أقلام حرة
محمد محضار: ملحمة بعث وانبثاق
ثلاثونَ ثانية كانت كافية لتُغّير ملامح مناطق واسعة من مغربنا الحبيب، هولٌ ما بعده هَولٌ، وفجيعةٌ يصعب تَقبّل مُخلفاتها، مواطنون ومواطنات كانوا في حال فغدوا في حال أخر، تحركت الأرض واِرتجت الجبال، ووقع المحظور وكان أمر الله الذي لا ردّ له ونَحن لن نقولَ إلا ما يُرضيه ونحمده بكرة وأصيلا، وإن كان في القلب غصّة وفي الخاطر لوعة، تَحرّكت الأرض وتكلمت بلغة الدمار، فإذا بمن كانت أنفسهم تملأ المكان يصبحون تحت الأنقاض وإذا بالأنين والتأوهات يسري وينتشر معلنا عن كلومٍ وجراح عميقة، ونجيعٍ يسيل بين الصخور.
الأطلس جريح، وجباله تبكي من ظَلُّوا أوفياءَ لِقمَمه وسفوحه، وعاشوا بين مساربه ومداشره بأنفة وكبرياءِ الأسُود يرفعون التحدي ويقاومون قساوة الطبيعة وشظف العيش، وتلك خصلة جُبل عليها أبناء الأطلس.
صرخة الأطلس ترددت في أرجاء كل البلاد وجاب صداها كل الربوع من طنجة إلى الكويرة، فكانت الهَبّة الشعبية التي تجاوزت البروتكولات الرسمية وتحولت إلى انبعاث وانبثاق، وانطلقت الجموع نحو الأطلس العتيد تمسح دموعه وتضمد جراحه.
هي إذن بداية كتابة ملحمة " تمغربيت" وصنع تاريخ يربط الماضي بالحاضر ويُعلن عن تلاحم مكونات الأمَّة المغربية من أجل تحويل الفجيعة إلى انبلاج يجلو وقع المأساة، ويغير مجرى الأحداث، ويسمح لكل المغاربة بالمساهمة دون قيد أو شرط في إزالة أثر الهزة الأرضية المباغتة كلٌّ بالطريقة التي يراها مناسبةٌ.
الأطلس يبتسم بعد حزن وتردّد قِممه الشَّمّاء:
ارفع رأسك ..أنت حر أصيل، دون قيدٍ صدئ ولا رَبقة انبطاح
قل لهم: أنا مغربي قح، دماء الأسلاف تسري في عروقي، ونخوة الأمس تتجدر يقينا واعتقادا عندي.
اِرفع رأسك، ولا تَتردد، فالمجد لك قرين، والشموخ يَتبرعم في كفّيك ياسمينا بضوع الانتصار...هذه ملحمتك أيها المجيد المُتيم بإرادة الحياة، تُكتَب على رقّ الانبعاث.
فأنت تُفكر، وتؤسس لفكر ينبلج من رحم المعاناة.
ولا أحد قادر على صَدّ سموقك.
***
محمد محضار