روافد أدبية

روافد أدبية

صديقتي جورجينا..

أُرسل لك سلامي وقُبلاتي وأشواقي،

وَددتُ في رسالتي هذه الإطمئنانَ عَليكِ، وعلى حَياتكِ في تورينو.

كَما  وددتُ بأن أُخبركِ بأنني اليوم ألتقيتُ "بِسيلا " في مكتبة نيويورك العامة، التي ذهبنا إليها أنا وأنتِ فِي شهر نوفمبر مِن عام 2005، عَلكِ تَذكُرينها.

تلك المكتبة التي قَرأتُ فيها رواية " أشياء رقيقة" للروائية/ دانيال ستيل، وجلستِ ِ أنتِ بِجانب الشُباك تتأملين المارة وغارقةٌ في كتابة قِصتُكِ القصيرة " دُموع الناي".

سِيلا أيضاً مِثلُكِ قاصه وروائية، ومُرهفة المشاعر والأحاسيس. 

يبدو أنني مَحظوظة بكما!

جَمعتني الصُدفة "بِسيلا" في ذَات المكان الذي صادفتُكِ فيهِ في مَحطة " غراند سنترال" بحي مانهاتن.

أتذكُرين ذلك يا عزيزتي؟

لقد كُنتِ جَالسهً علَى المِقعد وتنتظرين

القِطار القادم.

وَكنتُ أنا في عُجالةٍ مِن أمري وفي يدي كُوبٌ من القهوه الذي انسكبَ علَى حقيبتكِ.

لقد شَعرتُ بالخجلِ منكِ حِينها وأعتذرتُ لكِ مِراراً وكانَ إعتذاري بِمثابة طَلبَ الغُفران مِنك

لا أُريدُ أن أُطيلَ عَليكِ

وَ لكن أريدُ أن أخبِرُكِ بأنني بَدأتُ في كتابة أول نص أدبي لي بعنوان:

" صُدفتان في سَنترال"، سأُرسِلُه لكِ ريثما أنتهي من كِتابتُه.

وَأُريدُ وَعداً مِنكِ بأن نَلتقي أنا وأنتِ و" سِيلا"

 في ذَات المَكان عندما تَعودين إلى نيويورك

لكي نجمعَ الصُدف في صُورةٍ تذكارية

نحتسي فيها القهوة معاً.

صَديقتُكِ المُحبه لكِ دَوماً/

إيما أدريان.

15أبريل 2010م

***

أريج الزوي

- قلت لك يا عمران لن يتم هذا الزواج الآن!
- لماذا يا أبي، ما الذي سيتغير؟!
- ها قد مضى على تخرجي من كلية الهندسة ثلاث سنوات ولازلت أعمل في بقالية صغيرة أجرها لا يكفيني حتى لسد احتياجاتي الشهرية
لقد ضاع تعبي في الدراسة هباء منثورا
- وأنت قلتها؛ أجر عملك لا يكفيك أنت فكيف إن أصبح لديك زوجة؟! انتظر يابني انتظر فلابد من قدوم الفرج
- أبي أرجوك افهمني، أنا أريد أن أتزوج لا تجعلوا حتى هذا أحد أحلامنا التي لا نستطيع تحقيقها، سأعمل ليل نهار سأجد عملا إضافياً بعد الزواج
- عمراااان! كفى جدالا، تعرف أن سبب اعتراضي الرئيس هو أنك لم تنه خدمتك الإلزامية بعد، أين ستبقى زوجتك بعد ذهابك؟
- لا أعلم، لا أعلم يا أبي
لقد تعبت كثيراً، كل شيء يذهب بنا للمجهول
إلى متى سنبقى ننتظر
دمعت عينا ام عمران على حال ابنها وحال الكثير من الشبان في بلده
قبل ابنها رأسها ومسح دموعها ثم خرج من الغرفة منهيا حديث والده.
أفاق من شروده على صوت صديقه يناديه: تعال ياعمران لدينا الكثير من العمل اليوم
حاول مسح تلك الذكرى من رأسه بدمعة شقت طريقا على وجنته رغماً عنه.
مضى على مغادرته منزله ومدينته عدة أشهر وقد بدأ العمل في شركة يتقاضى فيها أجرا محترماً، طموحه كبير تمنى العمل بمجال تخصصه وبما لديه من خبرات وها قد تحقق ما تمناه، لكن لا شيء يعوض وجود الأهل ورضاهم. تنهد بحرقة وأجاب نداء صديقه:
- سآتي حالا، حضّر لي الملفات اللازمة.
دخل لمكتب مديره واستلم ملفات العمل الجديد وبدأ بحماس، لكن سرعان ما فتر هذا الحماس عندما انتابته شكوك غريبة، هناك أمر ما في هذه الملفات ثم أن مديره منعه من الزيارات الميدانية بعد تسلمه العمل الجديد، وهذا ما فاقم من شكوكه
- هذه عقوبة الخائنين هذا أول ما سمعه بعد إحضاره إلى هذا المكان
هدر صوت غاضب:
- تعالي أنت، تعالي وإلا قتلتك، هذه عقوبة لك على ما فعلته ليلة أمس، رفضك لطلب ذاك الرجل أضاع من أيدينا فرصة كبيرة، ستعاقبين لأنك لم تنفذي مهمتك.
عيناها تتنقلان بين الملثم الذي يملأ صراخه المكان وجسده الساكن أمامها، دموعها تتسابق كشلال على خديها الذابلين
شعر بدوار يهز كيانه مسترجعا ذكرى آخر لقاء لهما قبل مغادرته وطنه، يوم وعدها وهو يمسك يديها بيد ويمسح دموعها باليد الأخرى أنه سيعود ومعه الخاتم الذي سيتوج علاقتهما بالزواج، هي صامتة لا تجد ما تنطق به. وهو لا يجد ما يساعده على الصمود عند رؤيتها تبكي تلك التي وجد فيها وطنا وملاذا وملجأ من كل ما حوله
صوت طلقة في الهواء، وصمت أخلى المكان من كل شيء عدا دقات قلبه المنتفضة بقوة.
هو السبب، هذا ما شغل فكره وقلبه طيلة الشهور الماضية حتى هذه اللحظة وهو متجه نحو المطار، عله يبتعد عن كهف وحدته بعد وفاتها
لم ترض أن يراها وهي بهذا الحال، تتساءل ماذا يظن بها الآن وهي التي أجبرت على المجيء إلى هنا بعد اختطافها، ماتت وهي لا تعلم أنه يعمل مع نفس الجهة التي قامت بخطفها.
لا تفارقه صورة جثتها الممددة أمامه وعيناها الشاخصتان في عينيه وهو يجثو على ركبتيه تحت أشعة الشمس الحارقة عند إحضاره إلى هذه الساحة بعد اكتشافهم أنه يساعد الفتيات على الهروب.
بعد أن أبلغ عن الشركة التي لم تكن سوى غطاء لجهة تقوم باختطاف الفتيات والمتاجرة بهن.
أمام قسم المغادرين، توقف والدوار يعصف برأسه:
أيهما سيسبب وجعا أقل لقلبه، البقاء أم المغادرة؟!
***
قصة قصيرة.
سارة الحيجي - سوريّة – ديرالزور.

ارمم ما تلف من مرايا ذاكرتي

وادور في فراغ الرغبة دورتين

وارسم على مرايا الوقت فراشة وتفاحة

وانصب فخاخي في طريق بنات اوى والثعالب

واصغي لما تقوله

لي غزالة القلب

ثم ادلف الى حديقة

مرايا الروح والتنوير

لا قطف منها وردة محبة

واشهد ان الثريا

امراة من ضوء النجوم

والقمر يغازلها ليرسلان

معا نورهما الى الارض

واعترف اعترف

ان ما تهشم من

مرايا احلامي

يمكن اصلاحه

والان الان فقط لا رغبة لي

الا بانتظار سنونو وردة البنفسج

لنغني معا اغنيات

الخطوات المضيئة

واغنيات الشجر.

***

سالم الياس مدالو

الحياة بالنسبة لها غموض دائما تتشكل فيها الصور الرمادية الأبدية، يمر عليها الزمن بأوجاع، لأنها هي من وضعها هذا الزمان على هامش الحياة.
لقد أخرجتهم أقدارهم من دوائر الضوء إلى الظلمات، تنتظر إشراقة شمس جديدة قد تصبغ حياتها بألوان أخرى مختلفة وهي في قمة الألم المتوهج في بعد المسافة، إن ما يحمله صدرها شقاء لا معنى له، عيناها تخاف الوضوح وتخشى أن تتراقص أمام أسئلة حائرة تجهل جوابها، تعلمت كيف تنتظر في عالم يختلف، هي معروفة بالرقة والغموض والحلم البعيد، فلطالما كانت مثل نجمة. تمنت أن يكون وراء من ارتبطت به أمنية واحدة أن يخاف الله فيها، لكن بعد مرور20 سنة قضتها معه اكتشفت أنه بلا مشاعر ولا أحاسيس، كانت على مشارف الأربعين من عمرها عندما عانت من آلام مرض أصاب قلبها، لم تخبره، وبعد إنجابها ثلاثة بنات كبرن وصرن فتيات جامعيات أنيقات بقيت أسطوانة أنه يريد أن يكون وسط أخوته البنات ذكرا، هي تعلم أن أخيها الدكتور حذرها من خطورة الإنجاب مرة أخرى، فكانت والدة زوجها تلح عليه أن يكون له ولد يخلد أسمه،أشار شقيقها أن عليها أن تصارحه بحقيقة مرضها وخطورة حملها الذي سيعني الانتحار، خديجة تعلم جيدا ما عاد لها من همس النجوم سوى هذا الوميض الذي خفت بريقه على كل شيء ليوحي بانتهاء الأشياء لكن أصلها وتواصلها مع من يستحقون حبها لبناتها أهلها جعلها تسامح الحياة التي أصابت كل سنين عمرها باليأس ثم بالبؤس في نظراتها الشاردة، ماذا عليها أن تنتظر وكل أشرعة أحلامها ممزقة وهي المقهورة والمغدورة في زمن لا معنى له، لكن هذه المرة خديجة فكّرت جيدا وعزمت ان تنجب رغم المخاطر التي تحيط بحياتها، زوجها وبناتها لا يعلمون بمرضها، أرادت أن تسكت لسان زوجها الذي هددها بالزواج من أخرى تنجب له الولد مادامت هي قد كبرت وصارت غير قادرة على الإنجاب، وفي تحد خطير حملت خديجة للمرة الرابعة، مرت الأمور جيدة في البداية، وكان يوم موعد الزيارة الطبيبة لمتابعة الحمل، ثم كانت المفاجأة، الجنين ذكر، بلغت فرحة الزوج حدا لا يوصف، أما هي فكتمت فرحتها، لقد جاءتها متأخرة وهي في ظروف صحية حرجة بل مستعصية، سمعت عبارات اللوم القاسية من شقيقها، إنها تعرض نفسها للخطر الأكيد، إيمانها بلطف الله وقدره كبير، تداخلت خيوط معاناتها حتى عجزت عن التعبير عنها رغم انها تصدح من داخلها ولا أحد يسمع أصداءها، يبقى جرحها ينزف وهي وحيدة وكأن مصيبتها لا تعني من اختارته شريك عمرها، المهم عنده الولد، يبدو بعد كل هذه السنين أنه لا يستحق مشاعرها الطيبة، ولكنها تعلم أن المشكلة مزمنة وأنها ستطول ما طالت الأعمار، وستتفاقم وتدمر بيتها،لكن إذا أنجبت الولد ستحافظ على استقرار بيتها وتماسك أسرتها خاصة ان لديها بنات في سن الزواج، ألمها يضغط على جرح غائر بين الضلوع حتى ويكاد يفضح ما تخفيه من مرارة و دمار، مضطرة إلى تحمّل ما لا يطيقه بشر، فهي لا تريد أن ينتزع منها في لحظة ضعفها اعترافاتها الصادمة أوتسمع إحدى بناتها شكوى نبضاتها المرهقة، اعتذرت لشقيقها الذي أخذ على عاتقه مهمة متابعة مرضها. مرّت الأيام والشهور ثقيلة بعدما توقفت عن تناول أدوية القلب لكي لا يتأثر الجنين بالتأثيرات الجانبية، كان هذا التوقف عن الدواء غير المتدرج مجازفة خطيرة، وإنما رغبتها الجامحة لإسعاد زوجها بعدما ملّ سماع حديث عائلته أن ذريته كلها بنات. كبر الجنين في أحشائها وبدأت تشعر بركلاته الرقيقة تتتابع كأنها نهر عذب جاري وقطرات ندى باردة تتدفق في أعماق جسدها المرهق فتبعث الدفء في روحها بعد سنين طويلة من الانتظار، فجاء كشمس تسطع بالبهجة والفرح في قلب أنهكه تعب الترقب، يحلو لها أن تتلمس بطنها المنتفخ وهي تمني النفس في شهرها الأخير أن تمسح دموعها التي ألفتها عيونها وأحرقت ضلوعها كثيرا بحرارة نار الحزن. هلّت عليها بناتها تباعا فور عودتهن من الجامعة، أسرعن في القيام بالأعمال المنزلية. خلال جلسة هادئة صارحت بناتها بصوت خافت وكانت مشرقة الوجه أنه إذا أصابها مكروه عليهن الاعتناء بأخيهم والاهتمام به ويكن دائما بجانبه ولا يتركنه وحيدا أمام تقلبات الزمن، انزعجت أكبرهن من حديث أمها ودعت الله أن يطيل في عمرهاوأن تفرح بمولودها وتراه يكبر أمامها، طمأنتها أمها أنها مجرد وصية وافتراض فقط، فلا أحد يملك أمرا، أعمارنا بيد الله الخالق، أمّا وصيتها الثانية فهي أن يضفن صورة أخيهم بجانبهن في الإطار الأرابيسك الجامع لصورهن فلطالما تمنت ذلك طويلا، أخاف حديث الأم بناتها فهن في مثل هذا السن يحتاجون لدعمها ونصحها أكثر من أي وقت مضى. ويوم بدأ المخاض يشتد عليها اتصلت بزوجها في عمله تعلمه بقرب مولد طفلهما، كان شعور غريبا ينتابها وكأنها لم تنجب من قبل، شعور بسعادة غامرة يخالجها بسر متعة هذا الإحساس أهو لأن مخاض الذكور ليس كمخاض الإناث، أم هو من فرط اللهفة وحرارة الشوق إليه،إن قطرات من الحليب سبقته من صدرها الممتلئ، بدأت تتمني وتتوق إلى اللحظة التي ترضعه فيها حتى تشبعه من حليبها ليكبر سريعا ويكون سندا لشقيقاته الحوريات الجميلات المنشغلات قلقا بتجهيز أمهن للذهاب، كانت وسطهم سعيدة بهن وكأنها ملكة مدللة في عز شبابها أقبل زوجها والفرحة تقفز من عيونه، كان يهدأ من روعها ويعدها بأن الأمور ستمر بعون الله بسهولة،قبلت بناتها واحتضنتهن بشدة وقد كانت ما تزال تخفي حقيقة مرضها عنهم، وجدت بالمستشفى مكانها المعد لها، تسلمت الطبيبة المختصة ملفها الطبي وبادرتها بالسؤال عن ما إذا كانت تعاني من مرض معين، تلعثمت خديجة وهي تحدق في زوجها الذي أخفت عنه مرضها لتؤكد لها أنها ما تزال قادرة على الإنجاب ولكي تصرفه عن فكره الزواج من أجل رغبته في إنجاب الولد ولتثبت له أن البطن التي أنجبت البنت تنجب الولد بإذن الله، كان قلبها يكاد ينطلق من قفصه، وآلام المخاض تشتد ثم تهدأ فتختلط عليها الصور والذكريات لتعاود الآلام تشدد مرة تلو الأخرى، بدأت صرخاتها تعلو وتشنجاتها لا تتوقف وترهق جسدها غير القادر على تحمل المزيد،تناهى إلى مسامعها همسات بعض الممرضات أنه قد طال الانتظار، خشيت أن يكون ثمة ما يستحضر الخوف على الجنين، تمتمت بكلام غير مفهوم قبل أن تفقد الوعي، رأت الأشياء حولها يلفها السواد، حالتها تسوء أكثر، استغاثت الطبيبة بالأخصائيين لمتابعة حالتها المستعصية حتى تمت عملية الولادة وكان الطفل بصحة جيدة بينما كانت خديجة قد خضعت سريعا لجهاز انعاش القلب لأن قلبها توقف وكانت في غيبوبة، بهذا أخبرت الممرضة الزوج القلق خارج القاعة، مد يده إلى طفله واحتضنه، أعادت الممرضة عليه السؤال إن كانت زوجته تعاني من أي مرض، نفى الزوج علمه بأي مرض يكون قد أصابها ولكن الممرضة أكدت له أنه ليس السن عاملا قويا لصعوبة الإنجاب. طمأن الأب هاتفيا بناته بأن أخوهم بصحة جيدة ولكن أمهم حاليا في غيبوبة، أسرعت إحدى بناته بالاتصال بخالهم أخبرت بما كان فعاتبهم أشد العتاب أنهم لم يخبروه قبل ذلك، صارحوه أن والدتهم هي من طلبت منهن ذلك حتى لا يقلق، نزع مئزره واستقل سيارته مسرعا نحو المستشفى، دخل غرفة الولادة بعد أن عرّف بنفسه وأخبر الحاضرين أنها تعاني من مرض بالقلب،وفهم من تعليقاتهم أنها لم تصارحهم بحقيقة حالتها الصحية، فملفها الطبي خالي من هذا المرض وقد كان بالإمكان إجراء عملية قيصرية لتجنيبها آلام المخاض وعسر الولادة، وبعد عدة محاولات لإنعاش قلبها توقف النبض وأسلمت الروح إلى رحمة ربها، وتوقفت الأجهزة وخفتت الأضواء وسكن كل شيء ولم يبقى سوى صراخ شقيقها يناديها مرات ومرات أن تفيق لترى ابنها الذي تمنته، كان الأسى يعتصر قلبه ودموعه تغالب جلده وتقسو على تماسكه، حاول إفراغ غضبه على زوجها وتوجه إليه ساخرا : " ها قد أنجبت أنت الولد وتركت هي لك الدنيا وما فيها " وهذا اعتقادا منه بأنه كان يعلم بصعوبة حالتها الصحية، لم يكن شقيقها يدري أنها أخفت الأمر حتى عن بناتها أيضا، كن يجهلن حقيقة مرضها. طلب شقيقها من إدارة المستشفى الإسراع في اجراءات الخروج، كشف وجهها يريد تقبيل جبينها، كانت مأساة الفراق مرسومة على ملامحها ولكنها لا تخفي تقاسيم وجهها الملائكي الجميل، ظلت ممددة وسط بناتها اللائي كانت لهن الأم والأخت الكبيرة والصديقة، تأملوها وفي عين كل منهن يقفز وعدهن لها أن يبذلن كل ما يمكنهن لرعاية أخيهم ليشب رجلا كما أحبت أن تراه.
تم الدفن وتفرّق المعزين، وبقي الخطب كبيرا، لم تتحمله أصغر بناتها التي تعرضت للإغماء عدة مرات، ظلت جدتهن بجوارهن وتمسكت أن يبقين إلى جانبها، مرت الأيام طويلة، كئيبة، وصارت أجواؤها رمادية أغلق البيت أبوابه على ساكنيه بعدما غادرته روح رحلت عنه وروح مقبلة على الحياة وجدت لملامحها موقعا داخل إطار الأرابيسك المعلق منذ سنين بلا ملامح.
***
قصة قصيرة: صبحة بغورة

يا أيها الزمن،

لستُ رجعياً،

لكن طريق القصيدة

لا يصلح أن يخرج من بين يدي

شاشة صماء.

*

القصيدة حية،

تمشي،

تتوقف،

تحب،

تكره،

تحزن،

لذلك لا يمكن حجرها

في منطقة صماء،

قد تموت بفعل حركة طائرة،

أو صخب عالم لا يعترف بمسيرتها.

*

أين هي الحياة في هذا الجمود؟

كيف نُجمد الكلمات

بين شفاه لا تهمس؟

كيف نختصر الأمل

في طيات سطرٍ لا ينبض؟

*

القصيدة لا تُكتب على شاشات فارغة،

إنها تتنفس بين الأيدي

وتسكن في القلب،

في اللمسة، في الكلمة التي تطير.

*

أصواتها لا تتردد

إلا في الطرقات المفتوحة

على مصراعيها

للمشاعر.

*

فكيف،

كيف نغلقها

بين صفحات لا تحمل الروح؟

كيف نحتجز القصيدة

في لحظة لا تعرف الخروج؟

*

إن القصيدة ليست حروفًا مُركبة،

إنها قلبٌ يتأرجح،

تأخذه الرياح،

ويمشي تحت المطر،

يحب الحياة

ويحارب في صمت.

***

د. جاسم الخالدي

لم اعد اقوى

على الدوران على

ذاتي فعلي بالمكاشفة

وعلى عرض كل

مرايا الاحتمالات

على شاشات ذاتي

والتي اثقلتها

اشواك الترقب والنسيان

وعلي ان انير

كل ظلال

ذاكرتي

المملوءة بالحزن

بالالم وبالارتهان

بنور الشمس

وبهالة القمر

وان ادعو كل

عنادل الحقل المستباح

كي تعزف على

قياثر ونايات قلوبها

لحن الخصب

لحن البهجة الخضراء

ولحن المطر.

***

سالم الياس مدالو

نشأت في بيئة صالحة، وترعرعت في دفء أحضان والديها تستمد منهما الحنان وحسن الخلق والأدب الجم وحب التعلم والإيثار من أجل إسعاد الآخرين، والدها عامل البناء البسيط صالح، الذي كثيرا ما كانت تلح عليه زوجته أن يؤمّن نفسه ومستقبله بالعمل لدى مؤسسة حكومية حتى يستطيع مواجهة تقلبات الزمن وصد مفاجآته وما تحملها من مخاوف، ولكن زحمة الحياة ومشاقها تنسيه الأمر ثم يتم تأجيله يوما بعد يوم، كان كلما يعود إلى بيته تستقبله ابنته كريمة كعادتها أمام باب الباحة الواسعة حيث تبقى تنتظره مع شقيقها يوسف، كانت محبوبة الجميع الأصدقاء والجيران. بلغت كريمة سن الالتحاق بالمدرسة وظلت دماثتها مصدر حب صديقاتها لها كم كان تفوقها الدراسي سببا في ميلهن للتقرب منها والتودد إليها. شحن نجاحها الدراسي رغبتها في دراسة الطب، كان طموحا متنامي في ذاتها في تلك المنطقة النائية التي تقطنها حيث فضّل والدها أن يبقى مع أسرته بعيدا عن تسلط عائلته وتدخلهم المزعج في طريقة حياته وأسلوب معيشته، تاركا خيرات والده ومحلاتهم التجارية يستمتعون بها وحدهم، كان دوما يردد: " الهناء ولا الثراء " ويدعو الله أن يديم عليه نعمة الصحة. اعتادت كريمة أن تجلس القرفصاء قرب المدفأة الحجرية العتيقة المتخمة برماد الحكايات، فيما يتسلل صفير الرياح الليلية من شقوق النوافذ يحلو لها في هذا الجو أن يعبث والدها ب خصلات شعرها، وهو يعزز رغبتها بدراسة الطب ويمني نفسه أن يطيل الله في عمره إلى هذا الوقت ليرى الجيران يشيرون إليه في رواحه ومجيئه هذا والد الدكتورة كريمة، أمسكت كريمة يد أبيها الخشنة المشققة من أثر مواد البناء وقبلتها قائلة أنها ستريحه من تعب العمل وشقاء السنين، تأملها طويلا ثم عاتبها على جرأتها أن توقظ ذاكرته الراقدة في أحضان فرحته بها وتشعره بالوجع والاحباط، هوّنت زوجته الأمر على كريمة واعتبرت حديثه مجرد لغط أو تمتمات خجولة وتنهيدات تعب اليوم تترنح بين ضباب همساته الخرساء، لقد ترعرعت في رحم عمر التعب وهذا لن ينقص من عزيمتها، غمغمات النعاس تتزاحم إلى جفونه وهو يهرتل في الكلام فذكّرته زوجته بأن عليه أن ينهض باكرا فأمامه يوم عمل طويل وشاق، تنهد كمن يأمل أن يتحرر خارج جسده المتعب وكأن يخشى في الغد أن تحمله خطواته في سفر إلى المجهول، أفكار كثيرة تحاصره وتقبض على قلبه، استغفر ونهض ليتمدد فوق سريره، ظلت كريمة ساهرة في مراجعة دروسها حتى وقت متأخر من الليل، حلمها هو إسعاد والدها وترى حجم أحلامها الكبيرة في دفاترها وأوراقها كصورة ملونة شديدة الوضوح.
لم يمهلها القدر طويلا، لقد انتقل والدها إلى رحمة الله بشكل مفاجئ نتيجة جهد زائد، شعرت وقتها بسهام الوحدة تخترقها وجداول الروح حفت وصحت من غفوتها الناعسة، كانت طبول مبهمة تدق في أذنيها كأنها تنذر إيقاعاتها بزلزال مدمر لا يبقى ولا يذر كلما صادفت عمها الذي لم يكن أبوها يحبه لأسباب هي كانت تجهلها، تشعر أن حياتها ستأخذ منحى آخر وأنها بصدد بداية رحلتها الحقيقية في الحياة رفقة والدتها وشقيقها ولن تتراجع عن إتمام دراستها العليا برغم امتعاض عائلة والدها الذين طالما سخروا من فقر والدها، واجهت عمها الذي تراه لأول مرة، يبدو أنه يعاني من إعاقة خفيفة في ساقة لذا يتكأ في سيره على عصا غليظة كانت عيناه تبث شررا وهو يصيح في وجه أمها أنه من الآن فصاعدا لا بقاء وحدهن في هذا البيت، نادت حينها كريمة والدها " أين أنت أيها الرجل الساكن في طيات زهوري الذي يفوح بك شذاها عطرا نادرا ويملأ أركان دنياي، أين أنت أسمعك ضحكة طفل نقية ينشق لها معك أفقي سعادة، في حياتك كنت أرى صفاء السماء وأمسك بالأمل الهارب رغم الصعاب، يغمرني الحياء حتى تأخذ بصري هيبتك، كنت لنا الغيث وأنا الأرض العطشى، فحدائقي الغنّاء أصبحت مقفرة بعدك، سيدون الزمن أن ساعة رحيلك رحيلي "ناجت أبيها وهي تعتقد أنها تملك قدرة إعادته إلى الحياة في قلبها بعد أن اختار الموت فيها حبا. صراع مرير بين الصبر والجزع، واليأس والأمل، العبارات تنهمر دموعا لتزيح قسطا من الحسرة عن فؤاد مكلوم ونفس مثخنة بالجراح. السيارة تطوي المسافات سريعا و دون توقف إلى ما لا تتمناه، ، تشعر أن وجودها أصبح وهميا وانها تحلق نحو أجواء يصعب فيها التمني، على جانبي الطريق يبكي المطر الراحل، فتدرك أن لوحات الطبيعة ليست صامتة بل تمنح لها الحياة والهوية بتفاصيلها ورموزها. وصلوا إلى بيت العائلة الكبير وقبضة تشتد في قلبها تجرها إلى أن لو كان بمقدورها أن تعود أدراجها إلى المكان الذي ودعته بالدموع بعدما ألفته وتحتفظ فيه بأسعد الذكريات، كلها أمل أن تعود يوما إليه، جلست على أقرب كرسي وبقيت صامتة تتأمل حولها، تعاقبت عليها وجوه لا تعرفهم ولا يبدو أنها ستألفهم من نظراتهم الحادة، أدركت حينها لماذا فضّل والدها الابتعاد عنهم .
مرت الأيام عليها في عسر وضيق وعلى مضض، الكل يأمر وينهي، يحلل ويحرم كما يشاء، وعبثا حاولت والدتها تهدئتها حتى لا تبقى دائما تتساءل عن ما الذي أجبرهم على المجيء إلى هذا المكان، تساءلت وهي تعلم أنه جبروتهم، لقد ملّت لعب دور الخادمات وتلقي الانتقادات الجارحة التي لا تنتهي وكأنهم القوم الكافرون، ترجتها أمها أن تلزم الصمت على الأقل حتى تجتاز امتحانات البكالوريا وتنتقل إلى الجامعة ويكبر شقيقها وبعدها سيكون لكل حدث حديث وبالتأكيد سيكون هناك حلا لمشكلتهم . بدأ الموسم الدراسي، وجاءها عمها حيث كانت وجلس كعادته ووضع الساق فوق الساق وقطّب جبينه وحدثها ببرودة مراوغا في أمر كانت قد رفضته مرارا فهي لا تحب من يملي عليها الأوامر فلقد رباها أبوها على الحرية والصدق وتحمل مسؤولية قراراتها، استدارت إلى عمها وثبتت نحوه نظرات القلق مستفهمة في خجل عن ما يريد بالضبط، صارحها بفظاظة أنه أخبر والدتها أن عليها أن ترتدي الحجاب، خفّف من وقع كلامه بابتسامة عريضة ساخرة وهو يداعب لحيته المخضبة بالحناء ويدفع ساقه المكشوفة في الهواء، تشدد في طلبه، وتمسكت هي بأن الأمر يخصها ولا دخل لأحد فيه، احتد عليها بعصبية مشددا على أن الكل هنا يتبع أوامره وينقاد له، قالها وهو يتقدم نحوها بخطوات اهتزت لها الجدران وكانه يقرأ من أحد دفاتر مسوداته اللعينة التي خطها وألفها خلال سنين قضاها بين الكتب الصفراء يحاول مرة أخرى ولعلها الأخيرة كي تعدل عن رأيها زاعما أنهم في مجتمع رهين العادات والتقاليد .. وأصول الدين، ولكن كريمة بقيت على عنادها فرفع يده وضربها ضربة أسقطتها أرضا، أسرعت إليها زوجته وزادتها ضربا صارخة أن هذا ما يليق بهذه الفاسقة، وأن مكانها هو البيت وستزوجها لشقيقها الذي كان قد عاد لتوه من أفغانستان، فهو من سيعيدها إلى جادة الصواب، أصرت كريمة على موقفها وصاحت بأعلى صوتها أنها لن تتراجع عن رأيها، اشتد الحنق بالرجل وزوجته وأخذا يركلانها بكل قسوة في بطنها ورأسها، وكلما تمسكت بموقفها زاد غضبهم الأعمى واشتد تنكيلهم بها وتوالت الشتائم الشخصية والتهديدات المروعة فعلا صراخها من شدة ألمها أكثر وتقسم أنها تتقي الله ولا تغضبه في أي أمر، هرعت أمها نحوها فور سماع صراخها فقبضت على زوجة العم وأبعدتها عنها وصاحت عليها عدم التدخل وأن عليها أن تتأدب فوالد كريمة أحسن تربيتها، بقيت كريمة أرضا صامتة مطبقة بقوة على شفتيها مصممة على موقفها وزوجة عمها المنتصبة أمامها كالوحش تستشيط غضبا منها وترمقها غيظا ثم تعبر فوق رأسها وتنظر ساخرة إلى بقع الدماء المتناثرة، عبرت فوقها مزمجرة بهدير صوتها القبيح المتوتر وقد كادت كريمة أن تموت بين يديها، ابتعد عمها عنها أيضا ولكن نظراته الحادة ظلت معلقة بها، لقد عجز عن فرض رأيه عليها، يعلم أنها كانت عند والدها المدللة وأنه كان يحبها ويتقبل دائما آراءها بروح سمحة، بقي برهة صامتا يدفع زفيره الحاربقوة وشفتاه ترتجفان حنقا عليها وكأنه يخفي نوايا ماكرة في نفسه، ابتسم ابتسامة خبيثة ساخرة ثم صاح في والدتها وهو في ذروة الغطرسة ملوحا بيده ومهددا إن لم تتراجع عن رأيها سيوقفها عند حدها، سيمنعها عن مواصلة الدراسة وستبقى خادمة للجميع في هذا البيت .
كانت كريمة متفوقة في دراستها دون غيرها في العائلة من بنات وأولاد عمها الذين أخفقوا في مواصلة التعليم منذ المراحل الدراسية الأولى، وهذا كان سببا رئيسيا لمعاداة زوجة عمها لها ولمحاولة منعها من مواصلة التعليم غيرة منها، إنها في نظر زوجة عمها الفتاة الأكثر علما وخلقا وجمالا التي تجذب بشدة أنظار الشباب الراغب في الزواج وهي تصرف انتباههم نحو بناتها وإبقائها تحت سيطرتهم في دارهم، كانت والدة كريمة على علم بهذا النية منذ أن أجبروها على مغادرة بيتهم ولكنها تعلمت من زوجها الراحل كيفية تسييس الأمور والصبر عليها، تعلمت أن في الحياة ما يستحق وقفة تأمل لترشيد التدبير، أما عمها فكان شديد الحذر من أن يعي شقيق كريمة يوما حقه في ميراث أبيه الذي كان والدهم قد عفّ عنه لتجنب الخصومة مع أخيه فآثر الابتعاد عن البلدة كلها، فأراد العم قهرهم وإذلالهم حتى لا يطيقون مواجهته ولا يجرؤون أمامه على المطالبة بأي حق لهم، لقد قام بتوزيع ما ورثه وما اغتصبه من ميراث أخيه سرا على أبنائه وبناته، وأصبح أمرا مقضيا لدى كل سكان البلدة.
هكذا فقدت كريمة عائلتها نعمة الطمأنينة والراحة وطعم السعادة، أصبحت بذاتها جسرا إلى العذاب بعدما غادرتها الابتسامة التي كانت تعلو طويلا وجوههم، وبعد أن كانت تشحذ همتها لتواصل طريقها، لقد تعلمت من أبيها أن الحياة مد وجزر، وأن المؤمن حقا هو الوحيد الذي يدرك معنى القناعة التامة والرضى بما رزقه الله، الإنسان بطبعه ميّال للأفضل ولم لا مادامت الظروف تسمح بذلك، الإنسان مأمور بالسعي والعمل تلك حقيقة ثابتة من أجل الخير في الحياة الدنيا، تنهدت كريمة تنهيدة عميقة تناجي روح والدها من هؤلاء الهمج. استمر الخلاف مع عمها بسبب هذه القضية، وذات يوم تحول تطور فيه الخلاف إلى ملاسنات وتعنيف بينهما ثم تحول وصار شجارا شديدا، انصرفت كريمة من الغرفة دون مبرر وبغير إذنه مبررة تصرفها بأنها في السنة الأخيرة من التعليم الثانوي وليس مطلوبا كلما توجهت للدراسة أن تستشير أحدا، لم يكن والدها هكذا، صاح فيها عمها أن والدها شيء مضى، وهنا شيء آخر، لم تكترث كريمة لقوله، وأسرعت إلى غرفتها تريد الاحتماء بأمها، لم تجدها، تبعها وانهال عليها ضربا، وفي غمرة غضبه الهستيري سحب منديل رأس أمها وخنقها به كانت تستغيث بأمها الغائبة عنها، وفي تلك اللحظة ولما تأكد من موتها على يديه قام ورفعها ليعلقها في نافدة الغرفة حتى يوهم الجميع بأنها انتحرت، كان أخوها في الأثناء في حديقة المنزل قد تتبع مشهد تعليقها من الخارج، أسرع إلى الغرفة ووجدها مشنوقة، مزق منديل الرأس محاولا انقاذها لكن روحها الطاهرة كانت قد فارقت الجسد، نقلتها والدتها إلى المستشفى حيث أكد الطبيب الشرعي الوفاة غير الطبيعية وأظهر كشف الفحص الطبي أثر الخنق وعلامات المقاومة الشرسة، فتم تحويل القضية للتحقيق القضائي لبحث خلفيات وملابساتها .
***
قصة قصيرة صبحة بغورة

الشاعر وحده،

يجلس في الزاوية القديمة

يبحث عن ورقة بيضاء

عن قلم قديم

اختفى كما اختفت الأشياء

*

سأل ولده

عن قلمه الذي ضاع

بين هاتفٍ، وتلفازٍ، وقيثارةٍ

وراديو روسي

يذكره بصوتٍ قديم

كان يرافقه ليلاً.

*

أشياء كثيرة

اختفت،

لكن لا شيء يُعادل

فقدان الكلمات

فقدان الحروف

التي كانت تنبض في القلب

وتتراقص على الورق.

*

لم يجد القلم،

فذهب إلى اللابتوب

فتح المتصفح

كأن الكلمات التي ضاعت

مخبأة في زاوية ما

ربما هنا

في هذا العالم الافتراضي.

*

لكن الشاشة لا تحمل شيئًا

فقط أضواءٌ خافتة

تلمع على الواجهة

ولا شيء يكتب

إلا الفراغ

*

الشاعر وحده

يحاول أن يجد

أداة جديدة

لكلمات قديمة

يبحث عن لحظة

يرتد فيها الزمن

إلى الورق

إلى القلم،

إلى الصوت الذي يعلو

في غياهب الماضي

***

د. جاسم الخالدي

في مدينة ساحلية هادئة، عاش "يوسف"، وهو رجل مسنّ، يعمل صيادًا منذ صباه. كان معروفًا بين الناس بسخائه وابتسامته التي لا تفارق وجهه، حتى في أصعب الظروف.
في صباحٍ مشرق، جلس يوسف عند الميناء يُصلح شباكه الممزقة. مرّ به شاب غريب يُدعى "كريم"، تبدو عليه علامات الإرهاق والجوع. جلس بالقرب منه دون أن ينبس بكلمة، فتوجه يوسف نحوه قائلاً:
يوسف: "السلام عليك يا بني. تبدو مرهقًا. هل تحتاج إلى شيء؟"
كريم (مترددًا): "لا، شكرًا. أنا بخير."
ابتسم يوسف بهدوء، ثم أخرج من حقيبته رغيف خبز وقطعة سمك مشوي، ووضعهما أمام الشاب.
يوسف: "هذا قليل من طعامي، خذه لتقوي نفسك. الصيد يحتاج إلى قوة، أليس كذلك؟"
كريم (مندهشًا): "لكن... أنا لست صيادًا."
يوسف: "إذن، ماذا تفعل هنا؟ يبدو أنك غريب عن المدينة."
تنهد كريم، وكأن كلمات يوسف أذابت شيئًا من قسوة الأيام في صدره.
كريم: "أنا هارب من ديوني. كنت أعمل تاجرًا، وخسرت كل شيء بسبب سوء حظي... أو ربما سوء تصرفي. لم أعد أملك شيئًا."
نظر يوسف إلى كريم بعينين تحملان حكمة السنين.
يوسف: "يا بني، البحر يُعلّمنا درسًا مهمًا: عندما تُمزق الأمواج شباكنا، لا نتركها، بل نُصلحها ونُعيد المحاولة. هل فكرت في أن تبدأ من جديد؟"
كريم (بأسى): "وكيف أبدأ؟ لا مال لديّ، ولا أحد يساعدني."
نهض يوسف، وأشار إلى قاربه البسيط.
يوسف: "تعال معي. سنخرج للصيد. البحر لا يخذل من يطلب رزقه بإصرار."
ركب الاثنان القارب، وأبحرا في عرض البحر. علّم يوسف كريم كيف يُمسك الشبكة، وكيف ينتظر بصبر حتى تنضج اللحظة المناسبة لرفعها. عندما عادا إلى الشاطئ، كانت الشباك ممتلئة بالأسماك.
يوسف: "هذا نصيبك من الصيد. بِعه في السوق، وابدأ به حياة جديدة. لكن تذكر، يا بني، أن من يبدأ بعزم وإيمان لا يعود فارغ اليدين."
امتلأت عينا كريم بالدموع، وقال:
كريم: "لماذا تفعل هذا لأجلي، وأنت لا تعرفني؟"
يوسف: "لأننا بشر، يا بني. وما نفع العمر إن لم نكن عونًا لبعضنا البعض؟"
مرت السنوات، وأصبح كريم تاجرًا ناجحًا مرة أخرى، لكنه لم ينسَ ما فعله يوسف. كان يعود كل أسبوع إلى الميناء، يحمل الهدايا للرجل الذي علّمه أن الطيبة يمكنها أن تُعيد الأمل لمن فقده.
***
بقلم: د. علي الطائي

 

أقف على المنصة

كمن يواجه المجهول

قصيدتي بين يدي

أبشّر بها كأنها نبيٌّ

لكن الجمهور

مجرد مقاعد شاغرة

وأصوات صامتة.

*

شاب يقف في منتصف القاعة،

ينظر إليّ بعينين مملتين:

"لماذا تريد أن تصلنا القصيدة؟

لسنا بحاجة إلى صوتك،

ولا إلى كلماتك."

*

العرب لم تعد تحتفل بالشاعر

لم تعد تولد القصيدة

في خيمة

ولا تصدح في مجلس

*

تكتب مشاعرنا الآن

برمجةُ حفنةٍ من الأوامر

*

أفكر في جنوننا القديم،

كيف كنا نسهر الليالي

نفتش عن قصيدة تليق بنا

نحفر الأفكار

في قلب الليل

علّها ترفع عنا حزن الفصول

وكيف كنا نحتفل بكل معنى

كأنه نجمٌ جديد.

*

لكن اليوم

القصيدة تسقط

كأي خبر عابر

لا أحد يراها،

ولا أحد يسمعها.

*

وأنا

الشاعر الذي يقف وحيداً

أكتب لأملٍ قديم

أن تعود الكلمات يوماً

إلى قلوب الناس

أن تستعيد القصيدة

سلطتها الأولى

وتصبح مرة أخرى

وطنًا للصوت

والذاكرة

والوجع.

***

د. جاسم الخالدي

يُحَيّي سماءَكِ البحرُ الدُّرُ الوَهَّاجُ

يا مليلية في ليالي الشِّتاءْ

أنا الريفُ الحُرُّ

من بريقِ ضوءِ ثغركِ البسّامْ

من رعشاتِ أحشاءِ

الأرضِ، الأم، والأجدادْ

ليت شعري!

يُسامر لَيلي

يختفِي خلف عتباتِ "بني أنصار"

يحتمي قصيدةً ومحبرةْ..

رجالٌ صدوا أشرعتهم وجه الغَمامْ

صانوا عهود الأمازيغِ الأحرارْ

أما كان الاقدام يعصف حدود اللئام؟

أما كان النور يُزلزلُ صدى القباب؟

إلاّكِ يا مليلية نلوذُ ونغني

غِناء الطير، للمكان، للإنسان

فوق السُّهْبِ، وفي كنفِ الأغصان.

أما كانتْ مُثْقلةً تَتدحرجُ بالثِّمارْ؟

إلاّكِ يا مليلية الشجانْ

نحتمي احتماءَ النوارسِ الأحرارْ.

يا زهرة على أشواكٍ بريةْ

على حقولٍ مغربيةْ

على ضفاف المتوسطيةْ

هنالك.. سبَّح الكروان وصلى

تحت ظلالِ الزيزفون

تحت السَّفحِ، وفي المدى

مُغازلاً الحمائمَ الأحرارْ

لمعركة مليلية، يَبُوحُ التاريخُ

تحكي المقاومة، تَهتفُ الذاكرةْ...

كانتْ "وادِي الذئب" طوفانًا

نقمةً، هزيمةً، نكسةً

وانكسارَا

أين مني زمن "سيدي ورياش"

السيلُ العرمرمُ

مُلتهمًا مَتَارِيسَ الإسبان؟

وهل تخفى عبقرية "أنوال"؟

سَل الخيل والمهماز والمقبرةْ

سَل الرياح اللَّواقِحَ والمَدْغرةْ

سلْ كانونًا، وأيارًا، و"سِلْبِسْتْرِي" الجنرالْ

سلْ "ألْفُونْسُو الثالث عشر"

عن زئيرِ أسدِ الريف

عن ذكرى الكفاحِ والتحريرْ

هذي رياحُ الناظور تهيم شوقًا

تنادي مليلية من علٍ

تُحيي أعطافها، تَتَغنى لَفتاتها،

تَصطلي ظلَ قصيدتها، وتقولُ:

ما أهون الدمع على خدكِ

الجريحِ الصادعِ

بطاءٍ، وسينٍ، ونونْ

كاللؤلؤ المكنونْ

ما بال قومٍ غزاةٍ بُهتوا

في قلاعِ الحصونْ

من غبارِ الريحِ

كالعِهْن المنفوشْ

يَهمسونَ، يَرقصونَ، يُقهقهونْ

تحتَ نيران الجمرِ الحزينِ

تحت أوكارِ القُّباراتِ

وفي فخاخٍ

على أنصابٍ غيرِ متقابلينْ

يتغامزون، يتنامرون، يمكرونْ...

فكثيرُ المقاومةِ.. ما كان قليلاً قليلاَ.. يا جارةْ!

وخلود الأبطال.. كان كبيرًا كبيرَا.. يا عمةْ!

عودي إلينا يا مليلية

عَوْدَ القطرَ للزرعِ

من معدنِ البرعمِ المُتفتِّحِ

من ماء النهر المتدفقِ

عودي للوطن المتلألئِ

حُبًّا صدقا حقا

هذا مغربُ اللهِ شعاعٌ منيرٌ

من نبض أنفاسِ الريفِ الكبيرِ

من روح السيّدة التمسمانيةْ

"رَالاَّ بُويَا"

إلى المقاومةِ البكرِ الأبيةْ

لروح الشريفِ أمزيان

لطارقٍ، وعقبةَ، وتَاشفينْ

ها هي ذي أوثارُ المقاومةِ

تُحلِّقُ كالمزنةِ العليةْ

وفي المدى قرنفلةً أرجوانيةْ

ما بقي منها لا يروي الظمأ

ما بقي منها لا يسدُ الرمقْ

ما بقي منها يجري مجرى الضلوعِ في العُقَدْ

ريفنا قلعةٌ صامدةٌ يعتصمُ بها النُّبْلُ المغربي

ريفُنا شرفُنا

ريفُنا كرامتُنا

ريفنا عزتُنا

ينبتُ من تُرابه

يحيا من رمادهِ

إنك حيٌّ فينا ونحن غيرُ أموات.

***

بقلم: محمد الشاوي

همس في اذني

ذات مساء

هدهد

قائلا

من هنا مرت

قطعان

الذئاب

فحذار

حذار

الطريق

ملغوم بالعواء

فصدقت ما قاله

لي الهدهد

فغيرت طريقي

ثم همست في

اذني عصفورة قائلة

هناك خلف التلال

كروم تأكل منها ما لذ وطاب

من الثمار

والاعناب

وحينما عبرت التلال صوب

الكروم كانت الشمس تشرق

بهية بهية في قبة السماء

وينبوع من الزمرد والياقوت

يجري في عمق واد اخضر

ثم همس في اذني ثعلب ماكر قائلا

هناك على ساحل بحر الوقت

اشجار مثمرة وحدائق غناء

تسرح وتمرح بها الطيور والفراشات

وحينما ذهبت الى ساحل البحر

لم ار لم ار

سوى ألسنة نار

واعمدة دخان

اعمدة دخان كثيفة سوداء وخراب

***

سالم الياس مدالو

منذ التقيت بقلبي

أمام فوهة بندقية عابثة

في يوم بارد

والعائلة تلملم صوتها

خلف الباب محتدمة

صادفت أول المغامرات

أجلستني على طريق الأماني

طريق الأسلاك الشائكة

لماذا هذه البندقية عابثة وباردة

لماذا الأصوات خلف الباب خفيضة وحارة؟

منذاك

وأنا أعالج الفاصلة الجالسة على تخوم القلب

هبة السماء، هبة الوطن، أو حتمية المصير

منذاك

وأنا حائٌر كيف أرقع خطواتي إلى ما أضنه البيت

بيت لي في حجارته بعض ما حفرت ونسيت

تاريخ ولادة مهمل، مكان ناقص، لا أعرف من أين إليه أتيت

نخلة كانت تأخذنا لظلها هززت جذعها وقبل هطول الندى تواريت

كان فيما مضى لي بيت وغيمة على بابه

لاعبتها كم أجبرتني على الانتظار كحجرة من أحجاره

لحين بزوغ الشمس لأمرح أمام عنوانه

هو البيت

منذاك وأنا والحقائب وطير الصبح والأشواق نرنو إليه

فهل كل هذا بيت

**

قبل أن أتعرف على الكلمات، عندما رأيت حكمائنا يحصون أفراد عوائلهم

على غير عادتهم الصباحية بين حرائق التبغ والشاي

على غير مزاجهم لمقاومة ضجيجنا أمام عتبات الديار

جديتهم تلك الفاصلة الكبيرة بين ارتخاء الصمت الغامض

على غير العادة بإصغائهم لجهاز الراديو

يكررون الكلمات تتراقص بلا معنى أمام ألأحداق

قبل أن تلتصق بالفضاء

أولئك نلم إرثهم

نحمله خلفهم ونمشي بلحظات الوداع الاخير

بما فيهم ذلك الوسيم الطالع بحنوه علينا كظل

عندما دحرج كلمة لا غير

كوجه الحق

إنها كلمة لاغير

لقد جاء البرابرة

قالها ثم طواه النسيان

**

عانقت أجمل الأوقات

ألتي ترعرعت بزمن لا يذكر

أغسلها بماء الورد وراقبتها لتكبر

أفرش لها راحة اليد عند النعاس

تَعُتَني أو أعِتُها لكنها لصقي تمسك قلبي مهما مشيت

**

لقد جاء البرابرة

ليذهب برابرة

هكذا منذ وضعت يدي على قلبي

وتمليت كرة النار من فوهة الصباح البارد

منذ عرفت بأن لي قلبا تناهشته الضواري

وشيوخٌ محتدمون بتفسير معنى الوطن

***

رضا كريم

 

طاقةُ العُدوانِ فينا أوْلعَتْ

نارَ حَرْبٍ للبَرايا سَجَّرَتْ

*

دونَ عَقلٍ خَلْقُها فيها كَبى

بنفوسٍ نحْوَ شَرٍّ أمَّرَتْ

*

أيْنما طِفنا وَجَدْنا خائِباً

وحُشوداً بالخَطايا أمْعَنَتْ

*

بيْنَ جُوعِ ثمَّ فُقرٍ مُدْقِعٍ

وثَراءٍ لوحوشٍ قدْ سَطَتْ

*

ثرْوَةُ الأرْضِ بخَلقٍ إثْمُها

وعلى الآفاقِ صارَتْ واسْتوَتْ

*

وعيونُ الناسِ أعْماها الضَنى

ودُموعُ الروحِ مِنْها أُهْرِقَتْ

*

وبَرايا بضَلالٍ إخْتَبَتْ

وبضيْمٍ عِندَ ترْبٍ إنْتَهَتْ

*

طبْعُ غابٍ لا يُدانى طبْعُنا

أقوياءٌ بضَعيْفٍ فتَّكَتْ

*

ما لنا عَنها خَيارٌ عادلٌ

إنَّما العَدْلُ عدوٌّ ما بقتْ

*

كُلّ إنسانٍ يَراها كوْنَهُ

وبهِ الأكوانُ ثارَتْ واعْتدَتْ

*

شَأنُها الأيّامُ ساقَتْ رَكْبَنا

نحْوَ صَمْتٍ وغِيابٍ إهْتدَتْ

*

نكّأتْ جُرْحاً وجُرْحاً أحْدَثَتْ

وبجُرحٍ لجِراحٍ أوْغَرَتْ

*

إنّها دارَتْ وجاءَتْ غيْرَنا

ورُؤاها بحَديدٍ أطِّرَتْ

*

لعْنةُ الجلمودِ فاقَتْ وَعْيَنا

بدِماءٍ ودِماءٍ خُضِّبَتْ

*

يا نَجيعاً دافقاً فوقَ الثَرى

دَوْحةُ الأحْلامِ مِنّهُ أثْمَرَتْ

*

كلُّ جيلٍ داسَ جيلاً بَعْدَهُ

وكذا الأجْيالُ عنّا إنْزَوَتْ

*

طاقةٌ خارَتْ وأخْرى أرْمَضَتْ

وقلوبُ النشأ منها إكْتَوَتْ

*

فلماذا نَتوارى خَلفَها

وامْتلكنا كنزَ أمٍّ أشرَقَتْ؟

*

يا رَغيْبَ النفسِ يا جَذوَ الوَغى

إسْحَقِ الدونَ بنَفسٍ إرْتَقَتْ

*

بينَ لوْمٍ واسْتكانٍ هادئٍ

ونُزوعٍ لرَغيبٍ أضْمَرَتْ

*

مِحْنةُ الإنسانِ في ذاتٍ حَوَتْ

خُلقَ الترْبِ ومِنْهُ إرْتَوَتْ

*

قالتِ الأيّامُ دَعْها كيْ تَرى

فتَمادَتْ بخَيالٍ وانْتهَتْ

*

بلجامٍ من حَديدِ المُحتوى

قُيِّدَتْ روحٌ بنَفسٍ إنْبَرَتْ

*

كحِصانٍ لهواها قد مَضَتْ

بجُموحٍ فائقٍ ثمَّ اشْتَكَتْ

*

بشرٌ ناءَ بباءٍ قابضٍ

كقِناعٍ فوقَ رأسٍ أُلبِسَتْ

*

فتَعلمْ كيْفَ تَبْني صَرْحَها

واطْعمِ النَفسَ مُراداً إشْتَهَتْ

*

وتَهادى بفَضاءٍ غامِضٍ

وتَلاشى برياضٍ أشْحَبَتْ

*

إنّنا كونٌ وكونٌ ضَمَّنا

وعلى الأفنانِ روحٌ غَرّدّتْ

*

ما تسامى الوعيُ حيناً واسْتقى

من فيوضٍ في سَماءٍ أبْرَقَتْ

*

يا مُنى روحٍ بنفسٍ قيْدُها

هلْ سَننأى ولنا النَفسُ احْتوَتْ؟

*

أكلَ الترْبُ وعاءً خاوياً

وأراها لعلاءٍ أبْحَرَتْ

*

يا سماءً برموزٍ زيِّنَتْ

أطفأتْ ناراً ونوراً أوْمَضَتْ

*

كسَبتْ فيها علوماً لا تُرى

ثقلتْ حتى تهاوَتْ وانْزَوَتْ

*

أمّةُ الأخْلاق يا أسَّ الرؤى

ذلكَ الرأسُ نُهاهُ إنْطوَتْ

*

فلماذا بمَدارٍ سيْرُها

وخطانا إسْتدارَتْ وانْحَنتْ

*

عالمُ الغَيْبِ يَرانا كلنا

فاجْعلِ الفِعْلَ بَصيْراً ما دَعَتْ

*

سُلِبَ اللبُ وسادَتْ نَفْسُنا

إنَّهُ عَبْدٌ مُطيعٌ ما هَوَتْ

*

صَنَّعوا ديناً جديداً آثماً

وإذا النورُ كنارٍ أحْرَقتْ

***

د. صادق السامرائي

22\11\2021

أحْرَقوا بغدادَ يوماً تترُ

واسْتباحوا  فتنامى الخَطرُ

*

ذَبَحوا ألفاً وألفاً بَعدَها

ثمَّ ألفٍ تلوَ ألفٍ قَبروا

*

وجَعُ الأرضِ ببُغدٍ إنْضوى

وعلى الأفقِ جُموعٌ تُنْحَرُ

*

بَعضهمْ خانَ وكلٌّ إكْتوى

وإذا الناسُ بويلٍ يُدْحَروا

*

حَطبوا الأرواحَ طراً إنّهم

حَسَبوا الربَ بظلمٍ يأمرُ

*

تترٌ جاؤا بلاداً رَمزُها

قائدُ الدينِ ونَبعٌ يَغمرُ

*

جَعلوها كمياهٍ سُجّرتْ

وتوارتْ بزمانٍ يَغبرُ

*

ما لها الأيامُ فينا أوْغلتْ

وأرانا بأليمٍ نُطمَرُ

*

كيفَ جارتْ بعدَ أنْسٍ رائقٍ

وتَجلّتْ بسَعيرٍ تجْهرُ

*

بوحوشٍ دونَ باءٍ أشِرَتْ

وتواصَتْ بمَريرٍ يُزجِرُ

*

وأشاعوا جيفاً منثورةً

وإذا النارُ لخلقٍ تسقرُ

*

آفة الإنسانِ مِنْ طينٍ أتى

غلبَ الطينُ وخابَ المُنذرُ

*

ويلُ عَصرٍ بعُصورٍ إنْطوى

وبه الأجيالُ أصلاً تنكرُ

*

خيبةٌ تأتي وأخرى داهَمتْ

وكذا صارتْ عُلانا تَنهَرُ

*

والضَحايا مِنْ ضَحايا تَشتكي

بعْضُها أضحَتْ ببَعضٍ تُحْشرُ

*

وبها النيرانُ داءٌ شافيٌ

أكلتْ كلَّ جميلٍ يَبْهرُ

*

جَعلتْ فكرَ قرونٍ مَبعثاً

لدمارٍ ودخانٍ يَسعرُ

*

شربَ النهرُ مداداً أسوداً

زرقة الماءِ بحبرٍ يكدرُ

*

بعدَ عامين اسْتفاقتْ وارْتأتْ

نَصرُها شأنٌ عَظيمٌ يَبهرُ

*

جاءَ قطزٌ بجيوشٍ آمنتْ

بإلهٍ لعبادٍ يَنصرُ

*

وبجالوتٍ تعالتْ صيحةٌ

ربّنا الله إلهٌ أكبرُ

*

زعزعتْ أركانَ جيشٍ مارقٍ

حطمتْ وهماً تنامى يَدحرُ

*

وإذا الهولاكو فيها أرنبٌ

وأسودُ النصرِ منهُ أقدرُ

*

هربَ الحشدُ وفازتْ أمّتي

وبقطزٍ وبعزمٍ تثأرُ

*

عادَ منصوراً عزيزاً واثقاً

وإذا الأعوانُ رمزاً تنحرُ

*

ماتَ قطزٌ وتولّى غيرهُ

كلّهم غابوا وقطزٌ يَحضرُ

*

هكذا يُرْدى رجالٌ أسْهَموا

بفتوحاتِ زمانٍ يُبْصرُ

*

أمّتي فيها أباةٌ نازلتْ

كلّ ضيمٍ وتوارتْ تهْدرُ

*

يا عليلَ الشوقِ للمَجدِ الأبي

حَسراتٌ من فؤادي تقطرُ

*

كيفَ ذلوا مَجدنا في غفلةٍ

وإذا الذاتُ بإنّا تُهدرُ

*

علَّمونا كيفَ نحيا هَوننا

وارْتَضينا أنْ يسودَ المُنكرُ

*

داؤنا فينا عَضيلٌ قائمٌ

ولنا الدينُ بعَصْرٍ مَتجرُ

*

هكذا دامتْ وتَبقى حيّةً

تقتلُ الموتَ وموتٌ ينظرُ

*

موئلُ الآفاقِ نورٌ ساطعٌ

يمنحُ الأشراقَ فيضاً يغمرُ

*

مِنْ رمادِ الويلِ بغدادَ أتتْ

وتنادتْ لبديعٍ يعذرُ

*

خرّبوا العمرانَ فيها إنّهمْ

إسْتعانوا بجَحودٍ يؤمرُ

*

وكذا البهتانُ أحيا سَوْأةً

في وعاءِ النفسِ كانتْ تعصرُ

*

وبنا الأزمانُ جاءَتْ مثلها

وترانا في دماءٍ تَنعَرُ

*

ظلموا الناسَ ببُهْتٍ جائرٍ

تُبّعٌ قادتْ قطيعاً يُنهَرُ

*

قِطزها آتٍ ونَصرٌ همّهُ

وبهِ الإنسانُ كونٌ مُقمِرُ

***

د. صادق السامرائي

16\8\2023

قالوا: الانفتاح

وقرية  توعد

بشيء من الحميمية

وبعد الانطلاق

ها هي أنفاسنا تجرُّ أذيال أمنيتها

لئلّا يطالها

كدر قرية

يقهر

نقيق ضفادعها المذعورة

*

الخشية رفيقة

أنفاس

للتوِّ تهجّت

شهقاتها

المحلِّقة نحو مديات

توهم بالرحابة

على الرغم من

احتباسها

***

ابتسام الحاج زكي/ بغداد

 

لغةُ الكلامِ قد استحتْ

وقد انتهتْ

رغم المعاناةِ الطويلة

رغم المجافاةِ الثقيلة

هذا الصمودُ له العجب

ولن يُضاهيهِ الياقوتُ ولا الذهب

هل أنجب التاريخُ شعباً مثلَكم

في صبرِكم.. في بأسكِم

يُعلي الصمودَ كآيةٍ

في وجهِ هذي الأنظمة

لا لم أرَ ..

في كُلِّ عمري مثل هذي الملحمة

سكت الكلامُ تناثرتْ كُلُّ الكتب

يا للعجب

الغيظُ يملأُ قلبَ هذا المعتدي

فلن نراه ساكناً ولن نراه يهتدي

هم يقتلون.. هم يهدمون

هم يحرقون كُلَّ شبرٍ في القطاع

هم يمنعون الماءَ يجري في البقاع

وشعبُكم مهما يطولُ به الصراع

لا يخضعون لمعتدٍ

لا يتركون بلادَهم لمعربدِ

يا أهلَ غزةَ

مهما تخلَّى القومُ عنكم

أو ساءَكُم طمعُ الرعاع

طمعٌ به

خلعوا قلوبَ الأبرياء

فأشعلوا نارَ الإبادةِ والشقاء

وتسابقوا نحو الفناء

لكنكم..

مهما الأخوةُ قد تداعتْ

وأصابكم سُمُّ الأفاع

أنتم ثرياتُ الأمل

لتُضيءَ درباً تشتعل

يا أهلَ غزةَ

لم يبقَ من أطيافِ هذا الليلِ إلا ساعةٌ

مهما يطولُ الإنتظار

فغداً سينفكُ الحصار

هي ساعةٌ للهِ يا خيرَ الرجال

وغداً لكم يتحققُ الحُلْمُ المحال

هي ساعةٌ واللهُ يقضي

وهْو خيرُ الحاكمين

هي ساعةٌ والنصرُ يأتي

يشفي جراحَ الصامدين

هي ساعةُ الجبارِ تطوي

مكراً لقومٍ حاقدين

يا أهلَ غزةَ قد كفانا

اللهُ خيرُ الفاصلين

هو وعدُ ربِّي قد أتانا

والنصرُ للمستضعفين

***

محمد محمد علي جنيدي – مصر / بني سويف

 

تعالي افتحي مملكة عشق

تُخوم بحر صاخبٍ

يقضُّ مَضجعي بِعناقٍ ازلي

مُعلقٍ بفضاء سرمدي

بلا قرار

ساعة انتظار

لحظة انتحار

تعالي.. أروِ ظمأك المزمنِ

المُعتّق بحرمانِ الخيال الأعزل

من ينبوع نخلةٍ فارعةِ الظلالِ

تغتذي زُرقةَ السماء

تعانق مِدادَ الصحراءِ الهاجعة

في سكونها الغامضِ البهي

ولَهيبها اللافحِ بالحرمانِ الشقيّ

تتنفس في امتداد الأفقِ

حلما منسرحِا بلا نهاية

" 2 "

تعالي خذيني …

لدنياك المعلقةِ بوترٍ وهمي

ما بين اللحظةِ والجسدِ

مسافةً خرقاءَ يطويها الترقبُ

يَحرقها الحرمان

يَفنيها الوجدُ

يُحييها الاعصارُ المعتلجِ بالجسد شهوة

خذيني لعالمكِ الخرافي

خذيني لعالمك السحري

لمدارات عشقٍ نابضةٍ بالحياة

تنزل بنا شواطئ مجهولةٍ

تأخذنا في متاهة ألم ،

تعالي … إطوِ بقدميك الحافيتين

مسافاتِ الزمنِ المحترقِ بيننا

ولحظاتِ جُنون الانتظارِ

تعالي … اقتربي مني زيتونة الشمال

اخرجي إليَّ امرأةً

يَخضلُ نهداها بالزنبق والإزهار

وبعطر الجسدِ الملتهبِ ناراً

نرحل عميقا …

فينطفئُ شلال

خذيني لمسافةِ عشقٍ تَتَوزعها دمعتانِ

دمعةُ وَجْدٍ حَّرى

وأخرى حَرقةُ حرمان

اطلعي عليَّ كالصبحِ أَول النهار

جسداً خارجَ حدودِ الاسوار

مُكللاً بالغار

صورةً خارجَ الإطار

" 3 "

اطلعي عليَّ نخلةً مباركةً

تُساقط رُطبا جنيّا

انبَعثي من عمقِ ضياعكِ الذاوي

مِن زمنكِ التائه

من صَحراءِ هواكِ المُحرَّم بالقُبَلِ

واحتراقِ الجسدِ

نَبعا يَغتذيه الوَجْد

يبكيهِ الغزلُ

انبعثي منِ بحركِ الصاخبِ بلا قرار

دَعينا ندخلُ سويةً متاهةَ المٍ سرمديةٍ

تَتَقاذفُنا أمواجُ إعصار

نَلغي تَضاريسَ الجسدِ

تُوحدنا معاً

نَكون معاً

بلا حدود … بلا اسرار

دَعي ليَ رخامتي فيدياس (1 )

تغفوان فوقَ عشبي

فَوق صدري

تغرقان في صخبٍ مشتعلٍ باللحظة

تَوسدي صهيلَ القلقِ الهائج في جسدي شهوة

امتطي صهوةَ الصخبِ المائجِ

في عمقي الجامح بالرعشة

ينتشي الحب على شفاهكِ

رذاذاً ناعما يَنعمُ بالبهجة

وتعرشُ على راحتك المنبسطةِ

بتعبٍ دافقٍ زهرة

يَستحمُّ الهدوءُ الساكنُ بصمتِ المكان

بِلا زمنٍ

بلا همسٍ

بلا حركة …!!

***

علي محمد اليوسف

...................

* فيدياس نحات اغريقي

ـ إلى الأديبة الأستاذة رشيدة العسول

ينوء العجل عن بعضه،

لكنه يصبو عند فارقة الحب ..

ولو كان طفلا، لناجاه القلبان

واستلقى على فجر ..

طلوع آخر،

يقابله في مشرق لا حدود له ..

هل ترى رشيدة، كانت جود النواة،

في حضن الهوى،

في نزق الشوق الغزير؟.

ولما أصرت، ران هواها على قلبها المستكين

كما اشتد حرها وغلب الهواء هواها ..

يا خليلتي:

لست أنبئك، أين الهوى؟

بل أخال العين خامرها اللقاء.

يا صفيتي:

كل الجمال يعلو ناظره الجلي ..

كالسيف والمرآة..

تصبو بالغناء وتهتدي،

إلا في اشتمال النبل،

يقتضي أن يكون عسولا أو عسولا،

أو فرسا تضطرم في عدو النبال ..

يا رفيقة الحرف:

مهجة اليرقانات،

في امتلاء العطر..

كل الصداقات كطل حباب الماء..

وكل القطائف شراب، حلو انتشاء..

إلا ثغرك الملائكي،

كأنما قده ضوء ومبسمه صبح..

وحسبك عسال زهر ومعسول..

***

شعر: لالة مالكة العلوي

.................

* وليعذرني الشاعر الحلاج الكلبي الدمشقي أن أستعير من صورته الشعرية هذا النبع الصفي اللماح: كأنما قدها رمح ومبسمها...صبح، وحسبك عسال ومعسول

 

ركام

طفل من فلسطين

حولوا كل ما حوله الى ركام

بيته، سريره، كتبه واقلامه…

حدائقه ملاعبه…

سلبوه أحلامه، آماله وحياته

قصفوا عمره الغض

بحقد قنابل مدافعهم

صواريخ طائراتهم وبوارجهم

اخذوه من حضن امه

دون وجل

دون خجل

تباهوا بجريمتهم

ودفنوا جسده تحت ذاك الركام

ونسوا انه كطائر الفينيق

يرتقي الى السماء

ويبعث من تحت الرماد

**

بحر

لا تعيبه ملوحة مياهه

ويزهو بزرقة لونه

**

نسمة

تختزن في رحمها

العواصف

**

قلم

لا ينفذ مداده

يسطر مفردات الحرية

**

قصيدة

في ابياتها فضاءات

ومدى من المعاني

**

الحياة مسيرة لا تتوقف

وتتوارث أيامها الأجيال

***

عباس علي مراد

 

للهِ قلْ واصمتْ ولا تَشْكُ القدر

اللهُ أعلمُ بالأمانِ وبالخطر

إن الحقيقةَ كُلَّها في علمِهِ

وهو الذي يَكْفِيك من شرِّ البَشَر

ولَرُبَّ قلبٍ يُرتَجَى من صبرِهِ

غيثاً جميلاً لا يُمَاثِلُه مَطَر

من شاء ينجو فالنجاةُ بحولِهِ

واللهُ أولى بالمحبةِ والحَذَر

نسعى إلى دنيا وفانيةٌ هِيَ

تجري بنا والرُّوحُ دوما في سَفَر

يا ربِّ إنَّك قد عَلِمْتَ بضاعتي

فارفقْ بروحي نحو هذا المُسْتَقَر

العفوُ عَفوُكَ يا مُجِيري خُذْ يَدِي

إنِّي احتميتُ بذاتِ رَبِّي المُقْتَدِر

***

محمد محمد علي جنيدي – مصر / بني سويف

 

اعلان حالة وهم

واهم،

ثم،

واهم،

ان تقدمت خطوة..

ولن تجد حتفك..

فبئر الشوق عميق،

ندائي لك،

وطلبي،

من حلمك لابد أن تستفيق.

.

.

مــرارة

تجرعت كأس الهجر مرّا..

وتشرب نخب الفراق احتفالاً..

سامسح تلك الأيام

من ذاكرتي..

وابقى كما أنت..

*

ابقى مع

أحلامك..

أمالك العقيمة..

ساتركك،

*

لآنك أتعبتني

ولن أقبل  منك عذرا ً.

.

.

رحيــل

تساقطت أوراقي

وتكسرت أغصاني

كشجرة يابسة عطشى..

رحل عنها ربيعها..

برحيلك.

.

.

فــراق

تبا لك ايها الليل

إنك تثير شجوني..

ترفق بحالي..

فلست على فراقهم أقدر..

ولا بطولك ابالِ..

.

.

مغــوار

استميحك عذرا أيتها الكلمات

ربما ظلمتك أحياناً

لإنك لم تصفي ما أريد..

فهو عن جميع معانيكِ بعيد

وأي وصف يليق به،

وهو ذاك المغوار العتيد.

.

.

سواحل الانتظار

أسامر الطير

والنسمة

وكل مايأتي بخبر عنك..

أجامل الهم

والحزن..

لأن به شيئاً منك ..

ويذكرني بك..

أسامر الليل

والنجمات

لأنها تحكي أسرارك.

أنتظر على سواحل الإنتظار

ويعبث الريح بأطراف ثوبي

يجرني إلى حيث أنت

ولم أجدك.

***

خلود الحسناوي - بغداد

 

أتذكرون أول تدوينة للذكريات؟

كانت على مقاعد الباص..

على أشجار حيِّنا القديم..

على زجاج سيارة جارنا المسن..

أبي أمـل..

التي يغطيها تراب الزمن..

خبأنا فيها جميل مشاعرنا

حزناً وفرحاً وألماً..

تتكلم الأشجار وتبوح للريح بها..

ثم تمرُّ عبر نوافذ ذلك الباص الهرم ،

فتخبره بتلك الذكريات..

أحلامنا التي قُتِلتْ على سكة القطار..

في  حقائب غادرت المحطات، والمطارات..

أحلامنا مذبوحة منذ الولادة..

عند اصطفافنا في باحة المدرسة ،

لتخبرنا مرايا الزمن:

ان استيقضوا

استيقضوا..

ودَعوا الأحلام..

هيا لنلعب ياصديقي..

لا حلم ولا حقيقة

ولا مستقبل..

أنفض عنك غبار الرحلة..

حيثما يقع متاعكَ أقمْ..

ماتــ…ت أمل ،

وجارنا رحل.

***

خلود الحسناوي

 

وهكذا سقطت خفافيش الظلام

بعد التشبث بالنظام

والسخت والمال الحرام

وكما يقال..

هي الشعوب لا تضام

من هذه الصنوف

أمامَها الخرتيت طاغوتٌ سقام

يرف أجنحة الحمام

يزف اغنية السلام

لكنهُ في جوهر المقام

غرابة القتل ضباع

والطلب الغريب من المثول

امامَهُ تلك الزرافات المشخصة الطويلة

في دورها للنحر او البقاء في الذلول

الغارقات وبالذبح الزنيم

والمثل المغال

أي دربٍ صار حلما؟

والدرابين الوصول

هذا التراجع والتخفي بالدعاء

ونكسة الوعي الجليل

يتزامن الحزن العقيق

مع الألم

يتداول الألم الرهيف

مع الندم

من أين يأتي

صوتها الرنين؟

من غابة الصفصاف

في سوح القلم

تتداخل الاحلام

في النص الجنين

والمسرح المطحون

آهات العدم

يا ويلتاه من العذاب

ومن الحنين

وتقادم الذكرى بسقف

من علم

تتصارع الرؤيا

تفيق على ندوب

من وحشةٍ فيها مرايا

تُظهر الوجع السنين

تَظْهر في السطوح

وتلك أجساد الضحايا في الحروب

أتفلس الرؤيا

تعود عقارب التنجيم بالخداع؟

*

وهكذا سقط القناع

جسدٌ على الأبواب ينتظر الدخول

تتراكض الذكرى من الحاضر

وتبقى في ذهول

من كان في الأبواب؟

يحرك الارباب

يصرخ كالصهيل

ويعتلي قمم الوصول

هذي جماهيرٌ من الشكوى ومن

قساوة الحد السيوف

تفاخر الصور القديمة

وترفع الرايات في زمن الهزيمة

وتقتفي أثر الهروب الانتصار

وبعدما سقط القناع

تفنن السفاح بالهروب

يا حسرتاه

يا ويلتاه

الم يحين وقت الفصول؟

تتسلق الاقدام مسلات الرجيم

تتجرأ الانفس في صرع مكبات الخديعة

ألن تجيء الساعة المقال

تحن ساعةٌ لساعةٍ فيها النوال

هل تفلس الرؤيا تعود عقارب

التنجيم بالخداع؟

تبقى الجموع مغيبةْ

وتعود قهراً ًمن جديد

تَقَنيةٌ قيم القناع

***

مصطفى محمد غريب

8 / 12 / 2024

 

لكل الناس معتقد

ودين

ودين الله

نهج لليقين

**

ودين الله إسلام

وطهر

كصفو الماء

من نبع معين

**

فلا تسعى بإفساد

ولؤم

فذاك الفعل

مفسدة لديني

**

تداهن كل من تلقى بخبث

وتفرط في مقالك

كل حين

**

وإن واعدت

أخلفت وعودا

كعرقوب وأشباه

اللعين

**

وإن حدثت أبطنت

سلوكا

من الأفعال

والرأي الهجين

**

لباسك من نفاق المكر

ثوبا

ومن صنف التلون

كل لون

**

نسخت الحق

من كل حديث

من الأقوال للهادي

الأمين

**

لعمري ذاك بهتان

وزور

يزيد بلة وحل

وطين

**

بدنيا القوم

بعت كل شيء

وبعت الدين

بالبخس المهين

**

وقد أغرتك دنياك

إلى أن

نسيت البعث

من شر دفين

**

فهل أدركت أنّها

لا تساوي

لدى العباد فصا

من لجين

***

شعر: تواتيت نصرالدين​

 

قال صاحبي سمعتهم يقولون لا يتآخى الجرفان إلا بجسر يربطهما، ولقد رويت يوما حكاية الجسر ولي شوق في استعادتها، فما زال عبق الماضي لا فارقني وشدة تعلقي به تنادمني وما تقوله يعجبني!

فقلت: ويحك أما علمت بأني اكره الاعادة، حتى وإن خلطت بالاستفادة، لكني خضعت لطلبه واستجبت لرغبته، فقلت:

ياصاحبي أنت لا تدرك ما يقول الجسر، ولا تحس له عسر أو يسر، تنظر إلى الأمام وتتحاشى الوقوف في الازدحام، كأنك لم تصنع مما صنع، وتثقل في حالتي الحزن و الشبع، يعجبك مظهره  ولا تستطيع حَمل وزره، أ لا ترى أنه يسمعنا حين نهجوه، أو نمدحه، لا يؤاخذنا بما نقول، ونحن على ظهره نصول ونجول، قد عبرنا باحلامنا عليه، وعلقنا بعض حاجاتنا على كتفيه، صامت حتى عدت الاقوام عليه، فرايته يجود بنفسه، ويلم أضلاعه ورسمه، لا من ذنب ارتكب ولا من خطيئة أو سبب، لكن من اطلق عليه النار غريب متكبر غدار، لقد كره منظره وفعله فاراد هدمه أو قتله، فقد سمعت يوما انينه وطار جزء ثمين من قوامه حتى حط في باب داري بوقار، وداري بعيدة عنه مئات الامتار وتحيطها النخيل والأشجار لقدعلمني ما تعنيه الحروب والدمار، فضممت تلك القطعة إلى قلبي

ودعوت ان يرعاه ربي، فقام بعد جرحه من جديد  مضمدا بالاسمنت والحديد، منحني الظهر عصى عن الاذلال والقهر، فعبره الطيبون والمفسدون من الناس وها أنا أحدثك عنه بقليل  َمن الوصف وكثير من الاحساس!!!

***

د. عبد الهادي الشاوي

 

أنا الإنسانُ لا تُغريه ألوانٌ

ولا أرضَى بديلاً عنك يا وطني

*

فحقُّ الناسِ في الأوطانِ واحدةٌ

وحقُّ العيشِ مكفولٌ مدَى الزمنِ

*

فلا الفقرُ الذي أحياه يجرَحُني

ولا القصرُ الذي أَبْنِيه ينفعُني

*

ومن يغتر بالآفاقِ تحملُهُ

غداً يبليه ضيقُ القبرِ والكفنِ

*

فلا عرقٌ ولا دينٌ يميِّزُني

ولن أرضى بتهميشي ولا وهني

*

لذا أدعو وحقُّ الناسِ أن تحيا

سواسيةً أمام اللهِ والوطنِ

*

أنا الإنسانُ حلمُ العدلِ مطلَبُهُ

أدافعُ عنه مهما الأمرُ كلَّفَني

*

أنا الإنْسَانُ حُلْمِي أنْ يَكُن سَنَدِي

أخِي والنَّاسُ تَرْضَى العَيْشَ في سَكَنِ

***

محمد محمد علي جنيدي- مصر / بني سويف

 

يعد بالكثير...

يخال لها نفسي الآملة

والمتشبثة

بصفيره

قطار

يثير حفيظة الآخرين

إلّاها

نفسي الآملة به خيرا

*

لطالما

نسجت في خيالها

أجمل القصص

وأعذبها

وأيقنت ان موعد تحققها

عند تخوم محطّة

لقطار

يخلف مواعيده

*

أسابق صفيره

وأحلق في فضاءات

يحتبسها أنين

لأحلام مصلوبة

*

أسائل خفق أجنحة

تبحث

عن ملاذ

ليغيب عن بالها

أن لا ملاذ إلّا جناحاها

***

إبتسام زكي

 

يتحدون الموت باجسادهم الطرية

ويرتقون باحضان ذويهم لحظة بلحظة

كانوا ينتظرون صباحاً من احدٍ

وخذلوا…

يكتبون تاريخ الإباء والشرف…

ويصعدون دون ذويهم تارة

وتارة حيارى أمام واجب الموت

نسوا كيف كان اللعب…

و كيف كان الدفء…

نسوا اوقات الطعام

نسوا كيف تغفى العيون

جُلُ غاياتهم طريق العزة والشرف…

كبيرٌ حزنهم…

كبيرٌ غضبهم…

عظيم كبرياءهم…

عافوا الكذب

عافوا النضوج المبكر

ولعنوا زيف المنافقين

وكلهم يقين ان الحق معهم

وان الله معهم

لأنهم الصابرون لانهم الفادون…

انهم لمنتصرون…

***

عباس علي مراد

 

حين أكتب عنكِ

تنبت بين أصابعي القنابل

وأشم رائحة البارود

جنين الأبية

رصاصة على الشيطان

حصن عزة ووكر يحرق الطغيان

تعزفين على أعصاب القلب

تقاومين... وتقاومين

تشدين الروح بين الجنة والنار

كانوا هناك على سفح عنفوانك يعرشون

تحاوطهم عناية الرحمن

يبزخ الفجر من أكفهم

ومن دمائهم يزهر البيلسان

علمتهم العشق فكنت غايتهم

وغدهم وأملهم على مر الزمان

عصافير النار

جبلوا حبك بالياسمين

جذور الأرض

وهبوك القلب والروح

وروحا تلو الروح

قطع فسيفساء

أكملت صورة السماء

***

إسراء عبوشي / فلسطين

 

أنا راقص احمل سيكاري

والثمالةُ تصور عالمي المثالي

*

السماء تعرض قصص حياتي

هوائي الطلق يحتضن أجزائي

*

تلك الموسيقى تطرب أشجاني

وذلك الحاكم يقيد حرياتي

*

شخصيةٌ تسعى لقتل أفراحي

وطفلةٌ نائمة على دماء ذراعي

*

بلدٌ قتل جميع ضحكاتي

وأستباح عذوبة شبابي

*

راقصٌ وحيد رغم آلامي

تداويني ثمالة سيكاري.

***

حسام عبد الحسين

 

عند المَساء

وأنا أَطُوفُ بدَارِها

لأعيشَ بين سُطُورِها

وأشُمَّ عِطْرَ زُهُورِها

نَزَل المَطَر

شَيْئاً فَشَيْئاً

بين نبْتاتِ الأرِيج

وتَساقَطَتْ قِطَعُ الثَّلِيج

فوق الزُّهورِ الحانِية

وكَأَنَّ مِنْ بين الزُّهور..

عُصْفُورَةً ضَلَّتْ طَرِيقَ رِفاقِها

ومُصابَةٌ في ساقِها

نَظَرَتْ إِلَيَّ كأَنَّها

تَبْكِي بِعَيْنٍ دامِيَة

تَشْكُو بأَوْجاعِ الفِراق

وأنا كذلك مِثْلُها

أحْيا وَحِيداً هَاهُنا

بين الرِّفاق

فدَنَوتُ مِنها سائلا

أصَغِيرَتي.. عُصْفُورتي

ما لي أراكِ آسِية

فلِمَ البُكاءُ عَزِيزَتي

قالتْ هُنا

فوق الغُصُونِ الدَّانِية

بالأمْسِ كانوا هَاهُنا

بعضُ الطُّيُورِ الزَّاهِيَة

طافُوا بعُشِّي هَاهُنا

وشَدَوْا تَراتِيْلَ السَّفَر

لم يعلَمُوا

أنَّ النِّهايَةَ قد أَتَتْ

ودَقائقَ العُمْرِ انْتَهَتْ

وبأنَّهُم

جاءوا إلى السَّهْلِ الوَعِر

جاءوا هنا

في قَرْيَتِي.. في بَلْدَتِي

رَكَضُوا وراء سَرابِها

لم يعلَمُوا بشِعابِها

يا لَلْأَسَف

طافُوا بوَهْمِ جِنانِها

لم يَعرِفُوا سُكَّانَها

سُكَّانُها.. سُكَّانُها!!

لَيْسُوا فَرِيقاً مِنْ بَشَر

بل هُمْ كَسُمٍّ مُنْهَمِر

تِلْكَ الطُّيُورُ الحالِمَة

كانتْ وِرُوداً باسِمَة

هَبَطُوا جميعاً هَاهُنا

عند افْتِراقِ الأَوْدِية

ودَعُوا بِأَشْرَفِ أدْعِيَة

يا ليْتَهُم

ما جاءوا نَحْوِي واعْتَلُوا

قِمَمَ الجِبالِ العالِيَة

يا لَلْأَسَف

جَاءوا أُنَاسٌ لِلْمَكَان

في غَفْلَةٍ من عُمْرِنا

في خِفْةٍ جَاءوا هُنا

وكأنَّهُم أطْيَافُ جان

هُمْ نَسْلُ أَشْرارِ الجُناة

شَبُّوا على أَيْدِي الطُّغاة

أَبَداً فَهُمْ..

لا لَمْ يَعِيشُوا لِلْحَياة

في كُلِّ صَوْبٍ أَطْلَقُوا

حُمَمَ المَدافِعِ حامِيَة

فَتَدَمَّرَتْ كُلُّ الغُصُونِ

ونافِذَاتُ الأبْنِية

لم يَنْجُ مِنْ تلك الطُّيُورِ

سِوَى الرُّفَات..

تِلْك الرُّفَاتُ

رَأيتُهُم..

قد أشْعَلوا فيها حَرِيق

وأنا أُصِبْتُ ولَيْتَها

ذَهَبَتْ حَياتِي لا أَفِيق

أو لم يَكُن هذا جُنُون!

مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ يَسْخَرُون

حتَّى كأَنِّي خِلْتُهُم

جَوْعَى وسوف يأْكُلُون!!

لكن بلا أدْنَى هَدَف

قَتَلُوا وهم يَتَضاحَكُون

قَتَلوا وهم يَتَضاحَكُون!!

ثمَّ انْتَهَتْ من قَوْلِها

وتَفَقَّدَتْ أطْلالَها

سَكَتَتْ وطُوفَانُ الدُّمُوع

يَجْرِي بِصَمْتٍ في خُشُوع

ثمَّ اسْتَدارَتْ لِلسَّماء

يا رَبَّنا

يا مَنْ خَلَقْتَ الأرْضَ مِنْ

طِينٍ وماء

يا مَنْ حنَوْتَ على أنينِ الأبْرِياء

هَذِي الْعِصابَةُ أوْجَعَتْ

قلْبي الحَزِين

جَعَلَتْ عُيُوني بِرْكَةً

يجْرِي بها دَمْعُ الأنِين

يا ربَّنا

كانَتْ فَرَاشاتُ الزُّهُورِ الآسية

تَضْوِي الدُّرُوب

كانَتْ تَغارِيدُ الطُّيُورِ الرَّاقِيَة

تُشْجِي القُلُوب

فاشْفِ صُدُوراً

طالَها بَأْسُ السِّهامِ الجَائرَة

لَكِنَّها يا رَبَّنا

عاشَتْ لأجْلِكَ صَابِرَة

عاشَتْ لأجْلِكَ صَابِرَة

***

محمد محمد علي جنيدي

 

نص عن همجية المعتدين

مصرع القمر

جَحافلٌ

قنابلٌ

زلازلُ

قتِلتْ بيوتٌ

واستشهِدَتْ منازلُ.

**

جحافلٌ

قنابلٌ

زلازلُ

يبقى القتيلُ

وليس يبقى القاتلُ.

**

جحافلٌ

قنابلٌ

زلازلُ

وَجدَ النّفاق ُ ذريعةً ً

لقتل  يوسفَ والمسيح

واليوم كم من طفلةٍ

وكم من ولدٍ جريحْ.

**

لطفلةٍ

قمرٌ

أنشودةٌ.. ودفاترُ،

قالوا اقتلوها

هذي حفيدةُ أحمدٍ

صاح الضميرُ

لأيّ ذنبٍ تقتلُ !!

جاء الجوابُ غاضباً

ومجلجلا

سمعت به المَحافلُ.

**

سقطت سُمية ُ

وقعت على أديم الأرض ضفائرها.

**

بكى الجميع سميّة ً

بكتِ النسوة ُ، والحمائمُ، والشجرْ

أما الرّجالُ يخزنون الحزنَ والصّبر

كالتينِ والزيتون لأيام المطرْ.

سَقطت سميّة ُ

سَقطت سميّة ُ

وغاب في الليلِ قمرْ.

***

بقلم الدكتور إسماعيل مكارم

...........................

جنود النجمة السداسية زحفوا إلى غزة ليس لأجل القتال، بل لأجل قتل الأبرياء!. والسؤال هو − أين شهامة المُقاتل؟

 التاريخُ أبدا لا يقوم قهرا بتعليم الناس، إذا ما كانوا بشرا، بل سيعاقبهم على أخطاء ترتكب من قبلهم حين لا يأخذون العبر من كتاب العصور. يحضرني منظرُ تلك الطفلة الألمانية التي وقعت في ميدان زخ الرصاص بين المتحاربين الألمان والروس في معركة من معارك برلين في شهر نيسان عام 1945

سمع الجندي الروسي إيفان ماصلوف في برهة ما، سمع بكاء طفلة وهي تستغيث وتطلب العون، وتصرخ ماما ..ماما.

قرر أن يتوقف عن عمل أي شيء، وفكر كيف له ان يصل إلى مكان هذه الطفلة كي ينقذها. زحف نحو مصدر الصوت، كان الخطر يحيط به من كل صوب، هناك ألغام وهناك رشاشات الأعداء لا تتوقف، ورغم هذا زحف نحو مصدر البكاء، توقف الصوت قليلا ثم عاد من جديد ماما ..ماما. أما رفاقه الجنود فقد حبسوا أنفاسهم، انقضى أكثر من ثلث ساعة، وهذا صوت  إيفان ماصلوف ينادي: حاولوا حمايتي بالنار، الطفلة معي. فلعلع الرصاص، واشتعلت نيران القذائف.

هكذا استطاع الجندي إيفان ماصلوف أن ينقذ هذه الطفلة الألمانية البريئة، التي لاذنب لها في هذه الحرب، أنقذها من الموت وقدم لها فرصة الحياة. تلك كانت حربا قاسية، غير أنها لم تخطف الرحمة من قلب ذلك الجندي. عندما أسمع عن أعداد الضحايا من جراء قصف جنود النجمة السداسية، قصفهم  للمدارس، والمنازل،وسيارات الإسعاف، والمشافي، والأفران، والأسواق، وكل شيء حي في غزة، وعندما أفهم أنهم يفتشون عن الأسباب والحجج، لا بل يمارسون النفاق لأجل تلفيق هذه الأسباب والحجج بغرض تدمير مدن وبلدات غزة مربعا بعد مربع وبشكل منهجي، أفهم أنهم يريدون إحراز النصر على المدنيين الأبرياء: النساء والأطفال، وأصل إلى نتيجة مفادها أن جنود نجمة داوود أتوا للقتل وليس للقتال. الرحمة لشهداء غزة. الرحمة لمن قاوموا المحتل الصهيوني.

* قصة الجندي إيفان ماصلوف ليست من الخيال، بل هي قصة واقعية.

أختي العربية

وطني ووطنك

وريقات حور

صراخك الآتي

من بعيد

ألهب فيض الشعور

تنطلق من معاقلها

آلامنا..

نارا.. ونور..

شرف يموت دون عزاء

زلزل عمق.. القبور

يحفر قلمنا الجاثم

أوجاعنا.. صلب الصخور

نزيل غربة المسافات

نقطعها حواجزا.. و جسور

تباح دموع البراءة

تفيض كل البحور

أ يوقظ نوم الضمير..؟

أو يعدم بين الفواصل.. والسطور

أ تناسينا..؟ وكيف نسينا..!

أصل الجذور

أتريها أرض الانتقام..؟

أو زمنا تاه عبر العصور..؟

سنحطم أوكار الحقد

ونهزم المكائد والشرور

وتعمر أعشاشنا بعد النفور

ونرقص لتغاريد الطيور

بأمل الحياة نشق مسلكنا

ونمسح آثار الكره والغرور

رغم نكساتنا سنظل منارة

وتنبت بساتيننا كل الزهور

وستغسل من الذنوب سريرتنا

ويملأ أجواءنا عبق العطور

وتغمر المحبة قلوبنا

ويعرف أطفالنا طعم الحبور

***

شعر: صبحة بغورة

(مهداة للحاكم المخبول)

كل البلاء منك أنت

وأنا

أيها الحاكم المخبول الأبله

سكنت ذاتي بالخوف

السيف

الأصفاد

القضبان

لكن؛ أتى الطوفان فحررني من الماء إلى الماء

من التراب إلى التراب

ألبسني جمجمة الرحيل

منك

إلى ضفاف النصر

فاليوم يرجع طوفاني

يرسم كل الآهات على كرسيك البالي

بالبنادق والقنابل والسلاح

فاهجر وطني

قبل فوات الأوان

***

عبد العزيز قريش

في 02/11/2023

اقرأوا القرآن ليلا ونهارا

واجعلوا آياته دوما شعارا

*

إنّ في القرآن نورا وهدى

إن في القرآن هديا للحيارى

*

رتّلوا آياته واستمعوا

إنّ في أيّه درسا واعتبارا

*

واجهروا بالذكر دوما أبدا

واصدحوا بالذكر ليلا ونهارا

*

ردّدوا آياته واستمتعوا

لكلام الحقّ سرّا وجهارا

**

علّموا أبناءكم أسراره

تحذروا كيد اليهود والنصارى

*

إنّ في القرآن ترغيبا لكم

كي تقوا أنفسكم حرّا ونارا

**

إنّ في القرآن علما نافعا

فابتغوا من بحره درّا نضارا

***

تواتيت نصرالدين

مازال في حبة الكستناء

قطرة زيت

وشمعة

تضيء مرة

وتحرق الأخضر واليابس مرات

في الليل تبكي

لما جنى الأجداد

وفي النهار

تصنع الخازوق

وتطبخ الزقوم

في دمها يعول مجرمون

وتسقط الضحايا

قطرة زيت

عطرة

ونتنة

سخية في المكر والصدق

لكنها حبة كستناء

معجزة الخلق.

***

شعر محمد نجيب بوجناح - تونس

يازهوَ شبابي وأجملهُ

وبقايا عمر يبتعد

البيت يقوم به وتد

ينهار إذا غاب الوتد

ذكراك تحتل مسامي

والنهر لروضه يفتقد

بهذا الركن كان لنا

حديثا يستسقي العهد

ولنا بالروض أزهار

تكابد جمرة البعد

أمسي واليوم اعتاد عليك

وصباحي بصبحك يتقد

لا ترحل فالذكرى حضن

وكم يشتاق لها ولد

أأنت الآن في حلم

وبك الاحلام تنتهد

دموع العين أقرؤها

رسائل مالها عدد

رفيق الروح والذكرى

والعمر بعمرك يتّحد

فلاتُثخن عليَّ الجرح

وشدّ العزم يشتدّ

أبا باسل رحمك الله

برياض الجنة ترتغد..

***

....................

أكتب  بلسان أختي الكبرى التي فجعت بوفاة زوجها اليوم..

ببالغ الحزن والأسى والفاجعة رحل اليوم الى جوار الرفيق الاعلى الاخ العزيز د. وجيه مظهر السلامي (أبو باسل) زوج أختي الكبرى السيدة الفاضلة أ.زهراء لطفي وهو والد كل من :المهندس باسل، والمهندس وائل وابنته الوحيدة مدرسة الفيزياء نور بعد تعرضه لجلطة دماغية دخل على أثرها بغيبوبة لاكثر من شهرين،  وقد كان نعم الاخ والزوج والابن والاب والاستاذ  الاكاديمي الذي تخرج على يديه المئات من طلبته الذين يكنون له كل الاحترام والتقدير، كما كان إنسانا فاضلا مثقفا عكف على الدراسة والتأليف وحب العلم والمعرفة وامتاز بدماثة الخلق فقد عرفه القريب والغريب وترك محبته وطيبته بنفوس أهل الحلة الكرام..

وقد وافته المنية بعد صراعه مع المرض اليوم الاحد22 /10/2023 إنا لله وأنا إليه راجعون..

مريم لطفي

كلنا يدّعي

وفي زحمة الإدعاءات

أغتيلت

البراءة

*

يزعم أحدهم

ويفنّد الآخر

وفي خلسة من الزعم والتفنيد

ثمّة عينان أذهلهما

كم الزيف

للأحد

وللآخر

*

لو أننا تمهلنا قليلا

ورمينا جانبا

بعضها...

أجل بعضها

لاجتنبنا

كل هذا العناء

المرهق لكاهل الحقيقة

***

ابتسام الحاج زكي

لم يعد هناك ملاذ آمن، فآخر مرة وقف على باب منزلي جامع الضرائب يطالبني بالأقساط المتأخرة التي تراكمت علي بسبب الركود العالمي وانحدار ما اروج له، فالأبقار قد نفقت من عدم توفير العلف لها، بعت نصفها لأسدد الديون، والنصف الآخر جردوني إياه تحسبا لعدم قدرتي على العناية بها... لا اخفيكم في ليلة وضحاها أصبحت مشردا... كل ما املكه يتواجد في حقيبتي الصغيرة التي احملها على ظهري.. اقتات كالحيوانات السائبة متنقلا من حاوية الى أخرى حتى أستقر بي الحال الى مكان نائ لا جلبة فيه، ولكن حين تكون يؤمه عدد قليل من محبي صيد السمك... كنت قد اتخذت مسكني وفراشي أرض مبسطة بعض الشيء تحت شجرة تيبست اوراقها، يبدو انها هي أيضا قد طالها محصل الضرائب فبقت خالية من كل شيء إلا الاغصان المتيبسة رغم أنها تقطن على جرف نهر جار... لكن لابد أن هناك يد قد إمتدت لقطع وصول الماء إليها فبقيت تشكل رمزا  للسلطة الجائرة في حق طبيعة الحياة... كنت قد استحوذت على قصبة مهملة في مكان ما فأتخذتها عصا صيد لي، خاصة أني امتلك خيط صيد للسمك بال وصنارة صدئة.. جلست بعد ان شددت ألزمها في رأس تلك القصبة، ثم حفرت بالقرب من جرف النهر، استخرجت بعض من الديدان ألقمتها كلها رأس الصنارة علي أغري سمكة طائشة فتلتهم الديدان هي وانا ألتهم من تقع ضحية طمعها... لا أريد التشبيه بينها وبين مؤسسات الدولة التي تعمل و موظفيها على مص دماء المواطن بحجة فرض القوانين و إلزامه بدفع رسوم البقاء حيا في ارض كان للخالق يد في صناعتها... لم اتوقع وانا مسجى انتظر ان يهتز قلقا خيط صنارتي ومن بعده اهنز أنا فرحا بما اصطادته الصنارة... جاء صوته معنفا لي..

- يا لِلؤمك... أنت هنا و أنا ابحث عنك منذ اسبوع أو اكثر؟

- هذا انت!!؟ ماذا تريد مني وقد أخذتم كل شيء، فحالي كما ترى مشرد لا امتلك فلسا واحدا كي أعين جوع بطني التي لم تذق الطعام النظيف منذ ان تعودت بقايا نافقة لأطعمة من نفيات الحاويات....

- هذا لا يهمني إنك مطالب بمبلغ كبيرعليك تسديده لمديرية الضرائب و إلا سيكون مصيرك السجن.

- مرحى لك والى السجن هيا ارجوك افعلها ضعني هناك كي اشعر أني اعيش تحت سقف و جدران و ارض يمكنني ان انام عليها وأسفل مني فراش يوقف صرصرة اضلعي حين اتقلب على ارض جرداء يابسة...

- أها.. اراك تفتعل ما انت فيه كي تهرب الى السجن، كأن السجن مؤسسة للمشردين امثالك، فأنت ومن على شاكلتك لا تستحقون الحياة حتى في مجاري المدينة التي تسكنها الجرذان، كن واثقا لا اعطيك هذا الامل و اعني ان تسجن فلست غبيا لاضعك في مكان تعمل الدولة على دفع الضرائب الكثيرة من أجل ان تؤهلك لتكون مواطن صالح... إبقى طالحا أجدى وأوفر، فلابد ستموت ويلقى بك في أقرب مزبلة تنهش بك الكلاب لفترة ما وتفارق الحياة كما يفترض لك... خذ هاك هذه القسيمة لتعرف كم المتبقي عليك من الضريبة...

- تمهل ألا ترى أو تعي ما أقول!!؟.. إني غير قادر على دفع ما تطلبونه مني فليس لي حتى راتب رعاية كما بقية العاطلين عن العمل، حاولت لكن الموظفين شاكلتك لم يمكنونني!! إنهم يريدون الرشى وأنا لا امتلك نقير شيء.. ها أنا ترى ما أنا فيه وصدق حين اقول إنها المرة الأولى التي اتواجد فيها في هذا المكان، ظننته سيبعدني عن بقية الناس وعن رؤية وجهك البارد، عندها تذكرت اني امتلك خيط وصنارة فحاولت ان اصطاد لي بعض الطعام من السمك إن شاء الحظ لي...

- هذا يعني انك يمكنك ان تصطاد وتبيع ما تصطاده للناس، و هذا لعله يساعد في جمع ما عليك لتسديد مبلغ الضريبة التي عليك..

- يا إلهي كم انت مجنون فعلا!!؟؟ أقول لك لا أمتلك اي فلس لأقتات لنفسي الطعام فجئت محاولا المستحيل لعلي اصطاد شيئا يجعلني آكله لأشعر بأني انسان و لست حيوان..

- هذا شأنك..دعني ادون ملاحظة اني رأيتك تصطاد وربما هذا سببا يرفع عنك ابطاء إلقائك في السجن الذي لا أريده فرصة لهروبك، و ربما يدفع بك الصيد لأن تعمل جاهدا في تسديد ما تبقى عليك من ضريبة مستحقة للدولة..

- ألا تفهم يا هذا أقول... لا امتلك شيئا فحتى هذه القصبة لا امتلكها لقد استحوذت عليها من تلك الأجمة هناك فقمت على تشذيبها حتى تكون كأداة صيد تعينني على صيد ما يبقيني حيا...

- الدولة هي من تبقيك حيا... ولولاها لكنت الآن في خبر كان، كما من الجيد انك ذكرت القصبة فحسب علمي تلك الأرض التي سلبت القصبة من أجمتها تابعة لمؤسسة الضريبة أي انك قمت بالإستيلاء على ما ليس هو حقك.. وهذا يضاف الى دفتر الملاحظات الذي اكتب فيه كل ما تقوم به و تفعلة وما تمتلكة... يبدو ان التشرد صنع منك لصا محترفا تحاول ان ترد الصاع الى مؤسسة الضريبة و تعمل على سرق ممتلكاتها التي جمعتها بإستحقاقها القانوني..

- أقسم يا هذا إن لم تذهب عني سأعمد الى دفنك تحت هذه الشجرة الميتة و اخفيك الى الابد ليرتاح الناس منك ومن مؤسستك الضريبية الحقيرة الناهبة لقوت واستحقاقات البشر... إذهب قبل ان اغرقك في هذا اليم..

- أتراك تفعلها يا متشرد... تحاول ان تهددني بالقتل وأنا اقوم بأداء واجبي الوظيفي للدولة... سأبلغ عن هذه الحادثة... لا.. لا أبلغ عنها فبذلك تنال مرادك وتدخل السجن ترتاح انت و انا اتعب و مؤسسة دائرة الضرائب تخسر ما عليك لها، بذلك تقوم بدفع اموال لتأهيلك... لن اعطيك الفرصة، لكني سأمنحك فرصة ثانية كي تسدد ما عليك، سأعود بعد شهرين كي أجني بقية المال المتبقي عليك لعلك تعلم أن مزرعتك و البقر فيها والمنزل والسيارة وحتى الإيداعات التي بأسمك أو أسم زوجتك وحتى التأمين الصحي و الإجتماعي قد وضعت المؤسسة يدها عليها لتسديد الضرائب المتراكمة عليك... هيا عش حياتك في هذا العالم واعتبر القصبة التي استحوذت عليها هي بمثابة مساعدة مقدمة من المؤسسة تعينك على جني قوت يومك على أن تسدد قيمتها مع الايام القادمة.. سأقيم ثمنها وأضيف الرسوم المترتبة على استعمالها,,, الى اللقاء

هذا كان آخر عهد له معي... بعدها لم أره أبدا.. لكني بقيت اصطاد في مكان آخر بنفس القصبة ذات الطالع الحسن علي.

***

القاص والكاتب: عبد الجبار الحمدي

الصفحة 1 من 2

في نصوص اليوم