أقلام حرة
ناجي ظاهر: أيام العبير والشوق
أبارك أولًا لكلّ المهتمين بعودة الطلاب الابناء القشيبة إلى مقاعد الدراسة، بعد عطلة ساخنة ارتفعت خلالها درجات الحرارة بصور غير مسبوقة، وأرجو للجميع تفاعلًا مثمرًا من أجل مجتمع أفضل ومستقبل أكثر اشراقًا.
أقول بدايةً لا تسألوني عمّا أشتاق إليه من أيام المدرسة، بل اسألوني عمّا لا أشتاق إليه. فتلك الايام هي أيام الشوق لكلّ ما هو دافئ ويفرح القلب كلما خطر على البال. إنها أيام الطفولة والتفتح الأول على الحياة.. وهي أيام الاكتشاف للذات والمحيط.. تلك الايام حفلت بذكريات تنوء بحملها الذاكرة.. ابتداءً من مفارقة الوالدة في ساعات الصباح الباكرة انتهاء باللقاء دائم الروعة لمن علّمني قراءة الحرف والكلمة.. مرورًا بالشارع الذي احتضن أحلى الذكريات والاشجار الوارفة المحيطة به. تلك الفترة لم تكن واحدة بل كانت آحادًا.. ولكلّ منها طعمه ورائحته وحنينه الخاص به.. ولعلّي أكتب عنها ذات يوم بكلّ ما حفلت به من أناس وأماكن احتلوا مساحة واسعة من القلب.. لا يمكن نسيانها.
أكثر ما أحن إليه من تلك الايام إذا كان لا بدّ من حصر هذا الحنين، هو التفتّح الاول على عالم الكتاب والكتابة عبر مُدرّسين تركوا آثارًا لا تُنسى في حياتي منهم مُدرّسات لا أحب أن أذكر أسماءهن خشية نسيان إحداهن ومُدرّسين ينطبق عليهم الامر ذاته. لقد وجّهني اولئك إلى الكتابة والنشر وكان منهم مَن نشر بعضًا من كتاباتي الأولى في مجلات للأطفال كانت تصدر في تلك الايام، أذكر منها مجلة "اليوم لأولادنا" و"زهرة الشباب".
لقد أحببت تلك الايام، بالضبط كما أحبَّ شاعرُنا العربي القديم حبيب بن اوس الطائي- أبو تمام، مكانه الاول فراح يتغنّى به قارنًا إياه بالحبيب الاول الذي ألفته العين واستشعره القلب. وأذكر بالمناسبة أنني كنت طالبًا مُجتهدًا مُجدّا أقرأ الكتب اللامنهجية إلى جانب تلك المنهجية.. ضمن محاولة لتوسيع الآفاق والمدارك، ولو دارت عجلة الزمان إلى الوراء وجلست على المقاعد الدراسية ذاتها لكنت أكثر اجتهادًا.. حتى لا أضيع فرصة مهما صَغُرت.. فما نتعلمه في الصغر يبقى محفورًا في القلب والذاكرة كالنقش في الحجر..
فيما يتعلّق بالفرق بين طالبي اليوم والامس أقول إنني من المؤمنين بالتغُّير والتبدّل. وبأن كلّ فترة تختلف عن سابقتها. في رأيي أن طالب اليوم يختلف عن طالب الامس في العديد من الامور الايجابية.. منها التحضير المهني والجاد له قبل دخول المدرسة والاعتناء المهني الخاص به إذا كان بحاجة والدورات اللامنهجية التي تنظّمها المدارس وما إليها. لا تقولوا إن طالب الامس كان أفضل من طالب اليوم. فطالب اليوم هو التراكم الكيفي لطالب الامس. وقد استفاد منه. لتأكيد هذا ألفت النظر إلى ما أحرزه مجتمعُنا من تقدّم وتطوّر في مجالات التعليم المختلفة. وأشير بكثير من المحبة إلى الاهتمام الرائع الذي المسه من الآباء للأبناء الطلاب.. فقد تحول الطالب اليوم إلى حلم أخضر لوالديه.. ربّما كمن وراء هذا حرمانُ بعض الآباء من الفُرص المنشودة للتقدم. ولسواه من الاسباب.
أعمل بالمناسبة حاليًا معلّمًا للكتابة الابداعية وعادة ما أسأل طلابي المميزين الخاصّين عمّا يريدون أن يكونوا عليه في المستقبل فيرد كلّ منهم وفق رغبته وهواه، فأعود لسؤالهم ماذا يُطلب مِن الواحد منّا اليوم لتحقيق حلم الغد؟ بعدها ندير نقاشًا نتوصل خلاله إلى أننا يُفترض أن نكون مجتهدين اليوم لنحقّق ما نحلم به ونصبو إليه في المستقبل.. وكثيرًا ما أذكر لهم بيتًا من الشعر أبدعته قريحة الشاعر العظيم أبي تمام بن أوس حبيب الطائي، يقول: بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها تنال إلا على جسر من التعب.
نصيحتي الذهبية للطلّاب هي: اجتهدوا ثم اجتهدوا ثم اجتهدوا وسوف تحققون كلّ ما تحلمون به وأكثر.. أزجي هذه النصيحة إليكم.. كونها معيشة ومجرّبة، فقد حققّنا باجتهادنا في حياتنا كلّ ما أردناه وأكثر بكثير.
***
ناجي ظاهر