حقيقة ديمغرافية تصعب إزاحتها'.

واليوم على  هذه القوى وأن تساهم بقوة لتقف أمام حالة عدم الاستقرار التي يريدها البعض والعمل على حل مشكلة كركوك و تبذل قصارى الجهود في سبيل الحفاظ على التناسق المجتمعي متماسكاً وقوياً وأن يكون في تماسكه وقوته كل الخير له ولبقية أبناء المدينة والصالح العام عموماً.. ولاشك في أن محاولات تهميش البعض للاخر في ظل سياسة الطمس المتواصلة كلها لا تعطي أملا إلا بالفشل في المحصلة النهائية و خلفت وبالتأكيد أضراراً لحقتها بالمدينة ومكوناتها مما تسببت تدريجياً بتراجع مخيف في مستويات النمو والازدهار، إن الاختلاف في الهوية السكانية أمر طبيعي وهو لا يُرقى الى هدر الدماء من اي جانب ويجب ان يضفي عليه طابع المحبة والجلوس على مائدة الحوار الاخوي بدعم من الدولة اذا ما ارادة حقن الدماء وتكون للدولة الإشراف المباشر في إدارة المحافظة والابتعاد عن  الأحادي في الادارة  وهو أمراً مشروعاً وذلك لشدة خطورته و حساسيته الانفراد بالسلطة والتي قد تجعل من هذه الرقعة الجغرافية برميلاً من الديناميت ليس بينه وبين الانفجار سوى من يشعل كبريتها.

المشكلة الأساسية في التكوينية التي تجمعها كركوك هي من فكت منها هذه المدينة ولعل العامل الخارجي كان ومازال له الدور الاكبر والتصريحات الغير موفقة الاخيرة والخطيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والدخول على خط الاحتجاجات التي وقعت اخيراً في مدينة كركوك العراقية مرسلا إشارات تهديد بالتدخل في حال تم تسليم المحافظة الغنية بالنفط إلى الأكراد وفق اتفاق بين أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد،وقال الرئيس التركي إن “كركوك هي موطن التركمان، ومنطقة تعيش فيها الثقافات المختلفة بسلام لمئات السنين، ولن نسمح بزعزعة أمنها وتهديد وحدة أراضيها و لن نسمح بأي ضرر يصيب وحدة واستقرار هذه المنطقة الجغرافية. والرسالة وبلا شك لن تبقى تركية على الحياد تجاه الصراع القائم حاليا في كركوك بين الأكراد، والتي تريد الاستفادة من اتفاقات سابقة ولعلها تجعل هذه الهلوسات اوراق ضغط على الكورد لتسهيل تقاسم عائدات النفط، والمياه وهي ليست في صالحها.

  ومنذ العهد الملكي هي الخطابين القومي والطائفي اللذان قد تسببا في اختلال نسيجها المجتمعي وسلمها الأهلي على مدار الأعوام والسنين الماضية ويخطئ من يتصور من البعض  ان قضية هذه المحافظة  تعتبر حديثة بل منذ تشكيل او حكومة عراقية والمحافظة قلقلة في ظل الحكومات المتعقبة  ومضطربة وادارات الحكومات بائسة في وصول الأوضاع المهدد نحو الانحذر في اي لحظة منه ومن وقوعه باستمرار، وعلى المكونات الاجتماعية فيه أن يضعوا تقدم المدينة وازدهارها وفي المقابل وضع ارتفاع نسبة البطالة والفقر نصب أعينهم والا سوف يكون المستقبل أشد وبالاً في ظل الاحتقان المذهبي والقومي المتناميَيَّن بفعل السياسة ودسائسها!

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

في لحظات  يقـف المرء عاجزا أمــام الفواجع والكوارث الطبيعية، عـاجزا عَـما يمكن أن يفعله إزاء ما صادفه صدفة وبدون إشعار مسبق، مثل ما وقع (الآن) في بلادنا، وفي ليبيا الشقيقة: زلزال مدمر، زلزال مخيف، لدرجة أنه خلف الذهُـول والدهشة و الجرح الضمني، والاضطراب النفـسي، للعَـديد من عباد ربوع المملكة، ناهينا عن الضحايا المتمركزين في منطقة (الحوز) حيث تمركز الزلزال بقوة وبأس شديد! وتمركز إعصار ''دانيال'' في مدينة (درنة) متمددا للمدينة (البيضاء) بوحشية سيوله الكارثية التي جرفت المئات من عباد المدينة [ الليبية] هنا وهناك، من الوادي الأحمر الذي استيقظ من سكونه  إلى البحر الذي لم يصبح متوسطا / هادئا!  بل كبيرا / مرعبا! مفزعـا! فقدس الله روح ضحايا[ الحوز/ درنة] وما جاورهما، وتبت العلي القدير خطى وحسنات العاملين من أبناء الشعبين . شعْـب أبي بكل اللغات، شـعْبٌ تجاوز لحظة العجز، والخوف. لممارسة الفـعل المتميز بروح المسؤولة والجدية والحماس، بعيداً عن الديماغوجيات والخلفية السياسوية، التي اعتاد عليها بعض قناصي الفرص والظرفيات! إنها لممارسة حقيقية، ميدانية، تنم عن روح الوفاء والعرفان ؛ والإيمان بالتضامن الإنساني  وبالتكافل والتآزر والتعاون تكلل "عيانيا" في البحث عن المفقودين بين السيول، وتـَرقـب ما سيحمله البحر من جثث، ومن حركية إنسانية، في جمع الإعانات الغِـذائية والمساعدات الطبية والهبات الإيوائية من أفـراد ذاتيين/ بسطاء، وجمعيات / خارج  أجنحة  الأصنام، وبعيدة عَـن المصالح النفعية الشخصية واللعـب على الحبال كالبهلوانات، وعن تلك [الأحزاب] التي أصيبت ب (الزهايمر السياسي) وخارج لائحة النفع العام (بلادي) وخارج منظومة الزعامة والصراع عن السلطة (ليبيا) فالمبادرة التطوعية ؛ التي نعيش أطوارها عمليا، واستنفار الجهود المبذولة هنا وهناك وحملات الإغاثة الإنسانية والعاجلة لإغاثة المتضررين من الزلزال و الفيضانات، والتي تنقل عبر وسائل التواصل الإجتماعية، والمواقع والصحف الإلكترونية والقنوات العـربية / الأجنبية، المواكبة للمصاب الجلل، سواء [الزلزال أو الإعصار] فهما أساسا خارج منطوق الأجندات التي تسعى لخنق مستقبلنا وحياتنا وأحلامنا السرمدية، بل هي منغمسة في قضية المـوت والحياة التي صنعها "الزلزال/ الإعصار'' إنه بالتأكيد فعل طبيعي ومن مدركات الطبيعة، وتحولاتها الجيولوجية. لكن: أي الكوارث أفـظع ؟ تلك التي وقعَـت في بلادي، أم في ليبيا؟

يبدو سؤالا ساذجا، أو{ربما} اعتراني الغباء من جَـراء تقـدمي في السن؟ أو هنالك اختلاط الأمور في ذهنيتي، من كثرة توالي الأحداث المرعبة والمؤلمة؟

ورغم ذلك أتساءل: هل الزلزال كارثة الكوارث..؟ أم إعصار دانيال كارثة الكوارث؟ بداهة (أي/ فرد) سيحتار في الرد الشافي والإجابة الكافية، لأنه أساسا لا نملك مقاربة واحدة للكارثتين،لأننا (الآن) في مرحلة جد حرجة من الحدث والمصاب الجلل، وبالتالي فمنطق الجواب وجوهره ''حاليا'' سيبقى ملتبسا وحمال أوجه، تجاه السؤال: أي الكوارث أفظع ؟  ونلاحظ بأن هنالك تفاوت في الرؤية والتصريحات للذين يخوضون تجربة  الإنقاذ أو المساهمة على أرض الواقع، أو المكتوبين بنار الكارثتين . وذلك بناء على  وضعية المكان وكذا تفاوت الوضع  النفسي والذهني لأولئك . وبالتالي فلا يمكن أي كان أن يرى الأمور من الزاوية التي أراها، أو يراها الآخـر. وخاصة نحن خارج مدار الكارثة، ولكن الصُّور تـُنـقل إلينا من معمعان الميدان، صور كارثية ووقائع غير مزيفة إلى حد بعيد، من الصعْـب جدا التشكيك فيها، بل لامحالة  تصديقها، لأن القنوات الدولية والعربية والمحلية، تنقل نفس الصور، صور بشعة، مؤلمة، مرعبة، مبان منهارة بالكامل وطرق فالِجة ومشقوقة و مقطوعة  وجثث منتشرة ومترامية بين الأزقة والحواري وعلى شواطئ المدينة ؟ ومتاع وأمتعة متناثرة هنا وهناك في الشوارع والخراب، وهي أصلا أمست خرابا، وفي كل صورة  يمررها  الإعلام المواكب عن كثب مجريات هَـول الكارثتين ؟ ينفلت السؤال، أي قوة جارفة هاته التي جمعت السيارات والمركبات وحولتها لعجين وقطع غيار غير صالحة للاستعمال؛ بدون معمل للتفكيك ؟ ناهينا عـن انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل شبكة الاتصالات؟.... (درنة/ ليبيا) طبعا: نعلم جليا، إنه الإعصار! إنه الفيضان! إنه التسونامي! ونكتفي بالقول: أن سبب الكارثة العظمى انهيار سدي مدينة {درنة} وكفى! ألا يحق لنا أن نتساءل: أليست هنالك قوة خفية مضافة للإعصار؟ أليست هنالك قوة خفية مضافة للزلزال الذي حول المد اشر والقرى لأتربة وترابا؟ وحوَّل الأمان والطمأنينة والإستقرارلهلع ورعْـب وخوف شديد؟ إذ لازال بعض المواطنين خارج منازلهم ودكاكينهم ومحلاتهم يفترشون العَـراء في {بلادي} ولحد قـراءة هذا الموضوع، من أي قارئ {مفترض}. أما منطقة   (درنة) فهي في عِـداد المنكوبين!!

وبين الزلزال والإعصار، أسئلة كثيرة ومختلفة تتقاذف و تتناسل..  ومن حيث لا تدري تنفتح ذاكرتك مرغمة  لاسترجاع أحْـداث معاشة  في طفولتك أو شبابك أورجولتك ...أو استرجاع مشاهد من تلك الأفلام الأمريكية التي أبدعت بكل إمكانياتها واحترافيتها، في تصوير عَـوالم الزلزال، ولاسيما الكوارث الطبيعية (الأوبئة / براكن/ زلازل/ طوفان/ نيران/ انهيار جبال/ ...] بالنسبة للسينما العالمية ؛ تعتبر عنصرا أساسيا في الصناعة والإنتاج . وإن لم تخن ِ الذاكرة . هنالك أربعة أفلام رهيبة متنها{ الزلازل} المدمرة للمباني والطرقات، وانتشار الموتى والجثث مثل [الزلزال الكبير في لوس أنجلس/ Le Grand Tremblement de terre de Los Angeles] وهنالك أفلام حول '' التسونامي'' بكثرة . من الصعب سردها هاهنا. فهل ياترى نستطيع أن ننتج إبداعا / سينمائيا / مسرحيا / من خلال ما عِـشناه من كوارث طبيعية ؟ ومن طفوح للمشاعر الإنسانية وغـَريزة البقاء؟ ومن سماع حكايا وقصص جوانية الحَـدثين: أولها زلزال (الحوز) وآخرها فيضان (درنة) ؟ إنه حلم منتصف الليل! أو أضغاث أحْـلام!   لا فرق، لكن الفرق أننا عاجزون! مكبلون! مقـيدون! برؤية السياسي؟ ومنطق الفقيه؟ ومنظوم البيروقراطي؟ وعَـوالم الخرافات؟؟

ألم تحاول المذهبية استغلال الكارثتين لمنطق الفقيه والإمامة (1) وفي هذا الوقت خرجت بعض التدوينات، تربط الكوارث الطبيعية بالفساد المستشري وانهيار القيم في تلك المناطق! سبحان الله. وهناك من كان عَـدميا ولم يحاول أن يقدم حتى العزاء للضحايا /الشهداء، ولم يستطع أن يسدي خدمة أو يقدم نصيحة، أو دعْـوة حتى، للتبرع بالدم جراء ما نعيشه من كارثة (2) وهناك من استغل الظرفية لاستغلال المساعدات للاغتناء من ورائها، إنهم تجار وسماسرة الأزمات! والبعض يسرب العَـديد من الأخبار الزائفة. لأهداف مجهولة ؟ (3) وبالتالي فالسؤال المثير والذي نعيد طرحه  للجدل أي الكوارث أفظــع؟

هل الزلزال أفظع من الإعصار؟ أم الإعصار أفظع من الزلزال؟ نتيجة الإنهيارالقاتل والمفاجئ للبشرية تحت الأنقاض؟ كمعطى زلزالي. ونتيجة الغـرق المميت والمفاجئ للبشرية تحت الخراب وسيول المياه ؟ كمعطى إعصاري.

أسئلة محيرة. وإن كان لا فرق بأن كلاهما كـوارث مهولة، مرعـبة . وفي آخر المطاف هي طبيعية، بناء على تحولات الطبيعة . لكن في تـقديري: أفظــع الكوارث ؟ التخلف،  واللامبالاة، وانعِـدام الرؤية المستقبلية/ الاحتمالية - لأي طارئ كارثي سيأتي على بعثة، كما وقع في الحوز/ درنة. وكذا انعِـدام الإمكانيات والإمكانات لمقاومة الزلازل والإعصار، للتخفيف على الأقل من حِـدة رعبه ودماره ومحاولة تقليص عـدد ضحاياه على الأقـل، لتلافي انتشار الجثث المترامية، أوالتي لازالت تحت الخـراب وتحت المياه، والتي ستشكل خطرا بيئيا، وظهور داء الطاعون لا قـدر الله . أي نعم لامرد  للقضاء الله  وقـَدره . ورغم ذلك آن الأوان للتلاحم والتضامن الحقيقي وليْـس الظرفي، لإعادة ترتيب الأولويات من مستشفيات واقتناء المعِـدات ألأساسية والمتطورة، تزامنا مع  بناء الإنسان  باعتباره رأس مال لمواجهة الكوارث الطارئة. لأن كثيرا من نفحات الأمل المشرق ومن التصورات والاستراتيجيات تنمو في حركية التباين والتغـاير المسـتمر بـين الأحداث السـابقة ؛ واللاحقة . وليس بالتقاعس واللامبالاة .

ونجَـدد الرحمة والمغفرة لكل ضحايا زلزال "بلادي" وإعصار "الشقيقة ليبيا" واللهم اغفِـرلهم ما تقدم وما تأخـَرمن الذنوب يا الله، يا الله، بمغفرتك ولطفك. والصبر والصبر والسلوان لذويهم وأقربائهم أينما كانوا.

***

نجيب طلال

.......................

للاطـلاع:

1) انظر: مقتدى الصدر: عن أسباب الكوارث الطبيعية.. " غضب سماوي" و"ذنب ليبيا غير مغفور" بقلم:  مجيد عبد القادر/ Majid Abdelkader- في موقع اورونيوزعربية/ Euronews بتاريخ 13/09/2023 /

2) فيديو للفايد حول “زلزال الحوز” يكشف عن العقيدة الجديدة التي بات يتبناها، بقلم – عابد عبد المنعم صحيفة (هوية بريس) في 09 /09/ 2023

3) أخبار زائفة حول زلزال الحوز؟ احذروا من هذه الشائعات” متابعة لصحيفة كواليس اليوم - في 12 /09 2023

لم تكن الفتاة الخجولة التي ولدت في إحدى محلات بغداد، إبنة الموظف البسيط الذي كان يقرأ لأبنائه جريدة حبزبوز لينمي فيهم روح التحدي للظروف الصعبة، أنها ستقف يوماً إلى جانب محمد مهدي الجواهري، وتجلس في اجتماعات الحكومة إلى جوار إبراهيم كبة ومصطفى علي وهديب الحاج حمود وحسين جميل وهاشم جواد ومحمد حديد وطلعت الشيباني وفيصل السامر وعبد اللطيف الشواف وقبل هؤلاء عبد الكريم قاسم. أتمنى عليك أن تراجع قائمة الأسماء جيداً، لتكتشف أننا الشعب الوحيد الذي يتأسى على ماضيه!.

الفتاة التي درست في دار المعلمات النموذجية وتخرجت من كلية الطب، وتجولت طبيبة تداوي الناس في معظم مدن وقرى العراق، وجدت نفسها في مواجهة حقوق المرأة التي كان يراد لها أن تعيش وتموت كمواطن من الدرجة الثانية، أعلنت الدليمي الحرب على التميز لتؤسس أول رابطة للمرأة العراقية، وتصدر مجلة تستمد اسمها من كتاب قاسم أمين الشهير " .السيدة التي ظلت تناضل من أجل عراق بلا دكتاتورية واستبداد، قرر الوطن أن يكافئها بأن نسي أن هذا العام تمر ذكرى 100 عام على ميلادها، وانها اول امراة عربية تتولى كرسي الوزارة في تاريخنا الحديث، عذرا ايها السادة لجنة المرأة في برلماننا العتيد برئاسة دنيا عبد الجبار الشمري والتي تخاف من إقرار قانون العنف الأسري، ربما تجد أن الاحتفال بمؤية نزيهة الدليمي نوعا من انواع البطر ويخالف الشرع.

ظلت نزيهة الدليمي تحلم حتى آخر يوم في حياتها بصورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الأمل في نفوسهم، جاءت نزيهة من عائلة فقيرة،، نقلت فقر حالها ووعيها وعذابات المرأة العراقية إلى كل عمل سياسي واجتماعي قامت به.

هل كانت نزيهة الدليمي تعتقد يوماً أنّ الوطنية لم تعد طريقاً إلى عقول الناس وقلوبهم، وأننا تحولنا الى بلاد تسعى لتدريس فوائد الطائفية على شعوب الأرض؟، بينما تنسحب القيم الوطنية والثقافة إلى الوراء، مطاردة بتهمة الخروج على الأعراف الطائفية والعشائرية.

قبل أكثر من ستة عقود كتبت نزيهة الدليمي: "العمل السياسي يتطلب من صاحبه أن يملك عقلاً فاعلاً، وضميراً يقظاً". كانت هذه الجملة هي موجز لمنهجها الوطني، هل يمكن أن نجد مثل هذا السياسي الآن؟ ربما تضحك من المقارنة، وربما لا تصدق أن مثل هؤلاء السياسيين كانوا موجودين فى العراق، أو تسخر من سذاجتي وأنا أنقل مقولات وأحاديث مضت عليها عقود طويلة، لكن ياسادة كنت أتمنى أن أسأل ماذا لو عاشت نزيهة الدليمي إلى هذا اليوم لترى وتسمع ان في العراق تم تعيين وزيرة للمراة كانت تؤمن ان المرأة ظلع اعوج يجب تقويمه .

***

علي حسين

أنشر أدناه الجزء الأخير من المختارات التي انتقيتها لكم من مسودات كتابي " معجم اللهجة العراقية؛ الجذور العربية الفصحى والرواسب الرافدانية" شاكر لجميع الأصدقاء والصديقات صبرهم ومتابعتهم وتفضلهم بالتعليقات والملاحظات المفيدة وإني لأعلم أن متابعة منشورات طويلة ومكررة في موضوع واحد هو مفردات اللهجة العامية أمر ليس سهلا ولكنه يدل على حب وتضامن وإخلاص للروح العلمية والمنهج البحثي العقلاني ممن داوموا على متابعة هذه السلسلة. وقبل أن أدرج مفردات هذا الجزء أنشر هنا فقرة من مقدمة الكتاب عسى أن تكون كلمة وداع وتعبير عن الامتنان لكم ولكن:

من المقدمة: أختم بالقول؛ إنني لا أروم في هذا الكتاب، والذي سبقه "الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام"، إعطاء موضوع اللهجات العامية أهمية أكبر مما يستحق من اهتمام وترويج على حساب اللغة العربية الفصيحة السائدة اليوم، أو اللغة العربية الفصحى شبه المنقرضة من لغتيِّ الكتابة والتخاطب[1] في العصر الإسلامي وما سبقه. كما أنني لست متحمسا لإصدار المزيد من المعاجم في اللهجات لانعدام ضرورتها العملية إلا في مجالات بحثية نادرة، ولأن ذلك قد يدخل في باب إنعاش وترويج اللهجات على حساب اللغة العربية الوسيطة "الفصيحة" والتي أحسب نفسي ضمن الساعين لهيمنتها من خلال تبسيطها وبهدف ردم الهوة بين اللغة المنطوقة "العامية" والمكتوبة "الفصيحة".

ثم إنَّ هذا الكتاب ليس معجماً شاملاً لكل مفردات اللهجة العامية العراقية، ولا فائدة أصلا ولا حاجة من وجود معاجم كهذه، بل هو معجم خاص بتأثيل - لا بترجمة - مئات المفردات المهمة (أكثر من تسعمائة مفردة) حاول السيد قيس مغشغش السعدي - مؤلف المعجم المندائي سالف الذكر - إخراجها من أصولها وجذورها ومعجميتها العربية إلى معجم اللهجة المندائية الآرامية، أو إنها مفردات مشتركة في عدة لغات جزيرية "سامية" شقيقة أراد المؤلف حصرها في اللهجة المندائية قسرا، إضافة إلى نزر يسير من المفردات الدخيلة من لغات أجنبية غير جزيرية "سامية" أخرى كالفارسية والتركية وغيرهما. أي أن معجمي هذا ليس أكثر من محاولة سجالية للرد التفصيلي والتأثيلي الموثق وفق مبادئ العلوم الحديثة اللغوية واللهجوية على معجم السيد السعدي، على أمل أن يكون هذا الجهد خطوة على طريق تطوير وتبسيط وتأثيل مفردات لهجتنا العامية العراقية وإعادة موضعتها وتبيين جذورها العربية الفصحى والفصيحة وردع الساعين للتشكيك بـ، أو تشويش على هذه الجذور وتلك الهوية اللغوية، يحدوني امل قوي أن يكون هذا السجال تنبيه وتحذير غير مباشرة لأية محاولات مستقبلية قد يتورط أصحابها بمحاولة النيل من عروبة لهجة العراقيين الجميلة وغناها بالجواهر المترسبة من اللغات الرافدانية المنقرضة في معجميتها الحية.

مفردات هذا الجزء الأخير: "- شكبان – مچلح - شيته -تكفه -تفو -تمَّ- تنور - ثبر - تنحر -توا –توث". شكرا لكم مقدماً على تعليقاتكم انطلاقا من لهجاتكم العربية الجميلة تصحيحاً وإضافة... سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:

870- شكبان =(شكب) وتعني في المندائية يتمدد، يتسع، يستلقي. والشكبان في العامية كما يقول المؤلف (الإزار وكل ما يبسط من أجل تعبئته بمواد وأشياء يحمل لنقلها، والشخص المحمل بأغراضه يقال له مشكبن. والكلمة عربية فصيحة، نقرأ في لسان العرب (والشُّكْبانُ شِـبَاكٌ يُسَوِّيه الـحَشَّاشونَ في البادِية من اللِّيفِ والـخُوصِ، تُجْعَلُ لها عُـرًى واسعةٌ، يَتَقَلَّدُها الـحَشَّاشُ، فيَضَعُ فيها الـحَشيشَ؛ والنُّونُ في شُكْبان نونُ جَمْعٍ، وكأَنها في الأَصل شُبْكَانٌ، فقُلِـبَت إِلى الشُّكْبان).

وفي العربية أيضا: الشكبان هي المخلاة، وعن المخلاة نقرأ في المعجم الغني (كيس يعلَّق على رقبة الدَّابّة يُوضع فيه عَلَفُها (انظر: خ ل ي - مِخْلاة) "رفع المخلاة من رقبة الفَرَس". وهي أيضا كيسٌ يحوِي لوازم ومُهمَّات الجنديّ.

879- مچلح= ويربط المؤلف بين كلمة "شله" وكلمة (مچلح) التي تعني في العامية كما يقول (مچلح) التي تطلق على الشيء الذي تغير لونه ... فبعض الأمراض تترك آثارها على بشرة الشخص بحيث تكون بعض المناطق بيضاء عند ذوي البشرة السمراء فيقال له "شمال وجهك (مچلخ). والكلمة هنا عربية فصيحة وتتعلق بتغير اللون الطبيعي إلى لون كالح وصيغة المفعول منها " مكلح " وتلفظ بكشكشة ربيعة التي تكول الكاف إلى جيم ثلاثية. والكالح هو اللون الشاحب والفعل منه أكلح. نقرأ عنه في معجم المعاني (أكلحه الهمُّ: أضناه وأسقمه فشحَب وجهُه). وَجْهٌ كَالِحٌ: مُعَبَّسٌ، أَيْ شَدِيدُ العُبُوسِ. وُجُوهٌ كَالِحَةٌ : عَمَاهُ أَرَاحَهُ مِنَ النَّظَرِ فِي وَجْهِهِ الكَالِحِ. وفي القرآن نقرأ: "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ...سورة المؤمنون آية 104".

890- شيته =(شيدا) وتعني في المندائية شيطان. ويضرب لها مثال في العامية قولهم "هذا الشخص مثل الشيته" والمعنى واللفظ متطابق مع المورد في اللغة المندائية/ ص 454" وهذا كلام غير صحيح تماما. فلا يوجد تطابق تمام من حيث اللفظ بين "شيته" و"شيدا" ولا يوجد تطابق بين معنى الكلمة في المندائية "الشيطان" وفي العامية حيث تعني الكلمة القرد أو "الشاذي" والكلمة الأخيرة من اللغة الأكدية الحية في العامية العراقية، وغابا ما يجمع الأطفال العراقيون والعرب عموما بين "طرزان وشيتا". وشيتا اسم علم لقرد حقيقي من نوع الشمبانزي كان يقوم بدور رفيق بطل الغابات الخيالي طرزان في العديد من الأفلام السينمائية وقد نفق شيتا سنة 2011.

896-تكفه =(تقفا) ويقول إنها تعني في المندائية قوة، قدرة، شدة. وفي العامية يقول إنها تعني "فيك الكفاية" وهذه الكلمة نادرة الاستعمال في العامية العراقية، ولكنها شائعة جدا في لهجات الجزيرة العربية والخليج وخصوصا في المملكة العربية السعودية وتعني كما قال المؤلف " فيك الكفاية"، أو تعني في صيغة المبني للمجهول "قد كُفيتَ قبل أن تطلب الطلب"، والكلمة عربية وممعجمة نقرأ في معجم المعاني (كفَى الشّيءُ/ كفَى به/ كفَى له: اكتفى وغنِي؛ حصل به الاستغناءُ عن سواه).

903-تفو =(تفو) يقول المؤلف إنها تعني في المندائية تبا، سحقا، بئس، ويجمع بينها بين الصوت الذي يلفظ في أغلب العاميات العربية كناية عن البصاق "تفو"، وهي لفظة مختصرة من يتفل ويتف بمعنى يبصق. نقرأ في اللسان (تَفَل يَتْفُل ويَتْفِل تَفْلاً: بَصَق والتُّفَال: البُصاق والزَّبَد ونحوُهما)، وفي معجم المعاني والمعاصرة والغني (تفُل ويَتفِل، تَفْلاً، فهو تافِل، والمفعول متفول (للمتعدِّي)، تفَلَ الشَّخصُ: تفَّ، بصَق). وفي تاج العروس نقرأ (تَفَل يَتْفُل ويَتْفِل تَفْلاً بَصَق. قال الشاعر ذو الرمة:

وَمِن جَوفِ ماءٍ عَرمَضُ الحَولِ فَوقَهُ.... مَتى يَحسُ مِنهُ مائِحُ القَومِ يَتفُلِ

والعرمض حو الطحلب. ومنه تَفْل الرّاقي والتُّفْل والتُّفَال البُصاق).

905-تمَّ=(تميت -تمم) وتعني في المندائية يصبح، يغدو، يبقى، يمكث. ولتوضيح معناها في العامية يضرب لها مثلا في بيت من الشعر الشعبي يقول (تميت أحومي على شوفك بس أروحن ورد) والكلمة "تميت" تعني حصرا بقيتُ، واستمررت. وتلك من معاني الفعل تمَّ المضعف في اللغة العربية الفصحى. نقرأ في معجم المعاني (تمَّ على الأَمر تَمّاً: استمرَّ عليه) و (تَمَّ عَلَى قَوْلِهِ: لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ). وفي الغني نقرأ (تَمَّ على سَيْرِهِ: اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِ).

906- تنور= (تـ+نور) وتعني في المندائية والعامية التنور الذي يخبز فيه الخبز. والغريب هو أن المؤلف يعرف أن الكلمة عربية ويأتي بتعريفها من معجم تاج العروس فيقول (وفي التاج: التنور: الكانون الذي يخبز فيه)، ويضيف (ويقال إنه في جميع اللغات ولذا يشار إلى إنه في الأصل غير عربي)، ويختم بالقول (وترد الكلمة في اللغة الأكدية بصيغة "تنورو"، ونحن نرى أن الكلمة جاءت من كلمة نورا التي تعني النار في المندائية ...إلخ) وهذا يعني أن المؤلف جعلت اللغة الأكدية الأقدم من المندائية تأريخيا والتي شاعت وانتشرت قبل 3000 سنة من ميلاد المسيح، تأخذ بعض مفرداتها من اللهجة المندائية في اللغة الآرامية التي ولدت وانتشرت بعد الأكدية  بأكثر من ألف وخمسمائة سنة (ظهرت الآرامية في الفترة التي ما بين القرنين العاشر والثامن قبل الميلاد، وعثر على كتابات آرامية في شمال سوريا الحالية والتي ترقى إلى الفترة التي ما بين القرنين العاشر والثامن قبل الميلاد. وهذا تنسحب على اللهجة المندائية "الآرامية الشرقية/ الموسوعة الحرة -المعرفة" طبعا إن لم تكن أحدث عهدا من الآرامية الأم) والمؤلف نفسه يفيدنا بالمعلومة التالية التي تقول إن التنقيبات الآثارية في العراق اكتشفت تنانير من الطين تعود إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، فهل كانت اللهجة المندائية موجودة آنذاك إذا كانت الاسم ذاته يطلق على التنور!

909- ثبر =(تبر) وتعني في المندائية يضعف يوهن يشق يمزق وتعني في العامية العراقية يتدخل بشكل فج ولجوج فيقال له (لا تثبرنا) بمعنى لا تستحوذ على الحديث) وشرح المؤلف ليس دقيقا فثبر بمعنى استمر وألح في الفعل أو القول وهو الفعل العربي ثابر وجذره ثبر ومنه المثابرة. وتعني المثابرة على الأمر: المواظبة عليه وثبره عن كذا، يثبره ثبرا: حبسه فيه" وفي اللسان نقرأ (وَالْمُثَابَرَةُ عَلَى الْأَمْرِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ; الْمُثَابَرَةُ: الْحِرْصُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَمُلَازَمَتُهُمَا. وَثَابَرَ عَلَى الشَّيْءِ: وَاظَبَ).

911- تنحر =(أتان+هرن) وتعني الكلمة في العامية الحمار حين يحرن. أما في المندائية فقد جمع المؤلف كلمتين هما أتان وتعني أنثى الحمار وكلمة حرن "هرن" أي امتنع عن السير" وإذا أخذنا بهذه الطريقة في تأثيل المفردة فسنجد أن الكلمتين (أتان وحرن) عربيتان قديمتان: نقرأ في المعاجم القديمة والحديثة؛ ففي القاموس المحيط نقرأ (الأتان: الحِمارة. والجمع: أُتُنٌ، وأُتْنٌ). وعن حرن نقرأ في مختار الصحاح ([ح ر ن]. (ف: ثلاثي لازم، متعد بحرف). حَرُنَ، يَحْرُنُ، مصدر حَرُونٌ، حِرَانٌ، حَرُنَ الحِمَارُ: وَقَفَ جَامِداً لاَ يَتَحَرَّكُ، حَرَنَ.

912-توا =(تيهوا) وتعني في المندائية رعب فزع ذهول هلال، وفي العامية ومن خلال المثال الذي جاء به المؤلف (تواه توي) تعني تمكن منه وأهلكه. والكلمة عربية ولكن المؤلف كتبها إملائيا خطأ بالألف الممدودة فهي توى يتوي وعنها نقرأ في القاموس المحيط (تَوًى، كَرَضِيَ: هَلَكَ، وأتْواهُ اللُّه، فهو تَو)ٍ، وفي معجم المعاني والمعجم الوسيط (فعل: ثلاثي لازم). تَوِيَ، يَتْوَى، مصدر تَوىً - تَوِيَ الإِنْسانُ: هَلَكَ).

914-توث = (توث) وتعني في المندائية والعامية شجرة التوت. ولكن المؤلف يعتبر الكلمة مندائية لأن العراقيين يلفظونها بالثاء وليس بالتاء. وهذه الكلمة فيها رأيان في المعاجم القديمة كما يخبرنا ابن منظور في اللسان. فتوت وتوث كلاهما عربية في الرأي الأول، وتوث في الرأي الثاني فارسية وهي في العربية الفرصاد. لنقرأ ما كتبه في اللسان: "التوت: الفرصاد، واحدته توتة، بالتاء المثناة، ولا تقل التوث، بالثاء. قال ابن بري: ذكر أبو حنيفة الدينوري أنه بالثاء، وحكي عن بعض النحويين أيضا، أنه بالثاء. قال أبو حنيفة: ولم يسمع في الشعر إلا بالثاء، وأنشد لمحبوب بن النهشلي:

أَحْلَى وأشْهَى لِعَيْني إن مَرَرْتُ به ... من كَرْخِ بَغْدَادَ ذي الرُّمَّانِ والتّوثِ

والليْلُ نِصْفان نِصفٌ للهُمُوم فمَا ... أقضِي الرُّقادَ ونِصْفٌ للبراغِيثِ.

وهذا الشاهد الشعري يؤكد ان الكلمة بالثاء عربية. أما الأصمعي فقد نقل عنه ابن منظور أن الكلمة بالثاء في اللغة الفارسية، وبالتاء في اللغة العربية. وفي المصباح المنير نقرأ " التُّوتُ: الفرصاد وعن أهل البصرة "التُّوتُ" هو الفاكهة وشجرته الفرصاد وهذا هو المعروف، وربما قيل "تُوثٌ" بثاء مثلثة. أخيرا قال الأزهري: كأنه فارسي والعرب تقوله بتاءين ومنع من الثاء المثلثة ابن السكيت". ويلاحظ القارئ مقدار التداخل والاختلاف في تأثيل هذه الكلمة. أما إذا تبث وجودها في الآرامية أو ما قبلها كالأكدية فهذا يعني أنها مشتركة في الساميات وقد انتقلت الى الفارسية ثم عادت الى العربية سواء كانت بالتاء او بالحرف الرديف لها الثاء العربية. 

***

علاء اللامي

......................

[1] - حول الفرق بين الفصحى والفصيحة: اللغة الفصيحة هي كل لغة أفصحت عن المُراد، ووافقت القواعد المقررة لها. أما اللغة الفصحى فهي اللغة العربية بصورتها المتفق عليها؛ لأن كلمة فصحى تعني التفضيل بمعنى "هي الأفصح من غيرها". أي أن فصيحة بمنزلة صحيحة، وفصحى بمنزلة أصح، وحين يُقارَن بين لغتين أو لهجتين يقول: هذه فصيحة، أما تلك فهي فصحى.

بالعودة إلى المعجم يتضح أنّ كلتا اللفظتين مأخوذة من الجذر الثلاثي "فَ صُ حَ"، فيُقال أفصَحَ عن فكرهِ، أي أظهره وأبانه بلغة سليمة واضحة خالية من الأخطاء، ولكن بالنظر إلى وزن كل من الكلمتين يتبين أن الفُصحى اسم تفضيل ومُذكَّره الأفصح، أي أعلى بلاغةً ولغةً وتعبيراً وبيانا. وبناءً على هذا، لا يمكن اعتبار اللغة العربية المعاصرة، المستعملة في المدارس والصحافة وما إلى ذلك، لغة عربية فصحى، وهناك كُثُرٌ - وأنا من بينهم - يسمونها اللغة الوسيطة؛ أي التي تقع وسطا بين الفصحى والعامية، وتسمى أحيانا المدرسية. اللغة العربية الفصحى التي كانت سائدة ومستعملة في عصر ما قبل الإسلام "الجاهلية" كلغة المعلقات السبع، ثم في العصر الإسلامي كلغة القرآن والفقه والآداب والعلوم في العصر الإسلامي لاحقا. هل يمكن أن نسمي اللغة العربية السائدة في عصرنا اللغة الفصيحة؟ لا أعتقد ذلك لأن الجمهور في عصرنا لا يميز بين الفصحى والفصيحة، وحين يشيع ويُفْهَم الفرق يمكن ذلك بناء على ما تقدم من تفريق بين الفصحى والفصيحة.

هناك بعض الظواهر من الصعب السيطرة عليها أو التقليل منها وهي ظواهر غير حضارية وغير مقبولة من قبل جميع المجتمعات في العالم ولعل ظاهرة التسول من بين تلك الظواهر المنهكة للمجتمع، فللتسول آثار سلبية كبيرة على الفرد والمجتمع والدولة، فيعتبر التسول إهانة للنفس وضعف وذل فيجعل المجتمع منهاراً اخلاقياً وفكرياً وهو سبب رئيسي من أسباب انتشار البطالة والتقليل من هيبة الدول !، ولعل الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهر كثيرة لكن تأتي بالدرجة الاولى ارتفاع معدلات الفقر بسبب الحروب أو غلاء الاسعار هي اساسها ..

وكما نعلم أن التسول أنواع منها التسول لحاجة فعلية ومنها التسول من غير حاجة (التسول الكاذب) ويستخدم هذا النوع اساليب ملفتة من أجل الوصول إلى مبتغاه وهو الحصول على المال باستعطاف الناس، ومن اغرب ما قد يستخدمه (المتسول الكذوب) هو التظاهر إصابته بمرض عقلي أو استخدامه لأدوات التجميل من أجل تشويه وجهه أو أي طرف من جسمه في سبيل الحصول على مآربه ! وقد تنطلي هذه الحيلة على الكثير منا والمشكلة الأكبر أن المتسول لا يتوقف عن التسول بعد اكتفاءه المادي أو أن يبحث عن عمل ما لسد حاجاته! بل يصبح هذا الفعل مرض نفسي يستمر معه مدى الحياة وربما يتوارثه اولاده واحفاده !، ومن الاماكن التي يتواجد فيها المتسولون وأكثرها شيوعاً هي الاشارة المرورية واماكن العبادة والأسواق فيُسبب الضجر والاستياء للناس المارة وخاصة ان البعض منهم يكون لجوج في الاستجداء!، يمكن تعريف التسول بصورة عامة بأنه استجداء عاطفي للحصول على حاجات مادية أو معنوية وهي ظاهر غير صحية في المجتمع وقد يستخدم فيها المتسول التذلل بكرامته أو عاهاته أو اطفال في سبيل الوصول إلى ما يريد، وبغض النظر عن صدق المتسول أو كذبه!، لكن لماذا يعتبر التسول من الظواهر الخطيرة ؟! قد يعتبر البعض أن التسول أمر بسيط أو غير مهم لكن ما يترتب على التسول من أمور تجعل منه معضلة كبيرة تنهك العالم أجمع ومن الأسباب الخطيرة للتسول أنه سبب في انتشار الفقر والبطالة فهو يجعل الفرد كسولا وغير منتجاً في مجتمعه ويعتاش على غيره، وكذلك انتشار الجرائم والسرقات وازدياد فرص تعاطي المخدرات بين المتسولين كبيرة جداً، وأيضاً يعتبر التسول سبباً في حرمان الأطفال من حقوقهم في التعليم وكذلك اصابتهم بأمراض جسدية ونفسية جراء بقائهم في الشوارع أو مبيتهم على ارصفة الطرقات، ومن الظواهر الجديدة على المجتمع هي ظاهرة التسول الالكتروني ربما يبدو المصطلح غريبا نوعا ما لكنها ظاهرة حقيقية حيث يستخدم المتسول الرسائل من أجل الاستعطاف أيضاً وانه بحاجة الى المال بشكل مُلح من أجل علاج مريض أو شراء طعام أو حليب لأطفاله ! وتكون هذه الرسائل مزعجة ومحرجة !، ومن الاجراءات الضرورية للحد من البطالة هي توفير فرص عمل مناسبة لتلك الفئة، افتتاح جمعيات خيرية، وضع قوانين صارمة للحد من التسول، توفير ضمان اجتماعي للأشخاص غير القادرين على العمل، بالإضافة إلى توفير مراكز المعالجة النفسية من اجل جعل المتسولين مؤهلين للتخلص من امراضهم النفسية وشعورهم بالنقص بشكل دائم حتى ينعم المجتمع بالحياة الكريمة للجميع.

***

سراب سعدي

قبل يوم من قرار مجلس الوزراء الصادر في السابع من شباط الماضي، نصحنا السيد رئيس الوزراء بأن نخزن في بيوتنا الدينار، ونتخلص من الدولارات، على اعتبار أننا شعب من الأغنياء، نعيش رفاهية اقتصادية لا يحلم بها أي ساكن على كوكب الأرض، ولأن المسؤول العراقي مثله مثل السياسي لا يرى أبعد من المنطقة الخضراء وما حولها من فِلَلْ وقصور وجكسارات، فنراه يعتقد أن المواطن العراقي الذي يسكن في المعامل أو في نواحي السماوة يحتار أين يخبئ الدولارات !.

لم يكن قرار تخفيض الدولار، قراراً اقتصادياً، بل حفلاً كبيراً لبعض النواب والمدونيين الذين أخبرونا أن المواطن العراقي سيحتل المرتبة الأولى في الرفاهية الاجتماعية، وأن زمن البطالة انتهى، والمصانع ستعمل 24 ساعة باليوم، والفلاح يُصدر منتوجه إلى أقاصي أوروبا، والبطالة تحت الصفر، وظهر عدد من المحللين السياسيين والاقتصاديين بكامل أناقتهم يتحدثون عن الخطوة الكبيرة في إصلاح الاقتصاد العراقي، لم يخل الأمر بالطبع من مزيد من توابل الإثارة، مثل الظهور اليومي للناشطة المدنية عالية نصيف وهي تتحدث وكأنها المرحوم آدم سميث صاحب "ثروة الأمم"، فيما اتحفتنا إحدى القنوات بالاقتصاديين الكبيرين حمد الموسوي وهيثم الجبوري وهما يتباكيان على حال المواطن العراقي بسبب تعنت الدولار.

بعد سبعة أشهر على قرار الخفض ماذا حصل؟، المواطن لايزال يشتري الدولار بأكثر من 150 ألف دينار، فيما أصحاب البنوك الوهمية وتجار الـ " 56 " يشترون الدولار بـ"1300" دينار، وتزداد الإثارة إذا عرفنا أن البنك المركزي يبيع يومياً أكثر من "200" مليون دولار عداً ونقداً.

وسط هذا المناخ المشبع بالإثارة والتشويق، يعيش المواطن مع وصية "اقتنوا الدينار واطردوا الدولار". لنكتشف أن المقصود، أن تزداد ثروات تجار الخردة في العراق، وتمتلئ خزائن أصحاب المصارف، وتُهرب العملة شمالاً وجنوباً ، دون أن يخرج علينا أحد ليوضح لنا: لماذا؟

في تاريخ العراق المعاصر كان هناك شخص اسمه ساسون حسقيل ، تولى مالية العراق في أول نشوء للدولة، تخبرنا كتب سيرته أنه كان يجادل نوري السعيد في معنى الديمقراطية، ويغضب الملك بسبب مراقبته مخصصات البلاط، ويمنع ياسين الهاشمي من استغلال منصب رئيس الوزراء في إثارة الخلافات السياسية، ويحسقل الموازنة من أجل أن يجعل من الدينار العراقي الحديث الولادة، أكثر عافية من الجنيه الإسترليني، ما الذي كان يغيظ هذا السياسي البارع؟، إنهم أصحاب الخطب الرنانة.

مسلسل الخطباء الذين ابتلينا بهم، أصابنا جميعاً بالحيرة، فحتى هذه اللحظة لم نتوصل إلى تحديد ماذا يريدون، الجميع يتحدث عن الرفاهية مثلما يخبروننا كل مرة، ولكن بشروطهم، نجدهم ليل نهار يصرخون بأنهم عازمون على قتل الدولار، فيما الدينار يزداد حيرة ،والوقت يحتاج إلى صبر، والصبر مفتاح الفرج، والمفتاح ضايع " في سراديب الفشل .

***

علي حسين

نسمع كثيرا أمثلة تحض على المؤازرة والتعاون، ولقائليها حتما خبرة وتجربة في الحياة، كذلك كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي نسمعها من أهلينا دوما، وعلينا الامتثال لها والالتزام بها، وإلا فالخسارة والإخفاق والإحباط، تكون أول ما نجنيه من تمردنا وعدم انصياعنا لمفردات التعاون.

وكبرنا، وحلت في يومياتنا اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، وتغيرت حيثيات حياتنا، بعضها نحو الأسوأ وأخرى نحو الأفضل، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون، روح التعاون. فما من مفصل من مفاصل حياتنا وما من جانب من جوانبها، إلا وكان للتعاون اليد الطولى في تحقيق مآربنا جميعها.

وبالرجوع بذاكرتنا الى الأعوام 2006- 2007 – 2008. حين مر العراق بأعتى عاصفة اجتمع في صنعها أشخاص وأحزاب وفئات وجهات ودول، تعاونوا على الإثم والعدوان فيما بينهم، فيما تعاون العراقيون -الشرفاء حصرا - على البر والتقوى فما كانت النتائج؟ يوم بلغت تضحيات العراقيين بمالهم وأرواحهم مبلغا قلما نجد مثيله في بلدان أخرى.

ولاأظن أحدا منا قد نسي كيف ثابر وجاهد آنذاك كثير من الأطباء والمهندسين والمدرسين، وأساتذة جامعات وباقي الكفاءات والاختصاصات، فضلا عن ضباط ومراتب ومنتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، وقدموا ما استطاعوا من عطاء ممزوج بالمعاناة، رغم التحديات الصعبة التي واجهتهم، ورغم التهديدات التي تعرضوا لها، من فئة تعاونوا على ضلالتهم وتكاتفوا على خسة غرضهم ودناءة هدفهم، وما يؤسف له أنهم نالوا مانالوه من تعاونهم ذاك.

اليوم في عراقنا الجديد، يحتم التعاون وجوده بكل أشكاله بين فئات نسيج مجتمعنا وشرائحه جميعها، بقومياتهم وأطيافهم كافة، وفي الحقيقة الواقعة أننا نلمسه -التعاون- متوافرا في الشارع والمعمل والمؤسسة بينهم جميعهم، إلا أن حضوره شحّ، ووجوده ندر بين سياسيي الحاضر، كما أنه غاب عن صناع القرار، إضافة الى أغلب رجالات الدين، إذ نراهم غرقى في بحر الراديكالية، وهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات لاتنقطع، ويدورون في دوامات التضاد على أعلى المستويات، مايجعلهم أسيادا في معاداة الآخر، وأساطين في الإيقاع به وتسقيطه شخصيا، فإن لم يستطيعوا فسياسيا، وإن لم يستطيعوا فمهنيا، وإن لم يستطيعوا فبالمقاطعة والتهميش وذلك أضعف الإيمان.

والأمر بالتالي يفضى الى نأيهم عن معنى التعاون وكنهه وفحواه، واقترابهم من الأنانية والتحيز والإثرة وعشق الذات، في وقت كان حريا بهم أن ينضووا تحت لواء الإيثار ونكران الذات. لقد رفع أولو أمر العراقيين من الساسة اليوم، وكل من اعتلى مقاعد التسلط في مواقع التسيد شعار (كلمن يحود النار لگرصته) وامتثلوا -لسوء حظ العراقيين- الى قول ابي فراس الحمداني:

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

أو لعلهم اقتدوا بعشيقة ملك فرنسا لويس الرابع عشر مدام دي بومبادور، حين قالت: "أنا ومن بعدي الطوفان". إذ اضحى مؤكدا مدى تعلقهم بمصالحهم الفئوية، وبات جليا تمسكهم الشديد بمآربهم الشخصية، أما المواطن فله رب يحميه، وأما حقوقه فله فتات مايتركونه، بعد اقتسامهم حصة الأسد منها، وأظنهم استشرعوا هذه القسمة الضيزى من أبي نؤاس، حين قال في جارية اسمها "جنان":

جنان حصّلت قلبي

فما إن فيه من باقِ

لها الثلثان من قلبي

وثلثا ثلثه الباقي

وثلثا ثلث مايبقى

وثلث الثلث للساقي

فتبقى أسهم ست

تجزّا بين عشاق

***

علي علي 

عندما كان الحزب واحدا، حاولت بكل طاقتها ان تحمل صفة " مستقلة " على الرغم من صعوبة التملص من العناصرالنشيطة التي تسعى الى كسب المستقلين ليصبحوا مؤيدين لكنها اضطرت خلال الدراسة الاعدادية الى الرضوخ لالحاح احدى زميلاتها ليس اقتناعا بل خوفا من رد فعلها اذا ماواصلت رفض دعوتها لها،فقد يحمل ذلك ألف معنى وقد تجد من يبحث في تاريخ أسرتها كله ويجد فيه شائبة تكفي لاخفاء احد أفرادها او كلهم وراء الشمس فاكتفت بحضور اجتماعات حزبية تخلفت عن اغلبها والتزمت بدفع الاشتراك المالي الشهري لمجرد ان تبعد عنها الشكوك فليس هنالك من يقتنع بوجهة نظرها التي تقوم على رفض الانتماء والرغبة في أن تظل مستقلة !

ولأنها مستقلة في اعماقها وتسعى الى ان تكون كذلك على أرض الواقع، فقد تجنبت الالتحاق بكلية (مغلقة) -أي يشترط الالتحاق بها الانضمام الى الحزب - بل اختارت كلية اكثر انفتاحا، واكتفت بأن تنفذ وصية اهلها بالحذر ثم الحذر من اثارة اي نقاش سياسي او المشاركة فيه فهي من محافظة تمثل أصلا علامة فارقة في نظر الحزب،  ومن حسن حظها ان المسؤول الحزبي في قسمها لم يكن يدقق في انتماء الطالبات او حضورهن الاجتماعات بل كان يصب كل تركيزه على الطلاب الذكور لأنهم لابد وان يكونوا ناقمين اصلا في اعماقهم مادامت الجامعة لن تنتهي بعمل او وظيفة بل بالانخراط في الجيش والذهاب الى جبهات القتال !

بعد عام 2003، وعندما تحول الحزب الواحد الى موكب من الاحزاب متعددة المناشيء والاجندات،اختارت العمل في وظيفة لاعلاقة لها بالاحزاب، وحتى عندما لمع اسمها في مجال عملها وتلقت عدة دعوات لخوض الانتخابات تحت لواء حزب او تجمع او تيار، لم تخضع لاغراء المجد السياسي وكسب المال السائب وهما من اهم اسباب الانتماء الى أحزاب وخوض انتخابات تنتهي غالبا بفشل المستقلين وضياع اصوات ناخبيهم هباء وفوز من يتمتع بدعم حزبي ..

كانت تشعر بالأسى على المرشحين المستقلين فمهما كانت نزاهة بعضهم ورغبتهم في الاصلاح وخدمة الشعب فسوقهم ليست رائجة لأنهم ينفقون على دعاياتهم الانتخابية المتواضعة من جيوبهم ويعولون على اصوات ناخبين شرفاء بينما تنفق الاحزاب على مرشحيها اموالا طائلة وتبدع في شراء اصوات الناخبين بالمال والوعود بالتعيينات بل وبالبطانيات احيانا !

ولأنها تدرك بأن الديمقراطية التي جلبت معها الانتخابات لم تكن نزيهة بل مشوهة، فقد قررت ان تختبرها وأن تجرب بنفسها مدى صحة تشدق المتشدقين بها، لذا قررت الترشح لمجلس امناء شبكة الاعلام العراقي عسى ان تقدم شيئا يخدم مجال عملها لكنها وجدت من ينصحها بالعدول عن قرارها لأن ماتفعله (مضيعة للوقت) مادام المجلس خاضعا للمحاصصة الحزبية والقضية (محسومة للأحزاب) كما قيل لها ...

ما الداعي اذن الى التشدق بالديمقراطية والانتخابات وحرية الرأي في بلد لاينال فيه المستقل وظيفة او منصب او حظوة في مختلف المؤسسات الحكومية والهيئات (المستقلة) مادام كل شيء فيه يخضع للمحاصصة الحزبية، ومناصبها كلها (محسومة للأحزاب )؟!

***

عدوية الهلالي

عبد الله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس (95 - 158) هجرية، ومدة حكمه (22) سنة، (136 - 158) هجرية.

تولى الخلافة في عمر (41)، بعهدة من أخيه أبو العباس السفاح.

"كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة وحزما ورأيا وجبروتا، كامل العقل، جيد المشاركة في العلم والأدب"

"قتل خلقا كثيرا حتى إستقام ملكه"

"وكان غاية في الحرص والبخل فلقب (أبا الدوانيق)"

"أول ما فعله قتل أبا مسلم الخراساني"

نجا من سطوته عبدالرحمن بن معاوية بن هشام فدخل الأندلس سنة (138) هجرية، ولقبه بصقر قريش، وهو عبد الرحمن الداخل.

"بنى مدينة بغداد المدورة (140 - 149) هجرية.

بدأ التدوين والترجمة والتأليف سنة (143) هجرية

"أول من أوقع بين العلويين والعباسيين" بعد خروج حفيدي الحسن بن علي عليه (145) هجرية، فقتلهما ومَن أفتى معهما بالخروج عليه، وقتل خلقا كثيرا من ذرية علي بن أبي طالب.

خلع عمه عيسى بن موسى سنة (147) هجرية، وعهد لإبنه المهدي.

"أول من قرّب المنجمين، وعمل بأحكام النجوم، وأول خليفة ترجمت له الكتب، وأول خليفة إستعمل مواليه على أعماله وقدمهم على العرب"

قيل له: "لقد هجمت بالعقوبة كأنك لم تسمع بالعفو، فقال: لأن بني مروان لم تبل رممهم، وآل بني طالب لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو وإستعمال العقوبة"

ومن وصيته لإبنه المهدي: " يا أبا عبدالله الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه، لا تبرمَّن أمرا حتى تتفكر فيه، فإن فكرة العاقل مرآته تريه قبيحه وحسنه".

جمع أبو جعفر المنصور تناقضات عجيبة وكأنه صورة أخرى للحجاج بن يوسف الثقفي .

إذ كان حازما شديد البأس، ويدرك أنه يؤسس دولة ذات شأن، فكان قاسيا على مَن يقف بوجهه، حتى على أقاربه أو أبناء عمومته، وفي زمنه حصلت قتلات شرسة، كمقتل أبو مسلم الخراساني وإبن المقفع، وأمعن بإبادة معارضيه بقسوة فائقة.

ومع ذلك هو محب للعلم، فأطلق مسيرة الترجمة، وجمع الكتب، وأول من أدخل الموالي في الدولة، وبنى مدينة بغداد، ووضع الأسس الرصينة لدولة إستمرت بعده لأكثر من أربعة قرون، ورفع رايات التدوين، وطلب من إبن إسحاق كتابة السيرة النبوية ليقرأها إبنه المهدي، ومن ثم لخصها إبن هشام.

فكان يحمل السيف بيد والفكر باليد الأخرى.

وعاش في صراع بين الكرسي والعقل، وحاول الموازنة بينهما، ومن الصعب الإقتراب من شخصيته، لأنه كأي بناة الدول لابد من إجتماع العديد من التناقضات فيه، ويبدو أن أخلاق الكرسي وإملاءاته ربما طغت على الكثير من سلوكه، ورسمت مسيرة الحكم من بعده.

ولم يكن مغترا بالدنيا، ويميل للبناء بالطين، فما بقي من آثاره ما يشير إلى مرحلته.

كان قائدا وعالما ومجاهدا في سبيل إرساء دعائم دولة ذات قوة وعزة وشموخ.

ولولا خارطة الطريق العتيدة التي وضعها، ما إستطاع الخلفاء من بعده أن ينجزوا ما أنجزوه، فأطلق بواعث العصر الذهبي للدولة العباسية، الذي إنتهى بمقتل المتوكل وهيمنة الآخرين على الحكم.

وبإختصار، طغت على شخصيته إرادة بناء الدولة، فوضع الأسس الصالحة لديمومتها، ولا توجد مثالب كبيرة في شخصيته، وإنما توجهات إحترازية وتطلعات لوضع الركائز المتينة لدولته، وهو من المثقفين المطلعين على آليات الحكم ومهارات صناعة الدول، وتواصل مع معارف الدنيا في زمانه، وترجم أمهات كتب الحضارات السابقة.

***

د. صادق السامرائي

اجتاح المدينة اعصار دانيال وتسبب في مقتل وتشريد الالاف، وهدم احياء سكنية بكاملها، الكوارث الطبيعية لا يد منظورة للبشر فيها، ربما للتغيرات المناخية دور كبير، بسبب ثقب طبقة الاوزون الناتج عن الغازات المنبعثة عن المصانع الكيميائية بالدول الكبرى، السدود المقامة على الانهار لتجنيب المدن القريبة منها خطر تدفقها تحتاج بصفة دورية الى عمليات مراقبة وصيانة، لكن بلادنا وفي ظل التكالب على السلطة واهدار المال العام بسبب عدم وجود الرقابة العامة (ادارية ومحاسبية)التي تحد من ذلك، فان مسؤولينا لم يعيروا أي اهتمام لأي من المشاريع المقامة فتآكلت وبعضها لم يعد صالحا للصيانة، ناهيك عن عدم القيام بمشاريع جديدة.

لسنا هنا في صدد تحديد المسؤولية عن نتائج الاعصار، فبامكان الاجهزة المختصة تحديد ذلك، ومعاقبة المقصرين منهم، ولكن هل ستقوم السلطات بمختلف مستوياتها بالتعويض عن الخسائر المادية وايجاد البديل لها في اقرب الآجال، فالأموال متوفرة وبكثرة، والذي ينقص هو الارادة الفاعلة القادرة على تخطي الازمة في مدد زمنية، وتجنيب المواطن التشرد وانتظار المساعدات او لنقل الهبات الخارجية، التي رغم أهميتها لن تفيء بالغرض.

الحكومتان اللتان تتقاسمان السلطة، لم تتحركان بالسرعة المطلوبة لتخفيف اثر النكبة، كما انهما لم تقدمان ما يلزم من معونات ايوائية وغذائية رغم وجود بند للطوارئ بالميزانيات على مدى السنوات المختلفة، فهل تراكم المبلغ ام انه تم انفاقه في ما لا يعني على مشاريع وهمية؟، نتمنى ان يكون هناك بعض الاهتمام ببقية السدود حول مدينتي طرابلس وبنغازي وحمايتهما، لئلا تتكرر الكوارث، كما نامل وضع حدا لارتفاع اسعار الكثير من السلع وخاصة الضرورية، فتجار الازمات يجب ردعهم بقوانين صارمة، فهؤلاء دينهم بطونهم، وجل همهم هو ما يراكمونه من اموال في خزائنهم، ولا انسانية لهم.

نكبة درنة والمناطق المجاورة اثبتت قوة اللحمة الوطنية للشعب الليبي، حيث انه ورغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه، نجده يقوم بتسيير قوافل إغاثة للمناطق المنكوبة، وانه في حل من الفتن التي يحاول الساسة وبعض رجال الدين خلقها وتأجيج سعيرها، وان ليبيا المعاصرة وطن واحد، وقبائلها تنتشر على مدى رقعتها الجغرافية.

 إن هذه الفزعة العفوية تدحض وبما لا يدع مجالا للشك، الراي القائل بان الشعب الليبي شعب هجين، غير متجانس. أن العودة الى الحكم الفدرالي لم يعد واردا، فالذين قاموا بتغيير دستور 51 (63معدل)هم نواب ليبيون بالدرجة الأولى، ومضى على ذلك ستة عقود، فلم تعد هناك قيود للتنقل، فتشابكت المصالح والمصاهرة وهؤلاء الفدراليون نسوا او تناسوا ان بعض سكان المنطقة الشرقية اصولهم من المنطقة الغربية والجنوبية، وان القبائل اصبح لها امتداد جغرافي يصعب تجاهله، نعم للامركزية الادارية، ادارة شؤون المناطق وتنميتها وفق احتياجاتها ومع ما يتناسب والميزانية المخصصة لذلك، على ان تبقى بعض الاشياء مركزية مثل السياسة الخارجية والدفاع والامن الداخلي والتخطيط العام.

ندرك ان المصاب جلل، لكن الهبة الشعبية خففت من وطأة الالم، وطن واحد، قد تختلف المشارب.. وتتعدد المسارب، تظل الوجهة.. ليبيا.. رغم المحن، لا مكان لشذاذ الافاق ومروجي الفتن.. لا جهوية لا مذاهب تكفيرية، سيتعافى الوطن.

***

ميلاد عمر المزوغي   

ذات مساء رأيت صديقاً فارقته منذ سنوات وهو يغادر إحدى المجمعات التجارية واضعأ على عينيه نظارة سوداء قاتمة، وتمسك بذراعه امرأة كأنها تقوده لمعرفة الطريق.. سلّمت عليه وفوجئت بأنه لم يعرفني لأول وهلة كأنه لم يرَ وجهي. وقبل أن تفيق دهشتي أخبرني مبتسماً بأنه فقد بصره في الحرب على الإرهاب.

تألمت لحاله بقدر ما أكبرت تضحيته.. تلعثمت الكلمات في فمي ولم أجد تعبيراً مناسباً لمواساته.. وكما لو أنه رأى بقلبه تألمي وإرتباكي، قال لي والإبتسامة الجميلة تواصل إشراقتها على محياه:

- فقدت بصري من أجل الوطن وأنا في عنفوان الشباب.

ثم أردف بكبرياء:

- لست حزيناً فقد وجدت الزوجة التي جعلتني أرى الدينا بعيون جديدة.

ضغط بكفه على كفها تعبيراً عن الإمتنان، وتابع حديثه:

- إنها امرأة مجاهدة، وربما جهادها أعظم عند الله من جهادي.

ابتسمت الزوجة التي كانت تحتضن كفه بحنان باذخ، وقالت لي بإنشراح:

- ليس لي سواه.. إنه حياتي كلها.

بعد ذاك اللقاء بفترة قصيرة صادفت شاباً ضريراً يرقد في دار خيرية لرعاية المعاقين.. سألت عن سبب فقدانه للبصر فقالوا لي: أحبّ زميلة له في الجامعة وهام بها عشقاً.. بعد التخرج فوجيء بهجرانها له وزواجها من رجل آخر، لم يحتمل الشاب الصدمة فأدمى عينيه !.

غادرت المستشفى حزيناً فقد إستنزف حال الشاب الضرير ذكرياتي عن مفارقات ثنائية الغرام والهجران، وما أكثرها في مجتمعنا.

قلت في سرّي: ما أعجب المرأة.. بيدها مفاتيح سعادة الرجل، فبوسعها ان تهب الضوء للأعمى.. وبوسعها ان تسلب الضوء من البصير!.

***

بقلم: طالب الأحمد

شهد العراق سنة جفاف قاسية، أضرت كثيراً بالأراضي الزراعية والمواشي، ما أثر بالسلب على الإنتاج السنوي للمحاصيل الزراعية المهمة، الداخلة في سلة الغذاء اليومية للشعب العراقي..

على الرغم من كل المحاولات، التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة،الا ان التزمت التركي ما زال هو سيد الموقف،وهذا أثر بشكل كارثي في جفاف البحيرات الرئيسية في العراقـ، وتراجع حجم الاهوار،بالاضافة الى نقص في حجم المياه المتدفقة الى نهري دجلة والفرات،ما اجبر العراق على أتخاذ التدابير التي لا ترقى الى مستوى المعالجة،بل كانت ترقيعية كتركيب مضخات جديدة، لاستخراج المياه من المساحات القريبة من الخزائن وعلى طول النهرين!

يبدو أن الوضع بات بائساً ومأساويا، بالنسبة لملف المياه الذي شكل عقبة أمام حفظ الأراضي الزراعية، وزيادة استصلاح غيرها،حيث ذكرت منظمة الاغذية والزراعة العالمية في العراق، أن منسوب نهر الفرات بلغ ٥٦سم(نصف متر) في مدينة الناصرية، مما تسبب في جفاف ٩٠% من الاهوار القريبة،كما أن المنظمة الدولية للهجرة قدرت ان ثلث النازحين، البالغ عددهم ٨٥ الف نازح بسبب شح المياه، يعيشون في محافظة ذي قار على طول النهر،حيث جعل نزوح هؤلاء بعد انخفاض منسوب المياه، فتحركوا الى داخل المدن.. كما أضطر المزارعون الى ترك أراضيهم وممتلكاتهم، مما أثر بالسلب على الأراضي المستغلة، وتحول كثير منها الى أراضي ميتة، تحتاج الى جهد كبير لإعادة إحيائها من جديد.

تركيا من جهتها تحاول المماطلة في هذا الجانب،إذ اعتمدت حكومتهم على عامل الزمن، من أجل تقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال الأخير، الذي ضرب تركيا وأثر على خط الأنبوب الناقل،والذي أخذ العمل به لمدة ٤٦ يوم وتوقف ف ٢٥آذار بعد صدور التحكيم الدولي لصالح العراق، فكما نعرف تستخدم انقرة خط الانابيب، كورقة مساومة تمتلكها لانتزاع تنازلات، بشأن التعاون الوطني والأمني في أربيل وبغداد..

يصف المراقبون أن الاتفاق القريب ليس سهلاً، وليس بالمهمة البسيطة ويحتاج الى الكثير من الوقت،لان هناك العديد من القضايا الشائكة،كما أن تركيا تبحث عن قضايا أخرى مع العراق، فهي تريد تخفيض مبلغ التعويضات، التي يجب أن تدفعها، والبالغة ١.٥ مليار دولار، الى جانب تقديمها لمطالب صعبة أخرى، بما فيها تخفيضات كبيرة في أسعار النفط، وإسقاط جميع المطالبات ضدها،بالاضافة الى زيادة رسوم نقل النفط عبر اراضيها، الى ٧ دولار لنقل البرميل الواحد، مقارنة بما حددته معاهدة خطوط الأنابيب عام ٢٠١٠، والتي حددت رسول النقل ١.١٨ دولار،بالاضافة الى تعويض تكاليف خط النقل الناقل .

ملف إيقاف تصدير ٤٥٠ ألف برميل يومياً، من صادرات النفط لمدة خمسة أشهر، والتي تقدر مبالغها بحوالي ٥ مليار دولار، من إجمالي الإيرادات غير المتحققة، والعراق بحاجة الى هذه الأموال، لتنفيذ الموازنة لعام ٢٠٢٣ التي تبلغ ١٥٠ مليار دولار، والسيطرة على العجز الهائل والبالغ ٤٨ مليار دولار،ما يعني ان الخسائر التركية المترتبة على وفق ضريبة النفط، أقل من خسائر العراق،حيث تقدر خسائر تركيا بحوالي ٢ الى ٣ مليون دولار يومياً من رسوم عبور،مما يضع جانباً الفرص الضائعة، المتمثلة في تنشيط تجارة النفط والغاز مع العراق.

من المفارقات أن قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط من العراق،قد إعاد ترتيب مصالح بغداد وأربيل، بحيث لاول مرة يتقف الطرفان، على ضرورة وصول نفط العراق الى الاسواق الدولية،ويمكن أن يكون موقف العراق أقوى بكثير من موقف أنقرة،لذلك يمكن له أن يجعل هذا الملف ورقة ضغط ومساومة مع أنقرة،ومن المؤكد أن أتفاق الرؤية بين أربيل وبغداد، يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الانتاج من كركوك، للحصول على مزيد من تدفق النفط عبر تركيا، لجعل مشروع خط الانابيب الناقل معها أكثر ربحاً وفائدة، وتحصل انفراجة في ملف المياه تبعا لذلك.

***

محمد حسن الساعدي

من الملاحظات الغريبة أن خلفاء الدولة العباسية بعد المأمون أقترنت أسماؤهم بالله، فبدأت بالسفاح، وأبو جعفر المنصور، والمهدي، والهادي، وهارون الرشيد، والأمين والمأمون، وكانت فترة حكمهم تمثل العصر الذهبي للدولة، رغم ما شابها من توترات.

وأول من إقترن إسمه بالله هو المعتصم بالله، وهو محمد بن هارون، وكنيته أبو إسحاق، ومن بعده الواثق بالله، ومن ثم المتوكل على الله، وهؤلاء كانوا معروفين بإسمهم المجرد من الله، فنقول المعتصم، الواثق، المتوكل.

وبعد مقتل المتوكل، صارت الأسماء مقرونة بقوة بكلمة الله.

والفرق في الحالات الثلاثة، أن الدولة أسست لعصرها الذهبي ، ومن ثم لفترة القوة الفاعلة والعمران، وبعدها تحول الخلفاء إلى موجودات بلا قدرة على إتخاذ قرار، إلا فيما ندر، ومضت أيامهم على أنهم رموز وحسب.

بعد المتوكل صار الخليفة ينوب عن الله في الحكم أكثر من أي وقت مضى، وتحقق تعزيز المفهوم لكي يستغله المتنفذون القابضون على مفردات القوة وعناصرها المؤثرة في الحياة العامة.

فالخليفة موجود كالأسير في دار الخلافة، والقواد والأمراء هم الحاكمون بإسمه ويذكرونه في خطبهم، فكان أداتهم اللازمة لتأمين تبعية الناس لهم ورضوخهم لمشيئتهم.

فكانت فترة خلافة الأسماء المقرونة بالله أشد فسادا وظلما وإضطرابا من سابقاتها، مما يشير إلى أن إستعمال الدين في الحكم لا يأتي بنتائج صالحة للحياة، ويحولها إلى مرتع للرغبات المفلوتة، لأنه سيشرعنها، فتكون ذات إرادة متحررة من المسؤولية الفردية، وتحصل بأمر الله!!

ومنذ مقتل المتوكل (247) هجرية، حتى سقوط بغداد (659) هجرية ، توالى على الدولة العباسية (27) خليفة من الأسماء المقرونة بالله، وعندما بويع (إبن المعتز) (247 - 295)هجرية،  تم خلعه في أقل من يوم، وبعدها سجنوه وقتلوه.

ويبدو ان كلمة الله كانت ضرورية ومطلوبة لإحكام السيطرة على الرعية، ولهذا تحقق الإستثمار فيها، والإستمرار بإقرانها بأسماء الخلفاء؟

ترى هل هي من إختراع المعتصم، الذي أدرك آليات السيطرة والتحكم بالبلاد والعباد، تستدعي أن يكون للإله دور واضح وقوي في السلطة؟!!

إنها ذات القكرة التي مارستها الحضارات القديمة قبل التأريخ، عندما كان الإله يحكم ومن ثم مَن له صلة ما به.

فكأنّ الله في الكرسي!!

***

د. صادق السامرائي

كلمات هذا الجزء: "سدانة - صگاطة - صنان - صيهود -قَبوط - قوزي - راشدي - رُطب -رگـة -شجر - شرمخ - شقل". سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:

805- صگاطة = (سكتا) وتعني سدادة وقفل. ويشرح معنى اللمة في العامية فيقول وهي عبارة عن قطعة خشب أو حديد مرتبطة من جهة وسائبة من الأخرى لكي تثبت في حلقة أو مكان مخصص على جهة الباب الثانية. وهذه هي السقاطة في اللغة العربية الفصيحة ونقرأ في معجم المعاني (السُّقَاطةُ: أداة توضع على أعلى الباب فيقفل) وهي تلفظ في العامية بفتح السين وفي الفصيحة بضمها. وفي المعاصرة نقرأ (سُقَّاطة :1 - أداة تُوضع خلف الباب من أعلى لإحكام إغلاقه. 2 - ما يُطرق به الباب).

811- صنان = (صهنا) وتعني الرائحة الكريهة وهذه كلمة عربية ومشتركة في اللغات الجزيرية السامية بالمعنى نفسه نقرأ في معجم الوسيط (الصُّنَانُ: النَّتْنُ.

والصُّنَانُ الريح الكريهة وذفر الأبط)، وفي المعجم الغني "يَفُوحُ مِنْهُ صُنَانٌ: رَائِحَةُ الإبْطِ الكَرِيهَةِ -صُنَانُ لَحْمٍ: نَتَنُهُ".

812- صيهود = (صاهيا) جفاف عطش. والمؤلف يعلم أن الكلمة عربية فصيحة ولكنه يعاند ويحاول أن يجد لها تخريج ما فيقول إن معناها في المندائية يتعدى معناها في العربية الى الجفاف. وفي العامية العراقية تعني كلمة الصيهود الحر الشديد والصيف القائظ ولا تعني الجفاف قط، ونقرأ في المعجم الرائد (صيهد: حر شديد. - صيهد: سراب مضطرب. - صيهد: طويل القامة. - صيهد: أرض واسعة جافة لا ماء فيها). نقرأ في لسان العرب (ابن سيده: صَهَدَتْ الشَّمْسُ تَصْهَدُه صَهْداً وصَهَداناً: أَصابَتْه وحَمِيَتْ عليه والصَّيْهَدُ: شدّة الحَرِّ).

815-قَبوط = (قبوتا) وتعني في المندائية صندوق خزانة تابوت. وفي العامية العراقية القبوط هو المعطف فلا علاقة لهذا بذاك. وربما كانت الكلمة معربة عن لغة أجنبية أخرى هي الفرنسية (CAPOTE) التي تعني المعطف العسكري والمعطف المُقَلْنس "معطف بقلنسوة".

822- قوزي = (قصير، صغير) وتعني كما يقول المؤلف " رضيع الخراف في إشارة إلى صغيرة) وهذه الكلمة تركية عثمانية من قوزو أو قوزي وتعني الحَمَل. ودخلت اللهجة العراقية خلال الاحتلال التركي العثماني للولايات العراقية. والمؤلف يشير إلى هذه المعلومات ولكنه ينفيها لتأكيد تخريجه المندائي الخاص. أما التخريج الذي يقول به خالد السياب في معجمه "معجم الفصيح الدارج في اللهجة العراقية المحكیة في محافظة كربلاء" والذي مفاده أنه يجد "أن للكلمة أصلا عربياً، فـ (القوز) في الكلام الفصيح، يعني: كثيب مشرف من الرمل فيه استدارة، وصغر تشبه به أرداف النساء" فهو تخريج ضعيف وبعيد من حيث المعنى المراد.

827- راشدي = (ريش +دها) وتعني في العامية صفعة على الوجه ويحاول المؤلف أن يجمع كلمتين مندائيتين هما "ريش" أي رأس و "دها" التي يقول إنها تعني "دفع وربما ضرب"، فهل يعني ذلك أن المؤلف غير متأكد من معنى الكلمة في لغته الأم؟ وعموما فواضح القسر التأثيلي هنا ومحاولة تلفيق تخريج لهذه الكلمة. ويبدو أنها من المفردات الجديدة في اللهجة العراقية في فترة الاحتلال العثماني فهناك روايتان تنسبان الكلمة، الأولى إلى أحد حكام أمارة المنتفق في جنوب العراق وهو راشد باشا السعدون الذي امتاز بضخامة جسمه وطوله وهيبته وكان أذا صفع أحدهم أغمي عليه لشدتها! والرواية الثانية تنسبها الى ضابط عثماني عرف باسم ابيه (راشدي)، وكان هذا الضابط قوي البنية لدرجة أنه إذا ضرب شخصا على وجهه أو خده بكفه يخر المضروب صريعا من قوة الضربة، واشتهر هذا الضابط بقوة ضربته وشدتها، فصار الناس يضربون المثل به وبصفعته الرنانة" وتبقى هاتان الروايتان شعبيتان ومحاولة غير موثقة لتفسير الكلمة نسوقهما للعلم بهما دون أن نتبنى إحداهما رغم أنها أكثر معقولية من تخريج المؤلف قيس مغشغش السعدي.

833- رُطب = (رطب) وتعني في المندائية ريان وطري. والمؤلف يسجل أن الكلمة عربية بعناها المعروف والشائع ولكنه يضيف لتبرير الزج بها في المعجم المندائي ما يلي: "والكلمة من أساس لغة العراق القديمة فهي تأتي في المسمارية على "رطبو" وقد احتفظت بها المندائية! وهذا الكلام ينطوي على عدة أخطاء فأولا؛ المسمارية ليست لغة بل طريقة كتابة أو نظام علامات للكتابة، فقد يكون النص باللغة الأكدية ويكتب بالمسمارية وقد يكون باللغة السومرية أو غيرها ويكتب بالمسمارية. وثانيا لما كانت الكلمة قد وردت بإحدى اللغات الجزيرة القديمة وهي الأكدية وذكرها العلامة طه باقر في كتابة " من تراثنا" وكتب عنها " رَطَب = رطابو: التمر في مرحلة النضج الأول وهو الطري"؛ فلماذا يريد المؤلف احتكارها للمندائية التي هي لهجة من لهجات الآرامية، ولا يحق للغة العربية أن ترثها أيضا؟ لنقرأ ما ورد في واحد من أقدم المعاجم "لسان العرب" عن رطب (وأَرْطَبَ البُسْر: صار رُطَباً. وأَرْطَبَتِ النخلة، وأَرْطَبَ القَوْمُ: أَرْطَبَ نَخْلُهم وصار ما عليه رُطَباً. الرَّطْبُ، بالفَتْحِ: ضدُّ اليابسِ. والرَّطْبُ: النَّاعِمُ. رَطُبَ، بالضَّمِّ، يَرْطُب رُطوبَةً ورَطابَةً، ورَطِبَ فهو رَطْبٌ ورَطِـيبٌ، ورَطَّبْتُه أَنا تَرْطِـيباً. وجارِيَةٌ رَطْبَة: رَخْصَة).

838-رگـة = (ريقا) سلحفاة. وهذه كلمة أكدية قديمة "رقو" وثمة من يقول إنها سومرية انتقلت إلى الكلدانية، وهذا أمر مستبعد، وهناك من يقول بأنها سومرية انتقلت إلى الأكدية وهو الأرجح إذ أن الأكدية أقدم تأريخيا من الكلدانية وأقرب إلى السومرية تأريخياً إن لم تكن متزامنة معها، ومن غير المستبعد أنها انتقلت الى اللهجة المندائية فالعربية لاحقا. والمؤلف مطلع على هذه المعلومة ويحاول توظيفها لتبرير زجه بها في معجمه فيقول (وقد حفظت اللغة المندائية التسمية الأكدية للسلحفات "رقو" وأشاعتها في العامية العراقية). والكلمات لا تفقد هويتها اللغوية حين تنتقل إلى لغة أو لهجة أخرى عبر وسيط بل يتساوى الوسيط "المندائي هنا" مع العامية العراقية في الأخذ من المصدر الأقدم، خصوصا وأن اللهجة المندائية محدودة الاستعمال والانتشار داخل الطائفة الصابئية الصغيرة والمسالمة والتي استعربت كلها في العصور العربية الإسلامية وبرز منها علماء وشعراء أفذاذ باللغة العربية.

855-شجر = (شگر) وتعني في المندائية يشعل يحرق يوقد. ولتوضيح معناها يأتي المؤلف بمثال (تشجر المرأة التنور) والكلمة عربية فصيحة وتلفظ بالسين والإبدال بين السين والشين شائع جدا في اللغات الجزيرية. نقرأ في لسان العرب (والسَّجْرُ: إيقادك في التَّنُّور تَسْجُرُه بالوَقُود سَجْراً). وفي الرائد والمحيط: " سجر التنور: أشعل الوقود فيه وأحماه" وفي المعاصر (سجَّرَ النَّارَ: أوقدها، أحماها: وفي القرآن {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}). وكنت قد أوردتها في كتابي "الحضور" وكتبت عنها في فصل مفردات أكدية وآرامية: شجر، سجر= أضرم النار ...في العربية بالمعنى ذاته: وسَجَرَ التَّنُّورَ يَسْجُرُه سَجْراً: أَوقده وأَحماه، وقيل: أَشبع وَقُودَه. والسَّجُورُ: ما أُوقِدَ به. والمِسْجَرَةُ: الخَشَبة التي تَسُوطُ بها فيه السَّجُورَ. وفي حديث عمرو بن العاص: فَصَلِّ حتى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظَلُّه ثم اقْصُرْ فإِن جهنم تُسْجَرُ وتُفتح أَبوابُها أَي توقد، اللسان). وبهذا المعنى فالكلمة جزيرية سامية مشتركة بين عدة لغات منها العربية والآرامية بلهجتها المندائية.

863- شرمخ = (شرا +مخخ) والكلمة في المندائية من مقطعين الأول "شرا" ويعني يحل ويفك ويخلع والثاني "مخخ" ويعني يقلع ينشر يسوي. وفي العامية (شرموخ) تعني الكلمة نزع فرع من الفروع التي يتكون منها عذق النخلة). واضح الطابع المتعسف لهذا التخريج. والكلمة في اللغة العربية هي شمروخ وجمعها شماريخ وتعريفها: العذق الذي يحمل التمر في النخلة والعنقود الذي يحمل العنب في الكرمة. ونقرأ في معجم المعاني والوسيط والرائد (شَمْرَخَ العِذْقَ: خَرَطَ شمَاريخَهُ، أو خَرَطها بالمِخْلَب) و (الشِّمْرَاخُ: العِثْكَالُ "العذق" عليه بُسْرٌ "التمر" والشِّمْرَاخُ: العُنْقودُ عليه عِنَبٌ). (الشِّمْرَاخُ العُنْقودُ عليه عِنَبٌ والشِّمْرَاخُ غُصْنٌ دقيق رَخْصٌ ينْبُت في أعلى الغصن الغليظ، خَرَجَ في سنته رَخْصًا. والجمع: شَمَارِيخُ).

869- شقل / شاقول = (شقل) وتعني في المندائية يوازي، يساوي في الأهمية.  وتعني في العامية كما يقول المؤلف شاقول البناء وهو آلة تستخدم لمعرفة درجة استقامة البناء. والكلمة عربية فصحى بذات المعنى نقرأ في معجم المعاني (شاقول: مِيزَانُ البَنَّائِينَ وَالْمُهَنْدِسِينَ لِلتَّأَكُّدِ مِن اسْتِقَامَةِ الحَائِطِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ خيْطٍ فِي أسْفَلِهِ ثِقْلٌ، يرفع عموديا -المِطْمَارُ) وكلمة ثقل في العربية جاءت من اللغة الأكدية "شقل" عبر الآرامية. وهي وحدة وزن بابلية وبالدارجة العراقية شقلَ الطفلَ أي حمله على الكتف. وفي الدولة الصهيونية، اتخذوا هذه الكلمة الآرامية اسما لعملتهم النقدية زاعمين بأنها عبرية، والواضح أن الأسرى العبرانيين أخذوها من الآرامية وربما من الأكدية. ولا توجد كجذر في العربية ولكنها موجودة بلفظ ثقل بالثاء العربية الرادفة والمعنى نفسه لشقل ونقرأ في اللسان (الثِّقَل: نقيض الخِفَّة، والثِّقَل: مصدر الثَّقِيل، تقول: ثَقُل الشيءُ ثِقَلاً وثَقَالة، فهو ثَقِيل، والجمع ثِقالٌ. والثِّقَل: رجحا الثَّقِيل

والثِّقْل: الحِمْل الثَّقِيل، والجمع أَثْقال، وقوله تعالى: {وأَخرجت الأَرض أَثقالها/ الزلزلة -2}.

703-سِدانة = (سدانا) وتعني في المندائية أساس وركيزة. ولا علاقة لهذا المعنى بمعنى الكلمة في اللهجة العراقية؛ فالسدانة هي حاوية أو وعاء أسطواني عمودي يُعْمَل من الطين وحين يجف يستعمل لخزن وحفظ الحبوب والمواد الجافة الأخرى وهذا الوعاء لا يقوم أصلا على ركيزة ولا يحفر له أساس في الأرض كالبناء بل يطرح الطين على الأرض ثم يسوى على شكل جدار دائري يرتفع رويدا رويدا ويضيق في الأعلى ويشبه تنور الخبز التقليدي، ولذلك تكون السدانة هشة لا تتحمل الرطوبة والماء حيث تضمحل وتنهار لذلك قالوا في المثل الشعبي " حاله حال السدانة بالماي". وزعم بعضهم أن الكلمة سومرية أو بابلية ولكني لم أجد توثيقاً يُطمأن إليه لهذا الزعم. والمرجح أن كلمة سدانة هي اسم آلة على وزن فِعالة جاءت من جذر (سَدَنَ) ومن معانيه الستر والحجب. نقرأ في الصحاح: "والأسْدانُ: لغةٌ في الأَسْدالِ، وهي سُدولُ الهوادج. وسدن الرجل ثوبَه وسَدَنَ السِتر، إذا أرسَله"، ومنها سدانة الكعبة تقديم الخدمة والحفظ والحجابة نقرأ في اللسان: "سِدَانَة الكعبة خِدْمَتُها وتَوَلِّي أَمرها وفتح بابها وإِغلاقُه، يقال منه: سَدَنْتُ أَسْدُنُ سَدَانة" فالكلمة توفر معاني الخدمة والحجب، وفي الرائد: "سدن الستر: أرخاه، أرسله. وسَدَن وسُدن. ستر، جمع: أسدان". ومن طريف ما ورد بخصوص السدانة بيت من الشعر الشعبي لعراقية جنوبية تصف ابن عمها القبيح قالت:

يا طول ابن عمي طول السدانة

ومغرافة للتنور وحدة من اذانه!

***

علاء اللامي

....................

* للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:

#لهجة_عراقية_اللامي

يحيي الأئمة، غدا الجمعة، يومهم الوطني المصادف لـ 15 سبتمبر من كل سنة والذي كان قد أقره رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تقديرا وعرفانا للدور الذي يقوم به الإمام في الحفاظ على الهوية والثوابت الوطنية والمرجعية الدينية ولنسلط الضوء في هذا المقال على الدور المهم الذي يقوم به الإمام ..

قال الدكتور محمد عمارة: «إنَّ القرآن عندما استخدم مصطلح (الإمام) فإنَّه قد خصَّ به - في الغالب - الإمامة، والتقدم في الدين، فالله - عز وجل - قال لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} البقرة/١٢٤. أي نبيَّاً، وفي قوله - عز وجل -: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان/٧٤. أي مُقَدَّمين يقتدون بنا في أمر الدين» .

تعريف الإمام شرعاً:

هو كل شخص صار قدوة في فن من فنون العلم، ولهذا عرَّفه الرازي بأنه: كلُّ شخص يُقتدى به في الدين، غير أنه إذا أُطلق لا ينصرف إلا إلى صاحب الإمامة الكبرى، ولا يطلق على الباقي إلا بالإضافة ..

"فالإمام ينبغي له أن يعي المسؤولية الملقاة عليه، فالناس يتوقعون منه أن يكون معلماً ومفتياً، وقدوة حسنة ومربياً ومثالياً في كل شيء. فلذلك يجب عليه أن يحصِّل ما يستطيع أن يحصله من العلم الشرعي، وأن يتحلى بما أمكنه من الأخلاق النبيلة والآداب الرفيعة، وأن يكون حسن السريرة، حسن السيرة عند الظن به في ورعه وزهده وتواضعه وحلمه.

ثم يقوم بدوره في المجتمع معلمًا ومفتياً وقدوة حسنة ومربيا مثالياً، فيسمع له إذا قال، ويمتثل نصحه إذا نصح، وهو راع فيما هو فيه ومسؤول عن رعيته، فقد تتعين عليه أمور، كتعليم الجاهل، وتفقد أحوال المصلين، وعيادة المريض، والسعي في إعانة المحتاج، ومواساة المصاب.. وهذه وإن كانت مطلوبة من كل مسلم، إلا أنها في حق الإمام أوكد"(1).

فما أحوج الإمام إلى النظر في مرتبه وحقوقه المادية فالمرتب الزهيد الذي لايكفيه حتى منتصف الشهر وأزمة السكن كل هذا يعيقه عن أداء مهمته على أكمل وجه فالحفاظ على مكانة الإمام وتدعيمه معنويا وماديا يساهم في استقرار المجتمع والنهوض به .

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

..................

1- دور الإمام في المجتمع، إسلام ويب.

ثلاثونَ ثانية كانت كافية لتُغّير ملامح مناطق واسعة من مغربنا الحبيب، هولٌ ما بعده هَولٌ، وفجيعةٌ يصعب تَقبّل مُخلفاتها، مواطنون ومواطنات كانوا في حال فغدوا في حال أخر، تحركت الأرض واِرتجت الجبال، ووقع المحظور وكان أمر الله الذي لا ردّ له ونَحن لن نقولَ إلا ما يُرضيه ونحمده بكرة وأصيلا، وإن كان في القلب غصّة وفي الخاطر لوعة، تَحرّكت الأرض وتكلمت بلغة الدمار، فإذا بمن كانت أنفسهم تملأ المكان يصبحون تحت الأنقاض وإذا بالأنين والتأوهات يسري وينتشر معلنا عن كلومٍ وجراح عميقة، ونجيعٍ يسيل بين الصخور.

الأطلس جريح، وجباله تبكي من ظَلُّوا أوفياءَ لِقمَمه وسفوحه، وعاشوا بين مساربه ومداشره بأنفة وكبرياءِ الأسُود يرفعون التحدي ويقاومون قساوة الطبيعة وشظف العيش، وتلك خصلة جُبل عليها أبناء الأطلس.

صرخة الأطلس ترددت في أرجاء كل البلاد وجاب صداها كل الربوع من طنجة إلى الكويرة، فكانت الهَبّة الشعبية التي تجاوزت البروتكولات الرسمية وتحولت إلى انبعاث وانبثاق، وانطلقت الجموع نحو الأطلس العتيد تمسح دموعه وتضمد جراحه.

هي إذن بداية كتابة ملحمة " تمغربيت" وصنع تاريخ يربط الماضي بالحاضر ويُعلن عن تلاحم مكونات الأمَّة المغربية من أجل تحويل الفجيعة إلى انبلاج يجلو وقع المأساة، ويغير مجرى الأحداث، ويسمح لكل المغاربة بالمساهمة دون قيد أو شرط في إزالة أثر الهزة الأرضية المباغتة كلٌّ بالطريقة التي يراها مناسبةٌ.

الأطلس يبتسم بعد حزن وتردّد قِممه الشَّمّاء:

ارفع رأسك ..أنت  حر أصيل،  دون قيدٍ صدئ ولا رَبقة انبطاح

قل لهم: أنا  مغربي قح، دماء الأسلاف تسري في عروقي، ونخوة الأمس تتجدر يقينا واعتقادا عندي. 

اِرفع رأسك، ولا تَتردد، فالمجد  لك قرين، والشموخ يَتبرعم في كفّيك ياسمينا بضوع الانتصار...هذه ملحمتك أيها المجيد المُتيم بإرادة الحياة، تُكتَب على رقّ الانبعاث. 

  فأنت تُفكر، وتؤسس لفكر ينبلج من رحم المعاناة. 

ولا أحد قادر على صَدّ سموقك.

***

محمد محضار  

لن تتوقف طموحات الجماعات السياسية عن طريقها وطموخاتها في الاستيلاء علي الانسان وتركيعه واستعباده واذلاله  وتتقدم الصفوف الجماعات الكهنوتية التي تبرز في المقدمة وتظهر تأثيراتها في سلوكيات وثقافة الجمهور من حولها ممن يوالونعا ويقدمون أرواحهم للدفاع عنها وهذه الازمات الصعبة التي نعيشها في كيفية اثبات دور التعليم والمناهج في  اعداد كوادر مؤهلة كوادر تفكر تقرأ تحترم ذاتها

لا تخاف من النقد لا تخشي من المشاركة المجتمعية وتحرير الإنسان من العبودية الفكرية التي تظل جاثمة علي الانسان  في صور مختلفة وتفرغه من القيم والأخلاق والمبادئ. الاستاذ الذي لا يحمي طلابه من الخرافة والكهنوتية التي ترسخ في عقولهم الايمان والاعتقاد بالامامة فقط لا غير يعتبر استاذ لا علاقة له بالفكر لا يسمي مفكر.

او باسم مفكر لا يوجد لديه القدرة على تحمل المسؤوليه في تحقيق إنجازات في  اصلاح التعليم وتحريره الطالب وتمكينه  من  التفكير الناقد ومهارات القراءة والكتابة

وهذا النموذج من التعليم اغتيال لشخصية الانسان الطبيعي وتحقيق مشروع سباسي في روحه قبل عقله.

هو تدمير الأنسان  فكربا وثقافيا وسياسيا والزامه الزاما دينيا وشرعيا ان يؤمن بالله ورسوله ولن يتحقق له ذلك ولن يقبله الله تبارك وتعالي اذا لم يتم بهذا الاعتقاد والقدسيه المطلقه لمن يكون امام.. وهذا الايمان لا يكون لمقبولا من الله لسبب واضح لانه خص فئة محددة بحكم الامة والرعايا الاخري اصحاب مهن وفلاحين وأصحاب وزش  والخ

الا اذا امن الانسان  بالامامة ايمانا مطلقا لا يقبل الديمقراطية ولا مكان في حياته كلها للحزبية، ولا نظام الشراكة والعمل والحداثه والابداع.

ولا يمكن ان تكون الأمة الا تحت رحمة السيد ولا يحق للفلاح الذي التحق بالتعليم ووصل الى  الدكتوراه وتخرج من كلية العلوم السياسبة ان يكون وزير خارجيه مهمآ كانت مهاراته وقدراته علي حل ازمات بلده والخروج من الفكر  ..   

نحن نحتاج إلى ثورة ثقافية تخرر الانسان من رغبة تلك الفئات التي تطمع في الحكم والسلطة والنفوذ بما يسميى السيد والشيخ ورفع جودة التعليم لتنوير روح الإنسان وتثقيفه ان يقدس عقله وانسانيته وان يعبد الله وحده لا شريك له.

وليس لسيد ولا شيخ ولا غيره من الوصايات الاخري الطائفية والقبلية والجهوية وابسلاللية  لنزرع الثقه في نفس التلميذ عن العدالة والكرامة في هذا الحياة عن المساواة بين الناس  كاسنان المشط لافرق بين عربي ولا عجمي الا بالتقوى

يجب تحرير الثقافة والخطاب الاعلامي من توزيع  الصفات العنصرية.

***

صالح العجمي - اليمن

 

حرب اوكرانيا من المستعبد ان تنتهي في الاشهر القليلة المقبلة، وحتى في نهاية السنة المقبلة، بل ربما كبيرة جدا؛ ان تستمر هذه الحرب الى عدة سنوات، ربما قليلة، وربما في حالة اخرى اكثر من قليلة. هذه الحرب في جميع المقاييس، انها حرب مصير بالنسبة الى روسيا، وحرب استدامة جلوس امريكا على كرسي القيادة للنظام الدولي. وزير الدفاع الروسي في اخر تصريح له، قال؛ ان ليس امام روسيا الا الانتصار في هذه الحرب. روسيا على الرغم من  انها دولة عظمى، وتمتلك جيشا قويا وجرارا، لكنها لم تزج بكامل قواتها حتى اللحظة في هذه الحرب، ولم تعتبرها حربا، بل اعتبرتها عملية روسية خاصة في اوكرانيا، بما يتناقض كليا مع الاهداف الروسية المعلنة، ومع قواعد الاشتباك والقتال فيها، ومع استخدام جميع صنوف الاسلحة التقليدية في قتال الجانبين المتحاربين على الارض الاوكرانية. ان عدم تسميتها او اعتبارها حربا بين روسيا واوكرانيا، له دلالات في نوعية التعبئة والحشد العملياتي، بما تفرضه من حشد الطاقات المدنية والعسكرية، وتحويل الاقتصاد الى اقتصاد حرب. هذا يعني انها قد استعدت لحرب استنزاف طويلة؛ تأكل من الجرف الاوروبي اكثر مما تأكل من الجرف الروسي حسب الرؤية الروسية لمجريات هذه الحرب، ومالاتها. المستشار السابق لوزارة الدفاع الأمريكية، الكولونيل دوغلاس ماكغريغور، قال خلال مقابلة مع قناة “Redacted” على منصة “يوتيوب:-  "أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعتمد على السيناريو الطويل في الصراع الأوكراني، وينتظر أن يتفاقم الوضع في أوروبا، وهو ما سيؤدي إلى انهيار حلف شمال الأطلسي (الناتو). ووفقا للخبير الامريكي هذا، فإن القيادة الروسية لا تقوم على الفور بزج جميع قواتها واحتياطياتها في القتال ضد القوات المسلحة الأوكرانية. وأشار ماكغريغور إلى أن القوات الروسية مستعدة لشن هجومها الذي سينهي الصراع. واضاف في ذات المقابلة: للشهر الرابع، يحاول الجيش الأوكراني التقدم في اتجاهات جنوب دونيتسك وأرتيوموفسك وزابوروجيه، ويدخل في المعركة ألوية دربها حلف شمال الأطلسي ومسلحة بمعدات عسكرية غربية. ومع ذلك، فقد فشلوا في تحقيق النجاح على أي محورمن الجبهة". الرئيس الاوكراني، وكما نقلتها الصحافة الروسية؛ هدد بإعلان رسميا الحرب على روسيا، وليس الدفاع عن اوكرانيا واستعادة المناطق التي تحتلها روسيا، بما ينطوي عليه هذا الاعلان ان حدث؛ من مواجهة مفتوحة مع روسيا وعلى جميع الجبهات سواء على خط المواجهة او الاندفاع والقتال  في العمق الروسي؛ في اي ثغرة يتمكن الجيش الاوكراني؛ من احداث اختراق فيها، على خط الحدود مع روسيا، مع ان هذا الاحتمال غير وارد تماما لكنه في ذات الوقت احتمال له حساباته في سياقات الحروب. هذا السيناريو حسب الصحافة والخبراء الروس الذين علقوا عليه؛ عندما هدد به الرئيس الاوكراني روسيا مؤخرا؛ مستبعد جدا؛ لعدم واقعيته، لمعارضة رعاة اوكرانيا الامريكيين والاوروبيين لهذا السيناريو؛ لأن روسيا في هذه الحالة سوف تدخل في حرب مفتوحة مع الناتو، وهذا التطور لا يريد الناتو التورط فيه، مهما طال امد الصراع، لسبب بسيط وواضح كل الوضوح؛ لأنه يأتي على الجانبين بدمار كلي لا يبقي ولا يذر، لأن روسيا وامريكا تمتلكان 90% من السلاح النووي في العالم. ان روسيا حين ترى نفسها او هي في الطريق الذي يقود عاجلا الى تهديد وجودها؛ سوف لن تتأخر في استخدام السلاح النووي وفقا او تنفيذا لعقيدتها العسكرية. مع ذلك فأن حرب اوكرانيا محفوفة بمخاطر انزلاقها الى حرب واسعة ومفتوحة؛ سواء لخطأ ما او لسوء في تقدير رد الطرف المقابل، حين يتم من الطرف الأخر؛ توسيع مساحات الصراع، في جغرافية الحرب، وفي الاسلحة المستخدمة فيها، لجهة  الكم والنوع، بما يؤدي الى هزيمة الطرف المقابل؛ بفعل ميل كفة الميزان في الذي يخص السلاح التقليدي سواء المحرم دوليا او غير المحرم دوليا؛ لصالح الطرف المقابل. عليه فان هذه الحرب ربما كبيرة جدا، سوف تستمر لسنوات، قد لا تكون قليلة؛ وتستخدم فيها من الجانبين؛ كل انواع الاسلحة في الميدان من القنابل العنقودية الى قنابل اليورانيوم المنضب الى القنابل القذرة، وحتى الصواريخ ذات الميديات الاقل من المتوسط قليلا، لجهة تزويد الغرب اوكرانيا بها؛ في زمن او خلال زمن قد لا يتجاوز السنة من الآن. ثم تتحول الى حرب استنزاف متبادل من طرفي الحرب، اي تقل فيها الهجمات العسكرية واسعة النطاق والحشد والكثافة، والاكتفاء بهجمات محدودة، مع ما يرافقها من هجومات متبادلة من طرفي الصراع؛ لأهداف منتخبة على العمق الجغرافي لكليهما. ان هذا التبريد لأتون هذه الحرب، ربما سوف يحدث بعد ان تكون اوكرانيا، قد استنزفت قدراتها بالقيام بتعرضات واسعة النطاق، و قلة او ضعف قدرة امريكا واوروبا على الاستمرار في تزويدها بالسلاح؛ لنضوبه في مخازنها، أو لقلة قدرة المجمع الصناعي الامريكي والاوروبي؛ في تلبية احتياجات الجيش الاوكراني في حرب مع دولة عظمى، ربما كانت قد استعدت لها منذ سنوات، هذا اولا وثانيا التوسع في الكم والنوع وفي الجغرافية؛ قد يدفع روسيا، عندما تجد نفسها في خانق ضيق؛ الى الرد على عاصمة القرار في الناتو. الرئيس الروسي قبل اكثر من سنة على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ صرح في تدشين الصواريخ فرط صوتية، قائلا؛ ان هذه الصواريخ لا يوجد مثيل لها في العالم، كما ان روسيا في اي اعتداء عليها من اي دولة سوف ترد في مهاجمة عاصمة القرار، وهو هنا يقصد حصريا امريكا. كما انها (هذه الحرب) سوف تستقطب الشركاء الاقليميين، بصورة او بطريقة واضحة ومباشرة كما تفعل اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما، او بصورة او بطريقة مستترة وخفية وغير معلنة الى الطرف الثاني من هذا الصراع، اي روسيا، كما تفعل الصين وايران ودول اخرى، او بطريقة مباشرة كما تفعل كوريا الشمالية وسوريا. ان هذه الحرب سوف تكون مركزا جاذبا للتكتلات في المنطقة، وفي جوارها، وفي العالم، على مسارات سنوات استمرارها..

***

مزهر جبر الساعدي

شخصيات الخلفاء تستدعي الدراسة والتحليل، وفقا لما وردنا عنهم في المدونات، التي قد تكون ذات نسبة قليلة من الصواب، لأن التأريخ مكتوب بمداد كراسي المرحلة التي دوّن فيها، ولا يوجد ما هو نزيه وصادق تماما، ولهذا يستوجب القراءة العلمية والعقلية التي تحاول أن تقترب من الحقيقة .

ومن الواضح أن نظام الحكم فردي إستبدادي منذ إنطلاقته الأولى، وشخصية الخليفة تؤثر على مجريات الأحداث، فهو الذي يمثل الدين وينوب عن رب العالمين، وعدم طاعته كفر وزندقة، وأي معارضة تستوجب المحق الفوري.

وهذه محاولة لسبر أغوار شخصيات الخلفاء العباسيين، إعتمادا على ما جاء عنهم في كتاب تأريخ الخلفاء للسيوطي.

أولا: أبو العباس السفاح!!

أول خلفاء بني العباس (132 - 136) هجرية.

هو أبو العباس عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب (108 - 136) هجرية، مولود في ناحية البلقاء في الأردن، نشأ فيها، وبويع بالخلافة في الكوفة، وأمه ريطة الحارثية.

"ولما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر، وقُتِلَ في مبايعة السفاح من بني أمية ما لا يُحصى من الخلائق، وتوطدت له الممالك إلى أقصى المغرب"

ومن خطبته في الكوفة حين مبايعته: ".....أنا السفاح المبيح، والثائر المبير"

إنتقل إلى الأنبار وصيّرها دار الخلافة سنة (134) هجرية، ومات بالجدري، وقبره على الأرجح في (هاشمية الأنبار) قرب الفلوجة، وعهد من بعده لأخيه أبي جعفر المنصور .

"وكان السفاح سريعا  إلى سفك الدماء"

ومن خطبته عند بيعته: "...ولما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب ومروان فجاروا واستأثروا، فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه، فانتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا ليمنَّ على الذين إستضعفوا في الأرض".

وما أن قُتِلَ مروان الحمارعلى يد صالح عمّ السفاح في قرية بوصير المصرية، حتى فتك أبو العباس السفاح ببني أمية، وإجتثهم عن بكرة أبيهم، وهم من المسلمين، إذ إرتكب إبادة جماعية بحقهم، وما أبقى لهم ذكرا، حتى صارت تهمة الإنتساب لبني أمية تبيح القتل الفوري للناس.

وكما جاء في خطبته فأنه أعطى لهذا القتل المروع معاني دينية، وكأنه تفويض إلهي للإنتقام من الذين إغتصبوا السلطة وهي ليست من حقهم.

وهو نفس المفهوم الذي إتبعه الجبابرة في قتل الناس بالجملة عندما يدخلون المدن، فلا فرق بين السلوك البشري في الحالتين، بل أن الحالة الأولى أشد ضراوة، لأنها تنطلق من روح حب الإنتقام والثأر المرير.

وبرغم أن حكمه لم يتجاوز الأربع سنوات، لكن السيف كان منطقه، وسفك الدماء منهجه، وفرض الإرادة بالقوة ديدنه، وكان متأجج التفاعلات شديد الصولات، حتى تمزقت البلاد التي كانت تحت إمرة بني أمية، "وتقسَّمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف، وينكبهم بالقهر".

فدولة بني العباس أقيمت على سفك دماء مروعة في دمشق، وإنتهت بسفك دماء أشد ترويعا في بغداد.

فأبو العباس السفاح لم يضع أسسا لبناء الدولة، وإنما إعتمد البطش غاية ووسيلة في الحكم، ولولا وفاته المبكرة لإنتهت دولته على يده!!

والكثيرون يقرأون تأريخه بزوايا أخرى تميل إلى تحويله إلى مَلاك، حتى أن تسميته بالسفاح يقرنونها ببذل المال، غير أن الوقائع وما آلت إليه أحوال الأمة، تشير إلى أن الخلفاء كانوا بشرا كأي البشر، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولا يجوز تحويل التأريخ إلى منصة خيالية بعيدة المنال، حتى تتوهم الأجيال بأنها مقعدة ومعوقة بالمقارنة إلى ما كانت عليه الأمة قبل عصور، فالواقع يكذب المنطق الخيالي الرومانسي للتأريخ، لأن ما مدوّن بهذا المنظار لا يقبله عقل رشيد.

ويبدو أن الإنتقام كان مهيمنا على تصوراته ورؤاه، والتضخم الكبير للأنا فعل فيه ما فعل، حتى توهم بأنه يمثل إرادة الله في الأرض، ويترجم غضبه على بني أمية، لما فعلوه من آثام حسب تأويلاته، وما يغذيه به فقهاء الكراسي، وقد وقف مَن وقف بوجهه من رجالات الأمة وفقهائها الصادقين.

***

 د-صادق السامرائي

التشريع هو ركيزة الدولة والمجتمع معا لتحقيق دولة الحق والقانون. قوة هذا الأخير تتجلى كونه فوق الجميع. في نفس الوقت التطورات المجتمعية وطنيا ودوليا، والتداخل والتفاعل بين القواعد القانونية في الداخل والخارج تستوجب تكيف الترسانة القانونية القطرية (لكل بلد) مع المتغيرات المجتمعية، منتصرة بذلك لمبدأ المصلحة الوطنية العليا. في هذا الصدد، المملكة المغربية تعتبر من البلدان الرائدة في تطوير ترسانتها القانونية لجعلها في خدمة المصالح العليا للوطن ومصالح المرتفقين المشروعة.

في هذا السياق، تتوصل الإدارة المغربية ببعض الطلبات المشروعة إذا ما تم استحضار طابع المصلحة الشخصية، لكنها تسعى في العمق لتطويع أو تغيير قاعدة قانونية سارية المفعول. تقع الاجتهادات في بعض المؤسسات ويبقى إنصاف القاعدة القانونية بدلالاتها النبيلة وتقديسها أمانة يتحملها الممارس المسؤول في كل الدواليب المؤسساتية المعنية.

وهنا أطرح ظاهرة "الابن مجهول الأب" الباحث عن إثبات نسبه. عند ولادته تصرح به أمه لدى مكتب الحالة المدنية المختص داخل المملكة أو خارجها، فتختار له اسم أب وجد من أسماء العبودية واسم عائلي يجسد الخصوصية المغربية، مع التمتع بحقها في تمكينه من اسمها العائلي. تتطور وضعية ومصالح الوليد وأمه، وتتلاقى في بعض الأحيان مع مصالح الأب البيولوجي، فتنضج الفكرة عند هذا الأخير بدافع وضغط مصلحة الأطراف الثلاث (الوليد، الأم والأب البيولوجيان)، فيقبل منح نسبه لابنه أو ابنته بمقتضى إقرار ببنوة مكتوب. يتقدم إلى السلطة القضائية، ويستصدر حكما باسم جلالة الملك يتوج بتضمين بيان هامشي في رسم ولادة الطفل المعني. تستكمل مقومات هويته على هامش رسم ولادته الذي يعكس في شكله ومضمونه أنه كان قبل صدور الحكم طفلا مجهول الأب.

ومع تطور قانون نظام الحالة المدنية المغربي نتيجة حرص الدولة على إنجاح رقمنته، طرح عدد من الآباء والأمهات البيولوجيين ومواليدهم من هذه الفئة مطلب حق الطفل على هوية خالية من أثار الماضي السلبية بتمتيعه برسم ولادة طبيعي لا يعكس الأوضاع السابقة للأطراف الثلاث، ويمتع الطفل بهوية عادية. يتطلعون إلى أن يتغير القانون مرة أخرى لصالحهم بإتاحة إمكانية نقل رسم ولادة الطفل الرافض لصفة "مجهول الأب" التي التصقت به منذ ولادته إلى السجل الإلكتروني للسنة الجارية مع تضمين بيانين هامشيين (النقل على أساس حكم قضائي بإقرار بنوة)، الأول يحرر على هامش رسم الولادة الأصلي بمثابة إلغاء، والثاني (الجديد بمثابة ترسيم) يشار على هامشه كونه ناتج عن نقل رسم ولادة (رقم/السنة/المكتب) بمقتضى حكم قضائي (رقم، ملف، تاريخ، المحكمة المختصة).

أما بالنسبة للمواليد من هذه الفئة الذين سبق تسجيلهم خارج أرض الوطن، فقد أتاح القانون لأوليائهم الحق بنقل ولاداتهم من بلد الإقامة إلى القنصلية العامة للمملكة المغربية المختصة وفي أجل غير محدد، ورفع دعوى قضائية لإثبات نسبهم بمقتضى إقرار ببنوة. كما يبقى من حقهم كذلك، رفع نفس الدعوى لدى السلطة القضائية ببلد الإقامة لإضافة بيانات الأب البيولوجي في رسم الولادة الأجنبي، ومن تم نقله بهوية متكاملة إلى القنصلية المغربية السالفة الذكر. أكثر من ذلك، فقبل يوم 6 يوليوز 2023، كان متاحا لنفس الأولياء رفع دعوتين قضائتين في مكان السكن بالمغرب، الأولى لنقل الرسم الأجنبي ببياناته الكاملة إلى مكتب الحالة المدنية المختص داخل المملكة، والثانية لإقرار النسب بمقتضى إقرار ببنوة. تتوج العملية بترسيم ولادة الطفل في السجلات المغربية في رسم ولادة يجسد وضعيته منذ ولادته إلى أن تم الإقرار بنسبه (نقل الرسم الأجنبي بياناته الكاملة وإضافة بيان هامشي لإثبات النسب). بنفس الدوافع، هذه الفئة من الأولياء والأطفال يطمعون في رسم ولادة جديد يتضمن بيانات المولود وأبيه وأمه ومراجع الأحكام القضائية بدون أن يعكس أي عبارة متعلقة بوضعية السابقة خاصة ما يفيد أنه كان مجهول الأب.

وأختم هذا المقال بالقول أن هناك اجتهادات قضائية جريئة في هذا الصدد. منطوقها يأمر ضابط الحالة المدنية بنقل ولادة أجنبية مجهولة الأب إلى السجلات المغربية المفتوحة مع تحديد هوية الوالدين بمقتضى إقرار ببنوة أثناء تحرير رسم الولادة إلكترونيا. على المستوى العملي، هذا النوع من الأحكام يطرح صعوبة في التنفيذ محليا، ويحتاج إلى استشارة مركزية. النقل نقل لرسم أجنبي، والإقرار ببنوة إثبات لنسب بمقتضى اعتراف مكتوب وحدث لاحق زمنيا (الواقعتان مرتبطتان بزمنين مختلفين)، ليبقى إدماج القضيتين في حكم واحد يحتاج إلى صيغة واضحة لمنطوقه (نقل ثم إثبات نسب بإقرار بنوة).

***

الحسين بوخرطة

تفكير البشرية بالسعادة بشكل عام من الامورالطبيعة ولكن تعتمد على نوع الصفات التي يمتلكونها، وبطبيعة الحال البشر مخلوقات اجتماعية، ولها حالة من الرغبة  في رفع درجة الرضا في الحياة، فعليها ان تتعلم كيفية التعامل مع الاشخاص في السلب والايجاب، وهناك حقائق تخالف احلام الكثيرين، فتغيب العقول مختارة بكامل إرادتها لتغيب الحقيقة عند البعض؛ ولهذا يعتبرمثل هذا الانسان كائن غامض على الارض في الكثير من جوانبة تصل الى الابهام، ملتبس إلى الأبد في بنيته النفسية والذهنية بعمق، بدون نقطة وضوح، متشعِّبَة ومتداخل الامكانيته في بلوغ الحقيقة التي لاتشوبها الغموض والتي قد تضع شخصا معينا ضمن إطار محدَّد، وتصنفه في نهاية المطاف على سبيل الاحتمال بالمضطرب الجوانب.

'الإنسان حكاية خارقة بامتياز، عصيَّة على الإدراك الأحادي. يضمر أكثر مما يبلور، يخفي أكثر مما يظهر، يبطن أكثر مما يكشف، ما يقوله غير ما يفكر فيه، فكره عكس سلوكه، سلوك أقرب إلى طاقة الديناميت، بل زيادة، خيرا أو شرا، تتجاذبه خلال ذاته دوافع لا متناهية، نزاعات ظرفية متباينة، تتفاعل في ذاته، بين طيات الذات الواحدة. هكذا، تتأجل هوية الإنسان باستمرار؛ لأنها مجرد ممكن يرتبط تحققه بالمحتمل، بناء عليه،'

يتضح أنَّ أكبر معركة يجدر بالإنسان خوضها في هذه الحياة، حتى يحظى افتراضا بمعنى وهوية، تكمن في سبره لأغوار نفسه وتوخي استبطانها بقصد الوقوف على جانب بحارمغاراتها الظلماء، ولكن تبقى 'النزعة الإنسانية' مثل الشجاعة والتواضع والرحمة والكرم والصبروالتسامح والنزاهة هي الصفات المميزة له والاعتقاد بأن لكل شخص قيمة وكرامة إنسانية أصيلة، ويطلق على السمة الثانية تعني معاملة الأشخاص برقي بوصفهم غاية في أنفسهم، وليس مجرد وسائل لتحقيق الربح مثلا، أو كبيادق الشطرنج، وتسمي السمة الثالثة بـ'الإيمان بالبشر' وهي الاعتقاد بأن الاعتدال في الأساس هو صلاح الناس، وأنهم لا يسعون دائما للإيقاع بك لانك شخصية قوية تستطيع المواجهة لكفاءة عقلك، لذلك، تظل باقي المعارك التالية، لأفق صراع الإنسان مع ذاته، قصد اكتشافها أولا، ثم تبيُّن ملامحها ثانية، بالتالي امتلاك الإنسان زمام مصيره الشخصي، وبلوغه على وجه التقريب مرتبة الحرية الباطنية.

في كثير من الاحيان الانسان لا تجبره سوى العواطف ... لأن النفس تحتضن ظمأً مضاعفاً فيرعبها أن لاتجد قطرات الأمل في يوما ما،إن انشغال المشاعر عن الحضور في اللحظة الراهنة وبقائها في ذلك المستقبل الموهوم قد تخلق لها كارثة  بسبب الانشغال الجانبي لانه هو السبب الرئيسي في ضعف الوعي المطلوب لحماية النفس والروح من أي صدمات أو نكبات أو سوء اختيار، بعيداً عن المشاعر التي كثيراً ما تحكمها الأوهام ليهبط الإدراك حينها إلى أرض الواقع بعد أن كان محلقاً في أعالي الوجود .. والعيون لا ترى إلا ما تشاء أن تراه، وهي الأحاسيس التي ترفض أن تعيش إلا في ما تحبه وترضاه ، ذلك هو الغباء الاختياري الذي تمليه عليه العواطف، أما الطبيعي منه فأصحابه من ذوي المسؤوليات والطامحين لان الحقائق ستبقى غائبة عنهم وبالتالي لا تعنيهم كل تلك المتاعب ولن يصحو يوماً وعيهم لإدراك الفرق الشاسع بين الحقيقة والوهم، ذلك الذي نراه اليوم في عقول البعض من البشر وخاصة  ' من توكل لهم المسؤولية وهم غير جديرين بها ' مع الأسف ولديهم الرغبة للانخراط في أنشطة خلافية مثل الغش أو الرشوة أو الكذب أو السرقة بكل انواعها .

لقد لاحظ الباحثون أن الإطار الجديد على فهم صفات الشخصية السلبية بشكل أفضل، يعتمد الى التوصل لاستراتيجيات أفضل لمعالجتها. وهؤلاء يتشبثون بغير الحقيقة بقناعة ذلك الحدس الذي ينتمي لاصواتهم الداخلية ولكن الجمال والأمل وحدهما ماثلان أمامهم و قد تُمزق وتخرس وتتبرأ من همساتهم المؤلمة. أن جميع الصفات الشخصية المنحرفة تعتمد على الميول السلبية وإن كانت بدرجات مختلفة، وهي إعطاء الأولوية لرفاهية أو سعادة المرء نفسه ومن يدور في دائرته أو نجاحه على حساب الآخرين، حتى لو كان يعني أن الآخرين  سيعانون من أبشع الصور التي تبتعد عن الانسانية..

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

أود التذكير بداية إلى أن هذه السلسلة من المختارات التي أنشرها هي مسودات من معجم جديد ولذلك ففيها الكثير من الأخطاء الطباعية والمعلوماتية، لأنني لم أنتهي منها وأراجعها كلها. ولهذا سأبدأ بإعادة نشر ثلاث فقرات نشرت في الحلقة السابقة، بعد أن صححتها هنا، ثم نعود إلى حلقة اليوم، فشكرا لكم على صبركم ورحابة صدوركم:

652-ميمر = (ميمر) وتعني في المندائية قول، تكلم. ويضيف المؤلف (ومنها كلمة أمر التي تعني قال ... ويبدو أن لازمة كلمات الأغنية العراقية الشهيرة "عل ميمر وعل ميمر" ربما جاءت من هذه الكلمة). وهذا التخريج لا حظ له من الصواب فالميمر المقصود في أغنية "عَ الميمر" هو كما يكتب ماجد شبر "نمط من أنماط الأدب والشعر الشعبي العراقي وله بحر مستقل بحد ذاته ووزنه «مستفعلن مستفعلن مستفعل» وقد استعمل في العديد من المقامات العراقية ويقسم إلى قسمين: ميمر مذيل وميمر هجيني. هناك ثلاثة آراء في أصل الميمر؛ فالبعض يعيد أصله إلى عبارة "ما مر" العربية والتي تعني لم يمر، والرأي الثاني يعيد أصله إلى كلمة ديرم وهي قشرة شجر الجوز التي كانت تستخدم سابقاً كأحمر للشفاه. أما الرأي الثالث فيقول إن أصل الكلمة آشوري وهي تعني «القصيدة» في الكتابات الآشورية القديمة حيث جاء بهذا الرأي السيد مجيد لطيف القيسي في كتابه «معرفة اوزان الشعر الشعبي العراقي»، والأصل هو الرأي الأول". ماجد شبر/ الأدب الشعبي العراقي ص 89 ومابعدها". وأرجح أن يكون الرأي الثالث هو الأصوب أي أن الكلمة وردت باللهجة الآشورية أي إنها أكدية أصلا انتقلت لاحقا إلى اللغات الجزيرية الشقيقة.

676-ناطور= (نطر) يحرس يحفظ يحمي. والكلمة جزيرية قديمة ومشتركة في عدد من اللغات السامية كالأكدية بلهجتيها والعبرية القديمة - توجد منظمة يهودية محافظة ومعادية للصهيونية إنطلاقا من عقيدتها التوراتية المسيحانية "المهدوية" والتي تحرم قيام دولة لليهود قبل قيام المسيح المنتظر وتسمي نفسها "ناطوري كارتا" أي حراس المدينة – والكنعانيات والآراميات بالمعنى نفسه. وهذه الحقيقة يعرفها المعجميون العرب القدماء فقال ابن منظور في معجمه لسان العرب (النَّاطِر والنَّاطور من كلام أَهل السَّواد "العراقيين": حافظ الزرع والتَّمر. والكَرْم، قال بعضهم: وليست بعربية محضة، وقال أَبو حنيفة: هي عربية؛ قال الشاعر:

تُغَذِّينا إِذا هبَّت علينا........وتَمْلأُ وَجْهَ ناطِرِكم غُبارَا

قال: النَّاطِر الحافظ. وجمع النَّاطِر نُطَّار ونُطَراء، وجمع النَّاطُور نَواطِير" وعبارة أهل السواد في كلام ابن منظور تعني أن الكلمة من اللغات الرافدانية القديمة فالسواد من أسماء العراق الأوسط والجنوبي في لغة العرب قبل وبعد الإسلام.

700-سترة = (صُدرا) وتعني سترة في المندائية، والمؤلف يرفض أن تكون الكلمة العربية بذات المعنى من الستر فهو يكتب؛ لأن "كلمة سترة فهي تشير إلى الجاكيت أي ما يغطي منطقة النصف الأعلى من الجسم...أما كلمة صُدرا المندائية فهي تشير تماما إلى الصدرية وما يغطي الصدر والظهر)! ولا أدري بم أعلق على هذا الكلام! فالسترة سواء كانت من الستر أو من الصدر فهي صدرية وكلتا الكلمتين عربية وإذا كانتا موجودتين في المندائية فهما كلمتان مشتركتان بين لغتين من عائلة لغوية واحدة، فما الجديد والخارق في هذا؟!

 كلمات هذا الجزء: "سنطور - عاد -عاين- عتوي - عطابة - عمارية - يَمعود -فاهي -فلش – صَكْ". شكرا لكم مقدماً على تعليقاتكم انطلاقا من لهجاتكم العربية الجميلة تصحيحاً وإضافة... سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:

737- سنطور =(سِنورا) غطاء الرأس الخوذة. ويقول المؤلف أن الكلمة في العامية العراقية تعني السنطور في قولهم (إشكبر سنطوره، عابت هذا السنطور) و (سنطوره فارغ)، بمعنى رأسه فارغ. ولم أسمع شخصيا بهذا المعنى للكلمة. والسنطور - كما تذكر السيدة عائدة الخطيب في كتابها "السنطور في العراق" - هو اسم لآلة موسيقية أكدية بابلية وآشورية قديمة، تأكد وجودها بالأدلة الآثارية "الأركيولوجية". ويعتقد أن هذه الآلة انتقلت إلى بلاد فارس واكتسب اسماً وصفات أخرى ثم عادت إلى العراق في العصر الإسلامي؛ وتحديدا "في عهد الخليفة المستعصم العباسي في منتصف القرن السادس الهجري وعلى يد الموسيقي حكيم بن الأحوص السندي البغدادي فهذبها وزاد على اوتارها تسعة أوتار وقسم الأوتار إلى ثلاثة دواوين وهي المعمول بها اليوم". ويبقى حتى اليوم السنطور العراقي أكبر حجماً من الإيراني وحتى من السنطور العراقي "الرافداني" القديم أو البابلي، وعدد أوتاره مائة وتر في حين أن عدد أوتار الإيراني ستة وسبعون وتراً. واسم الآلة مأخوذ من الفارسية (سان طور) وتعني الرتم السريع. أغلب الظن فأن الأمثلة التي جاء بها السعدي لإثبات أن الكلمة مندائية كانت تعني أنَّ رأس الشخص المستهدف بالمعايرة كبير أو فارغ كآلة السنطور الموسيقية، وهذا تخريج طريف حقاً ولكنه لا علاقة له بعلم التأثيل المفرداتي!

719- عاد =(آد) وتعني في المندائية حتى، كي، إلى حين. وفي العامية يقول المؤلف أن كلمة عاد تأتي مقرونة بأداة النفي "لا" فيقال "لا عاد" ثم أدمجت اللفظتان فصارتا كلمة واحدة هي "لعد" التي تقال في اللهجة البغدادية، ويربط المؤلف أخيرا بين هذا "الأساس" وعبارة "عود ليش؟". وبصراحة فهذا التعسف التأثيلي العشوائي والكاريكتيري لا يستقيم ومعنى عبارة " لا عاد" والتي تكون فيها كملة "عاد" أداة تأكيد للنفي أحيانا، وأحيانا أخرى بمعنى " إذن، لا" أما عبارة " عود ليش" فيمكن ان تعني " أعود وأسأل ليش؟". وهذه اللفاظ مألوفة في العاميات ومنها العامية العراقية وعبارة عود ليش تقال في المنطقة العربية من العراق بصيغة مختلفة هي " عجل ليش" دون ان تخرج كلمة عجل عن معنى تأكيد التساؤل، وفي الجنوب العراقي يتساءلون بالقول " چا ليش؟" وحتى في العاميات العربية الأخرى خارج العراق فهناك ألفاظ مشابهة ففي مصر يقولون " أمال ليه؟ أو " أومال إية" بمعنى إذن لماذا...إلخ. أما في اللهجة التونسية فنجد عبارة "يزي عاد" بالمعنى واللفظ العراقيين نفسهما. ومعلوم أن كلمة "يزي" تركية وتعني يكفي. ولكن لفظة "عاد" وهي كثيرة الاستعمال في التونسية وتأتي بمعنى التوكيد على الأرجح كما في العراقية.

733- عاين =(إين) وتعني في المندائية أنظر لاحظ. ويقول المؤلف أن هذا المعنى لا يرد في اللغة العربية إذ يقال أنظر بدلا من عاين" وهذا خطأ يدل على الجهل بالمعجمية العربية وكثرة المرادفات فكلمة عاين عربية فصيحة بالمعنى نفسه نقرأ في معجم المعاني: "عاين: رآه عِيانًا: رآه مشاهدة، ووقف عليه. عايَن الموقِعَ: رآه أو شاهده بعينه، تحقَّق منه بنفسه بنظرة عامَّة أو شاملة عليه". وجذر الكلمة عربي هو "عين" وفي لسان العرب نقرأ "عين الرجل: شاهده". وفي الغني نقرأ: "مُعَايَنَةٌ

[ع ي ن]. (مص. عَايَنَ) جَاءَ لِمُعَايَنَةِ العَمَلِ: جَاءَ لاخْتِبَارِهِ وَفَحْصِهِ. "لَيْسَ الخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" "مُعَايَنَةُ الخَبِيرِ" مُعَايَنَةٌ طِبِّيَّةٌ: الْمُكَاشَفَةُ".

735- عتوي =(أتوانا) وتعني في المندائية قوي. والكلمة بعيدة لفظا ومعنى عن كلمة إتوانا، ولماذا لا تكون صيغة عامية من الجذر العربي عتا يعتو فهو عاتٍ والعاتي من معانيها القوي والجبار والمتكبر والقاسي.

739- عرين =(أريا) أسد. وهنا يكتب المؤلف السعدي تخريج عجيب يقول فيه: "العرين معروف في اللغة العربية، إلا أن الأسد ترد في اللغة المندائية على "أريا" وربما أن لفظ الكلمة انسحب إلى العرين ولكنها ظلت مرتبطة بالأسد". وهنا، يبدو المؤلف لا يعرف ماذا يريد أن يؤكد أو ينفي فيطرح احتمالات لا رابط بينهما ولا علاقة لها باللفظ العربي والذي هو نفسه في العامية العراقية، وإذا كان المؤلف لا يعرف ماذا يريد فماذا يفعل القارئ والناقد؟

743- عطابة =(طبا) يشوي يحمص يحرق. ولا علاقة للكلمة في العامية بهذه الكلمة من حيث المعنى فالعطابة لفيفة من القطن يحرق طرفها بالنار ويكوى بها موضع المرض في الإنسان او الحيوان في الطب التقليدي الشعبي. وكلمة عطابة عربية فصيحة وتعني القطن. نقرأ في الصحاح (والعُطُب: القُطن. والعُطْبة: قطعة منه. يقال: أجد ريح عُطْبة، أي ريح قطنة، أو خِرقةٍ محترقة)، وفي معجم المعاني: "العُطْبُ - العُطْبُ: القُطْنُ. الواحدة: عُطْبَةٌ". أما في المعجم الوسيط فاللفظة العربية واضحة ولا تحتاج إلى تأويل نقرأ (العُطْبَةُ- العُطْبَةُ: خِرْقَةٌ تُؤْخَذُ بها النارُ).

755- عمارية =(أمارية) وتعني النعش في المندائية وهي كما يقول المؤلف تعني في العامية العراقية دكاكين مبنية من أربعة أعمدة وسقف ولهذا يشبهها بالنعش أي التابوت لأن الذين يحملونه أربعة كما يقول؛ وهذا تخريج متهافت فالعمارية يمكن أن تكون مشتقة من عمارة وهي كل بناء يعمره الإنسان فيكون بناء كبيرا أو صغيرا وقد تكون نسبة إلى مكان أو مدينة تسمى العمارة. ومن الطريف أن نذكر أن "العمارية" في اللهجة المغربية تعني "الهودج الذي تُحْمَلُ فيه العروس في زفافها بعد أن تلبس اللباس التقليدي المغربي ثم يحمل الهودج أربعة شباب بأزيائهم التقليدية أيضا.

759- يَمعود =(يا مأود) ويقول المؤلف إن الدخول إلى تركيبة هذه المفردة يبقى محيرا، ولكنه يحاول أن يربط بينها وبين الفعل الآرامي "أود" ويعني "يعمل" وواضح أن هذا التخريج لا معنى له ولا علاقة بموضوع المفردة والتي يذهب البعض إلى تفسيرها بأنها مختصر لعبارة طويلة كانت تستعمل لمناداة الشيوخ والوجهاء الموقرين وهي "يا يمعو على الخير" بمعنى "يا من تعودت على فعل الخيرات والمكرمات" ويحدد البعض حتى مكان وتاريخ ولادة هذه العبارة في بدايات القرن الماضي وخلال ثورة العشرين ومهدها في منطقة الرميثة في محافظة المثنى "السماوة" ولا أميل إلى هذا التحديد الزمكاني لأنه غير موثق ويعتمد على السماع والنقل الشفاهي، ولكن التفسير بحد ذاته يبقى معقولا نسبيا.

765-فاهي =(فها) وتعني في المندائية يندهش، يفتح فمه استغرابا. وفي العامية تعني الشخص الذي لا يركز على شيء ولا يأخذ المور على محمل الجد وغير المنتبه. وفي إقليم نجد في الجزيرة العربية نقرأ (فَاهِي "أو" فَهَاوَة: هي كلمة تطلق على الشخص الغبي أو الذي لا يفقه شيئاً.)  وفي اللغة العربية نقرأ في مختار الصحاح عن جذر فهه (ف ه ه : الفَهَّةُ السقطة والجهلة ونحوها وهو في الحديث. الفَهَّهُ والفَهاهَةُ: العيُّ. ورجلٌ فَهٌّ وامرأةٌ فَهَّةٌ... رَجُلٌ عَيٌّ: عَاجِزٌ فِي نُطْقِهِ، غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ إِظْهَارِ قَصْدِهِ مِنْ كَلاَمِهِ). وفي لسان العرب (فَهَّ عن الشيء يَفَهُّ فَهّاً نَسِيَه وأَفَهَّهُ غيرهُ أَنْساه، والفَهُّ الكليلُ اللسانِ العَييُّ عن حاجته، والأُنثى فَهَّةٌ بالهاء، وفَهَاهةً أَي عَيِيتَ وفَهَّ العَيِيُّ عن حاجته الجوهري الفَهةُ والفَهاهةُ العِيُّ يقال: سَفِيه فَهِيهٌ). وفي العامية يقال " هذا الطعام فاهي" أي لا طعم ملحوظ فيه او انه بلا ملح أو قليل الملح.

788-فلش =(لم يذكر كيف تلفظ في المندائية) ولم يذكر معناها في المندائية بل قال ( وربما جاءت كلمة فلش بمعنى هدم في العامية من الفعل فِلَگ) وهذا غير صحيح فالكلمة أكدية وردت في كاتب طه باقر "من تراثنا" وورد بخصوصها: فلَّش = پلاشو – هدم ونقض وخرب في اللهجة العراقية.

804- صَكْ =(صُك) وتعني في المندائية كما يقول المؤلف ينهي يكمل. ويأتي بمثال في العايمة يقول (حين يشرب العطشان ماء يقال: صك عليه صك)، ويضيف أن الكلمة باللهجة المصرية تعني اغلق الموضوع (صك عليه). وهذا تخريج مضطرب وضعيف ففي هذا المثال ثمة تشبيه لعملية الإطباق والانغلاق على الماء وشربه بما يقارب معنى الإغلاق وليس الإنهاء أو الإكمال ونقرأ في اللسان (الصَّكُّ: الضرب الشديد بالشيء العريض، وقيل: هو الضرب عامة بأيّ شيء كان)، وفي المصباح نقرأ (الصَّكُّ: الكتاب الذي يكتب في المعاملات والأقارير -التقارير - وجمعه "صُكُوكٌ")، وفي معجم المعاصرة (يَصُكّ، /صُكَّ، صَكًّا، فهو صاكّ، والمفعول مَصْكوك، صَكَّ الشَّخصَ: دفعه بقوَّة "صَكَّتِ الدَّابَّةُ الولدَ". صَكَّ البابَ: أغلقه بعُنْف). والعبارة الأخيرة "صك الباب" بمعنى أغلقه بعنف شائعة بهذا المعنى في اللهجة العراقية. للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:

#لهجة_عراقية_اللامي

يتبع

***

علاء اللامي

تَنْتَشِرُ مُنَظَّمَاتٌ مِنْ الْمُتَطَوِّعِينَ فِي مُعْظَمِ الدُّوَلِ الْأُورُوبِّيَّةِ.، بَعْدَ غُرُوبِ كُلِّ يَوْمٍ، وَخَاضَتَا فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ ،وَتَنْشَطُ هَذِهِ الْجَمَاعَاتُ عِنْدَمَا يَتَسَاقَطُ الثَّلْجُ وَتَهْبِطُ دَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ دُونَ الصِّفْرِ ..،أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الزِّيِّ الْأَصْفَرِ. فَمُنْذُ سَنَوَاتٍ تَسَاقَطَ الثَّلْجُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَوَالَيْ/ 50 سَنْتِيمِتْرًا وَكَسِّيٍّ شَرِيطٍ الْقُضْبَانُ التُّرَامُ وَأُغْلِقَتْ الشَّوَارِعُ.، وَكَانَتْ الْعَاصِفَةُ الثَّلْجِيَّةُ "لَيْلَةَ الْأَحَدِ" وَمُعْظَمُ النَّاسِ خَارِجَ بُيُوتِهِمْ لِلسَّهَرِ. خَرَجْتُ أَنْتَظِرُ أَيْ وَسِيلَةً لِلذَّهَابِ لِلْمَنْزِلِ ..-وَقَفَتْ عَلَيَّ مَحَطَّةُ تَرَامْ. فُوجِئَتْ بِسَيَّارَةِ شُرْطَةِ دَفْعٍ رُبَاعِيٍّ... تَطْلُبُ مِنِّي عُنْوَانِي وَرَقْمٍ هَاتِفِي وَانْتَظَرَ دَقَائِقَ لِحِينِ وُصُولِ حَافِلَةٍ تَجْمَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّوَارِعِ..، وَأَمَامَهَا كَاسِحَةِ الثَّلْجِ لِتَوْصِيلِ النَّاسِ الي أَقْرَبَ مَكَانٍ لِمَنَازِلِهِمْ، هَذَّةَ الْوَاقِعِهِ حَدَثَتْ لِي شَمَالَ أَلْمَانْيَا...، وَكَانَتْ هَذَّةُ الْجَمَاعَاتِ التَّطَوُّعِيَّةِ تَجْمَعُ الْمُشَرَّدِينَ فِي مَحَطَّاتِ الْمِتْرُو فِي" بَرْلِينْ "كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ الْعَاهَاتِ السُّكُوبَاتِيَّةِ. وَالسَّكَارِيِّ كُلَّ لَيْلَةٍ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ فِي حَافِلَاتِ الِي مَنَازِلَ خَاصَّةٌ وَيَتِمُّ الْكَشْفُ الطِّبِّيُّ عَلَيْهِمْ وَرِعَايَتُهُمْ . وَتَقْدِيمُ وَجَبَاتٍ لَهُمْ ثُمَّ يُطْلِقُوا سَرَاحَهُمْ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ تَقْدِيمِ وَجْبَةٍ فَطَارَ لَهُمْ...،، وَكَذَلِكَ فِي الْمَيَادِينِ يَتِمُّ تَوْزِيعُ وَجَبَاتٍ وَمَلَابِسَ وَغِطَاءٍ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَمَا يَتَحَسَّنُ الطَّقْسُ لِمَنْ يَرْغَبُ أَنْ يَنَامَ أَمَامَ الْمَحَالّ .وَالْمَيَادِينِ وَلَاتَنَزْعِجَ مِنْهُمْ الدَّوْلَةُ..،، فَفِي الدُّوَلِ (الِاسْكِنْدِنَافِيَّةِ ) يُطْلِقُوا عَلَي هَذَّةَ الْجَمَاعَاتِ

"غَرُبَانُ اللَّيْلِ " أَصْحَابُ الثِّيَابِ الِاصْفَرُّ تَبْحَثُ فِي اللَّيْلِ

وَفِي عُطْلَةِ الَاسْبُوعِ فِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ

وَالْمُنْعَطَفَاتِ وَفِي الْحَفْرِ ..،

وَتَحْتَ مِظَلَّاتِ الْمَحَالّ عَنْ كُلِّ سَكْرَانَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ،

أَوْ عَاشِقٌ مُنْهَارٍ وَعَالِقٌ فِي شَبَكَةِ مَجَارِي،

وَأَيُّ حَشَّاشٍ يَقِفُ مُنْتَصَفَ الطَّرِيقِ وَيُعْتَقِدُ أَنَّهُ مَوْقِفٌ

الْحَافِلَاتُ...،

أَوْ أَيْ عَازِفٍ هَارِبٍ مِنْ الْحَفْلِ بَعْدَ ضَرْبِهِ بِالْكَرَاسِي

لِازِعَاجِ الْجُمْهُورِ...،

وَأَيُّ مَخْمُورٍ شَرِبَ حَتَّى الثِّمَالَةِ وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ فِي الثَّلْجِ،

أَوْ تَلَقَّى وَهُوَ خَارِجُ الْمُرْقُصِ رِسَالَةً

الْكَتْرُونِيَّةٌ

عَنْ مَرَضِ طِفْلَةٍ اوْ قَطِّهِ أَوْ كَلْبِهِ وَنَقْلِهِ لِلْعِيَادَةِ..،

وَأُصِيبَ بِنَوْبَةِ إِغْمَاءٍ.

هَذِهِ الْمُنَظَّمَةُ تَضُمُّ أَطِبَّاءَ وَمُمَرِّضِينَ وَمُسْعِفِينَ

وَسَيَّارَاتُ إِسْعَافٍ مُزَوَّدَةٍ بِمُسْتَلْزَمَاتٍ صِحِّيَّةٍ لِلِاسْعَافِ الْفَوْرِيِّ،

كَجُزْءٍ مِنْ وَاجِبِ الدَّوْلَةِ الرَّاعِيَةِ تُجَاهَ مُوَاطِنِيهَا،

هُوَ الْعَقْدُ الِاجْتِمَاعِيُّ بَيْنَ الْمُوَاطِنِ وَالدَّوْلَةِ فِي أَنْ تَرْعَاهُ

وَفِي أَنْ يَقُومَ بِوَاجِبِهِ.

بِلَا هُتَافَاتٍ لِلدَّوْلَةِ وَلَا مَدِيحَ لِلْحَاكِمِ لِكَيْ يَتَغَطْرَسَ...،

لِأَنَّ الْحَاكِمَ مُوَظَّفٌ فِي الدَّوْلَةِ يَقُومُ بِوَاجِبِهِ،

كَمَا يَحْدُثُ عِنْدَنَا فِي الْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ عِنْدَمَا يَرْتَفِعُ الْجَعِيرُ لِأَتْفِهِ فِعْلٌ إِسْتِعْرَاضِيٍّ مِنْ مَسْؤُولٍ...،

لِأَنَّنَا مَصْنَعُ مُنْتِجٌ لِلْأَوْغَادِ وَالْمُمَثِّلِينَ وَالْكُومْبَارِسِ وَإِنْصَافِ الرِّجَالِ...،

لَايَجُوزُ قَانُونًا أَنْ يَنَامَ الْمُوَاطِنُ بِلَا سَقْفٍ.

أَوْ جَائِعًا أَوْ مُتَأَلِّمًا مِنْ مَرَضٍ أَوْ خَائِفًا مِنْ أَحَدٍ...،

الْوَطَنُ هُوَ الصِّدِّيقُ،

عِنْدَمَا تَحَوَّلَ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ الَى مَنْفًى.

شِعَارُ مُنَظَّمَةِ غَرْبَانِ اللَّيْلِ هُوَ \"الْأَمَانُ\"،

وَشِعَارُ الْأَمْنِ الْعَرَبِيِّ هُوَ \"امْنُ الْحَاكِمِ\" حَتَّى لَوْ كَانَتْ

الْعَدَالَةُ مَفْقُودَةٌ،

قَدْ تَكُونُ تَجْرِبَةً مُثِيرَةً وَغَرِيبَةً مِنْ نَقْلِ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى

فِي سَاحَاتِ الْحَرْبِ،

الَى نَقْلِ الْعُشَّاقِ الْمُنْهَارِينَ وَسُكَارَى اللَّيْلِ الْمَغْمِي عَلَيْهِمْ

فِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ،

لَيْسَتْ تَجْرِبَةً فَحَسْبُ بَلْ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الدَّوْلَةِ الْأُمِّ الرَّاعِيَةِ،

وَبَيْنَ شُبَّةِ دُوَلٍ مِنْ الْعِصَابَاتِ،

بَيْنَ دَوْلَةٍ تَرْعَى الْفَرَحَ الْبَشَرِيَّ مِنْ الْخَطَرِ

وَبَيْنَ دَوْلَةٍ تَزْرَعُ الْمُتَفَجِّرَاتِ لِشَعْبِهَا فِي حُرُوبِ دَائِرَةٍ فِي بُلْدَانٍ عَرَبِيَّةِ الَّانَ لِتَزْرَعَ الْحُزْنَ وَالْخَوْفَ وَالْقَلَقَ وَالْكَآبَةَ،

إِنَّ الَّذِي سَتَعْثِرُ عَلَيْهِ مُغَمِّيًا فِي مُنْعَطَفِ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ،

هُوَ فِي النِّهَايَةِ إِنْسَانٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ سَعِيدًا،

حَتَّى لَوْ تَطَرَّفَ فِي ذَلِكَ،

وَعَلَى الدَّوْلَةِ حِمَايَتُهُ مِنْ الذَّهَابِ

بِفَرَحِهِ نَحْوَ الْهَاوِيَةِ. هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ غَرْبَانِ اللَّيْلِ لِانِّقَاذِ حَيَاةِ وَكَرَامَةِ الِانْسَانِ،

وَبَيْنَ ارْجُوزَاتِ الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيِّ الْعَرَبِيِّ مِنْ عَاهَاتٍ سْكُوبَاتِيَّةٍ عَلِي شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ...، هَذَّةَ هِيَ مُهِمَّةُ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ وَلَيْسَ الْفُرْجَةَ وَالْتِقَاطُ صُوَرٍ تِذْكَارِيَّةٍ بِجِوَارِ شِنْطَةٍ اوْ وَجْبَةِ طَعَامٍ لِلْمُحْتَاجِينَ. نَحْنُ شُعُوبٌ لَمْ نَتَعَلَّمْ مَعْنِيَ الْعَمَلِ فِي الْمَجَالِ الْعَامِّ التَّطَوُّعِيِّ وَنَعِيشُ مَتَاهَاتِ التَّدَيُّنِ .؟!!

**

مُحَمَّدُ سَعْدِ عَبْدِ اللَّطِيفِ

كَاتِبٌ مِصْرِيٌّ وَبَاحِثٌ فِي الْجُغْرَافِيَا السِّيَاسِيَّةِ

لم تعرف البشرية ظاهرة انتشار الإلحاد بشكل كبير كما عرفتها الآن فنسبة كبيرة من المجتمعات الأوربية والأسيوية لا تؤمن بدين ولا وجود إله خالق لهذا الكون وهناك فلسفات وإيديولوجيات تنظر لموجة الإلحاد وتدعو له وللأسف مع الفراغ الروحي والجهل بالدين وقع كثير من شبابنا في شرك الإلحاد ...

اقول هذا الكلام بعد قراءة كتاب المفكر والفيلسوف البريطاني "أنتوني فلو" الذي عاش ملحدا أكثر من خمسة عقود ملحدا ومنظرا الإلحاد ومدرسا له في الجامعات ومؤلفا لأكثر من ثلاثين كتابا وبعد كل هذه الجهود والكتابات والحضور الإعلامي يفاجئ العالم ومتابعيه بأنه تخلى عن الإلحاد فيكتب كتابا مهما "للكون إله" يقر فيه بوجود خالق لهذا الكون ويبطل خرافة الإلحاد...

وحسب دراسة أعدتها الندوة العالمية للشباب المسلم والإلحاد هو: " مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى، فيدّعي الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق.

وأن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت."(1)

"والإلحاد في اللغة يعني الميل والعدول عن الشيء، وهو في الشريعة يقصد به الطعن في الدين أو الخروج عنه.

ومن الإلحاد أن يطعن أحد في دين الله تعالى وأن يشكك فيه مع أنه قد ينتمي اسما إلى الإسلام، أو التأويل في ضرورات الدين، كأن يقول: الصلاة ليست واجبة، أو أنها لا يشترط أن تصلى كما يصلي المسلمون، أو أن الحجاب ليس فريضة، أو أن الربا ليس محرما ونحو هذا"(2).

يستغرب الدارس لظاهرة الإلحاد أن يجد كتابا كبارا ومثقفين يتقنون عدة لغات يصرحون علانية أو في مجالسهم الخاصة بأنهم ملحدون فكيف يلغي هؤلاء عقولهم ويتخلون عن أكبر نعمة وهي التأمل والتدبر في خلق الله؟ لو أمعنوا النظر وتخلوا عن كبرهم وتعنتهم لوصلوا إلى الحقيقة الساّطعة التي وصل إليها "انتوني فلو" بعد عقود من التيه والضياع في ظلمات الإلحاد الحالكة المكفهرة.

كيف غاب عنهم أن وراء هذا الجمال والإبداع في الخلق خالق جميل مبدع قوي جبار؟.

إن الإلحاد خرافة ناتجة عن عدم التعمق في العلم والغرور بمظاهره الاكتفاء بقشوره..

يقول العالم الألماني الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1932 ” فيرنر هايزنبيرغ”:” إن أول جرعة من كأس العلوم الطبيعية سوف تحوّلك إلى ملحد، ولكن فى قاع الكأس، ستجد الله فى انتظارك” هذا كلام صادق من عالم متبحر فالتعمق في العلم والغوص في بحاره يقود الإنسان إلى معرفة الله الخالق لهذا الكون المدبر لشؤونه الرحيم بخلقه..

فالإنسان عابد بالفطرة ولم نجد في تاريخ الإنسانية امة بلا عبادة، يقول المؤرخ الإغريقي “بلوتارك”: “لقد وُجِدَت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد”.

فلنحصن أبناءنا من موجة الإلحاد بغرس فيهم قيم الدين الحق الوسطي المعتدل بعيدا عن التطرف والفهم الضيق المغشوش ولنحاورهم بالعقل وأساليب الإقناع ولنصغ لهم ونتفهم عصرهم واهتماماتهم لنكن لهم قدوات صالحة ونماذج ناجحة معتدلة في حياتها.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي 

.........................

المرجع:

1- الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الإلحاد، صيد الفوائد.

2- مسعود صبري، فقه الإلحاد، إسلام أون لاين.

قد تكون بعض العادات والتقاليد والأخلاقيات متوارثة من جيل إلى جيل وعلى مر الزمان متبعة والناس على قناعة تامة بها وتعمل على تعليمها لأبنائها جيلاً بعد جيل، في حين نجد أن البعض قد يصاب بالضجر والملل وحتى الأمراض النفسية من بعض تلك السلوكيات فنجده يجتهد للتخلص منها وعدم نقلها لأبنائه ! وهذا أمر وارد الحصول خاصة إذا كانت طريقة التعليم خاطئة وإن كان الفعل صحيحاً لكن الطريقة خاطئة تؤدي إلى نتائج عكسية بكل تأكد . في السابق كان احترام الآباء أمر مقدس جداً حتى أن بعض السلوكيات مبالغا فيها وصارمة فنجد أن الإبن يحترم والديه بصورة جميلة فمثلاً كان من غير اللائق أن يجلس الإبن ووالده واقفاً أو أن يضطجع بوجود والده ولا يتحدث بأحاديث غير مفيدة أو قليلة الأدب، كان الآباء صارمين في تربية أبناءهم وتعليمهم للفضيلة والرجولة، قد يجد البعض أن هذه السلوكيات خاطئة وتزيد من تعقيدات التربية فيتصرفون بطريقة مختلفة خاصة أن والداه كانا يتعاملان بقسوة في تربيته فيعكس ذلك على أبناءه بإعطائهم الحرية المطلقة في التصرفات والتعاملات وحتى في ارتداء الملابس! وعدم محاسبتهم أو تعليمهم أساليب صحيحة في التربية بحيث يترتب على ذلك تنشأة غير مرغوبة من قبل المجتمع وقد تصل إلى استهجان ورفض من قبل المجتمع لهذه التصرفات، وعلى الرغم من أن بعضهم قد تعرض للضغط من قبل آباءهم لكن لا يعني ذلك عكسه على تربية أبنائهم فالتصرفات العقلانية مهمة جداً ولا يجب التفريط بها إطلاقاً،يمكن أن تعالج بعض التعاملات الخاطئة من خلال الأسلوب لكن ليس على حساب العادات نفسها فهناك أمور مهمة في التربية لا يمكن التغافل عنها، يمكن تغيير الأسلوب بأن يكون أكثر لطفاً وبذلك ستكون النتائج مرضية للجميع، ومن أساليب التربية الصحيحة أن نحترم شخصية الأبناء ولكن لابد أن يكون هناك حزم في بعض الأمور، وكما هو معلوم أن أطفال اليوم مختلفون عن اطفال الأمس فهم مهووسون بحب الأنا ويتفاخرون بأنفسهم ولا يرضون بالموجود بينما في الماضي كان التواضع هو سمة عامة الأطفال يفرحون بالقليل ويقتنعون بالموجود لهذا قد تغير الزمان وكذلك التربية أصبحت صعبة بعض الشيء، فيبذل الأهل الكثير ليصل أبناءهم إلى بر الأمان وسط هذا الكم الهائل من الانفتاح الذي يجعل من الصعب السيطرة على توجيه الأطفال بخط مستقيم واحد إذ أن المعلومات في السابق موجهة أما بالكتب المدرسية أو بمجلات الأطفال والقصص التي يمكن للأهل الإطلاع عليها قبل إعطاءها لأبنائهم لكن اليوم كيف يمكن السيطرة والشبكة العنكبوتية تبث ما هو غير لائق في احيانٍ كثيرة أو أشياء قد تنشر للكبار ولكن من يشاهدها هم الأطفال!!، وغيرها الكثير من الامثلة . ولذلك لابد من التوجيه واستخدام الأساليب الصحيحة والتمسك بالقيم والمبادئ والتقاليد و الأخلاقيات الجيدة التي تسمو بالأبناء إلى القمة وإلى الحياة السليمة وتهيأتهم للدخول إلى المجتمع بشكل لائق ومحترم وبذلك تسود المجتمع كل تلك الأخلاقيات وسلوكيات وينعم العالم بالمثل العالية والأخلاق الفاضلة.

***

سراب سعدي

في الوقت الذي أبان فيه المجتمع المدني المغربي تضامنه وتعاضده وحسه الوطني تجاه المصاب الجلل الذي أصاب البلاد والعباد جراء الزلزال العنيف الذي ضرب عدة مناطق بالمملكة المغربية.

وفي الوقت الذي عبرت فيه العديد من الدول ومسؤوليها عبر العالم عن تعازيهم القلبية العميقة ومتمنياتهم بالسلامة لأرواح الضحايا/الشهداء والشفاء العاجل للجرحى والمصابين، وتعاطف وتضامن بلدانهم، حكومات وشعوبا، مع الشعب المغربي في محنته الأليمة، والذين كان من بينهم على سبيل المثال لا الحصر- ليس الترتيب هنا حسب الأهمية أو القيمة-: الرئيس الأمريكي جو بايدن وبلاده أمريكا التي نكست ألأعلام تعاطفا مع المغاربة، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد ورئيس مجلس وزراء المملكة العربية السعودية، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والعاهل الأردني جلالة الملك عبد الله الثاني، وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، وعبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر التي أعلنت الحداد ثلاثة أيام  تضامنا مع الأشقاء في المغرب ضحايا الكارثة الإنسانية والعاهل الإسباني فيليبي السادس، والرئيس الصيني شي جينبينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والبابا فرانسيس الذي أقام قداسا ترحما على أرواح ضحايا الزلزال، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، ورئيس الاتحاد الإفريقي ورئيس دولة جزر القمر غزالي عثماني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس جمهورية السنغال ماكي سال .

وفي الوقت الذي سار فيه عدد كبر من نجوم الفن وأعلام الرياضة الوطنيين والعالميين على نفس منوال تفاعل رؤساء الدول التضامني، والذي سأكتفي بذكر بعض أمثلة قليلة من لكثرة الأمثلة، أسرد منها على سبيل المثال لا الحصر  تضامن أسطورة كرة القدم كريستيانو رولندو، الذي خصص للمتضررين من الزلزال - حسب صحيفة ماركا - فندق بيستانا 4 نجوم الذي يمتلكه بمراكش، وأذكر حال البطل المغربي بدرهاري الذي تضامن مع ضحايا الزلزال بإلغاء مباراة نزاله المبرمج بكل ما كان سيدره عليه من أموال وتسابق منتخبات عديدة وطنية ودوليه على الانخراط في حملة التبرع بالدم لضحايا زلزال المغرب.

في هذا الوقت الحرج، وأمام هذه الهبة التضامنية للشعب المغربي، وذلك التفاعل الكبير لرؤساء الدول، وتانك التعاطف الكاسح للفانين والرياضيين، وغيرها من مظاهر التآزر والتضامن والتعاضدة والمواساة والتعازي الخالصة لأسر ضحايا الزلزال، الذي فرضته "رقة الإنسانية" التي بها يصير الإنسان إنسانا، نتوقف عند تفاعل من لون خاص أثار موجة من الاستياء لدى فئات واسعة من الفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لربطه الكوارث الطبيعية، من زلازل وفيضانات، وجفاف بأفعال البشر، وأنها عقوبة إلهية لا تقع إلا بسبب شيوع المنكرات، كالزنا والمثلية وشرب الخمر وغيرها من  الذنوب والمعاصي، الرأي الذي دأب على ترديده الشيوخ والوعاظ وخطباء المساجد على مر التاريخ في تفسيرهم الخاطئ للظواهر الطبيعية، كما حدث مع ظاهرة الجفاف التي عرفها المغرب في القرن الماضي والتي تزامنت بموضة ارتداء نساء المغرب للجلباب، الحدث الذي ربطه –رجال الدين – بالجفاف، ودفع بهم لرفع شعار "الجلابة بلا قب مخلات الشتا تصب".

لقد كان حري برجال الدين، في هذه الظرفية الحرجة التي وضعت البلد كلها في حالة حداد - وأمام هول هذه الكارثة، أن ينأوا بأنفسهم عن تلك الترهات -حتى لو كانت صحيحة- ويبرهنوا على حسهم الوطني بتقديم الدعم العاطفي للشعب المغربي عامة وللأشخاص الذين تم إنقاذهم وتهدئتهم ودعمهم ومساعدتهم على التعامل مع التوتر والقلق، عبر خطاب ديني متسامح يحثهم على قيم  التعاون والتآزر والتعاضد، ويشجعهم على تنمية روح الفريق وثقافة المشاركة والتبادل، أهم المرتكزات التي بني عليها الذين،الذي هو ملجأ الإنسان في مثل هذه الحالات ومنذ الأزل، بدل استغلال الكارثة لتبرير خرافاتهم الكهنوتية المسيئة لسلوك الناس، عبر خطابات دينية لاأخلاقية ولاإنسانية مؤثرة على معنويات المغاربه ومضرة لنفسيات المتضررين، والتي لا تساعد على تجاوز الأزمة، ولا تزيد الناس ألا قلقا فوق الهلع الذي أنزلهم من بيوتهم إلى الشوارع ليقضوا فيها ليلة بيضاء مرعبة  تاركين وراءهم كل شيء،

وفي الختام أعزي نفسي والشعب المغربي، وأسأل الله تعالى أن يرحم أمواتنا ويشفي الأحياء المصابين، ويحفظ بلادنا من الإحن والمحن، وينعم عليها بالأمن والخير والاطمئنان، ويحميها من المغرضين المضللين الذين يزعمون بارتباط الظواهر الطبيعة، من زلازل وبراكين وأوبئة بسخط الله وغضبه على الإنسان جراء ارتكابه المعاصي، حسب تفسيراتهم غير العقلانية المنتشرة والمرتكزة في غالبيتها على أحاديث ملفقة منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم،وهو براء منها، والذين نتمنى من الرحمان الرحيم أن يهديهم للتأدب بآداب الإسلام الوسطي الصحيح البعيد عن ثقافة التأنيب والتخويف، ويتركوا خلق الله لخالقه، فيرتاحوا ويرتاح منهم شعب يمر بأزمة إنسانية .

***

حميدطولست

لكل زمان أشخاصه وعلاماته الفارقة، والزمن مقرون بمجايليه، والأجيال ولودة، فمِن رحمها تأتي الرموز والقدرات الإبداعية المتنوعة، وهي مرهونة بآليات زمانها، وما فيه من العناصر التي تفاعلت لصناعة حالة ما.

وللزمن قوانينه، ولابد من بضعة أشخاص في أي جيل تتوافق تطلعاتهم مع قوانينه، فيتحركون بسرعة فائقة نحو أهداف رسموها أو رُسمت لهم، ولن يتقدم شخص في سلم الأيام، إن لم تتناغم خطواته مع إيقاعات الزمن الذي هو فيه.

فلو قسّمنا أي قرن إلى ثلاثة أقسام، ودرسنا الأشخاص فيها، لتبين الفارق بين الحالات الثلاثة، على أن القرن وعاء ثلاثة أجيال أو أربعة.

ونحن في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأنا لا نستسيغ ما أنتجه الربع الأخير من القرن العشرين، لأننا في عالم مغاير.

فكيف يصح في الأفهام، إستحضار أشخاص من بطون القرون الغابرات، وفرضهم على مجتمعاتنا المعاصرة؟

هل أن أدعياء هذا الإستحضار المريب يريدون إيهامنا بأن الأرض لا تدور؟!!

إنها من عجائب الإقترابات التي يريد بموجبها المفكرون وأمثالهم، أن يستنجدوا بأشخاص القرون الوسطى لحل مشاكلنا في القرن الحادي والعشرين!!

إنه سلوك يمثل عجزهم ونضوبهم وإنقطاعهم عن الواقع الزماني والمكاني لمجتمعاتهم، وبأنهم مرهونون بالنظريات التي أودعت في رؤوسهم من قبل أساتذتهم في الجامعات الأجنبية، فتوهموا فيها الحل الناجع ففشلوا وإندحروا في الغابرات، تعبيرا عن نكوصهم الإدراكي.

الغابرون لا يعرفون مشاكلنا المعاصرة، وعلينا أن ننطلق منهم لا بهم، ونبني آلياتنا المتوائمة مع التحديات التي تواجهنا، فما تصدوا له يختلف عما نتصدى له، فكيف يمكن لذلك أن يكون حلا لهذا الذي نعيشه ونقاسيه؟

تلك أمة خلت.. وعلينا بأمتنا المعاصرة التي نحن فيها!!

فأين الذين يتفكرون ويتعقلون ويقرأون؟!!

***

د. صادق السامرائي

كلمات هذا الجزء: "-ناهي - نسر - ناطور- نفط – سفيفة - سترة - سعلوة - سُفط - سماگ – سميد". ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي.:

663-ناهي =(ناهي) وتعني في المندائية هادئ وساكن. ويقول المؤلف أن ناهي من الأسماء المعتمدة للرجال في العراق". ويرى أن هذا الاسم يتأسس على الجذر المندائي وليس العربي من النهي بل من الهدوء والسكينة ويختم بالقول " فالناهي هو هو الهادئ الساكن المريح". والواقع أن اسم ناهي يكثر في البيئة العشائرية الجنوبية العراقية حيث تنتشر عادات عشائرية متخلفة منها "النَّهَوَة". وبموجب هذه العادة أو التقليد ينهى ابنُ العم أيَّ شخص آخر سواه عن زواج من ابنة عمه دون موافقته، وهنا يبطل زواج ابنة العم، وقد ينتهي الأمر بشجار وصدام مسلح. والشخص الذي يمارس "النهوة" هو الناهي، أي المانع من القيام بالفعل - فعل زواج ابنة عمه من غريب - كما تعني كلمة (ناهي - ناهٍ) كاسم فاعل من الفعل نهى ينهى تماماً في العربية الفصحى.

673- نسر =(نسر) وتعني الكلمة في المندائية يمزق. ويقول المؤلف أن اسم الطائر المعروف بالنسر هو تأسيس على الفعل المندائي نسر أي يمزق.. عجبي! والكلمة عربية عريقة ومعجمة. نقرأ في لسان العرب نقرأ: "طائر معروف، وجمعه أنسر في العدد القليل، ونسور في الكثير، زعم أبو حنيفة أنه من العتاق، قال ابن سيده: ولا أدري كيف ذلك. ابن الأعرابي: من أسماء العقاب النسارية شبهت بالنسر". وفي معجم المعاني (النَّسْرُ: طائر من الجوارح حادُّ البصر قويٌّ من الفصيلة النَّسْريَّة من رتبة الصَّقريّات، وهو أَكبر الجوارح حجمًا).

676- ناطور=(نطر) يحرس يحفظ يحمي. والكلمة جزيرية قديمة ومشتركة في عدد من اللغات السامية كالأكدية بلهجتيها والعبرية القديمة - توجد منظمة عنصرية صهيونية متطرفة تسمي نفسها "ناطوري كارتا" أي حراس المدينة – والكنعانيات والآراميات بالمعنى نفسه. وهذه الحقيقة يعرفها المعجميون العرب القدماء فقال ابن منظور في معجمه لسان العرب (النَّاطِر والنَّاطور من كلام أَهل السَّواد "العراقيين": حافظ الزرع والتَّمر. والكَرْم، قال بعضهم: وليست بعربية محضة، وقال أَبو حنيفة: هي عربية؛ قال الشاعر:

تُغَذِّينا إِذا هبَّت علينا........وتَمْلأُ وَجْهَ ناطِرِكم غُبارَا

قال: النَّاطِر الحافظ. وجمع النَّاطِر نُطَّار ونُطَراء، وجمع النَّاطُور نَواطِير، والفعل

النَّطْر والنِّطارة، وقد نَطَر يَنْطُر".

679- نفط =(نفط) ويسجل المؤلف أن الكلمة معربة ولكنه يزعم أن أصلها من الفعل المندائي "فطا" الذي يعني ينبثق، يكسر، يحل. وهذا تخريج ضعيف وخارج الموضوع، فالكلمة موجودة في أقدم المعاجم العربية وهو لسان العرب حيث نقرأ: "النَّفْطُ والنِّفْطُ: دُهْن، والكسر أَفصح. وقال ابن سيده: النِّفْط والنَّفط الذي تُطْلى به الإِبل للجَرب والدَّبَر والقِرْدانِ وهو دون الكُحَيْلِ. وروى أَبو حنيفة أَن النفط والنفط هو الكحيل. قال أَبو عبيد: النفط عامَّةُ القَطِرانِ، وردّ عليه ذلك أَبو حنيفة قال: وقول أَبي عبيد فاسد، قال والنفط حلابة جبل في قعر بئر توقد به النار، والكسر أَفصح. والنَّفَّاطةُ والنَّفَاطة: الموضع الذي يستخرج منه النفط".

694- سفيفة= (من جذر سف). ويعتبرها مندائية بمعنى "تشكيل من خوص النخيل بحياكة خاصة"، والكلمة عربية وموجودة في اللهجات الشامية فقد أوردها للشيخ أحمد رضا في "قاموس رد العامي إلى الفصيح"، كتب "السفيفة = كل ما يسف من خوص النخيل قبل أن ينسج. أما في الصحاح فنجدها مذكرا، ونقرأ (السَفيف: حِزامُ الرَحْل. من خوصٍ: نسيجةٌ من خوصٍ)، وفي معجم المعاني فنقرأ: "السَّفَيفة: نَسِيجَةٌ مِنْ وَرَقِ النَّخْلِ"؛ وأيضا "شَرِيطٌ رَهِيفٌ مِنْ حَرِيرٍ أوْ قُطْنٍ، أو كتَّانٍ خَفِيفٍ، ألْوَانُهُ زَاهِيَةٌ، يُزَيِّنُ حَوَاشِيَ الْمَلاَبِسِ النِّسَائِيَّةِ، أوْ يُجْعَلُ لِرَبْطِ خُصَلِ شُعُورِهِنَّ". وفي العباب نقرأ (وسَفِيْفَةٌ من خوضٍ: نسيجة منه، وقد سففت الخوص أسُفُّه -بالضم- سَفّاً: أي نسجته. والسُّفُّةُ -بالضم-: السَّفِيْفَةُ يجعل مقدارا للزبيل أو الجُلَّةِ). نلاحظ هنا صاحب العباب الزاخر يؤكد أن (الزبيل) و(الجُلة - الروث الجاف للوقود) كلمتان عربيتان فصيحتان.

700- سترة =(صُدرا) وتعني سترة في المندائية، والمؤلف يرفض أن تكون الكلمة العربية بذات المعنى من الستر فهو يكتب؛ لأن "كلمة سترة فهي تشير إلى الجاكيت أي ما يغطي منطقة النصف الأعلى من الجسم...أما كلمة صُدرا المندائية فهي تشير تماما إلى الصدرية وما يغطي الصدر والظهر)! ولا أدري بم أعلق على هذا الكلام! فالسترة سواء كانت من الستر أو من الصدر فهي صدرية وكلتا الكلمتان عربية وإذا كانتا موجودتين في المندائية فهما كلمتان مشتركتان بين لغتين من عائلة لغوية واحدة، فما الجديد والخارق في هذا؟!

706- سعلوة =(إلوا) وتعني في المندائية الشبح وروح الميت. والكلمة عربية فصيحة وتلفظ "السعلاة" وفي العامية العراقية "السعلوة". نقرأ في الصحاح (والسعْلاةُ: أخبث الغيلان، وكذلك السِعْلاةُ: يمدُّ ويقصر؛ والجمع السَعالي)، وفي معجم المعاني (السِّعْلاةُ – ج، سعالي: السِّعْلَى، غول، حيوان ثدييّ من مرتبة القرديّات ضمن رتبة الرئيسيّات ومن أقرب الحيوانات للإنسان". وفي معجم مختار الصحاح:" السِعْلاة أو السِعْلاء والجمع: سَعَالى (بالعامية: سِعْلُوَّة) هي شخصية شيطانية أنثوية، السعلوة شكلها غريب ومخيف، فجسمها مليء بالشعر كأنها قرد، لكن لديها قدرة على التحول في شكل امرأة جميلة حسناء الشكل طويلة القد، ومرتبة الهندام، تُغري الرجال ثم تفتك بهم وتقتلهم".

711- سُفط =(سفط) وتعني في المندائية يقيد، يربط، يضبط. ويقول المؤلف إن "الكلمة لا ترد الكلمة في العامية كما ترد في اللغة العربية بمعنى الطيب بل تأتي تماما كما في المندائية بمعنى ربط وقيد وضبط". والمؤلف لم يكن أمينا في النقل هنا فالسفط في العربية ليس الطيب بل وعاء يوضع فيه الطيب. لنقرأ ما ورد بهذا الخصوص في معجم المعاني: "السَّفَطُ: وعاء يوضع فيه الطِّيبُ ونحوُه من أَدوات النساء". وفي لسان العرب نقرأ:" السَّفَطُ: الذي يُعَبَّى فيه الطِّيبُ وما أَشبهه من أَدَوات النساء، والسَّفَطُ معروف". وهو أيضا " قُفّة، وعاء مصنوع من أغصان الشجر أو القصب تُوضع فيه الفاكهةُ ونحوُها سَفَط لنقل الفواكه". ويمكن أن نفهم فعل سفط من تعبئة الأشياء وترتيبها في السفط بمعناه العربي والكلمة مستعملة في الجزيرة العربية والخليج وتلفظ بالسين المفخمة المتماهية مع الصاد. يقولون في السعودية والكويت مثلا "ركن السيارة" أي سفطها.

716- سماگ =(سماقا) وتعني في المندائية أحمر، حمرة. وفي العامية العراقية هو مسحوق السماق الأحمر المعروف بطعمه الحامض والذي يستعمل كنوع التوابل توضع على اللحوم المشوية كالكباب وغيره. والكلمة عربية ممعجمة وبهذا المعنى تحديدا نقرأ في معجم المعاني (السُّمّاقُ: شجرة من الفصيلة البُطميَّة، تستعمل أَوراقه دِباغًا، وبذوره تابلاً، وينبت في المرتفعات والجبال)، وفي الوسيط والرائد والغني نقرأ (نبات: شَجَرٌ مِنْ فَصِيلَةِ البُطْمِيَّاتِ، مَهْدُهُ الأَصْلِيُّ مِنْطَقَةُ البَحْرِ الأبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، ثَمَرُهُ شَدِيدُ الحُمُوضَةِ، تُسْتَعْمَلُ أوْرَاقُهُ دِبَاغاً، وَبُذُورُهُ تَابِلاً). وجذر الكلمة هو في المعاجم القديمة كلسان العرب (سَمْقُ النبات إذا طال، سمَق النبتُ والشجر والنخل، يَسْمُق سَمْقاً وسُموقاً، فهو سامِق وسَمِيقٌ: ارتفع وعلا وطال) وفي غيره (سَمَقَ النباتُ والشَّجرُ وغيْرُه سَمَقَ سَمْقًا، وسُمُوقًا: ارتَفَعَ، وعلاَ، وطَالَ).

717- سميد=(سيميدا) طحين ناعم. والكلمة غير شائعة في اللهجة العراقية بل في لهجات عربية أخرى مشرقا ومغربا على حد علمي، أو لا وجود لها في جنوب العراق على الأقل، فهم يستعملون كلمة طحين لكل أنواع الطحين. ولكن المؤلف قيس مغشغش السعدي يكتب (ومن المعروف أن كلمة "سميد" معروفة ليس في العراق فحسب بل في بلاد عربية أخرى ويظهر أن أساس الكلمة قديم جدا". والكلمة، مع ذلك، ورغم كونها غير مستعملة في اللهجة العراقية على حد علمي، فهي عربية ممعجمة ونقرأ عنها في معجم المعاني والمحيط والمعاصر (السَّمِيدُ: طَحينٌ أَبْيَضُ خَشِنٌ). وفي الغني (طَعَامٌ مِنْ سَمِيدٍ: طَعَامٌ مِنَ لُبَابِ الدَّقِيقِ). أما في المعاجم القديمة فالكلمة تلفظ بالذال "سميذ" وبذات المعنى؛ نقرأ في القاموس المحيط (السميذ: السميد). وللشاعر كشاجم (ت. 360هـ/970م) بيت شعر قال فيه:

 ودقيقِ السّميذِ يُعْجَنُ بالمَا........ وَرْدِ عُلَّ بمسكِهِ المسحوقِ.

أما صفي الدين الحلي (677 - 752 هـ / 1277 - 1339 م) فقال في السميذ:

ولدينا شادٍ، ونقلٌ، ومشمو...... م، وطَيرٌ يُشوَى، وخبزٌ سَميذُ

للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:

#لهجة_عراقية_اللامي   يتبع

***

علاء اللامي

...........................

* مختصرات المراجع والمعاجم التي ورد بعضها في فقرات المعجم أعلاه:

العين: كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي البصري وهو أول معجم لغوي في اللغة العربية (718م 786م)

اللسان: لسان العرب لابن منظور

التاج: تاج العروس في جواهر القاموس للزبيدي

المصباح: المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي الفيومي.

المقاييس: مقاييس اللغة لأحمد بن فارس القزويني الرازي

الجمهرة: جمهرة اللغة لابن دريد الأزدي

الصحاح: الصحاح في اللغة ويعرف أيضا بـ (تاج اللغة وصحاح العربية) لابن حماد الجوهري.

العباب: العباب الزاخر واللباب الفاخر للحسن بن محمد الصغاني

القاموس: القاموس المحيط للفيروزآبادي

المختار: مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي وهو معجم مختارات من معجم الصحاح في اللغة للجوهري.

الوسيط: المعجم الوسيط تأليف نخبة من اللغويين بمجمع اللغة العربية بالقاهرة الرائد: معجم ألفه اللبناني جبران مسعود.

الغني: معجم الغني الزاهر، ألفه المغربي الدكتور عبد الغني أبو العزم.

المعاصر: سلسلة المعجم العربي المعاصر للعراقي هادي العلوي

المعاصرة: معجم اللغة العربية المعاصرة للمصري أحمد مختار عمر

الفصيح الدارج: من معجم الفصيح الدارج في اللهجة العراقية المحكیة في محافظة كربلاء – للعراقي خالد عباس حسين السياب

تترفع الأنفس النزيهة عن ممارسة الوشاية كونها خلق ذميم وسلوك مشين وتشكل خطرا على السلم المجتمعي، وأخطر ما فيها انها تتسبب بكوارث اجتماعية مختلفة، فكم من أرواح ذهبت ضحية الوشاية وكم من اعراض هُتكت واواصر تقطعت بسببها حتى انها اطاحت بعروش الملوك وتسببت في اسقاط الرؤساء ولنا خير مثال في "مارك فليت" اشهر الوشاة في التاريخ السياسي الذي اسهم في اسقاط الرئيس الامريكي السابق ريتشارد نيكسون حين قدم معلومات " لصحيفة واشنطن بوست " عن تورط نيكسون في فضيحة " ووترغيت " التي تسببت في عزله وازاحته من منصبه عام 1974، والأمر اللافت والأكثر اثارة للدهشة هو مصير من يقوم بالوشاية فهو ينتهي منبوذا ولا يحظى باحترام حتى من قبل المستفيد من وشايته، فالوشاية شكل من اشكال الخيانة كما ان الوشاة يصبحون أحذية في اقدام من يعملون له فهي ما ان تتهرأ وتنتفي الحاجة اليها ينزعونها ويلقون بها الى براميل القمامة، ولشدة تأثير الوشاية على أمن المجتمع فقد نالت اهتمام الدارسين فكتبوا فيها الرسائل الجامعية كما امتلأت دواوين الشعر العربي والموروث الشعبي بحكايات الوشاة وسوء عاقبتهم على الرغم من محاولة البعض التقليل من شأنها مثل تحدي الشاعر بهاء الدين زهير في قوله:

دعوا الوشاة ما قالوا وما نقلوا

بيني وبينكم ما ليس ينفصل

والوشاية داء لم تسلم منه العديد من المجتمعات، ومن قصصها الغريبة تلك التي قرأتها في كتاب (أنا وبارونات الصحافة) وهي مذكرات الصحفي المصري المخضرم جميل عارف حيث يسرد في الصفحة 24 قصة واقعية كان بطلها صحافيا زميلا له وملخصها انه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قام شاب مصري من الفدائيين بأطلاق الرصاص على ضابط انجليزي برتبة ميجور فارداه قتيلا، وكانت كل محاولات البوليس والقلم السياسي المصري قد فشلت في الكشف عن مرتكب الحادث وقام الجنرال بيكر ــ الحكمدار الانجليزي للبوليس المصري في الاسكندرية في تلك الأيام ــ بالإعلان عن مكافأة قدرها 1000 جنيه لمن يدلي بأية معلومات تؤدي الى القبض على مرتكب الحادث وشاءت الصدفة ان يعلم الصحفي ــ زميل عارف ــ  ان ابن خالته هو مرتكب الحادث الذي يفتش عنه الحكمدار الانجليزي وقوات القلم السياسي المصري التي كانت تعمل لحساب الاستعمار الانجليزي فلم يتردد في التوجه الى حكمدارية البوليس وابلاغ الجنرال بيكر باسم ابن خالته، وتم القبض على الشاب الوطني لتجري محاكمته بسرعة وقد انتهت هذه المحاكمة بالحكم عليه بالإعدام شنقا، وعرفت والدة المخبر ــ الصحفي ــ بالجريمة البشعة التي ارتكبها ابنها فثارت في وجهه ثم طردته من البيت وهي تصب عليه لعناتها وقد عاشت وقلبها غاضب عليه وظلت الى آخر لحظة من حياتها تدعو عليه في صلوتها، وعندما ذهب المخبر الى الجنرال لتسلم مكافئته تنكر له الاخير وقال له بالحرف الواحد:

 - أنت قدمت خدمة كبيرة لصاحبة الجلالة الامبراطورية البريطانية ولكن المتهم ابن خالتك وانت بلغّت عنه وهذا شيء لا أظنه أخلاقيا .. لذلك لن تحصل على المكافأة ثم قام بطرده من مكتبه واحتقره لنذالته وخسته.

***

ثامر الحاج امين

الأرض تنعي ابتسامتها وضحكتها.. سعاد محمد.. أختي في الإنسانية

في ذاك الصباح الحزين كنت ولم أكن موجوداً.. كنت غارقاً في الغياب وكان كل ما حولي سراب.. ووقع الرفض كان نيشانا أعلقه

في وطن لازال يمضي إلى خراب..

لكل مقام مقال و لكل مقال مفتاح

وحين تكون الفاجعة كبيرة تنهمر الدموع بغير إرادتك لتشكل غمامة مابين البصر والبصيرة تخفي في ضباب الألم مفردات وحروف كثيرة لوهلة يعتريك الشك والخوف أيمكن أن تكون قد أضعت مفتاح المقال بأي حرف أبدأ بأية كلمات وما المناسب ماذا يمكن ان يقال.. ثم تدرك أن دموعك هي المفتاح تنزوي حيث لايراك أحد حيث يتدفق ذاك السيل المنهمر مابين مقلتيك شلالا.. لا تدري أين كانت تخبئه المدامع أهو من هول المصاب أم من خيبة الأمل الملازمة لمرارة الواقع.

في ذاك الصباح الكئيب المرير كنت كعادتي أتسلق جدران صفحة الفيس بوك عبر مرور سريع أتقصى (بقدر ما يسمح به الوقت) ما يهمني من أخبار قبل بدء العراك مع صخب النهار..

سقط بصري على صورتها على ابتسامتها وضحكتها التي لم تفارق يوما محياها لتمدنا بطاقة الحب والأمل إذ نلقاها وجه بشوش رغم كل ما خبأته لها الأيام رغم حراب ذوي النفوس الضعيفة.. رغم ورغم.. بقية أميرة الضوء سعاد محمد ترفرف في عوالم الحلم تفرش الربيع بالورود تغرسه في صدر لوحتها على أمل أن يعود

لم يأتي الربيع إليها ولكنه أخذها إليه نعم هي اليوم حية في ذاكرة محبيها الطيبين وفي جنان الخلد في أحضان الربيع و حقها إن ضاع في الأرض فثوابه المستحق عند باريها أضعاف مضاعفة لا تضيع..

في ذاك الصباح الكئيب نعيتها بصدر الصفحة ثم..ثم..شلت أطرافي.. بصعوبة بالغة نقل لساني خبرها لزوجتي ماتت سعاد

شو عم تقول ؟!!

تركت المجلس وتوجهت لأنزوي في مرسمي.. كان هذا الجواب حاسما..

فطالما كان مرسمي ملاذا لأفراح وأتراحي ل أحزاني وآلامي طالما كان مخبأً لدمعي وابتسامي.. هنا في هذا الملاذ أتمدد على سطح دمعة أسرج ضوء الذكريات لأذرفها معطرة عبر كلمات أكشف فيها عن سر احترامي وتقديري لتلك السيدة بالذات

أميرة الضوء أختي وشبيهة أختي ابنة أمي وأبي التي قضت نحبها قبل خمس وسبعين يوماً في إحدى الصباحيات وبنفس المرض بالذات

لا يكمن السر فقط عبر ذاك الشبه الكبير بالشكل والروح إنما عبر تلك الألفة وذاك التقارب الذي تستشعره أمام شخصية واثقة تلقائية وبسيطة كما وردة صامدة في حقول تخنقها الأشواك نعم هكذا كانت وهكذا عرفتها منذ لقائنا الأول (في المؤتمر العام الخامس لاتحاد الفنانين التشكيليين) الذي شكل وتشكل معه انطباعي الأول سيدة بشوشة تضحك ملء قلبها تفرح لنجاحات الآخرين وتهنئ ملء قلبها... إلى زيارتي الأولى لفرع اتحاد الفنانين في طرطوس ثم للمعرض الذي نظمته السيدة سعاد في مهرجان الشيخ بدر (بدعوة منها) وما حصدته من صور الذكريات ومن كتابة رصدت الدقائق واللوحات في رحلتي هذه بالذات.. ثم إلى التواصل الهاتفي بين الفينة والأخرى للاطمئنان عن سير العمل وعن بعضنا البعض بحكم المهنة.. ورغم أنف الشللية و النافذين الساعين دوما للهيمنة على ضعاف النفوس واستخدامهم كقوة رادعة لعزل الحق والانفراد بالباطل.. رغم.. ورغم.. رغم كل العراقيل بقيت أميرة الضوء تنشر عطرها وسحرها ساعية لاقتلاع الأشواك و أغناء حديقتها بالورود.. رغم ورغم.. بقية صديقة لي ولزوجتي التي أحبتها (رغم أنها لم تلتقيها) أحبتها من صوتها من صمتها من سحرها من طاقة حب كامنة كانت ولازالت تنثرها عبر الأثير

في ذاك الصباح الحزين نعت الأرض ابتسامتها وضحكتها وزغردة السماء سعادةً بسعاد.

اختلطت الدمعة بالابتسامة فأميرة الضوء ستلاقي شبيهتها في السماء.

وسنتنقل في عالمنا الكئيب هذا ما بين عتمة وأخرى بحثاَ عن ضياء.

***

الفينيق حسين صقور

أبارك أولًا لكلّ المهتمين بعودة الطلاب الابناء القشيبة إلى مقاعد الدراسة، بعد عطلة ساخنة ارتفعت خلالها درجات الحرارة بصور غير مسبوقة، وأرجو للجميع تفاعلًا مثمرًا من أجل مجتمع أفضل ومستقبل أكثر اشراقًا.

أقول بدايةً لا تسألوني عمّا أشتاق إليه من أيام المدرسة، بل اسألوني عمّا لا أشتاق إليه. فتلك الايام هي أيام الشوق لكلّ ما هو دافئ ويفرح القلب كلما خطر على البال. إنها أيام الطفولة والتفتح الأول على الحياة.. وهي أيام الاكتشاف للذات والمحيط.. تلك الايام حفلت بذكريات تنوء بحملها الذاكرة.. ابتداءً من مفارقة الوالدة في ساعات الصباح الباكرة انتهاء باللقاء دائم الروعة لمن علّمني قراءة الحرف والكلمة.. مرورًا بالشارع الذي احتضن أحلى الذكريات والاشجار الوارفة المحيطة به. تلك الفترة لم تكن واحدة بل كانت آحادًا.. ولكلّ منها طعمه ورائحته وحنينه الخاص به.. ولعلّي أكتب عنها ذات يوم بكلّ ما حفلت به من أناس وأماكن احتلوا مساحة واسعة من القلب.. لا يمكن نسيانها.

أكثر ما أحن إليه من تلك الايام إذا كان لا بدّ من حصر هذا الحنين، هو التفتّح الاول على عالم الكتاب والكتابة عبر مُدرّسين تركوا آثارًا لا تُنسى في حياتي منهم مُدرّسات لا أحب أن أذكر أسماءهن خشية نسيان إحداهن ومُدرّسين ينطبق عليهم الامر ذاته. لقد وجّهني اولئك إلى الكتابة والنشر وكان منهم مَن نشر بعضًا من كتاباتي الأولى في مجلات للأطفال كانت تصدر في تلك الايام، أذكر منها مجلة "اليوم لأولادنا" و"زهرة الشباب".

لقد أحببت تلك الايام، بالضبط كما أحبَّ شاعرُنا العربي القديم حبيب بن اوس الطائي- أبو تمام، مكانه الاول فراح يتغنّى به قارنًا إياه بالحبيب الاول الذي ألفته العين واستشعره القلب. وأذكر بالمناسبة أنني كنت طالبًا مُجتهدًا مُجدّا أقرأ الكتب اللامنهجية إلى جانب تلك المنهجية.. ضمن محاولة لتوسيع الآفاق والمدارك، ولو دارت عجلة الزمان إلى الوراء وجلست على المقاعد الدراسية ذاتها لكنت أكثر اجتهادًا.. حتى لا أضيع فرصة مهما صَغُرت.. فما نتعلمه في الصغر يبقى محفورًا في القلب والذاكرة كالنقش في الحجر..

فيما يتعلّق بالفرق بين طالبي اليوم والامس أقول إنني من المؤمنين بالتغُّير والتبدّل. وبأن كلّ فترة تختلف عن سابقتها. في رأيي أن طالب اليوم يختلف عن طالب الامس في العديد من الامور الايجابية.. منها التحضير المهني والجاد له قبل دخول المدرسة والاعتناء المهني الخاص به إذا كان بحاجة والدورات اللامنهجية التي تنظّمها المدارس وما إليها. لا تقولوا إن طالب الامس كان أفضل من طالب اليوم. فطالب اليوم هو التراكم الكيفي لطالب الامس. وقد استفاد منه. لتأكيد هذا ألفت النظر إلى ما أحرزه مجتمعُنا من تقدّم وتطوّر في مجالات التعليم المختلفة. وأشير بكثير من المحبة إلى الاهتمام الرائع الذي المسه من الآباء للأبناء الطلاب.. فقد تحول الطالب اليوم إلى حلم أخضر لوالديه.. ربّما كمن وراء هذا حرمانُ بعض الآباء من الفُرص المنشودة للتقدم. ولسواه من الاسباب.

أعمل بالمناسبة حاليًا معلّمًا للكتابة الابداعية وعادة ما أسأل طلابي المميزين الخاصّين عمّا يريدون أن يكونوا عليه في المستقبل فيرد كلّ منهم وفق رغبته وهواه، فأعود لسؤالهم ماذا يُطلب مِن الواحد منّا اليوم لتحقيق حلم الغد؟ بعدها ندير نقاشًا نتوصل خلاله إلى أننا يُفترض أن نكون مجتهدين اليوم لنحقّق ما نحلم به ونصبو إليه في المستقبل.. وكثيرًا ما أذكر لهم بيتًا من الشعر أبدعته قريحة الشاعر العظيم أبي تمام بن أوس حبيب الطائي، يقول: بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها تنال إلا على جسر من التعب.

نصيحتي الذهبية للطلّاب هي: اجتهدوا ثم اجتهدوا ثم اجتهدوا وسوف تحققون كلّ ما تحلمون به وأكثر.. أزجي هذه النصيحة إليكم.. كونها معيشة ومجرّبة، فقد حققّنا باجتهادنا في حياتنا كلّ ما أردناه وأكثر بكثير.

***

ناجي ظاهر

من المؤسف ان أوطان العرب الى الآن؛ خارج كينونة الوجود، ونواميسه، وبوصلته، وخرائط الطريق في صناعة التمكًين، الذي ينتج سيرورة ركائز التواجد في الوجود لتاريخ كلي الوجود، سريع التحرك، بمحركات كونية، تتدافع أليات طرق التاريخ هذا في جميع ارجاء المعمورة، ليس معها ألية التاريخ العربي، فهي متوقفة تماما؛ لأعطال اساسية وتكوينية في اصل مكونات محرك التاريخ لجغرافية العرب كقارة. جغرافية كانت على قوارع مسارات الوجود التاريخي؛ لعقدين او اكثر من العقدين، ربما اكثر من هذين العقدين اللذين مضيا، بفعل مفاعيل الفاعل المحلي المتحكم تحكما يكاد يكون تاما (النظام الرسمي العربي) والاقليمي والدولي. يموت فيها كل جميل. يتعملق فيها كل قبيح. يتجذر في منابت تربتها كل فاسد ومفسد ومستبد وشرير. عبرت أليات التاريخ الكوني عليها. ظلت ألية التاريخ العربي متوقفة تماما، بانتظار حتى اللحظة؛ اعادة صناعتها، بعقول خبرائها، ومهندسوها وفنيوها، ومكوناتها من مواد تربتها؛ لتحمل البلاد والعباد، وتعبر بهما الى الي الجانب الأخر الذي فيه؛ تواكب في المسير، حركة التاريخ في جميع اصقاع العالم. لتبدأ مسارها في قلب الطريق التاريخي وليس على قارعته. بين خط الشروع المفترض هذا، والذي لا يعلم بزمن الذي يستغرقه الوصول الى خط الانطلاق المفترض هذا، الا الله جل جلاله، وصحوة الجياع والمظلومين؛ بمعرفة مسببات هذا الجوع وهذا الظلم، وهذه الحروب البينية العبثية في الوطن الواحد، وبين الشعب الواحد، ليس لهم فقط، بل لأرضهم ولتاريخهم ولقيمهم، ولضياع فرصتهم في ان يكونوا واوطانهم كباقي شعوب الارض واوطانها؛ تحت شمس العدل والحرية والتنمية والتطور. المؤسف المؤلم الذي يوجع القلب والعقل والنفس في آن واحد؛ في جغرافية العرب هذه، التي لا انوار ولا اضواء فيها تضيء الدروب التي في مفاتحها؛ يبدأ التنوير؛ لا تبصر فيها باصرات الناس، ولا بصائر العقول، الا العتمة القاتلة. هذه العتمة التي كان وجودها وسيادتها التي تكاد تكون سيادة تامة، لم يكن من فراغ، بل لها مولدها ومنتجها حتى طغت واطفأت جميع مصابيح التنوير.. والانارة. مما قاد او كان من نتيجة هذا؛ ان اختلطت الطرق العديدة في الساحة التي منها تبدأ جميع المسارات، الصالح، وطالح، وصافي ونقي النية، في طريقين مختلفين كليا، طريق الى الهدف الشريف، و طريق مخادع وكذاب. ليكون طريق الجوع والظلم والحروب، هو الطريق؛ لوضع العباد والبلاد خارج مسار التاريخ خلال عقود خلت والي الآن، لأغلب دول جغرافية العرب هذه، وليس جمعيها الذي ربما لا يتعدى اصبع او ربما اصبعين من اليد الواحدة على ابعد عدد محتمل. على هذا الطريق؛ جنود الطغاة الصغار يفترون في كل ليلة مظلمة في الشوارع والساحات والحدائق التي لم يبق منها سوى الاسم. مع انها والحق لابد من ان يقال؛ مع انها في النهار قبل مغيب الشمس، ممتلئة حد الازدحام بالحركة والناس. انهم يتدافعون، يتزاحمون في كل دقيقة وساعة من النهار، قبل ان يحط الليل بمفاجأته عليها وعليهم، والتي هي خارج توقع الناس وتحسباتهم؛ مفاجأة من تلك التي يزرعها عسس الليل وازلام الطغاة بعيون المراقبة والتحقق. هؤلاء الناس يبحثون عن فسحة من الآمل، ولو صغيرة تكفي لموطأ القدم، يتوافر فيه رزقا يحفظ حياة الأنسان من الإنطفاء. هذه الحياة التي هي ومن جميع دروبها، من جدران البيوت، من الأزقة الضيقة؛ تسمع خلائق الله فيها، على ارض الله هذه، صوت العدل من سماء الله، الذي تصادى في جميع هذه الأنحاء. الجوع والرصاص يركضان عاريان فيها، من غير اي غطاء يستران فيه عورتهما. عيون الارامل والثكلى واللواتي قتلهن الجوع والعوز والحرب وفوهات البنادق والمدافع؛ تحدق في مناظر هذا العراء، بخوف وخجل ودهشة وانذهال، إنما بعيون تنزل الدموع مدرارا منها على الخدود المصفرة التي لونها بلون الشمع الذي ينذر بقرب الموت. في زوايا تلك البيوت؛ اطفال يصرخون جوعا، او خوفا في بيوت فارغة من رعاتها الذين هربوا الى البحر، وعبره الي اي مكان اخر، لا جوع فيه، لتوفير قوت العيش والحياة لأهلهم الذين تركوهم في بيوت الديار، أو في حالات اخرى؛ هربوا الى امكنة، لا خوف فيها من عصا السلطان، انه في النهاية؛ هروب غير ذي نفع في ايجاد ظروف وشروط، يكون فيها الأنسان انسانا حرا، بل ان الصحيح واقعيا طبقا للنتائج التي تتمخض عن هذا الواقع المختلف والجديد؛ هو المضاد تماما؛ لغايات الهروب، أنها احلام يقظة، ليست في الخيال، بل في الواقع المؤسس بإرادة الأنسان على وهم الاوهام. تبحلق هذه العيون في الجدران وفي الابواب، علها تفتح ويدخل الراعي. لكن لا شيء يحدث ولا احد يجيء. لا يسمعون سوى صمت الخوف ورهبة المكان. عسس الطغاة حين يمرون في الليل على مقربة من البيوت تلك الفارغة من عرابيها، الا الاطفال والرضع والنساء والشيوخ؛ يتنصتون على بعد اشبار من النوافذ، بأجهزة  تم صناعتها في مصانع كبار طغاة الارض؛ دعما منهم لطغاة ارضنا الصغار، وتقوية لأعمدة عروشهم كي لا تنهار وتسقط الى الارض، بقوة زخم ثورة وغضب الجياع، هذه الأجهزة، لها قدرة فائقة على التقاط همس الصوت وحتى النأمة وحتى صور الوجوه وان اختفت وراء برقع او حجاب او ستار. لا يجيء الى مسامعهم وابصارهم الا السكون المحمل برعب الامكنة، وصراخ الجوع من الافواه، وترى ابصارهم وجوه مصفرة، رسم الموت المؤجل وجوده في عيونهم. يقول احدهم للأخر:- لا شيء هناك يقلق أمن الناس واستقرار المكان. لذا؛ تظل تلك الامكنة؛ حلبة لاقتتال الأخوة الاعداء. الطغاة كل طاغية في مملكته، يحكم الناس بالحديد والنار ككل طواغيت الارض والتاريخ؛ اقاموا منصات شرف في تلك الملاعب. يشاهدون اشواط صراع واقتتال الأخوة، من على شرفاتهم. ليس بمهمة كمية الدماء التي تسيل من الاجساد حد الموت في بيوت وشوارع ومباني كل المباني يعمها الخراب والانهيار والدمار. المهم هنا ان الأمن مستتب في المملكة او في الجمهورية او تحت اية تسمية تم بها تسمية نظام حكم في هذه الدول العربية. اذرع الأمن؛ أمنوا الأمن في جميعها. لكن ظل الجوع والخوف ورعب ورهبة الرصاص في تلك الامكنة؛ احرارا في كل الزوايا وفي جميع الدروب والبيوت؛ لا رقيب او متابع يحد عليهم تحركاتهم، ويقلص عليهم مساحات حركاتهم، بل تركوا تماما في التوسع والتمدد في جميع اركان الوجود في هذه الجغرافية العربية الا القليل جدا منها ربما. ليس هذا بمهم ما دام امن السلطان الحاكم بأمر من الله مستتب، وما دام كرسي الحكم مستقر على قواعد لا تهتز. المهم اباطرة كرة الارض العظماء والكبار؛ راضون وممتنون للحاكم بأمر ابليس والشطان على الارض هذه.

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم