أقلام ثقافية

غريب دوحي: دافنشي عبقري النهضة الاوربية

عاشت اوربا فترة طويلة وهي تئن تحت وطأة رجال الدين والاقطاع وصولات الفرسان وقد اطلق على هذه الفترة اسم (العصور الوسطى) کما سميت أيضا بالفترة المظلمة ، غير ان هذه القارة افاقت من سباتها وكانت البداية من ايطاليا ومن مدينة تسمى (فلورنسا) وهي المدينة التي قادت ذلك الانقلاب الاسطوري الذي وضع اوربا على اعتاب عصر جديد حتى سميت بحق (عاصمة النهضة) ولم تقتصر النهضة على ايطاليا حيث امتد تأثيرها إلى دول غرب اوربا وكان من ثمار هذه النهضة التقدم في مجال الفلسفة والعلوم والادب والفنون وكان (دافنشي)  احد عمالقة ذلك العصر.

لقد تميز العصر الذي ظهر فيه (دافنشي) بانه عصر انبعاث العلم والفن والفلسفة اليونانية القديمة وطرحها في ميادين المعرفة، كما ظهرت تصورات اخلاقية جديدة حول الحرية الشخصية بعيدة عن الفهم اللاهوتي للإنسان باعتباره (صوره للإله) .

تذكر مصادر تأريخ اوربا أثناء عصر النهضة بانه ولد في مدينة فلورنسا عام 1452 م وتقول عنه تلك المصادر ان التاريخ لم يشهد مثله عبقرياً مسيطراً على زمام شتى المسائل العلمية والفنية والفكرية وانه من العباقرة الذين ابدعوا في عصر النهضة الاوربية وقد تركز ابداعه في فن الرسم وكان يؤمن بوجود علاقة فلسفية بين الفن والعلم وخاصة علم الرياضيات وبذلك كان دافنشي رساماً ونظرياً في فن الرسم حيث وضع الرسم في اعلى مراتب الفنون وقد اعتبرت لوحاته من اندر واثمن ما انتج في هذا الميدان لإنها تعبر عن الثورة الكامنة في الطبيعة والحياة وقد تجد هذا في لوحته الشهيرة (الموناليزا)

 او (الجوكندا) حيث اعطى صاحبة الصورة الرائعة الجمال بعداً فنياً خاصاً من خلال نظرتها البعيدة وابتسامتها الغامضة التي كانت ولا تزال مثاراً للجدل بين المختصين في فن الرسم.

كانت لدافنشي محاولات لصنع أجهزة طائرة جديدة حيث اعتمد فيها على ملاحظاته الشخصية حول تحليق الطيور المختلفة وقد تمكن فعلاً من صنع آلات تطير بواسطة اليد وتعتمد على وجود محرك خاص بداخلها. 

ابداعات اخرى لدافنشي

اهتم دافنشي بالإنسان وكان يفكر في مسألة تطور الانسان من الإشكال البدائية الى ان تبلغ التكامل وهو اول من تكلم في حدد بشكل صحيح عدد فقرات العمود الفقري للإنسان. وقد اراد ان يعرف كيف يبدو الانسان عندما يضحك وعندما يبكي وقد طلب من المستشفيات ان يعطوه جثث الموتى حيث قام بتشريحها وكان عمله هذا غير مسبوق في ذلك الوقت وقام بدراسة الحيوانات والنباتات ان اعماله هذه كانت تثير اعجاب معاصريه

اما في مجال الفلك فقد وقف بثبات من الآراء التي تجعل من الأرض مركزاً للكون وهو اول من حدد اللون الرمادي للقمر وتوقع حدوث زلازل وبراكين على سطح الارض - كما انه ساهم في تطوير اسلحة الحرب مثل تطوير المدافع والمفرقعات وبناء الجسور المتنقلة وينسب اليه قوله (اني اخترع من وسائل الدفاع والهجوم ما نواجه به بأس الطغاة الطامعين لكي نحافظ على النعمة التي وهبتنا اياها الطبيعة الا وهي الحرية) وقد وصف الحرب بانها شكل من اشكال الجنون .

ايامه الاخيرة

عندما لاحظ دافنشي ان بلاده قد اخذ الانحلال يدب في مختلف مرافقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، اضطر الى ان يقضى ايامه الأخيرة في السفر إلى خارج إيطاليا فعقد العزم للسفر إلى باريس عندما تلقى دعوة من ملك فرنسا وقد وجد فيها المكان الملائم لإبداعاته وقد حظى برعاية الملك وخصص له قصراً بجوار قصره وكان الملك يزوره في معظم الاوقات ويقضي الساعات الطويلة في الحديث معه وهكذا استمر لمدة عام على هذا المنوال بعيداً عن وطنه وشعبه حيث حقق تلك الانجازات الكبرى على ارض مدينة (فلورنسا)، فنال منه المرض ورقد في فراشه وكان الملك والمعجبون بأعماله يزورنه بین حين و آخر لوداعه وقبل ان يغمض عيونه ويتسلم للموت أوصى بان كل ما يملك من اموال هي هدية لخادمه الذي ظل وفيا له حتى وفاته ... توفي دافنشي في عام ١٥١٩ م بعد ان ترك آثار فنية خالدة كلوحة (الموناليزا) ولوحة (العشاء الأخير).

***

غريب دوحي

في المثقف اليوم