الغرباوي والتنظير التجديدي: من خليط اشكالية معقدة طرح ماجد الغرباوي مشروعه النقدي الجريء كما لم يفعل من سبقه، في اصلاح الفكر الديني التنظيري المعتمد على المرتكز المنهجي التالي: (لست مع متاهة التفكيك) - يقصد بمعناه الفلسفي الذي يعتمد تفكيك النص لغويا تجريديا صرفا - غير اني والقول للغرباوي، (أسعى لأقصى ممكنات الغوص في أعماق الظواهر الاجتماعية والدينية لإدراك الحقيقة، وتقديم قراءة موضوعية، تنأى عن المراكمة فوق ركام الخراب المعرفي ودوامة التخلّف. وأطمح لرؤية مغايرة وفق مبادئ عقلية متحررة من سطوة الخرافة واللامعقول وأوهام الحقيقة) – التي اضفاها عليها الفهم السطحي الجمعي في اداء طقوس التدين، وفي تلقيهم الايمانية الدينية في منتهى التسليم العفوي وما يرافقه من سلوك خاطيء تضليلي وتجهيلي زائف يأتي ضخّه الدائم من بعض رجالات الدين، الذين يرتبط عندهم المفهوم التضليلي الديني باجندة يقف على راسها توجيهات ومصالح السياسيين والحكام – (ورهاب النص وقدسيته، من أجل فهم متجدد للدين، كشرط أساس لأي نهوض حضاري، يساهم في ترسيخ قيم الحرية والتسامح والعدالة، في إطار مجتمع مدني خالٍ من العنف والتنابذ والاحتراب. يتمثل قيم التسامح والمواطنة، ويعترف بالآخر اعترافا حقيقياً. فالمشكلة الأساس تتعلق ببنية العقل، والنظام المعرفي، ونوع المفاهيم والمقولات المؤسسة لها، وطبيعة الثقافة التي تنتمي لها. فنحن بحاجة مستمرة لنقد جميع الثوابت والقناعات. فالفهم المبتسر للدين أحد الأسباب الرئيسية وراء التخلّف الحضاري) ص9. وهذا يتطلب نقد مرجعيات الفكر الديني بمنهج عقلاني جريء. "الاضافات المحصورة بين شارحتين نسبتها لي وليس الاستاذ الغرباوي".
هذه المعلومة المعقّدة كنا اشرنا مناقشتها في الجزء الاول من قراءتنا في فكر الاستاذ الغرباوي، وهي تحتاج جهود باحثين متخصصين يعملون جاهدين فك ارتباط التخلف المجتمعي الحياتي على الارض، عنه في المسايرة المطردة المعاكسة في جعل التنظير الاصلاحي الديني في الكتب والمؤلفات معلقا في السماء، وتعويضا وهميا لما هو مطلوب تنفيذه في اصلاح مناحي الحياة اليومية التي نعيشها عصريا، وعزل وتعقيم مجهودات الفكر التنظيري في التاثير بواقع الحياة ومحاربة التخلف على الارض.
لاحظنا وقاسينا بما يتعذر وصفه ان اعمال سطوة السيف في اعناق الابرياء من قبل حثالات التطرف والتكفير والارهاب في ابشع اشكال الذبح الهمجي الوحشي تسبق الف باء اية معلومة علمية او حضارية او تحاورية بالضد من تفكيرهم المتدني الى اسفل درجات الانحطاط والغباء، وكل ذلك يمارس بقوة السيف على ان ما يقومون به هو تجديد الدين وبناء دولة الخلافة على منهاج النبّوة. فهل منهاج النبوة اصبح لا يحتاج غير السيف وسيلة لتجديده في جزّ رقاب الابرياء؟.
التحديث النقدي في الفكر الديني الذي نعيد تداوله العقيم باستمرار، لا يستهدف النص القدسي الثابت بل يستهدف في اكثر حسن الظن به تنظيف النص القدسي من جميع المتراكمات التحريفية حوله التي اضاعت صدقيته المقدسة في النص الديني كفكر حيوي في الممارسة، ليكون زيف النص ياخذ مكانة المقدس الحقيقي في اصالته الدينية ان يكون التدين الهمجي فيه لا في غيره يمثل عندهم رضا الباري الخالق دنيا واخرة، والى كسب زائف في ارضاء حاشية المنتفعين من الدين والمتاجرة باسمه. بمعنى ان الاصلاح الديني التنظيري المزعوم لا يحقق تنظيف حقيقة الدين مما علق به من خرافات واكاذيب ووحشية وتخلف في ميادين الحياة، على الاقل في الفترة الممتدة لقرن كامل من صحوة اهمية مواكبة الحياة المعاصرة في تعالقها مع الديني، وفي وجوب مراجعة ونقد الفكر الديني، الذي سادت خلاله دعوة الاصلاح تنظيرا في الكتب والمؤلفات المركونة فقط .
ان منهج الغرباوي كما اشرنا له بسطور سابقة في نقده و دراسته الحقيقة الدينية بمنهج عقلي علمي وتدعيم افكاره في استقدامه مشاهد حية من الماضي في تاريخيتها وشخوصها، لتخليص الحقيقة الدينية في النص القدسي من براثن مجاهيل التضليل والتشويه والانحرافات والاكاذيب على التاريخ في جنبة التنظير التوعوي، وفي تعرية النفاق الديني الذي اخذ بحكم تداوليته المجتمعية صفة البديل القارالثابت في اكتسابه الحقيقة الدينية الزائفة التي يعتقدها ويمارسها المجموع، وفي اعلان هذا التزييف نفسه فكرا مضللا، وممارسة منافقة وحيدة في امتلاكها الحقيقة لوحدها لا من اجل تصحيح علاقة العبد بالخالق ولكن بعلاقة تقديم الطاعة والمبايعة العمياء لمن يدعي ان حكمه مستمد من روح وجوهر دولة الخلافة الاسلامية في عهد النبوة.
هذه النكبة التضليلية الدينية التي يسيّجها نفاق الرعب والخوف في تداوليته القطيعية وتعطيل فاعلية العقل في نقد ابسط المظاهر التي يرفضها المنطق الفكري السليم، هي دعوة جوهرية، وطرحها اشكالية تركيبية زائفة في رواج تضليل الانسياق العاطفي المتزمت الجمعي. اشكالية يقر بتخطيئها بعد مرارة الواقع التطبيقي لها في العراق وفي سوريا ومصر وليبيا، وفي بلدان عربية واسلامية افريقية اخرى، المجموع المتدين الذي في قرارة نفسه يقر ان هذه الخلافة المزعومة هي والدين الحقيقي السماوي لم ولن يلتقيا ابدا، لكنه يتعامل بها المجموع في غالبيته في ازدواجية تدينه مع الله، ونفاقه مع ضميره، ونفاقه في تدينه، ونفاقه مع امثاله في مجتمعه.
السؤال هل يصح الدين في صلاح القلة الذين يفهمون الدين على حقيقته في مسؤوليتهم عن الفرد دنيا واخرة ايضا، في تامين احتياجاته المنوطة بالتدين على الاقل، ويعجزون هؤلاء القلة عن اصلاح المجموع وتخليصهم من ضلالهم؟ ام يتركون حقيقة الامور يحسمها بالآخرة رب العالمين الذي لو شاء لجعلهم جميعا امة واحدة مؤمنين على الصراط المستقيم في فهمهم دينهم في دنياهم وفي آخرتهم.
هل من الصحيح ان مرضاة الله يمكن ان تكون في ايمان قلة قليلة تفهم حقيقة الدين وتترك المجموع الضال يسير مسار القطيع في ممارستهم انحراف الدين باسم التدّين الباطل؟ هذا التفسير الحربائي ينسف الاقرار بقدسية تكليف الله للانبياء في القيام بمهامهم الارشادية وابطالها في حياتهم. اذ لو ارتبط فهم الدين من غير تكليف الانبياء والرسل بمسؤوليتهم الاصلاحية الهادية، لما كان فهم الانسان الدين غير مكتمل، ولا كانت هناك طقوس دينية خاصة ومتباينة بكل ديانة في زمن ومكان ظهور الانبياء على الارض. وهذه النظرة لو كانت صحيحة لترتّب عليها ان الدين سابق على وجود الانسان على الارض، ويرتّب ايضا ان التوحيد الديني سابق ايضا على تدرج الدين وفق نظريات التطور الطبيعي في ان الدين مرّ بمراحل من التدين السحري والخرافي والطوطمي والوثني وتعدد الالهة الى مرحلة وصول التوحيد بظهور الديانات السماوية الثلاث .
ليس الاستاذ الغرباوي وحده وجد نفسه امام الاشكالية في تغييب حقيقة الدين باسم تفكير وممارسة التدين الخاطيء، قال كلمته التي كما فعل غيره قبله في محاولة اقناع النخبة، و بذل في مؤلفاته وكتاباته اقصى ما يستطيعه ان تصل حقيقة ما يكتبه الى الجمع الضال باسباب يحتاج شرحها مؤلفات من ذوي الاختصاص كل في مجاله لنزيد في رفوف المؤلفات والكتب العاجزة عن تغيير حالنا او حتى مجرد الرغبة بذلك.
عندما يكتب المفكر الملتزم بدينه ونظافة ضميره ان يقول كلمته بما يرضي الله، فهو ليس مسؤولا عن نتائج تفكيره في هداية الناس من عدمها في مهمة عجز الانبياء عن تحقيقها (وما انت عليهم بمسيطر) (ومن يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا). وكان عقاب الله حسب الديانات قاسيا لمن لم يفهم التدين على حقيقته كما جاء بها الرسل والانبياء.
بعض معوقات الاصلاح الديني
ان عدم سهولة تحمل مسؤولية نقد الفكر الديني الاسلامي وليس الدين بثوابته كما اشرنا له، وانما نقد واصلاح بعض مناحي الانحراف ومنطلقاته التي تدور حول حقائق الامور الدينية، وتحجبها وتحجمّها وتمنعها من الحراك التوعوي في وجوب ان يكون النقد الزائف في الدين، هو نقد الجمود والتخلف وتراجع الحياة في جميع مناحيها المتعالقة بالتدين. ان في افتراض تحقيق الاصلاح الديني من معرقلات وتشويه قدسيته الالهية المعصومة، لا يجدي ولا يكون فاعلا مالم يؤثر في تغيير مجمل مناحي الحياة في السياسة والمجتمع والاخلاق والقيم والاقتصاد وغيرها. المرتبطة جميعها في تحقيق نقلة اصلاحية في الوصول الى حقائق الدين في انسانيته غير المحدودة. ان تعالق الدين بالحياة عندنا لايختلف عن تعالق الدين بتدهور الحياة في اوربا العصور الوسطى. ومرحلة الاصلاح الديني عندهم ارست بداية نهضة اوربا علميا وعلمانيا ثم في وصول مرحلة كتابة الدساتير وتشريع قوانين تنظيم الحياة على اساس من الديمقراطية والعدل والمساواة وكفالة الحريات الشخصية السائدة في تطور مستمر مع ضرورات ومستجدات الحياة عندهم الى اليوم.
لقد اكتسبت عندنا المخادعة الدينية التزييفية حسب مقتضيات توظيف الدين بمرور الوقت وتوالي العصور، اكتسبت يقينيات التزييف الديني الجمعي، صفة اليقينيات المسّلم بها جماعيا استسلاميا لمنطقها المنحرف، بمعنى ابطال اعمال العقل في مراجعتها ونقدها لاستجلاء حقيقتها، قبل التسليم يقينيا بزيفها ومقولاتها الخرافية، على نطاق جماهيري مسطّح الفهم النقدي العقلاني. وتمييز حقائقها المغيبة بالدخيل الذي اكتسب صفة القداسة والتبجيل والتسليم بها، بحكم العادة وغلبتها في تبني المتوارث السهل الاستيعاب في تغييب العقل النقدي.
من المقر المسلم به ان تتحاشى نقد مرتكزات الدين الثابتة المعروفة، بقدر حاجتنا نقد ظواهر التدين الزائفة وتعديل مفاهيمها الكاذبة المضللة. وهناك من يرى مصالحه كفرد او جماعات، هو في بقاء نفاقه على الناس في خلط الاوراق بالغاء الفروقات البينية بينهما، بين الدين القدسي والتدين المصلحي المؤدلج سياسيا.
ان مرتكزات الدين تمتلك خصائص المقدس والاصالة التي تقود الى ارساء التدين الذي لا يطاله التحريف ولا تنال منه نوايا النفاق، الذين ارادوا ان يجعلوا من الاصل الدين في صفائه، ومن التدين بكل صفاته وممارساته الخرافية المنحرفة كلاهما شيء واحد، واسطة مشتركة لتكريس حكم الطاغية السياسي وسفك الدماء بلا وازع اخلاقي ولا مانع من ضمير. هكذا جرى في الماضي ويجري اليوم خلط اصول الدين وحقيقته الايمانية مع مخطوء التدين في الفكر والممارسة.
الغرباوي كغيره من المفكرين واجه اهم مشكلة في محاولة التنظير للاصلاح الديني كوقائع تاريخية لها ترابط في الحياة المعاصرة نتيجة تعميق التثقيف التناحري في امتلاك الحقيقة الدينية لطرف واحد دون غيره، انه كما ذكرنا في سطور سابقة يريد معالجة كم كبير جدا من المتراكم الخرافي المخطوء الذي اصبح وقائع تاريخية اكتسبت على مر الايام والعصور كل قطائع التخلف الاسطوري في تداولياته، واصبح يمثل ويحتكر لنفسه كامل الحقيقة الدينية في زيفها وتداوليتها الساذجة البعيدة عن الايمان الصحيح. فاصبح لدى عامة الناس ان حقيقة التدين في استمرارية تداولية المخطوء السطحية الساذجة التي لا يتعدى فهمها ان الدين هو في اداء اركان الدين الخمسة في اسقاط فرض التدين وليس في اسقاط فروض الدين. وليس مهما ان الدين في جوهره وربما لايعرف البعض او لا يريد ان الدين في جوهره واصالته ليس ما ابتدعه ويبتعده رجال الدين، بشر لا يختلفون عن غيرهم من البشر، وانه يتوجب على المؤمن الحق ان يحاكم كل اجتهاد في عصمة وقدسية الدين وليس في عصمة وقدسية افكار وفتاوى اناس مثلنا. لا يمتلكون ادنى عصمة ان افكارهم حقائق دينية صحيحة يجب التسليم بها والانقياد الاعمى لها من دون احتكامها مع اصول الدين.
ان الاحترابات الدينية المذهبية بين المسلمين او الطائفية مع غير المسلمين باتت تحمل صفة القداسة الزائفة التي لا رصيد حقيقي لها في فهم الدين وانما تستمد كل مقومات وصايتها على امور الدين من التسليم القطيعي الذي تحركه اما العواطف، واما جعل افكار الاجتهاد الديني في منزلة المقدس الذي لا يخطأ. وجعل الدين المسيس في خدمة ووصاية انحرافات وتسويقات رجال الدين للحاكم.
اذن بمختصر العبارة ان مهمة الاصلاح في الفكر الديني كما فهمته من كتابات الاستاذ الغرباوي، هي في اصلاح التدين الخاطيء المصادر عليه سياسيا بما يخدم شلة من الناس على حساب ضخ التخدير في وجوب الصبر على مكاره الحياة بانها امتحان ونتيجة الصبر ليس في هذه الدنيا الفانية بل في جنان الخلد السماوية . وليس هناك مايجيز عدم اطاعة اولي الامرمنكم او محاولة الوقوف في الضد من فساده في الارض وخيانته في توّلي امر المسلمين.
امام هذه الاشكالية التراكمية المعقدة والحساسة والصعبة التي تحفّها وتدور في فلكها منزلقات وممارسات تقف امام كل رغبة، تحاول اجتثاث كل متراكمات التدين غير الحقيقي. في وجوب ان تاخذ مدياتها بلوغ نوع من التحديث في مناحي الحياة. وفي اجتثاث التدين المخطوء الذي اكتسب اليقينية الدينية الزائفة بحكم العادة والتوريث التضليلي جيلا بعد جيل.
الاصلاح الديني بين الممكن والمستحيل
ان مهمة اي مفكر اسلامي منذ بدايات القرن 19 والى يومنا هذا، وصعوبة بل واحيانا استحالة تحقق وعي ديني مجدد له فاعلية او يمتلك حضورا، كما يشير الغرباوي يتطلب ضرورة اعمال ووجوب حضور العقل النقدي في كشفه حقائق الامور الدينية من زيفها، وتعرية الفكر الديني الطاريء في انحرافاته السياسية الخطيرة في تعطيل، اي نوع من نهضة حضارية، ويدعو الغرباوي اهمية : نقد مرجعيات الاعاقة امام علمنة وديمقراطية الحياة، ولكن مع كل هذه الاجتهادات التنويرية فان المهمة شاقة وصعبة وتنطوي على جملة معيقات ليس سهلا تجاوزها. وجميعها مبثوثة في ثنايا كتابات الغرباوي :
1- ان المتراكم الفكري التديني المخطوء التداولي عبر الاجيال اكتسب ممارسات يقينية وفكرية راسخة، لا يسمح بسهولة مرور الفكر التنويري التحديثي عبره، الكشف عن حقائق هذا الموروث، وتعرية الدخيل الطاريء المضلل المتقاطع مع حقيقة الدين الانسانية ومنطلقاته في خدمة الانسان ووجوده على الارض وليس ان يعيش جميع حرماناته وعدم تحقيقها في الموعود به الحصول عليه في السماء. وهي اعاقات نجدها في السياسة وفي رجال الدين وفي المجتمع الذي اعتاد الاملاءات.
2- لا بد من الاقرار باصعب اعاقة تجديدية يواجهها الفكر الديني في وقوف ما يسمون رجال الدين القائمين على امور الناس في دنياهم، المتمسكين بالاجتهاد في تضليل الناس ان دينهم هو في مرضاة سياسييهم اولي الامر. وهذا التزييف الايديولوجي التديني السياسي، يتم في وضع التدين المساق بهيستريا العاطفة في خدمة بقاء الحاكم الفاسد والنظام المنحرف عن حقوق وتلبية احتياجات الناس.
3- تضليل رجال الدين للناس ان اي اقتراب من قدسية الفكر الديني المسيس، مرجعيته الحادية تنفي الايمان بالخالق الذي ليست بحاجة الى اثبات، لذا تكون كل المتعالقات الطقوسية انما تفترض اولوية الحفاظ على النص الفكري الديني من تشويهات واكاذيب العلمانيين والملاحدة والكفرة، من التجديديين التنويريين.
4- ان اعمال العقل في نقد ومراجعة الزيف في النص الديني الذي بات مسلمات يقينية لا تقل عصمتها عن المقدس الالهي، لا يعني ضمنا، تجديدا في الوعي الديني المتخلف المتناسل زمنيا في توارث الضلالة، وفي بعض الاحيان يصل الايمان الخرافي المضلل ان ينسب لنفسه امكانية حتى تحقيق خرق قوانين الطبيعة باشبه بالمعجزات، بوجوب التسليم ان لا حرمة دينية في البحث عن حقائق الظواهر الدينية كما تدعو منهجية الغرباوي او غيره من المفكرين الاسلاميين.
5- لذا يكون لا حقيقة دينية فاعلة جديدة تاتي نتيجة نقد النص الديني، كما يمارس الغرباوي نقده العقلي في حقائق التدين المتوارثة، ومحاولاته وضع هذه الحقائق تجديدا بوجوب فهم الحقيقة الدينية بما يجمع ولا يفرق، ويبني لا يهدم، لاصطدام هذا التجديد كما ذكرنا في اكثر من موضع في هذه الدراسة، هيمنة سلطة التدين السياسي، وسلطة التخلف الاجتماعي والمعرفي والديني لدى المجموع.
6- ما يشتغل عليه الغرباوي هو السعي لبلوغ حقائق دينية في تغيير قناعات دينية خاطئة ليس على صعيد الفكر، بل وايضا على صعيد الممارسة الحياتية، وفي تاكيد هذه الحقيقة يقول الغرباوي (نامل ان تكون افكار هذا الكتاب اضافة حقيقية تساهم في فتح افاق رحبة لمعرفة مستنيرة تزعزع يقينيات العقل الدوغمائي، وتجريد رجل الدين من سطوته، ليستعيد الفرد وعيه ومكانته الحضارية) ص10.
7- ان المتراكم التديني المخطوء الموروث التداولي جيلا بعد جيل حول محاولة الابانة والكشف عن حقائق هذه الاشكاليات والقضايا الدينية، في تعرية الدخيل المتقاطع مع الدين كجوهر انساني ثابت، لا يتقبله التفسير الذي يتماشى مع تطور الحياة جماهيريا، التي يقوم تفكيرها الديني على يقينيات خادعة تقاطع نزعة التجديد خاصة في مجال التدين. وتصطدم حتما مع ايديولوجيات سياسية لا مصلحة لها بالتغييرالحداثي .
خلاصة
اشرت في مقالاتي الاربع المنشورة في المثقف، اني لم اتناول الجهد الفكري للاستاذ الغرباوي الذي يتضمنه كتابه (النص وسؤال الحقيقة) في محاولة نقدية تناقش تفاصيل مواضيع الكتاب النظرية، التي يقرنها هو في تطبيق ميداني لافكاره مأخوذ ليس من التاريخ المدون الموروث وحسب، وانما ربط جهده النقدي في محاججة الوضع المعاصر دينيا فكريا سياسيا. وان اطلاعه المتمكن في معالجة اشكاليات دينية تاريخية او معاصرة يختارها استشهادات لتنظيره الفكري، لا تجعل القاريء للنص يستطيع التعليق عليها باكثر مما هي تعرض نفسها في الكشف والتوضيح، واستدراج القاريء الى تفعيل النقد عنده، ومن المتعذر اعطاء كتاب فكري مميز في عرض مقالات لايتسنى لها تغطية العديد من مواضيعه .
من خلال متابعاتي لسلسلة اجوبة الغرباوي على اسئلة الاساتذة الكتاب على صفحات المثقف، خلصت بنتيجة مباشرة انه رغم كل الجهود الصعبة التي بذلها، والامكانات المتاحة له التي استخدمها بتدعيم حججه الاقناعية في هدف تحقيق اهدافه في نقد الحقيقة الدينية، يمكن ان نطلق عليها اقصى ما يستطيعه مفكر لا يمتلك غير فكره وقلمه وضميره ان يقول كلمته للتاريخ ويمضي غير منتظر ما تحققه من نتائج او لا تحققه فهي ليست من مهامه فهو لا يمتلك الهدف والوسيلة معا.
ان عدم سهولة مهمة نقد الفكر الديني واصلاحه من خلال نصوصه التي اخذت طابع اليقينيات المتوارثة في الغائها نقد العقل وفاعليته الواقعية التحديثية، في تصحيح تاريخ تديني اكتسب كل قطعياته التداولية عبر العصور بانه يمثل كامل الحقيقة الدينية التي تدعمه كامل القداسة الوهمية.
ان ازدواجية التنظير الفكري الديني الاصلاحي كنموذج مثالي لا صلة له بالتاثير الواقعي في كل محمولاته التصحيحية في توافق المادي مع الروحي، في عطالة او تعطيل تطبيق حتى الجزئي بعيدا عن الانحراف والفساد الذي اشار له الغرباوي في تداخل التبادل التوظيفي بين الدين والسياسة في نشر التجهيل الممنهج المدروس بعيدا عن فهم حقائق الامور، وفي تسييس الدين يكمن الخطر الاكبر في الغاء تحديث الحياة.
العقبة الثانية التي اشرنا لهاعلى انها مرتكز تغييب العقل النقدي الجمعي التديني، الذي يتغاضى عن اقصاء التدين السياسي لحياة التجديد وتلبية احتياجات الانسان الضرورية العصرية، بارجاع حسب توجيهات رجال الدين كل الاشياء ومسبباتها الى ابسط التاويلات التي تعفي العقل عن التفكير الصحيح بانها حادثة بقدرة الله ومشيئته وما على المتدين غير الصبر. وليس الى ظلم وجبروت السلطة السياسية في غبن حقوق الانسان. اشرنا مرات عديدة ان المتراكم المخطوء الذي تلبّس كيان الدين الصحيح، من قبل اناس لا تمتلك افكارهم واجتهاداتهم الدينية وفتاواهم اية عصمة لا توضع تلك الاجتهادات تحت مجهر المراجعة النقدية وابطال زيفها في خداع الناس.
انه من التبسيط المخل ان نتصور ان المتراكم المخطوء الذي يدور في تسييج الحقيقة الدينية، لا يمتلك ادوات مقاومة وبقاءه في وجه تيارات الاصلاح وتحديث الحياة. كما ان نص الفكر الديني المجتهد هو من صنع انسان لا يمتلك هو وافكاره اية معصومة قدسية تبطل مساءلته. ومررنا ايضا الى ان الانحراف الفكري ليس اعزلا من امتلاكه تنظيمات سياسية تدعمه ايديولوجيا وتضع كل امكاناتها الحزبية تحت تصرفه، كما ان المجتمع المعبا بايديولوجيا التجهيل الممنهج يستهدف اية بادرة اصلاحية بشعارات وممارسات قمعية باسم الوصاية على الدين والحفاظ عليه.
علي محمد اليوسف – باحث فلسفي / الموصل