نصوص أدبية

كريم عبد الله: خرائط الخراب

في هذا العالم الذي تقيّأَ رمادهُ على وجهِ الصباح، تتكسّرُ المدنُ كما تتكسّرُ الفصولُ في دفترِ طفلٍ نازح. الأنهارُ هجرتْ مجاريها، والموسيقى أصبحتْ شهقةً مكتومةً في حلقِ البيوتِ المحترقة. لم يعد للسلامِ وجهٌ نعرفه، فهو يتنكرُ بأقنعةِ القادةِ، يُصافحُ الضحايا بيدٍ ملوّثةٍ بالرماد. كم قصيدةٍ انتحرتْ على رصيفِ مدينةٍ تُقصفُ كلَّ مساء، وكم طفلاً حَلِمَ بلعبةٍ، فاستفاقَ على صاروخٍ يسألُ عن اسمه! العالمُ يتأرجحُ على حبلِ الكارثة، يتقيأُ بياناتٍ رسمية، ويرشّ عطرَ الصمتِ فوقَ مقابرَ بلا أسماء. قلوبٌ مُعلّبة، ضمائرُ محفوظةٌ في ثلاجاتِ الدبلوماسية، وخطاباتٌ مملّحةٌ بحبرٍ لا يموتُ لكنه لا يقول. العدالةُ تجلسُ على رصيفِ الحياد، تعدُّ القتلى وتنسى أن تبكي. أكتبُ، لا لأُنقذَ العالم، بل لأشهَدَ أنني كنتُ هنا حين أصبحَ الخرابُ وطنًا، والصمتُ جنسيةً مؤقتة.

***

بقلم: كريم عبد الله - بغداد - العراق

في نصوص اليوم