روافد أدبية

روافد أدبية

في وضح نهار بيّن...

ارفع نظري

فيسرح بعيداً

اسكب السكون

فوق الأفق

القريب والبعيد

...الضوء يفتح المدى

بتمهل يسير

تترك خطاه أثرها

في الأماكن

وتمضي

بصمت

تستأنف رحلة الشوق

ترتاح بين النقاط والحروف

تخط المعاني...

من الحنين الملون

بألوان الوجوه

ألوان العشق

ألوان حلم

يشرع نوافذ

الأمل الساكن في مدى القلوب

والوطن...

***

عباس علي مراد

مرهق أنا عبثا أحاول بعثرة أوهامي، عفوا سيدتي... ما شئت أن أكون بهذه الصورة لكنك بحتِ بما في نفسك دون أن تدركي. كل تصرفاتك تشير الى نية في نفسك، كنت أتحسسها أشعر بها لكني تغاضيت بسبب حبي لك، كنت في مرة قلت لك أني رجل لا يحب اللون الرمادي... أعيش الحياة كأنها نفس عميق لا زفير له، أرصف أيام عمري مثل المصفوفة الرقمية لا اريد لأي ذرة غبار أن تدمع عيني أو ترغمها على غلقها دون أن تكوني أمامها... لعل جنوني هذا أو هوسِ هما من صنعا القيود في نفسك وهكذا قررت الانسحاب بتؤدة دون أن تثيري جلبة تجعلني أكرهك أو أحقد عليك أو ربما ظننتني بأني سأقسو عليك!! لا يا حبيبتي لست كذلك فأنا رجل ربما أعيش عصر الكهوف القديمة بعد أن مررت بالعصر الجاهلي لكني بالتأكيد أعيش الحياة بمقتضيات هوى الروح... لا بأس حبيبتي سأترك لك ضلفة الباب مفتوحة، أخرجي منها متى ما شئت صدقيني لا أقوم بردة فعل أو محاولة عن ثنيك لما عزمت على القيام به، إنها الحياة يجيء بها القدر ثم يرمي تجاعيد الحظ على أعتاب المحبين عثرات ومنغصات و حتى إبتلاءات... فالحياة مِلحها في القليل من الاحيان الهجر، الصد وربما الفراق.. طبع الانسان حين خلقه الله هكذا لا يشعر بما يفقده حتى يبتعد عنه أو يفارقه الى الأبد، دعيني أبوح لك بشيء طارحته مع كل مواجعي برغبة أو دونها... وفي آخر تلك المطارحة أوعزنا الى بعضنا أن الخلاف نتج عن فارق العمر، فالشيب الذي غزا شعري ومن قبله نفسي هو من أصابني بمرض الرهبة... الرهبة من خوف ان افقدك في يوم ما أو أقف أمامك كرجل بارد المشاعر فتلك السنون التي مضت أكلت من عواطفي، مشاعري، أحاسيسي، لم أعد فتيا يترجم كل العواطف بمفردات أو أفعال، لكن كان عليك ان تشعري بي بأني لم افقد أنثاي بقدر ما صرت أثمنها كماسة نفيسة، لا احب ان يراها أي إنسان غيري أو يحدها أو يسمع ترانيم صوتها أو موسيقى ضربات قلبها... يا الله ما أجرأني عليكِ وقد صنعت لك قصرا من جدران تحول بينك وبين العالم الذي لا أحب، لا أنسى تلك المرة التي قلت لي فيها محاولة دفعي الى أنك مختنقة من قيود حبي لك، لا زلت أتذكرها..

تلمسني أرجوك... ما عدت أنثاك السابق عهدها، راحت ملامح أنوثتي، أتشعر بالخشونة؟؟ إنها تلك النتؤات التي وضعتها على السين من جسدي فأخشوشن مثل مشاعري لا أخفيك صعقت نفسي من هوس ما قلت أنا!! أنت!! ما ظننت يوما بأني سأقول مثل هذا الكلمات سامحني فالصراحة التي علمتني عليها تجبرني ان أبوح لك، سمه ما شئت جنون، ملل، ضجر، لا أدري لكنها الحقيقة المرة التي أتجرعها وأنا أعيش معك في عالمك الذهبي، لا تلمني فقبل ان أصيغ عبارتي تلك كنت رحت قبلها أمشط خبايا فكري وحجرات قلبي وكنت قد علمتها أنها قد قصت شعرها كما تحب مذ علمت عالمك، لأن عالمك الذي دخلته يحب الافكار المنزلقة القابعة في غيابات النسيان، جاريتك لأني أحببتك غير أننا حين نتحدث تتمحور المفردات في عبارات تكاد يُعقَل لسانها لولا أنها تجتر كالبعير بقايا إرث طمست معالمه كونها حقيقة لا يصدقها عقل أليس ذاك ما قلتهِ لي؟؟  بررت ما قلته وقلت أنه في بعض الاحيان النفس تشكو أوتار الرأس وجعا وقد أعطينا الأداة بين ناس لها ألسن يمارسون الضرب على السنطور غيرة وهم فاقدين للإحساس و المشاعر، لا يمكنهم ان يكونوا مثلنا، و أرتضيت لنفسي بما قلته وصبرت حتى فاض بي .. لا أريد أن أكون بمنظور نفسك الخائنة أو ناكرة لحبك لكن يا سيدي الرجل إني إمرأة أريد الحياة بكل ما تعنيه من متناقضات ربما تأتي بمنغصاتها أكثر من ملذاتها لكني هكذا جُبلت حين خلقني الله إمرأة لا يمكن حبسها بين أربعة جدران أو قفص من ذهب.. أقول عبارتي الاخيرة وأرحل الى الأبد عن قلعة التملك التي صنعتها كجنة عدن، غير أني أطلب منك أن تمد يدك لطود نجاة و أكتفي منك بذلك فلا حاجة بي الى التنفس الصناعي بعد أن فشلت محاولتك السابقة في إقناعي بالبقاء كمنقد لضحايا يم الحب العميق المظلم بسفينة مشاعر أشرعتها ممزقة بالية خالية من الدُسر لتبقيها تبحر الى أعماق الوجود.

***

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

 

ناداه صوت من بعيد

كيف ترحل..؟؟

وعيونها شيعتك لآخر الطريق

وأقدامها تتعثر أثر خطاك

كيف ترحل

وهي تراقب الثريا بصمتها المعهود

كيف ترحل

والغراب ينبش أسرارك الدفينة

وترتدي أمامها قناع الزهد

وتعدّ حبات المسبحة للألف

لكن

الحقيقة لا تمحوها الأكاذيب

كنت تدعي بما يشبه الافتراء

لا يبعدني سوى الرمس

ثم تأبطت فكرة مجنونة

وعلى راحتيك مات الحنين

حملته ملفوفا فوق كفيك

وأهلت فوقه التراب

بصلافة من يخون أرضه

لتدرك بعد فوات الأوان

أي انكسار الحقته لهذه الروح

تركتها

دون وازع من لائمة

ودون ان ترمش عيناك ندما

ضجيج صمتها مذعورا

يحدق في اللا شيء

كنافذة تنتظر من لا يعود

يا لك من أفعى ملساء ناعمة

كأنها تراقص مكائدها

وهي تلوك السم بين فكيها

كيف ترحل دون ان تنطق

بكلمة اعتذار

أو حتى بكذبة جديدة

تشبه الحقيقة

كيف تمضي

دون ان تلتفت لمرة واحدة

***

نص شعر

سنية عبد عون رشو

سأتركها معلّقة

بأعناقهم

وصية

والوصية

واجب تنفيذها

لا مأتم يقام عليها

روحي

فقد أتخمت

حتى إذا ما فككت أحدها

ابتليت بالأشدُّ ضراوة

فحروب

صنّاع الموت

من الكرم

لتحيل فضاء أنفاسنا

مأتما

وخطوتنا سرادقه

**

تبا لها

من خطوة لا تكلُّ

ولا تملُّ

فكلما همّت للخروج من مأتم

شُلّت أنفاسها

لتتقيأ

حلم الانعتاق

من شرنقة

تُهديها لسردق أُعدّ بإحكام

لاحتضانها

**

بين حرب

وأخرى

أضحت أعمارنا

وسما تتزين به شوارعنا

وتتلفّع

خرقة منقوش عليها

هنا مستقر أنفاس

مأسوف على شبابها

**

لسنا أمواتا

ولا أحياء

وكأنهم تواصوا بنا

فكلما حاولت أنفاسنا الشهيق

احتبسها زفير

تطلقه ...

ولعلّه

يرمّمُ

فضاء

عاث به العفن

***

إبتسام الحاج زكي

 

في كهف الأعوام المتعبة

أنفض عن كاهلي

خيوط العنكبوت الثقيلة

كشيخ لا يدرك سبب خرفه

فيعلق احلامه

على حبال الصمت

*

بلغت ارذل العمر

وصار سعي عسيرا

في الدرب الذي لا يوصل الى شيء

كأنه نفق تحت منحدرات

صعبة المنال

أحس نفسي وحيدا

أطارد الفراشات العجوزة

وأشعر أحيانا

أن حياتي أضحت تأخذ ثأرها

من السنين المترهلة

*

وشيخوختي تأبى

أن تموت

وروحي لم تنطفئ بعد

ونار الذكريات الهامدة

أوقدها رماد الأيام العابرة

*

في أنفاس الشرايين

شوق الجسد الغاضب

يتمرد على نفسه

ثم أقف على عتبات النسيان

بخطى وئيدة

انتظر طويلا في طابور الأموات

أمام باب الكهف المغلق

بالشمع الاحمر

حارس الكهف مات بضربة شمس

حمامة بيضاء

هبطت لترفعه الى عشها

تستيقظ الأشجار

وتصلي عليه صلاة الجنازة

يؤمها عنكب أرمل

ورفقاء الدرب

يتقدمهم شبح الأيام الغابرة

***

بن يونس ماجن

 

حدّثنا ماجد بن وسام قال: هجعتُ إلى غمٍّ وسواد، ومورٍ وفساد، وظلمٍ للعباد في أرض السواد. وندبتُ حزنًا يُضرَب به الحرّ بالطارش، ويُمجَّد به الذيلُ بالمفارش. ونحن من حالِنا في نفور، نثور وندعو للثغور. قد شكونا حبس السماء، واعتلال الكرماء، وتلوّن الأنواء. واكترى شجاعُنا كفنًا للمصير، وحكيمُنا لحدًا بالتزوير. وانقضى الشعرُ إلى غير رجعة، وانتسب كلُّ فاضلٍ إلى بدعة. وبينما نحن في هذا الوَطَر، نشكو دنيا قِوامها سَقَر، وقلبًا أصلد كالحجر، ودمعًا حُبِسَ فزَنجر، أقبل فينا هاتفٌ على غَرّة، من ديار البصرة.

أنشأ بالحمد والابتسام، يُبشّر برأب دار السلام، يكسو عُراتها بالملابس، ويزيّن تُقَاتها بالمحابس،

يسحر الألباب، ويُرجِع ما عَطَن من الشبّاب، تسترجع الغيرةَ المطويّة، وتُعيد إلى أمّتنا المجدَ والحميّة. ترفرف برحمتها كالريح، ولا تنغرّ بالتصفيق والتلويح. تعود في سموّها السيادة، وترتقي محبتُها إلى الشهادة. كم خفقت في حبّها قلوب، وكم حُلّت في عهدها خطوب، يتصالح في عهدها الزمان، ويختبئ خلف عباءتها الأمان.

فقلنا: ويلكَ! أهيَ بذلك الجلال؟

قال: نعم والله، وأكثر. ثم أقسم بالوعد والقضاء، والماء والظماء، والليل والظلماء. فجلنا وصلنا، وعلى حبّها وصلْنا، ولعهدها صنّا، وفي غرام سيرتها وقعنا، وبالدماء لولايتها وقّعنا، وخلف عباءتها الرحيمة استترْنا، وبهُيام إكرامها للأيتام وجدْنا، ولتزويجها للشباب شهدْنا، وعلى عدوّ الله في الأرض أجمعْنا، وعلى تحرير الأرض اجتمعْنا.

فلمّا أقبلت، علمُ الدين، وصوتُ اليقين، وبلسمُ جراحات المستضعفين، هدرت بحرفٍ مترجفٍ كاللُّقا، بهيبةٍ صيّرتها يُمْنَ التُّقى، وضجّت المواقعُ بحضرتها والمواقع، وقالت: لا يومَ كيوم “أمّ المواقع”، حيث العدوّ في كهفه خانع، ولخطابنا مستمعٌ وخاضع، قِبَبُنا ذُهّبٌ لوامع، وقِبَبُهم فُطّر مباقع. الكونُ لمشيئة حضرتنا خاشع، له من حكمنا فُيوضٌ كواسع. وإنّما نحن أولاد نافع، حامي الجوامع، عن الحق ندافع، وللباطل نلوي ونصارع. ولتشهدْ لفضلنا أركانُ العيان، وقِبَبُ البرلمان. فكلُّ من أنكر فضلنا جاحدٌ خسران، والنعيم لمن صدّق بالبشرى ونشرها للعيان، صدّق بأوليائه، ووفى بما كان، ذلك وعدُ الله في القرآن.

فلمّا التهب الحشدُ بالتصفيق والتهويل، والتأم الشرخُ بحضرتها بالعويل، قالت: تذكّرْ يا ابن آدم كلَّ مسلك، وانتخبْ بالدم فاضلةَ بنتَ عرونك.

ولمّا بادرت الفاضلةُ الجموعَ بالوداع، استيقظتُ كالسكران من بعد الصداع، فألفيتُها تصعد مُصفّحة، لمحتُها من أيّام التحرير. قالوا: إن شيخَها قد مات، واجتمع في سبّ مصيره كلُّ حاسدٍ وشمّات.

فألفيتُه في روضة الزمن، يتّكئ على وهن، وينشد بالشجن.

فقلت: هذا والله شيخُنا عليّ بن أبي ناصر الرسّام، لا سلّم الله دياره، ولا مدّد أوصاره، ولا زاد أمطاره.

واقتعيتُ أضرب حسرتي بضجر، فلا مال أتى منها، ولا مطر.

***

أمين صباح كُبّة

ألا أبدو أني صادق في ايماني

بشروط العشق؟

وأنا لا أشكوك أبدا

حتى لنفسي..!!

للحد الذي دعاني أشكو

ولهي عليكِ ..

وشغفي بكِ ..

بتعففِ عاشقٍ ولهٍ..

وها أنا يحملني

التوقُ المفرط لإبتعادي عنكِ

بتَرَفَّعَ عاشقٍ صادقٍ حدّ الثمالة

لكن سيدتي

تعساً لي...

فكلما هممتُ بالتوبةِ النصوح

تلبسني شيطانُ الحبّ

المرابط خلف عبوديةِ آلهة

الحب نفرتيتي

لأبقى في جبروت محبتك عاشقاً....

***

كامل فرحان حسوني - العراق

 

عادت كريمة من عملها متعبة بعد وقوفها لساعات في الصيدلية التي تعمل فيها فقد كان اليوم متعبا ككل الأيام التي تكون المداومة من نصيب الصيدلية حيث يأتي الكثير من الزبائن لاقتناء الأدوية مما يجعلها تعمل أكثر من الأيام العادية رفقة زميلتها أما صاحبة الصيدلية فهي لا تأتي إلا لتطمئن على أرباحها.

تشعر كريمة بالغبن كلما تذكرت أنها غادرت الجامعة لتتكفل بمصاريف أسرتها بعد سقوط والدها من ورش البناء وعجزه عن العمل. تقول لنفسها لو كانت ظروفها العائلية والمادية ساعدتها لكانت قد أكملت دراستها في روسيا أو أكرانيا لكانت قد اشتغلت أيضا صيدلانية خاصة أنها هي أيضا كانت تدرس البيولوجيا في الجامعة.

جلست كريمة على طاولة الطعام تتناول غذائها في ساعة متأخرة من اليوم، دخل شقيقها إلى البيت سلم عليها قائلا:

ـ انتظريني سآكل معك أنا أيضا جائع.

أجايته ضاحكة:

ـ تعال لتأكل لعل وزنك يزداد قليلا تبدو كشخص يعاني فاقة غذائية مهما تأكل لا يزيد وزنك.

ـ من الأفضل أن تتركي لي هذا الطعام حتى لا تزدادي بدانة.

مد شقيقها يده إلى صحن السلطة انتبهت لساعة جميلة تزين معصمه ذكرتها بساعة يدوية كانت قد أهدتها لشخص عزيز على قلبها قبل شهر، تذكرت الثمن الباهظ الذي دفعته لشراء الساعة والذي قسطته على ثلاثة أشهر من محل لبيع الساعات الفاخرة الذي يوجد قرب الصيدلية حيث أخبرت صاحب المحل أنها ستشتريها لشقيقها مما جعله يوافق على دفع ثمنها بالتقسيط في حين أنها أهدتها لحبيبها في ذكرى عيد ميلاده. سألت شقيقها:

ـ ساعة جميلة متى اقتنيتها ؟ تبدو من النوع الفاخر

أجابها:

ـ أجل ياشقيقتي إنها ساعات الأغنياء التي لاتستطيعين أنت شرائها.

ـ بكم اشتريتها أيها الغني إذن؟

ـ هل تريدين شرائها؟ لا يأختي حسبك أن تتفرجي عليها في المحل الذي بجوار الصيدلية فثمنها يعادل أربعة أشهر من مرتبك الهزيل.

ـ ومن أين لك بثمنها يا أخي البورجوازي؟

اندهشت كريمة عندما أخبرها شقيقها أنه اشتراها من موقع AVITO بثمن بخس لا يساوي ثمنها الحقيقي بعدما وضعها شخص للبيع وقال أنه تلقاها هدية ولم تعجبه لأن لديه الكثير من الساعات ولا يريد استعمالها. لكن الصدمة الكبرى كانت حين أطلعها شقيقها على المحادثات التي أجراها مع صاحب الساعة لتكتشف أن رقم البائع هو نفسه رقم حبيبها.

***

لطيفة حمانو

 

في صباحٍ بارد، دخلت جارتنا تحمل معها أخبار الحي، وشيئًا من الفضول في عينيها. التفتت إليّ وسألتني:

– كم عمرك الآن؟

قلت: خمسة وعشرون عامًا.

ابتسمت ثم سألت أمي:

– ألم يتقدّم أحد لخطبتها؟

ردّت أمي بحزن:

– ومن يتقدّم إلينا؟ نعيش بما أجمعه من أعمال يدوية وراتب هزيل، والناس الطيبون يعينوننا بعد رحيل الأب وتركنا في هذا البيت المتهالك.

تمتمت الجارة: "النصيب… لا غير."

تساءلتُ في داخلي: لِمَ تذكرنا دومًا بما نحن فيه؟ نحن نحلم ببيت أوسع، بجدران لا تتصدع مع المطر، بحياة أجمل…

رحلت المرأة، وتركت خلفها أمنية عالقة في صدر أمي.

ومع أول مطر في الشتاء، عادت بخبر: رجل يريد خطبتي، يعد ببيت أفضل وحياة أجمل. ثم أضافت بصوتٍ خافت:

– لكنه فاقد للبصر منذ الصغر، ومع ذلك قادر على الزواج والاحتفاظ بك.

همست أمي لي: "سيمنحنا حياة أكرم."

وافقت، علّ الأقدار تُنصفنا.

بدأ الاتفاق. لكن قبل أن يكتمل العقد، عادت الجارة مرة أخرى، تحمل هذه المرة انكسارا جديدا:

– لن يتم الزواج. سمع أن الفتاة ليست جميلة، فعدل عن الأمر.

رددت الفتاة ما اكثر الاحلام التي نسكنها

***

أيسر الصندوق

فتحوه

وبات الجرح بلا عمق يحميه

والتحم العظم بلحم الجرح

ينزف، محشورا

في بقعة ارض منسيه..

وجدوا في عمق الجرح شظيه..

وفي عمق العظم قضيه..

وانهزموا

حيث اراضي الحقد الابدية..

تركوا النار تحاصر من في الأرض

المسكونة بالتاريخ

وأشكال القدر الوهميه..

قالوا زخة ماء

تطفىء هذا الهم وهذي النار الأبديه..

تنثرها غيمات تأتي وأخرى تمضي

عبر مسارات الدهر الساديه..

وغاصوا في لجة احضان الكره

وطقوس النار الثأريه..

وبات الوهج

يلتهم اللحم والعظم والسقف

ولم يبقي شيئا فوق الارض وتحت الارض

غير شعارات الأرض المحروقة..

وظلال وحبال في الساحات

ودماء تقطر قهرا

ورقاب، تتأرجح

في ظل حبال، مشنوقه..

**

هربوا من وجه الله

وفروا

عبر ممرات الحقد

ودروب الموت

ولاذوا،

بخيام المكر الدمويه..

**

عبثوا بالنار وساروا

تحت ظلال الحقد

ودروب الوهم السحريه..

تركوا الأرض هسيساً ودمارا وسخاما

لا مشفى،

ولا حتى طعاما أو خياما

فإلاما،

ايها الماضون في الصخب

إلى الشرق إلاما..؟!

***

د. جودت صالح

19 / آب - 2025

عند نهاية الطريق الضيق، جلس رجل عجوز وصديقه منذ الشباب، ينتظران زوال الشمس وغروبها للعودة من حيث جاءا. كان الرجل العجوز ينظر إلى السماء كثيرًا، يتطلع دون كلام، حتى سأله صديقه:

– أرى الأيام تمر مسرعة دون تأخير.

رد العجوز:

– لا أشعر بعودة النهار ورحيل الليل.

هكذا أجاب الصديق:

– لا تقلق، سيكون كل شيء على ما يرام.

وضع الرجل العجوز يده على عينه وأغمضها وقال:

– تحول كل شيء لدي إلى ماضٍ منذ أن تركت من أحببت ورغبت الزواج منها، لكن مشيئة الأقدار شاءت غير ذلك. وها هي لحظة الانكسار باقية إلى الآن، حتى أنني كنت أنظر إلى صورتها كل ليلة ويأخذني الأرق حتى الصباح.

رد الصديق:

– وكيف تداركت الأمر اليوم؟

ابتسم العجوز وقال:

– قطعت صورتها وأنهيت الأرق بعد ثلاثين عامًا.

سأل الصديق:

– وماذا الآن؟ هل عاد ليلك بهدوء وراحة؟

أجاب العجوز:

– لا، عدت لأبحث عن صورتها في الذاكرة.

***

أيسر الصندوق

المسامير التي دققتها ذات يوم.. على جدار قلبي لأعلق فيها فوانيس دربي، لوحات شغفي رسومات الحبّ قميص نومي.. وقطعا من ملابسي الداخلية... نسيت أمكنتها... بعضها علاها الصْدأ، أخرى اقتلعتها أيادي الشّغب، ومجموعة استحوذ عليها بعض المنتهزين، والمنتهزات، علّقوا فيها شهائدهم المزوّرة، صورهم الفوتوشوب ،…

هؤلاء... لم تحفل بوجوههم أمكنة، لم تبتسم لهم أروقة، ولم تسأل عنهم المطرقة..

من لم يتعلّم في حياته كيف يُدَقّ المسمار،

 هل باستطاعته أن يبنيَ جدارا...؟

***

 سونيا عبد اللطيف - قليبية

 في 15/ 08/ 2022

عند المساء، جمعهما الطريق العام. كانت تسير بجواره، وقد مضى على خطبتهما نحو شهر.

توقف فجأة، نظر إليها بقلق وقال:

– أريد أن أسمع الحقيقة منك، لا أريد أن أُوهم نفسي بما رأيت.

نظرت إليه باستغراب، ثم أجابته بهدوء:

– ما بك؟ لم تقع عيناك في عيني، ولم أخفِ عنك شيئًا.

تظاهر بأنه يعلم، لكنه بدا متردداً. شيئًا في نبرتها أربكه، أو ربما صمتها. ورغم أنه حاول أن يبدو واثقًا، إلا أن إصرارها على أن "لا شيء مهم" جعل منه شخصًا آخر.

قال وهو يُخفض صوته:

– أنا مضطر للرحيل. ربما علينا أن نترك الأمر الآن.

لم تكن تعلم أن من حقه أن يفسّر على هواه، أن ينسج من خياله سيناريوهات كاملة، وأن يضع أمامها كل صيغ التحقيق، وكأنها ارتكبت خطيئة.

رحل، وبعد أيام أنهى كل شيء. لم يكن السبب واضحًا لها، لكنها علمت لاحقًا أن ما دفعه لذلك هو اكتشافه أنها كانت، في وقتٍ سابق، تزور طبيبًا نفسيًا يعالجها من الأرق وقلة النوم.

لم تخفِ عنه ذلك، لكنها فقط... لم تقل.

***

أيسر الصندوق

عجِبْتُ لهذا الصّمتِ مالَ كسِيرا

حكى عَرَباً صارتْ سِلاحاً ظَهيرا

*

توَلّتْ عدُوّاً بالسّلامِ نَهاراً

و ليْلاً تسُومُ الْأهْلَ سَوْماً جَهِيرا

*

تُحاكِي بُطولاتٍ سَدَاها خيالٌ

نَسيجٌ لِذاتٍ قارَعَتْ مُسْتَجِيرا

*

قِرَاهُمْ لِعُجْمٍ ما لَهُ مِنْ شَبِيهٍ

و لِلْأهْلِ تَجْويعٌ، قَراهُمْ نَقِيرا

*

أسودٌ على مُسْتَضْعَفٍ مِنْ ذَوِيهم

نعاماتُ خوْفٍ قدْ غدا مُسْتَطِيرا

*

لهُمْ خُطبٌ عصْماءُ جادَتْ لِساناً

تَماهَى بِحِرْباءٍ تُوارِي خَدِيرا

*

بلاغاتُهُمْ صَهْواتُ غدْرٍ و لُؤْمٍ

تَراهُمْ بُكاءً يسْتَعِيرُ نَفِيرا

*

بِبَذْخٍ بَنَوا أعْراسَهُم فاسْتَزادُوا

مُجُوناً وَعُرْياً ثمَّ سُكْراً عَقِيرا

*

كُرُوشُهُم منْفوخَةٌ مِنْ حرامٍ

حلالُهُمُ ليْلٌ تَمادَى مُثِيرا

*

فما بَالُ عُرْبٍ بالَ فِيهمْ زمانٌ

خَرَى فِيهمُ خَرْياً تناهَى جَعِيرا

*

أراهُمْ ضَفِيراً مِنْ سُلالَةِ صِفْرٍ

تَراهُمْ إذا صَاحُوا أبانُوا صَفِيرا

*

خواءٌ يَشِي خَوْفاً مَلِيئاً بِعُقْمٍ

مَحافِلُهُمْ رامتْ مقالاً نَكِيرا

*

يُحِبّونَ أرْدافاً كمالَ جُسُومٍ

تَسِيلُ لُعاباً قدْ يُسِيلُ سَعِيرا

*

يبِيعُونَ أوْطاناً إذا بَهْكناتٌ

تَهادَيْنَ بِغُنْجٍ أمالَ وَقِيرا

*

يَدِينونَ أدْياناً إزاءَ ثَراءٍ

و دِينَهُمُ ينْسَونَ نِسْياً معِيرا

*

إذا أممٌ رامتْ سِياداً تراهُمْ

يتوقُونَ ذُلّاً رامَ عيْشاً حقيرا

*

كَذا وَصَفَتْهُم حِكمةٌ في قَدِيمٍ

طعامٌ و كِسْواتٌ تَحَرّتْ مَصِيرا

*

حكاها ابْنُ أوْسٍ في معانٍ بِوَخْزٍ

جَرَتْ مَثَلاً يَهْدِي عُبُورا نَظِيرا

***

نورالدين حنيف أبوشامة

شاعر من المغرب

هكذا،

تعودتُ

ألا أستمع إلى صوتك

عند كل صباح.

وربما أنتِ أيضًا

تعودتِ

ألا تسمعي:

"صباح الورد"

ووهج ضحكتي،

بسببٍ، أو بلا سبب.

*

أريدكِ دائمًا

أن تعرفي

أنّ مصدر سعادتي

هو وجودكِ معي،

حتى لو كان وجودًا معنويًا.

*

وجودكِ

يعني لي:

أنني أتنفّس،

وأمارس حياتي

كأيّ عراقي

تخونه الحياة

ولكنه ما زال يضحك،

ويُوزّع سعادته

على الضالّين.

*

وجودكِ

يجعلني

أستيقظ دون أن ألعن الفجر،

وأنتظر الليل

كأنّه وعدُ لقاء.

*

وجودكِ

هو الشيء الوحيد

الذي يجعلني لا أغيّر صوتي

حين أقول: "أنا بخير".

*

فلا تغيبي،

ولو حتى كطيف.

ولا تنسي،

أنّي حين أقول "صباح الورد"،

أعني:

أنا هنا،

أحبكِ،

وأقاوم.

***

جاسم الخالدي

كنت في منفى المحابيس

كانت الأيام تمضي من سباتٍ في سبات

والسقوط السر في عِرف السجود

كانت الوردة بعيدة

عبر بحرٍ من نوايا

غائبات

منْ نواحي في الزوايا العابرة

ومسافاتٍ الى الربع المخاتل من قروحٍ ابدية

حيث تموز على الأبواب جائع

وابتهالاتٍ الى الله ان يأتي الربيع

بالقوافي الوافرة

واغاني من قلوبٍ نادرةْ

حيث تموز على الأصحاب ضائع

وابتهالات الى الله بأن الوقت حان

كالسفينة في الاعصار

والأراضي البور صارت سمةً من قوانين التملك

والعواصفْ قادمة

تتبارى وبأحجار السماء النادرة

والوجوه الساحرة

وابتسامات بأن اليوم عيد

ومناديل الأحبة

بالطفولة النيرة

ثم حبٍ مستديم

كالأمومةْ

من حليبٍ في جنانٍ من مراعي دائرة

أي غربة !

كانت القسوة خنجر من هموم

أي عِبرة .. من تحدي

أي معنى !

فاذا كنت وحيد

في الفيافي قُبرة

تتناطحْ في الهجيرة من حرٍ لهيب

من بقايا ذئبة في حجرة مستترةْ

تتباهى بقلوبٍ من حديد

وإذا انت غريبٌ في المنافي الخالية

تتلفت عبر آهات من الشكوى

وتنادي الورد أن يأتي اليك

وهو ذابل في الحدائق

والمقابرْ مدفن الأجساد من كل غريب

تتلقى من نواقيس تدق الملاحم

تعبر الارجل فيها قافلات

وارتجاف ثم خوفٌ من قلق

فإلى أين الفرار ؟

ثم قل أين القرار ؟

وارتحالٌ من جوار

والى الغيب ومن تلك الهتافات الضريرة

" فانا الشق الغَريق فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ، العميق" **

بعد ان فرت أفراسٌ من الجب النهيق

بعد ان جابت نفوسٌ

في قواميس المقاطع من وجوه الأقنعة

النداءات التي كنا نقول

إنها تأتي قريباً

ثم تأتي بعدها كل الفصول

"جهةُ في النيات جهةٌ في الشبهات

جهةٌ في الغابات جهةٌ في الأموات"

وجهاتٌ وجهاتٌ

من بلادٍ سافرة

وأُسود نادرة

وبها دَبّ الرضيع

بالصواعق حانقات

والمنافي القادمات

عبر أسئلةٍ عند السماع المستطاع

أين من قال الطريق

ليس فيه من بريق

او حريق من صواعق

أين من قال البلاد العامرة

فاذا صوت الخواء

من قرابين المسلات ومن تلك الرموز

وحروف الطين في الكهف الهلامي

أين من قال البقاع ؟

قد خلا منها الزعيق

واستبيحتْ في صكوك

فنمى فيها النعيق

وبقى فيها محابيس يتامى

وبقتْ اطلالها عبر الاثير

***

مصطفى محمد غريب

14 / 7 / 2025

............................

** مقتبس من المتنبي بتصرف

وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ

أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ

 

بنصف ابتسامة

بحلم لا يكبر

بغيابها الشهي

بصرر عجائز

بالرحيل إلي

بقبلة على سفر

بمكر طفلة

بالبدايات

بخلسة جسد

بروح كغيمة

بالبعد عني

بشفتين وأحمر

بما لم تقل

بالنهايات

بأغنية لليأس

بالتي الصمت

بخفة ضوء

بعري سري

برعشتها الليل

بظل نسيان

تحبني

***

فؤاد ناجيمي

 

الكلامُ حجارةُ هذا المساء

حديثُ التشظي

رواغُ النوايا...

قنابلُ مشحونةٌ

بِــ(طوائِفِ)...

مَفْقُوءة العَيْنِ والجَمْهَرَةْ !

*

تتعاطى النبيذ الحلال

كؤوس اللِحى الفاجِرةْ

عمائم نَسْفِ العقولِ

وأحزمةٍ غادِرةْ

خَدَرًا فاضحًا

لايُشَرِّفُ (دينَ الهدى)

بِرُؤىً عاقِـرةْ !

واحتباسٍ حِواريْ

يؤدي إلى

انسداد الشراكةِ فالمجزرة !

*

الكلامُ حجارةُ هذا المساءْ

حديثُ التشظي

رَوَاغُ النوايا...

عقاربُ مجزومةٌ بالظنونِ

حُروبٌ على غفلةٍ

تزرعُ الشك في المقبرةْ !

***

محمد ثابت السُّمَيْعي

 

عناق طويل

طوقتني به

وكلما حاولت الإفلات

أحكمت قبضتها الجسور

هذا ما يشعر به

جيلنا

منحور الأنفاس

**

هرولة مجنونة

وكأنها تسابق أعمارنا

لئلّا

يفلت من بين أضراسها

حلم

للتوِّ شهق

**

تتوارى عن أعينها

فرارا

أعمارنا الغضّة

كلعبة

الصائد

والمصيد

حرب ضروس

لا تخطئ أهدافها

***

إبتسام الحاج زكي

 

كان عصفورا من أولئك الذين لا يكتفون بالتحليق، بل يكتبون على الهواء بأجنحتهم الناعمة رسائل شوق لا يقرؤها أحد.

وكان قلبه، منذ خلق، يخفق بحرارة لكل ما هو بعيد.

ذات يوم، وبينما كان يطير فوق جدول رقراق يمر وسط المدينة، لمحت عيناه شيئا لم يعرف له وصفا... كانت سمكة.

لكنها لم تكن كأي سمكة.

كانت تتحرك في الماء كأنها قصيدة تسبح، وكل التفاتة من زعنفتها تشبه رعشة حب.

مِن أول نظرة، انقلبت وجهته.

صار يعود كل يوم إلى نفس الموعد: ساعة من الغروب، ومكان لا يزوره سواه.

جلس على صخرة مطلّة على مجرى الماء.

وفي البدء، كان يراقبها صامتا.

ثم صار يحدثها، لا بصوته، بل بعينيه.

وكانت تنظر إليه، تلك النظرة الغامضة التي لا تقول نعم ولا لا، لكنها تفتح بابا واسعا للأمل.

كان يسأل نفسه بصمت:

كيف أحبها؟ ولماذا؟

أهي رقة حركتها؟ أم هدوء عينيها؟

أم لأنها من عالمٍ لا يستطيع بلوغه، مما يجعلها أثمن من كل الطيور؟

أحبها حدّ الانقلاب على ذاته.

لم تعد السماء موطنه، بل صار الجدول وطنا مؤقتا.

وكلما اقترب منها أكثر، كلما ازداد إحساسه بأنه لا يملك الكلمات المناسبة ليبوح.

قال لنفسه ذات مرة:

"كيف يمكنني أن أخبرها بأنكِ غيرت مجرى حياتي، يا من لا تعرفين لغة الطيران؟

كيف أقول لها إنكِ أصبحتِ عالمي الحقيقي، رغم أننا من عالمين؟"

كانت مياه الفرات شاهدة على هذا اللقاء المستحيل،

هناك، فقط، في لحظة عابرة، تلاقت الأرواح، وإن لم تتعانق الأيدي.

وأمام تلك المياه ذاتها، وفي مساء مطير، جلسا سوية.

كانت تلك اللحظات تمطر... والمطر يفضح أحيانا أعمق المشاعر.

هي تبتسم بلطف، وهو يحاول أن يحبس قلبه داخل صدره، لكنه يفشل.

كانت تلمس خده بكلمة، وترجه بنظرة، دون أن تدري.

ثم انتهى كل شيء بسرعة.

وعاد العصفور إلى حيث كان.

لكنه لم يستطع العودة بروحه.

ظل قلبه هناك، يسبح معها في الماء.

وبعد أسابيع، قرر أن يكسر صمته.

أن يقول، بصدق ووضوح: "أحبكِ... بكل التناقض، وبكل المستحيل."

 قرر أن يراها وجها لوجه من جديد.

وحين التقيا، لم يكن شيء قد تغير في عينيها،

إلا شيء واحد فقط...

رمقت عيناه يدها، فرأى ما خنقه:

خاتم زواج في يدها اليسرى، يتلألأ مثل برق جاء ليحرق حقله الأخضر.

صمت.

ولم يقل شيئًا.

فهم الآن... أنها كانت تبتسم دون أن تدرك،

تتودد بحسن نية، تعطف عليه كما تعطف النسمة على غصن مكسور، دون أن تدري أن الغصن كان يبني في الهواء بيتا لها.

رجع العصفور إلى سمائه.

لكنّ السماء لم تعد كما كانت.صار الطيران مرّا، والريش ثقيلاً، وكل غيمةٍ تذكره بعينيها.

قال لنفسه وهو يعلو وحيدا:

"لو لا قوانين الحياة... لو لا أقدارها المحكمة... لربما كانت السمكة ستطير، أو كنت سأغوص إليها."

لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الحب،كالموت، لا يحتاج إلى موافقة أحد.

وأن العشق من طرف واحد، هو موتٌ بلا قضية،

وصوت لا يرد عليه أحد.

ومع ذلك... كان ممتنا.

لأنها جعلته يعرف كم يمكن لقلب صغير أن يحتمل،

وكم يمكن لحلم مستحيل أن يمنح الحياة معنى ولو لم يتحقق

***

رنا خالد

 

لعزَّل

يرتطم صداها

بوقاحة

المدجِّج

مكرا

أهدته إياه

لحظة عاثرة

لغراب مسكين

**

صرخات

تصهرها

بوتقة تجارب

استأجرتهم

مختبرا بالغ التكلفة

لتفور منه

صرخات متشظية

يصفونها

بالكارهة للحياة

**

القابع

في الصقيع

لا يملك إلّا مزاعم يبرر بها

وصاية

لأخطاء انشطارية

عصيّة على التصحيح

**

سيصدأ

سيفك المنبعج

وسيجرفك سيل دماء

لصرخات

يتردد صداها

في فضاءاتك

المنحنية

خوفا من الطوفان

**

ثمّة

قبس

يلوح في أفق لبّدته

أياد مضرّجة

تبطش

ذات الشمال مرة

وذات الجنوب مرات

تحاول كتم

صرخات

جريرتها

أنها

تعشق الحياة

***

ابتسام الحاج  زكي

 

أكلَ العصفورُ عصفوراً سقيماً

وغرابُ البينِ يُسقينا الأليما

*

يا بلاداً من أنينٍ وغيابٍ

أضحتِ الأيامُ في أرضٍ جحيما

*

نكدٌ يَطغى وحِرمانٌ توالى

وفسادٌ عاشَ دستوراً قويما

*

عالِمٌ فيها طريدٌ ومُدانٌ

وجَهولٌ صارَ نبراساً عليما

*

لعقودٍ سامتِ الشعبَ عَذابا

بمَسيرٍ جَعلَ الحَيّ عَقيما

*

يا عَصافيرَ بلادٍ إسْتجارتْ

مِنْ طيورٍ أكلت طيراً رحيما

*

أينَ أوكارَ حياةٍ ذاتِ نورٍ

هلْ تلاشتْ وغدتْ فيها هشيما

*

أمّة الإعجازِ مِن فيضِ العُلى

قرأتْ وحياً وجادتْ مُستقيما

*

وتهاوتْ من عُلاها لحَضيضٍ

وتناستْ جَوهراً يَحيا كريما

*

زقزقَ العصفورُ موجوعاً حزينا

فانْحنى غصنٌ رأى فينا الجَسيما

*

منكرٌ يَعلو ومعروفٌ تهاوى

ورسالٌ باتَ مهجوراً قديما

*

قادها مقلاصُ حيناً فتنامت

وغدتْ فيضاً غدوقاً مُستديما

*

أوْجعتها نائباتٌ عادياتٌ

فأصابتْ بلظاها مُستَضيما

*

طالبوا وحشاً هصوراً في صوالٍ

وتناسوا كمْ أبادَ المُستليما

*

فِعلهمْ قولٌ خَجولٌ  وخَنوعٌ

فأذاقوها مَريراً وجحيما

*

إنّهم عاشوا بعَصرٍ حائرينا

جَعلوا الشرّ رغيباً وعميما

*

أيّها العصفورُ زقزقْ بفؤادٍ

نبضهُ أضْحى غريباً ونقيما!!

***

د. صادق السامرائي

سوقها سَغَبٌ...

وإملاقٌ ...

وتسديدُ فواتيرٌ

وخَرْطٌ* لا يُحَدْ

*

لا صِحةً فيهِ

سوى الأسقام فاشية

بطِبٍّ مُفْتَقَدْ

*

لا راحةً للبالِ

و(الأزمات)..

تَقتلُ بافتعالٍ

بسمة الشعب كَمَدْ

*

لا غفلةً تصحو

ولا تعليم إلا الجهل

يرسم جيلنا الآتي

بجهلٍ مُعتَمَدْ!

*

فإلى متى

سيظل ينزف جرحنا؟!

وإلى متى...؟

هل ليْ برد؟!

***

محمد ثابت السميعي

.............................

*خَرْطٌ : تعني كذْب

 

تظنين إنك تهربين؟

وأمامك تيه وبحر

وخلفك بر ونهر

ونبض يحن

وقلب يئن؟

فهل تمزحين..؟

ولا تبرحين،

حدود اليقين

وخطوك ما تزال

تراوح عند السواحل

وانت الى الخلف

عند الصباح

وعند الغروب

فهل تذكرين

جنون صدري..؟

تعوفين اضلعيَ العازفات

لحون الهوى والرعود..

وصمت الذرى والشرود..

متى تذكرين..؟

***

د. جودت صالح

26/ حزيران 2025

اِحتَسَى رَغْبَةً

في كتاب الظمأ

أظمأتْ عَيْنَهُ للمُنى

وُحْشَة الانتظارْ

*

ظمَأٌ قامِحٌ في العيونِ

لِنَبْع المُتُونِ

وليس تَكُفُّ اللهيبَ

عن النارِ نارْ

*

مَآسٍ هنا

وهناك

وصَمْتٌ يُدَوّي

بكل تَلَوِّي

بلا انفجارْ

وحُرُوبٌ كِثَارْ  !

*

فحَرْبٌ

بلا وُجْهَةٍ

وبلا مُستشارْ

وحربٌ تَحُثُّ الخُطى

تغدو خِصَامًا...

تَروحُ احتِضَار

وأخرى تُدارْ

بِتِقنِية الـ(بَطْشَ دي)

تغوَّلَ فيها الضميرُ

وحِيكَتْ بِخَيْطِ دُخانٍ

وقارْ

كوارثُ تطفو

على البُسَطاءِ

وترسو على الانهيارْ !

*

والـ(فَرْط صوتي)

لهُ شَارِبٌ...وإزَارْ

وشمسٌ على كتفيهِ

تُرَابِطُ

دون انكسارْ

تَقولُ..وتَفْعَلُ

لاتنثني لـ(رياحِ الغريبِ)

وإنْ لبِسَتْ قُبَّةً الصَّدِّ

واكْتَحَلَتْ بالدمارْ

إنها للردى

للردى... باحتِقارْ

ففي صدرها

انهزامٌ يليقُ بها

وانحِسارْ

إنها للردى

للردى...باحتِقَارْ

*

ثِق بهذا تمامًا

وآمِنْ بهِ يانهارْ

كماءٍ تَوضَّأَ بالمستحيلِ

وهَدَّ الجِدارْ:

انتِصار

انتِصارْ !

***

محمد ثابت السُّمَيْعي

25/6/2025

 

في بركةِ الليلِ

والطيرُ نائمٌ في وكرهِ

نهضت الكلماتُ

على إيقاعِ البرقِ

بين حصادِ الهواجسِ.

وصمتِ الجدرانِ

نهضت عندما فاجئَ المطرُ

نقصَ الحلمِ

وقفت الكلماتُ

تحت أضواءِ البيت

تكدُ علىٍ جسرٍ

بين النافذةِ المُشرعةِ للسماءِ

لقطعةِ خبزٍ  في مذاقِ الشاي

على شفاهِ الطفولةِ

لمعطفٍ خزنَ شموسَ الصيفِ

لبردِ التواريخِ

لبراري الفراقِ.

وقفتُ ليطلَ

كما ألفتهُ مثقلَ الحنينِ

يزيحُ تعبَ الدنيا

عن يديهِ

ليباركَ الولدَ العنيدِ

جالساً في منفاهِ

في بركةِ الليلِ

**

في بركةِ الليلِ

أماميَّ طيراً

يطيرُ بين رذاذِ المطرِ

وأنا أتململُ بين دفءِ الغبشِ

متعللا ًبانتظاريَّ له مساءً

  ِعلى عَتَبةِ الباب

***

رضا كريم

كانت " ندى" قد بلغت الثالثة والخمسين حين بدأت تشعر أن الصباحات لا تختلف عن بعضها. تستيقظ على صوت المذياع العتيق، تسكب قهوتها في الفنجان نفسه، وتجلس في الشرفة تطالع السماء. كانت السماء رمادية أغلب الأيام، تشبه وجهها الذي بدأ يتجعد كصفحات قديمة لم تُقرأ منذ زمن.

في شبابها، كانت ندى فتاة مختلفة. من النوع الذي يكتب الخواطر في هوامش الكتب، ويقضي الليل يقرأ تحت ضوء مصباح صغير حتى تنام الكتابة بين أصابعها. حلمت بأن تكون روائية. لا، لم تكن تحلم فقط، كانت تؤمن بذلك كما يؤمن الطفل بأن البحر لا نهاية له.

لكن الحياة لم تسلك الطريق الذي أرادته. بعد تخرجها من كلية الآداب، وجدت نفسها تعمل في مكتبة صغيرة في حيّ شعبي. لم يكن سيئا، كانت الكتب حولها، والروائح الورقية تملأ أنفها بالأمل، لكنها لم تكتب. دائما كان هناك شيء يجب أن تنتظره : وقتٌ أنسب، عمرٌ أنضج، خبرةٌ أوسع. مرت السنوات، تزوجت، ثم افترقت. لم تنجب، لكنها لم تشعر بالندم. كانت تقول لنفسها: "سأنجب كتبي."

ولكن الكتب لم تأتِ.

في الاربعين ، شعرت أن الوقت بدأ يسرق منها الحروف. كانت الكلمات لا تأتي بسهولة، تصعد من أعماقها كأنها تتسلق جبلًا. كانت تكتب، ثم تعود لتمزّق الصفحات. تقول: "هذه ليست ندى التي حلمت بها في العشرين."

ذات يوم، زارتها فتاة في المكتبة. شابة صغيرة، في بداية العشرين، ترتدي نظارة مستديرة وتحمل دفتراً سميكاً تحت ذراعها. قالت لها بعد حديث قصير:

"أنا أكتب رواية، وأريد أن أكون مثلك، محاطة بالكتب طوال الوقت."

ضحكت ندى بمرارة. أرادت أن تقول لها: " لا تكتفي بالاقتراب من الحلم، التهميه قبل أن يبرد."  لكنها صمتت. من هي لتعطي النصيحة؟ كانت مجرد ظلّ لحلم لم يكتمل.

الدفتر الأزرق الذي كانت تخبئه في درج مكتبها كان يحمل أجزاء متفرقة من رواية بدأت بها منذ عشرين عامًا. شخصيات غير مكتملة، حوارات نصف حيّة، ووصفٌ جميل بلا معنى. كانت تكتب فيه كل ليلة، ثم تتوقف قبل أن تنهي أي شيء.

في إحدى الليالي، سقط الدفتر من الدرج، وتناثرت صفحاته على الأرض. جمعتها ببطء، كأنها تجمع أجزاء قلبها، ووقعتعينها على فقرة كتبتها منذ زمن:

"كنت أهرب من الكتابة لأنني كنت أخشى أن تفضحني. كنت أعتقد أنني لا أستحق أن أُقرأ."

أغلقت الدفتر، ووضعته على طاولة صغيرة بجانب سريرها. لأول مرة، قررت ألا تكتب شيئًا جديدًا، بل أن تقرأ ما كتبته بصوتٍ عالٍ. كأنها تستمع لنفسها لأول مرة.

مرّ شهر كامل دون أن تفتح الدفتر مجددًا. وفي صباح رمادي آخر، جلست في الشرفة، تتأمل الغيوم وهي تمضي بعيدًا. لم تكن حزينة، لكنها لم تكن ممتلئة كما كانت من قبل. شعرت أن طموحها الذي تمسّكت به كل هذه السنوات صار مثل السراب، يلمع في الأفق دون أن يُمسك.

لكنها لم تندم.

الندم كان سيعني أنها كانت تملك الخيار.

أما هي، فقد كانت مقيّدة بخيطٍ رفيع من الخوف، والخوف لا يعطيك خيارات.

وفي مساءٍ هادئ، سلّمت ندى مفاتيح المكتبة لفتاة جديدة، تلك نفسها التي زارتها قبل أعوام. قالت لها بابتسامة شاحبة:

"لا تنتظري النضج... الكتابة لا تحتاج إلى إذن من العمر."

ثم مشت في شارعٍ طويل، تحت ضوء برتقالي باهت. تمشي ببطء، كمن يودّع مكانًا مكث فيه عمرًا، ولم يترك فيه سوى صدى أمنية لم تتحقق.

***

قصة قصيرة

رنا خالد

عيناكِ يلفّهما الغموض،

كأنّ فيهما أسرارًا لا يفهمها الكهنة.

كلُّ شيءٍ فيكِ يوحي بالخفاء،

حتى صوتكِ، هذا الذي يطوّق أسوار مسامعي،

يهتف في قلبي، يعصف بجسدي،

ويتركني أترنّح في ريحٍ

تقذفني نحو مكانٍ لا يعلمه أحد.

*

آهٍ يا زليخة، دعيني أفسّر حلمي…

فقد دعتني الشمس ذات يوم،

ثم تبعها القمر،

في جولةٍ، لعلّها كانت دعوة سماوية

إلى منتجعٍ تحرسه الملائكة.

هناك، اصطفت الكواكب ترحيبًا،

واستقبلني ملكُ السماء،

وكلّلني بوقارٍ ملوكي.

*

ومنذ ذلك الحين،

صرتُ أميرًا أتحكّم بشعاع الشمس،

لأغوص من جديد

في ضوء نظراتكِ،

تلك التي لا تزال تضيء المكان…

***

عقيل العبود

......................

تنويه: قراءة تأملية مستوحاة من قصة النبي يوسف ع التي وردت في القرآن.

نهرٌ غارق في مائه

يُساومني أسراري

ما قربت جرفه

والقشلة ترياق إن لمَ بي وجعُ

قدماي تَحبو لمقهى الشاه بندر

وجذوة الشوق

متقدة

كنتُ هناك لارفل على قارعةِ المكان

العابق بأنفاسكِ

أتصفح بعض أوجاعك

كل مفردة

تنبت في القلبِ وردة

تأتي رافلة بايقاع الصبر

إن لاحت لي .

وطيفك ل

طيفك ترياق لاجفاني

كسحر بغداد إن مر ذكرها

لمغترب

يسرح في روض من الجوري

وفي حزن يعاتبها

(حبيتك وآنه ادري بدربي ويه دروبك ما يتلاكَه حبيتك وآنه ادري بكَلبي ما يكَدر يكتم اشواكَه بس حبك قدري المكتوب)*.

***

كامل فرحان حسوني ...العراق

..............................

* الشطر للشاعر طاهر سلمان

لا يهمني شكل الوقت بعد هذا الليل

سآخذها معي

حيث القلب

سبحة أمي العجوز

قبلتها على اسمي

انتظارها عودتي ليلا

وبعض حكاياتها عني

وأنا صغير

قالت

كم كنت شقيا

تتقن دور العريس

تضم ابنة الجيران إليك

ولا تخجل يا ولد

*

سآخذ

مشهد الفجر

من صلاتها

سورة النساء

في مصحفها

وعشب قبر أبي

لا يهمني شكل الوقت

بعد هذا الليل

يكفيني حبة قمح

كي أحمل الأرض

في ثنايا البداية

ووصف ميلاد المشردين

وبكاء البلد للبلد

*

ولي حزن هنا

قرب مدفأة

إلى أن يعبره الشتاء

أستظل بالنسيان

وأمارس الحياة

كما تهوى الحياة

أقرأ، أحب، أكتب

وأرتشف قهوتي

لعلي أرمم وجهة

الرجوع إلي

ثم أبدأ الحكي

عن ليالي الظلال

وعن الأزرق الذي

طال خطوي كالأمد

*

إن الحدائق إن أقبلت

تطوي مرور الخريف

منذ متى تنتظر

على عتبات الوردي؟

منذ السماء

ألن تنتهي؟

من تعلم السماء

لا ينحني لليأس

يظل بجانب نفسه

يؤنس الأمل

ولِم الرحيل إذا؟

استراحة من غصة

الأمس ومحاولة

لتأتيت ذات بذاتها

وماذا عن الهزيمة؟

لم انهزم

كنت وقد

انفصلت عما

حولي اللاأحد

*

ممكن هم الحالمون

من قال

أن الرحيل غياب؟

اغترب

قد يصحو كنه الذات

داخل الغفوة فجأة

وتصلح خطأ ما

كان يراود خطاك

لا لكي تروض المعنى

على مقاس الأشياء

بل لكي تعيد المنحى

المثقل بالخيبات

إلى سياق الحلم

تجدد

واحتفي بك

كما يحتفي حب

بين روح وجسد

*

ما الذي يحمل صوتك؟

لا شيء

غير إيقاعي الداخلي

فالصوت مرآة اللحظات

سأصعد إلى صمتي هناك

وأستريح من اليومي

لا أريد أن أصرخ

هل كنت تبكي؟

تذكرت النهار

كان شبه موسيقى

وأحيانا عتمة لا لشيء

سوى أنه ردة فعل

والتاريخ يجتر المذبحة

أتشهد؟

يسكنني الناي

منذ الدم

ينثره علي

أو يكد

*

كن الآن

على شكل نخلة

تطل من سماء

بعضا منك

أو مغزى قصيدة

كن قافية

واكتمل بك

استرح من أمس

وامتلئ بالغد

فكل غد بداية أخرى

صفة للولادة الأولى

لك الآن من أمامك

ومن وراء ما تركت

واحتمل الأتي

عن حتمية

لكل إساءة مجاز

وامضي إلى نفسك

عن كمد

وارحل إلى الأبد

***

فؤاد ناجيمي

 

السّيد إلياس لم يكن يُدرك بأن ألم الفُراق سَيجعل منهُ إنساناً آخر. مُنطوياً على نفسهِ، شارد الذهن، وغائباً عن هذهِ الحياة. بعد أن تجاوز إلياس الستين من عُمرهِ، فقدَ شغفهُ بكل شيءٍ قبل أن يفقد ذاته. حيثُ توفيت زوجتهُ (إريانا) منذُ عامينِ ونصف، بعد أن أُصيبت بمرض الإنسداد الرئوي المُزمن. الذي لم يُمهلها طويلاً حتى فارقت الحياة وإلياس معاً.

إريانا كانت إمراةً جميلة وطيبة القلب وتحب مساعدة الآخرين. إنها أول سيده تؤسس داراً لرعاية الأطفال المُشردين في شوارع مدينة (بيرايوس). إنها إمرأة مُثابرة وعظيمة حقاً.

بعد وفاتها أدمن إلياس شُرب الكحول إلى أن أُصيب بتليفٍ حاد ٍفي الكبد. لم يُبالي إلياس بخطورة مرضهِ ولم يخضع حتى للعلاج إلى أن أصبحت صحتهُ في تدهورٍ مُتزايد.

تجدهُ دائماً مُستلقٍ في حديقة منزلهِ تحت شجرة الرمان، ليسترجع ذكرياتهُ مع إريانا. حيثُ كانا كل صباح يقومانِ بري النباتات والزهور والعناية بهما، وكان كلبهما (تيتيان)، رفيقهما المُخلص في هذه الحياة.

ينتابهُ الشعور بالألم كلما تذكر قول زوجتهِ لهُ: بأنها لن تتركهُ أبدا حتى يُفارقان الحياة معاً.

على تمام الساعةِ التاسعةِ صباحاً، استيقظ إلياس ولم يجد كلبهُ نائماً بجوارهِ، فراح يُنادي عليهِ بصوتٍ مُتعب: تيتيان تيتيان. بحثَ عنهُ في كل مكانٍ داخل المنزل فلم يجدهُ !. فخرجَ إلى الحديقةِ بخطواتٍ مُثقلة ومُترنحاً يميناً وشمالاً، باحثاً عن كلبهِ،  فوجدهُ ميتاً تحت شجرة الرُمان.

صَرخ إلياس بشدهٍ: إريانا، تيتيان

ثم جثا على رُكبتيهِ وسقطَ مَغشياً عليهِ.

***

قصة قصيرة: أريج الزوي

في زقاق ضيق بمدينتي

صادفت حزني ينتظرني

يدفع بي إلى حانة النسيان

على كرسي خشبي ألتقط أنفاسي

أبعثر تاريخ حياتي

بهدوء الحالمين ألثم جبين طفولتي

أشرع نافذة الانفلات الناعم

أتصفح فهرس ما تبقى من فتات

أمدّ يدي نحو منديل الاستسلام

وأكتب على ظهر صورتي:

هذا عابر سبيل ضل الطريق

مدينتي تبرأت من خطواتي

أعْلنَتْني عاصِيا قادما من زمن الطاعون

ثم شَدّت وثاقي وسلمتني لشرطة المشبوهين

قالت سيدة قادمة من حي " الضيعة":

هذا مُعَلّمٌ "بدوار ابن جلول "

يركب دراجة خضراء

يدعي أنه "شاعر نحرير  "

وقال رجل ضرير:

إنه كان يعبر كل صباح

"باب الحرية"

نحو قرية التنشيف الجديدة

يقرأ زبوره، يُعلم الصّغار

لُعبَة التمرّد على الحقيقة

يتلو بهدوء مرثية مالك بن الريب1

ثم يمضي إلى حال سبيله

2

عند الربية الخضراء

ومفترق الطرق الأربعة

تتنهد طيور الزرزور

على شجر العراعر

يرتَدُّ الزّمنُ ناكصا

ترتمي الأماكن بين ذراعي الذاكرة

بلباس خَاطتْه حُور الجزر الفضية.

تومض بوارق المحجة البيضاء

تبزغ سَربة الخيالة

أشُمّ رائحة البارود

لا ضير في ذلك هو عام "سبعة وستين"

أنا طفل أمسك بيد أبي، والخيل ساطعة الغبار

الأرض تبتسم لحوافرها في انتشاء

والسماء تزهو بنقعها المترامي

موسم المدينة يتمطى، يمدّ فساطيطه للعالمين

على أعتاب "العامريات"2 تقام الولائم

يحتفي الأموات والأحياء بسويعة اللمّة

***

محمد محضار

18 مايو 2025م

..................

1- شاعر وفارس من بني مازن بن مالك من بني تميم

2- العامريات: مقبرة بمدينة خريبكة

 

دَعِينا نَبتَهلُ معا

للربِ

ان يعِيذَنا

من تبعاتِ العشقِ!

من أوجاعهِ؟

فلا نُذعِن

لِعاذلٍ

أو واشٍ

نهمس لارواحنا بحنو

لا للوعة الفراق

وحزنه

إلا الغيرة؟

جُبلنا عليها

فانا أغارك من حُلمٍ

راودكِ بغيابي

هل لنا ان نضبط البوصلة؟

فلا نصل لمرحة الاحتراق

تعالي لنجعل من الحب ماء الحياة

فجميل أن نحيا بين ماء الحياة

وروح النار.

***

كامل فرحان حسوني

 

أيا ذاتَ العيونِ، ومَنفى الدُجى،

وصوتَ المواويلِ في مَجمَرِ...

أُحبُّكِ... لا تسألي العاشقينَ،

ففيكَ البدايةُ والمَصدرِ!

*

تركتُ الفصولَ لأجلكِ طوعًا،

نسيتُ الزمانَ وما يُدَّكرِ...

كأنكِ كنتِ رؤى الأوليـنَ،

وكانت خطاكِ على الأسطرِ...

*

تجيئينَ مثل انبلاجِ الصباحِ،

ومثل ارتعاشاتِ نور القمرِ...

وتغفينَ في الروحِ مثل ارتواءٍ

بماءِ الحياةِ، وماءِ السُّكرِ!

*

أُقبّلُ نبضكِ، لا فرقَ عندي

أهوَ في القصيدةِ أم في السَحرِ؟

أُقايضُ بالعمرِ كلَّ ابتسامٍ،

وكلَّ التفاتاتِكِ المُزهرِ...

*

أيا أنثَتي... إن قلبي تراتيلُ

وإنكِ نشيدي... وإنكِ وِتري!

أحبُّكِ... لا منطقٌ في الهوى،

ولا حكمةٌ في غرامي الكَبيرِ،

فإمّا جنونٌ يُبدّدُ صبري،

وإمّا اتّزانٌ يموتُ بناري!

*

رأيتكِ في الحلمِ، حتى إذا

استيقظتُ، وجدتكِ في انتظاري،

كأنكِ تُرسَلُ من كوكبٍ،

على هيئة الضوءِ في ليلِ داري!

*

كأنكِ أسرارُ هذا الوجودِ،

وخفقُ السنينِ، وسِرُّ انتظاري...

فماذا أقولُ؟ وكلُّ اللغاتِ

تموتُ، وتبقى عيونُكِ داري...

*

أحبُّكِ حبًّا لو انقسمَتْ منهُ

كواكبُ هذا الورى... لاحترقْنَا!

*

فإن شئتِ، فلتأخذي ما تبقّى

من القلبِ، منّي، ومن أغنياتي...

أنا العاشقُ التائهُ المستكينُ

على ضوءِ عينيكِ في لحظاتي...

*

أجيئكِ شعراً على شَفَةِ البوحِ،

أجيئكِ نبضاً من الذكرياتي...

وإن متُّ، إنِّي وصيتُ الورودَ

بأن يذكُروا اسمكِ في صلواتي...

***

بقلم: احمد عزيز الدين احمد

 

المدرسةُ تلكَ الواقعةُ

خلفَ ظهِر العائلةِ

واقعتي الأولى

بين أصواتِ الحماسةِ

دار     دور    نار     نور

عالمٌ أخاذٌ بين قدميَّ يمورْ

صوتٌ يعبُر من خللِ هشيِم النوافِذ

لأناملٍ

تغرسُ تطلعاتِها

في رسائلِ البردِ

بين أحجارٍ دارٍ

على سفوحِ النورِ

بين دروبٍ كمساربِ أفعى

في ضواحي بغداد

النائمةُ بين الحقولِ

دار دور

ثوب باختبارات ريح الشتاء

والعلم بقمة الصباح

بعصا المعلِم على أصابعِنا يدورُ

دار دور

بكينا يتيَم العيدِ

بأحداقِ الرصافي

هجسنا بصمتٍ

أينَ حقي

بطلعةِ الصباحِ

أزارُ أمي أسودْ

وجرحُ الضحايا فمُ

دار دور

ميزان قبا ن

جرحُ الضحايا

مرزوق دقَ بابَنا

بأصابعِ شلَها بردُ شباط

مَنْ كان يرتجفُ على البابِ

مرزوق؟ أم شباط

أمْ العلمُ المتلاطمُ أمْ أجسادُنا بين الغيوم

***

رضا كريم

 

قريبا من قوس قزح

وعلى بعد خطوة

من حلم،

هنالك..

بالمعنى الذي ترويه عودة العصافير المنسية

حيث القصائد

فقط

تكابر عطش الفصول،

نبتت شجرة تين

تُشاكسُ سردية للتّرنّم الباكِي

وتكتب سيرة العابرين..

إنّ الدم للدّم يرنو

والمصائر قدْ يلوّنها

تفقد من تركوا

في أعناق الشعر

أمانة

ورسالة تعرّي

غوغاء لصوص الأحلام،

وتسمو في الوقت الذي ينحطّ فيهِ

كلّ شيء.

إن الدم بالدم يُكتبُ

يُغالب وصايا الريحِ

ويُراوغ قوافل القتلة،

فالمُلهمة

دوما

شجرة التينِ

تلك

حين يُقمّطنا الوجع

مركّباً،

وتشوك ما بين الجوانح

أسئلة الموت والشك

تسيّج الغائر فينا

من مُدن للتغوّل

وخمولِ

نقاطِ

اليقين.

هنالك

شجرة الغواية تلك

الأغرب

في السياق

أنّي

ومشوقتي

ولدنا قبلها محوقلين،

مُبسملين

بأبجدياتِ

هذي الجذور.

إن الدم من نافذة

يذكّر بأنوثة الورد

وينسج أسرّة

من غيم

لحمل العذارى

إلى النسق البعيد جدا

من الحكاية

أنأى ما الورطة تكون،

ما دام الدم بمعنى الحاجة إلى فتح وإنْ ــ كوة ــ

عبرها

تــُـرسل إيقاعات حياة تغنّينا

مثلما نغنّيها،

ومادام الدم التعويذة التي تستدعى حوريات الأنس

تحت شجرة التين تلك

والتي ولدت أنا وحبيبتي،

قبلها،

مُعلنان أنّا

نمتد ونمتد ونمتدّ

في الجذور.

***

شاعر من المغرب

مَدينتنا بها وجعٌ ثقيلُ

فِداكَ بأرضها سُلِبَ الأصيلُ

*

شوارعُها مُعفرةٌ بظلمٍ

معالمُها يشانؤها العليلُ

*

كشمطاءٍ بَدتْ حَسناءُ أرضٍ

روائعُها بها أزرى الخشيلُ

*

هي التأريخُ من أمدٍ بَعيدٍ

يُعانقها فيأتلقُ الجميلُ

*

بباعثِها تسامتْ في عَلاءٍ

مُحصّنة يُحاوطُها الرَعيلُ

*

وأقوامٌ لصولاتِ احْترابٍ

إذا هَجموا يَهابُ المُستحيلُ

*

لهوْن فتاتِها نَهضتْ جيوشٌ

لنَخوتِها وما عاشَ الذليلُ

*

ثمالةُ كأسهِ بقيتْ دليلاً

يُبرهنهُ بها النصرُ الوبيلُ

*

ووارثها رأها نورَ شمسٍ

وأبقاها على عَرشٍ تديلُ

*

وفيها كلّ مَخلوقٍ أمينٍ

يسامرها وفيها  يَستطيلُ

*

ثراها يَحتوي أعْلامَ أمٍّ

جَهابذةٌ لا يُضاهيهمْ مَثيلُ

*

بثالثهم تسامقَ مُرتقاها

بجامِعها ومِئذنة تجيلُ

*

ومُبتقل يُحالف مَن أتاها

كذا أفنى بها إبنٌ خطيلُ

*

تهاوى بَعدهُ عصرٌ منيرٌ

لفوضى قد تولاها الدَخيلُ

*

بأرْبعةٍ أذاقوهم مَريراً

وواحِدُهم يُخنّعهُ الكفيلُ

*

فما عادتْ خلافتهمْ كفعلٍ

برمزِ وجودهم سادَ القليلُ

*

أباحوها ومُعتزها سَجينٌ

ومهتديٌ يطاردهُ القبيلُ

*

لأوّلهمْ ألا ذبحوا مُعينا

فخانوا جدَّهمْ فنمى الهَزيلُ

*

مَدينة أمّةٍ في قاعِ ويلٍ

مكبلةٌ يُصفّدها النَزيلُ

*

ويَدعوها لماحقةِ انْطلاقٍ

فينهرُها المُقلدُ والبَقيلُ

*

لماذا أمّة الإنسان فيها

تَباريحٌ يُترجمُها العَضيلُ

*

تُخاطبني بصَمتٍ ذي صُراخٍ

فأسْمعها وقلبي لا يُعيلُ

*

وروحي في أجيجٍ واضْطرامٍ

وعنْ بعدٍ يُحاورها الخليلُ

*

سلامٌ يا هوى عُمري وقلبي

لبُعدِ وجودِنا أنتِ الدليلُ

*

تُعلّمنا الصعودَ إلى عَلاءٍ

وجاوَنُها لمُنطلقٍ يَميلُ

*

عقولٌ أبدَعتْ وسقتْ جميلاً

شواهدُها يُباركها السليلُ

*

أكلمها وعيني لا تراها

وعاشتْ في كياني تَستميلُ

*

كجَوهرةٍ بأنوارِ ابْتهالٍ

وأمْجادٍ يتوّجها الجَليلُ

*

سرورُ الكونِ في حُللِ التآخي

وبَهجةُ أمّةٍ نغّمٌ أثيلُ

*

تحياتي وحبي واعْتزازي

لمَعشوقٍ يقرّبهُ الهديلُ

***

د. صادق السامرائي

 

بلاد ما بين البؤسين

بينما أنا في أحد المحلاّت الشرقية في الشتات، إذ لاح لي ثمة شخص بدا من سحنائه انه من بلاد ما بين البؤسين، يدور برأسه كأنه يبحث عن شيء ما..!

فاندفعت لا إراديّاً بقوة هاجس نحوه، وسألته عن أي شئ يبحث، فقال لي انه يبحث عن الجريش، فرافقته الى مبتغاه، وأشرت بسبابتي لذلك، فقال لي : هذا جريش الشعير، ونحن العراقييون لا نأكل الشعير..

فقلت له كلامك لا شك فيه، ولكن ما تقوله ذات يوم ان كلامك أصبح في خبر كان..

فهل نسيت يا صديقي حقبة السلطان المسعور الذي جعلنا نأكل الحشيش كالأنعام، نتيجة حروبه الرعناء!

فمضى وعلى وجهه ابتسامة حزينة، وتدلّى رأسي المثقل بالذكريات والوطن المستباح ..

**

مات الأسد

حين استيقطت من النوم صباحاً، وجدت عبارة (مات أسد الغابة) مع مقطع فيديو وذلك من صديق قد بعثه لي، ومحتوى الفيديو أن ثوراً مزّق

الأسد بقرنيه حتى أرداه صريعا .

فكتبت له تعليقاً ..

العالم والزمن قد تغيّرا يا صديقي، ولم يعد كالزمن الغابر، نعم .. فالأسد كان ملك الغابة، أمّا الآن أمسى العالم كله غابة، ولا وجود لأسد يحكم غابة مترامية الأطراف، وبغياب الأسد امتلأت الغابة بالذئاب والضباع، ومخلوقات غريبة متوحشة تتقاتل فيما بينها، وكل صنف يريد ان يكون ملك الغابة..

***

د. ابراهيم الخزعلي

جلستُ امام حاسبتي، شاردة الذهن، اكتب، ثم امسح، اطارد فكرة شاردة، لكنها عصية على الاصطياد.. يا اللهي.. هل ما امر به، هو ذهول، ام شعور بالعيش في المكان الخطأ..

استعرضتُ يفاعتي، حيث ضحكات من حولي من اخوتي واخواتي ودلال امي لي، واستذكرتُ ومضات من احاسيس المراهقة التي لم اعشها، كما عاشتها من اعرف من قريناتي، كنت ذكية كما يردد اهلي وزميلات الدراسة الاولية ومعلماتي، وكان هذا الامر يفرحني، لكن الذكاء بلا طموح كالطير دون اجنحة.

اغلقت حاسبتي، دون ان اكتب شيئا.. وتوجهت الى مكتبتي الصغيرة، فسحبت كتابا منها، ثم هيأت فنجان قهوة من التي احبها، وبدأت اقرأ.. صفحتان فقط، ثم هجم عليّ الملل، فأغلقت الكتاب، واهملت ارتشاف القهوة.. وبت ادور في غرفتي الصغيرة، لا اقوى على فعل شيء.. فرميت نفسي على اريكة ملساء آذتني كثيرا..ما العمل ؟ تساءلت: كيف انهي هذا الوقت المليء بالقلق.. لم اجد جوابا.

عدتُ الى حاسبتي.. وبدأت اصابعي ترسم حروفا.. والحروف تتجمع كلمات، فولدت ما اسميته قصة، دون ان اخطط لذلك، فتنفست الصعداء مع بطلة قصتي التي اسميتها " سعاد".. واصبحت صديقة لي، فأنني اراها الان جالسة أمام المرآة، تحدّق في وجهها كما لو كانت تراه لأول مرة. لم يكن وجهًا غريبًا، بل وجه امرأة صبورة، قوية، تخبئ خلف خطوط السنين ألف حكاية لم تُروَ بعد.

همست لنفسها: "اربعون سنة... هل هذا كثير؟ أم أنني وصلت فقط إلى البداية الحقيقية؟"

أجابتها نفسها في مرآة القلب:

– "لقد أعطيتِ الجميع يا سعاد، ولم تبخلي على أحد. ألم يحن الوقت لتُعطي نفسك؟"

عادت الذكريات سريعًا، ماذا كانت تتمنى، ثم قالت في صوت خافت:

– "كنت أحلم أن أكمل تعليمي، أن أحصل على تعليم عال، أن أكتب بحثًا يحمل اسمي...

ردّت عليها روحها التي لم تخنها أبدًا:

– "لأنك كنت تؤمنين أن لكل وقتٍ أولوية... وقد آن أوانك."

سعاد نهضت، فتحت درج مكتبها، وأخرجت ملفًا قديماً كُتب عليه بخطّها: "مشروع البحث – مؤجل". ابتسمت وهي تلمسه وكأنه كنزٌ نسيه الزمن.

– "لم أعد صغيرة، صحيح... لكنني ما زلت أملك عقلاً ناضجاً، وخبرة لا تُشترى. وما دمت أتنفس، فأنا قادرة..

كانت تلك الليلة بداية فصلٍ جديد في حياتها، لم تدرِ كم سيستغرق، لكنها كانت متأكدة من شيءٍ واحد: الوقت... صار لها.

فلم تسمح لليأس أن يُطفئ نار الطموح..

وفعلا..لا يأس مع الطموح، فمن يملك الحلم والإرادة، يملك القدرة على تغيير العالم.

وبدأت صداقتي مع سعاد، ولا اظن إنها ستنتهي !.

***

قصة قصيرة

رنا خالد

صديقتي جورجينا..

أُرسل لك سلامي وقُبلاتي وأشواقي،

وَددتُ في رسالتي هذه الإطمئنانَ عَليكِ، وعلى حَياتكِ في تورينو.

كَما  وددتُ بأن أُخبركِ بأنني اليوم ألتقيتُ "بِسيلا " في مكتبة نيويورك العامة، التي ذهبنا إليها أنا وأنتِ فِي شهر نوفمبر مِن عام 2005، عَلكِ تَذكُرينها.

تلك المكتبة التي قَرأتُ فيها رواية " أشياء رقيقة" للروائية/ دانيال ستيل، وجلستِ ِ أنتِ بِجانب الشُباك تتأملين المارة وغارقةٌ في كتابة قِصتُكِ القصيرة " دُموع الناي".

سِيلا أيضاً مِثلُكِ قاصه وروائية، ومُرهفة المشاعر والأحاسيس. 

يبدو أنني مَحظوظة بكما!

جَمعتني الصُدفة "بِسيلا" في ذَات المكان الذي صادفتُكِ فيهِ في مَحطة " غراند سنترال" بحي مانهاتن.

أتذكُرين ذلك يا عزيزتي؟

لقد كُنتِ جَالسهً علَى المِقعد وتنتظرين

القِطار القادم.

وَكنتُ أنا في عُجالةٍ مِن أمري وفي يدي كُوبٌ من القهوه الذي انسكبَ علَى حقيبتكِ.

لقد شَعرتُ بالخجلِ منكِ حِينها وأعتذرتُ لكِ مِراراً وكانَ إعتذاري بِمثابة طَلبَ الغُفران مِنك

لا أُريدُ أن أُطيلَ عَليكِ

وَ لكن أريدُ أن أخبِرُكِ بأنني بَدأتُ في كتابة أول نص أدبي لي بعنوان:

" صُدفتان في سَنترال"، سأُرسِلُه لكِ ريثما أنتهي من كِتابتُه.

وَأُريدُ وَعداً مِنكِ بأن نَلتقي أنا وأنتِ و" سِيلا"

 في ذَات المَكان عندما تَعودين إلى نيويورك

لكي نجمعَ الصُدف في صُورةٍ تذكارية

نحتسي فيها القهوة معاً.

صَديقتُكِ المُحبه لكِ دَوماً/

إيما أدريان.

15أبريل 2010م

***

أريج الزوي

الصفحة 1 من 3

في نصوص اليوم