الرئيسية
عبد الرضا حمد جاسم: مذكرات جندي احتياط (1)
من منتصف1981 إلى منتصف1984
كنتُ قد نشرت هذه المذكرات في عام 09.08.2010 الرابط
https://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=17406&catid=213&Itemid=620
وفي يوم 15.02.2021 استلمت على الاميل من المثقف الغراء تعليق هو التالي:
ابي الغالي
[إني بنت الضابط سلمان اسماعيل فرحان جوهر المياحي اتشرف بتاريخ والدي واشكر حضرتك على هذه الكلمات الرائعة]انتهى
كتبتُ لها الرد التالي: [الغالية بنت الغالي بنت الكرام الطاهرين جوهر المياحي بنت اخي البطل النقيب سلمان سماعيل فرحان المياحي . شيء ولا في الخيال ان تقولي ما قلتيه ايتها الكريمة...والله اكتب وانا ارتجف حباً وخجلاً. الموقف صعب...صعب جداً ويجب ان يأخذ حقة. أتمنى يا بنتي الغالية وانا عمك ان اطلعت على مذكرات جندي احتياط ومواقف والدك الشهم النبيل الشجاع ليس معي فقط انما مع كل كان بمعيته...هناك مواقف كبيرة و كثيرة وردت في المذكرات قد لا يصدقها احد لكن كل منتسبي لواء مشاة 506 يعرفون الكثير منها و يحبون ويحترمون اخي الغالي سيدي النقيب سلمان اسماعيل فرحان المياحي له الذكر العطر الدائم والرحمة و لكم الشرف و العزة و المجد. اتمنى ان اتمكن من ان اعيد نشرها هنا في صحيفة المثقف الغراء وأقدم لها بتعليقكِ هذا. قبل راسك واُقبل حجر قبر الكبير الشهم النقيب سلمان اسماعيل فرحان المياحي...حفضكم الله وبارك بكم وسلمكم من كل مكروه...عمك الجندي الاحتياط عبد الرضا حمد جاسم] انتهى
وكان ردها: [اهلا وسهلا عمو اتشرف بمعرفتك وقرأت المقال أكثر من مرة وكان جميل جدا واتمنى ان اتواصل مع حضرتك وشكرا] انتهى
وكتب ابن اخ الشهيد التعليق التالي: [انا ابن اخ الشهيد النقيب سلمان اسماعيل فرحان المياحي أو بالأحرى الرائد سلمان لأنه عندما فقد كان يحمل رتبة رائد،،، هو من قام بكفالتنا وتربيتنا بعد وفاة والدي كاظم اسماعيل الجوهر المياحي،، لاتعرف كم تألمنا وتعبنا بسبب رحيله كنت أراه في أحلامي شامخآ كما عهدناه،، انا ممتن لك جدآ على توثيقك لتاريخ عمي البطل وممتن أكثر لرثائك اياه،، شكرآ بعد الحروف التي سطرها قلمك الشريف شكرآ يا عمي العزيز كاتبنا الغيور،، تحياتي وقبلاتي ليديك الكريمتين] انتهى
وكان جوابي هو: [العزيز كمال كاظم اسماعيل فرحان الجوهر المياحي المحترم ...تحية و محبة...أتشرف بكل حرف ورد في تعليقك وتعليق ابنت الغالي الراحل البطل الرائد سلمان اسماعيل فرحان الجوهر المياحي... للراحل الشهيد السعيد مواقف كثيرة عبرت وفي تلك الظروف الحساسة الصعبة و الدقيقة، عبرت عن طاهر الحليب الذي رضعه وعن طهارة ذلك البيت الذي تربى فيه و اخلص له و عن صدق مشاعره...انقذ بمواقفه العشرات بل المئات من الموت او الاصابة او العوق النفسي...كان اكبر من عمره ورتبته وكان اسمه يتردد على لسان كل منتسبي لواء المشاة 506 وليس فقط سريته او فوجه. كان كريم مبتسم قاسي بالحق مخلص لبيته ونفسه ووطنه ولا نسانيته...ما سطرته بعد ان افترقنا باكثر من ربع قرن وقائع يعرفها جميع من عاش في الفوج الثالث لمش 506... كان صديق الجميع وقائدهم العسكري الشجاع القاسي بالحق. لكم الفخر به ولنا نحن الذين تعرفنا عليه عن قرب. له الذكر العطر الدائم وفي كل حين وله الرحمة ولكم الصبر والفخر والعزة
عمك عبد الرضا حمد جاسم] انتهى
وقد وعدتهم بإعادة نشر الموضوع في ذكرى الحرب إن كان ذلك ممكن.
.......................
المقدمة: فتره عصيبة وقاسيه لم يكن لنا فيها رأي مرت عجاف سالت فيها دماء كثيرة وحَلَّ فيها الزعماء في البلدين ودول الإقليم والامبريالية العالمية محل (ألله) لمدة ثماني سنوات. حرب خاضها العراق ضد الجارة إيران بالنيابة عن السعودية التي أخبرت القيادة العراقية الطامحة إلى شيء سخيف حفرت به قبرها (قالت السعودية: ألريّال عليكم والرِيال علينه) وأمريكا الراغبة بالانتقام من إيران التي مسحت بكرامتها إن وجدت وشرفها إن وجد بالأرض بطرد شاهها واقتحام سفارتها واحتجاز عناصر مخابراتها وفشلها سياسياً وعسكرياً في استردادهم حرب تسيد فيها الغباء العربي المتأصل المتفرد حيث هَّبت الجموع والحناجر تهتف فرحاً كلما زهقت الأرواح البريئة من الطرفين...لماذا؟
الجواب:
1 - طمعاً بانتصار كما انتصارات احمد سعيد.
2 - لآن طريقهم للقدس يمر عن طريق طهران وكابول.
3 لان إيران خلصتهم من مُذلهم ومنتهك كرامتهم ومحتل جزرهم وشرطي المنطقة الذي مسك لهم العصى وعاشوا عمرهم راكعين تحت سياطه وعصيه و(خازوقاته) ويبدو انهم كانوا يعيشون تلك اللذات.
وهَّبَت الملايين من الأخوة المصريين والسودانيين الأبرياء بالتوافد للعمل في العراق بتنسيق أمريكي إسرائيلي مصري خليجي لامتصاص غضب الشارع المصري من مسيرة ما أطلقوا عليها عملية السلام مع إسرائيل وأغدقت السعودية أموال الشعب السعودي لتسديد فواتير أجور العمال المصريين وبعض فواتير الحرب ومعها كانت الكويت التي أصبحت الجسر البري لإمداد العراق بما يحتاجه لإدامة الحرب الطاحنة وكذلك ألأردن الذي لم يكتفي بالثأر من الأبرياء لدم أولاد العم التي زهقت أرواحهم بأيدي عراقي ودفع وتمويل سعودي لتحطيم الاتحاد الهاشمي.حرب جندت كل الدول الغربية ترساناتها العسكرية والدبلوماسية والأعلامية والمخابراتية لاستمرارها وعرقلت كل محاولات إيقافها وجهد الأمم المتحدة وبعض الوساطات فقتلوا الوسيط الدولي السويدي وقتلوا الوسيط العربي الجزائري.
الحرب التي أرادتها بعض دول الخليج بغباء وحقد وطائفيه وأرادتها إسرائيل لإخراج مصر من أمتها وللإمعان بإذلالها وأرادتها أمريكا لتطبيق خططها لاحتلال الخليج بعد أن هرب حارس الخليج شاه إيران. حرب أرادت من خلالها السعودية تحطيم مشروع الوحدة العراقية السورية التي كانت على الأبواب كما فعلت مع الاتحاد الهاشمي. حرب حرقت بلدين وشعبين من أرقى الشعوب وأكثرها رفداً للإنسانية وكنز الحضارة البشرية ونبع القيم النبيلة التي ظلت تقدم للإنسانية مدادها الذي لا ينضب أمام دول لا تاريخ لها ولا قيم.
حرب زهقت فيها مئات ألاف الأرواح البريئة وتيَّتم وترَّمل الملايين وحُرقت فيها مئات المليارات كانت كافيه لتغير وجه العالم بأسره.
هذه المذكرات انتزعتها من ذاكره حفرت فيها الأيام والمواقف الكثير وسَّطَرْتُها للتذكير ولإعطاء أناس بعض حقهم وفي مقدمة هؤلاء محور هذه المذكرات الرجل البطل النبيل (النقيب سلمان إسماعيل فرحان المياحي/من أهالي بلدروز وسكنة بغداد /حي الكمالية)
اعتمد في تبويبها على الأماكن التي جرت فيها وحسب تسلسل الأحداث وتواريخها بالسنين مع الاعتذار عن ذكر بعض الأسماء كأمله أو التواريخ بالأيام لعطب بسيط أصاب محرك البحث الدماغي(هذا مدخل لتشجيع الرد والانتقاد)
وتقسم المذكرات الى جزأين:
الجزء الأول ويشمل: معسكر الصويرة...والشيخان...وزاويته...و باكرمان.
والجزء الثاني يشمل:حانقين...ومندلي ....و زرباطيه....وبدره وجصان ...الشجرة الخبيثة.
1- معسكر الصويرة:
في منتصف 1981 تم دعوة مواليد 1955 ومن سيق معهم لأداء خدمة الاحتياط وقد شملني ذلك لأنني من خريجي الجامعة لعام 1974...التحقنا (سوقاً) من تجنيد الناصرية إلى معسكر المحاويل كمعسكر تدريب أولي وبعد الانتهاء نقلنا إلى معسكر الصويرة لتشكيل لواء مشاة احتياط جديد تحت رقم 506 وكان يرمز له (لمش506)...عند وصولنا المعسكر تم تقسيمنا على الأفواج وكان نصيبنا الفوج الثالث وكان المشرف على الفوج م. أول احتياط(رزق) وهو خريج كلية الزراعة جامعة بغداد لعام 1975 أي بعدي بدوره ونحن نعرف بعض جيداً لقد فوجئ بوجودنا ونحن كذلك... تم توزيعنا إلى سرايا وكان تنسيبي إلى السرية الرابعة ولكوننا خريجين فقد كلفنا بالأمور الكتابية (القلم).
كان المعسكر عبارة عن خيم وبعض الأبنية البسيط للضباط .بداء النصاب بالاكتمال بوصول دفعات جديدة من المنقولين ألينا.
كان م. أول رزق شاب وسيم طويل ضخم تليق عليه البدلة العسكرية للقوات الخاصة التي كان يرتديها ولكنه بالمقابل شاب هادئ مؤدب جداً خجول ذو صوت ناعم بشكل لا يتناسب مع العسكرية ولا يرغب با لالتقاء معها. لم يتكلم معنا أو يتعمد اللقاء لأن يكفي أنك خريج جامعه وليس ضابط يعني عليك علامات استفهام... اختليت به لعدة دقائق فأعتذر بأدب وقال لقد عرفتك من أول لحظه ولكنها المشاغل ... قدرت له ذلك ولم أحاول الالتقاء به مره أخرى. كان م.أول رزق من أهالي كركوك ومن الديانة المسيحية.
بعد اكتمال الفوج تقريباً نسب إليه آمر فوج جديد هو المقدم(ماهر) من الأخوة التركمان وهو ضابط متعجرف من المغضوب عليهم وغير كفء عسكرياً كما تبين فيما بعد. ثم التحق إلى الفوج ضابط جديد نسب آمر لسريتنا السرية الرابعة شاب اسمر يفيض حيوية رشيق معتدل الطول برتبة نقيب لكن رتبته أكبر من عمره كما يظهر لنا بالمقارنة مع ما كان موجود من ضباط احتياط مترهلين نُصِبَتْ له خيمة قرب القلم...أول لقاء له بنا بعد انتهاء عرضات اليوم التالي لوصوله لأنه لم يخرج للعرضات لا نعرف لماذا وقت ذك؟ دخل علينا الخيمة وعرف بنفسه وطلب من كل واحد منا تقديم نفسه ومن أي مدينه وعمله قبل العسكرية وكنا ثلاثة :
أنا عبد الرضا حمد جاسم مواليد1951 خريج كلية الزراعة جامعة بغداد مهندس أنتاج في المنشاة العامة لمنتجات الألبان في أبو غريب ومن أهالي الناصرية.
صباح عاجب عباس مواليد1955 من أهالي البصرة خمسه ميل لحام فني أنابيب نفط.
علي عناد عبد مواليد1955 من أهالي كربلاء موظف ذاتيه في أحدى الدوائر.
بعدها رمقني بنظره خاصة توقعت أن تسفر عن أسئلة من قبيل لماذا لم تكن ضابط لكنه بكل احترام وعسكريه ودعنا وخرج من الخيمة.
كنا نحن سكنه بغداد ننزل إلى بغداد كل يوم مساءً بعد نزول الضباط ونعود في اليوم التالي وقد أخبرته بذلك عند التعارف وعند المساء وجدني لا أزال في المعسكر فأستفسر مني عن ذلك فقلت له سيدي أنت موجود (وبعدك ما نازل أو خاف تحتاج شيء) جاوبني ضاحكاً (أنت إذا تظل ورأي تره بعد ما راح تنزل يله روح وليدي) لم أفهم قصده من عبارته هذه.
بعد يومين عرفت من مسؤول قلم الفوج الأخ محمد هاشم/رسام وخطاط محترم وهومن أهالي الناصرية أن السيد النقيب منقول عقوبة وعليه مجلس تحقيقي من وحدته السابقة وهو موقوف لحين أنجاز المجلس التحقيقي وتبين من الأوراق ألتحقيقية انه حاول الاعتداء على آمر وحدته السابقة وأن القضية هي: [في أحد الأيام وأثناء الفطور في مطعم الضباط قال آمر تلك الوحدة أن هذا المكان للقادة والأمرين فقط وكأنه يقول للآخرين اتركوا المكان فترك البعض ورفض نقيب سلمان ذلك وعندما أعادها الآمر باتجاه النقيب أنفجر به صائحاً هذا مكان المقاتلين وليس (الخاتلين) بالمكاتب...المقاتل لا يخرج ثم تهجم على الآمر عندما نهره على رده هذا.
أما رتبة النقيب فهو خريج جديد من الكلية العسكرية وعند الهجوم على إيران ساهم في اقتحام مضيق (كولينا) في القاطع الأوسط ومنح تكريم رتبة إضافية أي أصبح ملازم أول ثم تمت ترقيته إلى نقيب حسب الاستحقاق بعد اكتمال المدة القانونية ثلاث سنوات.
هذه المعلومات انتشرت في الفوج مما زاد من احترام الجنود له وكذلك تواجده المستمر معهم وقربهم وروح الدعابة التي يتمتع بها وقربه من قلوب الآخرين واحترامه لهم وشخصيته الواثقة التي تشيع الاطمئنان بعكس بعض الضباط الاحتياط الذين يتسقطون الزلات على الجنود وتعجرف البعض منهم.
كان الجميع يقارنوه مع الضباط الآخرين المترهلين المزعجين المنطوين المتعالين وبالذات الضباط الاحتياط المشغولين بأمور حزبية وهمهم الاستفسار عن المراتب و انجاز طلب المعلومات ومهتمين بالجرد الحزبي وهذه الأمور لم يهتم بها النقيب النجيب سلمان إسماعيل فرحان المياحي فأحدهم عضو قيادة فرقه ومنسب آمر السرية الأولى من بيت السعدون ومن أهالي الحي والأخر احتياط وهمه الاستفسار من الجنود عن الدرجة الحزبية والعناوين وطلب المعلومات والأخر يهتم بشعر رأسه أكثر من الجنود ويحمل معه دفتر الجرد الحزبي.
في احد الأيام استدعاني نقيب سلمان إلى خيمته وهي مقابل خيمة قلم السرية وبعد أداء التحية العسكرية قال أريد إن أكلفك بشيء خاص عائلي (بيني وبينك) فقلت حاضر وأطمئن سيدي ثم قال أريد إن أخبرك بشيء خاص أيضا وهو أنني موقوف وغير مسموح لي
بالنزول لذلك قلت لك قبل أيام إذا (تظل وراي ما راح تنزل) وكان في تصوره انني لا اعرف ثم أعطاني ورقه مكتوب فيها عنوان سكنه في بغداد مكتوب بخطه الجميل ومع الورقة رسالة مغلقه قال أن فيها مبلغ من المال أريدك توصله للعائلة اليوم ثم قال (عرفت العنوان فقلت له نعم لكنني لم أذهب سابقاً إلى المنطقة فشرح لي طريقة الوصول وكان العنوان هو (بغداد الكمالية شارع الجامع الفرع الثاني على اليسار خامس بيت) (أو سابع بيت لا أتذكر بالضبط الأن) وتجيبلي خبر منهم ضروري(باجر مثل جيتك كل يوم)
أنجزت المهمة وعدت في اليوم الثاني فوجدته أمام خيمة القلم بالانتظار سلمته الجواب فرح كثيراً وشكرني وبعد التعداد الصباحي استدعاني إلى خيمته وقال كنت على يقين بأنك ستحضر التعداد (ويمكن لو غيرك جان يضربله كم يوم بحجة ما يندل المنطقة وقال مزهواً (أسمع أخويه هسه لو أظل بعد سنه محروم من الاجازة ما يهمني) كان النقيب حسب ما عرفت من أهله مسؤول عن عائلته الكبيرة وعائلته الصغيرة حيث انه متزوج حديثاً . ثم قال (كلهم /يقصد الضباط/ هنا وهناك كَالوا قدم استرحام الى أمر الفوج الذي إذا وافق يرفعه إلى أمر اللواء للحصول على موافقة للنزول يوم أو يومين... ما سويتها ولا راح أسويها) وبعصبيه قال هسه أنت زرت بيتي وأستدرك قائلاً (خوب ما ضليت واكَف بالباب فأجبته ..لا..دخلت بين ما كتبوا الجواب)
أستمر الحال والحرب على أشدها في ذلك العام وإشاعات تحرك اللواء إلى الجبهة منتشرة وتحوم حول اللواء الى أن استلم اللواء كأمر للواء (اللواء الركن قوات خاصة علي حمدي مصطفى/ كان آمر مدرسة القوات الخاصة ونقل مغضوباً عليه إلى لواء مشاة احتياط) كان أمر اللواء الجديد قائد عسكري محترم وسيم طويل القامة ممتلئ رياضي البنية كانت تلك العقوبة له خير على اللواء حيث توقفت نهائياً إشاعات النقل وتبين لنا أن هناك سياق عسكري كان معمولاً به في تلك الأيام يقضي بعدم تنسيب أي وحده عسكريه الى وحده أكبر إذا كان أمر الوحدة الصغيرة أقدم من حيث الرتبة أو التخرج من أمر الوحدة الكبيرة...وبعد عدة اشهر تحرك اللواء إلى قاطع دهوك لتبدأ مرحله جديدة
الشيخان:
في بداية عام 1982استلمت السرية منطقة عين سفني ...أتروش وكان مقر السرية في مخفر الشيخان القريب جداً من مزار او محج الأخوة الأيزيديين أي مرقد (الشيخ عدي بن مسافر الأموي).
بعد استقرار السرية أول ما قام به آمر السرية هو زيارة المرقد وأدى تلك الزيارة باحترام كبير والتقى العائلة الكريمة التي كانت تدير المرقد وجالسهم الأرض وتناول وشرب بعض ما قدم له وأوصى رب العائلة بإبلاغه شخصياً إذا حصلت أي أساءه من أحد وأعتذر منه قائلاً انني سأكرر الزيارة عدة مرات في الأسبوع إذا سمحتم لأقف على احتياجاتكم لأنني على يقين أنك لم تخبرني عن تصرفات الجنود وكانت المسافة بين مقر السرية والمرقد ليست أكثر من عدة أمتار.
وعند عودته جمّع السرية (المقر ومن كان متواجد من الربايا) وأوصاهم باحترام المرقد والقائمين عليه وممارساتهم وعاداتهم وطقوسهم) قائلاً كل مخالف حتى مخالفه بسيطة سيتعرض إلى عقوبة عسكريه شديدة جداً وعقوبة شخصيه مني (رافعاً يده اليمنى) ثم قال (من يريد أن يجرب فليفعل) وأبلغ الجميع بأنه من الآن ممنوع الذهاب إلى المرقد ومن يريد الذهاب يطلب ذلك من قلم السرية
وبعد المحاضرة استدعاني لمكتبه وقال: (شفت شلون ناس فقره...و(بتهم) حلوه....حيث قامت بتقديم الفواكه لنا بكل احترام وأردف قائلاً قد يفكر بعض الجنود تفكير سيء (ذوله أمانه بركَبتي ألي يعتدي عليهم يعتدي على عائلتي وزوجتي والي يسويها أقتله أهنا وخلي يحاكموني) أريد منك أن تتابع الموضوع في هذه الأيام لأنه إذا سارت الأمور من اليوم الأول بشكل جيد ستستمر جيده.
وصادف في أحد الأيام بداية موسم الحج للاخوة الايزيديين حيث تقاطر على المرقد المئات من العوائل من كل مكان... أمر السيد النقيب جميع السرية بعدم الخروج واكتفى بحماية المرقد من بعيد وفي اليوم الثاني أصطحبني معه لزيارة المرقد دون سلاح حتى سلاحه الشخصي ودون حماية وقام بالسلام على من كان متواجداً وأخرج من جيبه عدة قطع نقدية معدنية و(دقها) في جذع شجره كبيره تتوسط المكان كما يفعل الأخوة الأيزيديين.
كان من عادته النزول إلى الموصل صباح كل يوم جمعه ومعه أنا وحمايته من أهالي الموصل أسمه محمد (وهو بمواصفات وتقسيمات هذا الزمن الردئ من الأخوة الشبك) وسائقه محمد مكَطوف (من أهالي البطحاء/ الناصرية) وكان خلالها يحضر الاجتماع الحزبي أن كان هناك اجتماع.
مساء أحد أيام الخميس استدعاني إلى غرفته وكان منزعجاً نوعما وبعد التحية العسكرية قال (شوف أخويه أبو محمد أنه أحبك وأحترمك وأنت تستحق وأدري أنت وربعك مو بعثيه وانتم بكفالتي و ما سمحت لأحد من ذوله يتدخل/كان يعني ضابط التوجيه السياسي وجماعته/ لكن أكَلك جاكم واحد نقل [بأمر آمر الفوج وهو حلاق آمر الفوج أسمه (محمد) من أهالي الموصل وهو حزبي ويعمل بالأعاشه).
كان النقيب لا يحترم أمر الفوج ولم يذهب إلى الفوج مطلقاً حتى لا يؤدي التحية العسكرية لآمر الفوج لأنه لا يستحق حسب قول النقيب وكثير ما كان آمر الفوج يعرقل اجازة آمر السرية أو يؤخرها يوم أو يومين يظن بذلك أن النقيب سيتصل به ويترجاه كما يفعل الأخرين ولكنه لم يفعلها مطلقاً. ظن آمر السرية في حينها أن هذا الجندي على اتصال مع آمر الفوج وبالمناسبة فهو من منطقة أو ناحية (المحلبيه) التابعة للموصل ويتكلم التركمانية بطلاقه رغم أنه يقول أنه عربي (وأمر الفوج كما ذكرنا هو من الأخوة التركمان) فقلت لأمر السرية (هله بيه) التحق الأخ محمد في اليوم الثاني (كان قصير سمين) وتبين أنه إنسان طيب و(ما يهمه غير بطنه) والسيد أمر الفوج نقله إلى السرية حتى لا ينحسب عليه وبعد الكلام عن (محمد الحلاق كما صار يسميه) قلت له أنت منزعج هل هناك شيء أخر ضحك وقال (أدري بيك تفهم عمك) ثم قال (باجر ما راح ننزل للموصل راح ننزل الأحد) حيث اتصل اليوم مسؤولي الحزبي وقال لي: أنت نصير متقدم منذ فتره طويلة وهسه رشحناك للعضويه ويجب أن تحضر الأحد الساعة العاشرة صباحا إلى المكتب العسكري في الموصل للامتحان الشفوي ويجب إن تقدم وقتها أطروحة من (5000) كلمه عن الأطماع الفارسية في الخليج العربي (تبين إن النقيب نصير متقدم منذ الكلية العسكرية)
قلت له مبروك هذا شيء جيد قال(اخويه هاي لغوه أنه مالي خلكَهه ومنين أجيب خمس تالاف كلمه) (كَتله هاي خليهه عليّ كَال شلون) قلت له أنني امتلك مصادر كثيرة ولكنها في البيت في بغداد ويجب أن أذهب غدا فجراً لأعود مساءً وفعلاً نظمت كتاب مأموريه لي إلى بغداد مع سيارة أمر السرية وسائقه هو وقع كآمر السرية و أنا وقعت مكان أمر الفوج وذهبنا صباح الجمعة وعدنا مساءها وجلبت معي العشرات من مجلة (آفاق عربيه) التي كانت تصدر في بغداد ورئيس تحريرها (د.محسن الموسوي شقيق الشهيد عزيز السيد جاسم) وكانت تحتوي على العديد من البحوث والدراسات حول الموضوع والتي نشرت قبل وفي بداية الحرب مع إيران
تم خلال ليلة الجمعة/ السبت كتابة المسودة ويوم السبت تم أنجاز الدراسة بشكل منظم من مقدمه...وفصول..وخاتمه ...وفهرست والمصادر..بشكل استخدمنا فيه ما متوفر من ألوان وخطوط) وسلمتها للنقيب بعد قليل من منتصف الليل الذي أنبهر بها وقال (أعرف انت كَدهه والي تكَوله تسويه).
المهم حضر المقابلة وقدم الأطروحة في وقتها وعدنا إلى مقر السرية بانتظار النتيجة التي جاءت بعد عدة أيام وكان ناجح حسب قوله (خمسه على الشفوي وخمسين على الأطروحة) وأصبح النقيب رفيق حزبي وقال(هسه أطيح حظ الرفيق وكان يقصد ضابط التوجيه السياسي الذي يحاول التدخل في السرية دائما ويمنعه السيد النقيب)
زاويته:
تحركنا إلى زاويته في نفس العام وكان مقر السرية في مكان قرب دهوك على اليسار باتجاه زاويته والقلم في سيطرة زاويته مانكَيش وكان قد مسك المنطقة قبل وصولنا قاطع جيش شعبي من الديوانية وكان القلم ضيف على مقر القاطع وفي اليوم الأول زار السيد آمر السرية مقر القاطع للتنسيق لتواجد القلم وكان في استقباله ضابط ركن القاطع الذي دعانا إلى غرفته فصدمنا حيث وجدنا إن ضابط الركن قد نضد (سفط) بشكل ملفت قناني مشروب العرق (بطالة العركَ) من الأرض حتى سقف الغرفة في الجدران الثلاثة للغرفة ومكتبه يتوسط ذلك ضحك النقيب وقبل أن يتكلم قال ضابط الركن مخاطباً النقيب (عيني وصي ربعك يديرون بالهم تره ربعنه من المغرب يبدون يشربون للصبح بس همه ناس فقره وكلهم يشتغلون بالحي الصناعي بالديوانيه يعني فيترجيه وسمكريه أو وايرمنيه)
عندما خرجنا أوصاني آمر السرية بالحذر وقال من يوم غد سوف أرسلك ثلاثة جنود توزع واجباتهم على السيطرة مع الجيش الشعبي (أخاف ذوله والين العالم وليه ويأخذون العرك من الناس بلاش) لأن أمر السرية أستفسر من ضابط الركن عن مصدر العرق فقال له (ربعنه يوصون السواق يجيبولهم بالسيطرة) يعني عرق محلي. تبين بعد عدة أيام أن الجماعة ناس طيبين ويحترمون السكان ويشترون العرق (بفلوسهم) ولا يفتشون حتى السيارات (يعني مالهم علاقه لا بالرايح ولا بالجاي) عندها اطمئن النقيب والغي الواجب المشترك.
كنا نقضي الليل والنهار معهم وكان كلامهم (عمي أحنه ناس فقره جايبينه بالكَوه نريد نخلص القاطع ونرد لأهلنه لانكتل ولا نريد واحد منه ينكتل وأحنه مو بعثيه وتره آمر القاطع لا يحل ولا يربط ولا يكَدر علينه). وكان القاطع هادئ ولم تطلق فيه رصاصه واحده إلا مره واحده حيث كنا ننام ليلاً خارج الغرف في ساحة القاطع وبعد منتصف أحدى الليالي حصل أطلاق نار كثيف جداً لبعض الوقت ومن كل الاتجاهات وبعد أن توقف سألت أحدهم ماذا حصل وكان ثملاً فقال (شفت ضوه أجه عليه ورميته صليه والجماعه كلمن سحب أقسام وكَام يرمي من مكانه) تبين بعد ذلك أن الضوء مصدره حشره منتشرة في المنطقة هم يسمونها (الفسفوريه) تعكس الضوء عندما تطير.
وفي صباح اليوم التالي تكلمنا بالموضوع وقلت لهم أن القاطع هادئ (ماكوشئ) فأجاب أحدهم (عمي همه تره داير مادايرنه ويمكن يعرفونه ناس فقره وزينين ويه الناس هل ما يسوون شيء وإذا كَتلك منو مسؤول عليهم ماتصدك..كَتله منو كَال هاي الممثله ناهده الرماح فضحكت وكَتله جا هلزلم كلها تخاف من مره.....بس أنت شلون عرفت؟ ..كَلي سامعين صوتها وأسمها باللاسلكي) هذا الطرح حرك شيء....هل يكون أصدقائي وزملائي الذي تركوا البلد مرغمين هم من يحيطون بنا وقد نقتل بعض في أي لحظه وقد يقعون أو نقع أسرى عند الطرف الأخر؟...هل يعرف أحدهم أنني هنا أو هل أن أحدهم يتربص بيّ وهل هدوء القاطع متعمد لأنهم كما قال أحدنا (يعرفونه ما لنه علاقه..)؟
كان القاطع الممتد من الشيخان ..اتروش ..زاويته...دهوك...زاخو هادئ لوجود آمر اللواء اللواء الركن علي حمدي مصطفى الذي لم يستطيع أحد من الاعبين على (الحبلين) من دفعه لمقاتلة الأبرياء أو الاعتداء على الممتلكات أو ترويع الأمنين الفقراء (أتمنى من يعرف عن ذلك شيء ينشره)
باكرمان:
يعتبر جبل باكرمان رابع أعلى جبل في العراق وفي منطقه خلابة
ألى اللقاء في التالي.
عبد الرضا حمد جاسم