نصوص أدبية
الحسين بوخرطة: قهقهة العقول المختلة
في عاصمة إمارة سيكا العليلة، طلق سلام العنان لرجليه، متجولًا في شوارعها التي بدت كأنها تغرق في بحر من الضوضاء والاضطراب. اكتسحته مشاعر ضيق ثقيلة، ككابوس التصق بوجدانه، وتذكر كل ما كتبه عن زمن الاحتضار. كان مقتنعًا أن خطط الإمارة لاعتقال العقول تسير بخطى ثابتة.
في الشارع التجاري، لاحظ حركية غير معتادة. مساء البارحة، شاهد الباعة المتجولين يهرعون هربًا من رجال الأمن، بينما المشردون والمختلون يقهقهون بشكل جنوني، كأنهم يحتفلون بالفوضى. تساءل سلام في حيرة: "هل المختلون أكثر سعادة من العقلاء الأشقياء؟"
صدفة، التقى بصديق قديم، الصبراني، رفيق أيام الدراسة، الذي عانقه بحرارة. اقترح الصبراني أن يرافقه في جولة عبر شارع السكاكين، حيث لفت انتباهه إلى طقوس غريبة بين الحرفيين.
قال الصبراني:
- "ألم تلاحظ يا رفيقي أن الحرفيين مبتسمون دومًا؟ يتبادلون التحايا ويوشوشون لرجال الأمن والمخبرين. هل ترى ذلك الشيخ هناك؟ إنه أمين الحرفة، لكنه لم يعد كما كان. الآن، كل حرفي يدافع عن نفسه بمفرده."
تأمل سلام كلامه وقال:
- "حقًا، إنها ظاهرة جديدة. أين ذهبت روح الوحدة والوساطة الحرفية؟"
صمت الصبراني للحظة، ثم ابتسم بغموض، ودعا سلام إلى وجهة جديدة. بعد نصف ساعة من المشي، وصلا إلى ساحة قصر الإمارة، حيث رأيا مشهدًا غريبًا: طوابير طويلة من الشباب والكهول، يتزاحمون للوصول إلى غرفة سرية. أمام الغرفة، وقف رجل طويل بزي عسكري يستقبلهم بانحناءة تحية إجبارية. كانوا يخرجون مبتسمين، كل منهم يحمل هاتفًا خلويا حديثًا، وكأنهم اشتروا سعادتهم بثمن غامض.
جلس سلام على الأرض في قرفصاء، يغمره شعور بالعجز. ترقرقت الدموع في عينيه، وكأنه استوعب أخيرًا حقيقة وطنه. عاد بسرعة إلى بيته ليطمئن على أبنائه. تمسك به الأرق وأجبره على قضاء الليل كله متأملاً في مصير الأجيال القادمة. تساءل قبيل الفجر بحزن شديد:
- "أحقًا نحن أمام خيارين لا ثالث لهما؟ تصوف الكهول وهجرة الشباب إلى أمم العجم؟ أم أن هناك بابًا آخر لم نكتشفه بعد؟"
ترك تساؤله مفتوحًا، كصدى يتردد بين جدران إمارة أضاعت بوصلتها، وأبقت عقول سكانها مختلة بين الحلم والكابوس.
***
(قصة قصيرة)
الحسين بوخرطة